جلسة أول يناير سنة 1959
برياسة السيد محمود عياد المستشار، وبحضور السادة: عثمان رمزي، ومحمد زعفراني سالم، ومحمد رفعت، وعباس حلمي سلطان المستشارين.
----------------
(2)
الطعن رقم 247 سنة 24 ق
(أ) استئناف "ميعاد استئناف". تجزئة.
الحكم الصادر بتثبيت ملكية إلى قدر معين من أطيان في تركة. موضوعه قابل للتجزئة. عدم سريان حكم المادة 384/ 2 من قانون المرافعات عليه. اتحاد المركز أو الاشتراك في الدفاع غير مؤثر.
(ب) وصية. أحوال شخصية "مسائل عامة". دعوى "وقف الخصومة". محكمة الموضوع.
عدم قيام النزاع على علاقة الموصي بالموصى لهم ولا على علاقته بباقي ورثته. عدم تعلقه بصيغة الوصية ولا بأهلية الموصي للتبرع. عدم اعتبار ذلك مما يتعلق بالأحوال الشخصية. تقدير المحكمة عدم جدية المنازعة القائمة حول الوصية. موضوعي. لا مبرر لوقف الخصومة.
(ج) وصية. حكم "تسبيب كاف".
عدم انسحاب إنكار الموصية إلى الوصية. ليس هناك جحد لها حتى يكيف. في هذا ما يكفي لحمل النتيجة التي انتهى إليها الحكم. تزيده بعد ذلك. لا يعيبه.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتلخص في أن المطعون عليهم الثلاثة الأولين أقاموا الدعوى رقم 923 سنة 1945 مدني كلي المنصورة أمام محكمة المنصورة الابتدائية على الطاعنين وآخرين بعريضة ذكروا فيها أن السيدة أم السعد علي الخياط مورثة الطاعنين قد أوصت لهم بمقتضى وصية محررة بتاريخ 20/ 7/ 1936 بنصيب في تركتها يوازي نصيب أحد أولادها وطلبوا - أولاً - الحكم بصحة التعاقد المذكور. وثانياً - الحكم بتثبيت ملكيتهم لهذا النصيب - ومقداره 6 و6/ 7 ط من 24 ط في تركة الموصية من الأطيان والعقارات المبينة بتلك العريضة مع تسليم هذا المقدار إليهم ثم تنازلوا عن الطلب الأول وقصروا الدعوى على الطلب الثاني - نازع الطاعن الثاني في صحة الوصية لسببين - الأول أن الموصية أنكرت صدورها منها في الشكوى رقم 1517 سنة 1942 إداري فارسكور - والثاني - أنه لم تراع فيها الأحكام المقررة في الشريعة الإسلامية كما دفع الدعوى بأنه على فرض صحة الوصية فإن الموصية قد رجعت فيها بإنكار صدورها منها في الشكوى المذكورة وطلب أصلياً رفض الدعوى واحتياطياً وقفها حتى يفصل نهائياً من المحكمة الشرعية بصحة الوصية وبتاريخ 22 من يونيه سنة 1953 حكمت المحكمة بتثبيت ملكية المطعون عليهم للنصيب المطلوب في الأطيان والعقارات المبينة بعريضة الدعوى وتسليمه إليهم مع المصاريف فاستأنف الطاعنون هذا الحكم أمام محكمة استئناف المنصورة بصحيفة قيدت بجدولها تحت رقم 346 سنة 5 ق طلبوا فيها إلغاء الحكم المذكور ورفض دعوى المطعون عليهم فدفع هؤلاء الأخيرون أصلياً ببطلان الاستئناف لعدم رفعه بالطريق القانوني واحتياطياً بعدم قبوله شكلاً بالنسبة للطاعنين الثالث والرابع والسادسة لرفعه بعد الميعاد وطلبوا من باب الاحتياط الكلي رفض الاستئناف موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف - وبتاريخ 6 من يونيه سنة 1954 حكمت المحكمة برفض الدفع ببطلان الاستئناف وبعدم قبول الاستئناف شكلاً من الطاعنين الثالث والرابع والسادسة لتقديمه بعد الميعاد وبقبوله شكلاً بالنسبة لمن عدا هؤلاء وفي موضوع الاستئناف برفضه وتأييد الحكم المستأنف مع إلزام المستأنفين بالمصروفات ومبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة. فقرر الطاعنون الطعن بطريق النقض في هذا الحكم بتاريخ 14 من يوليه سنة 1954 وقدمت النيابة العامة مذكرة طلبت فيها رفض الطعن وبتاريخ 29 من أكتوبر سنة 1958 عرض الطعن على دائرة فحص الطعون وصممت النيابة على مذكرتها - فقررت الدائرة إحالته على هذه المحكمة لنظره بجلسة 11 من ديسمبر سنة 1958 وفيها أصرت النيابة على رأيها.
وحيث إن مبنى الطعن مخالفة القانون من أربعة أوجه أولها أن الحكم المطعون فيه أخطأ إذ قضى بعدم قبول الاستئناف بالنسبة إلى بعض المستأنفين ورفض تطبيق المادة 384 مرافعات، ذلك أن المادة المذكورة تقضي بأنه إذا كان الحكم صادراً في موضوع غير قابل للتجزئة جاز لمن فوت ميعاد الطعن من المحكوم عليهم أن يطعن فيه أثناء نظر الطعن المرفوع في الميعاد من أحد زملائه منضماً إليه في طلباته وما دام الحق واحداً فكل الإجراءات التي يقصد بها صيانته تصونه بجملته وبالنسبة لكل من لهم صلة به لأن الضرورة تقضي بأن يكون مركزاً لكل واحد بإزاء الحق وهذا الوضع متوافر في خصوصية الدعوى ذلك أن النزاع كان يقوم بين الخصوم على قيام الوصية وشكلها ثم الرجوع عنها ولا شك أن مركز المستأنفين يعتبر واحداً إزاء هذا النزاع ولا حجة فيما قاله الحكم من أن مثل هذا النزاع مما يقبل التجزئة بين ذوي الشأن باعتبار أن الوصية ترد عليها الإجازة فتنفذ في نصيب من أجاز وتبطل في نصيب من عداه ذلك لأن النزاع على قيام الوصية أو شكلها أو الرجوع عنها يمس الوصية في ذاتها بقاء أو زوالاً ولا يمكن أن يتصور انقسام هذا النزاع أو تجزئته فإذا انتهى النزاع بعدم قيام الوصية أو بصحة الرجوع عنها فهذا الحكم إنما يقوم بالنسبة إلى جميع ذوي الشأن على السواء ومحصل الوجه الثاني من أوجه النعي أن النزاع كان يقوم على الوصية وشكلها والرجوع فيها وهذا مما يدخل في صحيح اختصاص المحاكم الشرعية فكان يجب على المحكمة أن توقف الفصل في الدعوى إلى أن يفصل في النزاع من المحكمة الشرعية - وأنه غير صحيح ما قالته المحكمة الابتدائية وجارتها فيه محكمة الاستئناف من أن المنازعة غير جدية وأنه لم تكن ثمة ضرورة لإجابة طلب الوقف وليس أدل على ذلك من تلك البحوث الشرعية الدقيقة التي عرضت لها المحكمتان في شأن شكل الوصية والرجوع فيها كما أن ما عرضت له المحكمة الابتدائية وأيدتها فيه محكمة الاستئناف تحدثاً عن شكل الوصية من عدم انطباق المادة 98 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية لأن هذه المادة لا تطبق إلا في حالة الإنكار ومن أن الطاعن الثاني لم ينكر الوصية بل إنه معترف بها بالتوقيع عليها كشاهد - ما قالته المحكمة في ذلك ينفيه أن صحيفة الاستئناف تتضمن هذا الإنكار مما يجعل الأخذ بحكم المادة 98 أمراً لازماً. وكان يتعين لذلك وطبقاً للمادة 16 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية والمادتين 12 و13 من قانون نظام القضاء والمادة 55 من القانون المدني القديم المعدلة بالقانون رقم 25 لسنة 1944 كان يتعين لذلك القضاء بوقف السير في الدعوى حتى يفصل في هذا النزاع من الجهة المختصة وهي المحكمة الشرعية ويتحصل الوجه الثالث في أن الحكم المطعون فيه كيف موقف الموصية من الوصية بأنه جحد لها وقرر أن جحد الوصية لا يعتبر رجوعاً فيها لأنه مختلف عنه وهذا مخالف للقانون ذلك أنه وإن كان الفقهاء قد اختلفوا في هذا الأمر إلا أنه لدى التأمل يبين أن الجحد يعتبر رجوعاً إذ أنه يدل على عدم الرضاء بالوصية وليس الرجوع إلا هذا كما أن الجحود نفى لوجود الوصية في الماضي والحاضر وهو في ذلك أبلغ من الرجوع الذي هو نفي لوجود الوصية في الحاضر ورجوع الموصية عن الوصية ثابت من دلالة شكواها رقم 1517 سنة 1942 إداري فارسكور على إنكار الوصية. ويقوم النعي في الوجه الرابع على أن الحكم المطعون فيه قد قضى بأكثر مما يستحقه المطعون ضدهم لأن الوصية تتناول جميع ورثة الابن بينما الذين رفعوا الدعوى وصدر لهم الحكم المطعون فيه ليسوا هم كل الورثة المذكورين.
وحيث إن النعي بما ورد في الوجه الأول مردود، ذلك إنه يبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه أورد في هذا الخصوص ما يأتي: "حيث إن عدم التجزئة الذي يبرر قبول الطعن ممن فوت الميعاد والاستفادة من طعن غيره هو ما عبر عنه الفقهاء بعدم التجزئة المطلق الذي يستحيل معه أن يكون لحسم النزاع غير حل واحد بحيث إذا صدر فيه حكمان يخالف أحدهما الآخر استحال تنفيذهما معاً.. والوصية بالذات يرد عليها إجازة بعض الورثة ولا يميزها البعض الآخر فتنفذ في نصيب من أجاز وتبطل في نصيب من لم يجزه فالنزاع عليها يقبل التجزئة بطبيعته والتجزئة في الحقوق المالية جائزة وليس ما يحول دونها. وهذا الذي قرره الحكم لا مخالفة فيه للقانون ذلك أن الدعوى التي رفعها المطعون عليهم ضد الطاعنين هي دعوى ملكية طلبوا فيها تثبيت ملكيتهم إلى6 و6/ 7 ط من 24 ط في تركة أم السعد علي الخياط من الأطيان والعقارات المبينة بعريضة الدعوى. فموضوعها على هذا النحو مما يقبل التجزئة بطبيعته ولا يسري عليها تبعاً لذلك نص الفقرة الثانية من المادة 384 مرافعات التي تجيز لمن لم يستأنف الحكم الصادر فيها في الميعاد الاستفادة من استئناف زميله لذلك الحكم في الميعاد مهما اتحد مركزهما أو اشترك دفاعهما فيها - ويتعين لذلك رفض هذا الوجه من النعي.
وحيث إن النعي بما ورد في الوجه الثاني مردود أيضاً ذلك أن الحكم الابتدائي الذي أخذ الحكم المطعون فيه بأسبابه - بعد أن أشار إلى منازعة الطاعن الثاني في صحة الوصية بمقولة إن الموصية أنكرت في الشكوى رقم 1517 سنة 1942 إداري فارسكور صدور الوصية منها ولعدم مراعاة الأحكام المقررة في الشريعة الإسلامية في هذه الوصية - قال "وحيث إن دعوى تثبيت الملكية هو بطبيعتها نزاع مدني يدخل في اختصاص المحاكم الوطنية إلا إذا اعترض سيرها دفع يكون من اختصاص محاكم الأحوال الشخصية فعلى المحكمة أن تقدر ما إذا كان الدفع الذي يثار أمامها جدياً فإن ثبت عدم جديته كان لها أن تتجاوز عنه وتمضي في نظر الدعوى المطروحة أمامها ولها أن تطبق فيها قانون الأحوال الشخصية ما دام ذلك سهلاً ميسوراً لا يحتاج الأمر فيه إلى حكم من محاكم الأحوال الشخصية وإلا وقفت الدعوى حتى يصفى النزاع الخارج عن ولايتها. وهذا المبدأ هو ما نقصت عليه المادة 17 من قانون نظام القضاء حيث جاء فيها..." ثم أخذ الحكم بعد ذلك في مناقشة هذه المنازعة وانتهى إلى أن الوصية لا تدخل ضمن الأوراق المشار إليها في الشكوى رقم 1517 لسنة 1942 فلا ينسحب إليها إنكار الموصية المستفاد من تلك الشكوى كما أن الشريعة الإسلامية لم تشترط صيغة معينة وشكلاً خاصاً للوصية لأجل أن تكون صحيحة وأن ما أوردته المادة 98 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادر بها المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 من قيود خاصة بعد سماع دعوى الوصية أو الرجوع فيها لا يكون إلا في حالة الإنكار فقط من الخصم وقال الحكم إن الطاعن الثاني لم ينكر صدور الوصية من مورثته المرحومة أم السعد علي الخياط إلى المطعون عليهم بل هو معترف بصدورها منها إذ أنه وقع عليها بإمضائه بصفته شاهد ولم يطعن على توقيعه بأي طعن وعقب الحكم على ذلك بقوله "وحيث إنه لما تقدم تكون منازعة المدعى عليه الثاني (الطاعن الثاني) في صحة الوصية المؤرخة 20 من يوليه سنة 1936 منازعة غير جدية ولا ترى المحكمة ضرورة الفصل في هذا الدفع من المحكمة الشرعية مما يتعين معه عدم إجابة طلب وقف الدعوى إلى أن يفصل نهائياً في صحة الوصية المذكورة..." كما أضاف الحكم المطعون فيه ما يأتي "وحيث إن طلب الحكم بوقف الدعوى حتى يفصل من المحكمة الشرعية في أمر الوصية فإنه طبقاً للمادتين 54 و55 من القانون المدني القديم والمادة 17 من القانون المدني الجديد لا تراعي أحكام الشريعة إلا فيما يتعلق بأهلية الموصي وبصيغة الوصية... ولم تر المحكمة الابتدائية لزوماً للإيقاف وتقرها هذه المحكمة على رأيها لأن الفصل في هذه الدعوى لا يثير نزاعاً على مسألة الأحوال الشخصية فلا نزاع على علاقة الموصية بالموصى لهم ولا على أهلية الموصية ولا على صيغة الوصية أما إثارة النزاع على شكل الوصية فذلك مسألة أخرى في انعقاد عقد الوصية وصيغتها وكونها تؤدي أو لا تؤدي معنى الإيصاء. وهو لم يكن محل خلاف في هذه الدعوى ولم يعد محل للتحدث عن الشكل لأن قيد عام السماع لا محل له إلا عند الإنكار والوصية معترف بها من ولدي الموصية الموقعين عليها ولم تنكرها أختهما نفيسة التي لم تحضر ولم تعترض على الدعوى حتى فاتها" ومؤدى ما ورد في هذين الحكمين أنه لم يحصل إنكار من الموصية أو من الطاعنين للوصية وأن المنازعة القائمة حولها منازعة غير جدية لا تبرر وقف الدعوى وهذا الذي انتهى إليه الحكم المطعون فيه لا مخالفة فيه للقانون ويتفق مع ما جرى به قضاء هذه المحكمة من أنه إذا لم يقم النزاع لا على علاقة الموصي بالموصى لهم ولا على علاقته بباقي ورثته ولم يكن متعلقاً بصيغة الوصية ولا بأهلية الموصي للتبرع. فلا يعتبر ذلك مما يتعلق بالأحوال الشخصية ثم هو فوق ذلك ينطوي على تقدير موضوعي مما تستقل به محكمة الموضوع ولا تخضع فيه لرقابة محكمة النقض طالما أنه يستند على نحو ما سلف. إلى تلك الأسباب السائغة التي أوردها الحكم تبريراً للنتيجة التي انتهى إليها ومن ثم يتعين رفض هذا الوجه من النعي.
وحيث إن ما ينعى به الطاعنون في الوجه الثالث مبناه أو الشكوى رقم 1517 سنة 1942 إداري فارسكور تضمنت إنكار من الموصية للوصية وأن هذا الإنكار هو جحد للوصية يعتبر رجوعاً فيها. ولما كان الحكم الابتدائي الذي أقر الحكم المطعون فيه أسبابه قد ورد فيه ما يأتي... سبق للمحكمة أن قررت أن الوصية لا تدخل ضمن الأوراق المشار إليها في الشكوى.." ومفاد ذلك أن إنكار الموصية لا ينسحب إلى الوصية وهذا التقرير الموضوعي لم يكن محل تعييب من الطاعنين، ولما كان ذلك فإنه لا يكون هناك جحد من الموصية لتلك الوصية حتى يكيف هذا الجحد بأنه رجوع فيها وفي هذا ما يكفي لحمل النتيجة التي انتهى إليها الحكم في هذا الخصوص. ولا محل بعد ذلك لبحث ما استطرد إليه الحكم تزيداً من اعتبار أن الجحد لا يعتبر رجوعاً عن الوصية.
وحيث إن نعي الطاعنين بما ورد على الوجه الرابع غير مقبول وذلك أنه لم يثبت من الحكم المطعون فيه ولا من باقي أوراق الطعن أن الطاعنين قد نازعوا أمام محكمة الاستئناف في نصيب المطعون عليهم كما حددوه في طلباتهم. ومن ثم يكون نعيهم في هذا الخصوص جديداً لا يجوز لهم إثارته لأول مرة أمام هذه المحكمة.
وحيث إنه يبين مما سبق أن الطعن في غير محله ويتعين رفضه.