جلسة 4 يناير سنة 1943
برياسة حضرة صاحب العزة سيد مصطفى بك وكيل المحكمة
وبحضور حضرات: منصور إسماعيل بك وجندي عبد الملك بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي
الجزايرلي بك المستشارين.
--------------
(62)
القضية رقم 2286 سنة 12
القضائية
تأديب.
قاصرة. وضع والدها قيداً في رجليها طيلة غيابه عن
المنزل ملاحظاً ألا يمنعها هذا القيد من الحركة وألا يؤلم بدنها. لا تجاوز فيه
لحدود التأديب المخوّلة له قانوناً.
(المادة 55 ع = 60)
---------------
إذا كان الولي قد رأى في
سبيل حمل ابنته القاصرة على إطاعة أوامره التي لا ينبغي من ورائها إلا تهذيب
أخلاقها وتقويم سلوكها أن يضع في رجليها قيداً حديدياً عند غيابه عن المنزل،
ملاحظاً في ذلك ألا يمنعها عن الحركة بداخل المنزل وألا يؤلم بدنها، فذلك لا تجاوز
فيه لحدود حق التأديب المخوّل له قانوناً.
المحكمة
وحيث إن حاصل الطعن المقدّم من النيابة العامة أن
الأمر الصادر من قاضي الإحالة إذ قضى بأن لا وجه لإقامة الدعوى على والد المجني
عليها بمقولة إن ما وقع منه من وضع قيد حديدي في قدميها يدخل في سلطته لأنها قاصر
وهو وليها، ولأنه لم يكن يقصد إلا إصلاحها والمحافظة عليها، فأمر تقدير وسيلة
تأديبها المرجع فيه إليه وفقاً لما يهديه إليه تفكيره - إذ قضى بذلك يكون قد أخطأ.
لأن التأديب المباح هو الذي يقبله العقل، وهو الذي لا يتعدّى حدّ الوسائل
التهذيبية البسيطة، كالضرب الذي لا يترك أثراً والحجز الذي ليس فيه ضيق أو حرج أو
مساس بحرّية المحبوس مساساً بليغاً. أما وقد تجاوز الأب بفعلته التي فعلها حدود كل
تأديب معقول فإنه يكون مستحقاً للعقاب خلافاً لما ذهب إليه قاضي الإحالة.
وحيث إن قاضي الإحالة حين
أصدر أمره المطعون فيه قال "إن الوقائع تتضمن أن حسين محمد خيل سمع وهو
بدكانه بناحية القبابات صوت استغاثة ينبعث من منزل عثمان محمد السقاوي، ولما حاول
فتح الباب وجده مغلقاً فنظر من فرجة فيه فوجد ابنه صاحب المنزل والنار مشتعلة فيها
وعاجزة عن فتح الباب له، فتسلق من الأسطح المجاورة ونزل إلى المنزل فوجدها تحاول
إطفاء النار بالماء فساعدها. ولاحظ أثناء ذلك وجود قيد برجليها. وحيث إن المجني
عليها تردّدت في اتهام زوجة أبيها أوّلاً بوضع القيد ثم ثبتت أخيراً بأن أباها هو
الذي وضعه. وقد علل وضعه بأنه تزوّج بالمتهمة الأولى وكانت المجني عليها تقيم عند
خالها سيد محمد السناري إلى ما قبل الحادثة بنحو شهر إذ رأى أن يطلبها منه، فلما
تمت له حضانتها لاحظ كثرة خروجها إلى منزل خالها فرأى خشية من أن يصيبها مكروه في
عرضها أو خلقها أن يقيدها كلما هو غائب عن المنزل، وأنه يتغيب عنه في الصباح إذ
يقصد فابريقة السكر للعمل فيها، فإذا عاد في المساء فك القيد. وكان يلاحظ في القيد
أن لا يمنعها عن الحركة بداخل المنزل ولا يؤلم بدنها. وحيث إن النيابة نسبت إلى
المتهم الثاني ارتكابه جريمة تعذيب بوضع هذا القيد تطبيقاً للمادة 282/ 2 عقوبات
فيتعين بالبحث فيما إذا كان وضع القيد في الظروف المتقدّمة عملاً يدخل في مدى
ولاية الأب على صغيرة أو لا يدخل. وحيث إن ولاية الأب على الصغير في الشريعة
الإسلامية لا تبيح وضع القيد، ولو كان عبداً آبقا (جامع الفصولين) وهذا في الأصل.
ويدخل على هذا الأصل الاستثناء بمنع الصغير من الخروج إن خشي الأب ضرراً. كما للأب
أن يعين حارساً أو حارسة. ومفهوم المخالفة لهذا الرأي أن المنع من الخروج والعجز
عن تعيين الحارس أو الحارسة أو عجز الحارسين عن حراسة الصغيرة، كما هو الحال في
هذه القضية، يجيز للأب أن يقيد الصغير وفي فرنسا يرون ذلك (جارسون فقرة 31 صحيفة
932). ومفهوم هذا الرأي أن الأمر موكول للأب لتقدير ما يرى اتخاذه من إجراء لتربية
الصغير وإسكانه في المحل الذي يرى إسكانه فيه، فإن كانت الحراسة والمراقبة تصلحان
لإلزامه المسكن المخصص له كان حتماً عليه أن لا يزيد عن هذه الإجراءات، فإن وجدهما
غير كافيين لجأ إلى إجراء أشدّ كأقفال الأبواب. فإن لم يستطيع منع الصغير من
الهرب، ووجد الأب نفسه مجبراً بين أن يقعد عن مواصلة كسب عيشه، أو حراسة الصغير،
كان له بلا شك أن يلجأ إلى الإجراء الذي أعدّه المتهم الثاني، على أن لا يكون فيه
تعذيب أو منع من الحركة أو إيلام البدن، فإن تجاوز هذه الحدود كان عمله جريمة
معاقباً عليها. (جارسون نبذة 32). وقد أعطى المؤلف أمثلة تجاوز فيها التعذيب حدّ
التأديب الإنساني المعقول. وبمقارنتها بحالة هذه القضية يتضح الفرق بعيداً بين
بالحالتين. وحيث إنه يتضح مما تقدّم أن لا جناية في جريمة التعذيب المنسوبة للمتهم
الثاني كفاعل أصلي وللأولى كشريكة فيها ويتعين التقرير بأن لا وجه".
وحيث إن هذا الذي أثبته
قاضي الإحالة على الوجه المتقدّم يتضمن أن المتهم الثاني وهو ولي المجني عليها
القاصر كان حسن النية فيما وقع منه عليها في سبيل حملها على إطاعة أوامره التي
ترمي إلى تقويمها وتهذيبها ولم يتجاوز الحدود الموضوعة لحق التأديب المخوّلة له
قانوناً.
وحيث إنه لذلك يكون الأمر
المطعون فيه قد طبق القانون كما جاء به نصه في المادة 60 عقوبات تطبيقاً صحيحاً
على الواقعة التي أثبت وقوعها من المتهمين ويكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق