الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 9 ديسمبر 2023

الطعن 1351 لسنة 8 ق جلسة 23 / 1 / 1965 إدارية عليا مكتب فني 10 ج 1 ق 48 ص 439

جلسة 23 من يناير سنة 1965

برئاسة السيد الأستاذ/ حسن السيد أيوب رئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة/ الدكتور ضياء الدين صالح وعادل عزيز زخاري وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدي المستشارين.

-----------------------

(48)

القضية رقم 1351 لسنة 8 القضائية

(أ) محكمة إدارية عليا 

- قرار إداري - مشروعية - رقابة محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية على القرارات الإدارية - رقابة قانونية تسلطها عليها لتتعرف مدى مشروعيتها من حيث مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون - الأمر في ذلك هو عين الموضوع الذي تتناوله المحكمة العليا عند رقابتها القانونية لتلك الأحكام والقرارات.
(ب) إثبات - تحقيق خطوط 

- عملية تحقيق الخطوط - هي مجموع الإجراءات التي رسمها القانون لإثبات صحة الورقة العرفية التي ينكرها الشخص المنسوب إليه صدورها منه - وسيلة ذلك البينة والمضاهاة بواسطة أهل الخبرة في الخطوط.
(جـ) إثبات - خبرة -

 تحقيق خطوط - قواعد وأصول عملية تحقيق الخطوط - لا التزام على المحكمة برأي الخبير الذي انتدبته - أساس ذلك أنها لا يمكن أن تقضي بغير ما تقتنع هي به ويرتاح إليه ضميرها - استخلاص قضائها ينبغي أن يكون استخلاصاً سائغاً مما أمرت به ومما يكون في ملف الدعوى من مستندات وقرائن.
(د) قضاء إداري - قرار إداري 

- سبب - رقابة القضاء الإداري في مجال القرار الإداري تجد حدها الطبيعي في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار مستمدة من أصول موجودة أو غير موجودة ومستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانونياً أم لا.

--------------
1 - إن الطعن أمام هذه المحكمة العليا، يفتح الباب أمامها لتزن الحكم أو القرار التأديبي المطعون فيه بميزان القانون، وزناً مناطه استظهار ما إذا كانت قد قامت به حالة أو أكثر من الأحوال التي تعيبه والمنصوص عليها في المادة الخامسة عشرة من القانون رقم (165) لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة فتلغيه ثم تنزل حكم القانون في المنازعة أم أنه لم تقم به أية حالة من تلك الأحوال وكان صائباً في قضائه أو قراره التأديبي فتبقي عليه وترفض الطعن. ومن المسلم كذلك أن ليس لمحكمة القضاء الإداري أو للمحاكم الإدارية أو التأديبية وما جرى مجراها من قرارات - المجالس التأديبية من حيث جواز الطعن فيها أمام هذه المحكمة، سلطة قطعية في فهم الواقع أو الموضوع تقصر عنها سلطة هذه المحكمة العليا، والقياس في هذا الشأن على نظام النقض المدني هو قياس مع الفارق. ذلك أن رقابة محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية على القرارات الإدارية هي رقابة قانونية تسلطها عليها لتتعرف مدى مشروعيتها من حيث مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون، وهذا بدوره هو عين الموضوع الذي ستتناوله هذه المحكمة العليا عند رقابتها القانونية لتلك الأحكام والقرارات. فالنشاطان وإن اختلفا في المرتبة إلا أنهما متماثلان في الطبيعة لأن مردهما في النهاية إلى مبدأ المشروعية، تلك تسلطه على القرارات الإدارية، وهذه تسلطه على هذه القرارات ثم على الأحكام.
2 - إن عملية تحقيق الخطوط La vérification ďécriture هي مجموع الإجراءات التي رسمها القانون لإثبات صحة الورقة العرفية التي ينكرها الشخص المنسوب إليه صدورها منه. ويحصل التحقيق بالبينة والمضاهاة بواسطة أهل الخبرة في الخطوط أو بإحدى الطريقتين. وتبين المحكمة في حكمها الصادر بإجراء التحقيق الطريقة التي يحصل بها، وتعيين الخبراء الذين يستعان برأيهم في عملية المضاهاة.
3 - إن عملية تحقيق الخطوط يجريها خبراء الخطوط الفنيون. فيقوم الخبير بفحص الخط الذي حصل إنكاره ودراسة خطوط الكتابة باليد لها قواعد وأصل أساسها أن لكل شخص طريقة معينة في الكتابة لا يشترك معه فيها أحد غيره حتى لو كانا قد تعلما الكتابة معاً منذ الصغر. هذا بالإضافة إلى عوامل أخرى كثيرة منها درجة الثقافة والتعليم وطريقة إمساك الشخص للقلم أو الريشة، وطريقة جلوسه أو قيامه أثناء كتابته وحالته النفسية.
وتعتمد عملية مضاهاة الخطوط على خبرة القائمين بها، مع التقيد بالقواعد والأصول التي يتعين على الخبير أن يلتزم بها أثناء فحصه للخط، ومنها شكل الخط بصفة عامة وهل هو كبير أو صغير، وطريقة كتابة السطور، ومدى الضغط على الخطوط في أجزاء الكلمات المختلفة، ثم وقفات اليد عليها، واستقامة الخط أو ميله إلى إحدى الجهات أو تقطعه في مواضع مختلفة. ولقد تقدم اليوم علم دراسة خطوط الكتابة باليد، (علم الجرافولوجيا) حتى أصبح من المستطاع معرفة أخلاق المرء من خط يده، فلا تقتصر أهمية فحص الخط على معرفة الشخص الذي كتبه وإنما تمتد إلى معرفة عاداته وأخلاقه. ويقدم أهل الخبرة في الخطوط تقاريرهم للمحكمة. ولئن كانت المحكمة لا تلتزم برأي الخبير الذي انتدبته فلها أن تحكم بما يخالفه لأنها لا يمكن أن تقضي بغير ما تقتنع هي به ويرتاح إليه ضميرها، ولئن كان للقاضي الحرية التامة في تقدير عمل الخبير الذي ندبه فله أن يأخذ برأيه وله ألا يأخذ به، وله أن يأمر بإجراءات أخرى من إجراءات الإثبات إلا أن استخلاص قضائه لابد وأن يكون استخلاصاً سائغاً مما مر به ومما يكون في ملف الدعوى من مستندات وقرائن.
4 - إن رقابة القضاء الإداري تجد حدها الطبيعي في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار مستمدة من أصول موجودة أو غير موجودة، وما إذا كانت هذه النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانونياً أم لا، إذ يتوقف على وجود هذه الأصول أو عدم وجودها وعلى سلامة استخلاص النتيجة التي انتهى إليها القرار في هذه الأصول أو فسادها، وعلى صحة التكييف القانوني للوقائع بفرض وجودها مادياً أو عدم صحة هذا التكييف يتوقف على هذا كله قيام أو عدم قيام ركن السبب في القرار الإداري ومطابقته أو عدم مطابقته للقانون.


إجراءات الطعن

في 7 من يوليو سنة 1962 أودع الأستاذ المحامي عن الرائد بالمعاش عيسى منصور عيسى, سكرتارية المحكمة تقرير طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم (1351) لسنة 8 ق في القرار الصادر من مجلس التأديب الاستئنافي لموظفي هيئة الشرطة بجلسة 9 من مايو سنة 1962 في القضية التأديبية المقامة ضده وآخر بمصلحة السجون والذي قضى: (بقبول الاستئنافين شكلاً, وفي الموضوع برفضهما, وبتأييد القرار المستأنف - بعزل هذا الطاعن وآخر - المتبولي - مع حفظ حقهما في المعاش أو المكافأة أو صندوق الادخار.) وطلب الحاضر عن الطاعن للأسباب التي استند إليها في تقرير طعنه: (القضاء بقبول هذا الطعن شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من مجلس تأديب موظفي هيئة الشرطة الابتدائي, والاستئنافي, وبراءة الطاعن من التهمة التي أسندتها إليه الوزارة مع ما يترتب على ذلك من آثار, وإلزام الوزارة مصروفات هذا الطعن, ومقابل أتعاب المحاماة). وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الداخلية في 10 من يوليو سنة 1962 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 4 من يناير سنة 1964. ولما كان هذا الطعن رقم (1351) لسنة 8 ق, قد سبقه إلى دائرة فحص الطعون الطعن الآخر رقم (1456) لسنة 8 ق وقد قررت الدائرة إحالة هذا الطعن الآخر إلى المحكمة الإدارية العليا للمرافعة بجلسة 6 من إبريل سنة 1963 ومنها إلى جلسة 25 من يناير سنة 1964 للمرافعة فيه, ونظراً لأن هذا الطعن الراهن رقم (1351) لسنة 8 ق ذو صلة وثيقة وأكيدة بالطعن الذي سبق أن أحالته دائرة فحص الطعون إلى المحكمة العليا للمرافعة فيه, فقد بادرت دائرة فحص الطعون بجلستها المنعقدة في 4 من يناير سنة 1964 إلى إحالة هذا الطعن أيضاً إلى المحكمة العليا ليلحق بالطعن الآخر الموازي له, بجلسة 25 من يناير سنة 1964. ولما كان هذا الطعن الراهن رقم (1351) لسنة 8 ق غير مهيئ للمرافعة بسبب نقص الكثير من الأوراق والمستندات اللازمة للفصل فيه فقد قررت المحكمة الإدارية العليا ضم ملف المحاكمة التأديبية من إدارة كاتم أسرار وزارة الداخلية. وقررت تأجيل النظر في الطعنين المقدمين من الرائدين (عيسى رقم 1351, المتبولي رقم (1456) إلى جلسة 29 من فبراير سنة 1964 للمرافعة. وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات المحامي الوكيل عن الرائدين عيسى والمتبولي في الطعنين المذكورين. فقال الوكيل المترافع عن الرائد عيسى أن تقرير مصلحة الطب الشرعي هو المعول عليه في تحقيق الخطوط والمضاهاة وليس تقرير خبير وزارة الداخلية لأنها خصم للطاعن. وأبرز المحامي التناقض الواضح بين تقريري خبيري الخطوط في قضية الرائد عيسى وقال إنه لا مرجح بين التقريرين المتناقضين وطلب من هذه المحكمة أن تمكنه وتسمح له بتقديم تقرير استشاري من خبير آخر مختص. فقررت المحكمة تأجيل النظر في الطعن إلى جلسة 11 من إبريل سنة 1964 مع الترخيص بالاطلاع وتقديم مستندات. وترافع الحاضر عن وزارة الداخلية وصمم على رفض هذا الطعن كما صمم أيضاً على رفض الطعن المقدم من (أحمد عرفة المتبولي). وفي 26 من ماس سنة 1964 تقدم الطاعن في هذا الطعن الراهن رقم (1351) لسنة 8 ق وهو الرائد عيسى منصور إلى السيد رئيس هذه المحكمة العليا يقول: (أشرنا في جلسة 29 من فبراير سنة 1964 أن هناك تقريرين مودعان بملف التحقيق المودع بملف الطعن رقم (1351) لسنة 8 ق, وهذان التقريران متعارضان تماماً, وقد طلبنا من هيئة المحكمة الترخيص بتقديم تقرير استشاري للترجيح بينهما. وقد قررت المحكمة في تلك الجلسة التأجيل لجلسة 11/ 4/ 1964 مع الترخيص بالاطلاع وتقديم المستندات. وقد حضرت اليوم مع الدكتور محمود عبد المجيد الذي اطلع على الملف بسكرتارية المحكمة وطلب الإذن من هيئة المحكمة بتصوير بعض المستندات المتعلقة بالتقريرين المقدمين من خبير الجدول (الدمرداش) وخبير مصلحة الطب الشرعي (عثمان). ولما كان من المتعذر نقل جهاز الطبع إلى السكرتارية فإن الطاعن عيسى يلتمس الإذن للسيد سكرتير الجلسة (أو من تندبه المحكمة باستلام المستندات لتصويرها معناً والعودة بها). وقد أشر السيد رئيس هذه المحكمة على الطلب المذكور في 28 من مارس سنة 1964 بما يأتي:
(يسلم المستند إلى موظف من مجلس الدولة ليذهب به إلى الإدارة المختصة بالتصوير ليقوم بتصويره في حضوره وإعادته إلى ملف الدعوى.) وبجلسة 11 من إبريل سنة 1964 أودع الحاضر عن الطاعن - عيسى - حافظة بمستندات جديدة فيها (1) تقرير استشاري مقدم من الدكتور محمود عبد المجيد, مدير عام أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي سابقاً والتقرير بتاريخ 8 من إبريل سنة 1964 - (2) ثلاث صور فوتوغرافية لثلاث ورقات استكتاب لخط الطاعن كتبت أمام مجلس التأديب الاستئنافي - (3) صور فوتوغرافية لثلاث طلبات مسحوبة من ملف الطاعن عيسى, وهي بخطه. (4) عدد أربع صور فوتوغرافية لمظاريف معنونة باسم السيد الرئيس, والسيد أنور السادات, والسيد فتحي الشرقاوي, والسيد زكريا محيي الدين وهي التي أجريت عليها عملية المضاهاة في التقارير الثلاثة بمعرفة خبير الجدول (الدمرداش) وقسم أبحاث التزييف والتزوير, والدكتور عبد المجيد مدير الطب الشرعي سابقاً. (5) صورة فوتوغرافية من تقرير خبير الجدول (الدمرداش) بتاريخ 4/ 12/ 1961 وثابت فيه أنه قام بمهمته بناء على تكليف السيد العقيد مفتش المباحث العامة فرع القاهرة في 2/ 12/ 1961 وهو تكليف للخبير من جهة غير قضائية. ثم قررت المحكمة حجز الطعن للحكم بجلسة 20 من يونيو سنة 1964 فقدم الحاضر عن الطاعن مذكرة جديدة في 24 من مايو سنة 1964 انتهى فيها إلى طلب الحكم بإلغاء قرار مجلس التأديب الاستئنافي الذي قضى بعزله من وظيفته واعتباره كأن لم يكن مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام وزارة الداخلية بمصروفات هذا الطعن. وبالجلسة المذكورة قررت المحكمة إعادة الطعن إلى المرافعة بجلسة 31 أكتوبر سنة 1964 لمناقشة الطرفين في بعض نقاط هذا الطعن، والطعن الآخر المقدم من الرائد المتبولي، ولتبدي الحكومة وجهة نظرها فيما قدمه الطاعن من أوراق ومستندات. فقررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم في الطعن لجلسة 12 من ديسمبر سنة 1964 مع الترخيص في تقديم مذكرات ومستندات وفي أول ديسمبر سنة 1964 قدم الطاعن عيسى مذكرة أخيرة في هذا الطعن رقم (1351) لسنة 8 انتهى فيها إلى أن الاتهام ضد الرائد عيسى قام على تقرير الخبير (عبد العزيز دمرداش) وهذا التقرير مردود بتقرير مصلحة الطب الشرعي الذي قطع بأن كتابة المظاريف ليست بخط الطاعن عيسى منصور عيسى. ومردود بتقرير الخبير الاستشاري الدكتور عبد المجيد الذي ناقض خبير الجدول الدمرداش. ومردود بتقرير مصلحة تحقيق الشخصية الذي أثبت عدم وجود بصمات للطاعن على أي من الأوراق موضوع المحاكمة, ومردود بثبوت عدم وجود أصول للأوراق موضوع المحاكمة أو مسوداتها في منزل الطاعن عيسى, ومردود بثبوت الصلة الوثيقة بين الشرطة وبين خبير الجدول, (دمرداش) الذي عين أخيراً في خدمة المؤسسة الاستهلاكية لضباط الشرطة وكان يكتب المقالات في مجلة الأمن العام التي تصدرها وزارة الداخلية, الأمر الذي يستدعي عدم الالتفات إلى تقريره وعدم التعويل عليه. وانتهت المذكرة الأخيرة للطاعن بطلب إلغاء قرار مجلس التأديب والحكم ببراءته مما هو منسوب إليه. ولم تقدم وزارة الداخلية دفاعاً غير ما جاء بأوراق وزارة الداخلية وما أبدته في جلسات المرافعة من ملاحظات. ثم قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم إلى جلسة اليوم - والتي صدر فيها أيضاً الحكم في الطعن رقم (1456) لسنة 8 ق المقدم من الرائد أحمد عرفة المتبولي.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق, وسماع الإيضاحات, وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة, حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن السيد وكيل وزارة الداخلية، أصدر في 9 من ديسمبر سنة 1961 قراراً بإحالة كل من الرائد عيسى منصور عيسى، الضابط بمصلحة الشرطة - الطاعن في هذا الطعن رقم (1351) لسنة 8 ق، والرائد أحمد عرفة المتبولي الضابط بمصلحة السجون - الطاعن في الطعن رقم (1456) لسنة 8 ق، إلى مجلس تأديب موظفي هيئة الشرطة لمحاكمتهما عن التهمة الآتية (وذلك لإخلالهما، إخلالاً خطيراً بواجبات وظيفتهما ومقتضياتها على وجه يخالف القانون والنظام. بأن قاما بإرسال منشورات، باسم ضباط الشرطة خريجي قسم الكونستبلات، دون توقيع عليها باسم السيد رئيس الجمهورية، والسادة نواب الرئيس وبعض الوزراء وكبار ضباط الشرطة، اشتملت على عبارات ماسة وآراء تدعو إلى التشيع والفرقة بين أفراد جهاز الشرطة، وأسندت إلى المسئولين، في وزارة الداخلية مجافاة العمل بالمبادئ الاشتراكية التعاونية. وقد أرسلا هذه المنشورات، بوسائل خفية، وهما اللذان تقتضيهما طبيعة أعمالهما محاربة هذه الوسائل والكشف عنها، وذلك على النحو الموضح تفصيلاً في التحقيقات والمذكرات ومحاضر التفتيش والتقارير الفنية المرافقة). وفي 7 من يناير سنة 1962 انعقد مجلس التأديب الابتدائي، وحضر الضابطان ومعهما الأستاذ المحامي عنهما، وناقشهما المجلس تفصيلاً في التهمة المنسوبة إليهما، واستمع إلى الدفاع على النحو الثابت تفصيلاً في محضر جلسة المحاكمة التأديبية، وقرر المجلس ضم الدفوع للموضوع, وتأجيل النظر في القضية التأديبية لجلسة الأربعاء 10 من يناير سنة 1962 واستدعاء كل من السيد وكيل قسم الخبراء والمفتشين بمصلحة تحقيق الشخصية (وديع بشارة يوسف) والسيد (عبد العزيز الدمرداش) الخبير لدى المحاكم للحضور أمام مجلس التأديب الابتدائي لمناقشتهما في التقريرين المقدمين منهما. وتكليف مصلحة التفتيش العام بإحضار (الأربعة عينات) المنوه عنها في التقرير المقدم من السيد (الدمرداش) والتي أجريت عليها عملية المضاهاة في الخطوط. ثم انعقد المجلس الابتدائي في 10 من يناير سنة 1962 وحضر الضابطان (عيسى والمتبولي) وطلبا التأجيل لمرض المحامي عنهما. كما حضر الخبيران (بشارة عن بصمات المتبولي، والدمرداش عن مضاهاة خطوط عيسى) وقرر مجلس التأديب رفض طلب التأجيل لعدم وجود ما يبرره إذ كان الضابطان قد استوفيا دفاعهما الأصلي في الجلسة الأولى ولم يبق إلا دفاعهما من ناحية الموضوع (المنشور) وكانا قد أعدا مذكرة بشأنه، وناقش مجلس التأديب الابتدائي الخبيرين المذكورين، كما سمح للضابطين بمناقشة الخبيرين، وذلك على النحو المفصل بمحضر جلسة التأديب ثم قرر مجلس التأديب الابتدائي إصدار القرار التأديبي.
وبجلسة 24 من يناير سنة 1962 أصدر مجلس التأديب الابتدائي لموظفي هيئة الشرطة، والمنعقد بديوان وزارة الداخلية، والمشكل برئاسة السيد اللواء مدير عام مصلحة الإدارة العامة. وعضوية اللواء مدير مصلحة الأمن العام، والسيد النائب المختص بمجلس الدولة، أصدر قراره ويقضي: (بإدانة الرائد عيسى منصور عيسى، والرائد أحمد عرفة المتبولي، في التهمة المنسوبة إليهما، ومجازاتهما عنها بعزلهما من الخدمة، مع حفظ حقهما في المعاش أو المكافأة أو صندوق الادخار). وقد أقام هذا المجلس الابتدائي قراره التأديبي بعزل الرائد عيسى منصور عيسى - الطاعن - على أن الدفاع عن هذا المتهم - عيسى - يدفع ببطلان عملية المضاهاة التي تمت بالنسبة لخط هذا الضابط، ويقر بأنها باطلة بطلاناً مطلقاً. ولا يمكن الاعتداد بها إذ المعلوم قانوناً أن تتم عملية المضاهاة بتوقيع وإمضاء المحقق على ورقة المضاهاة، بعد استكتاب المتهم أمام المحقق، وهذا لم يحصل في هذه القضية - كما يدفع ببطلان تقرير هذا الخبير لأنه لم يؤد اليمين القانونية قبل أداء مهمته كما يستوجب القانون، وأضاف دفعاً ثالثاً مفاده أن المادة (269) من قانون المرافعات توجب اعتراف المتهم بورقة المضاهاة، والضابط المتهم لا يدري عن ورقة المضاهاة شيئاً ولا يعترف بها، ويقرر بأنها ليست بخطه. وقال مجلس التأديب الابتدائي أن هذه الدفوع الثلاثة مردودة ولا يعتد بها. ذلك أن هذا الضابط قد أقر صراحة أمام المجلس بأن ورقة المضاهاة التي باشر عليها الخبير مأموريته هي بخطه وتوقيعه، ومن ثم فإن الدفعين الأول والثاني ينهاران من أساسهما، وأنه وإن لم يوقع المحقق على ورقة المضاهاة سالفة الذكر إلا أن التوقيع في هذه الحالة لم يكن له ما يبرره، ذلك أن المقصود من توقيع المحقق على ورقة الاستكتاب أن لا يعود المتهم فينكر ما كتبه. أما عن الدفع الثاني فإنه مردود كذلك لأن السيد الدمرداش خبير لدى المحاكم، وقد أدى اليمين ابتداء عندما قبل خبيراً أمام لجنة الخبراء، وليس بلازم عليه أن يؤدي اليمين قبل البدء في كل مأمورية يكلف بها. وقد قرر سيادته أمام المجلس أنه يؤدي عمله في المأموريات التي توكلها إليه المحاكم المختلفة دون أن يؤدي اليمين عن كل مأمورية بذاتها. ومن أجل ذلك تكون هذه الدفوع الثلاثة مرفوضة. ولما كان الدفاع ينعى على تقرير الخبير (الدمرداش) قصوره وعدم وضوحه إذ لم يبين الأركان الفنية التي استند عليها للوصول إلى النتيجة التي انتهى إليها كما أنه أبدى عدم ارتياحه لاختيار هذا الخبير بالذات، لأنه يكتب في مجلة الأمن العام، وكان من الصواب اختيار خبير آخر لا علاقة له برجال الشرطة حتى يكون بعيداً عن كل مظنة أو شبهة. وأصر المتهم - عيسى - على أن الخط الذي كتبت به هذه الظروف المضبوطة ليس بخطه، وهذا يبدو في كثير من الأحرف لو ضوهيت بالعين المجردة إذ الاختلاف فيها واضح. وأضاف المتهم بأن المسودات التي ضبطت في منزله تعتبر دليلاً له وليس عليه، ذلك أنه لو كان هو الذي تولى تحرير المنشور المضبوط، لاشتملت عباراته على بعض العبارات التي وردت في المسودات المضبوطة وهي أعنف وأشد مما جاء بالمنشور الموزع. وقال إن تفتيش منزله لم يسفر عن ضبط أي منشور مشابه للمنشورات المضبوطة، وهذه المسودات المضبوطة لا تعدو أن تكون عدة خواطر اعتملت في نفسه عندما أحس بالظلم الذي لحقه من جراء تكليفه بأعمال لا طاقة له بها، وهو المريض المحتاج لكل رعاية ورحمة. فإذا ما نفث عن نفسه بكتابة ما اعتقد أنه ظلم يلاحقه فلا تثريب عليه في ذلك إذ لم تخرج هذه الخواطر من حيز الأوراق التي سطرت عليها وبقيت في مكتبه إلى أن تم ضبطها. وليس في الكتابة لأحد الزملاء لمطالبته بجمع بعض المال لمساعدة زميل لهم أحيل إلى المعاش، فأقام دعوى أمام مجلس الدولة لإنصافه من ظلم اعتقد أنه وقع عليه، وليس في هذا التصرف أية مؤاخذة، إذ حق الالتجاء إلى القضاء مكفول للكافة وأن من يلجأ لمثل هذا العمل جهاراً ونهاراً ليس هو بحاجة إلى الالتجاء لطرق المنشورات السرية. كما أن المضبوطات التي وجدت في منزله كان من بينها صور من الشكاوى التي رفعها للجهات المختصة بتوقيعه، وقد احتوت هذه الشكاوى على كل ما أراده أن يصل إلى مسامع المسئولين، ومن كان يفعل ذلك فلا يلجأ إلى الطريق المحفوف بالمخاطر وهو طريق المنشورات السرية. وانتقل الدفاع إلى موضوع المنشورات فقرر أنه مع تمسكه بأن موكله (عيسى) لم يشترك فكراً ولا تنفيذاً في إرسال أو إعداد المنشورات إلا أنه يرى أنه لا يجوز مساءلة الضابط لمجرد إرسال هذه المنشورات إلى السادة رئيس الجمهورية ونوابه والوزراء وكبار الضباط. ذلك أن هؤلاء الأشخاص هم المسئولون في الدولة، ولا وجه لمساءلة أي متظلم يجأ بشكواه إلى الجهات العليا. كما أن المنشور لم يحتو على أية عبارات ماسة، وإذا ما التقطت بعض العبارات على سبيل التجاوز لتبين أنها لا تعد ماسة بأية حال مثال ذلك رجاء كاتب المنشورات أن تفسح وزارة الداخلية صدرها: "أين ما يثبت أن وزارة الداخلية تعمل بتنفيذ المبادئ التي ينادي بها رئيس الدولة، وهي ذوبان الطبقة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية..."..
فهذه العبارات لا يمكن القول بأنها ماسة ذلك أنها لا تعدو أن تكون مناشدة وتوسلاً وتذكرة بتطبيق المبادئ التي ينادي بها رئيس الدولة، وأنهم ليسوا من غير أبناء هذا البلد حتى يقع عليهم ظلم بهذا لشكل.. فهل هذه الألفاظ والمعاني تعتبر ماسة؟ وليس بالمنشور أية آراء تدعو إلى التشيع والفرقة، وليس في إيراد بعض الأمثلة عن الإنصاف الذي صدر أخيراً لصالح الضباط الذين كانوا في بدء خدمتهم عساكر بأن يبقوا في الخدمة حتى سن الستين، ليس في هذا أي نوع من التفرقة بل هو مناداة بعكس ذلك حتى يكون الجميع صفاً واحداً لا حاسد ولا محسود. ولم يرد بالمنشور أية عبارة تتضمن المساس بأية فئة من الفئات. ولم يطالب المنشور أية فئة بأي عمل من الأعمال حتى يمكن القول بأن المنشور دعا إلى التشيع والفرقة. وأن العبارة التي وردت بهذا المنشور من أن المسئولين بوزارة الداخلية لا يعلمون بالمبادئ الاشتراكية والتعاونية هذه العبارة مقصوداً بها المادة (103) من قانون هيئة الشرطة رقم (234) لسنة 1955، ولا يمكن القول بغير ذلك إذ أن المنشور يناشد اللجنة التي أمر بتشكيلها السيد وزير الداخلية أن يكون نصب أعينها إلغاء المادة (103) من القانون المذكور، فكل الاعتراض منصب على مضمون هذه المادة وليس على أحد من المسئولين بالوزارة.
وقد أنهى المتهم (الرائد عيسى) دفاعه بقوله إنه، وهو المريض بالصورة الخطيرة التي تبينها المجلس لا يمكن أن يجازف بصحته فيشترك في عمل يعاقب عليه القانون، كما أن الله قد بسط عليه من سعة الرزق فلا يغامر بمستقبله بمثل هذه التصرفات الخرقاء. وقد رد مجلس التأديب الابتدائي على دفاع الرائد عيسى بما يجري: أن هذا الدفاع لا يعتد به، ويدحضه ما هو ثابت في الأوراق - فالخبير الذي عهدت إليه الوزارة بمأمورية مضاهاة الخطوط قدم تقريره المرافق بأوراق الطعن، وخلص فيه إلى أن الضابط المذكور (عيسى) هو الذي كتب بخطه ستة عشر مظروفاً من بين الستة والعشرين مظروفاً المضبوطة وأورد في تقريره الأسباب الفنية التي استند إليها، وأوضح بالصور الفوتوغرافية المكبرة خواص الأحرف وتماثلها مع الأحرف المكتوبة في الطلب الذي أجريت عليه عملية المضاهاة. وحيث إن إنكار الضابط عيسى بعد ذلك لواقعة كتابة العناوين على الأظرف المضبوطة لا يؤبه به، وما دفع به من وجود خلاف في كيفية كتابة بعض النقط على الحروف أو كتابة حرف معين بذاته هذا الدفاع لا يعدو أن يكون من باب الجدل فحسب. والمجلس يطمئن إلى ما جاء بتقرير الخبير الدمرداش ولا يلتفت إلى الطعن الموجه إلى الخبير الدمرداش بمقولة إنه يكتب في مجلة الأمن العام ولا مصلحة لهذا الخبير إطلاقاً في أن يحنث باليمين التي حلفها، ويغير رأيه باتهام رجل برئ لمجرد أنه يكتب في مجلة الأمن العام. واستطرد مجلس التأديب الابتدائي يقول إن الأوراق التي ضبطت بمنزل الرائد عيسى - الطاعن هنا - تحمل الدليل بذاتها على أنه يتولى دوراً رئيسياً في هذه العملية، ولا يتصور أن تكون الأوراق التي أقر بكتابتها مجرد خواطر، كما أن اتصاله بزميله الرائد (إبراهيم رضوان سالم) مطالباً إياه بجمع المال من زملائه لمساعدة زميل لهم أحيل إلى المعاش، وأقام قضية ضد الوزارة أمام مجلس الدولة، هذا الاتصال يؤيد ويؤكد أن الرائد عيسى غارق لأذنيه في هذه العملية. ولا جدال في أن حق الشكوى مكفول للكافة، ولا يرى عليه أي قيد إلا أن الشكوى المرسلة في صورة منشور غفل من الإمضاء وترسل رأساً إلى السيد رئيس الجمهورية ونوابه والوزراء هذه الطريقة هي موضع المؤاخذة إذ أن هيئة الشرطة لها نظامها وطابعها وتقاليدها التي تصل إلى حد القداسة ولأي فرد من الهيئة أن يتظلم لمن يشاء بشرط أن تسير الشكوى في طريقها الذي رسمته الأوامر والتعليمات فإذا ما خالف الشرطي الطريق المرسوم للشكوى حق عليه الجزاء. والمنشور موضوع المحاكمة قد تضمن كثيراً من العبارات الماسة لا محل لتكرارها في هذا الطعن بعد أن ورد ذكرها في الحكم الصادر من هذه المحكمة العليا بجلسة اليوم في الطعن رقم (1456) لسنة 8 ق عليا المرفوع من أحمد عرفة المتبولي - واستطرد قرار مجلس التأديب الابتدائي يقول إن عبارات هذا المنشور في جملتها تتضمن إشارة فتنة طائفية في المرفق الواحد وتبث في نفوس الضباط خريجي قسم الكونستبلات روح الحقد والكراهية للمسئولين في الوزارة، كما أنها تعد سابقة خطيرة في البيئة المنوط في أفرادها أصلاً الطاعة العمياء. وانتهت أسباب القرار التأديبي الابتدائي فيما يتعلق بالرائد عيسى منصور عيسى، بالنتيجة الآتية: (وحيث إنه قد ثبت مما تقدم أن الخط الذي كتبت به عناوين الستة عشر ظرفاً المضبوطة هو خط الرائد عيسى منصور عيسى، وأنه قام بإرسال المنشورات المضبوطة والتي تضمنت العبارات الماسة سالفة الذكر بطريقة مخالفة للتعليمات، فإن التهمة المنسوبة إليه تكون ثابتة قبله).
ولذلك فإنه يتعين أخذ هذين الضابطين (المتبولي وعيسى) جزاء وفاقاً لما اقترفاه من إساءة خطيرة لواجبات المهنة التي شرفتهما بالانتساب إليها. ولقد كان المجلس يود استعمال الرأفة مع الرائد عيسى منصور عيسى - الطاعن الراهن - بسبب المرض الذي ألم به، إلا أن جسامة الخطأ الذي ارتكبه هو وزميله، وخطورة الآثار الناجمة عنه، حالت دون ذلك،.. فلهذه الأسباب قرر المجلس الابتدائي إدانة الرائد عيسى والرائد عرفة المتبولي في التهمة المنسوبة إليهما، ومجازاتهما عنها بعزلهما من الخدمة مع حفظ حقهما في المعاش أو المكافأة أو صندوق الادخار.
وفي 25 من يناير سنة 1962 تقدم كل من الرائدين (عيسى، والمتبولي) بطلب استئناف قرار مجلس التأديب الابتدائي الصادر في 24 من يناير سنة 1962، فانعقد مجلس التأديب الاستئنافي لموظفي هيئة الشرطة نزولاً على حكم المادتين (72 و73) من القانون رقم 234 لسنة 1955 بنظام هيئة البوليس، بجلسة 14 من مارس سنة 1962 بديوان وزارة الداخلية برئاسة اللواء وكيل الوزارة لشئون الأمن والشرطة، لنظر الاستئناف المرفوع من كل من الرائدين المعزولين. وفي هذه الجلسة قال المتهم عيسى إن تقرير الخبير الدمرداش لم يعرض علي ولم أره إلا بعد صدور القرار الابتدائي بعزلي. وأنا أقسم أني لم أكتب هذه الظروف ولم اشترك في المنشورات ولو جاء خبير واحد من مائة خبير وقرر أن هذا خطي فإني أخضع لحكمكم. وأنا أوافق على أي خبير تختارونه لتقارنوا بين المكتوب على الظروف وبين خطي. وقال نعم أرسلت كتاباً موقعاً عليه باسمي إلى السيد مدير المخابرات بالقصر الجمهوري لأشكو من ظلم صارخ وقع ضدي لأني مريض وقرر القومسيون الطبي إعفائي من الخدمات المجهدة ومع ذلك كلفتي مصلحة الشرطة بأعمال تخالف قرار القومسيون وأنا مصاب بانسداد في الشريان التاجي للقلب فلا استطيع صعود 330 درجة سلم كل يوم في عملي الذي كلفت به. ولما تظلمت من ذلك لم يستمع أحد لشكواي فكتبت أطلب مقابلة وزير الداخلية لأشرح له شكواي وكتب باسمي صراحة إلى مخابرات القصر الجمهوري. وقال الدفاع عن الرائد عيسى أنه طلب من مجلس التأديب الابتدائي اختيار خبير استشاري ولو على نفقته الخاصة لأن تقرير خبير الجدول (الدمرداش) خاطئ والنتيجة التي انتهى إليها تقريره لا تطابق الحقيقة. ولكن المجلس الابتدائي رفض هذا الطلب وأقام قراره بالإدانة على تقرير فني خاطئ وهو تقرير (الدمرداش). وكان يتعين على المجلس الابتدائي قبول طلب المتهم واختيار خبير فني آخر. والمتهم عيسى ينكر ورقة المضاهاة ولا يعترف بها. ويلتمس المتهم من المجلس الاستئنافي أن يأمر ويختار بنفسه من يشاء من الخبراء الفنيين لمضاهاة خط المتهم على المظاريف التي أرسلت بداخلها المنشورات موضوع الاتهام. وقال إن المتهم عيسى مريض بمرض خطير وقد صدر قرار السيد الرئيس بإيفاده على نفقة الدولة إلى الخارج (السويد) للعلاج السريع، وكان الرائد عيسى يستعد للسفر إلى الخارج تنفيذاً لقرار القصر الجمهوري ولكن هذا الاتهام حال دون سفره فضاعت عليه فرصة العلاج وقرر أنه مظلوم من التهمة المنسوبة إليه (ص 5 من محضر جلسة المحاكمة الاستئنافية). ثم قرر المجلس الاستئنافي استكتاب الرائد عيسى منصور عيسى أمامه، وأملى عليه عبارات الظروف المضبوطة وذلك على ثلاث ورقات منفصلة أشر عليها السيد رئيس المجلس بالنظر والتاريخ 14/ 3/ 1962، والمجلس الاستئنافي قرر إرسال استكتابات الرائد عيسى مرفقاً به طلب إجازة قديم من ملف خدمته مكتوب بخط يده واعترف به الرائد عيسى، قرر المجلس إرسالها كلها إلى قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي لإجراء المضاهاة عليها مع إخطار القسم المذكور بإرسال التقرير المطلوب على وجه السرعة - ص 8 من محضر جلسة المحاكمة الاستئنافية - وبجلسة 5 من إبريل سنة 1962 كان قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي قد قدم تقريراً بالمطلوب منه مؤرخاً في 21 من مارس سنة 1962، وحاصل هذا التقرير المطول أنه يخلص مما تقدم (أن خط العبارات المدونة على الظروف الثلاثة موضوع البحث تختلف عن خط الرائد عيسى منصور عيسى - الطاعن هنا - بأوراق استكتابه، وبأوراق المضاهاة الأخرى، وأن عبارات الظروف المذكورة كتبت بيد شخص آخر غيره). وقرر المجلس الاستئنافي تأجيل القضية لجلسة 25 من إبريل سنة 1962 لإعلان خبيري الخطوط (الدمرداش ومحمد صالح عثمان من مصلحة الطب الشرعي) المعينين في الدعوى لمناقشتهما أمام المجلس وبالجلسة المذكورة حضر الخبيران كما حضر الضابطان المتهمان وأخذ المجلس في مناقشة الخبير الدمرداش على ضوء ما جاء بتقرير الطب الشرعي بعد أن حلف الخبيران اليمين أمام المجلس الاستئنافي. فأدلى كل خبير بوجهة نظره الفنية مؤيداً التقرير الذي تقدم به، والتقريران متعارضان. تقرير الدمرداش يقول إن الظروف مكتوبة بخط الرائد عيسى، وتقرير الطب الشرعي يؤكد أنها ليست بيده على الإطلاق.
وبجلسة 9 من مايو سنة 1962 أصدر مجلس التأديب الاستئنافي قراره ويقضي: (بأن المجلس قرر حضورياً قبول الاستئنافين شكلاً، وفي الموضوع برفضهما، وبتأييد القرار المستأنف). وجاء في أسباب هذا القرار بشأن الطاعن عيسى منصور عيسى ما يأتي: "ومن حيث إنه عن الاتهام المسند إلى الرائد عيسى، فإن المجلس بعد أن استعرض تقرير خبير الجدول - الدمرداش - وتقرير مصلحة الطب الشرعي - عثمان - وبعد أن ناقش هذين الخبيرين في الأسس التي بني عليها كل منهما تقريره، يطمئن إلى أن الكاتب لخط المظاريف المضبوطة هو هذا المتهم، للأسباب الواردة بتقرير خبير الجدول وبمحضر مناقشته في جلسة المرافعة الأخيرة، ولا يعول المجلس على اعتراضات الكيماوي الشرعي، في هذا الخصوص، لأنها لا تعدو أن تكون خلافات ظاهرية مردها إلى السرعة في الكتابة أو البطء فيها، أو إجادة الكاتب للخط أو عدم إجادته، وهي أمور قد تختلف في الشخص الواحد منها مع نفسه حتى في المحرر الواحد. وقد دلل الخبير - الدمرداش - على ذلك بوضوح في الجلسة الأخيرة بما يرتاح هذا المجلس الاستئنافي إلى الأخذ به والتعويل عليه. ومن حيث إنه مما يؤكد هذا الأمر أنه ضبط لدى المتهم - عيسى - بمسكنه أوراق تعد في مجموعها وثيقة الصلة بما جاء بالمنشورات موضوع هذه الدعوى. ولا أدل على ذلك من مسودة التظلم المقدم منه إلى السيد مدير عام المخابرات بالقصر الجمهوري الذي ورد به حرفياً: (اتخذت ضدي إجراءات تعسفية خيل إلي أنني زنجي بأمريكا أو أسود بجنوب أفريقيا). وهي تماثل الألفاظ الواردة بالمنشورات محل الاتهام. ولقد لجأ في إرسال هذا التظلم إلى تخطي المرفق الذي ينتمي إليه مما يحمل في طياته المعنى الوارد بتقرير الاتهام من إرساله للمنشورات المضبوطة بوسائل خفية وغير نظامية. لم يلتزم فيها التدرج الرئاسي، والاختصاص المصلحي بنظر مثل هذه المحررات. وثابت من الأوراق أن هذا المتهم - عيسى - قام بنشاط توجيهي لزملائه من أبناء طائفته نحو مطالبهم الخاصة المشار إليها بالمنشورات المضبوطة. ولا أدل على ذلك من الخطاب المضبوط بمنزله والمرسل إليه من زميله الرائد إبراهيم رضوان سالم والذي يتضمن أنه أي المتهم عيسى، كان قد أرسل خطاباً لزميله رضوان يطلب منه جمع بعض المال من زملائه وتشير الدلائل إلى أن هذا الطلب كان متعلقاً بالقضية التي أقامها زميله المقدم بالمعاش عبد الفتاح عبد العزيز غنيم، ومما يؤكد هذا النشاط أيضاً اعتراف المتهم عيسى بالمحضر المؤرخ 6/ 12/ 1961 والمحرر من العقيد محمد حسن المفتش بالوزارة من أنه كانت ترد إليه مذكرات عديدة بطريق البريد من زملائه أبناء طائفته تتضمن مطالبتهم بتحسين حالتهم، وأنه وردت إليه ذات مرة مذكرة محررة على الآلة الكاتبة بشأن التفرقة بين الضباط خريجي كلية الشرطة، والضباط خريجي قسم الكونستبلات وقد قام المتهم بمراجعة هذه المذكرات وأراد التعديل فيها فحرر مسودة بالمعنى الوارد بها.
ومن حيث إن هذا الطعن يقوم على أن مجلس التأديب المطعون في قراره قد خانه التوفيق في المبررات التي أقام عليها ترجيحه لرأي خبير الجدول على رأي مصلحة الطب الشرعي فلم يسلك العمل الذي تسلكه المحاكم عادة من الاستعانة في مثل هذه الحالات برأي خبير مرجح على ما يجري عليه القضاء الجنائي والمدني فضلاً على أن الثابت أن خبير الجدول على صلة بوزارة الداخلية ويعمل عندها بأجر وأن هذا الخبير لم يتبع الطريقة التي رسمها قانون المرافعات وقانون الإجراءات الجنائية عند إجراء عملية المضاهاة. وكذلك فات مجلس التأديب الاستئنافي أن المنشورات المضبوطة جاءت خالية تماماً من أي بصمة عليها للطاعن عيسى منصور مع أن المجلس التأديبي أقام إدانته لزميل هذا الطاعن وهو الرائد أحمد عرفه المتبولي على أساس تقرير خبير البصمات. وفضلاً عن ذلك فإن الطاعن ينعى على القرار التأديبي المطعون فيه ارتكازه على قرائن غير قاطعة تدور كلها حول استنتاج أن الرائد عيسى على صلة بمشكلة الضباط خريجي قسم الكونستبلات ومن ثم فإنه غارق إلى أذنيه في تهمة المنشورات. ثم عرج تقرير الطعن إلى فحوى المنشورات المضبوطة وقال ما سبق أن قاله بشأنها في الطعن رقم (1456) لسنة 8 ق من أنها لا تستحق هذه الضجة ولا تبرر إنزال أشد العقاب ما دام حق المتظلم مكفولاً للكافة. واختتم تقرير الطعن أسبابه بأن للقضاء رقابة على تقدير الجزاء التأديبي إذا ما تبين عدم الملاءمة بين الذنب الإداري والجزاء الموقع على الطاعن عيسى. وطلب الطاعن قبول هذا الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من مجلس تأديب موظفي هيئة الشرطة الابتدائي والاستئنافي وبراءة الطاعن عيسى منصور عيسى من التهمة التي أسندتها إليه وزارة الداخلية ومن العزل الذي أنزله به مجلس التأديب.
ومن حيث إن الطعن أمام هذه المحكمة العليا، يفتح الباب أمامها لتزن الحكم أو القرار التأديبي المطعون فيه بميزان القانون، وزناً مناطه استظهار ما إذا كانت قد قامت به حالة أو أكثر من الأحوال التي تعيبه والمنصوص عليها في المادة الخامسة عشرة من القانون رقم (165) لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة فتلغيه ثم تنزل حكم القانون في المنازعة أم أنه لم تقم به أية حالة من تلك الأحوال وكان صائباً في قضائه أو قراره التأديبي فتبقي عليه وترفض الطعن. ومن المسلم كذلك أن ليس لمحكمة القضاء الإداري أو للمحاكم الإدارية أو التأديبية وما جرى مجراها من قرارات المجالس التأديبية من حيث جواز الطعن فيها أمام هذه المحكمة، سلطة قطعية في فهم الواقع أو الموضوع تقصر عنها سلطة هذه المحكمة العليا، والقياس في هذا الشأن على نظام النقض المدني هو قياس مع الفارق. ذلك أن رقابة محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية على القرارات الإدارية هي رقابة قانونية تسلطها عليها لتتعرف مدى مشروعيتها من حيث مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون، وهذا بدوره هو عين الموضوع الذي ستتناوله هذه المحكمة العليا عند رقابتها القانونية لتلك الأحكام والقرارات. فالنشاطان وإن اختلفا في المرتبة إلا أنهما متماثلان في الطبيعة لأن مردهما في النهاية إلى مبدأ المشروعية، تلك تسلطه على القرارات الإدارية، وهذه تسلطه على هذه القرارات ثم على الأحكام.
ومن حيث إن مجلس التأديب لموظفي هيئة الشرطة بدرجتيه الابتدائي والاستئنافي قد استند في إثبات التهمة المحددة في قرار الإحالة، إلى الطاعن الرائد عيسى منصور عيسى، إلى تقرير خبير الجدول الدكتور عبد العزيز الدمرداش، واستمد منه أصالة دليل الاقتناع. وهذا التقرير محرر في 4/ 12/ 1961 وتجري عباراته بالآتي: تقرير في مضاهاة الخطوط مقدم إلى إدارة المباحث العامة بوزارة الداخلية، السيد العقيد مفتش المباحث العامة. إيماء إلى تكليف سيادتكم لي بتاريخ 2/ 12/ 1961 بالمأمورية المبينة بعد أقدم رأيي الآتي: المأمورية. بيان خط الظروف المقدمة، وعددها (23) ومضاهاتها على عينات الخطوط المرفقة بهذه المظاريف لمعرفة الكاتب للظروف موضوع البحث: الأوراق المقدمة هي (23) مظروفاً كتبت بالمداد. ثم أربعة (4) عينات لخطوط مختلفة. وقد دل الفحص على الآتي: أولاً - بعد فحص خطوط الـ (23) مظروفاً وجدت أن (16) ستة عشر كتبت بخط شخص واحد والباقي كتبت بخط شخص آخر. ثانياً: بمضاهاة خط الـ (16) ظرفاً وخط الـ (7) ظروف على عينات الخطوط المقدمة لي، تبين لي أن خط الستة عشر ظرفاً تتفق مع خط السيد الرائد عيسى منصور - الطاعن في هذا الطعن - وذلك من حيث الخواص الخطية الطبيعية للكاتب. ونقدم على سبيل المثال ما يأتي: (1) يلتزم كاتب الظروف كتابة حرف اللام المفرد بزائدة تكون مع بداية عمود اللام زاوية حادة، وهذه الخاصة الطبيعية للكاتب لها نظائر من عينة خط الرائد عيسى (2) ثم إن حرف الراء المتصل التزم كاتب الظروف كتابته مقوساً على شكل ربع دائرة أسفل أيمن، وهذه الخاصة الطبيعية التزم كتابتها الرائد عيسى في كتابته المقدمة للمضاهاة. (3) وكذلك فإن حرف الراء مع الشين اختلفت في تكوينها عما هو مشاهد عند اتصالها بحرف اللام، فكتبت بطرف منتهى منعقف إلى أعلى يميناً، وهذه الخاصة الطبيعية نجدها ماثلة التكوين في خط الرائد عيسى... (4) وكذلك التفاف حرف الطاء المبتدئ مع الهاء المعقودة التزم كاتب الظروف كتابة الالتفاف بيضاوي صغير، وشرطة الطاء عمودية الوضع ومنفصلة عن التفاف، وهذه الخاصة الطبيعية التزمها الرائد عيسى. والصور الفوتوغرافية تبين بوضوح هذه الخاصة. (5) وبالإضافة إلى ذلك فإن مسار اليد الكاتبة للظروف الـ (16) تتحدد مع مسار يد الرائد عيسى في كتابتها الطبيعية المقدمة للمضاهاة. والخلاصة: للأسباب الفنية الواردة بصلب هذا التقرير نرى أن الرائد عيسى هو الكاتب للظروف الستة عشر المذكورة بصدر هذا التقرير. توقيع الخبير الدمرداش". فلما أن أبدى الطاعن اعتراضه على هذا التقرير لأسباب جوهرية مستقاة من عيون الأوراق وتمس الضمانات الجوهرية لعملية مضاهاة الخطوط من ذلك أن عملية المضاهاة قد أجريت دون عمل استكتاب قانوني، وقبل البدء في التحقيق وجرت لا بناء على طلب مجلس التأديب وإنما بناء على طلب من المباحث العامة على النحو الثابت بصدر التقرير المقدم للمجلس الابتدائي من خبير لا يطمئن الطاعن إلى حيدته لسبب أو لآخر فإن مجلس التأديب الابتدائي لم يلتفت إلى هذه الملاحظات وأعرض عنها ولم يستجب إلى طلب الطاعن أن يعين المجلس خبير آخر يقوم بمضاهاة الأوراق التي يستكتبها المجلس الابتدائي للطاعن ويطلب من الخبير المعين من المجلس أن يقوم بمضاهاة العبارة المستكتبة بالمجلس مع خطوط الظروف جسم الجريمة وصلب الاتهام.
ومن حيث إن مجلس التأديب الاستئنافي كان قد اتجه إلى تحقيق دفاع الطاعن عيسى وبدأ الطريق السليم عندما قرر استدعاء أحد خبراء قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي بالقاهرة، وهي الإدارة الرسمية الأولى في جهاز الدولة لهذه المهمة الدقيقة فندبه لذلك بعد أن قام بحلف اليمين القانونية أمام المجلس الاستئنافي، كما استكتب هذا المجلس الطاعن عيسى لذات العبارات الواردة على الظروف المضبوطة وطلب المجلس إلى هذا الخبير الشرعي المختص أن يقوم بعملية المضاهاة بين أوراق الاستكتاب وأوراق المضاهاة (piéces de Comparaison) فقدم هذا الخبير المنتدب، (محمد صالح عثمان) تقريره المفصل المستفيض إلى المجلس الاستئنافي بتاريخ 21/ 3/ 1962 وانتهى فيه إلى أنه يقرر مما تقدم: (أن خط العبارات المدونة على الظروف الثلاثة موضوع البحث يختلف عن خط الرائد عيسى منصور بأوراق استكتابه، وبأوراق المضاهاة الأخرى، وأن عبارات الظروف المذكورة كتبت بيد شخص آخر غيره). - وقد أبلغ السيد رئيس المجلس عن هذا التقرير الشرعي وأشير عليه بالنظر وبأن يضم إلى أوراق التحقيق - وهذه التأشيرة تحمل تاريخ 5/ 4/ 1962 - أما تقرير مصلحة الطب الشرعي هذا فإنه قام على الأسباب الآتية: (بناء على كتاب السيد اللواء رئيس مجلس التأديب الاستئنافي لموظفي هيئة شرطة رقم (331 سري في 15/ 3/ 1962) وانتدابي أنا الكيمائي الشرعي محمد صالح عثمان الخبير بقسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي بالقاهرة أثبت أني تسلمت المظروف المرسل، وهو مغلق وموقع عليه بتوقيع بمداد أزرق بتوقيع عبد العظيم والتاريخ 15/ 3 ومعنون أن بداخله ما يأتي: (1) ثلاث أوراق استكتاب بخط الرائد عيسى إمام مجلس التأديب الاستئنافي بجلسة 14/ 3/ 1962 وموقع عليها من هيئة المجلس (2) طلب إجازة مؤرخ 18/ 7/ 1961 مسحوب من ملف خدمة الطاعن ومعترف بصدوره منه بجلسة 14/ 3/ 1962 أمام المجلس (3) طلب إجازة مؤرخ 10/ 6/ 1961 مسحوب من ملف خدمته (4) طلب مؤرخ 11/ 3/ 1961 مسحوب من ملف خدمته (5) ثلاث مظاريف معنونة الأول إلى السيد نائب رئيس الجمهورية ووزير الداخلية زكريا محيي الدين، والثاني إلى السيد أنور السادات رئيس مجلس الأمة والثالث إلى السيد فتحي الشرقاوي وزير العدل (6) أربع صور فوتوغرافية الأولى لطلب الإجازة المعترف بصدوره منه، والمسحوب من ملف خدمته مؤرخ 18/ 7/ 1961 والثانية للمظروف المرسل لوزير الداخلية، والثالثة للمظروف المرسل لرئيس مجلس الأمة والرابعة لوزير العدل (7) تقرير في مضاهاة الخطوط من خمس ورقات مؤرخ 4/ 12/ 1961 ومقدم من الدكتور عبد العزيز الدمرداش الخبير لدى المحاكم، والمطلوب تنفيذاً لانتداب السيد رئيس المجلس وهو إجراء المضاهاة لمعرفة ما إذا كانت الظروف قد كتبت بخط الرائد المستكتب أمام المجلس (عيسى) من عدمه، الفحص:
أولاً - بالإطلاع على الظروف الثلاثة المرسلة موضوع الفحص وجدت تحتوي على العبارات الآتية: الظرف الأول: ويحتوي على عبارات. القاهرة. وزارة الداخلية. السيد نائب رئيس الجمهورية ووزير الداخلية زكريا محيي الدين. والظرف الثاني إلى أنور السادات، والظرف الثالث إلى فتحي الشرقاوي.. وقد حررت هذه العبارات جميعها بمداد أزرق بقلم رفيع نسبياً، وبخط رقعي القاعدة جيد الدرجة ينم عن تمكن صاحبه من الكتابة وإجادته لها ويتفق فيها من حيث الدرجة والخواص والمميزات الخطية وطريقة كتابة الألفاظ والمقاطع المشتركة مما يشير إلى وحدة اليد الكاتبة لها جميعها....
ثانياً - وبالاطلاع على ورقات استكتاب الرائد عيسى الثلاث أمام المجلس التأديبي الاستئنافي بجلسة 14/ 3/ 1961 وجدت محررة بمداد أزرق فاتح وتحتوي على العبارات المدونة على الظروف الثلاثة، مكتوبة مرتين بخط رقعي القاعدة حسن الدرجة، وتسير الكتابة في هذا الاستكتاب على مستوى واحد من القوة والثبات والمكرر من الألفاظ والمقاطع كتبت بطريقة متحدة تخلو من محاولات التصنع والتلاعب والتنويع، وقد تأشر على كل من هذه الورقات الثلاثة بعبارة كتب أمامنا. يتلوها ثلاث توقيعات على شكل فرمة من رئيس المجلس. وبالاطلاع على الورقات الثلاثة المسحوبة من ملف خدمة الرائد عيسى الذي اعترف أمام رئيس المجلس بصدورها منه.
وبفحص هذه الورقات الثلاث، وجدت محررة بمداد بنفسجي اللون وبخط رقعي القاعدة حسن الدرجة يتفق في درجته ومميزاته وخصائصه مع خط استكتاب الرائد عيسى بالورقات الثلاث أمام مجلس التأديب الاستئنافي مما يشير إلى وحدة اليد الكاتبة لهذه الورقات الست جميعها. وقد وجدنا أن ورقات المضاهاة الست المذكورة قد اكتملت لها العناصر الفنية التي تكسبها الصلاحية في إعطاء صورة كاملة صادقة لخط كاتبها، ومجمل هذه العناصر الفنية هو طبيعة الكتابة في هذه الأوراق وسلامتها من محاولات التصنيع والتلاعب ومعاصرتها في التاريخ للأوراق موضوع الفحص، فضلاً عن احتوائها على عدد كاف من الألفاظ والمقاطع التي تكفل دراسة وافية لمميزات خط الكاتب. ثانياً: وبإجراء عملية المضاهاة بين خط العبارات المدونة على الظروف الثلاثة موضوع البحث، وخط ورقات المضاهاة الست المذكورة بالبند السابق وجدنا أن الخطين يختلفان من حيث الدرجة والخواص الخطية وطريقة كتابة الألفاظ: ونجمل فيما يلي أوجه الخلاف الرئيسية بين الخطين: - (1) أن خط العبارات المدونة على الظروف أرقى في درجته، وكاتبه أكثر تمكناً في الكتابة وإجادته لها من كاتب ورقات المضاهاة، وترى هذه الظاهرة أوضح ما يكون في المقطع المكون من حرفي اللام والجيم من لفظي الجيزة، والجمهورية، وفي لفظ محيي وفي حرف النون في لفظ (الدين) أن كاتب ورقات المضاهاة الست التزم في تنقيط الأحرف ذات النقطتين، وهي الفاء المفتوحة والمربوطة والياء والقاف كتابة هاتين النقطتين منفصلتين، وفي وضع رأسي أو مائل قليلاً يميناً أو يساراً. أما في العبارات المدونة على الخطابات الثلاثة فقد التزم كاتبها بكتابة هاتين النقطتين: إما على شكل خط أفقي كما هو الحال في لفظ السيد، ولفظ رئيسي أو على شكل رقم (8) صغير كما هو الحال في لفظ القاهرة، ولفظ الأمة. (3) أن المقطع المكون من حرفي اللام والجيم من لفظي الجيزة والجمهورية كتب في ورقات المضاهات بحركة قلمية واحدة، بينما في الظروف الثلاثة كتب هذا المقطع بحركتين قلميتين مستقلتين عن بعضهما أولاهما عبارة عن عمود حرف اللام والثانية عبارة عن حرف الجيم (4) أن الذراع الرأسي الذي يرتكن عليه حرف التاء المربوطة الأخير من لفظي (الداخلية) المكرر مرتين، (الأمة) كتب في الظروف موضوع البحث مقوساً بشكل ظاهر ناحية اليسار بينما نجد هذا الحرف في أوراق المضاهاة، في اللفظين المذكورين، وفي غيرهما من الألفاظ المحتوية عليه مثل لفظ السنوية (بالطلب المؤرخ 18/ 7/ 1961) لفظ الصحية, ولفظ الشرطة (بالطلب المؤرخ 11/ 3/ 1961) كتب مرتكناً إلى ذراع مستقيم التكوين رأسي الوضع خال من التقويس (5) أن لفظ (محيي) بالظرف المعنون إلى زكريا محيي الدين، كتب تبعاً للقواعد الإملائية بحرفي ياء كاملي التكوين بينما أهملت كتابة الياء الأولى، وأهمل تنقيطها كذلك في هذا اللفظ باستكتاب الرائد عيسى - وهذا الخلف يعزز ما ذهبنا إليه من اختلاف المستوى الكتابي في كل من الظروف موضوع البحث وأوراق المضاهاة. (6) أن من مميزات كاتب ورقات المضاهاة الست الخطية، وضع حرف الألف تحت حرف اللام في أول الألفاظ، ونذكر منها على سبيل المثال، الألفاظ: القاهرة، الداخلية، السيد، الجمهورية، العقيد، التصريح، الصالح، المحامي.. وغير ذلك. أما في الظروف الثلاثة فالسائد فيها وضع الألف على يمين عمود اللام ومواز له. (7) الخلاف في طريقة كتابة الألفاظ وتكوينها. نذكر منها على سبيل المثال: ألفاظ فتحي، بالجيزة، الدين.
رابعاً: أطلعنا (الخبير الشرعي صالح عثمان) على التقرير المقدم من السيد عبد العزيز الدمرداش في 4/ 12/ 1961 وقد وجدنا أن الاتفاق الخطي الذي ذكره في التقرير لا يعدو أن يكون تشابهاً ظاهرياً يتفق وجوده بين أي خطين تقاربت الدرجة الخطية في كل منهما. وأن هذا التشابه الظاهري لا يرتقي إلى مرتبة اللازمة الخطية التي يتميز بها خط الكاتب وتدخل في تكوين شخصيته الكتابية الفردية، وأن الأمثلة التي ساقها سيادته في تقريره لخير دليل على ما نقول، وسنبين ذلك فيما يلي: ( أ ) حرف اللام المنفصل - أن الدراسة الفنية لهذا الحرف لتظهر أن عمود هذا الحرف والأحرف المماثلة في ورقات المضاهاة كتب مقوساً في جزئه الأول ناحية اليسار. أما في الظروف الثلاثة فقد كتب هذا العمود مقوساً في البداية ناحية اليمين. كما أن تقويس كاسة هذا الحرف يختلف في كل من الخطين في درجة التقويس وتدرج ضغط القلم ومساره (ب) حرف الراء المتصل - كتب في الظروف أكثر تقويساً وعمقاً من نظائره في أوراق المضاهاة (جـ) حرف الطاء من لفظ الشرطة بالصورة الفوتوغرافية المكبرة بالصفحة الرابعة من التقرير كتب بيضي التكوين، وجراته مقوسة بينما نظائره بأوراق المضاهاة كتبت مثلثة التكوين، وتغلب على جراتها الاستقامة وزاوية الاتصال. (خامساً) لإظهار ما ذكرناه من خلافات جوهرية بين خط الظروف الثلاثة موضوع البحث، وخط الرائد عيسى - الطاعن - بأوراق استكتابه الثلاث والأوراق المسحوبة من ملف خدمته قمنا بعمل صور فوتوغرافية وأرفقت بهذا التقرير. إمضاء).
ومفاد هذا التقرير الفني المفصل، والمقدم بناء على طلب مجلس التأديب الاستئنافي من مصلحة الطب الشرعي على أسس قانونية وفنية سليمة، أن الخطوط التي تحملها ظروف المنشورات السرية هي ليست للرائد عيسى وإنما هي خطوط لشخص آخر سواه. ولم يثبت أن ظرفاً واحداً من الظروف المضبوطة يمكن أن ينسب إليه.
ومن حيث إن عملية تحقيق الخطوط La verification ďécriture هي مجموع الإجراءات التي رسمها القانون لإثبات صحة الورقة العرفية التي ينكرها الشخص المنسوب إليه صدورها منه. ويحصل التحقيق بالبينة والمضاهاة بواسطة أهل الخبرة في الخطوط أو بإحدى الطريقتين. وتبين المحكمة في حكمها الصادر بإجراء التحقيق الطريقة التي يحصل بها، وتعيين الخبراء الذين يستعان برأيهم في عملية المضاهاة وهذه العملية يجريها خبراء الخطوط الفنيون. فيقوم الخبير بفحص الخط الذي حصل إنكاره، ودراسة خطوط الكتابة باليد، لها قواعد وأصول أساسها أن لكل شخص طريقة معينة في الكتابة لا يشترك معه فيها أحد غيره حتى لو كانا قد تعلما الكتابة معاً منذ الصغر. هذا بالإضافة إلى عوامل أخرى كثيرة منها درجة الثقافة والتعليم، وطريقة إمساك الشخص للقلم أو الريشة، وطريقة جلوسه أو قيامه أثناء كتابته وحالته النفسية. وتعتمد عملية مضاهاة الخطوط على خبرة القائمين بها، مع التقيد بالقواعد والأصول التي يتعين على الخبير أن يلتزم بها أثناء فحصه للخط، ومنها شكل الخط بصفة عامة وهل هو كبير أو صغير، وطريقة كتابة السطور، ومدى الضغط على الخطوط في أجزاء الكلمات المختلفة، ثم وقفات اليد عليها، واستقامة الخط أو ميله إلى إحدى الجهات أو تقطعه في مواضع مختلفة. ولقد تقدم اليوم علم دراسة خطوط الكتابة باليد، (علم الجرافولوجيا) حتى أصبح من المستطاع معرفة أخلاق المرء من خط يده، فلا تقتصر أهمية فحص الخط على معرفة الشخص الذي كتبه وإنما تمتد إلى معرفة عاداته وأخلاقه. ويقدم أهل الخبرة في الخطوط تقاريرهم للمحكمة. ولئن كانت المحكمة لا تلتزم برأي الخبير الذي انتدبته فلها أن تحكم بما يخالفه لأنها لا يمكن أن تقضي بغير ما تقتنع هي به ويرتاح إليه ضميرها، ولئن كان للقاضي الحرية التامة في تقدير عمل الخبير الذي ندبه، فله أن يأخذ برأيه وله ألا يأخذ به، وله أن يأمر بإجراءات أخرى من إجراءات الإثبات إلا أن استخلاص قضائه لابد وأن يكون استخلاصاً سائغاً مما أمر به ومما يكون في ملف الدعوى من مستندات وقرائن.
ومن حيث إنه ليس فقط مصلحة الطب الشرعي قد أكدت في تقريرها الشرعي المقدم إلى مجلس التأديب الاستئنافي في 21/ 3/ 1962 أن الرائد عيسى منصور - الطاعن - منبت الصلة بخط العبارات المدونة على ظروف المنشورات السرية وأن خطه يختلف عن خطوط اليد التي كتبت الظروف، وإنما أيضاً بعثت مصلحة تحقيق الشخصية بتقرير مؤرخ 7/ 2/ 1962 إلى السلطات المختصة تتضمن نتيجة مضاهاة بصمات الطاعن عيسى على الآثار المرفوعة من على المنشورات السرية. وقد تم هذا الإجراء بناء على كتاب إدارة كاتم أسرار الداخلية في 1/ 2/ 1962 وجاء في هذا التقرير أنه قد تم أخذ بصمات الرائد عيسى في 3/ 2/ 1962 وبإجراء المضاهاة المطلوبة تبين: أن الأثر الباقي الذي لا يزال لمجهول والمرموز لصورته بالرقم (3) والمرفوع من على إحدى منشورات الدفعة الثانية التي أجري فحصها بالمصلحة يختلف اختلافاً بيناً عن بصمات الرائد عيسى المأخوذة له بالمصلحة يوم 3/ 2/ 1962. وهذا مع الإحاطة بأن الآثار المرموز لصورها بالأرقام (1 و9 و10 و11 و12 و13 ب) والتي وجدت على المنشورات الواردة للفحص انطبقت على بصمات الرائد - أحمد عرفه المتبولي - الطاعن في الطعن رقم (1456) لسنة 8 ق فإذا أضيف إلى ذلك أنه بجلسة المرافعة أمام هذه المحكمة العليا في 26 من مارس سنة 1964 تقدم الطاعن بطلب إلى السيد رئيس هذه المحكمة الترخيص له بتقديم استشاري ليرجح بين تقرير خبير الجدول الدمرداش وتقرير مصلحة الطب الشرعي فقررت المحكمة الترخيص بالاطلاع وبتقديم مستندات ثم أشر رئيس المحكمة على الطلب المقدم إليه بما يفيد تمكين الطاعن من تصوير بعض المستندات المودعة بملف الطعن وعلى أثر ذلك قدم الطاعن حافظة في 8/ 4/ 1964 بها تقرير استشاري مقدم من الدكتور محمود عبد المجيد مدير عام أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي سابقاً، وجاء في هذا التقرير المفصل ما يؤكد: (1) أن العبارات التي كتبت بها عناوين المظاريف ليست بخط هذا الطاعن (2) أن تقرير السيد الخبير الدمرداش لا يستند إلى أساس علمي لأنه لم يقم بدراسة الخصائص الخطية لكل من الأوراق موضوع الفحص وأوراق المضاهاة للإلمام بالعناصر الخطية (3) وأنه يتفق في الرأي مع التقرير المقدم للمجلس الاستئنافي من مصلحة الطب الشرعي.
ومن حيث إن الثابت مما تقدم أن اتهام الطاعن - عيسى منصور عيسى - والتقرير بإدانته والحكم عليه بالعزل من وظيفته إنما قام كل ذلك أصالة على تقرير السيد خبير الجدول بأن الطاعن هو الكاتب المحرر لمظاريف المنشورات السرية. وقد بان بوضوح من كل ما سبق أن هذا التقرير لا ينهض دليلاً ولا يقوى على مساندة الاتهام بعد إذ تقدمت مصلحة الطب الشرعي بتقرير مفصل سليم تطمئن إليه هذه المحكمة لما انطوى عليه من دقة وتأصيل خلص إلى رأي فني قاطع بأن الطاعن ليس هو الكاتب لمظاريف المنشورات السرية وأنها كتبت بخط يخالف خطه. أكد ذلك أيضاً التقرير الاستشاري المقدم من الطاعن ولم تعلق عليه الحكومة بشيء، وقد فند هذا التقرير الاستشاري تقرير خبير الجدول ورماه بالبعد عن الأساليب العلمية في البحث والتمحيص مما أدى إلى نتيجة عكسية بعيدة عن حقيقة الأوضاع وكذلك أكد تقرير مصلحة تحقيق الشخصية عدم وجود بصمات للطاعن في الطعن الراهن على أي من الأوراق موضوع المحاكمة التأديبية كما دلت المعاينة وأظهر التفتيش المفاجئ الذي أجرته السلطات بمنزل الطاعن وبمكتبه، على عدم وجود أصول للمنشورات السرية أو مسودات لها. وكل ما وجد من أوراق بمنزله لا يعدو أن يبين أنه من ضباط خريجي قسم الكونستبلات وأنه على صلة بأمرهم المعروض على جهة القضاء الإداري للفصل فيه وفقاً لأحكام القانون. كما وجدت أصول الشكاوى وتظلمات أرسلها بخطه وتوقيعه إلى السلطات المختصة وفي مقدمتها ما يتعلق بالمرض الدفين الذي يقاسي منه وقد شهد بذلك القومسيون الطبي العام وأشارت إليه أسباب القرار المطعون فيه. ولئن كان القضاء الإداري لا هيمنة له على ما تكون منه الإدارة عقيدتها واقتناعها في شيء من هذا، فإنما الرقابة التي للقضاء المذكور تجد حدها الطبيعي في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار مستمدة من أصول موجودة أو غير موجودة، وما إذا كانت هذه النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانونياً أم لا، إذ يتوقف على وجود هذه الأصول أو عدم وجودها، وعلى سلامة استخلاص النتيجة التي انتهى إليها القرار من هذه الأصول أو فسادها، وعلى صحة التكييف القانوني للوقائع بفرض وجودها مادياً أو عدم صحة هذا التكييف يتوقف على هذا كله قيام أو عدم قيام ركن السبب في القرار الإداري ومطابقته أو عدم مطابقته للقانون.
وإذ كان الثابت من كل ما تقدم أن القرار التأديبي المطعون فيه كان، في شأن هذا الطاعن عيسى منصور عيسى، وليد استخلاص غير سائغ ولا مقبول فإن الأسباب التي ارتكز عليها تخالف الوقائع المادية والأسانيد الفنية والقانونية التي أحاطت بالاتهام المنسوب إليه فجاء قرار مجلس التأديب بعزل الطاعن من الخدمة مخالفاً لأحكام القانون - ويكون هذا الطعن فيه سليماً فيما انتهى إليه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من مجلس تأديب موظفي هيئة الشرطة الاستئنافي فيما قضى به من تأييد القرار الابتدائي الصادر بعزل الرائد عيسى منصور عيسى (الطاعن) من الخدمة, وببراءته من التهمة المسندة إليه مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الوزارة المطعون عليها بالمصروفات.

الطعن 2580 لسنة 6 ق جلسة 23 / 1 / 1965 إدارية عليا مكتب فني 10 ج 1 ق 47 ص 433

جلسة 23 من يناير سنة 1965

برئاسة السيد الأستاذ/ حسن السيد أيوب رئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة/ الدكتور ضياء الدين صالح ومحمد شلبي يوسف وعادل عزيز زخاري وأبو الوفا زهدي المستشارين.

---------------

(47)

القضية رقم 2580 لسنة 6 القضائية

(أ) سكك حديدية - وظيفة 

- القانون رقم 468 لسنة 1954 - شرط وجود الوظائف الخالية المنصوص عليه فيه - العبرة هي بتوافره بعد العمل بهذا القانون لا قبل ذلك.
(ب) موظف - سكك حديدية 

- وظيفة - القانون رقم 468 لسنة 1954 - حظره تقليد الموظف غير اللائق صحياً وظيفة أدنى عند عدم خلو وظيفة معادلة بغير قبوله - لا عبرة بالقبول السابق على نفاذ القانون المشار إليه.

-----------------
1 - إن العبرة فيما يتعلق بشرط وجود الوظائف الخالية الواردة بالقانون رقم 468 لسنة 1954 بشأن نقل موظفي مصلحة السكك الحديدية الذين يرسبون في الكشف الطبي إلى وظائف الكادر الفني المتوسط بها، هي بتوافر هذا الشرط بعد العمل بهذا القانون لا قبل ذلك.
2 - إنه لا حجة فيما ذهب إليه الطاعن من أن المطعون ضده قد قبل طائعاً مختاراً وظيفة كاتب بوسطة التي هي وظيفة أدنى من وظيفته السابقة إذ تقدم بعدة طلبات يطلب فيها إعادة تعيينه في أية وظيفة خالية دون قيد، لأن المفهوم أن طلباته السابقة هذه التي تستخلص منها جهة الإدارة قبوله للوظيفة الأدنى كانت قبل تعيينه في وظيفة كاتب بوسطة في 27 يناير سنة 1954 أي قبل العمل بالقانون رقم 468 لسنة 1954 الذي نهى عن تقليد الموظف غير اللائق صحياً وظيفة أدنى - عند عدم خلو وظيفة معادلة - بغير قبوله، فلا اعتداد بقبول الموظف للوظيفة الأدنى قبل أن يقرر الشارع هذا الحكم ويجعل الأمر في نقله أو تقليده للوظيفة الأدنى رهناً بقبوله.


إجراءات الطعن

في 29 من أغسطس سنة 1960 أودعت إدارة قضايا الحكومة بالنيابة عن المدير العام للهيئة العامة لشئون السكك الحديدية سكرتارية المحكمة تقرير طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 2580 لسنة 6 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بالإسكندرية بجلسة 2 من يوليه سنة 1960 في الدعوى رقم 357 لسنة 6 القضائية المقامة من السيد/ رزق الله ميخائيل ضد الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية والقاضي باستحقاق المدعي تسوية حالته طبقاً لأحكام القانون رقم 468 لسنة 1954 على أساس نقله إلى الدرجة السابعة بالكادر الفني المتوسط اعتباراً من 26 من ديسمبر سنة 1954 وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق المالية من تاريخ الاستحقاق مع إلزام الحكومة بالمصروفات - وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن "قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه بالمصاريف والأتعاب" وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده في 15 من فبراير سنة 1961 وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 19/ 1/ 1963 وتداول الطعن في الجلسات حتى جلسة 16/ 2/ 1963 وفيها قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا وعين لنظره أمامها جلسة 12 من ديسمبر سنة 1964 وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق, وسماع إيضاحات ذوي شأن, وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المدعي بعد أن حصل على قرار بالإعفاء من الرسوم أقام الدعوى رقم 357 لسنة 6 القضائية أمام المحكمة الإدارية بالإسكندرية ضد الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية بصحيفة أودعها سكرتارية المحكمة في 26 من أغسطس سنة 1959، وقال بياناً للدعوى إنه كان يشغل وظيفة معاون توضيب بالدرجة السابعة الفنية بالكادر الخاص بملاحظي البلوك والمناورة، وبسبب إصابته أثناء العمل في 6 من أغسطس سنة 1952 تقرر فصله من الخدمة لعدم اللياقة الطبية اعتباراً من 31 من أكتوبر سنة 1952 ثم صدر القانون رقم 468 لسنة 1954 ونص في مادته الثانية على ما يأتي: "إذا اتضحت عدم اللياقة أثناء الخدمة لأحد من الشاغلين للوظائف المبينة في الجدول المرافق وكانت هناك في مصلحة السكك الحديدية وظائف أخرى خالية في الكادر الفني المتوسط معادلة لوظيفته في الدرجة وفقاً لنهاية مربوطها وتتناسب معها في طبيعة العمل يجب نقله إليها إذا ثبتت لياقته الطبية لشغلها. فإذا كانت أدنى منها فلا ينقل الموظف إليها إلا إذا قبلها ومع ذلك إذا لم توجد إلا وظيفة أعلى يندب إليها ويمنح مرتبه وعند خلو وظيفة معادلة في الدرجة لوظيفته السابقة ينقل إليها بالمرتب الذي وصل إليه على أن تحتسب الأقدمية بمراعاة مدة الخدمة السابقة". وأضاف المدعي أنه يحق له أن يطلب تسوية حالته وفقاً لأحكام هذه المادة لأن وظيفته من بين وظائف ملاحظي البلوك الواردة في الجدول المرافق للقانون المشار إليه وبناء على أن المادة الرابعة من ذلك القانون نصت على أنه يسري على من تم فصله من الخدمة اعتبار من أول يوليه سنة 1952، وذكر المدعي أيضاً أن التسوية التي قامت الجهة الإدارية بإجرائها لحالته مخالفة لأحكام القانون رقم 468 لسنة 1954 لأنها تضمنت تنزيله إلى وظيفة بالدرجة الخصوصية أي أقل من وظيفته الأولى بدرجتين وذلك اعتباراً من 27 من يناير سنة 1954 دون الحصول على موافقته في هذا الصدد، وقد انتهى المدعي إلى طلب الحكم بتسوية حالته وفقاً لأحكام القانون رقم 468 لسنة 1954 وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق مع إلزام الجهة الإدارية بالمصاريف.
وقد أودع السيد مفوض الدولة لدى المحكمة الإدارية تقريراً بالرأي القانون في الدعوى انتهى فيه إلى أنه يرى الحكم بأحقية المدعي في تسوية حالته تسوية صحيحة طبقاً لأحكام القانون رقم 468 لسنة 1954 وما يترتب على ذلك من آثار منها صرف كامل الفروق المستحقة له اعتباراً من 2/ 9/ 1954 مع إلزام الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية المصاريف - وقد تضمن التقرير أن الهيئة المذكورة "دفعت الدعوى في ردها على طلب المساعدة القضائية بأن المدعي كان يشغل وظيفة معاون توضيب بالدرجة السابعة الفنية بالكادر الخاص بملاحظي البلوك والمناورة بماهية قدرها 12 جنيهاً و150 مليماً وفصل لعدم اللياقة الطبية اعتباراً من 20/ 10/ 1952 وأعيد إلى الخدمة في وظيفة كاتب بوسطة في الدرجة الخصوصية 72/ 108 بأول مربوطها اعتباراً من 27/ 1/ 1954 ورفع الدعوى رقم 372 لسنة 8 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري طالباً إلغاء قرار فصله واعتباره بماهيته السابقة، ونظراً لصدور القانون رقم 468 في 2/ 9/ 1954 اعتبر قرار فصله لاغياً واعتبر منقولاً إلى وظيفة كاتب بوسطة في الدرجة الخصوصية خارج الهيئة 72/ 108 بالماهية التي كان يتقاضاها في وظيفته السابقة وقدرها 12 جنيهاً و150 مليماً، وطبقاً للمادة 4 من القانون سالف الذكر لم تصرف فروق عن المدة من تاريخ فصله إلى 2/ 9/ 1954 تاريخ العمل وقد نقل المدعي إلى هذه الوظيفة التي لا تعادل وظيفته الأصلية في الدرجة وفقاً لنهاية مربوطها ولا تتناسب معها في طبيعة العمل تطبيقاً لنص المادة الأولى من القانون رقم 468 لسنة 1954 سالف الذكر حيث لم تكن هناك وظائف خالية معادلة لوظيفته، وقد قبل إعادته إلى الوظيفة التي نقل إليها، ومن ثم لا يحق له أن يطالب بتسوية حالته من جديد لإعادته إلى وظيفة مناسبة لوظيفته السابقة".
وفي 2 من يوليه سنة 1960 أصدرت المحكمة الإدارية بالإسكندرية حكمها في الدعوى قاضياً باستحقاق المدعي تسوية حالته طبقاً لأحكام القانون رقم 468 لسنة 1954 على أساس نقله إلى الدرجة السابعة بالكادر الفني المتوسط اعتباراً من 26/ 12/ 1954 وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق المالية من تاريخ الاستحقاق وإلزام الحكومة بالمصروفات، وأقامت المحكمة قضاءها على أنه بان لها من استظهار حالة المدعي من واقع ملف خدمته أنه كان يشغل وظيفة معاون توضيب في الدرجة السابعة الفنية بالكادر الخاص بملاحظي البلوك والمناورة بماهية قدرها 12 جنيهاً و150 مليماً وفصل من الخدمة لعدم لياقته الطبية اعتباراً من 22/ 10/ 1952. وبناء على الطلبات المقدمة منه لتعيينه في أية وظيفة عين في 27/ 1/ 1954 في وظيفة كاتب بوسطة بالدرجة الخصوصية 60/ 84 ج ببداية مربوطها بعد أن ثبتت لياقته طبياً لشغلها. ولما صدر القانون رقم 468 لسنة 1954 اعتبر في هذه الوظيفة وتلك الدرجة وبنفس مرتبه الذي كان يتقاضاه قبل فصله من وظيفته السابقة ودون صرف فروق عن الفترة السابقة على نفاذ هذا القانون، وأنه يبين من ذلك أن الشرطين اللذين تطلبهما القانون رقم 468 لسنة 1954 متوافران في حق المدعي إذ كان وقت فصله في 22/ 10/ 1952 شاغلاً لإحدى الوظائف المبينة بالجدول الملحق بالقانون، كما أن فصله من الخدمة بسبب عدم اللياقة الطبية تم بعد 1/ 7/ 1952 ومن ثم فإنه يفيد من أحكام هذا القانون، بحيث إنه كان يتعين على الإدارة أن تنقله إلى إحدى الوظائف التي تتناسب مع وظيفته السابقة في الدرجة. وأن وظيفة كاتب بوسطه التي نقل إليها أدنى من حيث الدرجة من وظيفته السابقة وليس بملف خدمته ما يفيد قبوله التعيين في هذه الوظيفة، ولا يخل بذلك أنه كان قد تقدم عقب فصله من الخدمة بطلبات لتعيينه في أية وظيفة، ذلك أن هذه الطلبات سابقة على تاريخ العمل بالقانون رقم 468 لسنة 1954 كما أنها لم تنصب على وظيفة بالذات بحيث تفصح عن قبوله إياها، كما أن الثابت من البيان الخاص بالدرجات السابعة التي خلت بميزانية الهيئة في ميزانية 53/ 1954 والميزانيات اللاحقة المقدمة من الإدارة ضمن حافظة مستنداتها المودعة في 23/ 5/ 1950 أنه كانت هناك 17 درجة سابعة خالية لطائفة البلوك شغلت في 26/ 12/ 1954 أي بعد تاريخ العمل بالقانون رقم 468 لسنة 1954 وكان على الإدارة أن تسوي حالة المدعي على إحدى هذه الدرجات.
وبالصحيفة المودعة في 29 من أغسطس سنة 1960 طعن المدير العام للهيئة العامة للسكك الحديدية في الحكم سالف الذكر طالباً إلغاءه ورفض دعوى المدعي مع إلزامه بالمصاريف والأتعاب، وأقام الطاعن طعنه على أنه لما كان الثابت من الأوراق أنه لم يكن بالإدارة وظائف خالية معادلة من حيث الدرجة للوظيفة التي كان يشغلها المطعون ضده أو أعلا منها أو تتناسب معها فإنه لا محل لإعمال النص الوارد في القانون لاستحالة تنفيذه، وفضلاً عن ذلك فإن وظيفة كاتب بوسطة التي أعيد تعيين المطعون ضده عليها وإن كانت أدنى من وظيفته السابقة إلا أنه قد قبلها طائعاً مختاراً، إذ تقدم بعدة طلبات يطلب فيها إعادة تعيينه في أية وظيفة خالية دون قيد، ومن ثم فإن قبوله وظيفة أدنى وفقاً لنص المادة يمنعه من المطالبة بمثل هذه التسوية ولا محل لما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أنه كانت هناك وظائف خالية عددها 17 درجة سابعة لطائفة البلوك وقد شغلت في 26/ 12/ 1954، ذلك أن المطعون ضده قد عين في الوظيفة اللاحقة في 27/ 1/ 1954 ولم يثبت أن تلك الدرجات كانت خالية وقت هذا التعيين ومن الجائز أن تكون قد خلت بعد ذلك وبعد قبوله لهذه الوظيفة.
وقد أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن انتهت فيه إلى أنها ترى أنه غير قائم على سند من القانون ويتعين رفضه.
ومن حيث إن ما ذهب إليه الطاعن من أنه لا محل لإعمال حكم القانون رقم 468 لسنة 1954 ما دام أنه لم تكن هناك بالإدارة وظائف خالية معادلة من حيث الدرجة للوظيفة التي كان يشغلها المطعون ضده أو أعلا منها أو تتناسب معها، فإنه مردود بما هو ثابت من الكشف المقدم من الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية إلى المحكمة الإدارية في 23 من مايو سنة 1960 ضمن حافظتها رقم 21 دوسيه من أنه كانت توجد لطائفة البلوك (التي ينتمي إليها المطعون ضده أصلاً) 17 درجة سابعة فنية خالية وشغلت في 26 من ديسمبر سنة 1954 أي بعد العمل بالقانون رقم 468 لسنة 1954 المشار إليه، ولا يغير من الأمر شيئاً قول الطاعن أن المطعون ضده كان قد عين قبل ذلك في 27 من يناير سنة 1954 في وظيفة كاتب بوسطة ولم يثبت أن الوظائف أو الدرجات المشار إليها كانت خالية في هذا الوقت، ذلك أن العبرة فيما يتعلق بشرط وجود الوظائف الخالية هي بتوافره بعد العمل بالقانون رقم 468 لسنة 1954 لا قبل ذلك، وهذا القانون لم يكن في 27 من يناير سنة 1954 قد صدر أو عمل به بعد، وهو إنما عمل به منذ 2 من سبتمبر سنة 1954 وقد وجدت آنئذ 17 درجة سابعة خالية تسنى لجهة الإدارة شغلها في 26 من ديسمبر سنة 1954 وكان في وسعها أن تنقل المطعون ضده إلى إحداها ما دامت شروط القانون قد توافرت فيه دون أن تمتنع عن ذلك بذريعة سبق تعيينه قبل القانون في وظيفة أدنى.
ومن حيث إنه لا حجة فيما ذهب إليه الطاعن من أن المطعون ضده قد قبل طائعاً مختاراً وظيفة كاتب بوسطة التي هي وظيفة أدنى من وظيفته السابقة إذ تقدم بعدة طلبات يطلب فيها إعادة تعيينه في أية وظيفة خالية دون قيد، لأن المفهوم أن طلباته السابقة هذه التي تستخلص منها جهة الإدارة قبوله للوظيفة الأدنى قبل تعيينه في وظيفة كاتب بوسطة في 27 من يناير سنة 1954 أي قبل العمل بالقانون رقم 468 لسنة 1954 الذي نهى عن تقليد الموظف غير اللائق صحياً وظيفة أدنى - عند عدم خلو وظيفة معادلة - بغير قبوله، فلا اعتداد بقبول الموظف للوظيفة الأدنى قبل أن يقرر الشارع هذا الحكم ويجعل الأمر في نقله أو تقليده للوظيفة الأدنى هنا بقبوله والمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 468 لسنة 1954 صريحة في توكيد هذا الاتجاه.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن غير قائم على سند من القانون متعين الرفض مع إلزام الهيئة الطاعنة بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وبرفضه موضوعاً وألزمت الهيئة الطاعنة بالمصروفات.

الطعن 1202 لسنة 8 ق جلسة 17 / 1 / 1965 إدارية عليا مكتب فني 10 ج 1 ق 46 ص 424

جلسة 17 من يناير 1965

برئاسة السيد الأستاذ/ الدكتور محمود سعد الدين الشريف نائب رئيس المجلس وعضوية السادة الأساتذة/ أحمد موسى وعلي محسن مصطفى وحسنين رفعت حسنين ومحمد طاهر عبد الحميد المستشارين.

-----------------

(46)

القضية رقم 1202 لسنة 8 القضائية

(أ) جامعة - ترقية 

- تعيين في وظيفة أستاذ ذي كرسي - مرجحات التعيين وملاءماته متروكة لتقدير سلطة التعيين - مهمة اللجنة العلمية المنوط بها فحص الإنتاج العلمي لا تتعدى التحقق من توافر شروط الكفاية العلمية في المرشح - لا اعتداد بالقول بوجوب التقيد بترتيب المرشحين حسبما تضعه اللجنة العلمية بحيث لا يملك كل من مجلس الجامعة أو المجلس الأعلى للجامعات أن يحيد عن مؤداه - مجلس الجامعة باعتباره سلطة التعيين يملك التصدي بنفسه للموضوع واتخاذ قرار فيه.
(ب) جامعة - ترقية 

- تعيين في وظيفة أستاذ ذي كرسي - لا يكفي فيه مجرد الكفاية العلمية بل هناك جوانب متعددة قد يرجح بها ميزان التفصيل لصالح مرشح دون آخر.

-----------------
1 - إن القانون رقم 184 لسنة 1958 في شأن تنظيم الجامعات ينص في المادة 48 منه على أن يعين وزير التربية والتعليم أعضاء هيئة التدريس في الجامعات بناء على طلب مجلس الجامعة بعد أخذ رأي مجلس الكلية والقسم المختص وتشترط موافقة المجلس الأعلى للجامعات على التعيين في وظيفة الأستاذ ذي الكرسي، ويكون التعيين من تاريخ موافقة مجلس الجامعة. ثم نصت المادة 55 على أنه "عند التعيين في وظيفة أستاذ ذي كرسي يشكل المجلس الأعلى للجامعات بناء على طلب مجلس الجامعة المختص لجنة علمية لفحص الإنتاج العلمي للمرشح وتقديم تقرير مفصل عن هذا الإنتاج، وعما إذا كان يرقى لاستحقاق المرشح الوظيفة التي تقدم إليها مع ترتيب المرشحين بحسب كفاياتهم العلمية..." كما نصت المادة 56 على أن "للمجلس الأعلى للجامعات عند النظر في الترشيح لشغل وظائف الأساتذة ذوي الكراسي أن يتصدى للموضوع ويتولى بنفسه اتخاذ قرار فيه وفي هذه الحالة يكون التعيين من تاريخ موافقة المجلس الأعلى للجامعات".
ومن حيث إن الأصل المؤصل أن تترخص الجهة الإدارية - المنوط بها التعيين في الوظائف العامة - بسلطتها التقديرية بما لا معقب عليها في ذلك إلا عند مخالفة القانون وإساءة استعمال السلطة.
ومن حيث إنه يستفاد من أحكام القانون رقم 184 لسنة 1958 آنف الذكر أن المشرع رسم الإجراءات وبين المراحل التي يتعين على الهيئات الجامعية التزامها في تعيين الأساتذة ذوي الكراسي كما حدد الاختصاص الذي أضفاه على كل من هذه الهيئات التي لها شأن في ذلك التعيين.
ومن حيث إن الواضح من نص المادة 45 من القانون رقم 184 لسنة 1958 في شأن تنظيم الجامعات في الجمهورية العربية المتحدة أن الاختصاص بالتعيين في وظائف الأساتذة ذوي الكراسي إنما ينعقد لمجلس الجامعة يمارسه - حسبما اشترطته المادة 55 - بعد الاستيثاق من تحقق شرط الكفاية العلمية في المرشح بواسطة اللجنة العلمية المنوط بها فحص إنتاجهم العلمي، وتقديم تقرير مفصل عن هذا الإنتاج.
ومن حيث إنه لا شبهة في أن مهمة هذه اللجنة لا تتعدى أمر التحقق من توافر شرط الكفاية العلمية في المرشح، وذلك بتوليها فحص إنتاجه العلمي توطئة لتقرير ما إذا كان جديراً بأن يرقى به بحثه إلى مستوى ما يتطلب في الأستاذ من رسوخ في العلم وأصالة في التفكير. أما القول بوجوب التقيد بترتيب المرشحين حسبما تضعه اللجنة العلمية، بحيث لا يملك كل من مجلس الجامعة أو المجلس الأعلى للجامعات أن يحيد عن مؤداه فهو نظر غير معتبر، لأنه يجعل رأي هاتين الهيئتين متوقفاً على تقدير اللجنة مع أن مرجحات التعيين وملاءماته متروكة دائماً لتقدير سلطة التعيين، ومع أن قانون تنظيم الجامعات يخول صراحة للمجلس الأعلى للجامعات في المادة 56 "عند النظر في الترشيح لشغل وظائف الأساتذة ذوي الكراسي أن يتصدى للموضوع ويتولى بنفسه اتخاذ قرار فيه". وقد يجدي في بعض المواطن الرجوع إلى ترتيب المرشحين في مجال الكفاية العلمية حين يقر الترجيح وتدق وجوه المفاضلة بينهم عند تساويهم في استجماع شرائط الصلاحية الأخرى. ومع ذلك لا يمنع مجلس الجامعة مانع قانوني - باعتباره سلطة تعيين - من أن يتصدى للموضوع برمته بأقيسته العلمية الصادقة، وبما يتهيأ له من أسس الترجيح الصائبة الصادرة من الصفوة المختارة من أعضائه، وكلهم من أصحاب القدم الراسخة المشهود لهم بالقدرة الكاملة على وزن الكفايات والمفاضلة بينها بفضل ما أوتوا من ثاقب النظرة، وأصيل الفكرة ورصين التقدير.
2 - إن التعيين في وظيفة الأستاذ ذي الكرسي يفتقر فوق الكفاية العلمية إلى كمال الاستعداد والتفوق في نواح أخرى، وجوانب متعددة قد يرجح بها ميزان التفضيل لصالح مرشح دون آخر، فقوة الشخصية والقدرة على التدريس والتأثير، والسيطرة على انتباه الشباب والتمكن من حسن توجيه الطلاب وإرشادهم في بحوثهم وتنمية روح البحث والابتكار فيهم هي بعض الاعتبارات التي لابد من استحضارها لحسم المفاضلة بين أقدار المرشحين، وبهذه المقاييس الشاملة يؤمن العثار في التقدير وتتقى مساوئ النظرة القاصرة على ترتيب الكفاية العلمية فيما بين المتنافسين.
ومن حيث إنه يترتب على ما تقدم أن مجلس الجامعة وإن يكن مقيداً بقرار اللجنة العلمية فيما يتعلق بمستوى الكفاية العلمية الذي يبلغ الحد المشترط لاستحقاق المرشح لمنصب الأستاذية، إلا أنه غير مرتبط بالترتيب الذي تتوخاه اللجنة بالنسبة لدرجة المرشحين.


إجراءات الطعن

بتاريخ 28/ 5/ 1962 أودعت إدارة قضايا الحكومة, بالنيابة عن السيد وزير التعليم العالي والسيد/ مدير جامعة الإسكندرية, قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجداولها تحت رقم 1202 لسنة 8 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بتاريخ 29/ 3/ 1962 في الدعوى رقم 1436 لسنة 14 القضائية المرفوعة من الدكتور محمد خليل صلاح ضد وزارة التعليم العالي وجامعة الإسكندرية والقاضي بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطي المدعي في التعيين في وظيفة أستاذ كرسي الكيمياء الحيوية بكلية الطب بجامعة الإسكندرية مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جامعة الإسكندرية المصروفات.
وطلب الطاعن للأسباب المبينة في تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وأعلن الطعن للمدعي بتاريخ 13/ 6/ 1962 وبعد استيفاء إجراءاته أحيل لهذه الدائرة لنظره بجلسة 5/ 4/ 1964 وبعد تداوله بالجلسات وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بالمحاضر قررت إرجاء النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من الأوراق تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 1436 لسنة 14 القضائية. طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من وزير التربية والتعليم في 31/ 3/ 1960 فيما تضمنه من تخطيه في التعيين في وظيفة أستاذ بجامعة الإسكندرية اعتباراً من 13/ 6/ 1959 وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة المصروفات، تأسيساً على أن هذا القرار صدر مخالفاً للقانون ذلك لأن اللجنة العلمية وضعته سابقاً على الدكتور محمد محمود طه، الذي عين في القرار المطعون فيه، في ترتيب الكفاية العلمية على مقتضى الحكم الوارد بالمادة 55 من القانون رقم 184 لسنة 1958 بشأن تنظيم الجامعات، ومن ثم فما كان لأية هيئة من هيئات الجامعة أن تنقض قرار هذه اللجنة العلمية بأسباب لم ترد بالقانون.
ومن حيث إن واقعة الدعوى تتحصل في أن جامعة الإسكندرية أعلنت في إبريل سنة 1958 عن وظيفة أستاذ الكيمياء الحيوية لكلية الطب التي خلت في 7/ 5/ 1960 بوفاة الدكتور تورب فلاشنتيريجر فتقدم لشغل هذه الوظيفة المدعي والمطعون في تعيينه الدكتور محمد محمود طه، وقد انتهت اللجنة العلمية المشكلة لفحص الإنتاج العلمي لكل منهما إلى أن مستوى أبحاثهما جيد ومتين ويرتفع بهما إلى مستوى الأستاذية ويحق لكل منهما شغل كرسي الكيمياء الحيوية المعلن عنه، غير أن إنتاج الدكتور محمد خليل صلاح أكثر عدداً ويشمل نواحي متعددة في الكيمياء الحيوية وانتهت اللجنة إلى وضع المدعي سابقاً على المطعون في تعيينه في ترتيب الكفاية العلمية على هذا السبب. وقد وافق مجلس قسم الفسيولوجيا على قرار اللجنة، فلما عرض على مجلس الكلية رأى هذا المجلس أن يستوضح لجنة الفحص بعض النقاط فأوضحتها منتهية إلى ذات النتيجة الأولى. فعرض الأمر ثانية على مجلس القسم الذي رأى أن يرشح الدكتور محمد محمود طه لأنه ليس هناك فرق ظاهر من حيث الإنتاج يفضل أحد المرشحين على الآخر، أما كثرة العدد، التي استندت عليها اللجنة العلمية، فهي متوفرة فعلاً في أبحاث الدكتور محمد خليل صلاح ولكن هذه الكثرة ليست دائماً مقياساً للقيمة العلمية للأبحاث، وقد يرجع السبب في العدد لظروف الدكتور محمد خليل صلاح أثناء عمله بالإسكندرية مع الدكتور فلاشنتيريجر الذي كان يتيح له وقتاً للبحث لم يتوفر للدكتور محمد محمود طه، ثم أشاد مجلس القسم بالمجهود الكبير الذي بذله الدكتور محمد محمود طه في إدارة شئون قسمه منذ وفاة أستاذه. فلما عرض الأمر على مجلس الكلية قرر بالإجماع ترشيح الدكتور محمد محمود طه (1) لأن مؤهلاته جميعها في الكيمياء الحيوية أما زميله فدرجة الدكتوراه فقط في هذه المادة (2) ولأنه يشتغل بتدريس المادة منذ تخرجه سنة 1936 أما زميله فاشتغل بها منذ سنة 1946، (3) ولأنه قام بإدارة قسم الكيمياء الحيوية منذ وفاة الدكتور فلاشنتيريجر سنة 1957 بكل جدارة. وأضاف مجلس الكلية أنه ليس من مصلحة العمل والاستقرار بالقسم وبالكلية عودة أحد أعضاء هيئة التدريس سبق نقله منها. وقد وافق مجلس الجامعة على اقتراح مجلس الكلية ووافق المجلس الأعلى للجامعات على اقتراح مجلس الجامعة بجلسته المنعقدة في 12/ 9/ 1959 ثم اعتمد السيد وزير التربية والتعليم القرار المطعون فيه في 21/ 3/ 1960.
وقد تظلم المدعي من هذا القرار في 11/ 5/ 1960 ولم يتلق رداً على تظلمه ومن ثم رفع دعواه أمام محكمة القضاء الإداري (1436 لسنة 14 ق) طالباً الحكم بإلغاء القرار المذكور فيما تضمنه من تخطيه في التعيين في وظيفة أستاذ كرسي الكيمياء الحيوية بكلية طب جامعة الإسكندرية مع ما يترتب على ذلك من آثار. وبجلسة 29/ 3/ 1962 أجابت المحكمة المدعي إلى طلباته. وأقامت قضاءها على أن المستفاد من نصوص القانون رقم 184 لسنة 1958 بشأن تنظيم الجامعات أن الشارع قد وضع شروطاً ينبغي توافرها ابتداء فيمن يعين أستاذاً ذا كرسي من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات ثم أورد قيداً على سلطة الجهة الإدارية في التعيين فاشترط الإعلان عن الوظيفة الشاغرة، وشكل لجنة ناط بها فحص الإنتاج العلمي للمتقدمين لهذه الوظيفة المعلن عنها - وتقدير مستوى هذا الإنتاج من حيث استحقاق صاحبه لتوليها ثم ترتيب المشرحين بحسب كفاياتهم العلمية؛ ومن ثم فلا تملك جهة الإدارة إلا أن تعين من قررت اللجنة أن إنتاجه العلمي يرفعه إلى مستوى وظيفة أستاذ وأن تلتزم ترتيب المرشحين الذي وضعته اللجنة، إلا إذا تصدى المجلس الأعلى للجامعات وتولى بنفسه اتخاذ قرار منه وهذا لم يحدث في خصوص المنازعة لأن المجلس الأعلى أقر ما انتهت إليه كل من الكلية والجامعة فحسب. فإذا أصدرت الإدارة قرارها على خلاف الأوضاع التي رسمها الشارع بطل قرارها وتستوي المخالفة في هذا الشأن من أن تكون إغفال شرط اشترطه القانون أو بالالتزام بشرط لم يلزم به القانون.
وبتاريخ 28/ 5/ 1962 أودعت إدارة قضايا الحكومة (عن وزارة التعليم العالي وجامعة الإسكندرية) تقرير طعن قيد بجدول طعون المحكمة الإدارية العليا برقم 1202 لسنة 8 القضائية عن الحكم سالف الذكر. وطلبت في تقرير طعنها الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه المصروفات والأتعاب. وبنت الحكومة طعنها على أن القانون رقم 184 لسنة 1958 بشأن تنظيم الجامعات خلا من أي نص يستفاد منه إلزام الجامعة بالتزام ترتيب المرشحين فيما يتعلق بالتعيين في وظيفة الأستاذ ذي الكرسي ما دام أن مستوى إنتاج المرشحين من الجودة بحيث يرقى بهم إلى درجة الأستاذية، إذ أن مهمة اللجنة العلمية هي فحص الإنتاج العلمي للمرشح وتقديره، أما ترتيب المرشحين فهو إجراء تكميلي لم يرتب عليه المشرع أثراً قانونياً، وإنما ترك أمر التعيين لمجلس الجامعة بعد أخذ رأي مجلس الكلية أو المجلس الأعلى للجامعات إذا رأى التصدي واتخاذ قرار منه، والقول بوجوب التزام الترتيب الذي تحدده اللجنة العلمية يجعل رأي كل من القسم المختص أو مجلس الكلية لا قيمة له ومجرد تحصيل حاصل. ولو أراد المشرع ذلك لنص عليه صراحة كما فعل بالنسبة للمادة 16 من قانون موظفي الدولة.
ومن حيث إن القانون رقم 184 لسنة 1958 في شأن تنظيم الجامعات ينص في المادة 48 منه على أن يعين وزير التربية والتعليم أعضاء هيئة التدريس في الجامعات بناء على طلب مجلس الجامعة بعد أخذ رأي مجلس الكلية والقسم المختص وتشترط موافقة المجلس الأعلى للجامعات على التعيين في وظيفة الأستاذ ذي الكرسي ويكون التعيين من تاريخ موافقة مجلس الجامعة، ثم نصت المادة 55 على أنه "عند التعيين في وظيفة أستاذ ذي كرسي يشكل المجلس الأعلى للجامعات بناء على طلب مجلس الجامعة المختص لجنة علمية لفحص الإنتاج العلمي للمرشح وتقديم تقرير مفصل عن هذا الإنتاج، وعما إذا كان يرقى لاستحقاق المرشح الوظيفة التي تقدم إليها مع ترتيب المرشحين بحسب كفاياتهم العلمية..." كما نصت المادة 56 على أن "للمجلس الأعلى للجامعات عند النظر في الترشيح لشغل وظائف الأساتذة ذوي الكراسي أن يتصدى للموضوع ويتولى بنفسه اتخاذ قرار فيه وفي هذه الحالة يكون التعيين من تاريخ موافقة المجلس الأعلى للجامعات".
ومن حيث إن الأصل المؤصل أن تترخص الجهة الإدارية - المنوط بها التعيين في الوظائف العامة - بسلطتها التقديرية بما لا معقب عليها في ذلك إلا عند مخالفة القانون وإساءة استعمال السلطة.
ومن حيث إنه يستفاد من أحكام القانون رقم 184 لسنة 1958 آنف الذكر أن المشرع رسم الإجراءات وبين المراحل التي يتعين على الهيئات الجامعية التزامها في تعيين الأساتذة، ذوي الكراسي كما حدد الاختصاص الذي أضفاه على كل من هذه الهيئات التي لها شأن في ذلك التعيين.
ومن حيث إن الواضح من نص المادة 45 من القانون رقم 184 لسنة 1958 في شأن تنظيم الجامعات في الجمهورية العربية المتحدة أن الاختصاص بالتعيين في وظائف الأساتذة ذوي الكراسي إنما ينعقد لمجلس الجامعة يمارسه - حسبما اشترطته المادة 55 - بعد الاستيثاق من تحقق شرط الكفاية العلمية في المرشح بواسطة اللجنة العلمية المنوط بها فحص إنتاجهم العلمي، وتقديم تقرير مفصل عن هذا الإنتاج.
ومن حيث إنه لا شبهة في أن مهمة هذه اللجنة لا تتعدى أمر التحقق من توافر شرط الكفاية العلمية في المرشح وذلك بتوليها فحص إنتاجه العلمي توطئة لتقرير ما إذا كان جديراً بأن يرقى به بحثه إلى مستوى ما يتطلب في الأستاذ من رسوخ في العلم وأصالة في التفكير. أما القول بوجوب التقيد بترتيب المرشحين حسبما تضعه اللجنة العلمية، بحيث لا يملك كل من مجلس الجامعة أو المجلس الأعلى للجامعات أن يحيد عن مؤداه فهو نظر غير معتبر، لأنه يجعل رأي هاتين الهيئتين متوقفاً على تقدير اللجنة مع أن مرجحات التعيين وملاءماته متروكة دائماً لتقدير سلطة التعيين، ومع أن قانون تنظيم الجامعات يخول صراحة للمجلس الأعلى للجامعات في المادة 56 "عند النظر في الترشيح لشغل وظائف الأساتذة ذوي الكراسي أن يتصدى للموضوع ويتولى بنفسه اتخاذ قرار فيه" وقد يجدي في بعض المواطن الرجوع إلى ترتيب المرشحين في مجال الكفاية العلمية حين يعز الترجيح وتدق وجوه المفاضلة بينهم عند تساويهم في استجماع شرائط الصلاحية الأخرى. ومع ذلك لا يمنع مجلس الجامعة مانع قانوني - باعتباره سلطة تعيين - من أن يتصدى للموضوع برمته بأقيسته العلمية الصادقة، وبما يتهيأ له من أسس الترجيح الصائبة الصادرة من الصفوة المختارة من أعضائه، وكلهم من أصحاب القدم الراسخة المشهود لهم بالقدرة الكاملة على وزن الكفايات والمفاضلة بينها بفضل ما أوتوا من ثاقب النظرة، وأصيل الفكرة ورصين التقدير.
ومن حيث إن التعيين في وظيفة الأستاذ ذي الكرسي يفتقر، فوق الكفاية العلمية إلى كمال الاستعداد والتفوق في نواح أخرى، وجوانب متعددة قد يرجح بها ميزان التفضيل لصالح مرشح دون آخر، فقوة الشخصية والقدرة على التدريس والتأثير، والسيطرة على انتباه الشباب والتمكن من حسن توجيه الطلاب وإرشادهم في بحوثهم وتنمية روح البحث والابتكار فيهم هي بعض الاعتبارات التي لابد من استحضارها لحسم المفاضلة بين أقدار المرشحين، وبهذه المقاييس الشاملة يؤمن العثار في التقدير وتتقى مساوئ النظرة القاصرة على ترتيب الكفاية العلمية فيما بين المتنافسين.
ومن حيث إنه يترتب على ما تقدم أن مجلس الجامعة وإن يكن مقيداً بقرار اللجنة العلمية فيما يتعلق بمستوى الكفاية العلمية الذي يبلغ الحد المشترط لاستحقاق المرشح لمنصب الأستاذية، إلا أنه غير مرتبط بالترتيب الذي تتوخاه اللجنة بالنسبة لدرجات المرشحين.
ومن حيث إن القرار المطعون فيه إذ عين الدكتور محمد محمود طه أستاذاً ذا كرسي قد أدخل في حسبانه إلى جانب كفايته العلمية المتوافرة فيه كما هي متحققة في المدعي عدة اعتبارات وعناصر أخرى يقوم عليها تحقق الأفضلية في نظر الجامعة، وكلها مستخلصة استخلاصاً سائغاً من واقع خدمته الجامعية السابقة، كمثل سبق توليه بجدارة ملحوظة إدارة قسم الكيمياء الحيوية لكلية الطب بجامعة الإسكندرية، وأقدميته العريضة في التدريس، وحصوله على عديد من المؤهلات العلمية في الكيمياء الحيوية، ولا يتفق مع كل هذه المرجحات أن يظن السوء بتقدير الهيئات الجامعية، أو ينسب إليها أنها أساءت بهذا التقدير استعمال سلطتها، ومن أجل ذلك لا يكون في تعيينها للدكتور محمد محمود طه ترك للأفضل، ولا إيثار للمفضول، بل هو ترجيح سائغ لأستاذ آنست فيه بحكم ماضيه وخبرته وأسبقية اشتغاله بتدريس مادة الكيمياء الحيوية، الأفضلية والسبق بالقياس إلى غيره من المرشحين.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه إذ صدر على نقيض هذا النظر يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه ويتعين من ثم القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى مع إلزام المدعي مقابل مصروفاتها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.

الطعن 2476 لسنة 6 ق جلسة 17 / 1 / 1965 إدارية عليا مكتب فني 10 ج 1 ق 45 ص 414

جلسة 17 من يناير سنة 1965

برئاسة السيد الأستاذ/ الدكتور محمود سعد الدين الشريف نائب رئيس المجلس وعضوية السادة الأساتذة/ علي محسن مصطفى وعبد الفتاح بيومي نصار وحسنين رفعت حسنين ومحمد طاهر عبد الحميد المستشارين.

------------------ 

(45)

القضية رقم 2476 لسنة 6 القضائية

(أ) ترقية 

- ولايتها في ظل القوانين واللوائح القديمة ولاية اختيارية أساساً - صدور قرارات من مجلس الوزراء في شأن الترقيات بالتنسيق والتيسير قيدت سلطة الإدارة بإيجاب الترقية بالأقدمية في نسبة معينة وأطلقتها في نسبة أخرى - المادة 38 من القانون رقم 210 لسنة 1951 جعلت الترقية إلى درجات الكادرين الفني العالي والإداري بالأقدمية في الدرجة ومع ذلك تجوز الترقية بالاختيار للكفاية في نسب محددة - القرار الصادر بالترقية هو المنشئ للمركز القانوني فيها - الترقية بالمادة 40 مكرراً من القانون رقم 210 لسنة 1951 تنشأ بالقانون ذاته - أثر ذلك على طلب الإلغاء.
(ب) دعوى 

- طلبات الخصوم - هيمنة المحكمة على تكييفها لتنزل عليها حكم القانون - على المحكمة أن تتقصى طبيعة هذه الطلبات ومراميها في ضوء النية الحقيقية للخصوم.

-----------------
1 - إن ولاية الترقية في ظل القوانين واللوائح القديمة كانت أساساً ولاية اختيارية مناطها الجدارة حسبما تقرره الإدارة مع مراعاة الأقدمية، ثم صدرت بعض قرارات مجلس الوزراء في شأن الترقيات بالتنسيق والتيسير قيدت سلطة الإدارة بالترقية بالأقدمية في نسبة معينة وأطلقتها في نسبة أخرى إذا رأت الترقية بالاختيار للكفاية، ثم جاء القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة فنصت المادة 38 منه على أن تكون الترقيات إلى درجات الكادرين الفني العالي والإداري بالأقدمية في الدرجة ومع ذلك تجوز الترقية بالاختيار للكفاية في حدود النسب التي عينتها. وغني عن البيان أن تقدير الكفاية ومدى صلاحية الموظف للوظيفة التي يرقى إليها أمر متروك لسلطة الإدارة تقدره. حسب ما تلمسه في الموظف من شتى الاعتبارات ولا شك أن تقدير الإدارة في هذا الشأن له وزنه. وبهذه المثابة فإن القرار الصادر بالترقية هو الذي ينشئ المركز القانوني فيها بآثاره في نواح عدة، سواء من ناحية تقديم الموظف إلى الدرجة التالية أي المرقى إليها، أو من ناحية التاريخ الذي تبدأ منه الترقية، كذلك من ناحية الموازنة في ترتيب الأقدمية بين ذوي الشأن، كل ذلك حتى مع وضع شروط أو قيود فإن المشرع لم يضع لهذه الترقية قواعد تنظيمية يتعين على جهة الإدارة التزامها بالنسبة إلى كل من توافرت فيه شروطها حتى يمكن أن يترتب عليها مركز قانوني حتمي لكل من استوفى هذه الشروط، اللهم إلا فيما يتعلق بحق قدامى الموظفين في الترقيات التي قررتها المادة 40 مكررة من القانون رقم 210 لسنة 1951 فإن مراكزهم القانونية التي يفيدون منها بالتطبيق لهذه المادة إنما تنشأ بالقانون ذاته، والقرار الذي يصدر في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون كشفاً لتلك المراكز. ومن الجلي أن القرار الذي يصدر بالترقية - فيما عدا الترقية الحتمية التي قررتها المادة 40 سالفة الذكر - إنما هو قرار إداري بكامل سماته ولا يسوغ في ضوء المبادئ السابق إيضاحها للتظلم منه أو مخاصمته إلا بطريق دعوى الإلغاء.
2 - إذا كان تصوير طلبات الخصوم من توجيههم فإن الهيمنة على سلامة هذا التكييف من تصريف المحكمة؛ إذ عليها أن تنزل حكم القانون على واقع المنازعة وأن تتقصى طبيعة هذه الطلبات ومراميها في ضوء النية الحقيقية التي قصدها الخصوم من وراء إبدائها.


إجراءات الطعن

بتاريخ 14/ 8/ 1960 أودع السيد/ منير لبيب موسى عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (هيئة الفصل بغير الطريق التأديبي) بجلسة 22/ 6/ 1960 في الدعوى رقم 724 لسنة 13 القضائية المرفوعة منه ضد وزارة الخزانة ووزارة الاقتصاد القاضي "بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد انقضاء الميعاد المقرر وألزمت المدعي بالمصروفات". وطلب المدعي للأسباب المبينة بصحيفة الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من وزير المالية (وزير الخزانة) بتسوية حالة المدعي فيما تضمنه من تسوية باطلة على أن تكون التسوية الصحيحة هي اعتبار الطاعن في الدرجة الخامسة في 31/ 3/ 1943 وفي الرابعة في 23/ 10/ 1946 وفي الدرجة الثالثة في 30/ 4/ 1950 وفي الدرجة الثانية في 19/ 6/ 1952 وفي الدرجة الأولى في 31/ 12/ 1954 مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقد أعلن الطعن إلى الحكومة في 20 و27 من أغسطس سنة 1960, وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 16/ 2/ 1963 وأخطرت الحكومة والمدعي في 15/ 1/ 1963 بميعاد هذه الجلسة. ثم قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى المحكمة الإدارية العليا وحددت لذلك جلسة 22/ 11/ 1964. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من ملاحظات ذوي الشأن على الوجه الموضح تفصيلاً بالمحاضر أرجأت النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الدعوى قد استوفيت أوضاعها الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من أوراق الطعن في أن المدعي أقام دعواه طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من وزير المالية (الخزانة) في 14/ 4/ 1956 بتسوية حالته فيما تضمنه من تسوية باطلة على أن تكون التسوية الصحيحة هي اعتبار المدعي في الدرجة الخامسة في 31/ 3/ 1943. وفي الدرجة الرابعة في 23/ 10/ 1946. وفي الدرجة الثالثة في 30/ 4/ 1950. وفي الدرجة الثانية في 19/ 6/ 1952 وفي الدرجة الأولى في 31/ 12/ 1954 مع إلزامه بالمصروفات. وقال في بيان دعواه إنه حصل على بكالوريوس التجارة عام 1938 وعين أثر تخرجه بمدارس التعليم الحر، وظل بها حتى 15/ 10/ 1941 حيث التحق بخدمة الحكومة في وظيفة مدرس بمدرسة التجارة المتوسطة بالظاهر اعتباراً من 16/ 10/ 1941، واستمر يشغل وظيفة مدرس حتى 8/ 7/ 1944 إذ نقل إلى وزارة المالية. وقد رقي إلى الدرجة الخامسة في 11/ 8/ 1947 وإلى الدرجة الرابعة في 25/ 4/ 1954. ولما كانت له مدة خدمة في التعليم الحر وكان واجباً ضمها إلى مدة خدمته مع ما يترتب على ذلك من آثار في الأقدمية وتحديد الماهية طبقاً لأحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 5/ 3/ 1945، فقد طلب إلى وزارة المالية ضمها وترتيب الآثار على هذا الضم ولكن الوزارة لم تجبه إلى طلبه، فقدم إلى اللجنة القضائية طلباً بتسوية حالته بضم مدة خدمته السابقة في التعليم الحر من 23/ 10/ 1938 إلى تاريخ التحاقه بخدمة الحكومة في 16/ 10/ 1941 وتعديل أقدميته في الدرجة السادسة إلى 23/ 10/ 1938 وفي الدرجة الخامسة إلى 1/ 5/ 1946 وإلى الدرجة الرابعة 1/ 5/ 1950 مساواة له بزملائه مع ما يترتب على ذلك من آثار. وفي 6 من مارس سنة 1954 قضت اللجنة القضائية بأحقيته في احتساب مدة خدمته بالتعليم الحر من 23/ 10/ 1938 إلى تاريخ التحاقه بخدمة الحكومة مع ما يترتب على ذلك من آثار. وقد أصبح قرار اللجنة القضائية المذكور نهائياً بعدم الطعن فيه. ولما استطلعت وزارة المالية رأي إدارة الفتوى والتشريع بها في شأن تنفيذ قرار اللجنة القضائية المشار إليه أفادت الإدارة المذكورة في 29/ 6/ 1955 أنها ترى أن يكون تنفيذه باعتبار المدعي في الدرجة السادسة منذ 23/ 10/ 1938 ثم تدرج حالته في الترقيات التي تمت منذ هذا التاريخ والتي كان يمكن أن يرقى فيها بالأقدمية. ولما كانت تسوية حالة المدعي بالتطبيق لهذه الفتوى بمراعاة حالة زميله السيد/ جورج حنين الذي التحق بالخدمة في 9/ 2/ 1939 بالدرجة السادسة تقضي أن يكون المدعي في الدرجة الخامسة في 31/ 3/ 1943 وفي الدرجة الرابعة من 23/ 10/ 1946 حسب قواعد التنسيق وفي الدرجة الثالثة من 30/ 4/ 1950 وفي الدرجة الثانية من 19/ 2/ 1952 وفي الدرجة الأولى من 31/ 12/ 1954 فقد تظلم المدعي إلى الوزارة من تأخير تسوية حالته على هذا الوجه. وقد عرض تظلمه على مفوض الوزارة الذي رأى أحقيته في إجراء تلك التسوية، غير أن الوزارة اكتفت بأن استصدرت قراراً وزارياً في 14/ 4/ 1956 بتسوية حالة المدعي باعتباره في الدرجة السادسة من 23/ 10/ 1938 وفي الخامسة من 1/ 5/ 1946 وفي الرابعة من 16/ 11/ 1950 وفي الثالثة من 23/ 7/ 1954. ومن ثم تظلم المدعي من القرار الوزاري الصادر بالتسوية سالفة الذكر، كما قدم شكوى لوكيل نيابة عابدين ثم للنائب العام من عدم تنفيذ حكم اللجنة القضائية، وأخيراً أبلغت النيابة العامة المدعي في 15/ 1/ 1959 بحفظ تظلمه وشكواه؛ الأمر الذي من أجله أقام المدعي دعواه بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة بتاريخ 14/ 3/ 1959.
وأجابت الجهة الإدارية على الدعوى بأن دفعت بعدم قبولها شكلاً استناداً إلى أن التسوية تمت بقرار في 14/ 4/ 1956 وأعلن إلى المدعى في 24/ 5/ 1956. وهو لم يرفع دعواه إلا في مارس سنة 1959، كما أن الترقيات التي يطالب بها المدعي إنما هي في الحقيقة تنطوي على طلب إلغاء القرارات الصادرة بها - وفي الموضوع ذكرت الوزارة أنها نفذت قرار اللجنة القضائية بأن رتبت للمدعي ترقياته بالأقدمية منذ أصبح من عداد موظفي هذه الوزارة (الخزانة) فردت أقدميته في الدرجة السادسة إلى 23/ 10/ 1938 وفي الدرجة الخامسة إلى 1/ 5/ 1946 وفي الرابعة إلى 26/ 11/ 1950 وفي الثالثة إلى 23/ 8/ 1954 وصرفت له الفروق المالية المترتبة على هذه التسوية من 5/ 3/ 1945، وأشارت إلى أنه لا يجوز للمدعي أن يتمسك بأن السيد/ جورج حنين كان في الدرجة السادسة في 29/ 2/ 1939 وأنه يسبقه في هذه الدرجة وبالتالي يجب أن يتساوى معه في الترقيات التالية، لأن السيد/ جورج حنين رقي إلى الدرجة الخامسة في 31/ 3/ 1943 قبل نقل المدعي إلى وزارة الاقتصاد في 23/ 8/ 1944، وعلى أساس أن تنفيذ قرار اللجنة القضائية لا يجوز أن يغير من مراكز الآخرين الذين تمت ترقياتهم قبل صدور قرار مجلس الوزراء الخاص بضم مدد الخدمة السابقة في 5/ 3/ 1945 وفضلاً عن ذلك فإن ترقيات السيد/ جورج حنين من الدرجة الخامسة إلى الدرجة الثانية تمت في ظل كادر سنة 1939. وقبل صدور قانون موظفي الدولة. وقد كانت الترقية قبل صدور القانون المذكور تجريها جهة الإدارة بسلطتها التقديرية بالنظر إلى توافر عناصر الكفاية وأهمية الوظيفة وخطورة مسئولياتها، وفي هذا الصدد أبدت الوزارة أن مجلس الوزراء استبقى ترقية السيد/ جورج حنين الاستثنائية إلى الدرجة الرابعة لكفايته ولأن أعمال وظيفته كانت ذات مسئولية حيث كان يشغل وظائف وكيل مراقب عام القرض الوطني ومندوب الحكومة لدى بورصة الأوراق المالية، ومن ثم فإن ترقيات السيد/ جورج حنين لم تتم بالأقدمية المطلقة.
وبجلسة 22/ 6/ 1960 قضت المحكمة بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد انقضاء الميعاد المقرر وألزمت المدعي بالمصروفات. وأقامت المحكمة قضاءها على ما انتهت إليه من أنه إذا كانت الإدارة جادة في تحقيق تظلم المدعي فإن ميعاد الستين يوماً المحددة لكي يعتبر أن التظلم قد رفض ضمناً يمتد حتى تنتهي الإدارة من الفحص والتمحيص. وأنه بتطبيق هذا النظر على الحالة المعروضة يبين أن وزارة الاقتصاد قد أصدرت قراراً في 14 من إبريل سنة 1956 بتسوية حالة المدعي، وتظلم منه في 9 من يونيه سنة 1956، وإذا ما اعتبر أن الشكاوى المقدمة من المدعي إلى وكيل نيابة عابدين وللنائب العام والتي قامت الإدارة بفحصها واستطلاع رأي مجلس الدولة فيها من قبيل ما سبق بيانه من أن الإدارة كانت جادة في فحص الشكوى وتمحيصها، فإن الثابت أن وكيل نيابة عابدين كتب إلى المدعي في 5 من يناير سنة 1959 بما يفيد عدم أحقيته في الشكوى، إلا أنه لم يقم دعواه إلا في 14 من مارس سنة 1959 أي بعد انقضاء الستين يوماً التي كان يتعين عليه أن يقيم دعواه خلالها.
ومن حيث إن طعن المدعي يقوم على أن ما استند إليه الحكم المطعون فيه فيما يتعلق بميعاد رفع الدعوى واضح الخطأ ذلك أن كتاب وكيل نيابة عابدين إلى المدعي بعدم أحقيته في شكواه مؤرخ 15 من يناير سنة 1959 لا 5 من يناير سنة 1959 كما ذهبت إلى ذلك المحكمة، ومن ثم فإن المدعي برفعه دعواه في 14 من مارس سنة 1959 يكون قد رفعها في خلال الستين يوماً أي في الميعاد المقرر - كما أنه غير صحيح ما خلط فيه الحكم المطعون فيه من أن المدعي كان يلزمه الطعن في قرارات معينة، ذلك أن الدعوى هي في حقيقتها دعوى تسوية، بل تسوية لازمة تنفيذاً لحكم اللجنة القضائية الواجب التنفيذ، وأنه ليس أدل على ذلك من أن الوزارة سوت بالفعل حالته، وكل ما في الأمر أن المدعي يعترض على التسوية التي تمت ويراها غير متفقة مع ما قضى به الحكم المذكور، وقد أقرت إدارة الرأي لوزارة الاقتصاد في فتواها رأي المدعي كما أكده مفوض الوزارة في رده على تظلم المدعي.
ومن حيث إن ولاية الترقية في ظل القوانين واللوائح القديمة كانت أساساً ولاية اختيارية مناطها الجدارة حسبما تقرره الإدارة مع مراعاة الأقدمية، ثم صدرت بعض قرارات مجلس الوزراء في شأن الترقيات بالتنسيق والتيسير قيدت سلطة الإدارة بالترقية بالأقدمية في نسبة معينة وأطلقتها في نسبة أخرى إذا رأت الترقية بالاختيار للكفاية، ثم جاء القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة فنصت المادة 38 منه على أن تكون الترقيات إلى درجات الكادرين الفني العالي والإداري بالأقدمية في الدرجة ومع ذلك تجوز الترقية بالاختيار للكفاية في حدود النسب التي عينتها. وغني عن البيان أن تقدير الكفاية ومدى صلاحية الموظف للوظيفة التي يرقى إليها أمر متروك لسلطة الإدارة تقديره حسب ما تلمسه في الموظف من شتى الاعتبارات، ولا شك أن تقدير الإدارة في هذا الشأن له وزنه. وبهذه المثابة فإن القرار الصادر بالترقية هو الذي ينشئ المركز القانوني فيها بآثاره في نواح عدة، سواء من ناحية تقديم الموظف إلى الدرجة التالية أي المرقى إليها، أو من ناحية التاريخ الذي تبدأ منه الترقية، كذلك من ناحية الموازنة في ترتيب الأقدمية في الترقية بين ذوي الشأن، كل ذلك حتى مع وضع شروط أو قيود للترقية فإن المشرع لم يضع لهذه الترقيات قواعد تنظيمية يتعين على جهة الإدارة التزامها بالنسبة إلى كل من توافرت فيه شروطها حتى يمكن أن يترتب عليها مركز قانوني حتمي لكل من استوفى هذه الشروط، اللهم إلا فيما يتعلق بحق قدامى الموظفين في الترقيات التي قررتها المادة 40 مكررة من القانون رقم 210 لسنة 1951 فإن مراكزهم القانونية التي يفيدون منها بالتطبيق لهذه المادة إنما تنشأ بالقانون ذاته. والقرار الذي يصدر في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون كشفاً لتلك المراكز. ومن الجلي أن القرار الذي يصدر بالترقية - فيما عدا الترقية الحتمية التي قررتها المادة 40 سالفة الذكر - إنما هو قرار إداري بكامل سماته ولا يسوغ في ضوء المبادئ السابق إيضاحها للتظلم منه أو مخاصمته إلا بطريق دعوى الإلغاء.
ومن حيث إن طلبات المدعي تخلص في اعتباره في الدرجة الخامسة في 31 مارس سنة 1943 وفي الرابعة في 23 من أكتوبر سنة 1946 وفي الدرجة الثالثة في إبريل سنة 1950 وفي الدرجة الثانية في 19 من يونيه سنة 1952 وفي الدرجة الأولى في 31 من ديسمبر سنة 1954 بمراعاة حالة زميله السيد/ جورج حنين الذي التحق بالخدمة في 9 من فبراير سنة 1939 استناداً إلى ما قضت به اللجنة القضائية في 6 من مارس سنة 1954 بأحقيته في احتساب مدة خدمته في التعليم الحر من 23 من أكتوبر سنة 1938 إلى تاريخ التحاقه بخدمة الحكومة في 16 من أكتوبر سنة 1941. وإذ كانت القواعد القانونية الخاصة بالترقيات السابق تفصيلها لا تتضمن ما يخول المدعي طلب اعتباره في الدرجة الخامسة من 31 مارس سنة 1943 أسوة بزميله المذكور، فلا يتأتى له ذلك، بعد أن استقرت أقدميته في الدرجة السادسة اعتباراً من 23 من أكتوبر سنة 1938 بقرار اللجنة القضائية، إلا بالطعن بالإلغاء في القرار السلبي الخاص بامتناع ترقية المدعي إلى الدرجة الخامسة اعتباراً من 31 من مارس سنة 1943 أسوة بالسيد/ جورج حنين.
ومن حيث إنه متى تمحض الطلب في نظر المحكمة الإدارية العليا إلى أن يكون طلباً بإلغاء قرار امتناع الوزارة عن ترقية المدعي إلى الدرجة الخامسة اعتباراً من 31 من مارس سنة 1943 كان من حقها تصويب التكييف الخاطئ الذي استمسك به المدعي بزعم أن دعواه تدور حول طلب تسوية لأقدميته في الدرجة الخامسة نتيجة لانطباق قرار مجلس الوزراء الصادر في 5 من مارس سنة 1945 في حقه، ذلك أنه إذا كان تصوير طلبات الخصوم من توجيههم فإن الهيمنة على سلامة هذا التكييف من تصريف المحكمة؛ إذ عليها أن تنزل حكم القانون على واقع المنازعة، وأن تتقصى طبيعة هذه الطلبات ومراميها في ضوء النية الحقيقية التي قصدها الخصوم من وراء إبدائها. يؤكد ما سلف أن المنازعة الحاضرة لا تندرج قطعاً في عداد "المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت المستحقة للموظفين العموميين أو لورثتهم" التي نص عليها البند (ثانياً) من المادة الثامنة من القانون رقم 55 لسنة 1959 باختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالفصل فيها بما له من ولاية القضاء الكاملة.
ومن حيث إن الامتناع عن ترقية المدعي إلى الدرجة الخامسة أو بالأحرى عن إرجاع أقدميته في هذه الدرجة إلى تاريخ معين في الماضي هو قرار إداري سلبي وسواء حدد تاريخ الامتناع بأنه هو تاريخ صدور قرار ترقية السيد/ جورج حنين في 31 من مارس سنة 1943 أم زحزح على الأصح إلى تاريخ صدور قرار مجلس الوزراء في 5 من مارس سنة 1945 بإنشاء أقدمية اعتبارية لأمثال المدعي من رجال التعليم الحر، فإن امتناع الإدارة السلبي عن ترقية المدعي إلى الدرجة الخامسة من تاريخ ترقية السيد/ جورج حنين إليها - أن ثبت للمدعي هذا الحق جدلاً - هو قرار صادر على كلا الفرضين قبل إنشاء مجلس الدولة، ومثله لا يقبل الطعن فيه بإلغاء.
ومن حيث إنه مهما يقل من أن التسوية الإدارية الصادرة في 14 من إبريل سنة 1956 قد تضمنت قراراً بعدم إرجاع أقدمية المدعي إلى 31 من مارس سنة 1943 مما يجعل هذا القرار قابلاً للإلغاء، فإن هذه المحكمة ترى صواب النظر القائل بأن هذه التسوية إنما أكدت تصرفاً إدارياً قديماً وأيدت وضعاً إدارياً حصيناً، فطلب الإلغاء وإن كان وارداً في الظاهر على مفهوم هذه التسوية ومضمونها، إلا أنه مقصود به في الحقيقة الطعن في القرار السلبي بالامتناع عن إرجاع أقدمية المدعي في الدرجة الخامسة إلى 31 من مارس سنة 1943. وهو قرار حصين حسبما سلف الإيضاح، وإذن فالادعاء بأن الطعن أريد به إلغاء التسوية فيما انطوت عليه من امتناع الإدارة عن إرجاع أقدمية المدعي في الدرجة الخامسة إلى التاريخ المشار إليه هو تحايل على مخالفة القاعدة القاضية بعدم جواز توجيه طلب الإلغاء إلى قرار سابق على إنشاء مجلس الدولة.
ومن حيث إنه ينبني على ما تقدم أنه بقطع النظر عما إذا كان يمتنع قانوناً أن يرقى المدعي على إحدى الدرجات الخامسة بوزارة المالية في تاريخ لم يكن فيه على التحقيق من عداد موظفيها، ويقطع النظر عن أن الأقدميات الاعتبارية لا يتولد لها أثر من حيث الترقية في تاريخ سابق على القرار التنظيمي العام المنشئ لتلك الأقدميات، بقطع النظر عن ذلك كله مما يصح التحدي به لدفع دعوى المدعي موضوعاً - لو جاز الخوض في الموضوع - فإن طلب إلغاء امتناع الوزارة عن إفادته بالترقية المزعومة اعتباراً من 31 من مارس سنة 1943 أسوة بالسيد/ جورج حنين - هذا الطلب يتمخض عن طعن في قرار حصين بالمولد لأنه من القرارات الصادرة قبل إنشاء مجلس الدولة حسبما سلف البيان.
ومن حيث إنه لا وجه بعد ذلك لما يثيره المدعي في مذكرته الختامية من أنه يهدف بدعواه إلى تسوية حالته بمراعاة ترقيات زميله السيد/ جورج حنين تنفيذاً لقرار اللجنة القضائية الصادر لصالحه على مقتضى قرار مجلس الوزراء الصادر في 5/ 3/ 1945 الخاص بضم مدد الخدمة السابقة في التعليم الحر، وأن تطبيقه يستلزم بالضرورة الرجوع إلى عهد سابق على تاريخ العمل بقانون مجلس الدولة. وأنه إذا كان من شأن هذا التطبيق المساس بقرارات إدارية سابقة فذلك راجع إلى أن قرار مجلس الوزراء الذي يطلب المدعي تطبيقه في حقه هو بطبيعته ذا أثر رجعي من ناحية أنه يفترض في الموظف متى توافرت فيه الشروط المطلوبة وضعاً معيناً يعتبر أنه كان قائماً في الماضي وترتب على ذلك آثاراً في أقدميته أو في درجته أو في راتبه - لا حجة في ذلك طالما أنه بالرجوع إلى قرار اللجنة القضائية الصادر في 6 من مارس سنة 1954 المودع ملف خدمة المدعي - يبين أن قضاءه جاء مقصوراً على أحقية المتظلم في احتساب مدة خدمته السابقة بمعهد الآلات الكاتبة وبالمعهد البريطاني من 23/ 10/ 1938 إلى تاريخ التحاقه بخدمة الحكومة في 16/ 10/ 1941 مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإذ أورد في أسباب قراره هذا في الأسباب المرتبطة بالمنطوق أن اللجنة ترى إجابة المتظلم إلى تسوية حالته بضم مدة خدمته السابقة له في معهد الآلات الكاتبة والمعهد البريطاني على أن تحتفظ له اللجنة بالنظر في باقي الطلبات التي تقدم بها (الخاصة باستحقاقه الترقية إلى الدرجات الخامسة والرابعة في تواريخ معينة) حتى تتم التسوية على أساس إرجاع أقدميته في الدرجة السادسة إلى 22/ 10/ 1938. تاريخ اشتغاله بالتعليم الحر، فإنه يكون من المقطوع به أن اللجنة القضائية ذاتها لم يصدر قضاؤها حسبما هو واضح بهذه الأسباب - بتسوية حالة المدعي في الدرجات الخامسة وما يعلوها بعد أن احتفظت صراحة بعدم الفصل فيها إلى أن تتم تسوية أقدميته في الدرجة السادسة من جانب جهة الإدارة، ومن ثم فإن غاية الأمر بالنسبة للآثار التي عناها القرار المذكور أن يراد بها الآثار المالية بالنسبة للمرتب وأقدمية الدرجة السادسة التي عين فيها المدعي في خدمة الحكومة دون غيرها، وما دام هذا الأساس الذي قام عليه قرار اللجنة القضائية مرتبطاً بمنطوق القرار ارتباط العلة بالمعلول فإنه لا يسوغ بعد ذلك المحاجة بأن التسوية التي يطالب بها المدعي هي نتيجة حتمية لقرار اللجنة القضائية، هذا إلى أن قرار مجلس الوزراء المشار إليه وقد انصب على حساب مدة الخدمة السابقة بالتعليم الحر في المرتب وأقدمية الدرجة فقد استهدف تسوية حالات خاصة بشروط معينة وهو في هذا الصدد لا يعدو أن يكون قراراً منشئاً لحق المدعي في ضم مدة خدمته السابقة؛ ومن ثم لا يترتب عليه بحال زعزعة المراكز القانونية التي نشأت لغيره واستقرت قبل صدوره. ومتى كان لا يتأتى للجنة القضائية أن تمنح الموظف بقرارها حقوقاً أكثر مما خوله إياها قرار مجلس الوزراء المذكور، فإنه لا ينبغي تفسير منطوق قرارها بما يجاوز المعنى الذي سبق بيانه.
ومن حيث إنه تأسيساً على ما تقدم فإنه متى كان سند المدعي في طعنه على قرارات الترقية التالية إلى الدرجات الرابعة والثالثة والثانية والأولى يقوم على ثبوت أحقيته في الدرجة الخامسة اعتباراً من 31 من مارس سنة 1943 تاريخ نفاذ القرار الصادر بترقية السيد/ جورج حنين، وما دام أن إرجاع أقدمية المدعي إلى هذا التاريخ لا ينعقد في شأن اختصاص مجلس الدولة، فإن دعواه في هذا الشق منها لا توفر للمدعي الأقدمية التي تطوع له الطعن في الترقية إلى تلك الدرجات ومن ثم تكون واجبة الرفض. وعلى هدي ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ جرى بغير هذا النظر يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله ويتعين القضاء بإلغائه وبعدم قبول الدعوى فيما يتعلق بطلب تعديل أقدمية المدعي في الدرجة الخامسة وبرفضها بالنسبة لباقي الطلبات مع إلزام رافعها بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول طلب المدعي تعديل أقدميته في الدرجة الخامسة وبرفض ما عدا ذلك من طلبات وألزمت المدعي بالمصروفات.

الطعن 1682 لسنة 6 ق جلسة 16 / 1 / 1965 إدارية عليا مكتب فني 10 ج 1 ق 44 ص 403

جلسة 16 من يناير 1965

برئاسة السيد الأستاذ/ حسن السيد أيوب وكيل المجلس وعضوية السادة الأساتذة/ الدكتور ضياء الدين صالح وعادل عزيز زخاري وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدي المستشارين.

--------------

(44)

القضية رقم 1682 لسنة 6 القضائية

تقادم 

- الأصل أن اكتمال مدته لا يرتب بذاته سقوط الالتزام - وجوب تمسك المدين به, إذ الأصل فيه أنه لا يعتبر من النظام العام - لا تملك المحكمة أن تقضي بالسقوط من تلقاء نفسها, ما لم يرد نص على خلاف هذا الأصل - أساس ذلك ومثال: نص المادة 50 من اللائحة المالية للميزانية والحسابات بأن الماهيات التي لم يطالب بها مدة 5 سنوات تصبح حقاً مكتسباً للحكومة - للمحكمة أن تقضي بالسقوط وفقاً لهذا النص من تلقاء نفسها - رجوع الإدارة على الموظف بمبالغ صرفت له دون وجه حق - لا يجيز للمحكمة أن تقضي بسقوط الحق فيها بالتقادم, دون طلب من ذي المصلحة.

----------------
إن الأصل في التقادم أنه لا يترتب على اكتمال مدته سقوط الالتزام من تلقاء ذاته بل لابد أن يتمسك به المدين، فالتقادم دفع يدفع به المدين دعوى الدائن، والأصل فيه أن لا يعتبر من النظام العام. ذلك أن سقوط الالتزام بالتقادم وإن كان مبنياً على اعتبارات تمت إلى المصلحة العامة لضمان الأوضاع المستقرة، إلا أنه يتصل مباشرة بمصلحة المدين الخاصة، كما أنه يتصل اتصالاً مباشراً بضميره فإذا كان يعلم أن ذمته مشغولة بالدين وتخرج من التذرع بالتقادم، كان له النزول عنه عن طريق عدم التمسك به، فلا تستطيع المحكمة أن تقضي بالسقوط من تلقاء نفسها - كل ذلك ما لم يرد نص على خلاف هذا الأصل، كنص المادة 50 من اللائحة المالية للميزانية والحسابات التي يقضي بأن "الماهيات التي لم يطالب بها مدة خمس سنوات تصبح حقاً مكتسباً للحكومة". ومفاد هذا النص أنه بمجرد انقضاء مدة الخمس سنوات تصبح الماهيات حقاً للحكومة دون أن يتخلف أي التزام طبيعي في ذمة الدولة وأنه يجوز للمحكمة أن تقضي بسقوط الحق في المطالبة بها من تلقاء نفسها. وعلة خروج هذا النص على الأصل العام المشار إليه هي - قيام اعتبارات تنظيمية بالمصلحة العامة وتهدف إلى استقرار الأوضاع الإدارية وعدم تعرض ميزانية الدولة - وهي في الأصل سنوية - للمفاجآت والاضطراب.
ومن حيث إنه بالإضافة إلى أنه ليس هناك نص مماثل لنص المادة 50 المشار إليها في شأن ما تصرفه الحكومة للعاملين فيها من مبالغ تزيد عما هو مستحق لهم - فإن الاعتبارات التي يقوم عليها حكم النص المذكور غير قائمة في شأن رجوع الحكومة بتلك المبالغ على من صرفت إليهم دون وجه حق، ويترتب على ذلك سريان الأصل العام السابق الإشارة إليه على تقادم الحق في المطالبة بالمبالغ المذكورة، فلا يجوز للمحكمة أن تقضي بالتقادم من تلقاء نفسها بل يجب أن يكون ذلك بناء على طلب ذي المصلحة.
ومن حيث إنه لذلك فإنه إن جاز للمحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها بسقوط حق العامل في الأجر الذي لم يطالب به مدة خمس سنوات وفقاً لنص المادة 50 من اللائحة المالية للميزانية والحسابات، فإنه لا يجوز لها أن تقضي من تلقاء نفسها بتقادم حق الدولة في الرجوع على العامل بما صرف له دون وجه حق إذ يتعين للحكم بهذا التقادم أن يتمسك هو به.
ومن حيث إن المدعى عليه لم يدفع بالتقادم فإنه ما كان يجوز للمحكمة الإدارية أن تقضي من تلقاء نفسها بسقوط الدعوى، وإذ قضت بذلك يكون حكمها مخالفاً للقانون.


إجراءات الطعن

في 8 من يونيه سنة 1960 أودعت إدارة قضايا الحكومة بالنيابة عن السيد وزير المواصلات قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1682 لسنة 6 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات والهيئة العامة للسكك الحديدية بجلسة 5 من إبريل سنة 1960 في الدعوى رقم 980 لسنة 6 القضائية المقامة من السيد وزير المواصلات ضد السيد/ سيد محمود خليل, والقاضي بسقوط الدعوى وإلزام المدعي المصروفات - وطلب الطاعن للأسباب التي استند إليها في تقرير الطعن الحكم بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون والقضاء بإلزام المدعى عليه بدفع مبلغ 26 جنيهاً و244 مليماً والمصاريف وأتعاب المحاماة عن الدرجتين. وقد أعلن هذا الطعن بتسليم صورته إلى النيابة في 4 من إبريل سنة 1961 لعدم الاستدلال على محل إقامة المطعون ضده - وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 1 من يونيه سنة 1962 - وأبلغ الطرفان في 22 من مايو سنة 1962 بموعد هذه الجلسة وفيها قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا حيث عين لنظره جلسة 16 من مايو سنة 1964 التي أبلغ بها الطرفان في 8 من إبريل سنة 1964 وتم إخطار المدعى عليه بموعد كل من هاتين الجلستين بإرسال الإخطارين إلى وكيل نيابة محرم بك بالإسكندرية لعدم الاستدلال على محل إقامته - وقررت المحكمة تأجيل نظر الطعن لجلسة 28 من نوفمبر سنة 1964 وبعد أن سمعت الإيضاحات على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت إرجاء النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية بمراعاة أن الحكم المطعون فيه قد صدر في 5 من إبريل سنة 1960 وأن تقرير الطعن قد أودع قلم كتاب المحكمة في 8 من يونيه سنة 1960 وأن المدة من 4 إلى 7 من يونيه سنة 1960 صادفت عطلة رسمية هي عطلة عيد الأضحى فامتد ميعاد الطعن إلى اليوم التالي لها وذلك بالتطبيق لحكم المادتين 20، 22 من قانون المرافعات.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أنه بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات والهيئة العامة للسكك الحديدية في 8 من سبتمبر سنة 1959 أقامت وزارة المواصلات الدعوى رقم 980 لسنة 6 القضائية ضد السيد/ سيد محمود خليل طالبة الحكم بإلزامه بأن يدفع لها مبلغ 26 جنيهاً و244 مليماً والفوائد والمصروفات وأتعاب المحاماة. وقالت بياناً لدعواها إن المدعى عليه التحق بمصلحة الطرق والكباري ضمن عمال القناة بمهنة رئيس عمال ومنح بصفة مؤقتة أجراً يومياً قدره 300 مليم وكانت التعليمات تستوجب أن يتقدم بمستند يثبت أنه كان يعمل مع الجيش البريطاني حتى تاريخ إلغاء المعاهدة، ولكنه عجز عن تقديم هذا المستند فعرض أمره على اللجنة الفنية المشكلة بمصلحة الطرق والتي قررت وضعه في درجة عامل عادي 100/ 300 مليم بأول مربوطها طبقاً لنوع الوظيفة التي كان يزاولها بالجيش البريطاني وذلك اعتباراً من أول إبريل سنة 1953 تاريخ نفاذ كادر العمال وترتب على هذه التسوية أن استحق للوزارة في ذمته مبلغ 29 جنيهاً و625 مليماً صرفت إليه بدون وجه حق في الفترة من 6 إبريل سنة 1952 تاريخ نفاذ الكادر حتى 31 من ديسمبر سنة 1952 تاريخ التسوية واستقطع من هذه القيمة مبلغ 3 جنيهات و381 مليماً. وفي 17 من إبريل سنة 1953 انقطع المدعى عليه عن العمل وتقرر فصله اعتباراً من ذلك التاريخ وتبقى عليه مبلغ 26 جنيهاً و244 مليماً صرفت إليه بدون وجه حق - وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بإلزام المدعى عليه بأن يدفع مبلغ 9 جنيهات و654 مليماً وفوائده القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية والمصروفات وذلك تأسيساً على أن الثابت بملف خدمته أن الجهة الإدارية عاملته على أنه ساع أو فراش فيستحق طبقاً لكادر عمال القناة أجراً يومياً قدره 140 مليماً اعتباراً من أول إبريل سنة 1952 مضافاً إليه إعانة غلاء معيشة حسب حالته الاجتماعية بلغت 75% فيكون الأجر الإجمالي المستحق له قانوناً 245 مليماً يومياً وتكون الزيادة التي صرفها بدون وجه حق عن أيام عمله في المدة من أول إبريل إلى آخر ديسمبر سنة 1952 هي 13 جنيهاً و35 مليماً حصلت منها الوزارة 3 جنيهات و381 مليماً فيكون الباقي هو مبلغ 9 جنيهات و654 مليماً يتعين القضاء به للوزارة مع الفوائد القانونية. وعقبت الوزارة على هذا التقرير بقولها إن المدعى عليه عين بمصلحة الطرق والنقل البري بعد تطبيق قواعد كادر العمال عليه على أساس أنه عامل رش بالطرق المحدد له أجر بكادر العمال درجة (عامل عادي 100/ 300) فتكون مطالبته بالمبلغ موضوع الدعوى على أساس سليم استناداً إلى التسوية التي أجرتها المصلحة والتي لم يعترض عليها المدعى عليه - وبجلسة 5 من إبريل سنة 1960 قضت المحكمة الإدارية بسقوط الدعوى وألزمت المدعية المصروفات. وأسست قضاءها بذلك على أن مطالبة الوزارة بالمبالغ التي استولى عليها المدعى عليه دون وجه حق لا تعدو أن تكون من دعاوى الاسترداد التي يتحتم رفعها قبل انقضاء المدة المنصوص عليها في المادة 187 من القانون المدني وأنه يبين من الأوراق أن الوزارة قد علمت بما لها في ذمة المدعى عليه في يناير سنة 1953 وآية ذلك أنها قامت باستقطاع ما استولى عليه زيادة من مرتبه اعتباراً من شهر يناير سنة 1953 حتى شهر مارس سنة 1953 ولم يتخذ أي إجراء قاطع للتقادم بعد أن توقفت عن الخصم من مرتبه بسبب فصله من الخدمة في 17 من إبريل سنة 1953 إلى أن أقامت الدعوى بصحيفة أعلنت إلى المدعي في 14 من سبتمبر سنة 1959 فتكون الدعوى قد أقيمت بعد الميعاد المقرر في المادة 187 ويتعين الحكم بسقوطها.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد أعمل التقادم الوارد بالمادة 187 من القانون المدني دون أن يطلب المدعى عليه ذلك في حين أن قواعد التقادم ليست من النظام العام فليس للمحكمة أن تحكم به من تلقاء نفسها ولا ينال من ذلك أن المطالبة محل الدعوى تتعلق برابطة من روابط القانون العام لأن مصدر الالتزام هنا حكم القانون المدني والقاعدة التي طبقتها المحكمة واردة بهذا القانون فكان يتعين عليها أن تأخذ بقواعده كاملة ما دام لا يوجد نص آخر في قانون آخر يغاير هذه القواعد أو بعضها، ولا وجه للقياس على حكم المادة 50 من القسم الثاني من اللائحة المالية للميزانية لأنه جاء في خصوصية معينة هي الماهيات المستحقة في ذمة الدولة للأفراد - هذا فضلاً عن أنه لو طبق حكم هذه المادة فإن الحق لا يسقط إلا بمضي خمس سنوات على تاريخ استحقاقه ولم يكن هذا الحق قد سقط بعد عند رفع الدعوى في 8 من سبتمبر سنة 1959 لأن الوزارة كانت قد أخذت خلال سنة 1957 إجراءات قاطعة للتقادم حيث طالبت المطعون ضده بالمبلغ محل الدعوى بموجب عريضة دعوى أمام محكمة ميناء البصل المدنية ولكنها تركتها بعد أن تبينت أن القضاء الإداري هو المختص بنظر هذه المنازعة.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قد قدمت تقريراً برأيها انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام المدعى عليه بأن يدفع للوزارة المدعية مبلغ 26 جنيهاً و244 مليماً مع إلزامه المصروفات. وذلك تأسيساً على أن التقدم الثلاثي المنصوص عليه في المادة 187 من القانون المدني لا يسري على حق الحكومة في استرداد المدفوع من جانبها إلى الموظف بدون حق وأن مدة التقادم التي تسري على المبلغ موضوع الدعوى هي مدة التقادم المسقطة للمرتب وهي مدة الخمس سنوات المنصوص عليها في المادة 50 من القسم الثاني من اللائحة المالية للميزانية والحسابات، وأنه من المقرر أنه يجوز للمحكمة أن تقضي بالسقوط من تلقاء نفسها وأن الجهة الإدارية قد قامت باستقطاع جزء من المبلغ المستحق لها عن طريق الخصم من أجر المدعى عليه في الأشهر من يناير إلى مارس سنة 1953 كما أنها لم تأل جهداً إبان عامي 1954، 1955 في سبيل التعرف على محل إقامة المدعى عليه بغية مطالبته بباقي المبلغ المستحق عليه وكتبت في هذا الشأن إلى كل من تفتيش الشرق بالوجه البحري ومحافظة القناة بالإسماعيلية طالبة إجراء التحريات اللازمة للوقوف على محل إقامته، وهذه الإجراءات تقوم مقام المطالبة القضائية في قطع التقادم. وكما كانت الدعوى قد رفعت في 8 من سبتمبر سنة 1959 فإنها تكون قد رفعت في ميعاد لم يكن فيه الحق قد سقط بالتقادم لاسيما وأن إدارة قضايا الحكومة تقرر في صحيفة طعنها أنها قطعت التقادم خلال عام 1957 عندما طالبت المدعى عليه بالمبلغ موضوع النزاع بموجب صحيفة دعوى مدنية أمام محكمة ميناء البصل.
ومن حيث إن وزارة المواصلات قد تقدمت بمذكرة بدفاعها أضافت فيها إلى ما تضمنه تقرير الطعن أنها أخذت في التحري عن محل إقامة المدعى عليه. وفي 6 من مايو سنة 1957 حددت أول جلسة محكمة محرم بك لنظر هذا النزاع ثم أحيلت الدعوى إلى محكمة ميناء البصل الجزئية بعد أن تبين أنه يقيم في دائرة تلك المحكمة، وفي أول سبتمبر سنة 1959 تركت الحكومة هذه الدعوى للشطب بعد أن تبينت أن المحكمة المختصة هي المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات. وذكرت الوزارة أن هذه الإجراءات جميعاً تدل على أن الإدارة لم تهمل المطالبة فقطع التقادم في مجال هذه الرابطة الإدارية التي تحكمها القوانين واللوائح - وأن المدعى عليه ظل يقبض أجر مهنة رئيس عمال بواقع 300 مليم في اليوم بعد أن سويت حالته بوضعه في الدرجة 100/ 300 مليم بأول مربوطها اعتباراً من أول إبريل سنة 1952 فتجمد في ذمته نتيجة لذلك المبلغ محل المطالبة. وانتهت الوزارة إلى طلب الحكم بالطلبات الموضحة بتقرير الطعن.
ومن حيث إن الوزارة تقيم مطالبتها للمدعى عليه بالفرق بين الأجر الذي صرف له فعلاً والأجر الذي تدعي أنه كان يستحقه في المدة من أول إبريل إلى آخر ديسمبر سنة 1952 على أنه عجز عن تقديم المستند الدال على أنه كان يعمل بالجيش البريطاني حتى تاريخ إلغاء معاهدة سنة 1936 فعرض أمره على اللجنة الفنية المشكلة بمصلحة الطرق التي قررت وضعه في درجة عامل عادي (100/ 300 مليم) بأول مربوطها اعتباراً من أول إبريل سنة 1952 تاريخ نفاذ كادر العمال وترتب على هذه التسوية أن استحق للوزارة في ذمته مبلغ 29 جنيهاً و625 مليماً صرفت إليه بدون وجه حق في الفترة من 6 من إبريل سنة 1952 حتى 31 من ديسمبر سنة 1952 تاريخ التسوية خصم منها مبلغ 3 جنيهاً و381 مليماً استقطع مما استحق للمدعى عليه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بسقوط الدعوى على أنها من دعاوى الاسترداد التي يتحتم رفعها قبل انقضاء المدة المنصوص عليها في المادة 187 من القانون المدني وأنها قد أقيمت بعد انقضاء المدة المذكورة.
ومن حيث إن المدعى عليه لم يحضر أمام المحكمة الإدارية ولم يتقدم بأي دفع أو دفاع في الدعوى وبذلك يكون الحكم المطعون فيه قد قضى بالسقوط دون أن يدفع المدعى عليه بالتقادم المسقط.
ومن حيث إن الأصل في التقادم أنه لا يترتب على اكتمال مدته سقوط الالتزام من تلقاء ذاته بل لابد أن يتمسك به المدين، فالتقادم دفع يدفع به المدين دعوى الدائن، والأصل فيه أنه لا يعتبر من النظام العام. ذلك أن سقوط الالتزام بالتقادم وإن كان مبنياً على اعتبارات تمت إلى المصلحة العامة لضمان الأوضاع المستقرة، إلا أنه يتصل مباشرة بمصلحة المدين الخاصة، كما أنه يتصل اتصالاً مباشراً بضميره فإذا كان يعلم أن ذمته مشغولة بالدين وتخرج من التذرع بالتقادم، كان له النزول عنه عن طريق عدم التمسك به، فلا تستطيع المحكمة أن تقضي بالسقوط من تلقاء نفسها - كل ذلك ما لم يرد نص على خلاف هذا الأصل، كنص المادة 50 من اللائحة المالية للميزانية والحسابات الذي يقضي بأن "الماهيات التي لم يطالب بها مدة خمس سنوات تصبح حقاً مكتسباً للحكومة". ومفاد هذا النص أنه بمجرد انقضاء مدة الخمس سنوات تصبح الماهيات حقاً للحكومة دون أن يتخلف أي التزام طبيعي في ذمة الدولة، وأنه يجوز للمحكمة أن تقضي بسقوط الحق في المطالبة بها من تلقاء نفسها. وعلة خروج هذا النص على الأصل العام المشار إليه هي - قيام اعتبارات تنظيمية تتعلق بالمصلحة العامة وتهدف إلى استقرار الأوضاع الإدارية وعدم تعرض ميزانية الدولة - وهي في الأصل سنوية - للمفاجآت والاضطراب.
ومن حيث إنه بالإضافة إلى أنه ليس هناك نص مماثل لنص المادة 50 المشار إليها في شأن ما تصرفه الحكومة للعاملين فيها من مبالغ تزيد عما هو مستحق لهم - فإن الاعتبارات التي يقوم عليها حكم النص المذكور غير قائمة في شأن رجوع الحكومة بتلك المبالغ على من صرفت إليهم دون وجه حق، ويترتب على ذلك سريان الأصل العام السابق الإشارة إليه على تقادم الحق في المطالبة بالمبالغ المذكورة، فلا يجوز للمحكمة أن تقضي بالتقادم من تلقاء نفسها بل يجب أن يكون ذلك بناء على طلب ذي المصلحة.
ومن حيث إنه لذلك فإنه إن جاز للمحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها بسقوط حق العامل في الأجر الذي لم يطالب به مدة خمس سنوات وفقاً لنص المادة 50 من اللائحة المالية للميزانية والحسابات، فإنه لا يجوز لها أن تقضي من تلقاء نفسها بتقادم حق الدولة في الرجوع على العامل بما صرف له دون وجه حق إذ يتعين للحكم بهذا التقادم أن يتمسك هو به.
ومن حيث إن المدعى عليه لم يدفع بالتقادم فإنه ما كان يجوز للمحكمة الإدارية أن تقضي من تلقاء نفسها بسقوط الدعوى، وإذ قضت بذلك يكون حكمها مخالفاً للقانون.
ومن حيث إنه يبين من ملف خدمة المدعى عليه أنه كان من عمال الجيش البريطاني قبل إلغاء معاهدة سنة 1936 - وفي 4 من نوفمبر سنة 1951 قيد بمكتب عمل الإسماعيلية وتضمنت شهادة القيد أن صناعته ريس عمل (صفحة 3 من ملف الخدمة) وتضمن بيان حالته المؤرخ في 3 من ديسمبر سنة 1951 والموقع منه ومن الموظف المختص أنه كان يعمل متعهد غسيل ومكوجي وأنه ترك خدمة الجيش البريطاني في 25 من أكتوبر سنة 1951 وأنه ألحق بالعمل بالحكومة رئيس فرقة بقسم أبي حماد وأن الأجر المؤقت الذي قدر له هو ثلاثون قرشاً (الصفحة الأولى من الملف) - وقدم تصريح المرور الصادر له من الجيش البريطاني وثابت فيه أنه (عامل) وأن التصريح معتمد عن المدة من 3 إلى 9 من مايو سنة 1951 - (صفحة 2 من الملف) - ولما كان هذا التصريح تنتهي مدة سريانه قبل أول أكتوبر سنة 1951 فقد طالبه تفتيش الشرق بمصلحة الطرق والكباري بتقديم ما يدل على سابقة اشتغاله بالجيش البريطاني حتى أول أكتوبر سنة 1951 (صفحة 5 من الملف) وقد أجاب المدعى عليه على ذلك بأنه قد استحال عليه الحصول من الجيش البريطاني على ما يدل على ذلك لغلق أبواب المعسكرات وأنه حصل من قسم شرطة أبو صوير على رقم المحضر الذي حرر في 6 من نوفمبر سنة 1951 على إثر امتناعه عن العمل بالجيش المذكور، وأن هذا القسم على الاستعداد لإرسال هذا المحضر الذي يثبت عمله بالجيش البريطاني (صفحة 4 من الملف) وعرضت مصلحة الطرق الأمر على مصلحة العمل بكتابها المؤرخ في 22 من فبراير سنة 1953 طالبة الإفادة عما يتبع نحو المدعى عليه، وهل من الجائز استمراره في العمل (صفحة 7 من الملف) فأجابت مصلحة العمل بكتابها المؤرخ في 31 من مارس سنة 1953 بأنه بالبحث وجد هذا العامل مقيداً بمكتب الإسماعيلية بمهنة مكوجي بتاريخ 4 من نوفمبر سنة 1951 برقم 271/ 18 وأنه قد تقدم للجنة التحريات بجلسة 27 من أكتوبر سنة 1951 ورشح لوزارة الداخلية بتاريخ 28 من نوفمبر سنة 1951 بناء على تعرف اللجنة على سابقة اشتغاله بالمعسكرات البريطانية. وأشارت المصلحة بأن يستمر في عمله (صفحة 10 من الملف) - وكان المدعي قد تقدم بشكوى إلى مدير عام مصلحة الطرق والكباري في 12 من مارس سنة 1953 ذكر فيها أنه عين رئيس مكوجية بهندسة الدقهلية بحري بأجر يومي قدره 300 مليم وأنه توجه إلى تفتيش الشرق لإجراء الامتحان ولكن الكاتب المختص أفهمه بأنه لا يمكن امتحانه لأنه ليس في المصلحة عمال مكوجية، وقال إنه إذا كان الأمر كذلك فمن الواجب أن يحول إلى مصلحة أخرى إذ أن مرتبه أصبح 3 جنيهات و130 مليماً شهرياً بعد أن كان يتقاضى من الجيش البريطاني مرتباً لا يقل عن خمسة عشر جنيهاً (صفحة 8 من الملف) - وبين مدير عام مصلحة الطرق والكباري في كتابه المرسل إلى وكيل الوزارة في 4 من يوليه سنة 1953 أن المدعى عليه ألحق بالعمل على أنه ريس عمل بأجر قدره 300 مليم شامل إعانة غلاء المعيشة ولكن عند تقديم مسوغات تعيينه اتضح أنه مكوجي، وطبقاً للتعليمات عومل على أنه ساعي أو فراش بأجر يومي قدره 240 مليماً وأنه نتيجة لهذه التسوية استحق عليه مبلغ 29 جنيهاً و244 مليماً اعتباراً من أول إبريل سنة 1952 وأنه انقطع عن العمل اعتباراً من 17 من إبريل سنة 1953 أكثر من عشرة أيام - فتقرر فصله اعتباراً من ذلك التاريخ (صفحة 16 من الملف). وقد أجابت الوزارة على هذا الكتاب بكتابها المؤرخ في 26 من ديسمبر سنة 1953 الذي رأت فيه محاسبة المدعى عليه على أجر يومي قدره 140 مليماً اعتباراً من تاريخ تقديم مسوغات تعيينه (صفحة 24 من الملف) - وبالرجوع إلى كشف حساب فرق الأجور موضوع الدعوى التي أقامتها الوزارة ضد المدعى عليه يبين أن هذا الفرق قد حسب على أساس أن الأجر المستحق للمدعي اعتباراً من أول إبريل إلى آخر ديسمبر سنة 1952 هو 100 مليم تضاف إليه إعانة الغلاء بنسبة 75% وأن الأجر الذي صرف له فعلاً عن تلك المدة كان يزيد على ذلك إذ بلغ 300 مليم يومياً شاملة لإعانة الغلاء.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعى عليه قد منح عقب تركه خدمة الجيش البريطاني وعند إلحاقه بالعمل بوزارة المواصلات أجراً مؤقتاً قدره 300 مليم يومياً، وأنه بعد نفاذ القواعد التنظيمية التي وضعت لإعادة توزيع عمال القناة وتقدير أجورهم في أول إبريل سنة 1952 لم يحدد أجر المدعي بصفة نهائية إلا في أول يناير سنة 1953 إذ قرر له اعتباراً من ذلك التاريخ أجر يومي قدره 140 مليماً حسبما هو مستفاد من ملف الخدمة لا مائة مليم كما جاء بصحيفة الدعوى..
ومن حيث إنه على إثر إلغاء معاهدة سنة 1936 ترك العمال المصريون الجيش البريطاني بمنطقة القناة أعمالهم فكان لزاماً على الحكومة أن تدبر لهم سبل العيش. ولما كانت الحالة تستدعي علاجاً سريعاً ونظراً إلى كثرة هؤلاء العمال فقد ألحقوا بالوزارات والمصالح المختلفة دون مراعاة حاجة العمل بالمصالح ودون مراعاة حرف هؤلاء العمال. وفي 18 من نوفمبر سنة 1951 قرر مجلس الوزراء تشكيل لجنة في وزارة المالية تمثل فيها جميع الوزارات المختلفة كما صدر قرار مجلس الوزراء في 2 من ديسمبر سنة 1951 بتخويل اللجنة المشار إليها الحق في إعادة النظر في أجور العمال. وفي 19 من مارس سنة 1952 وضعت اللجنة تقريراً تضمن القواعد التنظيمية في شأن إعادة توزيع هؤلاء العمال وإعادة تقدير أجورهم ودرجاتهم وهي القواعد التي اصطلح على تسميتها بكادر عمال القناة وقدرت فيه أجور أرباب الحرف بما يطابق درجات كادر عمال الحكومة وكان من بين القواعد التي وضعتها اللجنة قاعدة تقضي بأن: "من سيقل أجره بعد نقله إلى الدرجة المقررة له في كادر عمال اليومية الحكومي فلا يحصل منه الفروق كذلك الحال بالنسبة لمن يرتفع أجره فلا يصرف له فرق عن الماضي - أما العمال الذين ليس لهم عمل يتفق مع حرفهم سواء في الجهات الملحقين بها الآن أو بالجهات الأخرى فهؤلاء يكلفون القيام بأعمال يستطيعون القيام بها وتقرب من حرفهم الأصلية بقدر المستطاع وفي هذه الحالة تقدر أجورهم حسب الأعمال التي يقومون بها فعلاً لأن الأجر يقدر على قدر العمل على أساس حرفة العامل نفسه". كما كان مما قررته اللجنة عدم نفاذ هذه التقديرات والأجور إلا بعد إقرارها واعتمادها بدون أثر رجعي - وقد اعتمدت الجهات المختصة تقرير اللجنة بما تضمنه من قواعد ونشرت وزارة المالية كتاباً دورياً في هذا الشأن إلى الوزارات والمصالح لتنفيذه اعتباراً من أول إبريل سنة 1952.
ومن حيث إنه يظهر من ذلك أن مركز العمال المذكورين من حيث الدرجات التي وضعوا فيها والأجور التي منحوها أول الأمر عقب تركهم خدمة الجيش البريطاني إثر إلغاء معاهدة سنة 1936 إنما كان مركزاً مؤقتاً غير بات اقتضته الضرورة العاجلة وقتذاك، أما مراكزهم النهائية فيما يتعلق بهذه الدرجات والأجور فلم تكن لتستقر إلا بعد نفاذ القواعد التنظيمية التي وضعت لإعادة توزيعهم بصفة نهائية والعبرة في هذا الشأن بالمركز النهائي الذي يطبق عليهم بعد نفاذ تلك القواعد وتقدير أجورهم على أساسها إذ أن مراكزهم عندئذ تعتبر المراكز القانونية النهائية التي تتحرر على مقتضاها درجاتهم وأجورهم.
ومن حيث إنه وإن كان عامل القناة لا يكسب في وضعه المؤقت الحق في الدرجة التي وضع فيها أو في الاستمرار في تقاضي الأجر المحدد لها - إلا أنه أثناء هذا الوضع المؤقت وإلى أن يتجدد مركزه بصفة نهائية يستحق الأجر الذي قدر له في هذا الوضع لقيام هذا الأجر على أساس من التقدير الجزافي واستناد قبضه إياه إلى سبب مشروع هو بقاؤه في الوضع المذكور بإرادة جهة الإدارة ولو زاد هذا الأجر على الأجر الذي حدد له على مقتضى قواعد كادر عمال القناة وذلك ما لم تكن تلك الزيادة قد صرفت له نتيجة غش من جانبه.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعى عليه قد قدم إلى جهة الإدارة المختصة قبل أول إبريل سنة 1952 تاريخ نفاذ كادر عمال القناة ما يدل على أنه كان عاملاً بالجيش البريطاني كما سجل في بيان حالته المقدم في 3 من ديسمبر سنة 1951 أنه كان يعمل مكوجياً في ذلك الجيش وهذا ما أكدته مصلحة العمل في كتابها في 31 من مارس سنة 1953 (صفحة 10 من ملف الخدمة) الذي تضمن أنه بالبحث وجد هذا العامل مقيداً بمكتب الإسماعيلية بمهنة مكوجي بتاريخ 4 من نوفمبر سنة 1951 برقم 271/ 18، وأنه قد تقدم للجنة التحريات بجلسة 27 من نوفمبر سنة 1951 ورشح لوزارة الداخلية بتاريخ 28 من نوفمبر سنة 1951 بناء على تعرف اللجنة على سابقة اشتغاله بالمعسكرات البريطانية - ولقد كان في مقدور جهة الإدارة على أساس هذه البيانات أن تحدد مركزه وأن تقدر أجره بصفة نهائية ابتداء من أول إبريل سنة 1952 لو أنها اتبعت في شأنه ما أشارت به لجنة إعادة توزيع عمال الجيش البريطاني في تقريرها المؤرخ في 19 من مارس سنة 1952 إذ تضمن هذا التقرير أنه كان من هؤلاء العمال من يعمل في حرف ليست الحكومة في حاجة إلى استخدام أربابها مثل الكوائين وأن اللجنة قد أشارت باستخدام الكوائين في وظائف السعاة والفراشين وما شابه ذلك من أعمال - ولكن الإدارة تراخت في القيام بذلك ولم تقم بتسوية حالة المدعى عليه على مقتضى قواعد كادر عمال القناة إلا في 31 من ديسمبر سنة 1952 الأمر الذي ترتب عليه بقاءه في وضعه المؤقت واستمرار الإدارة في صرف الأجر الذي قدر له جزافاً وقدره 300 مليم يومياً إلى نهاية سنة 1952.
ومن حيث إن قبض المدعى عليه للأجر المذكور خلال المدة من أول إبريل حتى آخر ديسمبر سنة 1952 يستند حسبما سبق البيان إلى سبب مشروع هو الوضع المؤقت الذي أبقته فيه جهة الإدارة بإرادتها، فليس من حقها أن ترجع عليه بالفرق بين هذا الأجر والأجر الذي حدد له على مقتضى قواعد كادر عمال القناة استناداً إلى أن هذا الفرق قد دفع له بغير حق، وتكون دعواها بالمطالبة بهذا الفرق غير قائمة على أساس سليم مما كان يتعين معه القضاء برفضها، لذلك يتعين الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى مع إلزام الوزارة بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى، وألزمت الوزارة الطاعنة بالمصروفات.