الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 29 يونيو 2022

الطعن رقم 71 لسنة 41 ق دستورية عليا " دستورية " جلسة 4 / 6 / 2022

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من يونيه سنة 2022م، الموافق الرابع من ذى القعدة سنة 1443 هـ.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمى إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيـم سليم ومحمـــود محمـــد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور / عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 71 لسنة 41 قضائية دستورية.

المقامة من
عزة محمد تاج الدين، رئيس الإدارة المركزية للموارد المائية والرى بمحافظة أسيوط - بالمعاش
ضد
1 - رئيس الجمهوريـــة
2 - وزير الموارد المائية والرى
3 - رئيس الإدارة المركزية للموارد المائية والرى بمحافظة أسيوط
4 - مدير الإدارة العامة للري بأسيوط

-----------------

" الإجراءات "

بتاريخ الحادي والعشرين من أكتوبر سنة 2019، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستورية المادة (6) من قرار رئيس الجمهورية رقم 2095 لسنة 1969 بتنظيم شروط وقواعد انتفاع العاملين المدنيين بالدولة بالمساكن الملحقة بالمرافق والمنشآت الحكومية، فيما نصت عليه من أن تعطى للمنتفع الذى زال سبب انتفاعه لأى سبب من الأسباب مهلة لا تجاوز ستة شهور لإخلاء الوحدة السكنية التى يشغلها .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أصليًّــا: بعدم قبول الدعوى. واحتياطيًّــا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
-----------------

" المحكمة "

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - فى أن المدعية كانت قد أقامت الدعوى رقم 19306 لسنة 29 قضائية، أمام محكمة القضاء الإداري بأسيوط، ضد المدعى عليهم، عدا الأول، طالبة الحكم، بصفة مستعجلة: وقف تنفيذ القرار رقم 46 لسنة 2017، الصادر بإخلائها من وحدة السكن الإدارى التى تقيم فيها، وفى الموضوع، أصليًّــا: بإلغاء ذلك القرار، واعتبار الترخيص لها بالانتفاع والإقامة فى تلك الوحدة ممنوحًــا لها مجددًا من تاريخ إحالتها للتقاعد، وما يترتب على ذلك من آثار، واحتياطيًّــا: بإلزام المدعى عليهما الثانى والثالث بعدم التعرض لها، لحين توفيرهما سكنًــا ملائمًــا لها وأسرتها. وذلك على سند من القول بأنه بمناسبة عملها بالإدارة المركزية للموارد المائية والرى بمحافظة أسيوط، رخصت لها جهة عملها بالإقامة فى إحدى وحدات السكن الإدارى الكائن بمحافظة أسيوط، التابعة لوزارة الموارد المائية والرى، واستمرت فى الانتفاع بتلك الوحدة حتى تاريخ بلوغها سن التقاعد فى سنة 2017، لقاء المقابل المحدد بنسبة 10% من راتبها الأساسى، وبعد إحالتها للتقاعد، قامت بسداد الزيادة التى تقررت على هذا المقابل. وبتاريخ 3/ 10/ 2017، صدر القرار رقم 46 لسنة 2017، من الإدارة المركزية للموارد المائية والرى بمحافظة أسيوط، بإخلائها من تلك العين، استنادًا لقرار رئيس الجمهورية رقم 2095 لسنة1969 المار ذكره، فأقامت دعواها الموضوعية طعنًــا على قرار الإخلاء، وحال نظر الدعوى بجلسة 25/ 9/ 2019، قدمت مذكرة، ضمنتها دفعًا بعدم دستورية المادة (6) من قرار رئيس الجمهورية المشار إليه، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت لها بإقامة الدعوى الدستورية، فأقامت الدعوى المعروضة.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى، لاتحاد موضوع الدعويين الموضوعية والدستورية، إذ اقتصرت طلبات المدعية فى مذكرة دفاعها المقدمة لمحكمة الموضوع بجلسة 25/ 9/ 2019، على الدفع بعدم دستورية النص المطعون فيه، دون أن تضمن تلك المذكرة طلبًــا موضوعيًّــا، فمردود، بأن من المقرر أن اتحاد الدعويين الموضوعية والدستورية شرطه اتحاد هاتين الدعويين فى محلهما، بحيث لا يكون أمام محكمة الموضوع ما تجيل فيه بصرها، بعد أن تفصل المحكمة الدستورية العليا فى دستورية النصوص التشريعية المطعون فيها، سواء بتقرير صحتها أو بطلانها، ولا يكون ذلك إلا إذا كانت الدعوى الموضوعية والدعوى الدستورية تتوجهان فى جميع جوانبهما لغاية واحدة ومسألة وحيدة ينحصر فيها موضوعهما، هى الفصل فى دستورية النصوص التشريعية المطروحة عليهما. متى كان ذلك، وكانت الطلبات المطروحة على محكمة الموضوع، تنصب على طلب أصلى بوقف تنفيذ ثم إلغاء القرار رقم 46 لسنة 2017 الصادر من الجهة الإدارية، والمتضمن إخلاء المدعية من وحدة السكن الإدارى الذى تقيم فيه، واعتبار الترخيص لها بالإقامة والانتفاع ممنوحًــا لها مجددًا من تاريخ إحالتها للتقاعد، وطلب احتياطـــى بعـــدم التعرض لهـــا لحيـــن توفيـــر المسكـــن الملائــم لهـــا ولأسرتها، وهى الطلبات التى لاتزال مطروحة على محكمة الموضوع، وإذ خلت أوراق الدعوى الموضوعية من تنازل المدعية عن طلباتها، ومن ثم فإن الفصـــل فى دستورية قـــرار رئيس الجمهورية المطعون فيه، لا يُعد فصلاً فى الطلبات المطروحة على محكمة الموضوع، ولا يترتب عليه استنفاد تلك المحكمة ولايتها فى الفصل فى طلبات المدعية المرددة أمامها، مما يتعين معه الالتفات عن هذا الدفع.
وحيث إن المادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية رقم 2095 لسنة 1969 بتنظيم شروط وقواعد انتفاع العاملين المدنيين بالدولة بالمساكن الملحقة بالمرافق والمنشآت الحكومية - قبل إلغائه بقرار رئيس الجمهورية رقم 351 لسنة 2021 - كانت تنص على أن يُعمل بالقواعد المرافقة فى شأن تنظيم انتفاع العاملين المدنيين بالحكومة ووحدات الإدارة المحلية بالمساكن الملحقة بالمرافق والمنشآت الحكومية.
ونصت المادة (1) من تلك القواعد على أن يتم حصر الوحدات السكنية الموجودة بكل وزارة، والمخصصة لإقامة العاملين فيها أو الملحقة بمبانيها، وما تشتمل عليه فى سجلات تُعد لهذا الغرض.
ويتم شغل العامل للوحدة السكنية بقرار من الجهة التى يتبعها، تحدد فيه معاملته المالية ونسبة الخصم من راتبه، وتحديد ما إذا كان ممن تقضى مصلحة العمل بإقامته فيها أو ممن يشغلها بالترخيص.
ونصت المادة (2) من تلك القواعد على أن يتم شغل الوحدة السكنية بإيجار المثل بما لا يجاوز (10%) من ماهيته الأصلية إذا كان ممن تقضى مصلحة العمل بإقامته فيها، وبما لا يجاوز (15%) من هذه الماهية إذا كان مرخصًــا له فى السكن بها .
وبينت المادة (3) أسس محاسبة المنتفع عن مقابل استهلاك المياه والكهرباء دون أن تتحمل الدولة أية أعباء نظير هذا الاستهلاك.
ونصت المادة (4) على أن يجوز بقرار من الوزير المختص، بعد أخذ رأى الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، ووزارة الخزانة، إعفاء العاملين الذين تقتضى مصلحة العمل إقامتهم بالمسكن من مقابل الانتفاع بالوحدة السكنية ومن مقابل استهلاك النور والمياه وغير ذلك، فى أى من الحالات الآتية:
( أ ) إذا كانت الوحدة السكنية أعدت لترغيب العاملين فى العمل بجهات معينة.
(ب) إذا كانت الوحدة السكنية ببلد ناء أو لا تتوافر فيه وسائل المعيشة المعتادة.
(ج) عند عدم وجود مساكن غير حكومية صالحة للإقامة بها.
( د) إذا كان راتب العامل لا يجاوز 15 جنيهًــا شهريًّــا .
ونصت المادة (6) على أن تعطى للمنتفع الذى زال سبب انتفاعه لأى سبب من الأسباب مهلة لا تجاوز ستة شهور لإخلاء الوحدة السكنية التى يشغلها.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يقوم ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسألة الدستورية لازمًــا للفصل فى الطلبات الموضوعيـة المرتبطـــة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعى تدور رحاه حول طلب المدعية القضاء أصليًّـا: بوقف تنفيذ ثم إلغاء القرار رقم 46 لسنة 2017، الصادر بتاريخ 3/ 10/ 2017، من الإدارة المركزية للموارد المائية والرى بمحافظة أسيوط، بإخلاء المدعية من السكن الإدارى السابق تخصيصه لها من جهة عملها للإقامة فيه، بعد أن انتهت صفتها الوظيفية، وطلب المدعية اعتبار الترخيص لها بالإقامة فى ذلك السكن ممنوحًــا لها مجددًا من تاريخ إحالتها للتقاعد، واحتياطيًّــا: عدم التعرض لها لحين توفير جهة الإدارة سكنًــا ملائمًــا بديلاً لها ولأسرتها، وكان قرار الإخلاء المشار إليه قد استند إلى قرار رئيس الجمهورية رقم 2095 لسنة 1969 بتنظيم شروط وقواعد انتفاع العاملين المدنيين بالدولة بالمساكن الملحقة بالمرافق والمنشآت الحكومية، الذى نص فى المادة (6) من القواعد المشار إليها على إعطاء المنتفع الذى زال سبب انتفاعه لأى سبب من الأسباب، مهلة لا تجاوز ستة شهور لإخلاء الوحدة السكنية التى يشغلها، ومن ثم فإن الفصل فى دستورية نص تلك المادة يرتب انعكاسًــا أكيدًا وأثرًا مباشرًا على الطلبات فى الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها، وتتوافر للمدعية مصلحة شخصية ومباشرة فى الطعن على دستوريته، ويتحدد فيه - وحده - نطاق الدعوى المعروضة.
ولا ينال من توافر المصلحة فى الدعوى المعروضة، إلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 2095 لسنة 1969 المشار إليه، بموجب المادة السابعة عشرة من قراره رقم 351 لسنة 2021 بتنظيم شروط وقواعد انتفاع العاملين المدنيين بالدولة بالمساكن الملحقة بالمرافق والمنشآت الحكومية، الذى تناول تنظيم المسائل ذاتها التى اشتمل عليها القرار الملغى، ونصت المادة الثامنة عشرة منه على أن يُعمل بأحكامه اعتبارًا من 1/ 7/ 2021، ومن ثم لا يخل بجريان الآثار التى رتبها القرار السابق عليه، خلال الفترة التى ظل فيها قائمًــا، إذ جرى قضاء هذه المحكمة على أن إلغاء النص التشريعى المطعون فيه لا يحول دون النظر والفصل فى الطعن بعدم الدستورية من قبل من طبق عليهم، خلال فترة نفاذه، وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة إليهم، وبالتالى توافرت لهم مصلحة شخصية فى الطعن بعدم دستوريته، ذلك أن الأصل فى القاعدة القانونية هو سريانها اعتبارًا من تاريخ العمل بها، على الوقائع التى تتم فى ظلها، وحتى إلغائها، فإذا أحل المشرع محلها قاعدة قانونية جديدة، تعين تطبيقها اعتبارًا من تاريخ نفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد مجال سريان كل من القاعدتين من حيث الزمان، فما نشأ مكتملاً من المراكز القانونية - وجودًا وأثرًا - فى ظل القاعدة القانونية القديمة، يظل محكومًــا بها وحدها، وما نشأ من مراكز قانونية ، وترتبت أثاره فى ظل القاعدة القانونية الجديدة، يخضع لهذه القاعدة وحدها.
وحيث إن المدعية تنعى على النص المطعون فيه - فى النطاق السالف تحديده - مخالفة الالتزام المقرر بنص المادة (78) من الدستور، الذى يقضى بأن تكفل الدولة للمواطنين الحق فى المسكن الملائم والآمن والصحى، بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية، وذلك بحرمانه العاملين المخصص لهم وحدات سكن إدارى من جهة عملهم، من الإقامة فيها بعد إحالتهم للتقاعد، ودون أن توفر لهم مسكنًــا بديلاً، معرضًــا حقهم فى الحياة للخطر، هم ومن يعولون، ولم يحقق ذلك النص التوازن بين مصلحة الجهة الإدارية فى استرداد وحدات السكن الإدارى ممن كانوا يشغلونها، بعد انتهاء العلاقة الوظيفية، وحق شاغلى تلك الوحدات فى توفير سكن ملائم لهم، فى ظل أزمة مساكن طاحنة لم تكن موجودة وقت صدور القرار الجمهورى المشتمل على ذلك النص، بما يفقده ضرورته الاجتماعية، سبب بقائه، فضلاً عما يمثله ذلك النص من مخالفة للعدالة الاجتماعية وانحراف تشريعى، لعدم توافقه مع الغايات التى نص عليها الدستور.
وحيث إن سلطة رئيس الجمهورية فى إصدار القرار رقم 2095 لسنة 1969 المشار إليه تجد سندها الدستورى فيما نصت عليه المادة (121) من الدستور الصادر سنة 1964، المعمول به فى تاريخ صدور هذا القرار - وتقابلها المادة (146) من الدستور الصادر سنة 1971 والمادة (171) من الدستور الصادر سنة 2014 - التى تنص على أن يصدر رئيس الجمهورية القرارات اللازمة لترتيب المصالح العامة، وبمقتضاه جعل الدستور الاختصاص بترتيب المصالح العامة، والذى يشمل إنشاء وتنظيم المرافق والمصالح العامة - على ما هو مقرر بقضاء هذه المحكمة - لرئيس الجمهورية وحده، وذلك لخطورة وأهمية هذا الاختصاص، إذ إن إنشاء وتنظيم مثل هذه المرافق يتطلب استخدام وسائل القانون العام التى تمس حقوق الأفراد وحرياتهم، مما يستتبع إحاطة هذا الإنشاء أو التنظيم بالضمانات التى تكفل التأكد من أن ما تمسه من هذه الحقوق والحريات له ما يبرره من واقع الحال، ولذلك ناط الدستور هذا الاختصاص برئيس الجمهورية وحده، ولم يمنحه الحق فى تفويض غيره فى ممارسة هذا الاختصاص. وتنطوى تحت لواء هذا الاختصاص أمور عدة، من بينها كيفية تكوين هذه المرافق والمصالح العامة، ووضع القواعد التى تبين طريقة إدارتها وتحديد اختصاصاتها. ويندرج تحتها تحديد الشروط والقواعد المنظمة لانتفاع العاملين المدنيين بالدولة بوحدات السكن الإدارى الملحقة بالمرافق والمنشآت الحكومية التى يعملون بها، فى ضوء الطبيعة الغائية المؤقتة لحق الانتفاع بها، الناشئ عن الترخيص به من الجهة الإدارية، والذى يدخل تنظيمه فى إطار القواعد الحاكمة لتنظيم المرافق والمصالح العامة وإدارتها، الهادفة إلى ضمان سيرها بانتظام واطراد، لتضحى ممارسة هذا الاختصاص مقصورة على رئيس الجمهورية وحده دون غيره.
وحيث إن من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن النصوص التشريعية التى ينظم بها المشرع موضوعًــا محددًا لا يجوز أن تنفصل عن أهدافها، ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يصدر من فراغ، ولا يعتبر مقصودًا لذاته، بل مرماه إنفاذ أغراض بعينها يتوخاها، وتعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التى أقام عليها المشرع هذا التنظيم باعتباره أداة تحقيقها، وطريق الوصول إليها.
وحيث إن الأصل فى سلطة المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أنها سلطة تقديرية، ما لم يقيدها الدستور بضوابط محددة تعتبر تخومًــا لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها. ويتمثل جوهر هذه السلطة فى المفاضلة التى يجريها المشرع بين البدائل المختلفة التى تتزاحم فيما بينها على تنظيم موضوع محدد، فلا يختار من بينها غير الحلول التى يقدر مناسبتها أكثر من غيرها لتحقيق الأغراض التى يتوخاها، وكلما كان التنظيم التشريعى مرتبطًــا منطقيًّــا بهذه الأغراض - وبافتراض مشروعيتها - كان هذا التنظيم موافقًــا للدستور.
وحيث إن تتبع قوانين إيجار الأماكن، بدءًا من القانون رقم 121 لسنة 1947 بشأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقات بين المؤجرين والمستأجرين، معدلاً بالقرار بقانون رقم 564 لسنة 1955، ومرورًا بالقانون رقم 52 لسنة 1969 فى شأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقات بين المؤجرين والمستأجرين، وانتهاءً بالقانون رقم 49 لسنة 1977 فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، يتبين منها حرص المشرع على النص فيها على عدم سريان أحكامها - فى خصوص امتداد عقد الإيجار، وتحديد الأجرة القانونية - على المساكن الملحقة بالمرافق والمنشآت التى تشغل بسبب العمل. وقد تناولت قواعد تنظيم الانتفاع بتلك المساكن الإدارية، عدة قرارات صدرت من رئيس الجمهورية، منها قراره رقم 2095 لسنة 1969، قبل أن يحل محله قراره رقم 351 لسنة 2021 بتنظيم شروط وقواعد انتفاع العاملين المدنيين بالدولة بالمساكن الملحقة بالمرافق والمنشآت الحكومية. والبين من تقصى التطور التشريعى لأوضاع المساكن التى تنشئها جهة العمل لعمالها ليأووا إليها، أنها استهدفت توفير ظروف أفضل لأداء ما نيط بهم من أعمال، فلا يكون شغلهم لها منفصلاً عنها، بل متطلبًــا لاستيفاء ضرورة تتعلق بكمال تسييرها، بما مؤداه اتصال هذه الأعمال ببيئتها الأكثر تطورًا فـى مجـال تحقيق أهدافهـا، فلا يكـون العمـل بدونهـا سويًّــا ولا منتجًــا بصورة مرضية، ومن ثم يكون العمل - سواء تعلق بنشاط يباشره مرفق عام، أم كان واقعًــا فى منطقة القانون الخاص - سببًــا لإقامتهم فيها، ولا يتصور بالتالى أن يمتد مكثهم بها إلى ما بعد انقطاع صلتهم بجهة عملهم وزوال حقهم فى الأجر؛ وإنما يكون لها أن تتسلمها منهم حتى تعدها لعمال آخرين ينهضون بالأعمال ذاتها أو بغيرها، فلا تتعثر خطاها؛ ومؤدى ذلك ولازمه أن تخصيص جهة العمل مساكن لعمالها، إنما يبلور ميزة تستمد وجودها من رابطة العمل ذاتها، ومعها تدور وجودًا وعدمًــا، ولا يمكن القول بأن جهة العمل قد كفلتها ليقيم عمالها فى مساكنها دائمًــا أبدًا، ولا أنها عرضتها عليهم وعلى غيرهم من آحاد الناس يتزاحمون فيما بينهم لطلبها، ولا أن صفتهم كعمال لديها لم تكن اعتبارًا ملحوظًــا فى تخصيصها لهم، وإنما مناطها الأعمال التى يؤدونها، تلابسها وتزول بانتهائها.
وحيث إنه عن النعى على النص المطعون فيه، فيما قرره من إخلاء المسكن الإدارى من المنتفع به بعد انفصام عرى الوظيفة، تعارضه مع ما كان ينبغى أن يكون عليه من امتداد الانتفاع بذلك المسكن، امتدادًا قانونيًّــا، شأنه فى ذلك شأن غيره من الأماكن المؤجرة التى أخضعها المشرع لتنظيم خاص من طبيعة استثنائية، فمردود أولاً: بأن القيود التى فرضها هذا التنظيم الخاص فى شأن امتناع إنهاء الإجارة بانقضاء مدتها، أملتها أزمة الإسكان وفرضتها حدة ضغوطها وإذ كانت الضرورة تقدر بقدرها، وكان مسارها محددًا على ضوء الأوضاع التى اقتضتها، فإن امتداد حكم هذه الضرورة إلى المزايا التى تمنحها جهة العمل لعمالها مقابل العمل، لا يكون إنفاذًا لمتطلباتها. ومردود ثانيًــا : بأن القيود التى فرضها المشرع على تأجير الأماكن، كان ملحوظًــا فيها ما ينبغى أن يقوم من توازن بين حقوق مؤجريها ومستأجريها، صونًــا لمصالحهم، فلا يكون أيهم غابنًــا، ولا كذلك الأوضاع التى يواجهها النص المطعون فيه، والتى ترتد فى أساسها إلى ميزة كان العمل سببها، فلا يعتبر الحرمان منها بعد زوال الحق فيها، إهدارًا لها أو انتقاصًــا منها، ولا يجوز بالتالى أن تمتد إليها تدابير استثنائية تنفصل - فى مجال تطبيقها - عنها، ولا أن تعتبر استثناءً من قواعد تضمنتها هذه التدابير التى لا تتناولها أصلاً، وإنما حجبها المشرع عن عمال لم تعد لهم صلة بجهة عملهم، استصحابًــا لأصل مقرر فى شأن روابط العمل، مؤداه أنها - بطبيعتها - عصية على التأبيد، تقديرًا بأن مآلها إلى زوال؛ إما باستكمال الأعمال موضوعها أو بانتهاء المدة المحددة لإتمامها، فلا تبقى بزوالها الحقوق التى أنتجتها ولا المزايا التى كفلتها، ويندرج تحتها أماكن دبرتها جهة العمل لسكنى عمالها، وهو ما يعنى أن بقاءهـم فيهـا بعـد انتهـاء عملهـم، لا يستقيم قانونًــا.
وحيث إنه عن النعى بمخالفة النص التشريعى المطعون فيه، ما نصت عليه المادة (78) من الدستور الحالى، من أن تكفل الدولة للمواطنين الحق فى المسكن الملائم والآمن والصحى، بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية، فإنه مردود، أولاً: بأن قضــاء هذه المحكمة قــد جــرى على أن كفالــة الدولــة للحق فى المسكن الملائم والآمن والصحى لكل مواطن، مؤداه على ما نصت عليه المادة (78) من الدستور، والمادة (2) من العهد الدولى الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التزام الدولة وضع خطة وطنية للإسكان تراعى الخصوصية البيئية، وتكفل إسهام المبادرات الذاتية والتعاونية فى تنفيذها، وتنظيم استخدام أراضى الدولة، ومدها بالمرافق الأساسية فى إطار تخطيط عمرانى شامل للمدن والقرى وإستراتيجية لتوزيع السكان، بما يحقق الصالح العام وتحسين نوعية الحياة للمواطنين، ويحفظ حقوق الأجيال القادمة. ومع ذلك فلا تقتضى كفالة الدولة للحــق فى السكن، قيامها ببناء مساكن لجميع مواطنيها، ولا ضمانها سكنًــا خاصًــا لكل من لا سكن له، اعتبارًا بأن الحق فى السكن يشمل اتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون التشرد، والتركيز على الفئات الأكثر ضعفًــا وتهميشًــا، وضمان لياقة السكن لكل مواطن، وهى تدابير ذات طبيعة تشريعية وتنفيذية، يتم اتخاذها فى إطار من السياسة العامة للدولة، وبرامجها التنموية، وأولوياتها الخططية، فى حدود مواردها المتاحة. ومردود ثانيًــا: بأن التنظيم التشريعى الذى أقامه قرار رئيس الجمهوريــة رقـم 2095 لسنة 1969 - المشتمـل على النص المطعـون فيه - لا صلة له بكفالة الدولة للحق فى السكن، ولا يُعد صورة من صور وفاء الدولة به، وكفالتها له، إذ إن هذا التنظيم قصد به إرساء الشروط والقواعد المنظمة لانتفاع العاملين المدنيين بالدولة، بوحدات السكن الإدارى الملحقة بالمرافق والمنشآت الحكومية التى يعملون فى خدمتها، فى ضوء الطبيعة الغائية والمؤقتة لحق الانتفاع بها، وذلك فى إطار عام شامل لتنظيم المرافق العامة، وما يستلزمه هذا التنظيم من ضمان سيرها بانتظام واطراد. بينما ترتكز التزامات الدولة فى سبيل كفالة الحق فى السكن الملائم على التنظيم التشريعى لهذا الحق، والإنفاذ الفعلى له من خلال البرامج التى تتبناها. ومردود ثالثًا: بأن السبيل لفض تزاحم المواطنين - بمن فيهم العمال الذين انتهى سبب شغلهم للمسكن الإدارى - على المساكن المحدودة التى توفرها الدولة، لا يتأتى إلا بتحديد مستحقيها وترتيبهم فيما بينهم وفق شروط موضوعية ترتد فى أساسها إلى الأشد منهم احتياجًــا، على نحو يتولد عنها مراكز قانونية متماثلة تكشف عن الأحقية والتفضيل بين المتزاحمين فى الانتفاع بهذه الفرص. ومردود رابعًــا: بأن النص المطعون فيه، وإن رتب على انتهاء العلاقة الوظيفية، لأى سبب من الأسباب، إخلاء المنتفع من المسكن الإدارى، إلا أنه منحه مهلة زمنية - ستة شهور - لإخلاء المسكن، حتى يتسنى له تدبير مسكن بديل، رغم علمه المسبق بأن انتفاعه بهذا المسكن مؤقت، ومرهون باستمرار العلاقة الوظيفية. وقد هدف المشرع بمنح العامل تلك المهلة إلى جانب التدابير المتقدمة، إلى تحقيق التوازن بين مصالح أطراف علاقة العمل سواء العامل أو الجهة الإدارية، بما يسهم فى كمال سير المرفق العام بانتظام واطراد، من خلال توفير ظروف أفضل لأداء العامل ما يناط به من أعمال. بما مؤداه اتفــاق الوسيلة التـى أوجــدها المشرع - استرداد الجهة الإدارية للمسكن الإدارى - مع الغاية التى سعى لتحقيقها، وهى كفالة حسن سير أداء المرافق العامة للمهام الموكلة إليها. ومردود خامسًــا: بأن تغليب المصلحة الخاصة للمنتفع بالمسكن الإدارى الذى زال سبب انتفاعه به، يناهض فى الأساس الغاية التى من أجلها خصص له هذا المسكن، ممثلة فى ضمان حسن سير المرفق العام. ومن ثم، فإن قالة افتقاد النص المطعون فيه لضرورته الاجتماعية، وعدم مراعاته المصالح المتعارضة، والادعاء بأنه يشكل انحرافًــا تشريعيًّــا فى تنظيم حق السكن، يكون فاقدًا سنده.
وحيث إن ما تنعاه المدعية من مخالفة النص المطعون عليه لمبدأ المساواة أمام القانون، مردود بأن الدستور قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأى العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، كما حرص الدستور فى المادة (53) منه، على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، فى الحقوق والحريات والواجبـات العامـة، دون تمييز بينهـــم لأى سبب، إلا أن ذلك لا يعنى - وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت فى مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضـــة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية، ولا ينطوى بالتالى على مخالفة لنص المادتين (4، 53) المشار إليهمـا، بمـا مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبهـا هو ذلك الذى يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامـة التى يسعى المشـرع إلى تحقيقهـا من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون فيه - بما انطوى عليه من تمييز - مصادمًا لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقًا ربطه بها أو اعتباره مدخلاً إليها، فإن التمييز يكون تحكميًّا، وغير مستند بالتالى إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.
كما جرى قضاء هذه المحكمة على أن مبدأ المساواة لا يعنى معاملة المواطنين جميعًا وفق قواعد موحدة، ذلك أن التنظيم التشريعى قد ينطوى على تقسيم أو تصنيف أو تمييز، سـواء من خـلال الأعباء التى يلقيهـا على البعض أم من خلال المزايا التى يمنحها لفئة دون غيرها، إلا أن مناط دستورية هذا التنظيم ألا تنفصل النصوص التى ينظم بها المشرع موضوعًا معينًا عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التى توخى تحقيقها بالوسائل التى لجأ إليها، منطقيًّا، وليس واهيًا أو واهنًا أو منتحلاً، بما يخل بالأسس التى يقوم عليها التمييز المبرر دستوريًّا.
متى كان ذلك، وكانت غاية المشرع من إقرار هذا النص، تنظيم الانتفاع بالسكن الإدارى التابع للمرافق والمصالح والمنشآت العامة، باعتباره أحد عناصرها ومكوناتها، التى رصدها فى خدمة أغراضها، بما يعينها والعاملين بها على النهوض بالمهام الموكلة إليهم، ويضمن استمرار سيرها بانتظام واطراد، وبالتالى كان الانتفاع بها من قبل العاملين بتلك المرافق والمنشآت مرتبطًــا بالطبيعة القانونية للترخيص لهم بهذا الانتفاع، وهى التأقيت المرتبط بقيام العلاقة الوظيفية، ليكون انفصامها لأى سبب من الأسباب مرتبًــا زوال علة الانتفاع بالسكن الإدارى، بوصفه مزية عينية تمنح للعامل بسبب الوظيفة، وطوال مدة قيام العلاقة الوظيفية بين العامل والجهة الإدارية، وينتهى هذا الانتفاع والترخيص بها بانتهائها. وعلى ذلك فإن النص المطعون فيه، بمنحه العامل مهلة ستة أشهر من تاريخ زوال سبب الانتفــاع لإخــلاء العين، يكون قد أتى بقاعــدة عامـة مجردة لا تتضمن تمييزًا من أى نوع بين المخاطبين بأحكامها، غايتها تحقيق الأهداف والأغراض التى سعى المشرع إلى بلوغها من سنها، وتحقيق التوازن بين مصلحة العامل ومقتضيات المصلحة العامة، فى وجوب استمرار وحدات الإسكان الإدارى فى أداء دورها لخدمة المرافـق والمصالح العامـــة التى تتبعها، ويغدو النص المطعون فيه - بهذه المثابة - الوسيلة التى قدر المشرع مناسبتهـــا لبلوغ تلك الأغراض والأهداف، وكفالة تحقيقها، وجاء مستندًا إلى أسس موضوعيـة تبرره، ولا يتضمن تمييزًا تحكميًّــا ولا يتعـارض - من ثم - مع مبدأ المســاواة الذى كفله الدستـــور فى المادتين (4، 53) منه.
وحيث إنه فى خصوص ما تنعاه المدعية على النص المطعون فيه مخالفته لمفهوم العدالة الاجتماعية، فهو مردود بأن مفهوم العدل - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ينبغى أن يتمثل دائمًــا فيما يكون حقًــا وواجبًــا، سواء فى علائق الأفراد فيما بينهم أو فى نطاق صلتهم بمجتمعهم، بحيث يتم دومًــا تحديده من منظور اجتماعى، باعتبار أن العدل يتغيا التعبير عن القيم الاجتماعية السائدة فى مجتمع معين خلال فترة زمنية محددة، ومن ثم فإن مفهومه لا يكون مطلقًــا، ولا يعنى شيئًــا ثابتًــا باطراد، بل تتباين معانيه، تبعًــا لمعايير الضمير الاجتماعى ومستوياتها، ويتعين بالتالى أن توازن علائق الأفراد فيما بينهم بأوضاع مجتمعهم والمصالح التى يتوخاها، من أجل التوصل إلى وسائل عملية تكفل إسهام أكبر عدد من بينهم لضمان أكثر المصالح والقيم الاجتماعية تعبيرًا عن النبض الاجتماعى لإرادتهم، ليكون القانون طريقًــا لتوجههم الجمعى.
متى كان ما تقدم، وكان النص المطعون فيه قد أتى تعبيرًا عن ضرورة اجتماعية فرضها الواقع والظروف الاجتماعية التى صدر فى ظلها القرار الجمهورى رقم 2095 لسنة 1969 المشار إليه، التى أوجبت توفير المسكن الإدارى الملائم للعاملين بالمرافق والمصالح العامة، التى تلحق بهذه المنشآت وتُعد أحد مكوناتها وعناصرها وترصد لخدمتها، ليكون استمرار قيامها بدورها فى خدمة المرفق أو المنشأة العامة موجبًــا تقرير الحكم الذى ضمنه النص المطعون فيه، واعتبار انتهاء رابطة العمل تفيد بالضرورة انقضاء الحق فى تلك المزية العينية، فلا يكون طلبها بعد أن صارت هذه الرابطة منقضية، كافلاً عدلاً، إذ ليس من مؤداه أن تتحمل جهة العمل أعباء ترهقها أو تنوء بها من خلال إلزامها بأن تعد لعمالها الوافدين إليها مساكن جديدة تُضيفها إلى ما هو قائم منها، وما برح عمالها القدامى شاغلين لها دون سند، بل إن حَمْلها على إبقائهم فيها، يتمحض إخلالاً بالفرص التى كان يمكن أن تتيحها لآخرين للعمل بها بدلاً عنهم؛ إذ عليها عندئذ أن تقيم بمواردها مساكن جديدة تقدر ضرورتها لتنفيذ العمل، وقد لا تكفيها مواردها هذه، فَتَحْبِطَ أعمالها. كذلك فإن إلزامهـا بالتخلى عما هو قائم من مساكنها لعمال لم يعد لهم حق فيها، إنما يناقض ما هو مقرر قانونًــا من أن القواعد القانونية الحاكمة لشغلهم لها إنما تندرج ضمن التنظيم القانونى الذى يحكم علاقة العمل، بحسبانها تنطوى على تقرير مزية عينية تدخل فى مفهوم المقابل الذى يتقاضونه من عملهم، نائية بطبيعتها عن أحكام الإجارة، ومنقضية وجوبًــا بانتهاء علاقة العمل. الأمر الذى يكون معه النص المطعون فيه غير مخالف للعدالة الاجتماعية التى كفلها الدستور بنصى المادتين (4، 8) منه.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يتعارض وأى حكم آخر فى الدستور، مما يتعين معه القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعية المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الطعن 7422 لسنة 85 ق جلسة 17 / 5 / 2017 مكتب فني 68 ق 102 ص 640

جلسة 17 من مايو سنة 2017
برئاسة السيد القاضي/ محمد حسن العبادي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ يحيى عبد اللطيف موميه، أمين محمد طموم، مصطفى ثابت عبد العال وأحمد كمال حمدي نواب رئيس المحكمة.
-----------------

(102)
الطعن رقم 7422 لسنة 85 القضائية

(1 - 4) بيع" بيع المحل التجاري". محاكم اقتصادية" اختصاص المحاكم الاقتصادية: الاختصاص بالمنازعة في بيع المحل التجاري" "الطعن بالنقض على أحكام المحاكم الاقتصادية: شرط جواز الطعن على حكم الدائرة الاستئنافية بهيئة استئنافية" نقض" أسباب الطعن: الأسباب المتعلقة بالنظام العام".
(1) المحاكم الاقتصادية. تشكيلها. اختصاصها. الدوائر الابتدائية. نصابها. عدم مجاوزة قيمة الدعوى خمسة ملايين جنيه. الدوائر الاستئنافية. نصابها. مجاوزة قيمة الدعوى خمسة ملايين جنيه أو كونها غير مقدرة القيمة فضلا عن نظر استئناف الأحكام الصادرة من الدوائر الابتدائية. المادتان الأولى والسادسة ق 120 لسنة 2008.

(2) الدعاوى الاقتصادية المستأنفة أمام المحكمة الاقتصادية بهيئة استئنافية. عدم جواز الطعن عليها بالنقض. شرطه. عدم مخالفة الحكم لقواعد الاختصاص الولائي والنوعي والقيمي. علة ذلك.

(3) المسائل المتعلقة بالنظام العام. لمحكمة النقض من تلقاء ذاتها وللنيابة العامة وللخصوم إثارتها ولو لم يسبق التمسك بها أمام محكمة الموضوع أو في صحيفة الطعن. شرطه.

(4) اختصاص قاضي الأمور المستعجلة بالإذن ببيع مقومات المحل التجاري المرهون. م 14 ق 11 لسنة 1940. الاختصاص بنظر ذلك الإذن في المسائل التي تختص بها المحاكم الاقتصادية. انعقاده للقاضي المشار إليه في المادة الثالثة من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية. التظلم من الأمر الصادر ببيع المحال التجارية المرهونة. اعتباره خروجا عن الأحكام العامة في شأن طبيعة الأمر على العرائض واختصاص قاضي الأمور المستعجلة. أساس ذلك. اعتباره يمس أصل الحق دون أن يكون إجراء وقتي أو تحفظي. مؤداه. عدم اعتباره من المسائل المستعجلة. أثره. اختصاص الدائرة الابتدائية أو الاستئنافية بالمحاكم الاقتصادية بحسب قيمة المنازعة الصادر بشأنها الأمر المتظلم منه بنظر التظلم من الأمر. مثال.

----------------

1 - مؤدى نص المادتين الأولى والسادسة من القانون رقم 120 لسنة 2008 بإنشاء المحاكم الاقتصادية- وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض- أن المشرع بموجب هذا القانون نظم المحاكم الاقتصادية ككيان قضائي خاص داخل جهة المحاكم على شكل يختلف عن تشكيل جهة المحاكم العادية بتشكيلها من دوائر ابتدائية وأخرى استئنافية حدد اختصاصهما بمنازعات لا تدخل في اختصاص أي من جهة المحاكم العادية أو جهة القضاء الإداري وميز في اختصاص تلك الدوائر بحسب قيمة الدعوى وبحسب المنازعات والدعاوى التي تنشأ عن تطبيق قوانين معينة نصت عليها المادة السادسة منه فحص الدوائر الابتدائية- دون غيرها- بنظر المنازعات والدعاوى التي لا تجاوز قيمتها خمسة ملايين جنيه والتي تنشأ عن تطبيق القوانين المنصوص عليها في المادة سالفة الذكر وخصص الدوائر الاستئنافية بالنظر ابتداء في ذات المنازعات والدعاوى إذا جاوزت قيمتها خمسة ملايين جنيه أو كانت غير مقدرة القيمة كما أناط بها- دون غيرها- نظر استئناف الأحكام الصادرة من الدوائر الابتدائية.

2 - مؤدى المادة 11 من (قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية) أن الأحكام الصادرة من المحاكم الاقتصادية القابلة للطعن بالنقض هي التي تصدر ابتداء من الدوائر الاستئنافية أما الدعاوى التي تنظرها بهيئة ابتدائية ويكون الفصل في الطعن عليها أمام المحكمة- بهيئة استئنافية – فلا يجوز الطعن فيها بطريق النقض دون إخلال بحكم المادة 250 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، بيد أن مناط إعمال هذه القاعدة القانونية التي اختص بها المشرع الدعاوى أمام المحاكم الاقتصادية ألا تكون المحكمة قد خالفت قواعد الاختصاص الولائي أو النوعي أو القيمي التي رسمها وألا تخرج صراحة أو ضمنا على ما كان من تلك القواعد متعلقا بالنظام العام، فإن وقع الحكم مخالفا لأي من تلك القواعد فلا يتحصن من الطعن عليه أمام محكمة النقض.

3 - يحق لمحكمة النقض من تلقاء نفسها كما هو الشأن بالنسبة للنيابة العامة أو الخصوم إثارة الأسباب المتعلقة بهذا الاختصاص ولو لم يسبق التمسك بها أمام محكمة الموضوع أو في صحيفة الطعن بالنقض متى توافرت عناصر الفصل فيها من الوقائع والأوراق التي سبق عرضها على محكمة الموضوع ووردت هذه الأسباب على الجزء المطعون فيه من الحكم.

4 - إذ كانت المادة 14 من القانون رقم 11 لسنة 1940 بشأن بيع ورهن المحال التجارية قد أسندت لقاضي الأمور المستعجلة اختصاصا خاصا هو سلطة إصدار أمر على عريضة بالإذن بأن يباع بالمزاد العلني مقومات المحل التجاري كلها أو بعضها التي يتناولها امتياز البائع أو الراهن وبإصدار قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية سالف الذكر انعقد الاختصاص بنظر الإذن ببيع المحال التجارية المرهونة في المنازعات والدعاوى الناشئة عن تطبيق القوانين التي تختص بها تلك المحاكم للقاضي المشار إليه في المادة الثالثة منه، وأنه ولئن كان التظلم من الأوامر الصادرة عن القاضي سالف الذكر- الأوامر على عرائض والأوامر الوقتية في المسائل التي تختص بها المحاكم الاقتصادية- ينعقد للدوائر الابتدائية بتلك المحاكم- دون غيرها- وفقا لما تقرره الفقرة الثانية من المادة العاشرة من ذات القانون بيد أن المشرع كان قد اختص – بمقتضى المادة 14 من القانون رقم 11 لسنة 1940 سالف الذكر إجراءات التنفيذ على المحال التجارية المرهونة وبيعها بالمزاد العلني بأحكام خاصة تعد استثناء من القواعد العامة التي تتطلب وجوب حصول الدائن المرتهن على حكم نهائي بالدين والتنفيذ بموجبه - كما جرى قضاء محكمة النقض- على أن التظلم من الأمر ببيع تلك المحال المرهونة لا يعد من المسائل المستعجلة ولا يتعلق بإجراء وقتي أو تحفظي وإنما يمس أصل الحق فيما يقضي به من استيفاء الدين من حصيلة البيع، وأن هذا الطابع الاستثنائي للتظلم الذي يعد خروجا عن الأحكام العامة الواردة في قانون المرافعات في شأن طبيعة الأمر على العرائض ونطاق اختصاص قاضي الأمور المستعجلة ينسحب بدوره على المحكمة المختصة بنظر التظلم، فإنه متى كانت هذه المحكمة تتعرض حال فصلها في التظلم لأصل الحق وللدين الذي ينبغي للدائن الراهن استيفائه من حصيلة بيع المحل المرهون فإن الاختصاص بنظره ينعقد- في المسائل التي تختص بها المحاكم الاقتصادية – لذات المحكمة التي تختص بنظر المنازعات في أصل الحق سواء كانت الدائرة الابتدائية أو الاستئنافية بالمحاكم الاقتصادية بحسب قيمة المنازعة الصادر بشأنها الأمر المتظلم منه، وكان الثابت من الأوراق أن طلب البنك المطعون ضده الأول هو استصدار أمر بيع كافة المقومات المادية والمعنوية للمحل التجاري المرهون عن طريق المزاد العلني وفاء لجزء من مديونية الشركة الطاعنة له بمبلغ 6848435.97 جنيه حق 27/5/2002 بخلاف ما يستجد من عوائد مركبة بواقع 20% سنويا والعمولات والمصاريف - وتم تعديله لمبلغ 14745668.97 جنيه حق 31/5/2007 بخلاف ما يستجد من عائد مركب بواقع 14.5% سنويا حتى تمام السداد فتكون قيمة الدعوى قد جاوزت خمسة ملايين جنيه وينعقد الاختصاص بنظر التظلم من الأمر الصادر برفض الإذن ببيع المحل التجاري للدائرة الاستئنافية للمحكمة الاقتصادية، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى في موضوع الاستئناف منطويا- بذلك- على اختصاص محكمة الدرجة الأولى- ضمنا– بنظر التظلم فإنه يكون قد خالف قواعد الاختصاص القيمي المتعلقة بالنظام العام مما يعيبه بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه.

------------

الوقائع

وحيث إن الوقائع- على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق- تتحصل في أن البنك المطعون ضده الأول- بنك- ...... - تقدم بالطلب رقم ..... لسنة 2005 لرئيس محكمة شبرا الخيمة الجزئية- بصفته قاضيا للأمور المستعجلة- لاستصدار أمر بيع بالمزاد العلني لكافة المقومات المادية والمعنوية للمحل التجاري المعنون- حاليا- باسم الشركة الطاعنة والمرهون له بموجب عقد الرهن الرسمي رقم ..... لسنة 1993 توثيق بنوك- والمجدد الإيداع برقم 52 بتاريخ 16/5/2000- وفاء لمديونية بمبلغ 6848435.97 جنيه حتى 27/5/2002 بخلاف ما يستجد من عائد مركب بواقع 20% بخلاف المصاريف والعمولات وحتى تمام السداد والناتجة عن تسهيلات ائتمانية، وبتاريخ 21/12/2005 رفض الطلب فتظلم منه لدى محكمة شبرا الخيمة الجزئية برقم ... لسنة 2005 مدني، ندبت المحكمة خبيرا وبعد أن أودع تقريره قضت بتاريخ 23/4/2014 بعدم اختصاصها نوعيا وبإحالة التظلم لمحكمة طنطا الاقتصادية- الدائرة الابتدائية- حيث قيد لديها برقم .... لسنة 2014 اقتصادي، تدخل البنك المطعون ضده الثاني- .... - هجوميا في الدعوى بطلب إلغاء أمر الرفض المتظلم منه والقضاء له مجددا بالإذن بالبيع- وفاء لمديونية قدرها 14745668.97 جنيه حق 31/5/2007 بخلاف ما يستجد من عائد مركب بواقع 14.5% حتى تمام السداد، وقال بيانا لذلك بأن البنك المطعون ضده الأول أحال له حقوقه لدى الغير ومنها الحق المدعى به، بتاريخ 26/10/2014 أجابت المحكمة البنك المتدخل إلى طلباته، استأنفت الشركة الطاعنة هذا الحكم لدى محكمة استئناف طنطا الاقتصادية برقم .... لسنة 7ق وبتاريخ 15/2/2015 قضت بتأييد الحكم المستأنف، طعنت الشركة الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم للسبب المبدى منها ببطلان الحكم لمخالفته قواعد الاختصاص القيمي، وإذ عرض الطعن على دائرة فحص الطعون الاقتصادية، حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.

--------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق, ورأي دائرة فحص الطعون الاقتصادية، وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر, المرافعة, وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث أنه عن الدفع المبدى من النيابة العامة ببطلان الحكم المطعون فيه لمخالفته قواعد الاختصاص القيمي المتعلق بالنظام العام فإنه سديد، ذلك بأن مؤدى نص المادتين الأولى والسادسة من القانون رقم 120 لسنة 2008 بإنشاء المحاكم الاقتصادية- وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- أن المشرع بموجب هذا القانون نظم المحاكم الاقتصادية ككيان قضائي خاص داخل جهة المحاكم على شكل يختلف عن تشكيل جهة المحاكم العادية بتشكيلها من دوائر ابتدائية وأخرى استئنافية حدد اختصاصهما بمنازعات لا تدخل في اختصاص أي من جهة المحاكم العادية أو جهة القضاء الإداري وميز في اختصاص تلك الدوائر بحسب قيمة الدعوى وبحسب المنازعات والدعاوى التي تنشأ عن تطبيق قوانين معينة نصت عليها المادة السادسة منه فحص الدوائر الابتدائية – دون غيرها - بنظر المنازعات والدعاوى التي لا تجاوز قيمتها خمسة ملايين جنيه والتي تنشأ عن تطبيق القوانين المنصوص عليها في المادة سالفة الذكر وخصص الدوائر الاستئنافية بالنظر ابتداء في ذات المنازعات والدعاوى إذا جاوزت قيمتها خمسة ملايين جنيه أو كانت غير مقدرة القيمة كما أناط بها - دون غيرها - نظر استئناف الأحكام الصادرة من الدوائر الابتدائية، كما أن مؤدى المادة 11 من ذات القانون أن الأحكام الصادرة من المحاكم الاقتصادية القابلة للطعن بالنقض هي التي تصدر ابتداء من الدوائر الاستئنافية أما الدعاوى التي تنظرها بهيئة ابتدائية ويكون الفصل في الطعن عليها أمام المحكمة - بهيئة استئنافية – فلا يجوز الطعن فيها بطريق النقض دون إخلال بحكم المادة 250 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، بيد أن مناط إعمال هذه القاعدة القانونية التي اختص بها المشرع الدعاوى أمام المحاكم الاقتصادية ألا تكون المحكمة قد خالفت قواعد الاختصاص الولائي أو النوعي أو القيمي التي رسمها وألا تخرج صراحة أو ضمنا على ما كان من تلك القواعد متعلقا بالنظام العام، فإن وقع الحكم مخالفا لأي من تلك القواعد فلا يتحصن من الطعن عليه أمام محكمة النقض ويحق لهذه المحكمة من تلقاء نفسها كما هو الشأن بالنسبة للنيابة العامة أو الخصوم إثارة الأسباب المتعلقة بهذا الاختصاص ولو لم يسبق التمسك بها أمام محكمة الموضوع أو في صحيفة الطعن بالنقض متى توافرت عناصر الفصل فيها من الوقائع والأوراق التي سبق عرضها على محكمة الموضوع ووردت هذه الأسباب على الجزء المطعون فيه من الحكم، وكانت المادة 14 من القانون رقم 11 لسنة 1940 بشأن بيع ورهن المحال التجارية قد أسندت لقاضي الأمور المستعجلة اختصاصا خاصا هو سلطة إصدار أمر على عريضة بالإذن بأن يباع بالمزاد العلني مقومات المحل التجاري كلها أو بعضها التي يتناولها امتياز البائع أو الراهن وبإصدار قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية سالف الذكر انعقد الاختصاص بنظر الإذن ببيع المحال التجارية المرهونة في المنازعات والدعاوى الناشئة عن تطبيق القوانين التي تختص بها تلك المحاكم للقاضي المشار إليه في المادة الثالثة منه، وأنه ولئن كان التظلم من الأوامر الصادرة عن القاضي سالف الذكر- الأوامر على عرائض والأوامر الوقتية في المسائل التي تختص بها المحاكم الاقتصادية- ينعقد للدوائر الابتدائية بتلك المحاكم- دون غيرها- وفقا لما تقرره الفقرة الثانية من المادة العاشرة من ذات القانون بيد أن المشرع كان قد اختص- بمقتضى المادة 14 من القانون رقم 11 لسنة 1940 سالف الذكر إجراءات التنفيذ على المحال التجارية المرهونة وبيعها بالمزاد العلني بأحكام خاصة تعد استثناء من القواعد العامة التي تتطلب وجوب حصول الدائن المرتهن على حكم نهائي بالدين والتنفيذ بموجبه – كما جرى قضاء هذه المحكمة - على أن التظلم من الأمر ببيع تلك المحال المرهونة لا يعد من المسائل المستعجلة ولا يتعلق بإجراء وقتي أو تحفظي وإنما يمس أصل الحق فيما يقضي به من استيفاء الدين من حصيلة البيع، وأن هذا الطابع الاستثنائي للتظلم الذي يعد خروجا عن الأحكام العامة الواردة في قانون المرافعات في شأن طبيعة الأمر على العرائض ونطاق اختصاص قاضي الأمور المستعجلة ينسحب بدوره على المحكمة المختصة بنظر التظلم، فإنه متى كانت هذه المحكمة تتعرض حال فصلها في التظلم لأصل الحق وللدين الذي ينبغي للدائن الراهن استيفائه من حصيلة بيع المحل المرهون فإن الاختصاص بنظره ينعقد – في المسائل التي تختص بها المحاكم الاقتصادية – لذات المحكمة التي تختص بنظر المنازعات في أصل الحق سواء كانت الدائرة الابتدائية أو الاستئنافية بالمحاكم الاقتصادية بحسب قيمة المنازعة الصادر بشأنها الأمر المتظلم منه، وكان الثابت من الأوراق أن طلب البنك المطعون ضده الأول هو استصدار أمر بيع كافة المقومات المادية والمعنوية للمحل التجاري المرهون عن طريق المزاد العلني وفاء لجزء من مديونية الشركة الطاعنة له بمبلغ 6848435.97 جنيه حق 27/5/2002 بخلاف ما يستجد من عوائد مركبة بواقع 20% سنويا والعمولات والمصاريف - وتم تعديله لمبلغ 14745668.97 جنيه حق 31/5/2007 بخلاف ما يستجد من عائد مركب بواقع 14.5% سنويا حتى تمام السداد فتكون قيمة الدعوى قد جاوزت خمسة ملايين جنيه وينعقد الاختصاص بنظر التظلم من الأمر الصادر برفض الإذن ببيع المحل التجاري للدائرة الاستئنافية للمحكمة الاقتصادية، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى في موضوع الاستئناف منطويا- بذلك- على اختصاص محكمة الدرجة الأولى- ضمنا– بنظر التظلم فإنه يكون قد خالف قواعد الاختصاص القيمي المتعلقة بالنظام العام مما يعيبه بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه ويوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث أسباب الطعن.

ولما تقدم يتعين القضاء بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم اختصاص الدائرة الابتدائية بمحكمة طنطا الاقتصادية قيميا بنظر الدعوى وانعقاد الاختصاص بنظرها للدائرة الاستئنافية بذات المحكمة حيث يتم التداعي أمامها بإجراءات جديدة عملا بحكم المادة 269/1 من قانون المرافعات.

الطعن 1085 لسنة 73 ق جلسة 20 / 5 / 2017 مكتب فني 68 ق 104 ص 657

جلسة 20 من مايو سنة 2017
برئاسة السيد القاضي/ سمير فايزي عبد الحميد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ عبد الصمد هريدي، محمد مأمون سليمان، عبد الناصر عبد اللاه فراج، وليد ربيع السعداوي نواب رئيس المحكمة.

----------------

(104)

الطعن 1085 لسنة 73 ق

(1) استئناف "الحكم في الاستئناف: أثر نقض الحكم والإحالة".
ورود خطأ مادي في تاريخ الحكم الناقض وثبوت تعجيل المطعون ضدهم نظر الاستئنافين في الميعاد المقرر. نعى الطاعن بسقوط الاستئنافين لتعجيلهما بعد الميعاد. نعي على غير أساس.

(2 - 5) حكم "تسبيب الأحكام: ضوابط التسبيب: التسبيب الكافي" "عيوب التدليل: القصور في التسبيب" "مخالفة الثابت بالأوراق" "بطلان الحكم وانعدامه: ما يؤدي إلى بطلان الحكم".
(2) الحكم. وجوب تضمن مدوناته ما يطمئن المطلع عليه أن المحكمة قد ألمت بالواقع المطروح عليها ومحصت ما قدم إليها من أدلة وحصلت منها ما تؤدي إليها. م 176 مرافعات. علة ذلك.

(3) تقديم الخصم مستندات لها دلالتها والتفات الحكم عن التحدث عنها. قصور.

(4) مخالفة الثابت بالأوراق التي تبطل الحكم. ماهيتها.

(5) ابتناء الحكم على واقعة استخلصها القاضي من مصدر لا وجود له أو موجود ولكنه مناقض لما أثبته أو غير متناقض ولكن يستحيل عقلا استخلاصها منه. أثره. بطلان الحكم.

(6 - 9) حكر "حقوق المحتكر: وضع يد المستحكر على الأراضي المحكرة مؤقت" "أثر انتهاء عقد الحكر". ملكية "الحقوق المتفرعة عن حق الملكية: حق الحكر".
(6) نظام الحكر. نشأته. اختلافه في الشريعة الإسلامية عنه في القانون المدني الحالي.

(7) عقد الحكر. مقتضاه. إقامة المحتكر ما يشاء من المباني على الأرض المحكرة وله حق القرار ببنائه وحق ملكيته. انتقال هذا الحق إلى خلفه العام والخاص. حيازة المحتكر للأرض المحكرة. ماهيتها. حيازة عرضية لا تكسبه الملكية.

(8) مضي مدة الاحتكار. لازمه. عودة الأرض إلى مالكها. أثره. سقوط ما كان للمحتكر أو ورثته من حق البقاء والقرار ولا يكون لهم إلا ثمن البناء أو الغراس. علة ذلك. م1010 مدني.

(9) انتهاء عقد الحكر موضوع الدعوى والقضاء بإزالة ما على الأرض المحكرة من مبان استنادا إلى حكم بات. مؤداه. سقوط حق المستحكرة (مورثة المطعون ضدها الثالثة) وورثتها من بعدها في البقاء والقرار بتلك المباني أو الانتفاع بها أو تحصيل أجرتها من المستأجرين رغم هلاكها قانونا وبقائها ماديا. علة ذلك. ثبوت بيع ورثة وارث الوقف قطعة الأرض محل الدعوى للطاعن بموجب عقد مشهر. مؤداه. ثبوت صفة الأخير في مقاضاة مستأجري وحدات العقار. قضاء الحكم المطعون فيه بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة تأسيسا على خلو الأوراق من سند ملكية الطاعن للمباني التي تقع بها عين النزاع. فساد ومخالفة للقانون وخطأ. قضاء الحكم المستأنف بفسخ عقد إيجار عين النزاع والإخلاء لثبوت امتناع المطعون ضدها الأولى عن الوفاء بالأجرة. صحيح متعين تأييده.

------------------

1 - إذ كان البين من الحكم الصادر في الطعن بالنقض رقم ... لسنة 65ق أنه صدر في يوم الأربعاء الموافق 11 من صفر سنة 1423 هجرية الموافق 24 من أبريل سنة 2002 ميلادية، وإذ كان يوم 24/4/2001 يصادف يوم الثلاثاء الموافق 30 من محرم سنة 1422 هجرية، ومن ثم فإن ما ورد بديباجة الحكم الناقض من أنه صدر بتاريخ 24/4/2001 لا يعدو أن يكون خطأ ماديا، وكان المطعون ضدهم قد عجلوا نظر الاستئنافين في 8/6/2002 و21/7/2002 قبل انقضاء ستة أشهر من تاريخ صدور الحكم الناقض، ومن ثم يضحى النعي السالف ذكره على الحكم المطعون فيه على غير أساس جديرا برفضه.

2 - المقرر- في قضاء محكمة النقض– أن النص في المادة 176 من قانون المرافعات يدل على أن المشرع لم يقصد بإيراد الأسباب أن يستكمل الحكم شكلا معينا، بل أن تتضمن مدونات الحكم ما يطمئن المطلع عليه أن المحكمة قد ألمت بالواقع المطروح عليها ومحصت ما قدم إليها من أدلة وما أبداه الخصوم من دفاع وحصلت من كل ذلك ما يؤدي إليه، ثم أنزلت حكم القانون، وذلك حتى يكون الحكم موضع احترام وطمأنينة الخصوم ويحمل بذاته آيات صحته وينطق بعدالته.

3 - المقرر- في قضاء محكمة النقض- أنه متى قدم الخصم إلى محكمة الموضوع مستندات وتمسك بدلالتها فالتفت الحكم عن التحدث عنها بشيء مع ما قد يكون لها من الدلالة فإنه يكون معيبا بالقصور.

4 - المقرر- في قضاء محكمة النقض– أن مخالفة الثابت بالأوراق التي تبطل الحكم هي تحريف محكمة الموضوع للثابت ماديا بالمستندات أو ابتناء الحكم على فهم حصلته المحكمة مخالفا لما هو ثابت بأوراق الدعوى.

5 - المقرر- في قضاء محكمة النقض- أنه إذا بني القاضي حكمه على واقعة استخلصها من مصدر لا وجود له أو موجود ولكنه مناقض لما أثبته أو غير مناقض ولكن من المستحيل عقلا استخلاص تلك الواقعة منه كان هذا الحكم باطلا.

6 - المقرر- في قضاء محكمة النقض- أن الشريعة الإسلامية هي منشأ نظام الحكر، والتقنين المدني القديم أخذ به عنها، وكانت الشريعة الإسلامية تجيز تحكير الوقف وغير الوقف على خلاف ما يقضي به القانون المدني الحالي الذي قصره على الأراضي الموقوفة.

7 - المقرر- في قضاء محكمة النقض- أنه ولئن كان مقتضى عقد الحكر أن للمحتكر إقامة ما يشاء من المباني على الأرض المحكرة وله حق القرار وملكية ما يحدثه من بناء ملكا تاما، وينقل منه هذا الحق إلى خلفه العام أو الخاص، إلا أن حيازته للأرض المحتكرة حيازة وقتية لا تكسبه الملك، وتظل هذه الحيازة على حالها فلا يجوز للمحتكر تغيير صفة وضع يده الحاصل ابتداء بسبب التحكير حتى ينتهي الحكر.

8 - المقرر- في قضاء محكمة النقض- أنه إذا مضت مدة الاحتكار فإن الأرض تعود إلى مالكها، ولا يكون للمحتكر ولا لورثته حق البقاء أو إعادة البناء بل يسقط ما كان للمحتكر أو ورثته من حق البقاء والقرار، ولا يكون له إلا ثمن البناء أو الغراس، ذلك أن الفقرة الأولى من المادة 1010 من القانون المدني قد جرى نصها على أنه "عند فسخ العقد أو انتهائه يكون للمحكر أن يطلب إما إزالة البناء والغراس أو استبقائهما مقابل دفع أقل قيمتيهما مستحقي الإزالة أو البقاء، وهذا كله ما لم يوجد اتفاق يقضي بغيره".

9 - إذ كان البين من الواقع المطروح من الأوراق والمستندات أن ورثة وارث الوقف أقاموا الدعوى رقم ... لسنة 1982 ضد المستحكرة/ ... مورثة المطعون ضدها الثالثة بطلب الحكم بانتهاء عقد الحكر وإزالة المباني استنادا إلى أحكام المرسوم بقانون 180 لسنة 1952، وصدر الحكم بطلباتهم في الاستئناف رقم ... لسنة 101ق القاهرة وتأيد الحكم في الطعن بالنقض رقم ... لسنة 55ق بتاريخ 5 مارس 1986، بما مؤداه سقوط حق المستحكرة وورثتها من بعدها في البقاء والقرار بالمباني المقامة على أرض الحكر بموجب الحكم البات السالف ذكره الصادر ضد المستحكرة وله حجيته على ورثتها ومن بينهم المطعون ضدها الثالثة، فليس لها الانتفاع بالمباني أو تحصيل أجرتها من المستأجرين لزوال صفتها في الملكية أو الحيازة على السواء، ومن آثاره هلاك المباني هلاكا قانونيا بالنسبة للمستحكرة وورثتها، ولا يغير من ذلك بقاء المباني ماديا لتعذر إزالتها لوقف تنفيذ الحكم بإزالتها بموجب الحكم في الاستشكالين المرفوعين من مستأجري شقق العقار دون مساس بحق ورثة المستحكرة في اللجوء إلى القضاء بطلب الحكم بالتعويض عن قيمة المباني مستحقة الإزالة، وكان البين– أيضا– من المستندات أن ورثة وارث الواقفة (مالكة الأرض محل عقد الحكر المنتهي) قد باعوا قطعة الأرض محل الدعوى للطاعن بموجب عقد البيع المشهر برقم ... في 21/2/1989 توثيق روض الفرج وحولوا له- بموجب البند الحادي عشر من ذات العقد المشهر- كافة حقوقهم في الملكية والحيازة للمباني المقامة على الأرض محل العقد والحكم الصادر في الاستئناف ... لسنة 101ق القاهرة وأحقيته في اللجوء للقضاء بطلب تنفيذ الإزالة أو باستبقاء المباني مقابل دفع أقل قيمة لها مستحقة الإزالة، كما أنذر الطاعن مستأجري شقق العقار على يد محضر بتاريخ 28/10/1989 بصفته كمالك جديد بعد استلامه العقار بموجب محضر تسليم مؤرخ 6/3/1989 ونقلت مصلحة الضرائب العقار المكلفة باسم الطاعن، بما مؤداه ثبوت صفة الطاعن في مقاضاة مستأجري وحدات العقار ومن بينهم المطعون ضدهما الأولى والثانية، وإذ تنكب الحكم المطعون فيه هذا النظر وانتهى إلى القضاء بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة على ما أورده بأسبابه (أن الأوراق خلت من سند يوضح ملكية المستأنف ضده (الطاعن) للمباني التي تقع بها عين النزاع وعجز هو عن إثبات ذلك، ومن ثم تكون الدعوى قد أقيمت من غير ذي صفة) دون أن يتعرض لدفاع الطاعن الجوهري المؤيد بمستنداته الرسمية ونأى بجانبه عنها ولم يفطن لدلالتها، مما يعيبه بالفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق، وقد جره ذلك لمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وحجبه عن مراقبة سداد حكم أول درجة في طلب فسخ عقد الإيجار والإخلاء، بما يوجب نقضه. ولما تقدم، وكان الموضوع صالح للفصل فيه، وكان الحكم المستأنف قد أقام قضاءه بفسخ عقد إيجار عين النزاع والإخلاء لثبوت امتناع المطعون ضدها الأولى عن الوفاء بالأجرة محل التكليف بالوفاء للطاعن، كما لم يسددها المستأجر الأصلي (المطعون ضده الثاني)، ولم يقدما دليلا على براءة ذمة أيهما من تلك الأجرة، وهو من الحكم مطابق لصحيح القانون، وكان المطعون ضدهما لم يسددا الأجرة المستحقة حتى إقفال باب المرافعة في الاستئنافين بما يوجب القضاء في موضوع الاستئنافين رقمي ...، ... لسنة 110ق القاهرة برفضهما وبتأييد الحكم المستأنف.

----------------

الوقائع

وحيث إن الوقائع- على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق- تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم ... لسنة 1992 أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية على المطعون ضدها الأولى بطلب الحكم بفسخ عقد الإيجار المؤرخ 1/3/1963 والإخلاء والتسليم، وقال بيانا لذلك إن المطعون ضده الثاني استأجر شقة النزاع بموجب العقد المذكور لاستعمالها للسكنى نظير أجرة مقدارها 8.35 جنيهات شهريا من مالكة حق الحكر على المباني المقامة على أرض وقف أهلي المرحومة/ ...، وقد صدر المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على الخيرات، وآلت ملكية أرض العقار إلى ورثة الواقفة، ثم آلت إلى الطاعن ملكية أرض العقار بالشراء من ورثتها بموجب عقد البيع المشهر برقم ... في 21/2/1989 مكتب توثيق روض الفرج، ولما كان البائعون قد استصدروا حكما نهائيا في الدعوى رقم ... لسنة 1982 مدني جنوب القاهرة واستئنافها رقم ... لسنة 2001ق مدني القاهرة بانتهاء حق الحكر على الأرض وبإزالة ما عليها من مباني وأصبح الحكم باتا برفض الطعن بالنقض رقم ... لسنة 55ق المشهر لصالح الورثة برقم ... في 10/10/1989 شمال القاهرة وتعذر تنفيذ إزالة المباني لصدور حكم بوقف التنفيذ لصالح مستأجري شقق العقار في الاستشكالين رقمي ...، ... لسنة 1987 مدني الوايلي المؤيدين في الاستئنافين رقمي ... و... لسنة 1987 مدني مستأنف شمال القاهرة، وحول البائعون (الورثة) للطاعن الحق في ملكية المباني بصفته خلفا خاصا لهم في الملكية والحيازة بما في ذلك طلب تنفيذ الإزالة واستبقاء المباني والمطالبة بريعها من 1960 وحتى 1989 وما يستجد منه، وإذ ترك المطعون ضده الثاني الشقة المؤجرة له بموجب عقد الإيجار المذكور لشقيقته المطعون ضدها الأولى وامتنعت عن الوفاء بالأجرة للطاعن عن المدة من 1/12/1989 حتى 31/5/1992 وجملتها 250.50 جنيه رغم إعلانها بحوالة الحق وتكليفها بالوفاء على يد محضر بتاريخ 4/6/1992، ومن ثم فقد أقام الدعوى. حكمت المحكمة بفسخ عقد الإيجار والتسليم. استأنفت المطعون ضدها الأولى هذا الحكم بالاستئناف رقم ... لسنة 111ق القاهرة، كما استأنفه المطعون ضده الثاني بالاستئناف رقم ... لسنة 11ق القاهرة، ضمت المحكمة الاستئنافين للارتباط، وتدخلت المطعون ضدها الثالثة في الاستئنافين منضمة للمطعون ضدهما الأولى والثاني، وبتاريخ 8/ 5/ 1999 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعن المطعون ضدهم في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم ... لسنة 65ق، وبتاريخ 24/4/2001 نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه وأحالت القضية إلى محكمة استئناف القاهرة. عجل المطعون ضدهم الاستئنافين، وبتاريخ 18/3/2003 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم قبول الدعوى المستأنف حكمها لرفعها من غير ذي صفة. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.

----------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه بالوجه الثاني من السبب الثاني بالقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك يقول إنه قدم مذكرة خلال فترة حجز الدعوى للحكم دفع فيها بسقوط الاستئنافين لتعجيلهما بعد أكثر من ستة أشهر من تاريخ صدور الحكم الناقض في 24/4/2001 لأن التعجيل قد تم بصحيفتين أعلنتا بتاريخ 8/6/2002 و21/7/2002، وقد أغفلت المحكمة التعرض للدفع إيرادا وردا مما يعيب الحكم بمخالفة نص المادتين 134، 138 من قانون المرافعات، ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن البين من الحكم الصادر في الطعن بالنقض رقم ... لسنة 65ق أنه صدر في يوم الأربعاء الموافق 11 من صفر سنة 1423 هجرية الموافق 24 من أبريل سنة 2002 ميلادية، وإذ كان يوم 24/4/2001 يصادف يوم الثلاثاء الموافق 30 من محرم سنة 1422 هجرية، ومن ثم فإن ما ورد بديباجة الحكم الناقض من أنه صدر بتاريخ 24/4/2001 لا يعدو أن يكون خطأ ماديا، وكان المطعون ضدهم قد عجلوا نظر الاستئنافين في 8/6/2002 و21/7/2002 قبل انقضاء ستة أشهر من تاريخ صدور الحكم الناقض، ومن ثم يضحى النعي السالف ذكره على الحكم المطعون فيه على غير أساس جديرا برفضه.

وحيث إن حاصل ما ينعي به الطاعن على الحكم المطعون فيه بالسبب الأول والوجه الأول من السبب الثاني مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق، وفي بيان ذلك يقول إنه تملك أرض العقار بموجب عقد بيع مشهر برقم 560 لسنة 1989 شهر عقاري مكتب توثيق روض الفرج من ورثة المالكة الأصلية، وأنهم حولوا الحق في ملكية وحيازة المباني المقامة على الأرض المباعة لصدور حكم لصالحهم ضد مورثة المطعون ضدها الثالثة في الاستئناف رقم ... لسنة 101ق القاهرة المؤيد في الطعن بالنقض رقم ... لسنة 55ق والمشهر برقم 3034 لسنة 1989 مكتب توثيق شمال القاهرة، وقد قضى بانتهاء الحكر على الأرض وبإزالة ما عليها من مباني في خلال ستة أشهر من تاريخ هذا الحكم، كما حولوا له كافة الحقوق التي كانت لهم ومنها تنفيذ الحكم المذكور أو اللجوء إلى القضاء بطلب الحكم باستبقاء هذه المباني والمطالبة بالريع المتجمد من سنة 1960 وما يستجد في ذمة المستحكرة، وأنه أعلن المستأجرين بالحوالة واستلم العقار بموجب محضر تسليم مؤرخ 6/3/1989 وتم نقل تكليف أرض ومباني العقار باسمه في مصلحة الضرائب العقارية، وقدم لمحكمة الموضوع العقدين المسجلين ومحضر التسليم وكشف رسمي مستخرج من الضرائب العقارية بنقل التكليف وإعلان المستأجرين بالحوالة في 28/10/1989، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة بمقولة خلو الأوراق من سند ملكيته للمباني مهدرا كافة المستندات الرسمية المودعة ملف الدعوى، فإنه يكون معيبا بما يستوجب نقضه.

وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أنه من المقرر- في قضاء هذه المحكمة - أن النص في المادة 176 من قانون المرافعات على أنه "يجب أن تشتمل الأحكام على الأسباب التي بنيت عليها" يدل على أن المشرع لم يقصد بإيراد الأسباب أن يستكمل الحكم شكلا معينا، بل أن تتضمن مدونات الحكم ما يطمئن المطلع عليه أن المحكمة قد ألمت بالواقع المطروح عليها ومحصت ما قدم إليها من أدلة وما أبداه الخصوم من دفاع وحصلت من كل ذلك ما يؤدي إليه، ثم أنزلت حكم القانون، وذلك حتى يكون الحكم موضع احترام وطمأنينة الخصوم ويحمل بذاته آيات صحته وينطق بعدالته، وأنه متى قدم الخصم إلى محكمة الموضوع مستندات وتمسك بدلالتها فالتفت الحكم عن التحدث عنها بشيء مع ما قد يكون لها من الدلالة فإنه يكون معيبا بالقصور، وأن مخالفة الثابت بالأوراق التي تبطل الحكم هي تحريف محكمة الموضوع للثابت ماديا بالمستندات أو ابتناء الحكم على فهم حصلته المحكمة مخالفا لما هو ثابت بأوراق الدعوى، وإذا بني القاضي حكمه على واقعة استخلصها من مصدر لا وجود له أو موجود ولكنه مناقض لما أثبته أو غير مناقض ولكن من المستحيل عقلا استخلاص تلك الواقعة منه كان هذا الحكم باطلا، ومن المقرر – أيضا – أن الشريعة الإسلامية هي منشأ نظام الحكر، والتقنين المدني القديم أخذ به عنها، وكانت الشريعة الإسلامية تجيز تحكير الوقف وغير الوقف على خلاف ما يقضي به القانون المدني الحالي الذي قصره على الأراضي الموقوفة، ولئن كان مقتضي عقد الحكر أن للمحتكر إقامة ما يشاء من المباني على الأرض المحكرة وله حق القرار وملكية ما يحدثه من بناء ملكا تاما، وينقل منه هذا الحق إلى خلفه العام أو الخاص، إلا أن حيازته للأرض المحتكرة حيازة وقتية لا تكسبه الملك، وتظل هذه الحيازة على حالها فلا يجوز للمحتكر تغيير صفة وضع يده الحاصل ابتداء بسبب التحكير حتى ينتهي الحكر، ومن المقرر- أيضا- أنه إذا مضت مدة الاحتكار فإن الأرض تعود إلى مالكها، ولا يكون للمحتكر ولا لورثته حق البقاء أو إعادة البناء بل يسقط ما كان للمحتكر أو ورثته من حق البقاء والقرار، ولا يكون له إلا ثمن البناء أو الغراس، ذلك أن الفقرة الأولى من المادة 1010 من القانون المدني قد جرى نصها على أنه "عند فسخ العقد أو انتهائه يكون للمحكر أن يطلب إما إزالة البناء والغراس أو استبقائهما مقابل دفع أقل قيمتيهما مستحقي الإزالة أو البقاء، وهذا كله ما لم يوجد اتفاق يقضي بغيره". لما كان ذلك، وكان البين من الواقع المطروح من الأوراق والمستندات أن ورثة وارث الوقف أقاموا الدعوى رقم ... لسنة 1982 ضد المستحكرة/ ... مورثة المطعون ضدها الثالثة بطلب الحكم بانتهاء عقد الحكر وإزالة المباني استنادا إلى أحكام المرسوم بقانون 180 لسنة 1952، وصدر الحكم بطلباتهم في الاستئناف رقم ... لسنة 101ق القاهرة وتأيد الحكم في الطعن بالنقض رقم ... لسنة 55ق بتاريخ 5 مارس 1986، بما مؤداه سقوط حق المستحكرة وورثتها من بعدها في البقاء والقرار بالمباني المقامة على أرض الحكر بموجب الحكم البات السالف ذكره الصادر ضد المستحكرة وله حجيته على ورثتها ومن بينهم المطعون ضدها الثالثة، فليس لها الانتفاع بالمباني أو تحصيل أجرتها من المستأجرين لزوال صفتها في الملكية أو الحيازة على السواء، ومن آثاره هلاك المباني هلاكا قانونيا بالنسبة للمستحكرة وورثتها، ولا يغير من ذلك بقاء المباني ماديا لتعذر إزالتها لوقف تنفيذ الحكم بإزالتها بموجب الحكم في الاستشكالين المرفوعين من مستأجري شقق العقار دون مساس بحق ورثة المستحكرة في اللجوء إلى القضاء بطلب الحكم بالتعويض عن قيمة المباني مستحقة الإزالة، وكان البين- أيضا- من المستندات أن ورثة وارث الواقفة (مالكة الأرض محل عقد الحكر المنتهي) قد باعوا قطعة الأرض محل الدعوى للطاعن بموجب عقد البيع المشهر برقم ... في 21/2/1989 توثيق روض الفرج وحولوا له - بموجب البند الحادي عشر من ذات العقد المشهر- كافة حقوقهم في الملكية والحيازة للمباني المقامة على الأرض محل العقد والحكم الصادر في الاستئناف ... لسنة 101ق القاهرة وأحقيته في اللجوء للقضاء بطلب تنفيذ الإزالة أو باستبقاء المباني مقابل دفع أقل قيمة لها مستحقة الإزالة، كما أنذر الطاعن مستأجري شقق العقار على يد محضر بتاريخ 28/10/1989 بصفته كمالك جديد بعد استلامه العقار بموجب محضر تسليم مؤرخ 6/3/1989 ونقلت مصلحة الضرائب العقار المكلفة باسم الطاعن، بما مؤداه ثبوت صفة الطاعن في مقاضاة مستأجري وحدات العقار ومن بينهم المطعون ضدهما الأولى والثانية، وإذ تنكب الحكم المطعون فيه هذا النظر وانتهى إلى القضاء بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة على ما أورده بأسبابه (أن الأوراق خلت من سند يوضح ملكية المستأنف ضده (الطاعن) للمباني التي تقع بها عين النزاع وعجز هو عن إثبات ذلك، ومن ثم تكون الدعوى قد أقيمت من غير ذي صفة) دون أن يتعرض لدفاع الطاعن الجوهري المؤيد بمستنداته الرسمية ونأى بجانبه عنها ولم يفطن لدلالتها، مما يعيبه بالفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق، وقد جره ذلك لمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وحجبه عن مراقبة سداد حكم أول درجة في طلب فسخ عقد الإيجار والإخلاء، بما يوجب نقضه.
ولما تقدم، وكان الموضوع صالح للفصل فيه، وكان الحكم المستأنف قد أقام قضاءه بفسخ عقد إيجار عين النزاع والإخلاء لثبوت امتناع المطعون ضدها الأولى عن الوفاء بالأجرة محل التكليف بالوفاء للطاعن، كما لم يسددها المستأجر الأصلي (المطعون ضده الثاني)، ولم يقدما دليلا على براءة ذمة أيهما من تلك الأجرة، وهو من الحكم مطابق لصحيح القانون، وكان المطعون ضدهما لم يسددا الأجرة المستحقة حتى إقفال باب المرافعة في الاستئنافين بما يوجب القضاء في موضوع الاستئنافين رقمي ...، ... لسنة 110ق القاهرة برفضهما وبتأييد الحكم المستأنف.