الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 4 ديسمبر 2019

الطعن 324 لسنة 69 ق جلسة 14 / 6 / 2016


بـاسم الشعـب
محكمـة النقــض
دائـرة الأحوال شخصية
ـــــــــــ
برئاسة السـيـد القاضى / موسى محمد مرجـان " نائب رئيس المحكمة "
وعضوية السـادة القضـاة / أحمد صلاح الدين وجدى ، عثمـان مكرم تـوفيــق      
            حسام حسيـن الديـب  و عبد المنعــم إبراهيم الشهـاوى 
                                                " نواب رئيس المحكمة "
والسيد رئيس النيابة / محمد جمال الدين .        
وأمين السر السيد / هانى مصطفى  .
في الجلسة العلنية المنعقدة بمقر المحكمة بمدينة القاهرة بدار القضاء العالي .
في يوم الثلاثاء 9 من رمضان سنة 1437 هـ الموافق 14 من يونيو سنة 2016 م.
أصدرت الحكم الاتي :ـ
فى الطعن المقيد فى جدول المحكمة برقم 324 لسنة 69 القضائية " أحوال شخصية " .
المرفــوع مــن
السيدة / ......  . المقيمة ..... ـــــ بحيرة  . لم يحضر أحد عنها .
ضـــــد
السيد/ .......  . المقيم ..... الإسكندرية  . لم يحضر أحد عنه .
الوقائــع
في يوم 27/4/1999 طُعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف الإسكندرية الصادر بتاريخ 27/2/1999 في الاستئناف رقم 506 لسنـة 54 ق " أحوال شخصية " وذلك بصحيفة طلبت فيها الطاعنة الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والإحالة  .
وفي اليوم نفسه أودعت الطاعنة مذكرة شارحة .
وفي 10/5/1999 أُعلن المطعون ضده بصحيفة الطعن .
ثم أودعت النيابة مذكرتها وطلبت فيها قبول الطعـن شكلاً ، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه .
وبجلسة 12/4/2016 عُرض الطعن على المحكمة في غرفة المشورة فرأت أنه جدير بالنظر فحددت جلسة 10/5/2016 لنظره ، وبها سُمعت الدعوى أمام هذه الدائرة على ما هو مبين بمحضر الجلسـة ــــــ حيث صممت النيابة العامة على ما جاء بمذكرتها ـــــ والمحكمة أرجأت إصدار الحكم إلى جلسة اليوم .
المحكمــة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد القاضى المقـرر / عبد المنعــم إبراهيم الشهـاوى " نائب رئيس المحكمة " ، والمرافعة وبعد المداولة .  
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية .
وحيث إن الوقائع ـــــ على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق ــــــ تتحصل في أن الطاعنة أقامت على المطعون ضده الدعوى رقم 1627 لسنة 1997 أحوال شخصية الإسكندرية ، بطلب الحكم بتطليقها عليه طلقة بائنة ، وقالت بياناً لدعواها إنها زوج له إلا أنه تزوج بأخرى بما ألحق بها أضراراً تتمثل في عدم تردده عليها وأنها تخشى على نفسها الفتنة ، كما أنه بنى بالزوجة الثانية بذات مسكن الزوجية الخاص بها ، ومن ثم فقد أقامت الدعوى . أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق ، وبعد أن سمعت شهود الطرفين حكمت بتاريخ 27 من مايو 1998 بتطليق الطاعنة على المطعون ضده طلقة بائنة للضرر . استأنف المطعون ضده هذا الحكم بالاستئناف رقم 506 لسنة 54 ق الإسكندرية ، وبتاريخ 27 من فبراير سنة 1999 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى ، طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض ، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأى بنقض الحكم المطعون فيه ، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة ــــــ في غرفة المشورة ـــــ حددت جلسة لنظره ، وفيها التزمت النيابة رأيها .
وحيث إن الطعن أقيم على سببين تنعى الطاعنة بهما على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب ، وفى بيان ذلك تقول إنها أقامت دعواها بطلب التطليق للضرر وفقاً لنص المادة 11 مكرر من القانون 25 لسنة 1929 المضافة بالقانون 100 لسنة 1985 لزواج المطعون ضده بأخرى ، وأنها أثبتت بالبينة الشرعية أن ضرراً لحقها من هذا الزواج يتمثل في عدم إنفاقه عليها مما يتعذر معه دوام العشرة بينهما ، إلا أن الحكم المطعون فيه قضى برفض الدعوى بمقولة عدم توافر شروط الضرر الذى يبيح التطليق دون إعمال المحكمة لسلطتها في تقدير الأدلة المطروحة عليها ، الأمر الذى يعيبه بما يستوجب نقضه .
       وحيث إن هذا النعى فى محله ، ذلك أن المقرر ــــ فى قضاء هذه المحكمة ــــ أن وظيفة محكمة الاستئناف ليست مقصورة على مراقبة الحكم المستأنف من حيث سلامة التطبيق القانونى فحسب وإنما يترتب على رفع الاستئناف نقل موضوع النزاع فى حدود طلبات المستأنف إلى محكمة الدرجة الثانية وإعادة طرحه عليها بكل ما اشتمل عليه من أدلة ودفوع وأوجه دفاع جديدة وما كان قد قدم من ذلك أمام محكمة أول درجه فاستبعدته أو أغفلته لتقول محكمة الدرجة الثانية كلمتها فيها بقضاء مسبب تواجه به عناصر النزاع الواقعية والقانونية علـــى الســــواء ، فتعيد بحث ما سبق إبداؤه من وسائل الدفاع وما يعن للخصوم إضافته ، كما أنه من المقرر أن الحكم يجب أن يكون فيه بذاته ما يطمئن المطلع عليه إلى أن المحكمة قد محصت الأدلة التى قدمت إليها وحصلت منها ما تؤدى إليه ، وذلك باستعراض هذه الأدلة ، وتعليقه عليها بما ينبئ عن بحث ودراسة أوراق الدعوى عن بصر وبصيرة ، كما أنه على محكمة الاستئناف إذا هى ألغت أو عدلت حكم محكمة أول درجة أن تبين الأسباب التى أقامت عليها قضاءها . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بإلغاء الحكم الابتدائى ورفض الدعوى استناداً لعدم توافر شروط الضرر الذى يبيح تطليق الزوجة لزواج زوجها بأخرى دون إعمالها لسلطتها بشأن الأدلة التى طرحت محكمة أول درجة ومنها شهادة الشهود وبحكم الأثر الناقل للاستئناف لتقول كلمتها بشأنها ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون معيباً بالخطأ فى تطبيق القانون والقصور فى التسبيب مما يوجب نقضه .
لـذلـــــك
نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه ، وألزمت المطعون ضده المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة ، وأحالت القضية إلى محكمة استئناف الإسكندرية للفصل في موضوعها مجدداً .

تنفيذ الحكم الصادر من محكمة غير مختصة ولائيًّا لا يضفي عليها اختصاصا بإصداره


الدعوى رقم 46 لسنة 38 ق "منازعة تنفيذ" جلسة 2 / 11 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من نوفمبر سنة 2019م، الموافق الخامس من ربيع أول سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو    رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبدالجواد شبل وطارق عبد العليم أبو العطا        نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى  رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع    أمين السر


أصدرت الحكم الآتى
فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 46 لسنة 38 قضائية "منازعة تنفيذ".
المقامة من
1-    وزير المالية بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الضرائب
2- مدير عام ضــرائب الغربيــــة
3- مدير عام مصلحة التهرب الضريبى
ضــــد
رئيس مجلـس إدارة والعضو المنتدب لشركة مطاحن وسط وغرب الدلتا

الإجـراءات
بتاريخ السابع عشر من أكتوبر سنة 2016، أودع نائب رئيس هيئة قضايا الدولة، نيابةً عن المدعين، صحيفة الدعوى المعروضة، قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم الصادر من محكمة طنطا الابتدائية، بجلسة 29/4/2013، في الدعوى رقم 545 لسنة 2009 مدنى كلى حكومة، المؤيد بالحكم الصادر من محكمة النقض بجلسة 3/2/2016، في الطعن رقم 591 لسنة 84 قضائية، وفى الموضوع بعدم الاعتداد بذلك الحكم والاستمرار في تنفيذ الحكم الصادر بجلسة 25/7/2015، في الدعوى رقم 70 لسنة 35 قضائية "دستورية".
وقدمت الشركة المدعى عليها مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 5/10/2019، وفيها مثل محامى عن الشركة المدعى عليها وقدم حافظتي مستندات ومذكرة، طلب فيها الحكم برفض الدعوى، وقررت المحكمة بالجلسة ذاتها إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
      حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن الشركة المدعى عليها سبق لها أن أقامت الدعوى رقم 639 لسنة 2009 ضرائب كلى، أمام محكمة طنطا الابتدائية، وقيدت الدعوى فيما بعد، لدى المحكمة ذاتها، برقم 545 لسنة 2009 مدنى كلى حكومة، طلبًا للحكم بسقوط حق مصلحة الضرائب في مطالبتها بالمستحقات الضريبية عن المدة من 1/7/2001 حتى 30/6/2004، وقدرها مبلغ 22833748,90 جنيهًا، بالتقادم الخمسي، وبراءة ذمة الشركة من هذا المبلغ، واسترداد ما تم حجزه من مبالغ لحساب الضريبة. وبجلسة 29/4/2013، قضت المحكمة بسقوط حق المصلحة في المطالبة بدين الضريبة بالتقادم الخمسي. ولم يصادف هذا القضاء قبول وزير المالية وآخرين، فطعنوا عليه بالاستئناف رقم 961 لسنة 63 قضائية، أمام محكمة استئناف طنطا، وبجلسة 19/11/2013، قضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف، والقضاء مجددًا برفض الدعوى، على سند من أن الدين المطالب به لا يُعد دينًا ضريبيًّا يسقط الحق في اقتضائه بمضى خمس سنوات. ولم ترتض الشركة المدعى عليها هذا الحكم، فطعنت عليه أمام محكمة النقض، بموجب الطعن رقم 591 لسنة 84 قضائية، وقُضى فيه بجلسة 3/2/2016، بنقض حكم محكمة الاستئناف، وفى موضوع الاستئناف رقم 961 لسنة 63 قضائية، برفضه، وتأييد حكم محكمة طنطا الابتدائية، مؤسسة قضائها على تقادم حق مصلحة الضرائب في المطالبة بمستحقاتها عن المدة من 1/7/2001 حتى 30/6/2004، بالتقادم الخمسى، إعمالاً للمادة (174) من قانون الضرائب على الدخل رقم 157 لسنة 1981 المستبدلة بالقانون رقم 187 لسنة 1993. وقد ارتأت هيئة قضايا الدولة أن حكم محكمة النقض المشار إليه، المؤيد لحكم محكمة طنطا الابتدائية، يُمثل عائقًا يحول دون تنفيذ الحكم الصادر بجلسة 25/7/2015، من المحكمة الدستورية العليا، في الدعوى رقم 70 لسنة 35 قضائية "دستورية"، فيما انتهى إليه من عدم دستورية المادة (123) من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005، وسقوط عبارة "المحكمة الابتدائية" الواردة بعجز الفقرة الثانية من المادة (122) من القانون ذاته، الأمر الذى ينعقد لمحاكم مجلس الدولة، وحدها دون غيرها، الفصل في المنازعات المتعلقة بضريبة الدخل، فأقامت دعواها المعروضة بطلباتها سالفة البيان.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن منازعة التنفيذ التى تختص المحكمة الدستورية العليا بالفصل فيها، وفقًا لنص المادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، قوامها أن التنفيذ لم يتم وفقًا لطبيعته، وعلى ضوء الأصل فيه، بل اعترضته عوائق تحول قانونًا- بمضمونها أو أبعادها- دون اكتمال مداه، وتعطل تبعًا لذلك، أو تقيد اتصال حلقاته وتضاممها، بما يعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان. ومن ثم، تكون عوائق التنفيذ القانونية هى ذاتها موضوع منازعة التنفيذ أو محلها، تلك المنازعة التى تتوخى في ختام مطافها إنهاء الآثار المصاحبة لتلك العوائق، أو الناشئة عنها، أو المترتبة عليها، ولا يكون ذلك إلا بإسقاط مسبباتها وإعدام وجودها، لضمان العودة بالتنفيذ إلى حالته السابقة على نشوئها. وكلما كان التنفيذ متعلقًا بحكم صدر عن المحكمة الدستورية العليا، بعدم دستورية نص تشريعى، فإن حقيقة مضمونه، ونطاق القواعد القانونية التى يضمها، والآثار المتولدة عنها في سياقها، وعلى ضوء الصلة الحتمية التى تقوم بينها، هي التي تحدد جميعها شكل التنفيذ وصورته الإجمالية، وما يكون لازمًا لضمان فعاليته. بيد أن تدخل المحكمة الدستورية العليا لهدم عوائق التنفيذ التى تعترض أحكامها الصادرة في الدعاوى الدستورية، وتنال من جريان آثارها كاملة في مواجهة الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين جميعهم، دون تمييز، بلوغًا للغاية المبتغاة منها في تأمين حقوق الأفراد وصون حرياتهم، يفترض ثلاثة أمور، أولها: أن تكون هذه العوائق- سواء بطبيعتها أو بالنظر إلى نتائجها- قد حالت فعلاً، أو من شأنها أن تحول دون تنفيذ أحكامها تنفيذًا صحيحًا مكتملاً، أو مقيدة لنطاقها. ثانيها: أن يكون إسناد هذه العوائق إلى تلك الأحكام، وربطها منطقيًّا بها ممكنًا، فإذا لم تكن لها بها من صلة، فإن خصومة التنفيذ لا تقوم بتلك العوائق، بل تعتبر غريبة عنها، منافية لحقيقتها وموضوعها. ثالثها: أن منازعـة التنفيـذ لا تُعد طريقًا للطعن في الأحكام القضائية، وهو ما لا تمتد إليه ولاية هذه المحكمة.
 وحيث إن المحكمة الدستورية العليا سبق لها أن قضت بحكمها الصادر بجلسة 25/7/2015، في الدعوى رقم 70 لسنة 35 قضائية "دستورية" بعدم دستورية نص المادة (123) من قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005، وسقوط عبارة "أمام المحكمة الابتدائية" الواردة بعجز الفقرة الثانية من المادة (122) من القانون ذاته، ونُشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بالعدد رقم (31) مكرر (ج) بتاريخ 2/8/2015، وتأسس هذا الحكم على أن المرجع في تحديد بنيان الضريبة على الدخل، وعناصرها، ومقوماتها، وأوضاعها، والإعفاء منها، وأحكامها المختلفة، إلى قانون هذه الضريبة. وكان قانون الضريبة على هذا النحو، ينظم جباية الضريبة على الدخل تنظيمًا شاملاً، يدخل في مجال القانون العام، وبوجه خاص في مجال توكيده حق الإدارة المالية في المبادأة بتنفيذ دين الضريبة على الممول، وتأثيم محاولة التخلص منه. وكانت الجهة الإدارية المختصة بتحصيـل هـذه الضريبة ، إنما تباشر ذلك بموجب قرارات إدارية تصدر منها تنفيذًا لأحكام هذا القانـون، ومن ثم تُعد المنازعة في هذا القرار منازعة إدارية بحسب طبيعتها، تندرج ضمن الاختصاص المحدد لمحاكم مجلس الدولة طبقًا لأحكام الدستور، وأن إسناد نص المادة (123) من قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005، وعبارة الفقرة الثانية الواردة بعجز المادة (122) "أمام المحكمة الابتدائية" من القانون ذاته، الاختصاص بالفصل في تلك المنازعات إلى المحكمة الابتدائية التابعة لجهة القضاء العادي، يُصادم أحكام الدستور، الذى أضحـــــى بمقتضاه مجلس الدولة، دون غيره من جهات القضاء، هو صاحب الولاية العامة في الفصل في المنازعات الإدارية، وقاضيها الطبيعي، التي تدخل ضمنها الطعون في القرارات النهائية الصادرة من الجهات الإدارية في منازعات الضرائب.



      وحيث إن نص المادة (123) من قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005، والفقرة الثانية من المادة (122) من القانون ذاته، كانا يتناولان تحديد الجهة القضائية المختصة بنظر المنازعات التي تنشأ عن تطبيق أحكام هذا القانون، ومن ثم فإنهما لا يعتبران من قبيل النصوص الضريبية، ولا يسري بشأنهما نص الفقرة الثالثة من المادة (49) من قانون هذه المحكمة، المتعلق بالأثر المباشر للحكم الصادر بعدم دستورية نص ضريبي، ذلك أن تحديد الاختصاص القضائي بنظر المنازعات الضريبية، والفصل فيها، يُعد من الأمور المتعلقة بالنظام العام، بحكم اتصاله بولاية جهات القضاء، التى تستقل بمضمونها ومحتواها وتنظيمها عن مفهوم النص الضريبي الذى يخضع للحكم المتقدم.
      وحيث إن أحكام قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 157 لسنة 1981، وتعديلاته، كانت واجبة الإعمال على كافة المنازعات الضريبية الناشئة عنه، إلى أن تم إلغاؤه بموجب نص الفقرة الأولى من المادة الثانية من مواد إصدار قانون الضرائب على الدخل رقم 91 لسنة 2005، والمعمول بموجب أحكامه اعتبارًا من 10/6/2005. وإن كانت المادة (123) وعجز الفقرة الثانية من المادة (122) من القانون المشار إليه، تعقد الاختصاص بنظر المنازعات الضريبية للمحكمة الابتدائية، ومن بعدها محكمة الاستئناف التابعة لجهة القضاء العادي، إلا أنه بتاريخ 25/7/2015 صدر الحكم في الدعوى الدستورية رقم 70 لسنة 35 قضائية، بعدم دستورية نص المادة (123) من القانون المشار إليه، وسقوط عبارة "المحكمة الابتدائية" الواردة بعجز نص الفقرة الثانية من المادة (122) من القانون ذاته، بما لازمه أن محاكم مجلس الدولة، دون غيرها، صارت المختصة بنظر المنازعات الضريبية الناشئة عن أحكام قانون ضرائب الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005، وتطبق أحكام ذلك القانون بأثر فورى على الدعاوى التى ترفع بعد نشر الحكم الصادر في الدعوى الدستورية المشار إليها، في الجريدة الرسمية، ولو نشأت هذه الدعاوى عن وقائع سابقة، كما تطبق على الدعاوى القائمة عند صدوره، ما لم يكن قد فصل فيها بحكم بات. متى كان ذلك، وكان حكم المحكمة الدستورية العليا بجلسة 25/7/2015، في الدعوى رقم 70 لسنة 35 قضائية " دستورية"، قد صدر قبل صدور حكم محكمة النقض بجلسة 3/2/2016، في الطعن رقم 591 لسنة 84 قضائية، الأمر الذى كان يتعين معه على محكمة النقض أن تلتزم بمقتضى أثر الحكم الصادر في القضية الدستورية المشار إليها، إعمالاً لنص المادة (195) من الدستور، والمادتين (48، 49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979. وإذ أعرضت محكمة النقض عن ذلك، وفصلت في موضوع النزاع المعروض عليها - وهو ما ينطوى، بحكم اللزوم، على اختصاص محاكم جهة القضاء العادى بنظر النزاع، إعمالاً لما كان واردًا بالنص التشريعى المشار إليه قبل الحكم بعدم دستوريته - فإن الحكم الصادر من محكمة النقض المشار إليه، المؤيد لحكم محكمة طنطا الابتدائية في الدعوى رقم 545 لسنة 2009 مدنى كلى حكومة، بجلسة 29/4/2013، يشكل عقبة تعطل تنفيذ الحكم الصادر بجلسة 25/7/2015، في القضية الدستورية رقم 70 لسنة 35 قضائية، يتعين القضاء بإزالتها.



      وحيث إنه لا يقدح فيما تقدم، ما دفعت به الشركة المدعى عليها من أن حكم محكمة النقض – المنازع في تنفيذه – قد تم تنفيذه بالفعل قبل إقامة الدعوى المعروضة، على نحو يحول دون إسباغ الولاية القضائية من جديد على النزاع الموضوعي، فذلك الدفع مردود بأنه دفاع موضوعي لا يحول دون إعمال مقتضى حكم المحكمة الدستورية العليا المطلوب الاستمرار في تنفيذه، إعمالاً لنص المادة (50) من قانون هذه المحكمة، الذى جاء مطلقًا، ولم يشترط لقبول دعوى منازعة التنفيذ أن يكون الحكم المطلوب عدم الاعتداد به، واعتباره عقبة في تنفيذ أحكام هذه المحكمة، قد تم تنفيذه قبل رفع هذه الدعوى أو بعد رفعها، فلا يجوز تخصيص هذا النص بغير مخصص، لما هو مقرر من بقاء المطلق على إطلاقه. فضلاً عن أن تنفيذ الحكم الصادر من محكمة تابعة لجهة قضائية غير مختصة ولائيًّا بإصداره – أيًّا كان توقيت هذا التنفيذ – لا يعدو أن يكون عقبة مادية تحول دون تنفيذ مقتضى الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا، المطلوب الاستمرار في تنفيذه، باعتبار أن تحديد الاختصاص الولائي بنظر المنازعات، والفصل فيها، يُعد من الأمور المتعلقة بالنظام العام، بحكم اتصاله بولاية جهات القضاء.

      وحيث إنه لا يغير مما تقدم، ما تأسس عليه دفاع الشركة المدعى عليها من استقرار مركزها القانوني بشأن تقادم دين الضريبة المطالب به عن المدة من 1/7/2001 حتى 30/6/2004، بالتقادم الخمسي قبل صدور الحكم في القضية رقم 70 لسنة 35 قضائية "دستوريــــة" بجلسة 25/7/2015، فذلك مــــردود، بأن ما يوقف الأثر الرجعى للأحكام الصادرة بعدم دستورية نص تشريعي، صدور حكم قضائي بات، أو انقضاء مدة تقادم تقررت بموجب حكم بات استقرت به المراكز القانونية التي ترتبط بالحقوق محل المطالبة القضائية قبل صدور حكم المحكمة الدستورية العليا.

      وحيث إنه عن الطلب المستعجل بوقف تنفيذ الحكم الصادر من محكمة النقض المشار إليه، والمؤيد لحكم محكمة طنطا الابتدائية، فإنه يُعد فرعًا من أصل النزاع في منازعة التنفيذ المعروضة، وإذ انتهى القضاء في موضوعها على النحو المتقدم، فإن هذا الطلب يكون قد بات غير ذى موضوع.

فلهــذه الأسبــاب

      حكمت المحكمة بالاستمرار في تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 25/7/2015 في الدعوى رقم 70 لسنة 35 قضائية "دستورية"، وعدم الاعتداد بالحكم الصادر من محكمة طنطا الابتدائية، بجلسة 29/4/2013، في الدعوى رقم 545 لسنة 2009 مدنى كلى حكومة، والمؤيد بحكم محكمة النقض الصادر بجلسة 3/2/2016 في الطعن رقم 591 لسنة 84 قضائية، وألزمت الشركة المدعى عليها بالمصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماه.

دستورية المسئولية الجنائية لمسئول الإدارة الفعلية للشركة المخالفة لأحكام اللائحة التنفيذية لقانون سوق رأس المال

الدعوى رقم 156 لسنة 34 ق "دستورية" جلسة 2 / 11 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثانى من نوفمبر سنة 2019م، الموافق الخامس من ربيع أول سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو    رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبدالجواد شبل وطارق عبد العليم أبو العطا        نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع        أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 156 لسنة 34 قضائية "دستورية".
المقامة من
باسل محمد مدحت –    بصفته عضو مجلس الإدارة المنتدب لشركة البحر المتوسط لتداول الأوراق المالية
ضـــــد
1-    رئيس الجمهوريــة
2-    رئيس مجلس الوزراء
3-    رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية
الإجراءات
بتاريخ الرابع من شهر أكتوبر سنة 2012، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى، قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبًا للحكم بعدم دستورية نص المادة (68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
كما قدم المدعى عليه الثالث مذكرة، طلب فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن النيابة العامـة، كانت قد قدمت المُدعي وآخرين للمحكمة الجنائية - بناءً على طلب رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية -، في الجنحة رقم 177 لسنة 2009 جنح اقتصادية القاهرة، متهمة إياهم: بأنهم بتاريخ 21/4/2008 وبتاريخ سابق عليه، بدائرة قسـم قصر النيل، بمحافظة القاهرة: 1- حاولوا بطريق التدليس التأثير على سوق الأوراق المالية، بأن تلاعبوا في سعر سهم الشركة العقارية للبنوك الوطنية والتنمية؛ بأن قاموا بتنفيذ عمليات لا تؤدي إلى تغيير المستفيد الفعلي منها، ومتفق عليها مسبقًا، بقصد الإيحاء بوجود تعامل على تلك الورقة، ومحاولة السيطرة على الطلبات والعروض بالسوق على تلك الورقة، لخلق أسعار غير مبررة لها. 2- المتهم السابع (المُدعى): بصفته العضو المنتدب لشركة البحر المتوسط لتداول الأوراق المالية، اشترك بطريق الاتفاق والمساعدة مع باقي المتهمين في ارتكاب الجريمة موضوع الاتهام الأول، بأن قام عن شركته بتنفيذ العمليات التي تشكل تلك الجريمة، على النحو الوارد بالأوراق. وطلبت النيابة العامة عقابهم بالمادة (40/1،2) من قانون العقوبات، والمواد (63/6، 67، 68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، والمواد (243، 321 بند 1، 2، 7، 9، 12، 13، 15) من اللائحة التنفيذية لهذا القانون. وأثناء نظر تلك الجنحة بجلسة 25/10/2010، دفع الحاضر عن المدعي بعدم دستورية نص المادة (68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992. وبجلسة 11/6/2012 قررت المحكمة حجز الدعوى ليصدر فيها الحكم بجلسة 30/7/2012. وبتلك الجلسة قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة 7/9/2012. وبهذه الجلسة قررت المحكمة إعادة الدعوى للمرافعة بجلسة 8/10/2012، مع التصريح للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام المُدعي الدعوى الدستورية المعروضة بطلباته المتقدمة.

وحيث إن قانون سوق رأس المال الصـادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، الذى ارتكبت الواقعة التى تمت إحالة المدعى إلى المحاكمة الجنائية في 21/4/2008، في ظل العمل بسريان أحكامه، قبل تعديله بالقانون رقم 123 لسنة 2008 – المعمول به اعتبارًا من 10/6/2008 – كان ينص في المادة (63) منه على أنه "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد، منصوص عليها في أي قانون آخر، يعاقب بالحبس لمدة لا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه، ولا تزيد على مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين: ،........ 6- كل من عمل على قيد سعر غير حقيقي أو عملية صورية أو حاول بطريق التدليس التأثير على أسعار السوق ......". وبعد صدور القانون رقم 123 لسنة 2008 المشار إليه جرى النص على أنه "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد، منصوص عليها في أي قانون آخر، يعاقب بالحبس لمدة لا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه، ولا تزيد على عشرين مليون جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين: ،.......... 6- كل من عمل على قيد سعر غير حقيقي أو عملية صورية أو حاول بطريق التدليس التأثير على أسعار السوق ....".


وتنص المادة (67) من قانون سوق رأس المال المشار إليه، قبل استبدالها بالقانون رقم 123 لسنة 2008، على أن "مع عدم الإخلال بأى عقوبة أشد منصوص عليها في أى قانـون آخـر يعاقب بغرامـة لا تقـــل عن ألفى جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه كل من يخالف أحد الأحكام المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية لهذا القانون". وقد جرى استبدال هذا النص بمقتضى القانون رقم 123 لسنة 2008، ونص على أن "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد منصوص عليها في أى قانون آخر، يعاقب بغرامة لا تقل عن ألفى جنيه، ولا تزيد على مليون جنيه، كل من يخالف الأحكام المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
وتنص الفقـرة الأولى من المـادة (68) من القانون ذاته على أن "يعاقب المسئول عن الإدارة الفعلية بالشركة، بالعقوبات المقررة عن الأفعال التي ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون". وقد تم استبدال ذلك النص بموجب المادة الأولى من القانون رقم 17 لسنة 2018 بتعديل بعض أحكام قانون سوق رأس المال المشار إليه - المعمول به اعتبارًا من 15/3/2018 - ليصير : "يعاقب المسئول عن الإدارة الفعلية للشركة، بالعقوبات المقررة عن الأفعال التى ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون، متى ثبت علمه بها وكانت المخالفة قد وقعت بسبب إخلاله بواجباته الوظيفية".
وحيث إنه عن الدفع المبدى من الهيئة العامـــة للرقابة المالية بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة فإنه مردود؛ ذلك أن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكانت النيابـــة العامـة قد أحالت المدعى، مع آخرين، للمحاكمة الجنائية – بناء على طلب رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية – بوصف أنهم حاولوا بطريق التدليس التأثير على سوق الأوراق المالية، بأن تلاعبوا في سعر سهم الشركة العقارية للبنوك الوطنية والتنمية، بأن قاموا بتنفيذ عمليات لا تؤدى إلى تغيير المستفيد الفعلي منها، ومتفق عليها مسبقًا، بقصد الإيحاء بوجود تعامل على تلك الورقة، ومحاولة السيطــرة على الطلبــات والعروض على الورقة لخلق أسعار غير مبررة لها. وكذلك أن المدعى بصفته العضو المنتدب لشركة البحر المتوسط لتداول الأوراق المالية، اشترك بطريق الاتفاق والمساعدة مع باقى المتهمين في الجريمة موضوع الاتهام الأول بأن قام عن طريق شركته بتنفيذ العمليات التى تشكل تلك الجريمة، وذلك بالمخالفة للمادة (40/1،2) من قانون العقوبات، والمواد (63/6 و67 و68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، قبل استبداله بالقانون رقم 123 لسنة 2008، والقانون رقم 17 لسنة 2018، والمواد (243 و231 بند 1 و2 و7 و9 و12 و13 و15) من اللائحة التنفيذية لهذا القانون الصادرة بقرار وزير الاقتصاد رقم 135 لسنة 1993. وأثناء نظر الدعوى، دفع المدعى بعدم دستورية نص المادة (68) من هذا القانون، وقد قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية طعنًا عليه، وانحصرت فيه طلبات المدعى الختامية الواردة بصحيفة دعواه الدستورية المعروضة. ومن ثم، فإن نطاق الدعوى والمصلحة فيها يتحددان بما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، قبل استبداله بالقانون رقم 17 لسنة 2018، وذلك في مجال انطباق أحكامهـا على نصى المادتين (63/6، 67) من القانون ذاته – قبل استبدالهما - بالقانون رقم 123 لسنة 2008، وهو النص المؤثم للفعل المنسوب للمدعى ارتكابه، الذى قدم للمحاكمة الجنائية استنادًا إليه. ومن ثم، فإن الفصل في دستورية هذا النص، في حدود هذا النطاق سيكون له أثر مباشر، وانعكاس أكيد على موقف المدعى من الاتهام المسند إليه في الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيه، ولا تستطيل إلى غير ذلك من أحكـام. وترتيبًا على ما تقدم، يكون الدفع المبدى من الهيئة العامة للرقابة المالية بعدم قبول الدعوى فاقدًا سنده، متعينًا الالتفات عنه.
ولا ينال من ذلك سبق صدور حكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 107 لسنة 23 قضائية "دستورية" بجلسة 14/3/2015، القاضي برفض الدعوى – الذي نشر في العدد رقم 12 مكرر (ب) من الجريدة الرسمية بتاريخ 25/3/2015 -، والحكم الصادر في الدعوى رقم 186 لسنة 33 قضائية "دستورية" بجلسة 13/10/2018، القاضي برفض الدعوى - الذى نشر في العدد رقم 42 (مكرر) من الجريدة الرسمية بتاريخ 22/10/2018 - ذلك أن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التي كانت مثارًا للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسمًا بقضائها، أما ما لم يكن مطروحًا على المحكمة، ولم تفصل فيه بالفعل، فلا تمتد إليه تلك الحجية. متى كان ذلك، وكان الحكم الصادر في الدعوى الدستورية رقم 107 لسنة 32 قضائية، قد اقتصر على الفصل في دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (68) من القانون رقم 95 لسنة 1992 المشار إليه، في مجال انطباقه على نص الفقرة الأولى من المادة (65 مكررًا) من ذلك القانون، المضافة بالقانون رقم 143 لسنة 2004، وكان الحكم الصادر في الدعوى الدستورية رقم 186 لسنة 33 قضائية، قد اقتصر على الفصل في دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992 قبل استبداله بالقانون رقم 17 لسنة 2018، وذلك في مجال انطباقه على نص الفقرة الأولى من المادة (67) من ذلك القانون المستبدلة بالقانون رقم 123 لسنة 2008. ومن ثَمّ،َ فإن حجية هذين الحكمين تكون بدورها مقصورة على هذا النطاق وحده، ولا تمتد إلى ما يجاوز ذلك من أحكامهما. ليبقى نص الفقرة الأولى من المادة (68) من ذلك القانون، في حدود النطاق المتقدم، خارجًا عن إطار النص الصادر في شأنه الحكمين المتقدمين، وقابلاً للطرح على هذه المحكمة لتقول كلمتها فيه، بشأن مدى اتفاقه وأحكام الدستور.
كما لا يغير مما تقدم تعديل نصى المادتين (63/6، 67) من قانون سوق رأس المال المشار إليه بموجب القانون رقم 123 لسنة 2008، الذى شدد أولاهما عقوبة الغرامة على الفعل المنسوب للمدعى ارتكابه، برفع الحد الأقصى لها إلى عشرين مليون جنيه، مع إبقاء العقوبة السالبة للحرية على حالها، كما شدد ثانيهما الحد الأقصى لعقوبة الغرامة ليصير مليون جنيه. ولا ينال من ذلك كله إصدار المشرع القانون رقم 17 لسنة 2018 بتعديل بعض أحكام قانون سوق رأس المال المشار إليه، ومن بينها نص الفقرة الأولى من المادة (68) منه، متبنيًّا في تعديلها الأسس ذاتها التي اعتنقتها هذه المحكمة عند بيانها لمقتضى أحكام ذلك النص، الذى ضمنته مدونات حكمها الصادر في الدعوى رقم 107 لسنة 32 قضائية "دستورية" الآنف الذكر، والذى عينت فيه قواعد وضوابط المسئولية الجنائية للمسئول عن الإدارة الفعلية، وأسست عليه قضاءها برفض الدعوى، فأوجبت أن يكون ممن يعهد إليهم بقسط من نشاط الشركة يمارسه نيابة عنها، ويرتبط بتنفيذ الالتزام القانوني الذى فرضه المشرع على الشركة، واعتبر الإخلال به جريمة مؤثمة قانونًا، وهو يسأل عن فعله شخصيًّا، ولو كان ارتكابه الجريمة قد تم باسم الشركة ولحسابها ولمصلحتها وباستخدام إحدى وسائلها، وبحيث لا تتحقق المسئولية الجنائية عن الجريمة في هذه الحالة إلا بتوافر أركانها، التى تلتزم سلطة الاتهام بإثباتها كاملة في حقه، وبذلك أتى النهج الذى سلكه المشرع بالنص بعد التعديل المذكور، مواكبًا لذات أسس المسئولية الجنائية وعناصرها وأركانها للمسئول عن الإدارة الفعلية التى أوضحها وكشف عنها حكم المحكمة الدستورية العليا على النحو المتقدم ذكره. وعلى ذلك، لم يأت النص بعد استبداله بأحكام جديدة تخالف في مضمونها ومحتواها الحقيقي ما قرره النص المطعون فيه قبـــل استبداله بالنص الجديد. ومن جانب آخر، فقد شددت التعديلات التى جرت على نصى المادتين (63/6، 67) من قانون سوق رأس المال من عقوبة الغرامة على الأفعال المؤثمة بها، مما لا تُعد معه قانونًا أصلح للمتهم. ومن ثم، يظل المدعى مخاطبًا بنص المادة (68) من قانون سوق رأس المال المشار إليه في حدود نطاقه المتقدم.

وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه - في حدود النطاق المار ذكره - مخالفته نصوص المواد (41، 66، 67، 86، 165) من دستور سنة 1971، قولاً منه إنه يخل بمبدأى شخصية العقوبة، وشخصية المسئولية الجنائية، لافتراضه مسئولية القائم بالإدارة الفعلية للشركة عن الأفعال التى ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون، وتحميله تبعة جريمة ارتكبها غيره، بما يمثل افتئاتًا على اختصاص السلطة القضائية، ويحول دون ممارستها الحق في التثبت من ارتكاب المسئول عن الإدارة الفعلية بالشركة للجريمة، فضلاً عما يمثله ذلك من مساس بالحرية الشخصية، وإنكار لأصل البراءة.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الرقابة التى تباشرها على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها القواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، ذلك أن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون هذا الدستور وحمايته من الخروج على أحكامه؛ لكون نصوصه تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة، وكان النص المطعون فيه في الإطار المار ذكره مازال ساريًا ومعمولاً بأحكامه، ومن ثَمَّ فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على دستوريته من خلال أحكام الدستور الصادر سنة 2014، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
      وحيث إنه في خصوص ما ينعاه المدعى على النص المطعون فيه - في حدود نطاقه المتقدم - إخلاله بمبدأي شخصية العقوبة، والمسئولية الجنائية، ومساسه بالحرية الشخصية، فإنه مردود؛ ذلك أن المقرر أن الدستور في اتجاهه إلى ترسم النظم المعاصرة، ومتابعة خطاها والتقيد بمناهجها التقدمية؛ نص في المادة (95) على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون الذى ينص عليها، وكان الدستور قد دل بهذه المادة على أن لكل جريمة ركنًا ماديًّا لا قـوام لها بغيره، يتمثل أساسًا في فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابي، مفصحًا بذلك عن أن ما يركن إليه القانون الجنائي ابتداء، في زواجره ونواهيه، هو مادية الفعل المؤاخذ على ارتكابه، إيجابيًّا كان هذا الفعل أم سلبيًّا، ذلك أن العلائق التى ينظمها هذا القانون في مجال تطبيقه على المخاطبين بأحكامه، محورها الأفعال ذاتها، في علاماتها الخارجية ومظاهرها الواقعية، وخصائصها المادية، إذ هى مناط التأثيم وعلته، وهى التى يتصور إثباتها ونفيها، وهى التى يتم التمييز على ضوئها بين الجرائم بعضها البعض، وهى التى تديرها محكمة الموضوع على حكم العقل لتقييمها وتقدير العقوبة المناسبة لها، بل إنه في مجال تقدير توافر القصد الجنائى، فإن محكمة الموضوع لا تعزل نفسها عن الواقعة محل الاتهام التى قام الدليل عليها قاطعًا واضحًا، ولكنها تجيل بصرها فيها منقبة من خلال عناصرها عما قصد إليه الجانى حقيقة من وراء ارتكابها، ومن ثَمَّ تعكس هذه العناصر تعبيرًا خارجيًّا وماديًّا عن إرادة واعية، ولا يتصور بالتالي وفقًا لأحكام الدستور أن توجد جريمة في غيبة ركنها المادى، ولا إقامة الدليل على توافر علاقة السببية بين مادية الفعل المؤثم، والنتائج التى أحدثها بعيدًا عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه، ولازم ذلك أن كل مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية - وليس النوايا التى يضمرها الإنسان في أعماق ذاته - تعتبر واقعة في منطقة التجريم كلما كانت تعكس سلوكًا خارجيًّا مؤاخذًا عليه قانونًا، فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها، وتم التعبير عنها خارجيًّا في صور مادية لا تخطئها العين، فليس ثمة جريمة.
      وحيث إن الأصل في الجرائم، أنها تعكس تكوينًا مركّبًا، باعتبار أن قوامها تزامنًا بين يد اتصل الإثم بعملها، وعقل واع خالطها ليهيمن عليها محددًا خطاها، متوجهًا إلى النتيجة المترتبة على نشاطها؛ ليكون القصد الجنائي ركنًا معنويًّا في الجريمة مُكملاً لركنها المادي، ومتلائمًا مع الشخصية الفردية في ملامحها وتوجهاتها. وهذه الإرادة الواعية هي التي تتطلبها الأمم المتحضرة في مناهجها في مجال التجريم بوصفها ركنًا في الجريمة، وأصلاً ثابتًا كامنًا في طبيعتها، وليس أمرًا فجًّا أو دخيلاً مقحمًا عليها أو غريبًا عن خصائصها. ذلك أن حرية الإرادة تعنى حرية الاختيار بين الخير والشر، ولكلٍ وجهة هو مُوَلِّيها، لتنحل الجريمة - في معناها الحق - إلى علاقة ما بين العقوبة التى تفرضها الدولة بتشريعاتها، والإرادة التى تعتمل فيها تلك النزعة الإجرامية التي يتعين أن يكون تقويمها ورد آثارها، بديلاً عن الانتقام والثأر المحض من صاحبها. وغدا أمرًا ثابتًا - وكأصل عام - ألا يجرم الفعل ما لم يكن إراديًّا قائمًا على الاختيار الحر، ومن ثَمَّ كان مقصودًا. ولئن جاز القول بأن تحديد مضمون تلك الإرادة وقوفًا على ماهيتها، مازال أمرًا عسرًا، إلا أن معناها - بوصفها ركنًا معنويًّا في الجريمة - يدور بوجه عام حول النوايا الإجرامية، أو الجانحة، أو النوازع الشريرة المدبرة، أو تلك التى يكون الخداع قوامها، أو التي تتمحض عن علم بالتأثيم، مقترنًا بقصد اقتحام حدوده، لتدل جميعها على إرادة إتيان الفعل بغيًا.
وحيث إن الجريمة في مفهومها القانونى - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - تتمثل في الإخلال بنص عقابى، وأن وقوعها لا يكون إلا بفعل أو امتناع يتحقق به هذا الإخلال، وأن الأصل في الجريمة أن عقوبتها لا يتحمل بها إلا من أدين كمسئول عنها، وهى عقوبة يجب أن تتوازن وطأتها مع طبيعة الجريمة وموضوعها، بما مؤداه أن الشخص لا يزر غير سوء عمله، وأن جريرة الجريمة لا يؤاخذ بها إلا جناتها، ولا ينال عقابها إلا من قارفها، وأن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها مرتبطان بمن يُعد قانونًا مسئولاً عن ارتكابها، ومن ثَمَّ تفترض شخصية العقوبة شخصية المسئولية الجنائية، بما يؤكد تلازمهما، ذلك أن الشخص لا يكون مسئولاً عن الجريمة ولا تفرض عليه عقوبتها إلا باعتباره فاعلاً لها أو شريكًا فيها، وهو ما يعبر عن العدالة الجنائية في مفهومها الحق.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان المشرع قد أثّم بالمادة (63/6) من قانون سوق رأس المال، قبل استبدالها بالقانون رقم 123 لسنة 2008، القيام بقيد سعر غير حقيقي، أو عملية صورية، أو المحاولة بطريق التدليس التأثير في أسعار السوق، وعَدَّ تلك الجريمة جنحة معاقبًا عليهـا بالحبس لمدة لا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه، ولا تزيد على مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين. كما اعتبرت المادة (67) من هذا القانون، قبل استبدالها بالقانون رقم 123 لسنة 2008، مخالفة أحكام اللائحة التنفيذية لقانون سوق رأس المال جريمة يعاقب عنها بعقوبة الغرامة بحديها الأدنى والأقصى المقررين بمقتضى هذا النص، ويسأل عن هذه الجرائم المسئول عن الإدارة الفعلية للشركة إعمالاً لنص الفقرة الأولى من المادة (68) من القانون ذاته، والذى يجب دومًا أن يكون من الأشخاص الذين يُعهد إليهم بقسط من نشاط الشركة يمارسه نيابة عنها، ويرتبط بتنفيذ الالتزام القانونى الذى فرضه المشرع عليها، وجعل الإخلال به جريمة - حرصًا منه على التزام الشركات العاملة في سوق رأس المال بالضوابط التشريعية؛ صونًا لحقوق عملائها، وبما ينعكس إيجابًا على العمل بسوق رأس المال - ليكون مناط مسئوليته عن هذه الجريمة ثبوت مسئوليته عن الإدارة الفعلية للشركة، في حدود الصلاحيات الممنوحـة له، وهو يسأل عن فعله شخصيًّا، ولو كان ارتكابه للجريمة قد تم باسم الشركة ولحسابها ولمصلحتها وباستخدام إحدى وسائلها، دون أن يقيم النص المشار إليه مسئوليته عن فعل الغير، أو يقرر مسئوليته عن الجريمة المنسوب إليه ارتكابها خارج نطاق الاختصاص والسلطة المعهود له بمباشرتها نيابة عن الشركة، ذلك أن الجريمة لا تقوم بحقه إلا بتوافر أركانها، والتي يتعين دومًا على سلطة الاتهام إثباتها كاملة، وبذلك يتحقق توافق قواعد المسئولية الجنائية التي نصت عليها المادة (68) المطعون عليها مع مبدأ شخصية العقوبة، على نحو يصون الحرية الشخصية .
وحيث إنه بشـأن ما نعاه المدعى على نص المادة (68) من القانون المشار إليه - في حدود نطاقه المتقدم - من إخلاله بأصل البراءة، ومساسه بمبدأ استقلال السلطة القضائية، فمن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور إذ نص في المادة (96) منه على أن: "المتهم برىء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه"، فمؤدى ذلك أن ضوابط المحاكمة المنصفة - التى عناها الدستور في هذه المادة - تتمثل في مجموعة من القواعد المبدئية، التي تعكس مضامينها نظامًا متكامل الملامح، يتوخى بالأسس التي يقوم عليها، صون كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية، ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها، وذلك انطلاقًا من إيمان الأمم المتحضرة بحرمة الحياة الخاصة، وبوطأة القيود التي تنال من الحرية الشخصية التى عَدَّها الدستور من الحقوق الطبيعية الكامنة في النفس البشرية، فلا تنفصل عنها عدوانًا، ولضمان أن تتقيد الدولة - عند مباشرتها لسلطاتها في مجال فرض العقوبة صونًا للنظام الاجتماعي - بالأغراض النهائية للقوانين العقابية، التى ينافيها أن تكون إدانة المتهم هدفًا مقصودًا لذاته، أو أن تكون القواعد التى تتم محاكمته على ضوئها مصادمة للمفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة، بل يتعين أن تلتزم هذه القواعد مجموعة من القيم التى تكفل لحقوق المتهم الحد الأدنى من الحماية، التى لا يجوز النزول عنها أو الانتقاص منها، ويندرج تحت هذه القواعد أصل البراءة كقاعدة أولية تفرضها الفطرة، وتوجبها حقائق الأشياء، وهى بعد قاعدة حرص الدستور القائم على إبرازها في المادة (96) منه.
وحيث إن افتراض البراءة لا يتمحض عن قرينة قانونية، ولا هو من صورها، ذلك أن القرينة القانونية تقوم على تحويل للإثبات من محله الأصلي - ممثلاً في الواقعة مصدر الحق المدعى به - إلى واقعة أخرى قريبة منها متصلة به، وهذه الواقعة البديلة هى التى يُعَدُّ إثباتها إثباتًا للواقعة الأولى بحكم القانون. وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى البراءة التى افترضها الدستور، فليس ثمة واقعة أحلها الدستور محل واقعة أخرى، وأقامها بديلاً عنها، وإنما يُؤسس افتراض البراءة على الفطرة التى جبل الإنسان عليها، فقد ولد حرًا مبرءاً من الخطيئة أو المعصية، ويفترض على امتداد مراحل حياته أن أصل البراءة مازال كامنًا فيه، مصاحبًا له فيما يأتيه من أفعال، إلى أن تنقض محكمة الموضوع بقضاء جازم بات لا رجعة فيه هذا الافتراض، على ضوء الأدلة التى تقدمها النيابة العامة مثبتة بها الجريمة التى نسبتها إليه في كل ركن من أركانها، وبالنسبة إلى كل واقعة ضرورية لقيامها، بما في ذلك القصد الجنائى بنوعيه إذا كان متطلبا فيها، وحق المتهم في مواجهة الشهود الذين قدمتهم النيابة العامة إثباتًا للجريمة، والحق في دحض أقوالهم وإجهاض الأدلة التى طرحتها بأدلة النفى التى يعرضها، وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة،إذ هو من الركائز التى يستند إليها مفهوم المحاكمة المنصفة التى كفلها الدستور، ويعكس قاعدة مبدئية تُعَدُّ في ذاتها مستعصية على الجدل، واضحة وضوح الحقيقة ذاتها، تقتضيها الشرعية الإجرائية، ويُعَدُّ إنفاذها مفترضًا أوليًّا لإدارة العدالة الجنائية، ويتطلبها الدستور لصون الحرية الشخصية في مجالاتها الحيوية، وليوفر من خلالها لكل فرد الأمن في مواجهة التحكم والتسلط والتحامل، بما يحول دون اعتبار واقعة تقوم بها الجريمة ثابتة بغير دليل، وبما يرد المشرع عن افتراض ثبوتها بقرينة قانونية ينشئها.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور إذ اختص بموجب المادة (101) منه السلطة التشريعية بسن القوانيـن، كما نص في المادتيــن (184، 188) منه على استقلال السلطة القضائية، واختصاصها بالفصل في المنازعات والجرائم، فإن لازم ذلك أن اختصاص السلطة التشريعية بسن القوانين لا يخولها التدخل في أعمال أسندهــــا الدستور للسلطة القضائية وقصرها عليهـا، وإلا كان هذا افتئاتًا على عملها، وإخلالاً بمبدأ الفصل بين السلطات. وعلى ذلك، فإن الاختصاص المقرر دستوريًا للسلطة التشريعية في مجال إنشاء الجرائم وتقرير عقوباتها، لا يخولها التدخل بالقرائن التى تنشئها لغل يد المحكمة الجنائية عن القيام بمهمتها الأصلية في مجال التحقق من قيام أركان الجريمة التى عينها المشرع.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان نص الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال المطعون فيه، في حدود النطاق الذى تطرحه الدعوى المعروضة، ألقى على عاتق المسئول عن الإدارة الفعلية للشركة المسئولية الجنائية عن ارتكاب الجرائم المشار إليها، وقرن ثبوتها في حقه بثبوت مباشرته الإدارة الفعلية المتعلقة بتنفيذ الالتزام القانونى، الذى عَدَّ المشرع الإخلال به جريمة، ولم يعف النيابة العامة من واجب إقامة الدليل على ثبوت أركان الجريمة في حقه، بما في ذلك ثبوت قيامه بالإدارة الفعلية، كما لم يحل بينه ونفى عناصر الاتهام جميعها بكافة طرق ووسائل الإثبات القانونية في شتى الدعاوى الجنائية. وعلى ذلك، فإن النص المطعون فيه - محددًا نطاقه على النحو المتقدم - يكون قد جاء خلوًا من أى قرينة قانونية تعارض أصـل البراءة، ومن ثَمَّ فإن أحكامه تكون مبرأة من قالة الإخلال بأصل البراءة، أو المساس باستقلال السلطة القضائية.
وحيث إن النص المطعـون فيه لا يتعارض مع أى نص آخر من نصوص الدستور، الأمر الذى يتعين معه القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى بالمصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماه.

عدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا بالفصل في تعارض نصين جمعهما قانون واحد أو تفرقا بين قانونين مختلفين

الدعوى رقم 154 لسنة 32 ق "دستورية" جلسة 2 / 11 / 2019

 باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من نوفمبر سنة 2019م، الموافق الخامس من ربيع أول سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو    رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبدالجواد شبل وطارق عبد العليم أبو العطا   نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع         أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 154 لسنة 32 قضائية "دستورية".
المقامة من
محمود محمد محمود الحفناوى
ضــــد
1- رئيس الجمهوريـــــــة
2- رئيس مجلس الشعـب (النواب حاليًا)
3- وزير العــــــــدل
4- رئيس مجلس الوزراء



الإجـراءات
بتاريخ الرابع عشر من أغسطس سنة 2010، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبًا للحكم بعدم دستورية نص المادة (418) من قانون الإجراءات الجنائية فيما تضمنته من الإحالة إلى نص المادة (401) من القانون ذاته.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرتين، طلبت فيهما الحكم أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمــــة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
      حيث إن الوقائع تتحصل – حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن النيابة العامة كانت قد قدمت المدعى للمحاكمة الجنائية في الدعوى رقم 3178 لسنة 2003 جنح قسم السيدة زينب، وطلبت عقابه بالمادة (340) من قانون العقوبات. وإذ صدر حكم تلك المحكمة بإدانته فقد طعن عليه بالاستئناف المقيد برقم 559 لسنة 2004 أمام محكمة مستأنف جنح السيدة زينب، التي قضت ببراءة المدعى مما أُسند إليه. طعنت النيابة العامة، والمدعى بالحق المدني في الحكم المستأنف بالنقض المقيد برقم 56207 لسنة 76 قضائية، فقضت محكمة استئناف القاهرة – دائرة طعون النقض – بنقض الحكم وإعادة الدعوى إلى محكمة مستأنف جنح السيدة زينب لنظرها أمام دائرة أخرى. وبجلسة 23/11/2009 قضت محكمة الإعادة غيابيًّا بقبول الاستئناف شكلاً، وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. لم يلق الحكم المذكور قبولاً من المدعى فطعن عليه بالمعارضة الاستئنافية، وطلب من هيئة المحكمة التنحي عن نظر المعارضة لسبق إبدائها الرأي في موضوع القضية بموجب حكمها الغيابي سالف الإشارة إليه، إلا أنها مضت في نظر الدعوى، مما حدا به إلى طلب رد رئيس الدائرة المنظور أمامها معارضته الاستئنافية، وقيد طلب الرد برقم 128 لسنة 127 قضائية، أمام محكمة استئناف القاهرة. تدوول طلب الرد بالجلسات، وطلب المدعى التصريح له بإقامة الدعوى الدستورية طعنًا على نص المادة (418) من قانون الإجراءات الجنائية بما تضمنته من الإحالة إلى نص المادة (401) من القانون ذاته؛ لمخالفتهما للمادة (67) من دستور ،1971 والمادة (247) من القانون المار ذكره. وبجلسة 9/6/2010 صرحت المحكمة التى تنظر طلب الرد للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة.
      وحيث إن نص المادة (401) من قانون الإجراءات الجنائية يجرى على أن "يترتب على المعارضة إعادة نظر الدعوى بالنسبة إلى المعارض أمام المحكمة التي أصدرت الحكم الغيابي، ولا يجوز بأية حال أن يضار المعارض بناءً على المعارضة المرفوعة منه.
      ومع ذلك إذا لم يحضر المعارض في أي من الجلسات المحددة لنظر الدعوى تعتبر المعارضة كأن لم تكن، ويجوز للمحكمة في هذه الحالة أن تحكم عليه بغرامة إجرائية لا تجاوز مائة جنيه في مواد الجنح ولا تجاوز عشرة جنيهات في مواد المخالفات، ولها أن تأمر بالنفاذ المؤقت ولو مع حصول الاستئناف بالنسبة للتعويضات المحكوم بها، وذلك حسب ما هو مقرر بالمادة (467) من هذا القانون.
      ولا يقبل من المعارض بأي حال المعارضة في الحكم الصادر في غيبته، وللمحكمة في هذه الحالة أن تحكم عليه بغرامة إجرائية لا تقل عن خمسين جنيهًا ولا تجاوز مائتى جنيه في مواد الجنح ولا تقل عن عشرة جنيهات ولا تجاوز عشرين جنيهًا في مواد المخالفات".
وتنص المادة (418) من القانون المار ذكره على أن "يتبع في الأحكام الغيابية والمعارضة فيها أمام المحكمة الاستئنافية ما هو مقرر أمام محاكم أول درجة".
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه إذ وسد لقاضى المعارضة الاستئنافية الذي شارك في إصدار الحكم الغياب المعارض فيه، أن يفصل في المعارضة ذاتها مجددًا، فإن ذلك النص – حسبما ارتأى المدعى - يكون مخالفًا لنصي المادتين (67، 68) من دستور 1971؛ لإخلاله بأصل البراءة، وحيدة القضاء، وإهداره حق الدفاع وضمانات المحاكمة المنصفة، فضلاً عن تعارضه مع نص المادة (247) من قانون الإجراءات الجنائية.

وحيث إن هذا النعي في وجهه الأخير مردود بأن الرقابة القضائية التي تُباشرها هذه المحكمة في شأن دستورية النصوص القانونية، على ما جرى به قضاؤها، مناطها مخالفة تلك النصوص لقاعدة تضمنها الدستور؛ ولا شأن لها بالتعارض بين نصين قانونيين جمعهما قانون واحد أو تفرقا بين قانونين مختلفين، ما لم يكن هذا التعارض منطويًّا – بذاته – على مخالفة دستورية.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية، وهى شرط لقبولها، مناطها – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، ويستوى في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة. والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحرى شرط المصلحة في الدعوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها، فإذا لم يكن للفصل في دستورية النصوص المطعون عليها انعكاس على النزاع الموضوعي، فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة. هذا؛ ويجب أن تتوافر المصلحة ليس فقط وقت رفع الدعوى الدستورية، وإنما يتعين أن تظل قائمة حتى الفصل فيها.
متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع يتحدد في طلب المدعى رد رئيس دائرة محكمة الجنح المستأنفة التي تنظر معارضته الاستئنافية في الدعوى المقيدة برقم 559 لسنة 2004 مستأنف جنح السيدة زينب، المقامة منه طعنًا على الحكم الغيابي الاستئنافي الصادر منها بجلسة 23/11/2009، على سند من سبق نظر القاضي المطلوب رده للدعوى ذاتها، وإبدائه رأيًّا فيها، على نحو يفقده صلاحيته لنظرها. إذ كان ما تقدم، وكان الثابت بالأوراق أنه بتاريخ 30/1/2014 قُضى في المعارضة الاستئنافية المقيدة برقم 559 لسنة 2004 جنح مستأنف السيدة زينب – بهيئة مغايرة لهيئة المحكمة المطلوب رد رئيسها– ببراءة المدعى ورفض الدعوى المدنية، ولم تطعن النيابة العامة على ذلك الحكم بالنقض، ومن ثم فقد تحققت للمدعى غايته من طلب الرد؛ بحجب رئيس الدائرة التي أصدرت الحكم الاستئنافي الغيابي عن نظر المعارضة فيه، وامتناع معاودته الاتصال بالدعوى المستأنفة بعد انقضائها عملاً بمفهوم الموافقة لنصى المادتين (454، 455) من قانون الإجراءات الجنائية، بما مؤداه زوال مصلحة المدعى في الطعن على النص المطعون فيه، وهو ما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى.