جلسة 13 من فبراير سنة 1969
برياسة السيد المستشار/
محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: السيد عبد
المنعم الصراف، وسليم راشد أبو زيد، ومحمد سيد أحمد حماد، وعلي عبد الرحمن.
----------------
(54)
الطعن رقم 40 لسنة 35
القضائية
)أ) إثبات. "يمين حاسمة". محكمة الموضوع.
تقدير كيدية اليمين
الحاسمة مما تستقل به محكمة الموضوع.
)ب) إثبات. إنابة قضائية.
"توجيه اليمين بطريق الإنابة القضائية".
طلب الإنابة القضائية
يكون بالطريق الدبلوماسي. تعذر طلبها في حالة قطع العلاقات السياسية.
------------
1 - لما كانت المادة 410
من القانون المدني وإن أجازت لكل من الخصمين أن يوجه اليمين الحاسمة إلى الخصم
الآخر، إلا أنها أجازت أيضاً للقاضي أن يمنع توجيه اليمين إذا كان الخصم متعسفاً
في توجيهها، لأن اليمين - على ما صرحت به مذكرة المشروع التمهيدي في تعليقها على
هذه المادة - ليست كما يصورها الفقه - تأثراً بالتزام ظاهر نصوص القانون المدني
الملغي - موكولة لهوى الخصوم ولا هي من شأنها وحدهم، كما أن تقدير كيدية اليمين
والتعسف في توجيهها مما يستقل به قاضي الموضوع ولا رقابة لمحكمة النقض عليه في ذلك
متى أقام على أسباب سائغة.
2 - يكون طلب الإنابة
القضائية بالطريق الدبلوماسي، على ما تقضي به المادة 7 من اتفاقية الإعلانات
والإنابات القضائية المعقودة بين الدول العربية في 14 سبتمبر سنة 1952 والموقع
عليها عن المملكة العربية السعودية في 23 مايو سنة 1953 ومن الجمهورية العربية
المتحدة في 9 يونيو سنة 1953 والتي تم إيداع وثائق التصديق عليها منهما لدى
الأمانة العامة في 5 إبريل سنة 1954 و15 مايو سنة 1954، وبديهي أنه متى كانت
الإنابة لا يمكن طلبها إلا بالطريق الدبلوماسي فإن طلبها يكون متعذراً في حالة قطع
العلاقات السياسية بين البلدين.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق
وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى
أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما
يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن طلب في الدعوى
رقم 5135 سنة 1960 مدني كلي القاهرة إلزام المطعون ضده بأن يؤدي له مبلغ ثلاثة
آلاف جنيه، واستند في ذلك إلى سند إذني مؤرخ أول ديسمبر سنة 1959 ويحمل بصمة ختم
باسم أحمد محمد العشي (المطعون ضده) وقد ادعى وكيل المطعون ضده بتزوير هذا السند
وذلك بتقرير في قلم الكتاب تاريخه 29 يناير سنة 1961 وقام بإعلان شواهد التزوير.
فطلب وكيل الطاعن توجيه اليمين الحاسمة إلى المطعون ضده على أنه لم يوقع على السند
ببصمة ختمه وأنه ليس مديناً بالمبلغ الوارد به، ورد وكيل المطعون ضده على ذلك بأن
هذه اليمين كيدية وطلب رفض توجيهها، وفي 13 مارس سنة 1961 قضت محكمة القاهرة
الابتدائية بعدم جواز توجيه اليمين وأمرت بتحقيق شاهد التزوير الثاني بطريق
المضاهاة وكلفت الطرفين بتقديم أوراق رسمية أو عرفية معترف بها لإجراء المضاهاة
عليها، وبعد أن أرشد المطعون ضده عن توكيل موثق عليه صادر منه إلى آخر وإقرار
جمركي مقدم منه إلى جمرك القاهرة، قضت المحكمة في 2 من إبريل سنة 1961 وقبل الفصل
في الموضوع بندب قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي لإجراء مضاهاة
بصمة الختم المنسوبة إلى المطعون ضده على السند المدعى بتزويره على أصل التوكيل
رقم 1318 سنة 1959 توثيق القاهرة المحفوظ بمصلحة الشهر العقاري بالقاهرة الصادر من
الطاعن إلى آخر وعلى الإقرار الجمركي المقدم منه في 10 نوفمبر سنة 1959 والمحفوظ
بجمرك القاهرة. وبعد أن قدم الخبير تقريره الذي انتهى فيه إلى أن بصمة الختم
الموقع بها على السند تخالف بصمة ختم المطعون ضده الموقع بها على أصل التوكيل
والإقرار الجمركي حكمت المحكمة الابتدائية في 25 فبراير سنة 1962 برد وبطلان السند
المطعون فيه بالتزوير وبرفض الدعوى. فاستأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف
القاهرة بالاستئناف رقم 404 سنة 79 قضائية القاهرة وتمسك في السبب الأول من أسباب
استئنافه بتوجيه اليمين الحاسمة إلى المطعون ضده بعد أن عدل صيغتها وقصرها على أن
المطعون ضده ليس مديناً له بالمبلغ الوارد بالسند. وبتاريخ 13 يونيه سنة 1963 حكمت
محكمة الاستئناف بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعن أن المطعون ضده وقع ببصمة
ختمه على السند موضوع الدعوى وأنه يستعمل أكثر من ختم واحد، ورفضت المحكمة في
أسباب هذا الحكم توجيه اليمين الحاسمة إلى المطعون ضده على أساس أن طالبها متعسف
في توجيهها، وبعد أن تم التحقيق قضت في 20 ديسمبر سنة 1964 بتأييد الحكم المستأنف
فطعن الطاعن في قضائها بطريق النقض بتقرير تاريخه 25 يناير سنة 1965 وقدمت النيابة
العامة مذكرة أيدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة
بهذا الرأي.
وحيث إن الطعن بني على
ثلاثة أسباب ينعى الطاعن في أولها على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال، وفي
بيان ذلك يقول إن محكمة الاستئناف في حكمها الصادر في 13 يونيه سنة 1963 رفضت
توجيه اليمين الحاسمة التي طلب توجيها إلى المطعون ضده واستندت المحكمة في رفضها
إلى أن الطاعن متعسف في توجيهها واستخلصت هذا الاعتساف من إقامة المطعون ضده ببلدة
نائية من بلدان المملكة العربية السعودية وتعذر حضوره إلى مصر لحلف اليمين بسبب
قطع العلاقات السياسية بين البلدين ومن عدول الطاعن عن دليله الكتابي بعد الطعن
فيه بالتزوير إلى اليمين استغلالاً لهذه الظروف، وهذا التدليل يعيب الحكم بالفساد
في الاستدلال، ذلك أن المطعون ضده استحضر شاهدي نفي من بني وطنه أديا الشهادة في
التحقيق الذي أجرته محكمة الاستئناف في الوقت الذي كانت فيه العلاقات السياسية
مقطوعة بين الجمهورية العربية المتحدة، وبين المملكة العربية السعودية، وهذا يدل
على أن حضور المطعون ضده لحلف اليمين لم يكن متعذراً، هذا إلى أنه كان في الوسع
طبقاً لمواثيق جامعة الدول العربية أن يحلفها في بلده بطريق الإنابة القضائية، ثم
أنه لا تثريب على من بيده الدليل الكتابي أن يقطع المنازعة فيه باللجوء إلى ذمة
خصمه.
وحيث إن هذا النعي غير
سديد، ذلك أن الحكم الصادر من محكمة الاستئناف في 13 يونيه سنة 1963 أقام قضاءه
برفض توجيه اليمين الحاسمة على قوله "وبما أنه من المقرر قانوناً أنه يجوز
للقاضي أن يمنع توجيه اليمين إذا كان الخصم متعسفاً في توجيهها (المادة 410 مدني)
وقال الدفاع إن المستأنف ضده (المطعون ضده) يقيم بمدينة الدمام بالمنطقة الشرقية
من شبه الجزيرة العربية من الخليج العربي وهو رجل أعمال له من الأشغال ما يشغله عن
السفر من ذلك المكان النائي البعيد، فتوجيه اليمين هو استغلال لظروف المستأنف ضده
ومحاولة للكيد والإضرار به وترى المحكمة لهذه الظروف أن المستأنف متعسف في توجيه
اليمين خصوصاً وقد سبق أن لجأ في إثبات ما يدعيه إلى الدليل الكتابي وتخلى عنه حال
الطعن عليه بالتزوير ولجأ إلى هذا السبيل مستغلاً ظروف المستأنف ضده ووجوده في
مكان ناء مما يتعذر عليه الحضور في الظروف الحاضرة بعد قطع العلاقات السياسية بين
البلدين" ولما كانت المادة 410 من القانون المدني وإن أجازت لكل من الخصمين
أن يوجه اليمين الحاسمة إلى الخصم الأخر إلا أنها أجازت أيضاً للقاضي أن يمنع
توجيه اليمين إذا كان الخصم متعسفاً في توجيهها لأن اليمين - على ما صرحت به مذكرة
المشروع التمهيدي في تعليقها على هذه المادة - ليست - كما يصورها الفقه تأثراً
بالتزام ظاهر نصوص القانون المدني الملغي - موكولة لهوى الخصوم ولا هي من شأنهم
وحدهم. لما كان ذلك وكان تقدير كيدية اليمين والتعسف في توجيهها مما يستقل به قاضي
الموضوع ولا رقابة لمحكمة النقض عليه في ذلك متى أقام رأيه على أسباب سائغة، وكان
ما ساقه الحكم المطعون فيه للتدليل على تعسف الطاعن في توجيه اليمين سائغاً ومن
شأنه أن يؤدي إلى ما انتهى إليه وكان ما يقرره الطاعن من جواز حلف المطعون ضده
اليمين في بلدته بالسعودية بطريق الإنابة القضائية مردود بأن هذه الإنابة إنما
تطلب بالطريق الدبلوماسي على ما تقضي به المادة 7 من اتفاقية الإعلانات والإنابات
القضائية المعقودة بين الدول العربية في 14 سبتمبر سنة 1952 والموقع عليها من
المملكة العربية السعودية في 23 مايو سنة 1953 ومن الجمهورية العربية المتحدة في 9
يونيه سنة 1953 والتي تم إيداع وثائق التصديق عليها منهما لدى الأمانة العامة في 5
إبريل سنة 1954 و15 مايو سنة 1954، وبديهي أنه متى كانت الإنابة لا يمكن طلبها إلا
بالطريق الدبلوماسي فإن طلبها يكون متعذراً في حالة قطع العلاقات السياسية بين
البلدين وهو الوضع الذي كان قائماً وقت طلب الطاعن توجيه اليمين إلى المطعون ضده
حسب تقريرات الحكم المطعون فيه التي لم يتناولها النعي.
وحيث إن السبب الثاني
يتحصل في أن الحكم المطعون فيه شابه قصور في التسبيب ذلك أنه أقام قضاءه على
دعامتين الأولى أن بصمة ختم المطعون ضده على السند المدعى بتزويره تختلف عن بصمة
ختمه على الورقتين الرسميتين التي أجرى عليهما المضاهاة قسم أبحاث التزييف
والتزوير. والدعامة الثانية هي أنه وإن كان من الجائز أن يكون للشخص أكثر من ختم
واحد في آن واحد فإن الطاعن لم يشر إلى أية ورقة عليها بصمة الختم المطعون فيه أو
أي ختم آخر تختلف بصمته عن بصمة الختم على ورقتي المضاهاة، وعلى أساس هاتين
الدعامتين أعرضت محكمة الاستئناف عن أقوال شاهد السند الذي استشهده الطاعن. وإذ
كان الطاعن قد دل المحكمة على أوراق تحمل بصمات ختم آخر للمطعون ضده غير الختم
الموقع به على ورقتي المضاهاة وقد أشارت محكمة الاستئناف إلى هذه الأوراق في حكمها
الصادر في 13 يونيه سنة 1963 بإحالة الدعوى إلى التحقيق، كما أن أحد شاهدي الإثبات
اللذين أشهدهما الطاعن وهو المهندس حسين كامل قدم أثناء الإدلاء بشهادته خطاباً
مؤرخاً 20 يناير سنة 1959 مرسلاً إليه من المطعون ضده وعليه توقيع الأخير ببصمة
ختم أخرى غير بصمة ختم ورقتي المضاهاة وبصمة ختم السند ذاته وقد تمسك الطاعن في
مذكرته الختامية بهذا الخطاب المودع ملف القضية على أنه دليل كتابي صادر من
المطعون ضده نفسه دال على تعدد أختامه إذ كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أغفل
كلية الرد على استدلال الطاعن بهذا الخطاب على تعدد أختام المطعون ضده فإن الحكم
يكون مشوباً بالقصور. ويتحصل السبب الثالث في أن الحكم المطعون فيه خالف القانون،
ذلك أنه أيد الحكم الابتدائي ارتكاناً إلى ما شهد به شهود المطعون ضده من أنه لا
يستعمل إلا ختماً واحداً وارتكاناً أيضاً على ما أقام عليه الحكم الابتدائي قضاءه
من وحدة هذا الختم، ولما كان لم يصدر من المطعون ضده إنكار صريح أو ضمني للتوقيع
المنسوب إليه على الخطاب المقدم من شاهد الإثبات المهندس حسين كامل إلى المحكمة
أثناء الإدلاء بشهادته، وكان مقتضى عدم صدور هذا الإنكار اعتبار هذا الكتاب صادراً
من المطعون ضده عملاً بالمادة 394 من القانون المدني وكان توقيع المطعون ضده على
هذا الكتاب ببصمة ختم غير الختم الموقع به على السند وغير الختم الموقع به على
ورقتي المضاهاة فإن الحكم المطعون فيه إذ أطرح هذا الكتاب كدليل على إثبات تعدد
أختام المطعون ضده يكون مخالفاً للقانون.
وحيث إن النعي بهذين
السببين غير سديد، ذلك أن الحكم الصادر من محكمة الاستئناف في 13 يونيه سنة 1963
وهو بصدد التنويه عما أرشد عنه الطاعن من أوراق للتدليل على استعمال المطعون ضده
أكثر من ختم، لم يذكر هذا الحكم سوى أن الطاعن أشار إلى السند المقدم بالحافظة رقم
6 دوسيه في القضية رقم 4628 سنة 60 مدني كلي القاهرة التي كانت منضمة للمفردات
وهذا السند عبارة عن صورة فوتوغرافية من عقد عرفي يحمل تاريخ 10 أغسطس سنة 1959
ومدعى بإبرامه بين المطعون ضده وآخر يدعى حسن عبود عبد ربه. وتضمن بيع الأخير
للمطعون ضده مبلغ عشرين ألف جنيه مصري بسعر عشرة ريالات سعودية إلا ربع لكل جنيه
مصري ولما كان وكيل المطعون ضده قد أنكر صراحة إبرام هذا العقد وتوقيعه عليه وقال
إنه مزور وذلك في محضر جلسة 3 من ديسمبر سنة 1961 أمام المحكمة الابتدائية وكان
المطعون ضده في مذكرته المقدمة إلى محكمة الاستئناف لجلسة 18 مارس سنة 1964
والمعلاة برقم 20 دوسيه قد أنكر أيضاً صراحة الخطاب المقدم من شاهد الإثبات
المهندس حسين كامل أثناء الإدلاء بشهادته أمام محكمة الاستئناف إذ جاء في هذه
المذكرة ما نصه "أن السيد/ حسين كامل هو من أصدقاء المستأنف (الطاعن) ونحن
نؤكد بلسان المستأنف عليه الأول (المطعون ضده) أنه لا يعرف هذا الشاهد ولم يسبق له
أن رآه أو أرسل إليه خطاباً أو كلفه بشيء وواقعة الخطاب الذي قدمه بجلسة التحقيق
غير صحيحة.... ونحن نلتمس التحفظ على هذا الخطاب لأنه مزور "لما كان ذلك فإن
ادعاء الطاعن بأن المطعون ضده لم ينكر لا صراحة ولا ضمناً توقيعه على هذا الخطاب
يكون ادعاء مخالفاً للواقع وإذ كان ذلك فإن هذا الخطاب والعقد الذي أشار إليه حكم
13 يونيه سنة 1963 - وكلاهما ورقة عرفية قد أنكرها المطعون ضده صراحة - لا يكون
أيهما مقبولاً للمضاهاة عملاً بالمادة 269 من قانون المرافعات، وبالتالي فلا يكون
على الحكم المطعون فيه تثريب إذ هو أهملهما ولم يعتد بهما كأوراق صالحة للمضاهاة
كما يكون النعي عليه لإغفاله الرد عليهما كورقتين مقدمتين للمضاهاة غير منتج، ما
دامتا غير صالحتين قانوناً لإجراء هذه المضاهاة أو للتدليل على تعدد أختام المطعون
ضده. وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق