الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 27 يناير 2020

الطعن 345 لسنة 21 ق جلسة 9 / 2 / 1956 مكتب فني 7 ج 1 ق 23 ص 168


جلسة 9 من فبراير سنة 1956
برياسة السيد الأستاذ مصطفى فاضل وكيل المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: أحمد العروسى، ومحمد فؤاد جابر، ومحمد عبد الواحد على، واحمد قوشه، المستشارين.
---------
(23)
القضية رقم 345 سنة 21 القضائية

() تنفيذ عقاري. رسو المزاد. غش. 
قاعدة أن الغش يبطل التصرفات. قيام الحكم ببطلان رسو المزاد على هذه القاعدة. لا خطأ.
)ب) إثبات. غش. محكمة الموضوع. 
سلطة قاضي الموضوع في استخلاص عناصر الغش من وقائع الدعوى وتقدير ما يثبت به وما لا يثبت.
(جـ) تضامن. تنفيذ عقاري. 
حق المدين المتضامن في الرجوع بما دفعه عن المدين الآخر ونزع ملكيته لأرضه وشرائها بالمزاد لنفسه سرا أو جهرا. شرطه. كون الوفاء من ماله الخاص.
(د) تنفيذ عقاري. رسو المزاد. نيابة. وكالة. 
قيام مدين متضامن بتسوية الدين لحساب المدينين جميعا ومن مال مشترك بينه وبينهم ونزع ملكيه أرض المدينين الآخرين وشرائها بالمزاد لنفسه. ذلك يمنع من إضافة الملك إليه. اعتبار رسو المزاد كأنه لم يكن إلا في خصوص انهاء علاقة الدائن بالمدين المنزوعة ملكيته.
(هـ) حلول محل الدائن. تأمينات. تضامن. 
مدين متضامن دفع من الدين زيارة عن نصيبه. قيام نزاع في هذه الزيادة. امتناع التنفيذ بها على مال المدينين الآخرين. عدم قبول طلب شطب القيود والتسجيلات التي شملتها تسوية الدين قبل معرفه تلك الزيادة.

--------------
1 - قاعدة "الغش يبطل التصرفات" هي قاعدة قانونية سليمة ولم لم يجر بها نص خاص في القانون وتقوم على اعتبارات خلقية واجتماعية في محاربة الغش والخديعة والاحتيال وعدم الانحراف عن جادة حسن النية الواجب توافره في المعاقدات والتصرفات والإجراءات عموما صيانة لمصلحة الأفراد والجماعات. فإذا كان الحكم قد اعتمد على هذه القاعدة في قضائه ببطلان رسو المزاد فإنه لا يكون قد خالف القانون.
2 - لقاضى الموضوع سلطة تامة في استخلاص عناصر الغش من وقائع الدعوى وتقدير ما يثبت به هذا الغش وما لا يثبت دون رقابة عليه من محكمة النقض في ذلك ما دامت الوقائع تسمح به.
3 - القول بحق المدين المتضامن في الرجوع على المدينين الآخرين بما دفعه عنهم ونزع ملكية أرضهم وشرائها بالمزاد لنفسه جهرا أو بواسطة من يوكله أو يسخره عنه خفية. هذا القول محله أن يكون الوفاء من ماله الخاص.
4 - متى قررت محكمة الموضوع أن مدينا متضامنا قام بتسوية الدين ونزع ملكية أطيان المدينين الآخرين وشرائها بالمزاد لنفسه وأنه أوفى مقابل التسوية لحسابهم جميعا ومن المال المشترك، فان النيابة التبادلية في الالتزامات التضامنية أو الوكالة الضمنية التي قررتها تلك المحكمة في هذه الحالة تمنع من إضافة الملك إلى الوكيل أو النائب الراسي عليه المزاد بل ويعتبر رسو المزاد كأنه لم يكن إلا في خصوص إنهاء علاقة الدائن بالمدينين المنزوعة ملكيتهم.
5 - متى كان المدين المتضامن قد حل بحكم القانون محل الدائنين بمقدار ما عساه يكون قد دفعه زيادة عن نصيبه ويحق له الرجوع به على المدينين الآخرين فإنه وإن امتنع عليه التنفيذ بها على ما لهم ما دامت محل نزاع إلا أنه لا يقبل طلب هؤلاء المدينين بشطب القيود والتسجيلات التي شملتها لتسوية الديون قبل معرفة مقدار تلك الزيادة التي يحق للمدين المذكور الحلول بها محل الدائنين في القيود والتسجيلات المذكورة.


المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن هذا الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع الدعوى - على ما يستفاد من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المرحوم محمد أحمد الدفراوى مورث المطعون عليهم توفى بتاريخ 9 من
أغسطس سنة 1930 عن تركة قدرت أعيانها بمقدار 76 فدانا و22 قيراطا ومنازل ومنقولات وحاصلات ومواش وديون وزمامات وكان الطاعن الثاني وهو شقيق المورث شريكا له في إدارة واستغلال ثروتهما ومتضامنا معه في الديون، وعقب وفاة المورث عينت زوجة المتوفى "الست نعمات محمد علوى الجزار" وصيا على القصر كما عين معها والدها المرحوم محمد علوى الجزار وصيا على القصر المذكورين ولكنهما لم يتمكنا من وضع أيديهما على التركة لأن أعيانها ظلت تحت يد عم القصر "الطاعن الثاني" فرأى المجلس الحسبي تعيين هذا العم وصيا ثالثا على القصر بقراره الصادر بتاريخ 8 من مارس سنة 1932 حتى يكون تحت رقابته وسلطانه وليلزمه بتقديم الحساب عن أموال القصر. وقد استقر النزاع أمام المجلس الحسبي بين الطاعن الثاني عم القصر وبين الوصيين الآخرين والدة القصر وجدهم على تحديد نصيب الأخوين في الديون وتقدير ثمن الحاصلات وريع الأطيان وأصدر المجلس عدة قرارات بندب خبراء للجرد وفحص الحساب وفى هذه الأثناء هب الدائنون للمطالبة بديونهم واستصدروا أحكاما واتخذ بعضهم إجراءات نزع ملكية الأطيان وجرت بعض تسويات مع أرباب الديون باسم الطاعنة الأولى وهى زوجة الطاعن الثاني وحلت بهذه التسويات محل أربابها ومنهم نازع الملكية، وقد استمرت إجراءات البيع إلى نهايتها حتى رسا مزاد الأطيان عليها أمام قاضى البيوع بمحكمة اسكندرية المختلطة بتاريخ 3 من مارس سنة 1937، وبتاريخ 4 من أبريل سنة 1939 أصدر المجلس الحسبي قرارا مسببا بأن التسوية وان كانت قد تمت مع الدائنين باسم الست أمينة هانم العيسوى "الطاعنة الأولى" فهي في حقيقتها تسوية حاصلة من زوجها عبد المحسن الدفراوى "الطاعن الثاني" وبأموال القصر مستترا وراء اسم زوجته صوريا وبوجوب أحقية القصر بالانتفاع بتلك التسوية واستمرار ملكيتهم للأطيان التي رسا مزادها على الست أمينه هانم العيسوى والتصريح للوصيين باتخاذ الإجراءات القضائية لإبطال تلك التصرفات، وقد رفض المجلس الحسبي بتاريخ 12 من يوليه سنة 1939 تظلم عبد المحسن الدفراوى من ذلك القرار وأصر على تأييده فرفع جد القصر ووالدتهم بصفتيهما وصيين على القصر ووالدتهم بصفتها الشخصية كوارثة الدعوى رقم 270 سنة 1940 كلى الاسكندرية بعريضة معلنة بتاريخ 27 من فبراير سنة 1940 ضد الطاعنين طلبا فيها تثبيت ملكيتهما إلى 77 ف و9 ط و21 س البالغ مسطحها بالطبيعة 76 ف و22 ط المبينة بعريضة الدعوى وبطلان ما توقع عليها من تسجيلات مع المصاريف والأتعاب والنفاذ تأسيسا على أن حكم مرسى المزاد صدر للطاعنة الأولى انما صدر صوريا لتهريب أملاك القصر وأن الأموال التي دفعت في تسوية ديون الدائنين انما دفعت من مال القصر الذين لم يتسلموا شيئا من ربع التركة ولا منقولاتها من يوم وفاة مورثهم سوى ما استلموه بحكم النفقة وأن ما تم من بيع أطيان التركة كان بطريق التحايل والغش والتدليس الذى لجأ إليه الطاعن الثاني بعلم زوجته واشتراكها، وبتاريخ 13 من مايو سنة 1941 قضت محكمة الاسكندرية الابتدائية في الدعوى بتثبيت ملكية المدعيين بصفتيهما إلى 68 ف و8 ط شائعة في 76 ف و22 ط المبينة بالكشف المرفق بصحيفة الدعوى وشطب التسجيلات الموقعة على هذا القدر مع المصاريف والأتعاب وحفظت للطاعنين الحق فيما يدعيانه من سداد الديون التي كانت على القصر بدعوى على حدة وأسست قضاءها على ما ثبت لها من قرار المجلس الحسبي الرقيم 4/ 4/ 1939 من أن المتوفر للقصر بذمة الطاعن الثاني هو مبلغ 2053 ج و180 م لغاية سنة 1936 خلاف نصيب مورثهم في ريع الأطيان عن سنة 1930 الذى لم يدخل في الحساب، وأن لهذا القرار حجية عليه بصفته وصيا - وعلى ما ثبت حجية للمحكمة من ظروف الدعوى من أن الطاعن الثاني هو الذى باشر بنفسه التسويات مع الدائنين وصاحب المصلحة الأولى فيها والذى يمكنه مركزه من عملها دون زوجته التي لا يعقل أن تباشر مثل هذا العمل على خلاف العادة المتبعة ويؤكد ذلك خطابه للأستاذ عبد السلام الشاذلى الذى تدل عباراته على أنه هو الذى فاوض وسوى الديون عن نفسه ونيابة عن القصر وأن هذه التسويات تمت من ثمن محصولاته ومحصولات القصر التي بقيت أثمانها بيده، كما يؤكد ذلك ممانعته في تسليم أطيان القصر لأوصيائهم ووضع العراقيل في سبيل تنفيذ حكم النفقة المحكوم بها للقصر عليه ورأت زيارة على ذلك أن ما جاء بخطابه إلى الاستاذ عبد السلام الشاذلى المشار إليه من التهديد قد نفذ فعلا باستخدام زوجته لستر التسويات وإجراء الحلول باسمها ويؤيده إصرار محامى الست أمينه هانم العيسوى على الاستمرار في اجراءات البيع الجبري وطلبه إيقاع البيع رغم موافقة غيرها من الدائنين على تأجيل البيع لبحث موضوع التسوية المقدمة لوزارة المالية يومئذ مع أن هذا التأجيل كان في مصلحة زوجها والقصر معا مما يدل على تواطئها وزوجها على إرساء المزاد إضاعة لمال القصر وأن هذا البيع الذى تم باسم الطاعنة الثانية هو في حقيقته للطاعن الثاني فهو باطل بالنسبة لحصة القصر لأنه بصفته وصيا لا يجوز له شراء شيء من أموال القصر الذين تحت وصايته سواء تم هذا الشراء بالمزاد أو بغيره كما رأت المحكمة أن البيع بالنسبة لنصيب والدة القصر قد وقع صحيحا ولا مطعن عليه من هذه الناحية ولا من ناحية الغش والتدليس لأن البطلان للتدليس لا يكون إلا في العقود لا الأحكام فاستبعدت نصيب الأم وهو الثمن وقضت بملكية الباقي للقصر. فاستأنفت الطاعنة الأولى هذا الحكم لدى محكمة استئناف مصر في القضية رقم 836 سنة 58 ق التي أحيلت إلى محكمة استئناف اسكندرية وقيدت بجدولها برقم 190 و191 سنة 1 ق وقد أصدرت هذه المحكمة حكمها في 11 يونيه سنة 1947 بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من تثبيت ملكية القصر إلى 68 فدانا و8 قيراط شائعة في 76 فدانا و22 قيراطا المبينة بالعريضة الابتدائية وبالكشف المرفق بها وشطب تسجيل حكم مرسى المزاد عنها وبإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من شطب التسجيلات الموقعة على هذا القدر تأمينا للديون التي تحولت بها الست أمينه هانم العيسوى طبقا لما تظهره التصفية بدعوى على حدة بين الطاعنين والقصر ورفض الدعوى في هذا الخصوص مع إلزام الطاعنة الأولى "المستأنفة" بالمصاريف والأتعاب وقد أخذت محكمة الاستئناف في قضائها بأسباب الحكم المستأنف وزادت عليه بأن مورث القصر فضلا عما تركه من أطيان وأملاك كان مستأجرا مع أخيه الطاعن الثانى 874 فدانا وكسوار وتوفى في السنة الأخيرة من الإجارة وعند وفاته كانت الحاصلات قائمة بالأطيان وكانت الإدارة الفعلية للمطعون عليه الثاني خلال فترة مرض المورث واستمرت بعد وفاته عن جميع أعيان التركة فلم تستطيع والدة القصر ولا والدها استلامها مما أدى المجلس الى تعيين هذا الأخ وصيا معهما وكان يعارض هذا التعيين ولكن المجلس ألزمه به واستمر يقدم الحساب حتى سنة 1937 طبقا لتقديره هو مما كان مثار خلاف شديد أحيل فحصه الى الخبراء وقد تعاقبت قرارات المجلس حتى انتهت بقرار 4 من أبريل سنة 1939 الذى أثبت انشغال ذمة الطاعن الثاني بمبلغ 2035 جنيها و180 مليما - عن المدة من سنة 1931 حتى سنة 1936 بخلاف حساب المحاصيل التي كانت بالأطيان المستأجرة والأطيان المملوكة للمورث سنة 1930 كما قام خلاف على تحديد نصيب الأخوين في الديون وعلى طريقة تسويتها وإصرار الطاعن الثاني على احتساب ديون سحبها بعد الوفاة وحررت سنداتها عليه وحده وفى غمرة هذا الخلاف كانت الطاعنة الأولى تحل محل بعض الدائنين بعد تسوية ديونهم وتخفيضها وتقسيطها لاسمها ولحسابها وسعت لتحريك دعوى البيع وأرست المزاد عليها وقد أقام ورثة المتوفى "المطعون عليهم" دعواهم على أساس أن التسوية تمت لحسابهم ومن مالهم وأن زج الطاعنة الأولى في الصفقة كان صوريا وقد ثبتت وساطة عبد المحسن الدفراوى وقيامه بمساومة الدائنين وقبول هؤلاء الدائنين المساومة والتخفيض من خطابه إلى السيد عبد السلام الشاذلى المؤرخ 12/ 12/ 1934 وأنه يهدد فيه باتخاذ ما يسوغه له مركزه الحالي من الديون التي حولت باسم زوجته الطاعنة الأولى وقد تبين من هذا الخطاب ومن تحقيق النيابة بتاريخ 10 من نوفمبر سنة 1940 أن عبد المحسن كان يبالغ في المبالغ المسددة ويتناقض في بيان مصدرها وقد تبين أن اجراءات التسوية والحلول قد تمت قبل خطابه المرسل للسيد الشاذلى المشار إليه والذى لم يشر فيه إلى حصول عمليات الحلول المنوه عنها وكانت عمليات الحلول تتم بكامل الديون وتأميناتها ومن المتقدمين من الدائنين في درجة القيد وباسم الطاعنة الأولى حتى يمكن الإفادة من أولوية الدين وامتيازاته وقد تم ذلك بعد أن أوهم عبد المحسن جد القصر بأن التسويات إنما تجرى لحساب القصر وأنه جهر بذلك أمام المجلس الحسبي بجلسة 2 من أغسطس سنة 1935 وفى إنذاره إلى جد القصر بتاريخ 2/ 10/ 1936 بأنه لا مال للقصر تحت يده لسداد النفقة المطلوبة لهم إذ أن سداده لديون القصر قد استغرق كل الريع وأن والدة القصر وجدهم أنذرا عبد المحسن في 29/ 9/ 1936 محذريه من السير في الاجراءات التي يتخذها فلم يحفل حتى جاءت جلسة بيع الأطيان فلم يحضر وأوحى إلى زوجته بالحضور والإصرار على طلب البيع وانتهى الأمر بالبيع فعلا ورسو المزاد عليها وأن ما ادعته هذه الزوجة من دفع مبالغ التحويل من مالها الخاص مردود بأن الظروف تدل على عكس ذلك إذ لم تستطيع إنقاذ منزل زوجها الطاعن الأول من البيع الجبري مقابل 400 ج وأنها رغم حصول الحلول الأول في سنة 1932 لم تطالب بدينها ولم تتقدم به للمجلس الحسبي ولم تذكره لخبراء المجلس في وقت كان زوجها هو المدير للتركة واستعرضت المحكمة كذلك المبالغ التي تمت بها التسوية وقد بلغت 3650 ج وأصلها 8000 ج وأن نصيب القصر فيما سدد 1825 ج ولو حسنت نية عبد المحسن لقدم حساب التسوية والريع للمجلس مع أن هذا الريع بإقراره في تحقيق النيابة بلغ 187 ج لغاية رسو المزاد بخلاف حصتهم في حاصلات سنة 1930 وما يكون قد حصله من الزمامات التي قدرها الخبراء بمبلغ 3712 ج عن أطيانهم الملك و2727 ج عن الأطيان المستأجرة وإذا خصم ما دفع لهم من نفقة لا تتجاوز 500 ج يكون الباقي لهم بذمة عمهم عبد المحسن أكثر مما يخصهم فيما سدده للدائنين وأخيرا لم تر محلا لما قضت به محكمة أول درجة من إلغاء التسجيلات المترتبة على عقود التحويل حتى يتم الحساب بين الطرفين وقالت إن ما قام به عبد المحسن من استتاره وراء اسم زوجته صوريا في الصفقة إضرارا بحقوق القصر قد وقع باطلا بطلانا مطلقا طبقا لحكم المادة 258 مدنى قديم لأن الوصي ممنوع من شراء مال القصر المشمولين بوصايته وإذا ما أبطل حكم مرسى المزاد عادت ملكية الأطيان للقصر، طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض في الطعن رقم 196 سنة 17 ق وكان من بين وجوه طعنهما على حكم محكمة الاستئناف خطؤها في تطبيق المادة 258 مدنى قديم لأنها لا تنطبق على الشراء في البيوع الجبرية ولأن الطاعن الثاني كان وقت الشراء معزولا عن إدارة التركة وبالتالي من التصرف فيها فلم يكن بيع مال القصر منوطا به وقد وجهت اجراءات البيع في وجه الوصيين الآخرين ولم توجه إلى الطاعن الثاني إلا بوصفه مدينا مطلوبا نزع ملكيته أسوة بالقصر، وقد قبلت المحكمة الطعن ونقضت الحكم أخذا بهذا النظر قائلة بأن المجلس أصدر قرارا بإفراد الوصيين الآخرين دون هذا الوصي "الطاعن الثاني" بإدارة أموال القصر فخلى هذا القرار بينه وبين الإدارة وهى أهم خصائص الوصاية فهذه التخلية بمثابة عزل للطاعن منها وهى عزل من باب أولى من أعمال التصرف ومتى انحلت صفة الادارة والتصرف انحلت صفة تمثيل القاصر فيها وزالت عنه خصائص الوصاية وأصبح خارجا عن دائرة الحظر الوارد بالمادة 258 مدنى قديم، هذا إلى أن هذا الوصي كان ممثلا في إجراءات البيع بوصفه مدينا ولما وجدت المحكمة أن القضية غير صالحة للفصل قالت إن تقرير أن حلول الطاعن الثاني مستترا وراء اسم زوجته محل الدائنين المسجلة ديونهم وأن شراءه الأطيان المنزوعة ملكيتها كل ذلك كان لحساب القصر ومن مالهم - هذا التقرير يقتضى أولا تصفية الحساب بينه وبين القصر وهو القائم بشأنه دعوى لم يفصل فيها بعد كما يقتضى بيان أثر ذلك إن صح في انقضاء تلك الديون التي حصل الحلول فيها وبالتالي في دعوى بطلان البيع وأحالت القضية إلى محكمة الاستئناف فعالجت محكمة الاستئناف الدعوى مرة أخرى فاستظهرت الوقائع وقرارات المجلس الحسبي ومنها قرار 4 من أبريل سنة 1939 وما تضمنه من بيان المتوفر للقصر وقدره 411 جنيها و117 مليما بعد خصم النفقة المسددة وأحقية القصر في زمامات زراعة عباس بمبلغ 957 ج وكسور وفى زراعة الدفراوى بمبلغ 684 ج وكسور واعتبار هذا المبلغ تحصل وفى ذمة عمهم الطاعن الثاني على أن تكون جملته 2053 ج و180 م وأحقيتهم كذلك في مبلغ 231 ج و164 م في ذمة حاتم العسكري واعتبار التسوية التى أجراها عبد المحسن الدفراوى باسم زوجته صورية وأحقية القصر في الانتفاع بحق النصف فيها واستمرار ملكيتهم للأطيان التى رسا مزادها على الست أمينه وتكليف الوصيين باتخاذ الإجراءات لإبطالها وندب خبير لتصفية الزراعة عن سنة 1930 وتحقيق ديون المشترية ومقدارها إلى آخر ما جاء بالقرار المشار إليه وقد استظهرت تقرير الخبير الذى ندب لذلك "السيد على مليك" وما تضمنه من أن إيراد القصر في سنة 1930 المتوفر بذمة عمهم عبد المحسن 3338 جنيها و295 مليما وأن مجموع الديون التى تمت تسويتها 8024 جنيها و728 مليما دفع في شرائها 5354 جنيها و238 مليما يخص القصر نصفها أى مبلغ 2517 جنيها و480 مليما وهى ديون المغازى باشا وأسعد بغدادى والبنك التجارى الإيطالى وبنك الخصم - وقد عقدت محكمة الاستئناف في حكمها فصلا تحت عنوان هل كان بذمة عبد المحسن الدفراوى مبالغ للقصر في مارس سنة 1937 تاريخ رسو مزاد الأطيان على زوجته الطاعنة الأولى تحدثت المحكمة في هذا الفصل عن أدوار النزاع وعروض الصلح أمام المجلس وما انتهت إليه وقرارات المجلس وما تؤدى إليه من انعقاد نية عبد المحسن الدفراوى على اغتيال أطيان القصر وأشارت إلى دعوى براءة الذمة التى رفعها بمحكمة شبين الكوم والتى أوقفت لرفع دعوى جنحة بمحكمة شبرا خيت ضد عبد المحسن انتهت ببراءته تأسيسا على وجود نزاع على الحساب بين الطرفين يتعين تصفيته أمام المحكمة المدنية وعرضت المحكمة لهذا الحساب في سياق تسبيبها فقالت: وبما أن الدفاع عن السيدة أمينه لم ينازع في أرقام الحساب التى ذكرها الخبير "على مليك" غير أنه تمسك في مذكرتها بأنها دفعت فعلا مبلغ 4850 جنيها ثمن شراء الديون وهو أقل مما ذكره الخبير، كما قالت أنها دفعت بعد حكم المزاد مبلغ 4180 جنيها للدائنين السابقين عليها في المرتبة وبما أن المبلغ المدفوع بعد الحكم لا يعول عليه إلا بعد معرفة أى من القصر أو عمهم كان مدينا للاخر في مارس سنة 1937 وتأثير ذلك على رسو المزاد. وأما أرقام الحساب فلم يذكر دفاع السيدة أمينه عنها شيئا إلا المجادلة في تقدير إيجار الفدان وأنه لا يزيد عن 4 جنيه وأن إيراد القصر سنويا لا يزيد عن 480 جنيها وفى عشر سنوات 4800 جنيه وهو أقل من نصف المبلغ الذى سددته الست أمنيه مع مراعاة وجوب خصم الأموال الأميرية والديون غير المسجلة التى استوفاها أربابها. وتحدثت المحكمة عما أثير حول الذمم وقالت إنه كان واجب عبد المحسن إن صح أنه لم يحصلها أن يقدم مستنداتها وهى تحت يده لأنه واضع اليد على التركة التى هى على المشاع معه ولأنه شريك في هذه الديون ولا يعقل سكوته عن المطالبة بحقوقه. وردت على القول بوجوب تصفية الحساب أولا وبصفة نهائية قبل تقرير مشغولية ذمة عبد المحسن الدفراوى بمبلغ معين للقصر- بأن ما جاء بتقرير الخبير السيد مليك يفيد - دون حاجة إلى إجراء تصفية نهائية - أنه يوجد مبلغ من المتيقن بقاؤه بذمة عبد المحسن يزيد كثيرا عما دفع فعلا للدائنين قبل مارس سنة 1937. ثم تحدثت المحكمة بعدئذ عن كيفية تسوية الديون وتأثير ذلك على رسو المزاد قائلة: بأن الطاعن الثانى ظل واضعا يده على التركة بسبب الشيوع كما ظل واضعا يده بعد القسمة، وأنه اتفق مع الوصيين أمام المجلس الحسبى على قيامه بتسوية ديون الدائنين المتقدمين في درجة القيد لتخليص التركة وتمت التسوية مع بعض هؤلاء الدائنين فعلا بدفع جزء من دينهم وتحولت به الطاعنة الأولى، وكان مفهوم هذا أن تكون التسوية لحساب القصر وزوجها يؤيده إقرارات الطاعن الثانى بالمجلس الحسبى وخطاباه للأستاذ عبد السلام الشاذلى ومحمد علوى الجزار وهذه الأقوال والاقرارات إلى جانب تولى عبد المحسن أعمال زوجته تكون حجة على هذه الزوجة، فإذا جد بعد ذلك خلاف نشأ عنه أن ينتهز عبد المحسن فرصة تحويل بعض الديون باسم زوجته واستغلاله هذا الظرف كان ذلك غشا يفسد كل إجراء لاحق يؤيد ذلك أن عبد المحسن كان يعترض على رغبة جد القصر في رهن جزء من أعيان التركة للدائنين بمقولة إنه تحسن الموافقة على أن يأخذ هو جميع أطيان القصر على أن يقوم هو بسداد الديون ويعطى ورثة أخيه 12 فدانا وقيراطين من أطيان والدته الخاصة ثم يعود فيعرض عقب رفض اقتراحه المذكور بيع 15 فدانا و10 قراريط و11 سهما من أطيان جدة القصر لوالدهم مقابل تنازلهم عن نصيبهم في التركة بما عليها من ديون، ولما لم يقبل هذا العرض وأن الوصيين يقفان له بالمرصاد والمجلس من ورائهما عارض في تعيينه وصيا حتى لا يكون مسئولا عن تقديم حساب ناعيا على جد القصر أنه أضاع مصلحتهم لأن الدائنين شرعوا في نزع الملكية، فاذا كان عبد المحسن قادرا على النهوض بتسوية الديون إذا وافق المجلس على نقل أعيان التركة إليه فكيف يبقى عاجزا عن تسويتها إذا كانت جميع أعيان التركة تحت يده وقد أراد عبد المحسن بتصرفاته أمام المجلس أن يستميله حتى يقوم بمفاوضة الدائنين لحسابه وحساب القصر معا ولا يفسر هذا الإجراء إلا أنه غش أراد به أن يخدر أعصاب زوجة أخيه ووالدها أمام المجلس الحسبى، وأشار الحكم إلى أقواله بجلسة 20 من أغسطس سنة 1935 بالمجلس الحسبى عن تسوية دين المغازى وبنك الخصم وغيرهما من الدائنين بأنه كلف اشخاصا بمساومة الدائنين كما وسط آخرين ولم يذكر اسم من حصلت المساومة لصالحه ابتداء حتى اتضح أنها زوجته "الطاعنة الأولى" وأن مفاوضة الدائنين كانت منه مباشرة وأنه كان سئ النية لإخفائه اسم زوجته في التسوية بجلسة 27 من يونيه سنة 1935 ولم يفصح عن اسمها إلا حين أحرجه جد القصر. وقد خلصت محكمة الاستئناف من هذا كله إلى أن الطاعن الثانى كان يسعى لحرمان ورثة أخيه من الوصول إلى حقوقهم في ريع التركة وأعيانها وأن زوجته مسئولة معه لأنه كان ينوب عنها في الاتفاق مع الدائنين، وأن هذه التصرفات فضلا عن أنها تنبئ بصورية مرسى المزاد لصالح الطاعنة الأولى فإنها تكون غشا وتدليسا ببطلان البيع ولا يغنى عن ذلك أن يكون لدى الست أمينه العيسوى مال قل أو كثر دفعت منه البعض في مقابل هذه الديون أو بالأحرى دفع زوجها هذا المقابل- وذلك سواء كان ما بذمة عبد المحسن لورثة أخيه يفى بهذا المقابل أو يقل أو يزيد عليه - ما دام قد اتضح بجلاء أنه قد أوهم المجلس الحسبى وجد القصر ووالدتهم أنه يعمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أعيان تركة أخيه ويحاول تخليص جانب منها له ولورثة أخيه ثم استعار اسم زوجته لتحويل هذه الديون عند تسويتها، والحقيقة أن ذلك كان لحساب القصر وحسابه معا إلى أن قالت إنه إذا كان مقابل التسويات قد دفع من المال المشترك فتكون التسجيلات التى شملتها التسوية ملغاة ويكون الحكم المستأنف قد أصاب في قضائه بشطيها... فطعن الطاعنان على هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن بنى على ثلاثة أسباب، يتحصل السبب الثانى منها في أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه فضلا عن قصور أسبابه في خصوص قضائه ببطلان البيع للصورية والغش وذلك من عدة وجوه أولها - أن الحكم المطعون فيه قرر أن عبد المحسن "الطاعن الثانى" اتفق مع وصى القصر أن يقوم بمساومة الدائنين على تسوية ديون المتقدمين منهم في درجة القيد سعيا لتخليص التركة وأن هذه التسوية وإن تمت باسم الست أمينه العيسوى "الطاعنة الأولى" فالمفهوم أنها كانت لحساب عبد المحسن وورثة أخيه "المطعون عليهم" باعتبارهم مدينين معا وأن عبد المحسن وإن استعار اسم زوجته لإجراء هذه التسوية وتحويل الديون باسمها إلا أن الحقيقة أن ذلك كان لحسابه وحساب القصر معا - فإذا كان مراد الحكم من حصول التسويات لحساب القصر أن الست أمينة كانت تتعامل مع الدائنين نيابة عن القصر فذلك يقتضى أن تكون وكيلة عنهم بالاتفاق مع أوصيائهم أو مع زوجها بصفته وكيلا عنهم ولكن الوكالة لا يجوز إثباتها بين طرفيها إلا بالكتابة متى زادت قيمتها على عشرة جنيهات، وإذن يكون الحكم المطعون فيه قد خالف القانون إذ اعتبر الطاعنة الأولى تعمل لحسابهم بحيث يعود إليهم مباشرة أثر التصرف ونفعه بنسبة نصيبهم - وحاصل الوجه الثانى أنه إذا كان مراد الحكم أن الست أمينه كانت تعمل لحساب زوجها شخصيا وأن تصرف الزوج بتسوية الديون بواسطة زوجته قد أفاد القصر بوصفهم شركاء معه في الديون فان ذلك غير منتج وقاصر عن بيان سنده الموضوعى ذلك بأن وفاء أحد المدينين المتضامنين بكل الدين يحل الموفى محل الدائن في مطالبة المدينين المتضامنين بنصيبهم فيما دفع عنهم من ديون وحق إجراء التنفيذ على أطيانهم والتدخل في شرائها بالمزاد سواء بنفسه أو باسم من وكله أو سخره لذلك على أن دعوى تسخير الزوجة في التسوية أمر فضلا عن أنه غير منتج إذ محله عند البحث في بيان ما إذا كانت التسوية تمت بحوالة الدين أو بوفاء مع الحلول - فانه لا دليل عليه إلا ما نقله الحكم المطعون فيه عن بعض فقرات من دفاع السيدة أمنيه سيقت على سبيل الفرض الجدلى ولا يفيد التسخير ولا تؤدى إليه، فما كان يصح أن يؤخذ من الفرض تسليما وإلا كان ذلك مسخا للكلام وخلقا لأدلة وهمية واستدلالا على الشئ بعكسه: وحاصل الوجه الثالث أن الحكم المطعون فيه أبطل البيع بالمزاد على أساس أنه صورى وأنه مشوب بالغش والتدليس وقد عول الحكم على الصورية وخصها بالذكر دون الغش في حيثيته الختامية فإذا كان المراد بالصورية شخص المشترى "الراسى عليه المزاد" أى أن المشترى الحقيقى هو عبد المحسن مستعيرا اسم زوجته فانه يكون قد خالف القانون إذ لا مانع يمنع عبد المحسن من الشراء بنفسه أو بمن يوكله وكالة ظاهرة أو مستترة والظاهر أن الحكم لم يفطن إلى أن هذا البحث أريد به إثبات أن المشترى الحقيقى هو عبد المحسن ليرتب على ذلك بطلان شرائه عملا بالمادة 258 مدنى قديم مع أنه لم يبق بعد حكم النقض محل لتطبيق هذه المادة ولا لدعوى الصورية إذ هى دعوى منفصلة عن الغش في منطق الحكم وفى سياق أسبابه. وحاصل الوجه الرابع أن الحكم المطعون فيه لم يأت بدليل واحد على ما قرره من أن البيع بالمزاد إلى الست أمينه كان صوريا وأنه كان في حقيقته لعبد المحسن مستترا وراء اسم زوجته في الظاهر ولا يغنى عن ذلك مجرد القول بأن عبد المحسن كان يسخر زوجته في تسوية الديون لأن الأمرين مختلفان وغير متلازمين فقد يقبل المرء إعارة اسمه في الوفاء بدين دون أن يتحمل أية تبعة ولكنه يحجم عن أن يتورط في الدخول في مزاد مشتريا لحساب غيره أطيانا كبيرة القيمة نظير ثمن يلتزم هو بوفائه والحكم إذ لم يسبب تقريره في هذا الخصوص يكون قاصر البيان وحاصل الوجه الخامس أن الحكمين الابتدائى والاستئنافى المنقوض أسند إلى عبد المحسن الغش وأن زوجته أعانته على ذلك بأن أعارته اسمها في كل تصرفاته واستندا في اثبات هذا الغش المزعوم إلى وقائع معينة ذكراها وكان هذان الحكمان بما اشتملا عليه من تهم لعبد المحسن أمام محكمة النقض فلم تر فيها ما يحقق أى معنى من معانى الغش في القانون ولذلك قررت أن مناط الفصل في الدعوى هو تصفية الحساب بين الطرفين والبحث في انقضاء الديون التى تم الحلول فيها للسيدة أمينه أو لزوجها عبد المحسن ولذلك أهملت المحكمة الكلام عن الغش المزعوم ولو كانت تهمة الغش منتجة في نظرها في إبطال البيع بدون حاجة إلى تصفية الحساب والتثبت من أثر هذه التصفية في انقضاء الديون لرفضت الطعن وأقامت الحكم المطعون فيه يومئذ على أسبابه الخاصة بالغش - والحكم المطعون فيه حاليا إذ بنى قضاءه على غش عبد المحسن واذ استخلص هذا الغش من ذات الأسباب التى استظهرها الحكم الابتدائى والحكم الاستئنافى المنقوض "بصرف النظر عن أنه كان بذمة عبد المحسن مبالغ لورثة أخيه تزيد عما دفع في التسوية وسواء كان ما بذمة عبد المحسن لورثة أخيه يفى بالمقابل أو يقل عنه أو يزيد" يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ذلك لأنه أولا لم يذكر مادة القانون المدنى التى أجرى حكمها وأبطل البيعة على أساسها وآثر الغموض والتجهيل لمعانى الغش المتباينة في القانون إذ لو كان قصده التدليس مرادفا للغش Dol فهذا أبعد الأمور عن صورة الدعوى لأن البيع الجبرى لا يتم برضاء المنزوعة ملكيته وإن كان قصده الاحتيال على القانون أو التصرف المفقر إضرارا بالدائنين أو التواطؤ بتصرف صورى للاضرار بحقوق الغير أو الفعل الضار الموجب للتعويض، فانه مهما يكن مراد الحكم من هذا كله فلا ينطبق أيها على صورة الدعوى فالشراء بالمزاد لم يكن بذاته محلا للطعن من ناحية الشكل أو الاجراءات إلا بأنه تم في الحقيقة لوصى ممنوع من الشراء، وقد رفضت محكمة النقض هذا الطعن، وأما تسوية الديون فعمل غير ضار بل نافع أفاد منه القصر بوقف إجراءات التنفيذ مقابل دفع الدين مقسطا أو مخفضا، وأما اتمام التسوية باسم الست أمينه في صورة حوالة أو وفاء مع الحلول فلا ضرر فيه على القصر ولا غش لهم فيه ومحل إثارته كما سبق القول عند التصفية لأن ما يملك الانسان أن يفعله بنفسه يحق له أن يتمه بوكيل عنه ظاهرا أو مستترا فليس التسخير أو استعارة اسم الغير في التعامل محرما أو عملا غير مشروع إلا إذا قصد به التحاليل على القانون، وأما طلب الست أمينه البيع والإصرار على إجرائه بجلسة المزاد فلا تعدى فيه ولا غش بل هو استعمال لحق الدائن في اقتضاء دينه والتنفيذ بموجبه على أموال مدينه، هذا إلى أن عبد المحسن قد أنذر وصى القصر بسلوك الطريق الذى يسوغه مركزه نحو الديون المحولة لزوجته إن لم يتداركا الموقف بالسداد وفى هذا ما يفيد علم أوصياء القصر باجراءات عبد المحسن وأن مآل هذه الاجراءات هو التنفيذ على أطيان القصر وبهذا العلم التفصيلى بمجرى الأمور تنتفى مظنة القول بوقوع القصر فريسة للخديعة أو الغش والاحتيال، وأما استدلال الحكم المطعون فيه على الغش بما ساقه من تصوير عبد المحسن بأنه أوهم المجلس والأوصياء بالعمل على تخليص التركة أو استعارته لاسم زوجته في التسوية ثم استعمال عقود الحوالة في التنفيذ فهذا كله لا خطأ فيه ولا يعيب تصرفه لأن هذا كله ما كان يمنع عبد المحسن من التنفيذ بموجب الوفاء مع الحلول كما سبقت الاشارة إليه، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه أخطأ في فهم المقومات الواقعية التى لا يتحقق الغش في القانون إلا بها وأنه باطل لانعدام أساسه القانونى وقصور أسبابه عن بيان العناصر الواقعية التى يتحقق بها في الدعوى معنى الغش قانونا مما يستوجب نقضه:
ومن حيث إن هذا النعى مردود في جميع وجوهه بأن الحكم المطعون فيه وهو بسبيل التحدث عن المعنى المستفاد من قرارات المجلس الحسبى وإقرارات عبد المحسن "الطاعن الثانى" أمامه في إيهام والدة القصر وجدهم بغير الواقع قرر "أنه لا يمكن تفسير ذلك إلا أنه غش أراد به أن يخدر أعصاب زوجة أخيه ووالدها والمجلس الحسبى موهما أنه يعمل لمصلحة الجميع حتى لا يقفوا عثرة دون تحقيق الغاية التى وضعها نصب عينيه وهى الاستيلاء على التركة لنفسه نظير ما يدفعه للدائنين مقابل ديونهم ويحرم المتأخرين منهم في ترتيب أقدمية التسجيل من الحصول على حقوقهم حتى إذا تحقق له ما أراد من إجراء التسوية وأصبح في مركز يسمح له أن يملى على والدة القصر وجدهم ما يريد استطاع أن يحصل بموافقة هذين والمجلس الحسبى على نقل أعيان التركة إليه فان رفضوا تذرع بحلول زوجته محل الدائنين وحق لها أن تبيع الأطيان وتستولى عليها.." ثم قال "وبما أن التصرفات السابقة فضلا عن أنها تنبئ بصورية رسو المزاد لصالح الست أمينة عيسوى فانها تكون الغش والتدليس اللذين يبطلان ذلك البيع ولا يغنى عن ذلك أن يكون لدى الست أمينه مال قل أو كثر دفعت منه مقابل هذه الديون أو بالأحرى دفع زوجها عبد المحسن وذلك سواء كان ما بذمة عبد المحسن لورثة أخيه يفى بهذا المقابل أو يقل أو يزيد عليه ما دام قد اتضح بجلاء من الظروف السابقة أن عبد المحسن قد أوهم كما أوهم جد القصر ووالدتهم أنه يعمل على إنقاذ التركة.. ثم استعار اسم زوجته لتحويل الديون إليها والحقيقة أن ذلك كان الحساب القصر وحسابه معا.." ثم انتهى الحكم إلى القول "وبما أنه قد اتضح مما سبق صورية رسو المزاد على السيده أمينه عيسوى وأن التسويات التى حصلت بشأن الديون إنما تمت في الحقيقة وواقع الأمر لصالح زوجها وورثة أخيه فيكون مقابل هذه التسويات قد دفع من المال المشترك الذى كان قائما على أن يسوى حساب كل منهما مع الآخر" وهذا الذى أورده الحكم يبين منه أنه أقام قضاءه على قاعدة "الغش يبطل التصرفات"La fraude fait cxception á toutes Reglés وهى قاعدة قانونية سليمة ولو لم يجر بها نص خاص في القانون وتقوم على اعتبارات خلقية واجتماعية في محاربة الغش والخديعة والاحتيال وعدم الانحراف عن جادة حسن النية الواجب توافره في المعاقدات والتصرفات والاجراءات عموما صيانة لمصلحة الافراد والجماعات - لما كان ذلك وكان الحكم قد استظهر الوقائع التى استخلص منها هذا الغش وأحصى الشواهد والبينات على تبييت نية عبد المحسن الدفراوى في العمل على الاستيلاء على أملاك ورثة أخيه تحت ستار الزعم والايهام بأن المقصود من التسوية هو شراء ديون الدائنين المتقدمين في درجة التسجيل حتى يتسنى الافلات من مطاردة المتأخرين في الدرجة بينما القصد الحقيقى هو الاستيلاء على تلك الاملاك باجراءات قانونية صحيحة في ظاهرها - وكان عماد الحكم في هذا الاستدلال إقرارات عبد المحسن الدفراوى الصادرة منه امام المجلس الحسبى بأنه "أحضر من يساوم الدائنين وأنه كلف سماسرة للتفاهم مع البنك وأنه ضحى ببيع حاصلاته ترضية لصاحب الدين" وما جاء بخطاباته إلى السيد عبد السلام الشاذلى والمرحوم علوى الجزار بك وبانذاره الموجه الى الوصيين الرقيم 4 يناير سنة 1936 من أنه "قام بسداد الديون عن القصر وقد استغرق ذلك الريع جميعه" إلى آخر ما أثبته الحكم المطعون فيه وكيف تدرج عبد المحسن في هذا السبيل من محاولته حمل المجلس الحسبى على تخارج القصر من تركة مورثهم في مقابل تدفعه اليهم جدتهم لابيهم من مالها الخاص الى معارضته في رهن أطيان القصر بقصد وفاء الديون ووضع العراقيل لمنع النفقة المقررة عليه لهم بتسخير من رفع دعوى استرداد المحجوزات مع ثبوت استمرار يده على اطيانهم وعدم تمكينهم من هذا الريع لاستخدامه في وفاء الديون وكيف أنه استعار اسم زوجته في تسوية الديون وحلولها فيها محل أربابها وبضماناتها المقررة ثم أصرارها على ايقاع البيع بجلسة المزاد برغم معارضة أوصياء القصر في ذلك وأن هذه الزوجة شريكة له في تصرفاته ومسئولة عما صدر عن زوجها من أقوال وأفعال لأنه كان ينوب عنها في التسويات. وهذه وتلك قرائن سائغة تحتملها ظروف الدعوى ولا تعارضها أوراقها، ولما كان لقاضى الموضوع سلطة تامة في استخلاص توافر عناصر الغش من وقائع الدعوى وتقرير ما يثبت به هذا الغش وما لا يثبت دون رقابة عليه من محكمة النقض في ذلك ما دامت الوقائع تسمح به - كما هو الحال في الدعوى - فان الحكم المطعون فيه لا يكون قد خالف القانون ويكون البحث في تقصى مراد الحكم من اعتبار أن الطاعنة الأولى كانت تعمل لحساب زوجها وحساب القصر على وحمل ذلك معنى الوكالة التى تتطلب في إثباتها بين طرفيها الدليل الكتابى - غير منتج ما دام الحكم قد أقيم على الغش الذى استظهرت محكمة الموضوع في حدود سلطتها توافر عناصره بالقرائن التى اعتمدتها دون حاجة إلى دليل كتابى، هذا فضلا عن أن تواطؤ الطاعنين على استعارة اسم "الست أمينه" في التسويات لم يكن القصر طرفا فيه فيجوز لهم باعتبارهم من الغير إثباته بكافة طرق الثبوت - وأما القول بحق عبد المحسن في الرجوع على أولاد أخيه بما دفعه عنهم ونزع ملكية أرضهم وشرائها بالمزاد لنفسه جهرا أو بواسطة من يوكله أو يسخره عنه خفية فمحله أن يكون الوفاء من ماله الخاص، فإذا كان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن السداد كان من المال المشترك بينه وبين القصر امتنع عليه هذا الرجوع إلا حيث تتم التصفية بين الطرفين، وأما عن دعوى تسخير الزوجة في خصوص التسويات التى تمت وانعدام دليلها فإن الحكم لم يعول على اعتراف الست أمينه الضمنى في مذكراتها أو إنكارها له بل عول على قرائن أخرى سائغة مبررة كصلة الزوجية وقيام الوفاق بين الزوجين وهما في معيشة واحدة وكون الزوج شريكا متضامنا في هذه الديون وأنه هو الذى كان يساوم الدائنين في شأن التسويات وغيرها مما يكفى لحمل قضاء الحكم في هذا الخصوص وهو بعد مما يدخل في سلطة قاضى الموضوع على ما سبق بيانه، وأما عن تقرير الحكم لصورية المزاد لأن المشترى الحقيقى هو عبد المحسن وهو إن صح لا يمنع في نظر الطاعنين من شراء عبد المحسن نفسه ظاهرا أو مستترا - فمردود بأن الصورية التى قررها الحكم إنما هى عنصر من عناصر الغش الذى أقام عليه قضاءه وهى بذلك مانعة له من الشراء سرا أو جهرا هذا إلى أن النيابة التبادلية المقترضة في الالتزامات التضامنية أو الوكالة الضمنية التى قررتها محكمة الموضوع في صورة هذا النزاع تمنع من إضافة الملك إلى الوكيل أو النائب الراسى عليه المزاد بل يعتبر رسو المزاد كأنه لم يكن إلا في خصوص إنهاء علاقة الدائنين بالمدينين المنزوعة ملكيتهم - أما القول بأن محكمة النقض أهملت التحدث عن الغش عند نظرها للطعن السابق ولو كان منتجا في نظرها لرفضت الطعن وأقامت الحكم على أسبابه الخاصة بالغش فمردود بأن الغش وعناصره من مسائل الموضوع التى لا شأن لمحكمة النقض به - ومتى وضح ذلك كله كان هذا السبب بجميع وجوهه على غير أساس.
ومن حيث إن السبب الأول يتحصل في أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه فضلا عن قصور أسبابه فيما قضى به من مديونية "عبد المحسن" للقصر وذلك من عدة وجوه: أولها - التناقض - ذلك بأن الحكم المطعون فيه إذ قطع بأن عبد المحسن كان في مارس سنة 1937 مدينا للقصر بأكثر مما دفعته زوجته الست أمينه في تسوية الديون يكون قد فصل في موضوع دعوى براءة الذمة ولم يبقى لمحكمة شبين الكوم أو غيرها ما تفصل فيه مع ما قد يكون لذلك من أثر أو حجية لدى المحكمة المذكورة إلا أنه عاد فجعل بعبارته "ما دخل في التسوية وما لم يدخل" باب النزاع على الحساب مفتوحا فيكون قد ناقض نفسه إذ فصل في دعوى براءة الذمة وأرجأ الفصل فيها في الوقت ذاته وقد امتد هذا التناقض إلى منطوق الحكم المطعون فيه وتعارضه مع أسبابه إذ بعد أن قضى بتأييد الحكم المستأنف عاد وحفظ للطاعنين الحق فيما يدعيانه من سداد بدعوى على حدة. وحاصل الوجه الثانى أن تصفية الحساب تقتضى إجراء المقاصة بين الديون المتقابلة إذا توافرت شروطها فلا يصح في حكم القانون التقرير بأن أحد طرفى المحاسبة دائن بمبلغ معين وترك تصفية الحساب لتجريه محكمة أخرى إلا إذا كانت الديون التى تأجل تصفيتها غير محققة الوجود وغير معينة المقدار، فديون القصر متنازع عليها أشد المنازعة وديون الست أمينه ثابتة بسندات رسمية واجبة النفاد فتقرير مديونية عبد المحسن على النحو الذى أثبته الحكم المطعون فيه من "أنه يظهر بجلاء وجود مبلغ متيقن بقاؤه بذمة عبد المحسن لأولاد أخيه يزيد كثيرا عما دفعته زوجته للدائنين قبل مارس سنة 1937" "مخالف للقانون "م194 مدنى قديم" إذ معناه انقضاء دين الست أمينه عيسوى بالمقاصة مع أن مصير البيع المقضى ببطلانه يتوقف على تصفية الديون قبل إجراء البيع المشار إليه وهو ما صرحت به محكمة النقض في حكمها الأول بقولها "وبيان أثر ذلك في انقضاء الديون التى حصل الحلول فيها وبالتالى في دعوى بطلان البيع".
وما تمسكت به الست أمينه أمام محكمة الاحالة من أن النزاع في شأن ادعاء القصر ديونا بذمة عمهم لا زال قائما مما يجعل المقاصة مستحيلة قانونا: وحاصل الوجه الثالث أن الحكم المطعون فيه قد خالف نص المادة 194 مدنى قديم إذ أجرى المقاصة بين ديون الست أمينه وبين ديون القصر مع أن الأولى محققة الوجود معينة المقدار وثابتة بسندات رسمية بينما الثانية تحتاج إلى محاسبة وبذلك لا تتحقق شروط المقاصة ولا تنطبق على واقعة الدعوى - ويتحصل الوجه الرابع في مسخ الحكم المطعون فيه لأوراق الدعوى وخلقه لأدلة وهمية لا وجود لها فضلا عن خطئه في الإسناد إذ اعتمد في إثبات المتوفر للقصر في ذمة عمهم على ما ورد بتقرير الخبير "السيد على مليك" وأثبت الحكم في أكثر من موضع أن الدفاع عن الست أمينه لم ينازع في هذا التقرير مع أن المنازعة قائمة على أشدها في كل ما ذهب إليه الخبير جملة وتفصيلا وما رفع دعوى براءة الذمة إلا دليل هذه المنازعة فضلا عما هو وارد بمذكرة الأستاذ "يوسف فهمى" الوكيل عن عبد المحسن وما تضمنته من مناقشة تقرير الخبير المذكور والاعتراض عليه وأن مذكرة الست أمنيه الختامية تضمنت النعى على تقرير الخبير وأنه مملوء بالأغلاط والمغالطات وأن مضمونه يفصح عن نية كاتبه وأن محكمة جنح شبرا خيت ذكرت عنه أن كل همه كان الطعن على زملائه الخبراء السابقين وقد ورد بذات المذكرة "أن المبلغ الأول وهو 3338 جنيها و295 مليما فقد قدر الخبير "السيد على مليك" وأصدر به المجلس الحسبى قرارا في 2 من ديسمبر سنة 1941 بعد رسو المزاد مخالفا بذلك قراره الصادر في 24 من نوفمبر سنة 1931 ولأوراق الدعوى الخاصة بالتخالص مع المغازى باشا.." وهذا كله يفيد المنازعة والاعتراض على خلاف ما أسنده الحكم إلى دفاعهما: وحاصل الوجه الخامس أن الحكم المطعون فيه قاصر البيان في اعتبار عبد المحسن مدينا لأولاد أخيه لأن هذا الاعتبار لم يقم لديه إلا على أساس ما قرره عن صحة تقديرات الخبير "السيد على مليك" اعتمادا على القول بعدم منازعة الطاعنين في تقريره: وحاصل الوجه السادس أن أسباب الحكم قاصرة عن بيان الأساس الذى بنى عليه إلزام عبد المحسن بالزمامات الناشئة عن زراعة سنة 1930 المشتركة بين عبد المحسن وأخيه مورث القصر وعن بيان سبب التزام عبد المحسن بها ودليله كما لم يحقق دفاع الطاعنين في خصوص هذا القلم من أقلام الحساب، وحاصل الوجه السابع أن الحكم المطعون فيه لم يلتفت إلى وجوب احتساب نصف ثمن منزل الاسكندرية ومقدار ال 34 فدانا التى بيعت من ملك عبد المحسن الخاص وذلك من أصل ما اعتبره الحكم متوفرا للقصر في ذمة عمهم رغم تمسك عبد المحسن به في دفاعه في الدعوى، كما أصر عليه في دعوى براءة الذمة وكما تحدثت عنه الست أمينه في جميع مذكراتها وهو قصور في التسبيب يعيب الحكم ويبطله.
ومن حيث إن هذا النعى في جملته غير منتج ذلك بأنه متى كان يبين أن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه ببطلان مرسى المزاد وبقاء ملكية الأطيان للمطعون عليهم تأسيسا على الغش والتدليس لأن ما دفع في التسوية كان من المال المشترك بين القصر وعمهم "الطاعن الثانى" - لا على تصفية الحساب وإجراء المقاصة بين الديون المتقابلة بين التصرفين وأنه صرف النظر عن هذه التصفية لأن النزاع على الحساب في نظر الحكم لا تأثير له على الملكية إذ أن أمر تصفيته مكفول بدعوى براءة الذمة القائمة بين الطرفين وهى تتسع لبحث هذا الحساب - ما دخل في التسوية وما لم يدخل - ولما كان ما ورد في أسباب حكم محكمة النقض الصادر بتاريخ 23 من فبراير سنة 1950 في الطعن رقم 196 سنة 17 ق من أن تقرير أن حلول الطاعن الثانى مستترا وراء زوجته محل الدائنين المسجلة ديونهم وأن شراء الأطيان المنزوعة ملكتيها، كل ذلك كان لحساب القصر ومن مالهم، وهذا التقرير يقتضى أولا تصفية الحساب بينه وبين القصر وهو القائم بشأنه دعوى لم يفصل فيها بعد، كما يقتضى بيان أثر ذلك إن صح في انقضاء تلك الديون التى حصل الحلول فيها وبالتالى دعوى بطلان البيع" - هذا التقرير لا يحول دون القضاء بابطال حكم مرسى المزاد تأسيسا على الغش وعلى أن الديون دفعت لحساب طرفى الدعوى معا من المال المشترك الذى كان تحت يد الطاعن الثانى وبصرف النظر عن قيمة ما يداين به أحدهما الآخر وقت الوفاء - وهو ما أقيم عليه الحكم بناء على أسباب تفصيلية منتجة ومستخلصة من وقائع الدعوى وظروفها - على ما سلف بيانه في الرد على السبب السابق - وهو ما يكفى لحمله دون نظر إلى ما استطرد إليه الحكم وكان محلا للنعى بما ورد في هذا السبب إذ يكون ذلك منه تزيدا في البيان يستقيم الحكم بدونه.
ومن حيث إن السبب الثالث يتحصل في أن الحكم المطعون فيه قضى بتأييد الحكم الابتدائى بما اشتمل عليه قضاؤه من شطب التسجيلات التى شملتها التسويات أى تسجيل حكم مرسى المزاد وجميع القيود التى حلت فيها الست أمينه عيسوى محل أصحابها مخالفا في ذلك قضاء محكمة الاستئناف السابق في حكمها المنقوض وليس في الحكم ولا في الحكم الابتدائى المؤيد به سبب يقوم عليه القضاء في خصوص التسجيلات ولا يمكن إقامته على أسباب أخرى بل على العكس فإن أسباب الحكم الابتدائى في خصوص الديون التى تمت تسويتها وحلت فيها الست أمينه عيسوى محل أصحابها تؤدى إلى غير ما قضى به من إلغاء التسجيلات ذلك بأن الحكم لم يقطع في تصفية الحساب وصرح بأن التصفية محلها دعوى براءة الذمة القائمة بين الطرفين على أن تشمل التصفية ما دخل في التسويات وما لم يدخل ومفاد هذا أن يبقى كل طرف في مركزه السابق على الحكم المطعون فيه من حيث ما يدعيه لنفسه من حقوق قبل الآخر وأن يبقى لصاحب القيود منها حقه في القيد إلى أن يحكم بانقضاء حقه وعندئذ تكون القيود واجبة الشطب، يضاف إلى ذلك أن الست أمينه قد حلت في بعض الديون والقيود محل أصحابها بعد يوم مرسى المزاد والحكم لم يعرض لأية معاملة بعد ذلك التاريخ.
ومن حيث إن هذا النعى على أساس ذلك بأنه قد بان مما تقدم أن مقابل التسويات الذى دفع للدائنين كان من مال "الروكية" المشترك الذى كان بيد عبد المحسن الدفراوى وأن هذا الوفاء قد تم في حقيقته لحساب عبد المحسن وورثة أخيه فإنه يكون بوصفه مدينا متضامنا معهم في الديون قد حل بحكم القانون محل الدائنين بمقدار ما عساه يكون قد دفعه زيادة عن نصيبه ويحق له الرجوع به عليهم، ولما كانت هذه الزيادة - ان صح وجودها - لم تتحدد بعد ولم يعين مقدارها وقت الحلول على ما استظهره الحكم المطعون فيه فانه وإن امتنع على الطاعن التنفيذ بها على مال المدينين الآخرين "المطعون عليهم" إلا حيث تتم تصفية الحساب بين الطرفين إلا أن القيود والتسجيلات - باعتبارها ضامنة للوفاء يجب أن تبقى حتى تمام هذه التصفية إذ أنها في خصوص النزاع الحالي تتبع هذه الزيادة المتنازع فيها وتدور معها وجودا وعدما ولذا يكون طلب شطبها سابقا لأوانه.
ومن حيث إن الدعوى صالحة للحكم في موضوع هذا الطلب فيتعين لذلك نقض الحكم المطعون فيه نقضا جزئيا في خصوص قضائه ببطلان تلك التسجيلات وعدم قبول الطلب الخاص بها لتقديمه قبل الأوان وهو لا يحين إلا عند إتمام الحساب ومعرفة مقدار الزيادة التي يحق للطاعن الثاني الحلول بها محل الدائنين في التسجيلات المشار إليها.

الأحد، 26 يناير 2020

الطعن 4 لسنة 25 ق جلسة 12 / 1 / 1956 مكتب فني 7 ج 1 ق 9 ص 74

جلسة 12 من يناير سنة 1956
برياسة السيد الأستاذ مصطفى فاضل وكيل المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: محمد فؤاد جابر، واسحق عبد السيد، ومحمد عبد الرحمن يوسف، ومحمد عبد الواحد على، المستشارين.
------------
(9)
القضية رقم 4 سنة 25 القضائية
(أ) أحوال شخصية قوة الأمر المقضي. حكم. تسبيبه. 
حكم صادر من محكمة مختصة مقدم في دعوى أمام محكمة أخرى. حق هذه المحكمة في تقدير هذا الدليل والأخذ بحجيته. مثال عن أحكام صادرة من محاكم لبنان.
(ب) أحوال شخصية. قوة الأمر المقضي. 
حكم أجنبي بشأن حالة الأشخاص. شروط الأخذ بحجيته في مصر. توافر هذه الشروط في أحكام صادرة من محاكم لبنان في مسألة من مسائل الأحوال الشخصية. الأخذ بحجيتها. لا خطأ.
(ج) أحوال شخصية. بنوة. 
حكم أجنبي قضى بنفي بنوة شخص لأجنبي. عدم مخالفته للنظام العام في مصر.
(د) أحوال شخصية. قوة الأمر المقضي. 
حكم صادر من المحكمة العليا الشرعية. تزيده في بحث حجية أحكام أجنبية. لا يكتسب حجية الأمر المقضي.
(هـ) أحوال شخصية. اختصاص عام. 
دعوى أحقية باستعمال اسم. إقامة المدعى بمصر وإقامة باقي المدعى عليهم الأجانب في مصر. اختصاص المحاكم المصرية بالدعوى.
(و) أحوال شخصية. اختصاص عام. 
نقص قواعد الاختصاص العام في مسائل الأحوال الشخصية قبل صدور القانون رقم 126 لسنة 1951. القواعد التي كان للمحاكم أن تستهديها في سد هذا النقص.
(ز) أحوال شخصية. اختصاص عام. 
اشتمال المادة 885 من القانون رقم 94 لسنة 1937 على قاعدة من قواعد الاختصاص العام في مصر.
(ح) أحوال شخصية. اختصاص عام. 
اشتمال المادة 885 من القانون رقم 94 لسنة 1937 على قاعدة من ضوابط الاختصاص الخارجي في كثير من القوانين الأجنبية كلما كانت التركة أموالا منقولة.
(ط) أحوال شخصية. اختصاص عام. 
أحكام صادرة من محاكم لبنان بصفة نهائية قبل العمل بالقانون رقم 126 لسنة 1951. تطبق قواعد الاختصاص المعمول بها وقت صدورها. النعي بعدم تطبيق المواد 1 و859 و860 مرافعات. في غير محله.
)ى) أحوال شخصية. موطن. اختصاص خارجي. 
وجوب تطبيق القانون الداخلي بشأن الموطن في تحديد الاختصاص الخارجي. المقصود بتعريف الموطن في المادة 40/ 1 مدنى.
)ك) أحوال شخصية. اختصاص عام. 
اختصاص المحكمة الأجنبية بدعوى يكون المدعى عليه مقيما ببلدها.
(ل) جنسية. اثباتها. 
تقدير كفاية أدلة ثبوت الجنسية. مسألة موضوعية.
(م) نقض. طعن. شكل الطعن. 
استيفاء الأوراق اللازم تقديمها. الدفع بأن معظم مستندات الطاعن صور فوتوغرافية بعضها بلغة أجنبية بغير ترجمة أو بترجمة غير رسمية. عدم ورود هذا الدفع على شكل الطعن.
---------
1 - للمحكمة المرفوعة إليها الدعوى متى كانت مختصة بنظرها أن تقدر دليل هذه الدعوى ولو كان هذا الدليل حكما صادرا من محكمة أخرى. فإذا ما تبين لها أن هذا الحكم قد صدر في حدود ولاية المحكمة التي أصدرته أثبتت له حجيته وأخذت به. وهى بذلك لا تعدو ولايتها ولا تقضى في موضوع هذا الحكم. وإذن فمتى رفعت دعوى بطلب أحقية في استعمال اسم إلى محكمة مختصة واستندت في قضائها برفض هذه الدعوى إلى حجية أحكام صادرة من محاكم لبنان فيما قضت به من نفى بنوة الطالب لمن يطلب استعمال اسمه فإن الحكم يكون مستندا إلى أساس قانوني متى كانت الأحكام المذكورة صادرة من جهة ذات ولاية. ولا يعيب الحكم ما ذكره من أن النزاع في موضوعه ومبتغاه مطالبة بالحصة الميراثية في تركة المطلوب استعمال اسمه باعتبار الطالب ابنا له متى كان لا يقصد بذلك بحسب المستفاد من مجموع ما أورده الحكم إلا أن يكون بيانا لحقيقة الباعث على إقامة الدعوى.
2 - متى كان الحكم الأجنبي صادرا بشأن حالة الأشخاص état بصفة نهائية ومن جهة ذات ولاية بإصداره بحسب قانونها وبحسب قواعد اختصاص القانون الدولي الخاص، وليس فيه ما يخالف النظام العام في مصر فإنه يجوز الأخذ به أمام المحاكم المصرية ولو لم يكن قد أعطى الصيغة التنفيذية في مصر ولو كان شرط التبادل غير متوافر، ما دام أنه لم يصدر حكم من المحاكم المصرية واجب التنفيذ في نفس الموضوع وبين الخصوم أنفسهم. وإذن فمتى كان الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى الأخذ بحجية أحكام صادرة من محاكم لبنان فيما قضت به من نفى بنوة شخص لآخر لبناني قد أثبت استكمال هذه الأحكام للشرائط المتقدمة فإن الحكم لا يكون قد أخطأ القانون.
3 - متى كان الحكم الأجنبي قد قضى بنفي بنوة شخص لآخر أجنبي فإن ذلك لا يخالف النظام العام في مصر حيث تقضى الشريعة الإسلامية بحرمان الولد غير الشرعي من الميراث والنسب.
4 - متى كان حكم المحكمة العليا الشرعية إذ قضى في دعوى مطروحة أمامها قد تعرض تزيدا بما لا حاجة به إليه لأحكام لبنانية قدمت كدليل في الدعوى واعتبرها صادرة من محاكم لا ولاية لها مما لا يتصل بمنطوق قضائه في شيء فإن هذا الحكم لا يكتسب حجية يصح التحدي بها في معارضة الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى الأخذ بحجية الأحكام المذكورة في دعوى أخرى.
5 - متى رفعت الدعوى بطلب أحقية في استعمال اسم وكان المدعى مقيما بمصر والمدعى عليهم من الأجانب المقيمين بها فإن هذا الطلب يدخل في اختصاص المحاكم الوطنية للأحوال الشخصية.
6 - إنه وإن كان التشريع المصري لم يتضمن قبل صدور القانون رقم 126 لسنة 1951 ضوابط مفصلة لتنازع الاختصاص بين محاكم الدولة والمحاكم الأجنبية في شأن مسائل الأحوال الشخصية إلا أن ما تضمنه من قواعد عامة للاختصاص إذا كانت لا تفي بالحاجة، فقد كان للمحاكم أن تسد النقص فيما تعرض له من حالات بما تستهديه من قواعد الاختصاص الداخلي في قوانين المرافعات وما تستأنس به من قواعد في القوانين الأجنبية وفقه القانون الدولي الخاص بما يوافق أسس التشريع المصري ولا يخالف المقرر فيه من القواعد الأساسية في الاختصاص.
7 - إن المادة 885 من القانون رقم 94 لسنة 1937 إذ اشترطت في اختصاص المحاكم المصرية بالدعاوى الخاصة بتركة أجنبي أن يكون هذا الأجنبي "متوطنا بالقطر المصري" تكون قد اشتملت في الواقع على قاعدة من قواعد الاختصاص العام في مصر واستبعدت بهذا الشرط تركة الأجنبي المتوطن في بلاد أجنبية من اختصاص المحاكم المصرية.
8 - إنه وإن كانت المادة 885 من القانون رقم 94 لسنة 1937 قد تضمنت قاعدة من قواعد الاختصاص الداخلي بتحديد الاختصاص للمحكمة الابتدائية التابع لها مكان افتتاح تركة الأجنبي المتوطن بالقطر المصري، إلا أن هذه القاعدة في الوقت ذاته من ضوابط الاختصاص الخارجي في كثير من القوانين الأجنبية كلما كانت التركة أموالا منقولة. فإذا كان الحكم قد طبق هذه القاعدة التي أقرها المشرع المصري في توزيع الاختصاص الداخلي في تعرف اختصاص محاكم لبنان بتركة أجنبي متوطن في دائرتها فإنه لا يكون قد خالف القانون ما دامت القاعدة التي طبقها لا تتعارض مع أية قاعدة أخرى أساسية في القانون المصري ينعقد بها الاختصاص للمحاكم المصرية وحدها ومتى كان لم يتمسك أحد أمام محكمة الموضوع بأن للتركة عقارات بمصر.
9 - متى كان الحكم وهو بسبيل تعرف اختصاص محاكم لبنان بإصدار أحكام صادرة منها في مسألة من مسائل الأحوال الشخصية قد طبق في تحديد الاختصاص القواعد القانونية التي كان معمولا بها وقت صدور تلك الأحكام بصفة نهائية فإنه لا يكون قد أخطأ القانون بعدم تطبيق المادة الأولى من قانون المرافعات المعمول به من 15/ 10/ 1949 والمادتين 859 و860 من الكتاب الرابع من قانون المرافعات الصادر بالقانون رقم 126 لسنة 1951 وذلك متى كانت تلك الأحكام قد صدرت بصفة نهائية قبل العمل بهذا القانون وكانت المسألة المشار إليها مطروحة على المحكمة بصفة أولية ينبني عليها الفصل في الطلب الأصيل في الدعوى.
10 - المقصود بتعريف الموطن في المادة 40/ 1 من القانون المدني إنما هو الموطن في القانون الداخلي إلا أنه في تحديد الاختصاص الخارجي يطبق قاضى الموضوع قانونه الداخلي بشأن الموطن.
11 - متى كان المدعى عليه مقيما في بلد المحكمة الأجنبية ولو لم تدم إقامته فيها إلا زمنا يسيرا فإنها تكون مختصة بنظر الدعوى طبقا للقانون الدولي الخاص ما دام المدعى عليه لم ينكر أنه استلم صحيفة الدعوى وهو في ذلك البلد ولم يدع بوقوع بطلان في الإجراءات أو غش.
12 - تقدير كفاية الأدلة لإثبات الجنسية يدخل في سلطة محكمة الموضوع.
13 - الدفع بعدم قبول الطعن بمقولة إن معظم مستندات الطاعن هي صور فوتوغرافية وبعضها بلغات أجنبية بغير ترجمة أو بترجمة غير رسمية، هذا الدفع لا يرد على شكل الطعن متى كانت الأوراق التي يلزم تقديمها مستوفاة.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد والمداولة.
حيث إن المطعون عليهما الأوليين دفعتا بعدم قبول الطعن بمقولة إن معظم مستندات الطاعن هى صور فوتوغرافية وبعضها بلغات أجنبية بغير ترجمة أو بترجمة غير رسمية إلا أن هذا الدفع لا يرد على شكل الطعن ما دامت الأوراق التى يلزم تقديمها مستوفاة وفق القانون.
وحيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أن الطاعن رفع أمام محكمة القاهرة الابتدائية الدعوى رقم 54 لسنة 1950 أحوال شخصية ضد المطعون عليهم طلب فيها الحكم بأحقيته في استعمال اسمه ولقبه هرقل ديمترى ألبير سرسق وأن يلحقه بأولاده وإلزام كل من يعارضه بالمصاريف والأتعاب، واستند في ذلك إلى أنه ابن شرعى للمرحوم ألبير سرسق الذى توفى في بيروت بتاريخ 7/ 3/ 1942 عن تركة ضخمة بعضها بلبنان والبعض الآخر بمصر وإلى أن هذه البنوة ثابتة من عقد زواج والده المذكور بوالدته السيدة خاريكليا ديمتريادس زوجا شرعيا في 5/ 6/ 1902 بأزمير ومن إقرار والده بالزواج وبالبنوة في وثيقة عماده بتاريخ 13/ 2/ 1905 ومن الإعلام الشرعى الصادر من محكمة عابدين الوطنية في 15/ 6/ 1950 بثبوت وفاة المرحوم ألبير سرسق وانحصار إرثه في زوجته السيدة مارى خاريكليا ديمتريادس وابنه هرقل ديمترى سرسق، ومن الأحكام الصادرة بفرض نفقة له على والده وإقرار والده في أحد هذه الأحكام بأبوته له وطلب ضمه إليه، هذا فضلا عن أنه مشهور بهذا الاسم ومعترف له به في شهادة الجنسية الممنوحة له من الحكومة المصرية في 28/ 7/ 1952 وفى جواز سفره وسائر أوراقه الشخصية وأن من حقه أن يحمل هذا الاسم في مواجهة كل من ينازعه طبقا للمادتين 38، 51 من القانون المدنى - كما ارتكن إلى أن والده كان وقت مولده في سنة 1902 من الرعايا المحليين لأن دولة لبنان لم تكن قد أنشئت وأن الجنسية اللبنانية التى حصل عليها لم تكن لتسقط عنه جنسيته المصرية عملا بالمادة 12 من قانون الجنسية المصرية الصادر في سنة 1929 وأن القانون الذى يحكم النزاع الراهن هو الشريعة الإسلامية باعتبارها شريعة الدولة التى ينتمى إليها الأب وقت الميلاد، أما الأحكام الصادرة من محاكم لبنان والتى يراد الاحتجاج بها عليه فلا حجية لها بمصر لصدورها من جهة لا ولاية لها - وردت المطعون عليهما الأولى والثانية على هذه الدعوى بأنها جديرة بالرفض لأن المرحوم ألبير سرسق كان لبنانى الجنسية وتوفى بتاريخ 7/ 3/ 1942 في لبنان حيث كان متوطنا وافتتحت تركته هناك عقب وفاته وقد أقر الطاعن نفسه بذلك في عدة مذكرات مقدمة منه فتكون المحاكم اللبنانية هى المختصة باعتبارها محكمة موطن المتوفى ومحل افتتاح تركته دون المحاكم المصرية عملا بالمادتين 885، 886 من المرسوم بقانون رقم 94 لسنة 1937، وقد حكمت المحكمة الروحية الأرثوذكسية البدائية ببيروت في 31 كانون الثانى سنة 1947 في مواجهة الطاعن بأنه ليس ابنا شرعيا للمرحوم ألبير سرسق وتأيد هذا الحكم من محكمة الاستئناف البطريركية الأنطاكية بدمشق في 17 تموز سنة 1948 وقد اعترض الطاعن على هذا الحكم أمام المحكمة الأولى "وقضى برفض اعتراضه في 10 تشرين الثانى سنة 1948،" وطعن في هذا الحكم أمام محكمة بيروت المدنية الابتدائية فقضت بالرفض في 17/ 5/ 1947، فرفع نقضا عن حكمها أمام محكمة الخلافات فقضت في 20 أيار سنة 1949 برفض الطعن. وقد ذيلت جميع هذه الأحكام بالصيغة التنفيذية بأمر رئيس محكمة الاسكندرية المختلطة, واستطردت المطعون عليهما إلى القول بأن الطاعن أراد التهرب من حجية هذه الأحكام فاتخذ بمصر عدة إجراءات من بينها أنه استصدر من محكمة عابدين الوطنية في 15/ 6/ 1950 اعلاما بثبوت وفاة ألبير سرسق وانحصار إرثه فيه وفى والدته السيدة خاريكليا، كما استصدر في 19/ 6/ 1950 قرارا بإقامة الأستاذ موريس ارقش مديرا مؤقتا للتركة فرفعتا إشكالا في تنفيذ الإعلام والقرار المذكورين قضى فيه بتاريخ 19/ 2/ 1951 بوقف تنفيذهما وبعدم قبول الطلب العارض المقدم من الطاعن بإيقاف تنفيذ الصيغة التنفيذية على الأحكام اللبنانية واستأنف الطاعن هذا الحكم وقضى بتأييده في 21/ 1/ 1954 وناقشت المطعون عليهما الأولى والثانية مستندات الطاعن وخلصتا إلى أنه ليس إبنا شرعيا للمورث وأن الإبن غير الشرعى لا يحق له في القانون اللبنانى أن يطالب بالبنوة أو يستعمل اسم والده - وبتاريخ 6/ 4/ 1954 قضت محكمة القاهرة الابتدائية برفض دعوى الطاعن، فاستأنف هذا الحكم وقيد الاستئناف برقم 514 سنة 71 ق لدى محكمة استئناف القاهرة التى قضت في 5/ 1/ 1955 برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. فقرر بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض.
وحيث إن الطعن بنى على ثمانية أسباب يتحصل الأول منها في أن الحكم المطعون فيه لا يستند إلى أساس قانونى ذلك بأنه بعد أن كيف الدعوى بأنها في موضوعها ومبتغاها مطالبة بالحصة الميراثية في تركة المرحوم البير سرسق باعتبار الطاعن ابنا له قضى في موضوعها بالرفض مما يتضمن اختصاصه بها ونفى اختصاص أية محكمة أجنبية بنظرها وهو بذلك قد نسخ في منطوقه ضمنا ما أورده في أسبابه من أن أحكام المحاكم اللبنانية التي قضت برفض بنوة الطاعن لألبير سرسق لها حجية بمصر لصدورها من جهة يعترف لها القانون المصري بالاختصاص وما دام الحكم لم يستند في قضائه برفض الدعوى إلى أساس آخر إذ قرر صراحة أنه في غنى عن التحدث في الأسانيد الموضوعية التي استند إليها الطاعن ولم يفصل فيما عرضت له محكمة أول درجة من تفنيد دفاعه الموضوعي فإنه يكون معدوم الأساس. ويتحصل السبب الثاني في أن الحكم المطعون فيه مشوب بالتناقض إذ أنه بعد أن قال إن المحاكم اللبنانية وحدها هي المختصة بالنزاع وأنها قالت في الموضوع كلمتها الأخيرة عاد فتعرض لبحث قانون التركة وطبق حكمه وخلص إلى عدم ثبوت نسب الطاعن مما يتعارض مع ما قرره فيما سبق من امتناعه عن التحدث في الموضوع نزولا على حجية الأحكام اللبنانية.
وحيث إن النعي بهذين السببين مردود بأن موضوع الدعوى - كما يبين مما طلبه الطاعن فيها - هو أحقيته في استعمال الاسم وهذا الطلب هو الذى كان موضوع قضاء الحكم المطعون فيه بالرفض وهو مما يدخل في اختصاص المحكمة الوطنية للأحوال الشخصية بوصف الطاعن مقيما بمصر والمطعون عليهم من الأجانب المقيمين بها. أما ما ذكره الحكم من أن النزاع "في موضوعه ومبتغاه مطالبة بالحصة الميراثية في تركة البير سرسق باعتباره (أي الطاعن) ابنا له" فلا يقصد به بحسب المستفاد من مجموع ما أورده الحكم إلا أن يكون بيانا لحقيقة الباعث على إقامة الدعوى بطلب الأحقية في استعمال الاسم باعتبار أن ثبوت بنوه الطاعن لألبير سرسق شرط لازم للقضاء بأحقيته في التسمي باسمه، ولما كانت المطعون عليهما الأولى والثانية تنكران بنوة الطاعن وكان سندهما في ذلك أحكام المحاكم اللبنانية بنفي بنوته لالبير سرسق وبرفض وراثته له وكان للمحكمة المرفوعة إليها الدعوى متى كانت مختصة بنظرها أن تقدر دليل هذه الدعوى ولو كان هذا الدليل حكما صادرا من محكمة أخرى فإذا ما تبين لها أن هذا الحكم قد صدر في حدود ولاية المحكمة التي أصدرته أثبتت له حجيته وأخذت به وهى بذلك لا تعدو ولايتها ولا تقضى في موضوع هذا الحكم. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد رفض دعوى الطاعن أحقيته في استعمال اسم هرقل ديمترى البير سرسق واستند إلى حجية الأحكام الصادرة من محاكم لبنان فيما قضت به من نفى بنوته لألبير سرسق باعتبار أن تلك الأحكام صادرة من جهة ذات ولاية فإن الحكم يكون مستندا إلى أساس قانونى وليس في منطوق قضائه ما ينسخ هذا الأساس وليس ثمة تعارض مما ينعاه الطاعن بين ما أخذ به الحكم من حجية أحكام المحاكم اللبنانية باعتبار أن تلك المحاكم وحدها هى صاحبة الولاية في القضاء بالنسبة إلى المتوفى وبين ما قاله "من أنه ينبني على ما تقدم أن قانون التركة لا تخول المستأنف صحة الانتساب إلى المتوفى" لأن هذا الذى ذكره الحكم ليس إلا استخلاصا مما سبق أن أورده عن الأحكام اللبنانية من أن القانون اللبناني لا يخول الطاعن حق الانتساب إلى المرحوم البير سرسق.
وحيث إن السبب الثالث يتحصل في أن الحكم المطعون فيه فصل في النزاع خلافا لحكمين نهائيين سابقين حاز كل منهما قوة الأمر المقضي ذلك بأن الحكم قد بنى على أساس واحد هو أن المحاكم اللبنانية دون غيرها صاحبة الولاية في القضاء بانتساب الطاعن إلى المتوفى وأنها قالت في ذلك كلمتها وهذه المسألة بالذات قد فصل فيها حكم المحكمة البطريركية الاستئنافية للروم الأرثوذكس بتاريخ 14/ 2/ 1951 وحكم المحكمة العليا الشرعية بتاريخ 24/ 2/ 1949 إذ قضى الأول برفض الدفع بعدم ولاية المحاكم المصرية بنظر هذا النزاع مما مفاده ثبوت الولاية للمحاكم المصرية دون اللبنانية وقضى الحكم الآخر بعدم حجية الأحكام اللبنانية بمصر لصدورها من جهة لا ولاية لها وقد حاز كل من الحكمين قوة الأمر المقضي فجاء الحكم المطعون فيه متناقضا معهما في المسألة الوحيدة التي فصل فيها.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن حكم المحكمة البطريركية للروم الأرثوذكس المقال بصدوره في 14/ 2/ 1951 لم يقدم بملف الطعن فيكون النعي على الحكم المطعون فيه بمخالفته عاريا عن الدليل وبأن حكم المحكمة العليا الشرعية كما يبين من الاطلاع عليه - إذ قضى بإلغاء الحكم الابتدائي القاضي بعدم سماع الدعوى لسابقة الفصل فيها من محكمة بيروت في 31 كانون سنة 1947 وبإعادة القضية إلى المحكمة الابتدائية للسير فيها قد استند إلى أن موضوع هذه القضية مختلف عن موضوع الدعوى المفصول فيها من محكمة بيروت وهو ما يكفى لإقامة الحكم وإنه إذ تعرض بعد ذلك للأحكام اللبنانية كدليل في الدعوى واعتبارها صادرة من محاكم لا ولاية لها كان متزيدا بما لا حاجة به إليه لأن هذا البحث من شأن المحكمة التي أعاد إليها الدعوى للسير في موضوعها ولا يتصل بمنطوق قضائه في شيء ومن ثم فلا يكتسب حجية يصح التحدث بها في معارضة الحكم المطعون فيه.
وحيث إن مبنى السبب الرابع هو مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون من ثلاثة أوجه: أما الوجه الأول فهو متصل بالوجهين الأول والثاني من السبب الخامس وسيأتي الكلام عليه. ويتحصل الوجه الثاني في أن الحكم خالف القانون إذ اعتمد شهادة الجنسية اللبنانية للمتوفى البير سرسق في حين أن هذه الشهادة ليست لها قيمة في إثبات الجنسية ما دامت لا تحوى بيانا لسبب هذه الجنسية أو طريقة كسبها وتاريخ هذا الكسب فلا يعتبر المتمسك بهذه الشهادة أنه أقام الدليل على الجنسية ويظل مكلفا باثباتها ويكون الحكم إذ اعتبر الطاعن عاجزا عن نفى حجية هذه الشهادة قبل أن تثبت المطعون عليهما ادعاءهما بشأن جنسية المتوفى قد نقل عبء إثبات العكس إلى الطاعن خلافا لقواعد الاثبات القانونية. وحيث إن هذا الوجه مردود بأن الشهادة المستخرجة من وزارة داخلية لبنان عن جنسية البير سرسق اللبنانية قد اشتملت في الواقع على بعض البيانات لسبب الجنسية إذ جاء بها أنه لبناني من مواليد بيروت ومقيد في سجلات الإحصاء اللبنانية وبأن تقديمه كفاية هذه الأدلة لإثبات الجنسية هو مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع ومتى كان ذلك فإن الحكم إذ ألقى عبء إثبات العكس على الطاعن لا يكون قد خالف القانون.
وحيث إن الوجه الأول من السبب الرابع يتحصل في أن الحكم المطعون فيه خالف القانون إذ لم يطبق المواد 1 و859 و860 من قانون المرافعات وهى تجعل المحاكم المصرية مختصة بالنزاع الراهن ذلك بأن المادة 859 من الكتاب الرابع من قانون المرافعات الذى صدر به القانون رقم 126 لسنة 1951 تقضى بأن المحاكم المدنية المصرية تختص بمسائل الأحوال الشخصية للأجانب وفقا للأحكام التالية وتقضى المادة 860/ 2 من القانون المذكور بأن تلك المحاكم تختص بمسائل الإرث في أحوال منها إذا كان آخر موطن للمتوفى بمصر أو إذا كان موطن المدعى عليهم كلهم أو بعضهم في مصر أو إذا كانت أموال التركة كلها أو بعضها في مصر وكان المورث مصريا أو كان الورثة كلهم أو بعضهم مصريين وهذا النص وان كان صادرا في سنة 1951 إلا أنه يسرى على واقعة الدعوى وفقا للمادة الأولى من قانون المرافعات التي تقضى بأنه يسرى على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى أو تم من الإجراءات قبل تاريخ العمل به. هذا إلى أن الحكم المطعون فيه قد تضمن أن أحكام المادة 860 ليست جديدة بل هي مستمدة من المبادئ العامة التي كان معمولا بها في التشريع السابق ورغم ذلك فقد امتنع عن تطبيقها مما يشويه بالتناقض فضلا عن مخالفة القانون ويتحصل الوجه الأول من السبب الخامس في أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تفسير القانون وتأويله ذلك أنه فهم المادتين 885 و886 من المرسوم بقانون رقم 94 لسنة 1937 على أنهما منظمتان للاختصاص العام للمحاكم المصرية وطبق المعيار الذى نصتا عليه، معيار محل افتتاح التركة، على تنازع الاختصاص بين المحاكم المصرية والمحاكم اللبنانية، في حين أن المادتين المذكورتين خاصتان بتعيين الاختصاص المحلى للمحاكم المصرية في الحالات التي تكون هذه المحاكم مختصة بالنزاع دون المحاكم الأجنبية وفقا لقواعد الاختصاص العام المصري. ويتحصل الوجه الثاني من هذا السبب في أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تحصيل قواعد تنازع الاختصاص العام في القانون المصري إذ أقام قضاءه على ما ذكره من أن قاعدة اختصاص محكمة المدعى عليه يوجد بجانبها قاعدة أخرى تحد منها هي قاعدة تحديد الاختصاص في المنازعات الخاصة بالتركات بمكان افتتاحها في حين أن هذه القاعدة الأخيرة ليست إلا إحدى الضوابط الثانوية التى أريد بها توسيع اختصاص المحاكم المصرية عن الحدود التي تقررها القاعدتان الرئيسيتان وهما قاعدة اختصاص محكمة المدعى عليه وقاعدة اختصاص موقع العقار ذلك بأن المادة 3 من قانون المرافعات رقم 77 لسنة 1949 تنص على أن المحاكم المصرية تختص بالدعاوى التى ترفع على الأجنبي الذى ليس له موطن أو سكن في مصر إذا كانت له في مصر موطن مختار أو إذا كانت الدعوى متعلقة بمنقول أو بعقار في مصر أو كانت ناشئة عن عقد أبرم أو نفذ أو كان مشروطا تنفيذه في مصر أو كانت الدعوى ناشئة عن واقعة حدثت فيها أو إذا كانت الدعوى متعلقة بتركة افتتحت في مصر أو تفليس شهر فيها أو إذا كان لأحد المختصمين معه موطن أو سكن في مصر، ثم نص في المادة 860 من القانون رقم 126 لسنة 1951 على ما يعتبر تطبيقا تفصيليا لهذه المبادئ فيما يتعلق بمسائل الإرث الخاصة بالأجانب، ونص في المادة 866 من ذلك القانون على أن المحاكم المصرية تختص في جميع الأحوال بالدعوى المتعلقة بعقار كائن في مصر. وهذه القواعد كان معمولا بها من قبل صدور قانون المرافعات رقم 77 لسنة 1949 والقانون رقم 126 لسنة 1951 بصفتها مبادئ عامة تضع للاختصاص العام للمحاكم المصرية عدة ضوابط يكمل بعضها بعضا وأهمها جميعا قاعدة اختصاص محكمة المدعى عليه وقاعدة اختصاص موقع العقار إلا أن الحكم المطعون فيه لم يأخذ بالمبادئ الصحيحة سالفة الذكر والتي تقضى باعتبار المحاكم المصرية مختصة إما باعتبارها محكمة المدعى عليه وقد كان الطاعن هو المدعى عليه أمام محاكم لبنان أو لأن الخصوم كلهم مقيمون في مصر وإما باعتبار أموال التركة كلها أو بعضها في مصر وقد أدى هذا الخطأ إلى اعتبار المحاكم اللبنانية مختصة بما فصلت فيه وإلى القول بحجية أحكامها.
وحيث إن هذا النعي بجميع وجوهه مردود أولا: بأن مسألة ثبوت نسب الطاعن من المرحوم البير سرسق كانت مطروحة على المحكمة بوصفها مسألة أولية ينبني عليها الفصل في الطلب الأصيل في الدعوى وهو أحقية الطاعن في استعمال اسم هرقل ديمترى البير سرسق باعتباره إبنا للمتوفى وتقدمت المطعون عليهما الأولى والثانية بالأحكام الصادرة من المحاكم اللبنانية في مواجهة الطاعن كدليل في الدعوى على عدم بنوته وهى أحكام صادرة بصفة نهائية قبل العمل بالقانون رقم 126 لسنة 1951 من محاكم ذات ولاية بإصدارها فالحكم المطعون فيه إذ التفت عن تطبيق المادة الأولى من قانون المرافعات المعمول به من 15/ 10/ 1949 والمادتين 859، 860 من الكتاب الرابع من قانون المرافعات الصادر بالقانون رقم 126 لسنة 1951 بعد تاريخ صدور تلك الأحكام وإذ طبق في تحديد الاختصاص القواعد القانونية المعمول بها وقت صدورها لم يخطئ في القانون ولا جدوى بعد ذلك من النعي على الحكم أنه تناقض إذ قرر بأن المبادئ التى كان معمولا بها هي التي قررها فيما بعد القانون رقم 126 لسنة 1951 ما دام الحكم قد بنى قضاءه على أساس سليم من القانون على أن الحكم فيما أورده من ذلك لم يتناقض في شيء إذ أضاف إلى ما قاله من أن القانون رقم 126 لسنة 1951 استمد أحكامه من المبادئ العامة التي كان معمولا بها عبارة "مع بعض أوجه خلاف لا محل للخوض فيها". ومردود ثانيا - بأنه وإن كان التشريع المصري لم يتضمن عند صدور الأحكام اللبنانية ضوابط مفصلة لتنازع الاختصاص بين محاكم الدولة والمحاكم الأجنبية في شأن مسائل الأحوال الشخصية إلا أن ما تضمنه من قواعد عامة للاختصاص إذا كانت لا تفى بالحاجة فقد كان للمحاكم أن تسد النقص فيما تعرض له من حالات بما تستهديه من قواعد الاختصاص الداخلى في قوانين المرافعات وما تستأنس به من قواعد في القوانين الأجنبية وفقه القانون الدولى الخاص بما يوافق أسس التشريع المصرى ولا يخالف المقرر فيه من القواعد الأساسية في الاختصاص. ولما كانت المادة 885 من القانون رقم 94 لسنة 1937 فيما نصت عليه من أن "تكون الدعاوى الخاصة بتركة أجنبى متوطن بالقطر المصرى من اختصاص المحكمة الابتدائية التابع لها مكان افتتاح التركة" قد اشتملت في الواقع على قاعدة من قواعد الاختصاص العام باشتراطها في الدعاوى الخاصة بتركة أجنبى أن يكون هذا الأجنبى "متوطنا بالقطر المصرى" فاستبعدت بذلك تركة الأجنبى المتوطن في بلاد أجنبية كما اشتملت على قاعدة في الاختصاص الداخلي بتحديد الاختصاص للمحكمة الابتدائية التابع لها مكان افتتاح التركة" إلا أن هذه القاعدة هى في الوقت ذاته من ضوابط الاختصاص الخارجي في كثير من القوانين الأجنبية كلما كانت التركة أموالا منقولة فكان للمحكمة أن تطبق هذه القاعدة التي أقرها المشرع المصري في توزيع الاختصاص الداخلي في تعرف اختصاص محاكم لبنان بتركة أجنبي متوطن في دائرتها ما دامت هذه القاعدة لا تتعارض مع أي قاعدة أخرى أساسية في القانون المصري ينعقد بها الاختصاص للمحاكم المصرية وحدها. ولما كان الطاعن لم يتحد أمام محكمة الموضوع بأن لتركة المتوفى البير سرسق عقارات بمصر وكانت المطعون عليهما تنكران أن له بها عقارا ولا يجوز للطاعن الآن أن يثير جدلا حول هذه المسألة لأنها رغم طبيعتها القانونية من نحو انعقاد الاختصاص لمحكمة موقع العقار فإنها تختلط بواقع لا يقبل عرضه أمام محكمة النقض. ومردود ثالثا - بأن حكم محكمة الدرجة الأولى - الذى أخذ الحكم المطعون فيه بأسبابه فيما يتعلق بحجية الأحكام الصادرة من محاكم لبنان في دعوى النسب - بعد أن أثبت ولاية محاكم لبنان فيما قضت به بوصفها دعوى خاصة بتركة لبناني متوطن بلبنان وتوفى - وافتتحت تركته فيها - عرض لمدى حجية هذه الأحكام وأثبت أنها تحوز في مصر قوة الأمر المقضي فيما قضت فيه ولو لم تكن قد أعطيت لها الصيغة التنفيذية في مصر ولو كان شرط التبادل غير متوافر لأنها أحكام نهائية بشأن حالة الأشخاص état وبنى ذلك على أن محاكم لبنان مختصة بحسب قانونها وبحسب قواعد اختصاص القانون الدولي الخاص وعلى أنه ليس في هذه الأحكام ما يخالف النظام العام في مصر وأضاف الحكم المطعون فيه إلى ذلك أن محاكم لبنان وهى محاكم صاحبة ولاية بما فصلت فيه "قد قالت في ذلك قولها الأخير في حكمها الصادر بتاريخ 10 تشرين الثاني سنة 1948... فأصبح قضاؤها نهائيا لا يمكن أن تتناولها المحاكم المصرية بالتعديل لأنه غير مخالف لقواعد النظام العام في مصر". وهذا الذى انتهى إليه الحكمان صحيح ذلك بأنه وقد استكمل الحكم الأجنبي الشرائط المتقدمة فإنه يجوز الأخذ به أمام المحاكم المصرية ما دام أنه لم يصدر حكم منها واجب التنفيذ في نفس الموضوع وبين الخصوم أنفسهم وما دام أنه يبين من الاطلاع على حكم محكمة الخلافات بدمشق الصادر في 7 تشرين الأول سنة 1948 أنه ثابت فيه أن الطاعن "مقيم في بيروت" ومتى كان المدعى عليه مقيما في بلد المحكمة الأجنبية ولو لم تدم إقامته فيها إلا زمنا يسيرا فإنها تكون مختصة طبقا للقانون الدولى الخاص بنظر الدعوى ما دام لم ينكر أنه استلم صحيفتها وهو فيها ولم يدع بوقوع بطلان في الإجراءات أو غش وما دام الحكم ليس مخالفا للنظام العام في مصر حيث تقضى الشريعة الإسلامية بحرمان الولد غير الشرعي من الميراث والنسب، لما كان ذلك - فإن الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى الأخذ بالأحكام الصادرة من المحاكم اللبنانية فيما فصلت فيه من نفى بنوة الطاعن لألبير سرسق وإلى أنها صادرة من جهة ذات ولاية لم يخطئ في القانون.
وحيث إن الوجه الثالث من السبب الخامس يتحصل في أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تحصيل معنى الموطن في القانون الدولي الخاص ومعنى الاستقرار المشترط فيه ذلك أنه فهم للموطن في حكم هذا القانون معنى أصعب ثبوتا وأدعى إلى التزمت في توافر عنصر الاستقرار عنه فيما يتعلق بقواعد الاختصاص الداخلي خلافا لما يقضى به التأويل القانونى الصحيح من التساهل في ثبوت الموطن وعنصر الاستقرار فيه بالنسبة لتعيين الاختصاص الخارجي حرصا على الاختصاص القضائي للدولة والتوسع فيه - ويتصل بهذا الوجه الثالث من السبب السادس وفيه يقول الطاعن إن الحكم المطعون فيه - بفرض صحة ما ذهب إليه - من أن الموطن يقوم على الإقامة المعتادة وأن الاستقرار شرط لازم لقيامه فإنه قد أخطأ في استنباط عنصر الاستقرار من الوقائع الثابتة في الدعوى إذ أن المستندات المقدمة منه تكفى لاستخلاص استقرار المتوفى البير سرسق في توطنه بالإسكندرية ولم يقيم من أدلة خصومه ما يكفى لاستنباط هذا العنصر في إقامته ببيروت مما يشوب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون - ويرتبط بهذا النعى الوجه الثالث من السبب السابع ويتحصل في أن الحكم فيما نسبه للطاعن من أنه كان يعتبر المتوفى متوطنا ببيروت وبأنه لم يقدم ما يدل على أن إقامته بمصر كانت على سبيل الاستقرار قد مسخ الواقع المستفاد من المستندات المقدمة منه الدالة على إقامته بمصر وأنه بادر إثر وفاته إلى استصدار إعلام شرعى من محكمة المنشية في 27/ 2/ 1943 وأنه دفع أمام المحكمة الروحية ببيروت بأن المتوفى كان مصريا ومتوطنا بمصر ويرتبط به أيضا الوجه الثالث من السبب الثامن وحاصله أن الحكم جاء قاصر التسبيب إذ لم يتناول بالتفنيد الأدلة والمستندات التى قدمها الطاعن لإثبات توطن المتوفى بمصر.
وحيث إن هذا النعى بجميع وجوهه مردود أولا - بأن المادة 40/ 1 من القانون المدنى إذ نصت على أن "الموطن هو المكان الذى يقيم فيه الشخص عادة" قصدت الإقامة الفعلية المقترنة بعنصر الاستقرار أى بنية استمرار الإقامة على وجه يتحقق معه شرط الاعتياد - وأنه وإن كان ما نصت عليه هذه المادة من تعريف للموطن قد قصد به الموطن في القانون الداخلى إلا أنه في تحديد الاختصاص الخارجى يطبق قاضى الموضوع قانونه الداخلى بشأن الموطن فإذا كان الحكم المطعون فيه قد اشترط في معنى الموطن ضرورة توافر نية الاستقرار في الإقامة الفعلية واستلزم تقصى ثبوت هذه النية فإنه لم يخطئ في القانون ولا جدوى من النعى عليه فيما تزيد به من أن "الواجب فيما يختص بالقانون الدولى التزمت في الموطن وتقصى عنصر الاستقرار" ما دام أنه في الواقع لم يفعل أكثر من تحصيل معنى الموطن طبقا لما قصده القانون ومردود ثانيا - بأن استخلاص ثبوت الموطن بعنصرية الإقامة ونية الاستقرار هو مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع التقديرية وقد استند الحكم المطعون فيه والحكم الابتدائى المؤيد به في هذا الثبوت إلى أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها. وما يثيره الطاعن من عدم كفاية ما قدمه خصومه من أدلة على توطن المتوفى ببيروت ومن كفاية الأدلة المقدمة منه على توطنه بالأسكندرية لا يعدو أن يكون جدلا في وقائع الدعوى مما لا يجوز عرضه أمام محكمة النقض ولم يكن لزاما على الحكم أن يتعقب بالتفنيد كل مستنداته ما دام فيما أورده من ذلك ما يكفى لإثبات توطن المتوفى بلبنان وبالتالى نفى توطنه بمصر عند وفاته.
وحيث إن الوجه الأول من السبب السادس يتحصل في أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون ذلك أنه خلط بين دعوى الميراث ودعوى ثبوت الاسم حين قال بأن النزاع في حقيقته ومبتغاه هو مطالبة بالحصة الميراثية وقد أدى به هذا الخلط إلى اعتبار موضوع الدعوى الحالية هو ذات الموضوع الذى فصلت فيه المحاكم اللبنانية.
وحيث إن هذا الوجه مردود بما سبق الرد به على السبب الأول وبأن الحكم المطعون فيه لم يعرض للأحكام الصادرة من المحاكم اللبنانية بنفى بنوة الطاعن لألبير سرسق إلا باعتبارها دليلا على مسألة فرعية وهى البنوة ينبنى عليها الفصل في الطلب الأصيل في الدعوى وهو أحقيته في الاسم.
وحيث إن الوجه الثانى من السبب السادس يتحصل في أنه لو فرض وكانت الأحكام اللبنانية صادرة من جهة ذات ولاية فإن قضاءها ينفى نسب الطاعن لألبير سرسق يعتبر قضاء في مسألة أولية وتكون حجيته قاصرة على الدعوى التى صدر فيها ولا يجوز الاستناد إليه في دعوى ثبوت الاسم.
وحيث إن هذا الوجه مردود لأن قضاء المحاكم اللبنانية فيما فصلت فيه من نفى بنوة الطاعن لألبير سرسق لم يكن قضاء في مسألة أولية ضمن نزاع أصيل مقدم إليها بل كان قضاؤها في ذات النزاع الوحيد المطروح عليها وهو بنوة الطاعن لألبير سرسق فقضى بعدم بنوته الشرعية له فكان هذا القضاء حجة بما فصل فيه ما دام صادرا من جهة مختصة ولذا صح الاستناد إليه في رفض دعوى ثبوت الاسم.
وحيث إن الوجه الثانى من السبب السابع يتحصل في أن الحكم المطعون فيه إذ قال بأنه ليس في أوراق الدعوى ما يدل على أن المتوفى كان في وقت ما مصرى الجنسية قد مسخ الحقيقة ذلك بأن جنسية المتوفى المصرية ثابتة له بحكم قانون الجنسية الصادر في سنة 1929 باعتباره من الرعايا العثمانيين وكان مقيما في مصر من 15/ 11/ 1914 كما يبين من المستندات المقدمة من الطاعن على توطنه وقد ظل محتفظا بهذه الجنسية لغاية صدور هذا القانون وقد ترتب على هذا المسخ اعتبار التركة خاضعة للقانون اللبنانى لا القانون المصرى - ويتصل بهذا الوجه ما جاء بالوجه الثانى من السبب الثامن من أن الحكم شابه قصور لانعدام أسباب رفض اعتبار المتوفى مصريا إذ اقتصر في ذلك على القول بثبوت جنسيته اللبنانية في حين أن هذا السبب لا يصلح لرفض الجنسية المصرية لإمكان أن يكون للشخص جنسيتان في وقت واحد.
وحيث إن هذا النعى بوجهيه مردود بما سبق الرد به على الوجه الثانى من السبب الرابع وبما قاله الحكم الابتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه من أنه "ليس في أوراق الدعوى ما يدل على أن البير سرسق كان في وقت ما مصرى الجنسية وقد اعترف نفس المدعى بذلك في إشهاد الوراثة الذى استخرجه بتاريخ 15/ 6/ 1950 من محكمة عابدين الوطنية" وبأن ما استخلصه الحكم من أن الأوراق المقدمة لا تثبت الجنسية المصرية هو مما يدخل في تقدير محكمة الموضوع كما يدخل في تقديرها أيضا عدم ثبوت التوطن كما سلف البيان هذا إلى أن النعى بمسخ المستندات المقدمة جاء مجهلا فلم يبين مواضع المسخ المدعى به - وقد خلص الحكم بأسباب سائغة إلى أن المتوفى كان لبنانى الجنسية وأن الجنسية المصرية لم تثبت له في أى وقت.
وحيث إن الوجه الأول من السبب الثامن يتحصل في أن الحكم المطعون فيه شابه غموض وإبهام فيما ذكره من أن الأخذ بأحكام المادتين 3 و860 من قانون المرافعات يجب أن يكون داخل نطاق النصوص التشريعية الأخرى التى سبقت الإشارة إليها مع أن النصوص المشار إليها هى المادتان 885، 886 من القانون رقم 94 لسنة 1937 وقد ألغاها القانون رقم 126 لسنة 1951 الذى وردت به المادة 860 مرافعات.
وحيث إن هذا النعى مردود بأنه غير منتج إذ لا تأثير له على ما قرره الحكم وانتهى إليه في قضائه بحجية الأحكام اللبنانية على أساس سليم من القانون.
وحيث إن الوجه الأول من السبب السابع يتحصل في أن الحكم المطعون فيه مسخ صفة الطاعن في الدعوى التى رفعت أمام المحكمة الروحية ببيروت ذلك بأن الحكم الابتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه قال بأن الطاعن كان مدعيا في تلك الدعوى في حين أن وقائع النزاع وما ذكر في حكم المحكمة الروحية يدل على أنه كان مدعى عليه وقد دفع أمام تلك المحكمة بعدم الاختصاص واستمر متمسكا بأن ذلك الحكم صدر من محكمة غير مختصة باعتبار أنها ليست محكمة المدعى عليه.
وحيث إن هذا النعى مردود بأنه غير منتج لأنه لو صح أن الطاعن كان مدعى عليه في الدعوى التى رفعت أمام المحكمة الروحية ببيروت فإن تلك المحكمة تعتبر برغم ذلك مختصة بنظر النزاع لما سبق بيانه في الرد على الوجه الأول من السبب الرابع والوجهين الأول والثانى من السبب الخامس.
وحيث إن الوجه الثالث من السبب الرابع يتحصل في أن الحكم المطعون فيه إذا كانت إحالته لأسباب الحكم الابتدائى تشمل ما تعلق منها بالدفاع الموضوعى فإنه يكون قد خالف قواعد الإثبات القانونية فيما تضمنته تلك الأسباب من عدم الاعتداد بشهادة زواج المتوفى بوالدة الطاعن ذلك بأن لهذه الشهادة حجيتها الكاملة باعتبارها ورقة رسمية ولم يتخذ في شأنها إجراءات الطعن بالتزوير ولم يبين الحكم الظروف والقرائن التى تدل بجلاء على أنها مزورة حتى يصح القضاء بردها وبطلانها عملا بالمادة 290 مرافعات - ويتصل بهذا الوجه الوجه الرابع من السبب الثامن وحاصله أن الحكم جاء قاصرا عن بيان سبب عدم الاطمئنان إلى شهادة الزواج واستبعادها. ويتحصل الوجه الرابع من السبب السابع في أن الحكم المطعون فيه حين قال بأن شهادة العماد لم تعد لإثبات النسب قد مسخ العرف الجارى في مصر وغيرها في البلاد الشرقية قبل تنظيم سجلات المواليد والذى يقضى بإثبات ميلاد الطفل المسيحى بشهادة عماده - ويتحصل الوجهان الخامس والسادس من السبب الثامن في أن الحكم المطعون فيه جاء مشوبا بالقصور في تسبيب عدم استنباط إقرار البير سرسق بأبوته للطاعن من أحكام النفقة وطلب الضم وفى تسبيب ما قاله من نفى كل دلالة للأوراق الأخرى المقدمة ذلك بأن الحكم الابتدائى اكتفى عند التحدث عن الحكم الاستئنافى الصادر في سنة 1908 بفرض نفقة للطاعن على المتوفى بوصف أنه أبوه بقوله أنه لا يثبت البنوة الشرعية لأنه أسس على البنوة الطبيعية من غير أن يرد على دفاع الطاعن في هذا الشأن ودون أن يذكر شيئا عن الحكم الصادر في سنة 191 المشار فيه إلى طلب المتوفى ضم الطاعن إليه كما أن الحكم لم يبين الأسباب التى من أجلها رأى أن الأوراق الأخرى المقدمة من الطاعن كالخطابات وجوازات السفر والشهادات المدرسية لا تصلح لإثبات البنوة أو أحقيته في التمتع بالاسم الذى يطالب به.
وحيث إن هذا النعي بجميع وجوهه مردود بأنه غير منتج لأنه فضلا عن أن الحكم المطعون فيه انصرف عما جاء بأسباب الحكم الابتدائي عن عقد الزواج وشهادة العماد وغيرها من أسانيد الطاعن في البنوة فإن هذه الأسباب زائدة عن الحاجة بعد أن قام الحكم المطعون فيه على ما أخذ به بحق من حجية أحكام المحاكم اللبنانية فيما فصلت فيه من نفى بنوة الطاعن الشرعية وفقا للقانون اللبناني باعتبار أن تلك الأحكام صدرت من جهة ذات ولاية وما كان هناك بعد ذلك محل للخوض فيما كان يتمسك به الطاعن من أسانيد لإثبات البنوة كمسألة أولية لثبوت الاسم ومن ثم فلا جدوى من النعي على هذه الأسباب ما دام الحكم محمولا على أساس آخر سليم.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته غير سديد متعينا رفضه.

الطعن 661 لسنة 42 ق جلسة 19 / 11 / 2000 إدارية عليا مكتب فني 46 ج 1 ق 15 ص 123

جلسة 19 من نوفمبر سنة 2000
برئاسة السيد الأستاذ المستشار .د/ عادل محمود ذكى فرغلى نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: على فكرى حسن صالح، ود. عبد الله إبراهيم فرج ناصف، وأسامة محمود عبد العزيز محرم، وسعيد سيد أحمد نواب رئيس مجلس الدولة.
--------------
(15)
الطعن رقم 661 لسنة 42 القضائية
(أ) اختصاص - المحاكم التأديبية - المحكمة التأديبية صاحبة الولاية العامة في التأديب

اختصاص المحكمة التأديبية بنظر الطعون في قرارات الجزاءات التأديبية يمتد ليشمل طلبات التعويض عن الأضرار المترتبة على تلك الجزاءات وغيرها من الطلبات المرتبطة بها ما دامت تلك الطلبات قائمة على أساس قانوني واحد هو قرار الجزاء وما استند عليه من وقائع - أساس ذلك - أن قاضى الأصل هو قاضى الفرع وحتى لا تؤدى تجزئة المنازعة إلى تضارب الأحكام الصادرة بشأنها.
(ب) عاملون مدنيون بالدولة - تأديب - مسئولية صاحب الوظيفة الإشرافية عن أعمال مرؤوسيه. 
تحديد مسئولية صاحب الوظيفة الإشرافية ليس معناه تحميله بكل المخالفات التي تقع من مرؤوسيه - ليس مطلوبا من الرئيس أن يحل محل كل مرؤوس في أداء واجباته الوظيفية لتعارض ذلك مع طبيعة العمل الإداري واستحالة الحلول الكامل محل جميع الرؤساء - إذ كان من واجبات رئيس العمل أن يتابع أعمال معاونيه للتحقق من دوام سير العمل بانتظام واضطراد إلا أنه ليس مطلوبا منه أن يحيط بكل وقائع العمل الذى يقوم به كل منهم - أساس ذلك - أن المشرع السماوي لا يكلف نفسا إلا وسعها فإن المشرع الوضعي لا يجوز أن يحمل ما يخرج عن حدود طاقته فيساء له عن كل خطأ وقع من أحد مرؤوسيه. تطبيق.



إجراءات الطعن:
في يوم السبت الموافق 9/ 12/ 1995 أودعت هيئة قضايا الدولة نائبة عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير بالطعن قيد بجدولها تحت رقم 661/ 42ق.ع في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بطنطا بجلسة 28/ 10/ 1995 في الطعن رقم 117/ 21ق والذى قضى فيه بإلغاء القرار المطعون فيه وبإلزام جهة الإدارة بأن تؤدى للطاعن تعويضا مقداره خمسمائة جنيه مع ما يترتب على ذلك من آثار.

وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجددا برفض الطعن على قرار الجزاء المطعون فيه ورفض طلب التعويض وبعدم اختصاص المحكمة التأديبية بنظر الطعن في الشق الخاص بحرمان المطعون ضده من أعمال الامتحانات وباختصاص القضاء الإداري بنظره.
وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده على النحو الثابت بالأوراق.
أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا.
وقد تدوول الطعن أمام الدائرة الرابعة بالمحكمة الإدارية العليا على النحو الثابت بمحاضر جلساتها فحصا وموضوعا ثم أحيل إلى هذه الدائرة للاختصاص تنفيذا لقرار رئيس مجلس الدولة في هذا الشأن وبجلسة 15/ 10/ 2000 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم وصرحت للخصوم بمذكرات خلال أسبوعين ولم ترد ثمة مذكرات خلال الأجل المضروب.
وقد صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.



المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.

من حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية المقررة قانونا.
ومن حيث أن عناصر المنازعة تخلص حسبما يبين من الأوراق في أنه بتاريخ 20/ 12/ 1992 كان المطعون ضده قد أقام الطعن رقم 117/ 21ق أمام المحكمة التأديبية بطنطا وطلب في ختامه الحكم بإلغاء القرار رقم 400/ 1992 فيما تضمنه من مجازته بخصم ثلاثة أيام من راتبه وحرمانه من أعمال الامتحانات لمدة خمس سنوات كما طلب تعويضا عن الأضرار المادية والأدبية التي حاقت به من جراء ذلك القرار.
وذكر شرحا لطعنه أن القرار المطعون فيه صدر لما نسب إليه من أبان انتدابه مشرفا عاما على لجان تقرير درجات مادة الدراسات الاجتماعية لامتحان نصف العام الدراسي 91/ 92 بقطاع شبين القناطر من أنه أهمل في عمله مما أدى إلى عدم تصحيح إجابة الأسئلة الثالث والرابع والخامس من ورقتي الإجابة رقمي 17062 و 18798 - سرى دراسات اجتماعية ونعى الطاعن على القرار المطعون فيه مخالفته القانون لأن طبيعة عمله هي إعداد اللجان وتوزيع العمل على المصححين والمراجعين ورؤساء الحجرات من خلال الإشراف فقط دون الاشتراك في اعمال التقدير والمراجعة وأن لكل حجرة موجه يتسلم أوراق الإجابة من الكونترول مباشرة بعد التصحيح والمراجعة ثم يتولى المعاون المختص تسليم الأوراق إلى الكنترول دون تدخل منه وهذه الأمور جميعها لم يستظهرها المحقق لتحديد المسئول الفعلي عن المخالفة المشار إليها.
وبجلسة 28/ 10/ 1995 أصدرت المحكمة حكمها الطعين والقاضي بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وإلزام الإدارة بأن تؤدى للطاعن تعويضا قدره خمسمائة جنيه مع ما يترتب على ذلك من آثار وشيدت المحكمة قضاءها على انتفاء مسؤولية الطاعن عن أعمال التقدير والمراجعة والتي يسال عنها رؤساء حجرات التقدير وانتهت المحكمة إلى عدم مشروعية القرار بشقيه مما يستوجب إلغاءه كما قضت المحكمة بتعويض مقداره خمسمائة جنيه جبرا للضررين المادي والأدبي اللذين حاقا بالطاعن على النحو المبين تفصيلا بمدونات الحكم المطعون فيه.
ومن حيث أن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله لأسباب تخلص في أن المحكمة التأديبية غير مختصة بالطعن على الشق الخاص بحرمان المطعون ضده من أعمال الامتحانات وأن قرار الجزاء المطعون فيه قام على سبب صحيح لأن مسئولية المشرف العام لا تقتصر على إعداد اللجان بل تمتد إلى عملية المراجعة درأً لأخطاء المصححين كما أن طلب التعويض غير قائم على سند من الواقع والقانون ما دام قرار الجزاء مشروعا.
ومن حيث أن قضاء هذه المحكمة قد استقر على اختصاص المحكمة التأديبية بنظر الطعون في قرارات الجزاءات التأديبية يمتد ليشمل طلبات التعويض عن الأضرار المترتبة على تلك الجزاءات وغيرها من الطلبات المرتبطة بها ما دامت الطلبات قائمة على أساس قانوني واحد هو قرار الجزاء وما استند عليه من وقائع ومرد ذلك إلى مبدأ من مبادئ الاختصاص القضائي يقضى بأن قاضى الأصل هو قاضى الفرع وحتى لا تؤدى تجزئة المنازعة إلى تضارب الأحكام الصادرة بشأنها.
ومن حيث إنه بناء على ما تقدم تكون المحكمة التأديبية مختصة بنظر المنازعة في حرمان المطعون ضده من أعمال الامتحانات باعتبارها فرعا من قرار الجزاء المطعون فيه مما يتعين معه والحال كذلك الالتفات عما أثارته الجهة الإدارية الطاعنة في هذا الشأن.
ومن حيث أن تحديد مسئولية صاحب الوظيفة الإشرافية ليس معناه تحميله بكل المخالفات التي تقع من مرؤسيه - ليس مطلوبا من الرئيس أن يحل محل كل مرؤوس في أداء واجباته الوظيفية لتعارض ذلك مع طبيعة العمل الإداري واستحالة الحلول الكامل محل جميع الرؤساء - إذ كان من واجبات رئيس العمل أن يتابع أعمال معاونيه للتحقيق من دوام سير العمل بانتظام واضطراد إلا أنه ليس مطلوبا منه أن يحيط بكل وقائع العمل الذى يقوم به كل منهم - أساس ذلك - أن المشرع السماوي لا يكلف نفسا إلى وسعها فإن المشرع الوضعي لا يجوز أن يحمل العامل ما يخرج عن حدود طاقته فيساء له عن خطأ وقع من أحد مرؤسيه.
ومن حيث أن الثابت من الأوراق أن المطعون ضده كان مشرفا عاما على لجان تقدير درجات مادة الدراسات الاجتماعية لامتحان نصف العام الدراسي 91/ 92 بقطاع شبين القناطر بمحافظة القليوبية وقد نسبت إليه اهماله في عمله مما أدى إلى عدم تصحيح إجابات الأسئلة الثالث والرابع والخامس بورقتي الإجابة رقمي 17062و 18798.
ومن حيث أن الثابت من الأوراق أن عملية تصحيح أوراق
الإجابة تتم من خلال لجان لكل منها حجرة مستقلة تضم المصححين والمراجع ورئيس الحجرة المشرف عليهم وأن ورقة الإجابة رقم 17062 كانت لدى اللجنة رقم (3) بالحجرة رقم (2) وكان المسئول عن تقدير درجات السؤال الثالث ........ والمسئول عن السؤال الرابع ....... والمسئول عن السؤال الخامس ..... والمسئول عن عملية المراجعة هو ......... ويرأس الحجرة ........ أما ورقة الإجابة رقم 18798فقد كانت لدى اللجنة رقم (1) بالحجرة رقم (1) وكان المسؤول عن تصحيح السؤال الثالث ....... والمسئول عن تصحيح السؤال الرابع ....... والمسؤول عن السؤال الخامس .......... والمسئول عن عملية المراجعة ......... ويرأس الحجرة ....... وقد قرر المطعون ضده في صحيفة طعنه أن تقدير الدرجات بمعرفة المصححين والمراجعين يتم تحت إشراف رئيس الحجرة ثم يتولى المعاون المختص تسليم أوراق الإجابة بعد تقديرها إلى الكنترول مباشرة دون تدخل من المطعون ضده ولم تدحض جهة الإدارة ذلك البيان الأمر الذى تستظهر معه المحكمة أن المسئولية عن عدم تصحيح بعض الأسئلة بورقتي الإجابة المنوه عنها تنحصر في المصحح المسئول عن تقدير درجة السؤال الخاص به والمراجع الذى يتولى عملية المراجعة داخل اللجنة ثم رئيس الحجرة المشرف على من فيها من مصححين ومراجعين أما المطعون ضده بوصفه مشرفا عاما على اللجان فلا دور له في عمليتي التصحيح والمراجعة والقول بغير ذلك هو تكليف مستحيل ولا يتفق وطبيعة الوظيفة الإشرافية.
ومن حيث إنه بناء على ما تقدم يكون القرار المطعون فيه إذ قضى بمجازاته قد صار مخالفا للقانون فاقدا لتوكيد السبب بعد ثبوت عدم مسئولية المطعون ضده عن المخالفة المنسوبة إليه وهو ما استظهره الحكم المطعون فيه وأن كان لغير ما تقدم من أسباب.
ومن حيث إنه عما قضت به المحكمة من تعويض المطعون ضده بمبلغ خمسمائة جنيه جبرا لما أصابه من أضرار مادية وأدبية فلا تثريب عليها فيما قضت به بعد أن استظهرت توافر عناصر المسئولية الإدارية من وقوع خطأ يتمثل في إصدار قرار مخالف للقانون على النحو السالف بيانه ومن توافر الضرر المادي المتمثل في حرمان المطعون ضده من المزايا المادية للمشاركة في أعمال الامتحانات منذ عام 92 وحتى صدور الحكم والضرر الأدبي المتمثل في الألم النفسي الذى عاناه من اهتزاز مركزه أمام مرؤسيه وزملائه لما يرتبه القرار الصادر بإبعاده عن أعمال الامتحانات من خلال الشك حول سمعته وإشاعة عدم الثقة فيه بين زملائه ومرؤسيه وإذ انتهى الحكم إلى هذه القيمة فإنه يكون قد أصاب الحق فيما انتهى إليه.
ومن حيث إنه بناء على ما تقدم يكون الطعن الماثل غير قائم على سند من الواقع والقانون مما يتعين معه والحال كذلك القضاء برفضه.

فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا.