جلسة 25 من أكتوبر سنة 1958
برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.
----------------
(2)
القضية رقم 212 لسنة 3 القضائية
إثبات
- مدة خدمة في التعليم الحر - الشهادات المقدمة من المعاصرين لإثباتها لا تعتبر قرينة قاطعة في إثبات صحة ما تضمنته - تقدير قيمة هذه الشهادات كدليل في الإثبات متروك للإدارة - ليس للقضاء الإداري أن يستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما قام لديها من دلائل في خصوص صحة أو عدم صحة قيام الواقعة المراد التدليل عليها بالشهادات المذكورة.
إجراءات الطعن
في 26 من يناير سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 212 لسنة 3 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة "أ") بجلسة 29 من نوفمبر سنة 1956 في الدعوى رقم 5632 لسنة 8 القضائية المقامة من: السيدة لولو فهمي قلدس ضد وزارة التربية والتعليم, القاضي "بقبول الطعن شكلاً, وبرفضه موضوعاً, وتأييد قرار اللجنة القضائية المطعون فيه, وألزمت الطاعنة بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "قبول هذا الطعن شكلاً, وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه وكذا قرار اللجنة القضائية جزئياً فيما قضيا به من رفض طلب المتظلمة لمرتب قدره 16 ج من تاريخ ضمها للحكومة في أول ديسمبر سنة 1950, والقضاء بأحقيتها في هذا الشق من طلباتها, وتسوية حالتها على هذا الأساس, وما يترتب على ذلك من آثار قانونية, وإلزامها المصاريف المناسبة". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة التربية والتعليم في 16 من فبراير سنة 1957, و إلى المطعون لصالحها في 21 منه, وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 4 من أكتوبر سنة 1958. وفي أول يوليه سنة 1958 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة, وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة, ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم, مع الترخيص في تقديم مذكرات خلال عشرة أيام.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفي أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة, حسبما يبين من أوراق الطعن, تتحصل في أن المدعية قدمت إلى اللجنة القضائية لوزارة التربية والتعليم التظلم رقم 3159 لسنة 1 القضائية بعريضة مؤرخة 9 من فبراير سنة 1953 ذكرت فيها أنه حاصلة على شهادة "السرتيفيكا" الفرنسية في 1927 وعلى الصلاحية الفرنسية ثانوي رقم 303, وأنها عينت بالمدارس الحرة ابتداء من 14 من يناير سنة 1929, وتقبلت في وظائفها, حتى أصبحت ناظرة لمدارس التوفيق القبطية للبنات بالفيوم منذ أول أكتوبر سنة 1944, وأنها تتقاضى بموجب العقد المبرم بينها وبين الجمعية المشرفة على مدارس التوفيق مرتباً أساسياً من وزارة التربية والتعليم على بند الإعانات قدره 16 ج شهرياً , وعندما تقرر ضم موظفي التعليم الحر إلى موظفي الدولة بالقانون الصادر في سنة 1950 قدمت جميع المستندات الدالة على مدة خدمتها السابقة, إلا أنها فوجئت بخطاب إذن التسوية رقم 159 الصادر من إدارة التعليم الحر في 27 من يوليه سنة 1952 بتعديل مرتبها من 16 ج إلى 500 م و7 ج شهرياً. ولما كانت هذه التسوية غير عادلة فقد تظلمت منها بشكوى إلى السيد المدير العام للتعليم الحر في 29 من نوفمبر سنة 1952 دون جدوى؛ ولذلك فإنها تطلب من اللجنة النظر في إعادة تسوية مدة خدمتها كاملة بالتعليم الحر ووضعها في الدرجة المستحقة لها مع تطبيق المرسوم بقانون رقم 329 لسنة 1952 الصادر في 18 من ديسمبر سنة 1952 على حالتها. وقد ردت منطقة الفيوم التعليمية على هذا التظلم بأن مرتب المتظلمة كان في أول أكتوبر سنة 1944 ينقسم إلى قسمين: إعانة قدرها 2.5 ج تدفعها الوزارة, وفرق مرتب قدره 13.5 ج تدفعه المدرسة بمقتضى عقد مبرم بينها وبين الجمعية التي تتبعها جمعية التوفيق القبطية. ولما طبقت قواعد المجانية في عام 44/ 1945 صرف لها المرتب جميعه من إعانة وفرق هي وأمثالها من المنطقة. وقد أصدرت الوزارة نشرة مؤرخة 10 من يناير سنة 1945 قررت فيها أن فروق المرتبات الحالية للمدرسين والنظار التي يتضح أنها زائدة عن الحد المقرر بموجب قواعد الإنصاف تخفض إلى الحد المقرر اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1945, ثم قضت نشرة الوزارة المؤرخة 30 من أغسطس سنة 1945 بأن تدفع الوزارة عن المدرسة التي قبلت نظام المجانية, ومنها مدرسة التوفيق الابتدائية للبنات بالفيوم, مرتبات موظفيها حسب قواعد الإنصاف المقررة لمدرسي التعليم الحر, فإن زادت على ذلك خصمت هذه الزيادة من إعانة التعويض, وهي الإعانة التي تدفعها الوزارة للمدارس الحرة التي قبلت نظام المجانية تعويضاً لها عن تنفيذ هذا النظام. وقد استمرت المتظلمة تصرف مرتبها من الوزارة كما هو حتى تتم إجراءات التسوية حالته وتقدير مرتبها حسب قواعد الإنصاف. ثم سوت الوزارة مرتبها على أساس القواعد المشار إليها, وذلك بالإذن رقم 159 الصادر في 27 من يوليه سنة 1952 من الإدارة العامة للتعليم الحر, وحدد هذا المرتب - تطبيقاً للقواعد المذكورة - على أساس 7.5 ج شهرياً, ولم تخصم المنطقة الفرق بين 7.5 ج و16 ج من المرتب بل من إعانات المدرسة حتى 30 من نوفمبر سنة 1950, وهو التاريخ الذي بدأ فيه ضم موظفي التعليم الحر لموظفي الدولة, ثم حسب مرتبها من أول ديسمبر سنة 1950 على أساس 7.5ج. وفي 29 من نوفمبر سنة 1953 صدر الإذن رقم 2647 بضمها إلى موظفي الدولة باعتبار أن مدة خدمتها في التعليم الحر بدأت من 29 من سبتمبر سنة 1937, واعتبارها منتدبة لوظيفتها الحالية من أول ديسمبر سنة 1950, وعدل مرتبها إلى 8.5 ج. وبجلسة 30 من ديسمبر سنة 1953 أصدرت اللجنة القضائية قرارها برفض التظلم, وأسسته على أنه يستخلص من قرار مجلس الوزراء الصادر في 5 من مارس سنة 1945 ومن مذكرة اللجنة المالية التي وافق عليها مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 25 من فبراير سنة 1951 أن من عين من مدرسي التعليم الحر بعد أول ديسمبر سنة 1950 يجب أن تسوى حالته أسوة بمن عينوا قبل هذا التاريخ وذلك بالتطبيق لقواعد التعليم الحر أو التعليم العام أيهما أفضل؛ ومعنى أن يضم بحالته التي كان عليها هو أن يضم بالحالة التي يصل إليها بعد التسوية لا الحالة التي كان يحكمها تعاقد خاص بين المدرس وبين ناظر المدرسة؛ لأن العلاقة بين المدرس وبين الحكومة بعد ضمه إليها أصبحت علاقة تنظيمية تحكمها القواعد التي تطبيقها الحكومة على سائر موظفيها. ولما كانت الوزارة قد سوت حالة المتظلمة على أساس قواعد الإنصاف وهي القواعد الأفضل لها فوصل مرتبها إلى 500 م و7 ج شهرياً من أول ديسمبر سنة 1950, فإن هذه التسوية تكون صحيحة مطابقة للقانون ويكون التظلم على غير أساس متعيناً رفضه. وقد طعنت المتظلمة في قرار اللجنة القضائية هذا بالدعوى رقم 5632 لسنة 8 القضائية التي أقامتها أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعتها سكرتيرية المحكمة في 22 من مارس سنة 1954 طلبت فيها "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء قرار اللجنة القضائية, والحكم بأحقية الطالبة في أن تكون تسوية حالتها على أساس راتب شهري قدره 16 جنيهاً في الدرجة السابعة بدلاً من 500 م و7 ج في الدرجة الثامنة, مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الوزارة بمصروفات هذا الطعن ومقابل أتعاب المحاماة". وقالت في صحيفة دعواها وفي مذكرتها التي قدمتها بعد ذلك إن حقها في طلباتها التي رفضتها اللجنة القضائية وهي أن يكون ضمها إلى خدمة وزارة التربية والتعليم بالراتب الذي كانت تتقاضاه في التعليم الحر وهو 16 ج شهرياً يستند إلى أحكام القانون رقم 170 لسنة 1950 بفتح اعتماد إضافي لإنشاء عشرة آلاف وظيفة وكسور بميزانية وزارة التربية والتعليم يعين فيها موظفو التعليم الحر, على أن يكون تعيين من يقبل منهم التعيين بحالته التي هو عليها في التعليم الحر, كما يقوم على مقتضى أحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 5 من مارس سنة 1945 وكتاب وزارة المالية الدوري المنفذ له فيما جاء منهما خاصاً بحساب كامل مدة خدمة موظفي التعليم الحر في خدمتهم الحكومية من ناحية الأقدمية وتحديد الماهية, وكذلك ما نص عليه قرارا مجلس الوزراء الصادران في 10 من سبتمبر سنة 1950 و25 من فبراير سنة 1951 من أن تسوية حالة موظفي التعليم الحر المنضمين إلى الوزارة فرادي أو مجتمعين تكون على أساس المرتبات التي كانوا يتقاضونها في المدارس الحرة, ويستند أخيراً إلى أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 في شأن قواعد ترقية قدامى الموظفين. وموضع الخطأ في قرار اللجنة القضائية أنها اعتبرت التسوية التي أجرتها الوزارة صحيحة على أساس تفسير خاطئ لعبارة "أن تتم التسوية حسب الحالة التي كانوا عليها"؛ إذ رأت أن "الحالة التي كانوا عليها" تفيد معنى "الحالة التي صاروا إليها بعد صدور قرار الوزارة بتسوية حالاتهم", وهذا تفسير غير سليم. وهذا إلى أن التسوية المشار إليها قامت على أسس خاطئة؛ إذ أن الوزارة لم تحسب للمدعية مدة خدمتها بالتعليم الحر كاملة, فقد اعتبرت مبدأ اشتغالها بالتعليم الحر من 29 من سبتمبر سنة 1937, مع أنها تعمل بالفعل من 14 يناير سنة 1929, كما هو ثابت من المستندات التي فحصتها الوزارة؛ وبذلك تكون هذا الأخيرة قد أهدرت ما يقرب من تسع سنوات من أقدمية المدعية وأنقصت راتبها إلى أقل من نصف الراتب الذي كان يصرف لها من خزانة الوزارة من بند التعليم الحر, ويترتب على حساب المدة المذكورة في خدمة المدعية وجوب تعديل راتبها بإضافة العلاوات التي كانت تستحقها خلالها وثبوت حقها في الترقية إلى الدرجة السابعة بموجب قواعد ترقية المنسيين, سواء الصادرة منها في سنة 1943 أو في 18 من ديسمبر سنة 1952؛ لأنها تكون قد أمضت في الدرجة الثامنة خمس عشرة سنة اعتباراً من 14 من يناير سنة 1944 أو على الأقل من 14 من يناير سنة 1949 إذ اعتبرت السنوات الخمس الأولى من اشتغالها بالتعليم الحر بدلاً من المؤهل العلمي المقرر للتعيين في الدرجة الثامنة. وقد رددت وزارة التربية والتعليم دفاعها السابق إبداؤه أمام اللجنة القضائية. وبجلسة 29 من نوفمبر سنة 1956 قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة "أ") "بقبول الطعن شكلاً, وبرفضه موضوعاً, وتأييد قرار اللجنة القضائية المطعون فيه, وألزمت الطاعنة بالمصروفات". وأقامت قضاءها فيما يتعلق بطلب المدعية ضم مدة خدمتها من سنة 1937 على أن هذا الطلب غير مستند إلى أساس سليم لعدم إمكان الوثوق بصحة الشهادات المقدمة من المذكورة وبخاصة في فترة انقطاعها عن الاشتغال بالتعليم الحر. وفيما يختص بطلب تحديد المرتب على أن المستفاد من الكتاب الدوري رقم 78/ 1/ 74 المؤرخ 19 من مايو سنة 1945 والمنفذ لقرار مجلس الوزراء الصادر في 5 من مارس سنة 1945 هو أن تحسب مدة الاشتغال بالتعليم الحر كاملة في الأقدمية في الدرجة إذا كان المدرس حاصلاً من مبدأ اشتغاله بالتعليم على المؤهل الدراسي, فإذا كان قد حصل عليه أثناء ذلك فتحسب الأقدمية من تاريخ حصوله عليه. والمدعية لا تحمل مؤهلاً دراسياً؛ ولذا وضعت في الدرجة الثامنة من بدء خدمتها في 29 من سبتمبر سنة 1937 في التعليم الحر؛ ومن ثم فإن التسوية التي أجريت لها تكون سليمة, ولا سيما أن القانون رقم 170 لسنة 1950 قد ترتب عليه في أحوال كثيرة أن قلت مرتبات المشتغلين بالتعليم الحر المقررة بأذونات التسوية عن تلك التي كانون متعاقدين عليها مع مديري المدارس سابقاً؛ ومن أجل هذا تركت لهم حرية الانخراط في سلك موظفي الدولة بالمرتب الذي يحدد طبقاً للقواعد الواردة في قرار مجلس الوزراء الصادر في 5 من مارس سنة 1945 أو طلب إلغاء قرار التعيين والبقاء على حالتهم الأولى. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 26 من يناير سنة 1957 طلب فيها "قبول هذا الطعن شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وكذا قرار اللجنة القضائية جزئياً فيما قضيا به من رفض طلب المتظلمة لمرتب قدره 16 ج من تاريخ ضمها للحكومة في أول ديسمبر سنة 1950, والقضاء بأحقيتها في هذا الشق من طلباتها, وتسوية حالتها على هذا الأساس, وما يترتب على ذلك من آثار قانونية , وإلزامها بالمصاريف المناسبة". واستند في أسباب طعنه إلى أنه لا اعتراض له على ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه إلا فيما يتعلق بالراتب الذي تستحقه المدعية اعتباراً من تاريخ ضمها إلى خدمة الحكومة في أول ديسمبر سنة 1950, فقد كانت تتقاضى بالمدارس الحرة راتباً قدره 16 ج شهرياً بينت الجهة الإدارية أنه كان بمقتضى العقد المبرم بين المدعية والجمعية التي تتبعها في أول أكتوبر سنة 1944, وكانت تدفع الوزارة منه 500 م و2 ج وتدفع المدرسة الباقي وقدره 500 م و13 ج حتى صدرت نشرة 30 من أغسطس سنة 1945 حيث دفعت الوزارة كامل المرتب بعد إذ قبلت المدرسة التي تتبعها المدعية نظام المجانية على أساس قواعد الإنصاف, أما الزيادة فتخصم من إعانة التعويض. وقد أقر الحكم التسوية التي أجرتها الجهة الإدارية للمدعية في شأن المرتب الذي بلغ حسب التدرج الأخير 8 ج شهرياً في أول ديسمبر سنة 1950 و500 م و8 ج في أول مايو سنة 1951؛ وبذلك رفض طعن المدعية وأيد قرار اللجنة القضائية, بيد أنه سبق لهيئة المفوضين أن طعنت في حالة مماثلة مؤيدة أحقية المدعية للمرتب الذي كانت تتقاضاه قبل نقلها, دون نظر إلى المصدر الذي كانت تتلقى منه هذا المرتب سواء أكان هذا المرتب يصرف إلى الموظف من الإعانة التي رصدتها وزارة التربية والتعليم أم من الجهة التي يعمل بها. ولا وجه للقول بأن وضع المدعية في الدرجة الثامنة يتعارض مع منحها مرتباً قدره 16 ج شهرياً, وهو مرتب يعلو أول مربوط الدرجة السادسة؛ ذلك أن منحها هذا المرتب إنما كان وفقاً لأحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 25 من فبراير سنة 1951, دون نظر إلى وجوب التناسب بين الدرجة والمرتب. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد جاء مخالفاً للقانون متعيناً الطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إن طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة قد اقتصر على ما انتهي إليه الحكم المطعون فيه فيما يتعلق بالراتب الذي تستحقه المدعية اعتباراً من تاريخ ضمها إلى خدمة وزارة التربية والتعليم في أول ديسمبر سنة 1950, بيد أنه لما كانت المذكورة تطلب أيضاً حساب مدة خدمتها في التعليم الحر السابقة على 29 من سبتمبر سنة 1937, وهو التاريخ الذي أقرته التسوية التي أجرتها لها الوزارة كمبدأ لاشتغالها الثابت بالتعليم الحر, فإنه يتعين التصدي لبحث هذا الطلب الذي قضى الحكم المطعون فيه برفضه؛ لما قد يكون ذلك من أثر, لو صحت دعواها في خصوصه, في تحديد المرتب موضوع المنازعة التي أثارها الطعن وفي أقدميتها وترقيتها بالتطبيق لقواعد إنصاف المنسيين وقدامي الموظفين. ذلك أن الطعن يفتح الباب أمام هذه المحكمة لنظر الموضوع برمته متى قام الارتباط بين الطلبات المتعددة المطروحة على المحكمة, كي تنزل حكم القانون فيها جميعاً على الوجه الصحيح, ما دام المرد هو إلى مبدأ المشروعية نزولاً على سيادة القانون في روابط هي من روابط القانون العام تختلف في طبيعتها عن روابط القانون الخاص.
ومن حيث إن المدعية تذهب على أن أول عهدها بالاشتغال بالتعليم الحر يرجع إلى 14 من يناير سنة 1929 في مدرسة النهضة المصرية الابتدائية للبنات بالظاهر, ثم بمدرسة الآباء اليسوعيين بالفجالة, فمدرسة الأقباط الثانوية للبنات بالمنيا, فمدارس التوفيق القبطية للبنات بالفيوم. وقد قدمت للتدليل على ذلك شهادات عرفية حديثة العهد صادرة في أبريل ويوليه وسبتمبر سنة 1952 وفبراير سنة 1946 بتوقيع مدرسين معاصرين؛ لعدم وجود سجلات رسمية بالمدارس التي تزعم أنها كانت تعمل بها في المدد التي حددتها. وقد أثبت التفتيش الإداري بمنطقة القاهرة الشمالية عدم تمكنه من التحقق من صحة ما جاء بهذه الشهادات لعدم وجود سجلات بالمدارس يمكن الرجوع إليها في هذا الشأن. وقامت الوزارة بتسوية حالتها فيما يتعلق بحساب مدد خدمتها السابقة بالتعليم الحر على أساس ضم المدد التي ثبت لديها صحتها واستبعاد فترات الانقطاع, فاعتبرت التاريخ الفرضي لبدء اشتغالها بالتدريس في التعليم الحر راجعاً إلى 29 من سبتمبر سنة 1937, واتبعت في تحديد هذه المدد إجراءات تقوم على تحقيق المدة التي قضيت بكل مدرسة, وذلك بوساطة أحد المفتشين الإداريين الذي يعتمد على بحث السجلات والملفات ومستندات الصرف؛ ولم تعتد بشهادات المعاصرين عن مدد الخدمة التي استبعدتها باعتبار هذه الشهادات دليلاً تقديرياً يحتمل الصدق وعدمه؛ إذ انتهت أخيراً بعد التردد في أمرها إلى إطراح الأخذ بها لعدم الثقة فيها وعدم وجود قاعدة تلزمها بحجيتها وعدم نهوض الشهادات المذكورة قرينة قاطعة في إثبات صحة ما تضمنته, ولا سيما كما تقول الوزارة (منطقة الفيوم التعليمية) في مذكرتها المؤرخة 31 من مايو سنة 1954 "بعد أن ثبت للوزارة أن كثيراً من الشهادات ملفقة", وما دامت الوزارة صاحبة الرأي في تقدير الشهادات المقدمة من المدعية لإثبات مدد خدمتها السابقة في التعليم الحر لم تقتنع بصحة هذه الشهادات كدليل صالح لهذا الإثبات فيما يتعلق بالمدة التي قررت الوزارة استبعادها, بعد إذ تطرق إلى وجدانها الارتياب في أمرها, فإن قرارها في هذا الشأن الذي هو متروك لوزنها وتقديرها وعقيدتها يكون سليماً , وليس للقضاء الإداري أن يستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما قام لديها من دلائل وشواهد وقرائن أحوال إثباتاً أو نفياً في خصوص صحة أو عدم صحة قيام الواقعة المراد التدليل عليها بالشهادات المتقدم ذكرها. ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أصاب الحق فيما قضى به من تأييد قرار اللجنة القضائية برفض هذا الطلب لعدم قيامه على أساس سليم من القانون.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بتقدير الراتب الذي تستحقه المدعية اعتباراً من تاريخ ضمها إلى خدمة وزارة التربية والتعليم في أول سبتمبر سنة 1950, وما إذا كانت تستحق ذات الراتب الذي كانت تتقاضاه بمدارس التعليم الحر قبل هذا الضم بمقتضى عقد الاستخدام المبرم بينها وبين مدارس التوفيق القطبية بالفيوم منذ أول أكتوبر سنة 1944 والمجدد بعد ذلك ولو جاوز هذا الراتب أقصى مربوط درجتها أم لا, فإن هذه المحكمة سبق (1) أن قضت بأن ضم مدرسي التعليم الحر إلى وزارة التربية والتعليم قام أساساً على مبدأ مساواتهم بزملائهم مدرسي المدارس الأميرية من حيث تطبيق قواعد الإنصاف عليهم وقرارات ضم مدد الخدمة السابقة, بحيث يعاملون من حيث الدرجة والأقدمية وتحديد الماهية معاملة زملائهم مدرسي المدارس الحكومية. وقد كان هذا هو ما اتبعته الوزارة في شأنهم؛ ذلك أنها كانت قد سوت حالتهم قبل ضمهم إليها على أساس وضعهم في الدرجات المقررة لمؤهلاتهم إن كانوا من حملة المؤهلات الدراسية, وبوضعهم في الدرجة التاسعة إن كانوا من ذوي الصلاحية, كما هو الحال في شأن المدعية التي تقررت صلاحيتها لتدريس اللغة الفرنسية بالمدارس الثانوية وأدرجت في الكشوف الخاصة بذلك تحت رقم 303 ككتاب الوزارة رقم 559 المؤرخ 2 من أكتوبر سنة 1940 على أن يمنحوا الدرجة الثامنة بعد خمس سنوات من اشتغالهم بالتدريس, ثم درجت مرتباتهم بعد ضم هذه الخدمة السابقة طبقاً للقواعد المقررة في شأن موظفي الحكومة؛ وبذلك يتحقق مبدأ المساواة بين جميع الزملاء في الحقوق بعد أن تساووا في الواجبات. فلم يكن المقصود من ضم مدرسي التعليم الحر بحالتهم من حيث الماهية والدرجة والأقدمية إلا أن تسوى حالتهم عند ضمهم إلى الوزارة وفقاً للتسوية التي أجريت لهم قبل الضم على أساس تطبيق قواعد الإنصاف وقرارات ضم مدد الخدمة السابقة. وقد كشفت مذكرة اللجنة المالية التي وافق عليها مجلس الوزراء في 25 من فبراير سنة 1951 عن صحة هذا النظر في وضوح, حيث ورد بها أن وزارة المعارف اتبعت "في تسوية حالة مدرسي مدارس التعليم الحر القواعد التي اتبعتها الوزارة مع مدرسي الحكومة, وذلك بتطبيق قواعد الإنصاف والمنسيين وقراري 5 من مارس سنة 1945 و16 من أكتوبر سنة 1946, مع ضم مدة خدمتهم السابقة كاملة طبقاً للقواعد المقررة. وقد قرر المجلس الأعلى للتعليم الحر اعتبارهم في درجات مماثلة لدرجات الكادر الحكومي واعتبر من لا يحمل مؤهلاً منهم في الدرجة الثامنة بعد مضي خمس سنوات في عمل فني تطبيقاً لكادر سنة 1939, واتبع في ترقياتهم وعلاواتهم أحكام الكادر العام الحكومي وأقرت المالية هذا الإجراء بكتابها رقم م 78 - 1/ 186 م 3 المؤرخ 23 من مارس سنة 1949, والمطلوب بالاحتفاظ لهؤلاء المدرسين بهذه الأقدميات والماهيات في الدرجة والعلاوة, على أن تسري هذه الأحكام على من كان منهم بالتعليم الحر وضم قبل ذلك"؛ يؤكد هذا ما ردده كادر موظفي التعليم الحر في مادته الأولى من إنشاء درجات لموظفي التعليم الحر مماثلة لدرجات الكادر الحكومي ومن النص على أن يعين في الدرجة السادسة الحاصل على مؤهل عال ويمنح المرتب المقرر لمؤهله في الكادر الحكومي, وما نص عليه في المادة الثامنة من أن "يعين في الدرجة المخصصة لمؤهله كل موظف معين بالتعليم الحر", فالمناط في تحديد درجة الموظف بالتعليم الحر هو بالمؤهل الحاصل عليه ثم تتم تسوية حالته بعد ذلك طبقاً للأوضاع المقررة في الكادر الحكومي وفي قرارات ضم مدد الخدمة السابقة؛ ومن ثم فإن التسوية التي أجرتها وزارة التربية والتعليم للمدعية وفقاً لما تقدم على أساس قواعد الإنصاف بالإذن رقم 159 الصادر في 27 من يوليه سنة 1952 من الإدارة العامة للتعليم الحر, والإذن رقم 2647 الصادر في 29 من نوفمبر سنة 1953 بضمها إلى موظفي الدولة باعتبار أن مدة اشتغالها بالتعليم الحر بدأت من 29 من سبتمبر سنة 1937, واعتبارها منتدبة لوظيفتها الحالية من أول ديسمبر سنة 1950 مع تعديل مرتبها في الدرجة الثامنة بمراعاة مؤهلها, وهو الصلاحية, ومدة خدمتها السابقة المحسوبة في التعليم الحر - إن هذه التسوية تكون في الواقع من الأمر صحيحة مطابقة للقانون , وذلك كله مع عدم الإخلال بإفادتها من المادة 40 مكرراً من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة, إن كان لها في ذلك وجه حق. ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أصاب الحق فيما قضى به من تأييد قرار اللجنة القضائية الصدر برفض تظلم المدعية, ويكون طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في غير محله متعيناً رفضه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وبرفضه موضوعاً.
(1) راجع السنة الثانية من هذه المجموعة, ص 1263, بند 132.