جلسة 14 من ديسمبر سنة 1965
برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: إميل جبران، وأحمد حسن هيكل، وأمين فتح الله، والسيد عبد المنعم الصراف.
--------------------
(195)
الطعن رقم 245 لسنة 30 القضائية
(أ) نقل. "سندات الشحن". إثبات.
جواز إثبات عكس بيانات سندات الشحن الخاصة بالبضاعة في العلاقة بين الناقل والشاحن. عدم جواز ذلك قبل من عداهما كالمرسل إليه. لسند الشحن حجية مطلقة في الإثبات لصالح المرسل إليه. تقرير معاهدة بروكسل لسندات الشحن قيمة ائتمانية تسمح بتداوله.
(ب) فوائد. "مبدأ سريان الفوائد". تعويض. قانون. "سريان القانون من حيث الزمان". التزام.
سريان الفوائد بالنسبة لمبلغ التعويض المطالب به عن فقد بضاعة - في ظل القانون المدني القديم. من تاريخ المطالبة الرسمية. نص المادة 226 من القانون المدني الحالي تشريع مستحدث ليس له أثر رجعي متى كان عدم تسليمه البضاعة قد حصل قبل العمل بالقانون المدني القائم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن شركة الملح والصودا (المطعون ضدها الأولى) أقامت الدعوى رقم 1353 سنة 1949 تجاري كلي إسكندرية ضد الشركة الطاعنة والشركات الثلاث المطعون ضدها من الثانية إلى الرابعة طالبة الحكم بصفة أصلية بإلزام شركة الملاحة الطاعنة وشركة التأمين المطعون ضدها الثانية بأن يدفعا لها متضامنتين مبلغ 302447.6 فرنكاً سويسرياً والفوائد القانونية ابتداءً من 1/ 9/ 1948 حتى السداد واحتياطياً إلزام الشركتين المطعون ضدهما الثالثة والرابعة بأن يدفعا لها متضامنتين ذات المبلغ والفوائد - وقالت الشركة المطعون ضدها الأولى شرحاً لدعواها إنها اشترت من الشركة المطعون ضدها الرابعة 1562 طن كوبرا (جوز هند مبشور) بسعر 97.5 فرنكاً سويسرياً للطن. وقد شحنت هذه البضاعة من ميناء لوزدن بالفلبين على الباخرة Flying Arrow التابعة لشركة الملاحة الطاعنة بمقتضى سند شحن نص فيه على أن عدد أكياس البضاعة المشحونة هو 30163 كيساً، إلا أنه تبين عندما وصلت البضاعة ميناء الإسكندرية بتاريخ 2 يناير سنة 1948 أنه لم يفرغ منها سوى 24803 كيساً بعجز قدره 5360 كيساً زنة 281830 ك ج يقدر ثمنها بالعملة السويسرية بمبلغ 302447.6 فرنكاً وأنه لما كانت شركة الملاحة الطاعنة هي الناقلة للبضاعة فهي المسئولة عن العجز، وإذا كانت البضاعة مؤمناً عليها لدى شركة التأمين المطعون ضدها الثانية مقابل 1702000 فرنكاً سويسرياً فإن هذه الشركة تعتبر مسئولة عن التعويض المترتب على العجز، ولما كان البيع "سيف" تسليم ميناء الوصول بالإسكندرية فإن الشركة البائعة (المطعون ضدها الرابعة) تعتبر مسئولة أيضاً عن العجز لأنها لم تقم بتسليم البضاعة كاملة، كما تعتبر شركة المراقبة العامة (المطعون ضدها الثالثة) مسئولة كذلك لأنه قد عهد إليها الإشراف على وزن البضاعة وشحنها - وطلبت الشركة الطاعنة رفض الدعوى وقدمت طلباً عارضاً ضد الشركتين المطعون ضدهما الثالثة والرابعة بإلزامهما متضامنتين بما عسى أن يحكم به عليها لصالح المطعون ضدها الأولى - وقالت شرحاً لذلك إن الشركة المطعون ضدها الرابعة - البائعة - عهدت إلى الشركة المطعون ضدها الثالثة القيام بشحن البضاعة في ميناء الشحن فتولت هذه الأخيرة مباشرة العملية بوزن الرسالة وشحنها وتستيفها في السفينة، وأنه بناءً على الشهادة الصادرة من وكلاء هذه الشركة بميناء الشحن أصدر وكلاء السفينة سند الشحن مبيناً به أن كمية قدرها 1561 طناً من جوز الهند المبشور شحنت على تلك السفينة طبقاً للبيانات المقدمة من الشاحن، إلا أنه عند وصول البضاعة ميناء الإسكندرية قرر وكلاء الشركة المطعون ضدها الثالثة التي تولت عملية التفريغ أيضاً أن بالبضاعة عجزاً قدره 281830 ك ج، وأن مؤدى ذلك أن الشحن قد حصل ناقصاً من الأصل وأن جزء من البضاعة لم يشحن فعلاً مما يجعل الشركتين المطعون ضدهما الثالثة والرابعة مسئولتين عن العجز المطالب بقيمته، هذا فضلاً عن أن حجم السفينة بحسب غاطسها لا يتسع لاستيعاب كامل الكمية الواردة بسند الشحن ومقدارها 1561 طناً وذلك وفق ما جاء بتقرير الخبير الاستشاري المقدم منها - وأنه لذلك كله تنتفي مسئوليتها عن العجز المدعى به. وبتاريخ 16/ 12/ 1956 قضت محكمة أول درجة في الدعوى الأصلية بإلزام شركة ايسبرانتدتس لاينز للملاحة (الطاعنة) أن تدفع لشركة الملح والصودا (المطعون ضدها الأولى) 274784.2 فرنكاً سويسرياً مقوماً بالعملة المصرية والفوائد بواقع 5% سنوياً من تاريخ الحكم حتى السداد وبرفض ما عدا ذلك من الطلبات الموجهة إلى شركة الملاحة (الطاعنة) والشركتين المطعون ضدهما الثالثة والرابعة وبعدم قبول الدعوى الموجهة لشركة التأمين (المطعون ضدها الثانية) وقضت في الدعوى العارضة برفض الطلبات الموجهة من شركة الملاحة (الطاعنة) إلى الشركتين المطعون ضدهما الثالثة والرابعة - استأنفت شركة الملح والصودا (المطعون ضدها الأولى) هذا الحكم أمام محكمة استئناف الإسكندرية طالبة الحكم لها بكامل طلباتها التي أبدتها أمام محكمة أول درجة وقيد استئنافها برقم 87 سنة 13 ق، كما استأنفت شركة الملاحة الطاعنة هذا الحكم أمام ذات المحكمة وقيد استئنافها برقم 110 سنة 13 ق. ومحكمة الاستئناف قضت في هذين الاستئنافين بتاريخ 4/ 4/ 1960 بتعديل الحكم المستأنف وإلزام شركة الملاحة (الطاعنة) وشركة البينيا للتأمين (المطعون ضدها الثانية) بأن تدفعا بطريق التضامن لشركة الملح والصودا (المطعون ضدها الأولى) مبلغ 274784.2 فرنكاً سويسرياً بقيمة العملة المصرية والفوائد القانونية من تاريخ المطالبة الرسمية الحاصلة في 9/ 11/ 1948 بواقع 6% حتى 14/ 10/ 1949 وبواقع 5% ابتداءً من 15/ 10/ 1949 حتى السداد وبإلزام شركة البينيا للتأمين أن تدفع وحدها لشركة الملح والصودا مبلغ 27478.4 فرنكاً سويسرياً بقيمة العملة المصرية مع الفوائد القانونية من تاريخ المطالبة الرسمية الحاصلة في 9/ 11/ 1948 بواقع 6% حتى 14/ 10/ 1949 وبواقع 5% ابتداءً من 15/ 10/ 1949 حتى السداد وتأييد الحكم المستأنف فيما عدا ذلك - طعنت شركة ايزيرندس لاينز للملاحة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة برأيها طلبت فيها نقض الحكم المطعون فيه نقضاً جزئياً في خصوص تحديد بدء ميعاد سريان الفوائد وهو ما انصرف إليه السبب الثاني للطعن، وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فصممت النيابة على رأيها، وقررت دائرة الفحص بتاريخ 10/ 11/ 1963 إحالة الطعن إلى هذه الدائرة وبالجلسة المحددة لنظره عدلت النيابة عن رأيها السابق الذي أوردته بمذكرتيها الأولى والتكميلية وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن الطعن بني على سببين حاصل أولهما أن الحكم المطعون فيه خالف القانون إذ أخطأ في تفسير وتطبيق المادة الثالثة من معاهدة سندات الشحن، ذلك أنه اعتبر لما يثبت من بيانات في سند الشحن حجية مطلقة لصالح الشركة المرسل إليها (المطعون عليها الأولى) على وجه لا يقوم معه حق للشركة الناقلة (الطاعنة) في إثبات عكس هذه البيانات قبل المرسل إليها، ورتب الحكم على ذلك مساءلة الشركة الطاعنة عن تعويض العجز في عدد أجولة البضاعة الثابت بسند الشحن، هذا في حين أن مناط الاعتداد بما يثبته الناقل من بيانات في سند الشحن الذي يصدره أن يكون هو الذي قام بعملية الشحن والعمليات التالية لها والتي تسبق الرحلة البحرية، الأمر الذي لم يلتفت إليه الحكم المطعون فيه رغم ما قدمته الطاعنة من أدلة تفيد أنها لم تقم بالعمليات التي استقرت بها البضاعة في عنابر السفينة قبل بدء الرحلة وإنما قامت بها المطعون عليها الثالثة، وأن القدر الوارد بسند الشحن مما يتعذر شحنه بالسفينة لعدم وجود فراغ بها يمكن أن يستوعبه بأكمله، كما أن نص الفقرة الرابعة من المادة الثالثة من المعاهدة المذكورة وإن كان يقيم حجية لسند الشحن - في الحالات التي يقوم فيها الناقل بعملية الشحن ذاتها - إلا أن هذه الحجية ليست مطلقة فللناقل أن يثبت أن البضاعة الواردة بسند الشحن لم تشحن بأكملها بالسفينة.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه باستقراء نصوص المعاهدة الدولية الخاصة بتوحيد القواعد المتعلقة بسندات الشحن الموقعة ببروكسل في 25/ 8/ 1924 والتي وافقت عليها مصر بالقانون رقم 18 لسنة 1940 وأصدرت بها مرسوماً بقانون في 31/ 1/ 1944 يبين أنه بعد أن نصت الفقرة الرابعة من المادة الثالثة من المعاهدة على أن "سند الشحن يعتبر قرينة على أن ناقل البضاعة تسلمها بالكيفية الموصوفة بها ما لم يقم الدليل على خلاف ذلك" وبعد أن قررت الفقرة الخامسة من ذات المادة "أن الشاحن ضامن ومسئول قبل الناقل عن صحة البيانات التي قدمها" أضافت هذه الفقرة ما يأتي "وحق الناقل في هذه التضمينات لا يؤثر بحال على مسئولياته وتعهداته الناشئة عن عقد النقل لصالح أي شخص آخر غير الشاحن" - ومؤدى هذه النصوص أنه وإن كان إثبات عكس بيانات سند الشحن الخاصة بالبضاعة جائزاً في العلاقة بين الناقل والشاحن إلا أنه لا يجوز إزاء من عداهما كالمرسل إليه، إذ لسند الشحن حجية مطلقة في الإثبات لصالحه فيما يتعلق بهذه البيانات، فليس للناقل أن يثبت قبله عكس ما تضمنته - وهذا الذي قررته نصوص المعاهدة يتفق وما استهدفته من تزويد سند الشحن بقيمة ائتمانية تسمح بتداوله والحصول على الائتمان بمقتضاه في يسر وسهولة، كما يتفق وما فرضته المعاهدة على الناقل بالفقرة الثالثة من المادة الثالثة من ضرورة التحقق من البيانات التي يقدمها الشاحن، فإذا لم يقم الناقل بالتحقق من صحة هذه البيانات أو أقرها دون أي تحفظ منه فلا يقبل منه أي إثبات عكسي في مواجهة المرسل إليه الذي اعتمد على هذه البيانات - لما كان ذلك، وكان الثابت أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بمساءلة شركة الملاحة الناقلة (الطاعنة) عن تعويض الضرر الذي لحق الشركة المطعون ضدها الأولى - المرسل إليها - نتيجة العجز في عدد أكياس البضاعة المرسلة لها، قد التزم هذا النظر بأن اعتبر البيان الوارد بسند الشحن في خصوص ذلك والموقع عليه من ربان السفينة دون أي تحفظ منه - بياناً له حجية مطلقة في الإثبات لصالح الشركة المرسل إليها لا يجوز معها لشركة الملاحة الناقلة إثبات ما يخالفه، ولم يعول - أخذاً بذلك - على ما تمسكت به هذه الشركة (الطاعنة) من أنها لم تقم بنفسها بالعمليات التي استقرت بها البضاعة في عنابر السفينة أو أن هذه العنابر لم تكن تتسع لاستيعاب كامل البضاعة الواردة بسند الشحن - لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد خالف القانون ويكون النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، ذلك أنه قضى للمطعون ضدها الأولى بفوائد عن المبلغ المحكوم به من تاريخ المطالبة الرسمية استناداً إلى أنها قد حددت التعويض بمبلغ من النقود وأنه بذلك قد صار التزاماً معلوم المقدار عند الطلب، في حين أنه يشترط لاستحقاق الفوائد من تاريخ المطالبة الرسمية أن يكون محل الالتزام مبلغاً من النقود معلوم المقدار وقت الطلب وإذ لم يكن محل الالتزام في الدعوى كذلك بل كان التزاماً بنقل بضاعة فإن الفوائد لا تكون مستحقة إلا من تاريخ الحكم - ويضيف الطاعن أنه من المقرر في ظل القانون المدني الحالي إن القضاء بالفوائد عن التعويض يكون من تاريخ الحكم به وأنه وقد صدر الحكم المطعون فيه في ظل أحكام هذا القانون فقد كان يتعين ألا يجعل بدء سريان الفوائد من تاريخ المطالبة بها بل من تاريخ صدور الحكم.
وحيث إن هذا النعي مردود - ذلك أن محل الالتزام المطالب به في الدعوى هو مبلغ من النقود مقابل تعويض الضرر الذي لحق المطعون ضدها نتيجة فقد بعض أجولة البضاعة التي تعهدت الشركة الطاعنة بموجب سند الشحن بنقلها - ولما كانت المادة 124 من القانون المدني القديم هي المنطبقة على واقعة الدعوى لأن عدم تسليم الطاعنة البضاعة المبينة بسند الشحن إلى الشركة المطعون عليها الأولى قد حصل في 2/ 1/ 1948 أي قبل العمل بالقانون المدني الحالي ولأن المادة 226 منه على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - تشريعاً مستحدثاً وليس له أثر رجعي، وكان المطالب به كتعويض هو مبلغ من النقود مستحق في ذمة الشركة الطاعنة وليس من شأن المنازعة في استحقاقه كله أو بعضه ما يصح معه القول بأنه غير معلوم المقدار وقت الطلب، وقد حسم الحكم الخلاف في شأنه بتقدير مبلغ معين تعتبر ذمة الشركة الطاعنة مشغولة به منذ مطالبتها رسمياً لأن الأحكام مقررة للحقوق وليست منشئة لها - لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بفوائد هذا المبلغ من تاريخ المطالبة الرسمية يكون - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة -قد توخى صحيح حكم القانون المدني القديم الذي تحكم المادة 124 منه واقعة النزاع - ولا يعيب الحكم استناده في أسبابه إلى نص المادة 226 من القانون المدني الحالي ما دام ذلك لم يؤثر في سلامة منطوقه. لما كان ما تقدم، فإن السبب الثاني للطعن يكون على غير أساس.