جلسة 22 أكتوبر سنة 1945
برياسة حضرة جندي عبد
الملك بك المستشار وبحضور حضرات: أحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزائرلي بك وأحمد
على علوبة بك وأحمد فهمي إبراهيم بك المستشارين.
------------
(619)
القضية رقم 1038 سنة 15
القضائية
دفاع شرعي.
حق الدفاع عن المال. متى
لا يبيح مقاومة مأموري الضبطية القضائية؟. قيام رجال البوليس وموظفي وزارة الأوقاف
بهدم جدار أنشأه المتهم بأرض متنازع عليها بينه وبين الوزارة. وقوع اعتداء من
المتهم عليهم في أثناء ذلك دفعا لعدوانهم. لا عقاب عليه ولو كان قد صدر من النيابة
أمر بالهدم. الهدم لا يجوز إلا بحكم قضائي. دفع المتهم بأنه ارتكب ما ارتكبه دفاعا
عن ماله. وجوب بحثه. إدانته دون بحثه. قصور.
(المادة 212 ع = 248)
-------------
إنه وإن كانت المادة 248
من قانون العقوبات تنص على أن حق الدفاع الشرعي "لا يبيح مقاومة أحد مأموري
الضبط أثناء قيامه بأمر بناء على واجبات وظيفته مع حسن النية ولو تخطى هذا المأمور
حدود وظيفته... الخ" لا أن محل تطبيق هذه المادة - كما يؤخذ من عبارتها ومن
المصادر التشريعية التي أخذت عنها - أن يكون العمل الذى يقوم به الموظف داخلا في اختصاصه.
فإن المادة تتكلم عن العمل الذى يقوم به الموظف "بناء على واجبات
وظيفته"، والمادة 99 من قانون العقوبات الهندي التي أخذت هذه المادة عنها
تشير - على ما جاء في شرح المفسرين لها - إلى الأعمال التي تدخل في اختصاص الموظف،
كأن يقبض مأمور الضبطية القضائية على متهم بمقتضى أمر بالقبض باطل من حيث الشكل،
أو أن يقبض بحسن نية على شخص غير الذي عين في أمر القبض، أو أن يشاهد وقوع فعل
يظنه بحسن نية جريمة تبيح القبض فيقبض على مرتكبه، ففي هذه الأحوال وما شاكلها لا
تجوز مقاومة مأمور الضبطية القضائية، لأن القبض على المتهمين هو من أعمال وظيفته.
أما إذا كان العمل خارجا أصلا عن اختصاص الموظف فلا محل لتطبيق النص، كأن يقبض مأمور
الضبطية القضائية على شاهد لإرغامه على الحضور للإدلاء بمعلوماته أمامه، لأن القبض
على الشاهد ليس داخلا في اختصاصه أصلا. وإذن فإذا كانت أفعال الاعتداء المسندة إلى
المتهم قد وقعت في أثناء قيام رجال البوليس وموظفي وزارة الأوقاف بهدم جدار أنشأه
بالأرض المتنازع عليها بينه وبين وزارة الأوقاف، فإنه إذا كان الهدم مما لا يدخل
في اختصاص أولئك الموظفين لا يكون ثمة مانع يمنع المتهم من دفع عدوانهم. ولا يغير
من ذلك أن يكون قد صدر أمر بالهدم من النيابة العمومية. لأن النيابة هي الأخرى لا
تملك - بحسب اختصاصها - إصدار مثل هذا الأمر، إذ الهدم لا يجوز إلا بحكم قضائي،
ولا طاعة لرئيس على مرؤوس في معصية القانون، ورجال البوليس، وهم ينفذون أمر
النيابة، لا يمكن أن يكون لهم أكثر مما للنيابة نفسها. وإذن فإذا كان المتهم قد
دفع التهمة عن نفسه بأنه لم يرتكب ما ارتكبه إلا دفاعا عن ماله، فإنه يكون لزاما
على المحكمة أن تبحث هذا الدفع فتبين هل كان المتهم واضعا يده على الأرض المتنازع
عليها وأقام أبنيته عليها، وهل كان في ظروف تبرر ما ارتكبه، أم أنه قد تجاوز الحدّ
اللازم للدفاع. فإذا هي أغفلت بحث هذا الدفع وقضت بالإدانة فإن حكمها يكون قاصرا
في بيان الأسباب التي أقيم عليها.
المحكمة
وحيث إن مما ينعاه
الطاعنون على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ إذ دانهم في جرائم الضرب والتعدي
والإهانة... الخ المرفوعة بها الدعوى عليهم، مع أن الثابت أن جوهرة سيد أحمد
الطاعنة الثالثة هي الواضعة اليد على الأرض المتنازع عليها، وأن وزارة الأوقاف
لجأت إلى القوة في سبيل انتزاعها منها عنوة، وهدم ما أقامته عليها من مبان مستعينة
في ذلك برجال البوليس، فإذا تعرّض لهم الطاعنون ومنعوهم من تنفيذ غرضهم فإنهم
يكونون بذلك مدافعين عن مالهم، ولا يكون ثمة وجه لمعاقبتهم، ولا يغير من ذلك أن
رجال البوليس كانوا ينفذون الأمر الصادر من النيابة بتمكين الوزارة من وضع يدها
على الأرض وإزالة ما أحدثته الطاعنة عليها من مبان، لأن النيابة ليس لها أن تأمر
بالهدم والتسليم ما دام لم يصدر بذلك حكم من المحكمة المختصة.
وحيث إن الحكم المطعون
فيه قد بين واقعة الدعوى في قوله إنها تتحصل في أنه قام بين وزارة الأوقاف وبين
المتهمة الثالثة جوهرة سيد أحمد نزاع على قطعة أرض فضاء مجاورة لضريح ولى الله عبد
الرحمن أبو عوف الكائن بشارع بولاق الجديد، وكل من الطرفين يدعى ملكيتها وحيازتها
ووضع اليد عليها - وحدث أن أجرت وزارة الأوقاف هذه الأرض إلى شخص يدعى محمد حمودة سعودي
ولكن هذا المستأجر لم يتمكن من استلامها لتعرّض المتهمة الثالثة له وادعائها ملكية
الأرض بطريق الميراث عن مدّة تزيد على سبعين سنة ووضع يدها عليها ودفع العوائد
عنها. وقد أبلغ هذا الحادث وحققه البوليس. ولما عرض المحضر على النيابة أشرت عليه
بتاريخ 23 نوفمبر سنة 1940 بتكليف المتهمة الثالثة بالكف عن تعرّضها لأنه ثبت
لديها أن وزارة الأوقاف هي الواضعة اليد على الأرض المتنازع عليها لأنها أجرتها
وأنه على المتهمة الثالثة أن تقاضى الوزارة مدينا إذا شاءت... ولما كان بلاغ
الوزارة يتضمن أن المتهمة الثالثة قد أقامت جدارا وغرست أشجار في الأرض فقد طلبت
النيابة فيما طلبت اتخاذ الإجراءات اللازمة لإزالة كل ما تقيمه المتهمة الثالثة
للظهور بمظهر واضعة اليد. فاستدعى البوليس المتهمة وأفهمها ما أمرت به النيابة
فأصرت على وضع يدها ورفضت إزالة المباني التي أقامتها، وقالت إن الوزارة هي
المتعرّضة، وإنها لا تستطيع إخلاء الأرض إلا إذا حكم للوزارة. ولما أعيد المحضر
للنيابة قيدت القضية جنحة بالمادة 369 عقوبات ضد المتهمة الثالثة وأشرت بتاريخ 9
ديسمبر سنة 1940 بعرض المحضر على مأمور القسم لتنفيذ إشارتها السابقة المؤرخة في 23
نوفمبر سنة 1940 فيما يتعلق بإزالة أسباب الجريمة وتمكين وزارة الأوقاف من وضع
يدها على العين وإزالة كل مظهر تحاول المتهمة الثالثة أن تظهر به كواضعة اليد..
وفى يوم 19 ديسمبر سنة 1940 انتقل معاون البوليس ومعه قوّة من رجال البوليس وأحمد أفندي
شلبي مأمور الأوقاف قسم رابع وعبد المجيد زاهر أفندي معاون الأوقاف ومحمود حسن
بشندى مهندس المباني بوزارة الأوقاف وقام معاون البوليس بتسليم الأرض لمأمور
الأوقاف الذى أحضر مقاولا وبعض العمال لإزالة الجدار الذى أقامته المتهمة
الثالثة... وأثناء قيام العمال بإزالة الجدار تعرّض لهم المتهمون الثلاثة وأخذوا
يمنعونهم من أداء عملهم وتعرضوا كذلك لرجال البوليس وموظفي وزارة الأوقاف وأخذوا
يتحدونهم ويوجهون إليه بعض عبارات التهديد والإهانة والسب وصعد المتهم الأوّل إلى
سطح الضريح ووقف الثاني والثالثة على السور وأخذوا هم ومن انضم إليهم من أنصارهم
وأقاربهم يقذفون رجال البوليس وموظفي الوزارة والعمال بالطوب وصفائح الرمل فأصيب
بعض رجال البوليس والعمال من جراء هذا الاعتداء وهم الأومباشى محمد على سليمان
والعساكر عبد القادر عيد وفرح محمود وعيد وسيد عبد العزيز عبد الرحيم وفراج أحمد بيومي
وسيد أحمد مصطفى من رجال البوليس الملكي وعلى حسن سعد وإمام محمد السجينى من
العمال وكذلك حدثت بالمتهمين إصابات. ثم أورد الأدلة التي اعتمد عليها في ثبوت هذه
الواقعة، وانتهى إلى إدانة الطاعنين بجرائم الضرب والتعدي والإهانة والسب المرفوعة
بها الدعوى عليهم.
وحيث إن الحكم مع إثباته
أن اعتداء الطاعنين على رجال البوليس وموظفي وزارة الأوقاف والعمال الذين كانوا
يعملون تحت إمرتهم قد حصل في أثناء قيام هؤلاء بهدم الجدار الذى أنشأته الطاعنة
الثالثة بالأرض المتنازع عليها لم يبحث فيما تمسك به الدفاع عن الطاعنين أمام
محكمة أوّل درجة وأشار إليه أمام المحكمة الاستئنافية من أنهم بما وقع منهم من
أفعال إنما كانوا يدافعون دفاعا مشروعا عن مالهم.
وحيث إنه وإن كانت المادة
248 من قانون العقوبات تنص على أن حق الدفاع الشرعي لا يبيح مقاومة أحد مأموري
الضبط أثناء قيامه بأمر بناء على واجبات وظيفته مع حسن النية ولو تخطى هذا المأمور
حدود وظيفته... الخ، إلا أن محل تطبيق هذه المادة - كما يؤخذ من عبارتها ومن
المصادر التشريعية التي أخذت عنها - أن يكون العمل الذى يقوم به الموظف داخلا في اختصاصه.
فإن المادة تتكلم عن العمل الذي يقوم به الموظف "بناء على واجبات
وظيفته". والمادة 99 من قانون العقوبات الهندي التي أخذت هذه المادة عناه
تشير - على ما جاء في شرح المفسرين لها - إلى الأعمال التي تدخل في اختصاص الموظف،
كأن يقبض مأمور الضبطية القضائية على متهم بمقتضى أمر بالقبض باطل من حيث الشكل،
أو أن يقبض بحسن نية على شخص غير الذى عين في أمر القبض، أو أن يشاهد وقوع فعل
يظنه بحسن نية جريمة تبيح القبض فيقبض على مرتكبه، ففي هذه الأحوال وما شاكلها لا
يجوز مقاومة مأمور الضبطية القضائية؛ لأن القبض على المتهمين هو من واجبات وظيفته،
أما إذا كان العمل خارجا أصلا عن اختصاص الموظف فلا محل لتطبيق النص، كأن يقبض
مأمور الضبطية القضائية على شاهد لإرغامه على الحضور للإدلاء بمعلوماته أمامه، لأن
القبض على الشاهد ليس داخلا في اختصاصه. ولما كانت أفعال الاعتداء المسندة إلى
الفاعلين قد وقعت على ما جاء في الحكم المطعون فيه في أثناء قيام رجال البوليس وموظفي
وزارة الأوقاف بهدم الجدار الذي أنشأته الطاعنة الثالثة بالأرض المتنازع عليها،
وكان الهدم مما لا يدخل في اختصاص أولئك الموظفين، فإنه لم يكن ثمة ما يمنع من دفع
عدوانهم. ولا يغير من ذلك أن الأمر بالهدم قد صدر لهم من النيابة العمومية، لأن
النيابة لا تملك بحسب اختصاصها إصدار هذا الأمر، فإن الهدم لا يجوز إلا بحكم
قضائي، ولأنه لا طاعة لرئيس على مرؤوس في معصية القانون، ولأن رجال البوليس وهم
ينفذون أمر النيابة لا يمكن أن يكون لهم أكثر مما للنيابة نفسها.
وحيث إنه متى تقرّر ذلك،
فقد كان الواجب على المحكمة أن تبحث مسألة الدفاع الشرعي، وتبين إن كان الطاعنون
واضعين يدهم على الأرض المتنازع عليها وأقاموا أبنية عليها، وكانوا في ظروف تبرر
كل ما ارتكبوه من أفعال، أو أنهم تجاوزوا الحدّ اللازم للدفاع، وعلى أية حال تبين
الأسباب المؤدّية لما تنتهى إليه، أما وهى لم تفعل فيكون حكمها قاصرا في بيان
الأسباب التي أقيم عليها ويتعين نقضه.