الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 15 يناير 2023

الطعن 261 سنة 47 ق جلسة 30 / 1 / 1930 مج عمر الجنائية ج 1 ق 384 ص 458

جلسة يوم الخميس 30 يناير سنة 1930

برياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة.

---------------

(384)
القضية رقم 261 سنة 47 قضائية

قتل خطأ.

وجوب ثبوت رابطة السببية بين القتل والخطأ. خطأ المجنى عليه.
(المادة 202 عقوبات)

---------------
من المتفق عليه أنه يلزم لتحقق جريمة القتل الخطأ المنصوص عليها بالمادة 202 عقوبات أن يكون الخطأ الذي ارتكبه الجاني هو السبب الذي أدى إلى حدوث القتل بحيث لو أمكن تصور حدوثه ولو لم يقع هذا الخطأ فلا جريمة ولا عقاب. وتطبيق هذه القاعدة يستدعى حتما استبعاد كافة صور القتل التي يقطع فيها عقل كل إنسان في مركز الجاني لأسباب صحية مقبولة بأن نتائج الإهمال محصور مداها محددة نهايتها وأنها لا تصل إلى إصابة أحد ولا إماتته. إذ في هذه الصورة لا يكون القتل ناشئا عن خطئه بل يكون ناشئا عن سبب آخر لا شأن للمهمل به وليس مسئولا عن نتيجته (1).


الوقائع

اتهمت النيابة الطاعن المذكور بأنه في يوم 17 أبريل سنة 1929 بتلا مديرية المنوفية تسبب في قتل الغلام حسن محمد حسن محرم من غير قصد ولا تعمد، بل إهمالا بأن ترك التحويلة الموصلة للمخزن الخاص بصهريج غاز شركة ورمس مفتوحة بعد إدخال الصهريج بهذا المخزن ولم يردها لراحتها على شريط المخزن العادي، فدخل قطار البضاعة من هذه التحويلة المفتوحة على شريط الصهريج فصدمت العربة الخلفية من هذا القطار الصهريج الذي كان لا يزال ملآن بالغاز في مخزنه وتصادف وجود المجني عليه تحت الصهريج فبتر جسمه نصفين ومات لوقته. وطلبت معاقبته بالمادة 202 من قانون العقوبات.
ومحكمة جنح تلا الجزئية سمعت هذه الدعوى وحكمت فيها حضوريا بتاريخ 2 يوليه سنة 1929 عملا بالمادتين 202 و52 من قانون العقوبات بحبس المتهم شهرا واحدا مع الشغل مع إيقاف التنفيذ.
فاستأنف المتهم هذا الحكم في يوم صدوره.
ومحكمة شبين الكوم الابتدائية نظرت هذا الاستئناف وقضت فيه حضوريا بتاريخ 6 أكتوبر سنة 1929 بقبوله شكلا وبرفضه موضوعا وتأييد الحكم المستأنف.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض والإبرام فى يوم صدوره وقدّم حضرة المحامي عنه تقريرا بالأسباب في 22 أكتوبر سنة 1929.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه في الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إن الواقعة الثابتة بالحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أن بمحطة السكة الحديد بتلا شريطا خاصا بتخزين صهاريج الغاز التي تصل إليها على ذمة شركة وورمس، وأن نظام الحركة بالمحطة اقتضى أن يكون على رأس هذا الشريط حواشة وتحويلة تغلقان بمفتاحين حتى لا تحيد القطارات السائرة بتلك المنطقة عن خط سيرها وتنحدر إلى ذلك الشريط، ولا تفتحان إلا عندما يراد تمرير بعض الصهاريج منه أو إليه، وقد حدث أن الطاعن فتح الحواشة والتحويلة لتخزين صهريج غاز، وبعد تخزينه أهمل إقفالهما، ولأن أحد القطارات كان يجرى مناورة بمنطقة المحطة فقد اندفع إلى الشريط الخاص بصهاريج الغاز، ولم تمنعه الحواشة ولا التحويلة لأنهما كانتا مفتوحتين، وقد استمر حتى اصطدم بالصهريج الذى كان من قبل على ذلك الشريط، فتحرك الصهريج فقتل الغلام المجنى عليه الذى كان بالمصادفة قد تسلل إلى حيث وجود الصهريج ودخل تحته ليلتقط بعض ما يتساقط منه من الغاز، تلك هي الواقعة بحسب ما أثبتها الحكم. وقد اعتبرت المحكمتان الابتدائية والاستئنافية أن هذا القتل الخطأ وقع بإهمال المتهم وقضتا بعقوبته تطبيقا للمادة 202 من قانون العقوبات.
وحيث إن المتفق عليه أنه يلزم لتحقق جريمة القتل غير المتعمد المنصوص عليها بالمادة 202 من قانون العقوبات أن يكون الخطأ الذى ارتكبه الجاني هو السبب الذى أدى إلى حدوث القتل بحيث لو أمكن تصوّر حدوثه ولو لم يقع هذا الخطأ فلا جريمة ولا عقاب.
وحيث إن تطبيق هذه القاعدة المتفق عليها يستدعى حتما استبعاد كافة صور القتل التي يقطع فيها عقل كل إنسان في مركز الجاني لأسباب صحيحة مقبولة بأن نتائج الإهمال محصور مداها محدّدة نهايتها، وأنها لا تصل إلى إصابة أحد ولا إماتته. إذ في هذه الصورة لا يكون القتل ناشئا عن خطئه بل يكون ناشئا عن سبب آخر لا شأن للمهمل به وليس مسئولا عن نتيجته.
وحيث إن صورة هذه الدعوى هي من هذا القبيل، إذ كل ما كان يتصوّره من في مركز المتهم من نتائج الإهمال أن يندفع قطار على الرغم من سائقه إلى شريط صهاريج الغاز فيصطدم بها وأن كل ما قد ينشأ في النهاية العظمى عن هذا الاصطدام عطب مقدّم القاطرة أو عطب الصهريج. أما أن يتصوّر أن يكون من نتائج هذا الإهمال إصابة شخص يكون مستقرا على الشريط تحت الصهريج فقد كان مستحيلا عليه - أو على الأقل كان غير واجب عليه - أن يتصوّره: أوّلا لأن ذلك الشريط هو من ممتلكات السكة الحديدية ومن حرمها المحمي بقوة القانون عن أن يدخله الجمهور، وكل من وطئه كان مخالفا مستحقا للعقاب. وثانيا لأن الاستقرار تحت الصهريج والاختفاء عن الأنظار هو في ذاته من الشذوذ الذي لا يرد بالخاطر. وهذا التعليل الذي يحد من تصوّر نتائج الإهمال هو تعليل صحيح مقبول. وإذن فإصابة هذا المجنى عليه وموته لا شأن لخطأ الطاعن بهما ولم ينشأ إلا عرضا بسبب مخالفته هو لقوانين السكة الحديدية وتعريضه نفسه لمخاطرها.
وحيث إن الذي يؤكد صحة هذا النظر أن الحواشة والتحويلة لو كانتا مغلقتين ثم فتحتا قصدا وقت وقوع الحادثة لتخزين صهريج ثان واتصل هذا الصهريج الثاني بالأوّل فحركه فوقعت الحادثة في غفلة من السائق وممن فتح الطريق لما أوخذ أحد منهما على قتل المجنى عليه قتلا عمدا ولا خطأ، بل لعدّت الحادثة حاصلة قضاء وقدرا لا مسئولية فيها على أحد منهما، لأنهما غير مكلفين ببحث حالة الصهريج الأوّل لمعرفة ما إذا لم يكن أحد مختبئا تحته. ومهما تكن المسئولية عن نتائج ترك تينك الحواشة والتحويلة مفتوحتين إهمالا فلا يمكن أن تكون أشدّ منها في صورة فتحهما قصدا.
وحيث إنه لذلك يتعين قبول الوجه الأوّل من أوجه الطعن وتطبيق القانون بلا حاجة لبحث باقي الأوجه الأخرى.

فبناء عليه

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وبراءة الطاعن مما أسند إليه.


 (1)لحضرة الدكتور محمد مصطفى القللي مدرس القانون الجنائي بكلية الحقوق تعليق على هذا الحكم نشر بمجلة القانون والاقتصاد في العدد الثاني من السنة الأولى بالصفحات من 306 إلى 311. وحضرته يذهب في تعليقه إلى غير مذهب هذا الحكم، ومحصل قوله أن موضوع البحث في هذه القضية هو تحديد علاقة السببية بين خطأ المتهم وبين نتيجة خطئه. والظاهر من حيثيات حكم محكمة النقض أنها أخذت بالقاعدة السارية التي تقضي بأن تحميل المخطئ نتائج ما يحدث عن خطئه يتوقف على توقع هذه النتائج (préfisibilité). وهو يرى - على خلاف ما رأت المحكمة - أنه مما يتوقع أن الإهمال في إغلاق الحواشة والتحويلة قد يؤدى إلى قتل إنسان أو جرحه، إذ من الطبيعي أن ضرورة العمل قد تدعو بعض عمال المحطة أو أحد عمال شركة الغاز إلى الوجود بجوار الصهريج، فتصور وقوع الحادثة لأحد هؤلاء ممكن. وكون المجني عليه أجنبيا لا يغير من وضع المسألة لأنه وإن كان صحيحا أنه وقع من جانبه خطأ بدخوله المحطة، وأن خطأه هذا معاقب عليه إلا أن هذا الخطأ لا يرفع المسئولية عن المتهم المخطئ، إذ هو لم يكن السبب الأساسي في حصول القتل لأن عدم دخول المجني عليه المحطة لم يكن ليمنع وقوع الحادث لشخص آخر يتصادف وجوده على الشريط، وإنما السبب الأساسي الذي لو انعدم لاستحال حصول القتل هو إهمال العامل الذي لو كان قام بواجبه لما حدثت أية إصابة لا للمجني عليه ولا لغيره. أما الصورة الفرضية التي تستدل بها المحكمة على تأييد وجهة نظرها فيرد عليها أن القتل أو الجرح لا يكفي حصول أيهما وحده لقيام المسئولية، بل يشترط لقيام المسئولية أن يكون ثم خطأ من جانب المتهم. وفي الصورة الفرضية لا خطأ من المعاون فطبيعي أنه لا يسأل؛ أما السائق فمركزه يتكيف بحسب الوقائع. فإذا كان دفع الصهريج للصهريج شيئا عاديا يحدث من أي سائق آخر فلا مسئولية عليه، أما إذا كان وقع في هذا الدفع إهمال غير مباح فنيا فهو مسئول.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق