باسم
الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من يونيه سنة 2022م،
الموافق الرابع من ذى القعدة سنة 1443 هـ.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: محمد خيري طه النجار ورجب عبد الحكيـم سليم والدكتور محمد عماد النجار
والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقى والدكتورة فاطمة محمد أحمد
الرزاز نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد
المستشار الدكتور / عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور
السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 135 لسنة 37
قضائية دستورية ، بعد أن أحالت المحكمة الإدارية بالمنوفية، بحكمها الصادر بجلسة
25/ 5/ 2015، ملف الدعوى رقم 4897 لسنة 13 قضائية.
المقامة من
أسامة عبد المنعم عبد الحميد الخولى
ضد
رئيس جامعة المنوفية
-----------------
" الإجـراءات "
بتاريخ الخامس والعشرين من أغسطس سنة 2015، ورد إلى قلم كتاب المحكمة
الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 4897 لسنة 13 قضائية، نفاذًا لحكم المحكمة
الإدارية بالمنوفية الصادر بجلسة 25/ 5/ 2015، بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى
المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستوريــة نص البند (3) من قواعد تطبيق جدول
المرتبات والبدلات والمعاشات الملحق بقانون تنظيم الجامعات الصادر بقرار رئيس
الجمهورية بالقانون رقم 49 لسنة 1972، فيما تضمنه من احتفاظ أعضاء هيئة التدريس أو
المدرسين المساعدين أو المعيدين بآخر مرتب كانوا يتقاضونه فى هذه الوظائف، إذا كان
يزيد على بداية مربوط الوظيفة التى يعينون عليها، وبشرط ألا يتجاوز المرتب المحتفظ
به عن نهاية الربط المقرر للدرجة.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار
الحكم فيها بجلسة اليوم.
-------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق -
في أن المدعى كان قد أقام - ابتداءً- أمام محكمة القضاء الإداري بالمنوفية، الدعوى
رقم 2439 لسنة 11 قضائية، ضد رئيس جامعة المنوفية، طالبًا الحكم بأحقيته في
الاحتفاظ بآخر أجر كان يتقاضاه بوظيفته السابقة ببنك مصر (مصرفي ب) وقدره (117
جنيهًا)، بدلاً من (86,4 جنيهًا) الذي بدأ يتقاضاه اعتبارًا من 1/ 2/ 1997، تاريخ
تعيينه معيدًا بكلية التجارة بجامعة المنوفية، مع صرف الفروق المالية وما يترتب
على ذلك من آثار. وذكر شرحًا لدعواه أنه عُين في وظيفة معيد بكلية التجارة - جامعة
المنوفية، بموجب القرار رقم 71 المؤرخ 1/ 2/ 1997، بمرتب أساسي قدره (86,4
جنيهًا)، وتقدم بطلب إلى جهة عمله لتسوية مرتبه وفقًا لآخر مرتب أساسي كان يتقاضاه
إبان عمله بوظيفته السابقة، بحسبانه يزيد على بداية مربوط وظيفة معيد، عملاً
بقواعد تطبيق جـدول المرتبـات والبدلات والمعاشـات الملحق بقانون تنظيم الجامعات
الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 49 لسنة 1972، إلا أن جهة الإدارة
تقاعست عن إجابته إلى طلبه، مما حدا به إلى إقامة دعواه. وبجلسة 23/ 2/ 2014، حكمت
محكمة القضاء الإدارى بالمنوفية بعدم اختصاصها نوعيًّــا بنظر الدعوى، وإحالتها
بحالتها إلى المحكمة الإدارية بالمنوفية للاختصاص. ونفاذًا لذلك أُحيلت الدعوى
وقيدت برقم 4897 لسنة 13 قضائية. وإذ تراءى لتلك المحكمة أن نص البند (3) من قواعد
تطبيق جدول المرتبات والبدلات والمعاشات الملحق بقانون تنظيم الجامعات المشار
إليه، تعتريه شبهة عدم الدستورية، لانطوائه على تمييز غير مبرر بين شاغلى وظائف
أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم من المدرسين المساعدين والمعيدين المخاطبين بحكمه،
وبين أقرانهم المعينين ابتداء فى تلك الوظائف، الذين لا يتقاضون إلا بداية الراتب
المقرر للدرجة المعينين عليها، بالرغم من تماثل المراكز القانونية لكل من
الطائفتين، وهو ما يتهادم مع مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص، ويقع مخالفًا لنصوص
المواد (9، 12، 53) من الدستور، فقد قضت بجلسة 25/ 5/ 2015، بوقف الدعوى وإحالة
أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية النص المشار إليه.
وحيث إن المادة (195) من قانون تنظيم الجامعات الصادر بقرار رئيس
الجمهورية بالقانون رقم 49 لسنة 1972، تنص على أن مرتبات رئيس الجامعة ونوابه
وأمين المجلس الأعلــى للجامعــات وأعضــاء هيئة التدريس وبدلاتهــم ومعاشاتهم
ومرتبات المدرسين المساعدين والمعيدين وبدلاتهم وقواعد تطبيقها على الحاليين منهم
مبينة بالجدول المرافق لهذا القانون.
وينص البند (3) من قواعد تطبيق جدول المرتبات والبدلات والمعاشات
الملحق بقانون تنظيم الجامعات المشار إليه، على أنه عند تعيين أعضاء هيئة التدريس
أو مدرسين مساعدين أو معيدين ممن كانوا يشغلون وظائف فـي الحكومة أو الهيئات
العامة أو القطاع العام، فإنهـم يحتفظون بآخـر مرتب كانوا يتقاضونه فى هذه الوظائف
إذا كان يزيد على بدايـة مربـوط الوظيفة التـى يعينون عليها، وبشـرط ألا يتجاوز
المرتب المحتفظ به عن نهاية الربط المقرر للدرجة.
واعتبارًا مـن تاريخ نفاذ هذا القانون تسـوى طبقًــا لهـذا الحكم
مرتبات أعضاء هيئة التدريس والمدرسين المساعديـــن والمعيدين الحاليين من موظفـــى
الهيئات العامة أو القطاع العام، وذلك دون صرف أي فروق عن الماضى.
وحيث إن المصلحـة فـى الدعـوى الدستوريـة، وهـى شـرط لقبولهـا، مناطها
- على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة
القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم فى المسألة الدستورية على
الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، ويستوى فى شأن توافر المصلحة
أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة
الدستورية العليا هى وحدها التى تتحرى توافر شرط المصلحة فى الدعاوى الدستورية
للتثبت من شروط قبولها، بما مؤداه أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة
الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل يتعين أن يكون الحكم فى
المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في النزاع المثار أمام محكمة الموضوع، فإذا لم يكن
للفصل فى دستورية النصوص التى ثارت بشأنها شبهة عدم الدستورية لدى محكمة الموضوع
انعكاس على النزاع الموضوعى؛ فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة. متى كان ذلك،
وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع ينصب على طلب المدعى، فى الدعوى الموضوعية،
الحكم بأحقيته فى الاحتفاظ بآخر أجر كان يتقاضاه فى وظيفته السابقة ببنك مصر
(مصرفى ب)، وقدره (117 جنيهًا)، بدلاً من (86,4 جنيهًا)، الذى بدأ يتقاضاه اعتبارا
من 1/ 2/ 1997، تاريخ تعيينه معيدًا بكلية التجارة بجامعة المنوفية، وكان نص
الفقرة الأولى من البند رقم (3) من قواعد تطبيق جدول المرتبات الملحق بقانون تنظيم
الجامعات المار ذكره - النص المُحال - هو الحاكم لاحتفاظ أعضاء هيئة التدريس أو
المدرسين المساعديـــن أو المعيدين ممن كانوا يشغلــون وظائف فـــى الحكومـــة أو
الهيئـــات العامـــة أو القطاع العام، بآخـر مرتب كانوا يتقاضونه فى هذه الوظائف
إذا كان يزيد على بدايـة مربـوط الوظيفة التـى يعينون عليها، وبشـرط ألا يتجاوز
المرتب المحتفظ به نهاية الربط المقـرر للدرجة، فإن المصلحة تكون متحققة بالنسبة
لهذه الفقرة، لما للقضاء في دستوريتها من أثر وانعكاس على الطلبات المطروحة على
محكمة الموضوع وقضاء المحكمة فيها، وبها وحدها يتحدد نطاق الدعوى المعروضة، دون أن
يمتد إلى غير ذلك من الأحكام التى تضمنتها الفقرة الثانية من البند ذاته.
وحيث إن الدستور الحالي قد حرص فى المادة (4) منه، على النص على مبدأ
تكافؤ الفرص، باعتباره إلى جانب مبدأى العدل والمساواة أساسًا لبناء المجتمع
وصيانة وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعل الدستور بمقتضى نص المادة (9) منه، تحقيق
تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، دون تمييز، التزامًــا دستوريًّــا على عاتــق
الدولــة، لا تستطيــع منه فكاكًــا. وقـــوام هذا المبدأ - على ما جرى به قضاء
هذه المحكمـة - أن الفرص التى كفلهــا الدستور للمواطنين فيما بينهم تفترض
تكافؤها، وتدخل الدولة إيجابيًّــا لضمان عدالة توزيعها بين من يتزاحمون عليها،
وضرورة ترتيبهم بالتالى على ضوء قواعد يمليها التبصر والاعتدال.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الدستور الحالى قد اعتمد
بمقتضى نص المادة (4) منه، مبدأ المساواة أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته
الوطنية، كما حرص الدستور فى المادة (53) منه، على كفالة تحقيق المساواة لجميع
المواطنين أمام القانون، في الحقوق والحريات والواجبـات العامة، دون تمييز
بينهـــم لأي سبب، إلا أن ذلك لا يعنى أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت فى
مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة
صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطـوي، من
ثمَّ، على مخالفة لنصى المادتيـن (4، 53) المشار إليهمـا، بمـا مـؤداه أن التمييز
المنهى عنه بموجبهمــا هـو ذلك الـذى يكـون تحكميًّــا، وأساس ذلك أن كل تنظيم
تشريعـى لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا
للمصلحة العامة التى يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص
- بما انطوى عليه من تمييز- مصادمًا لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقًــا ربطه بها
أو اعتباره مدخلاً إليها فإن التمييز يكون تحكميًّــا، وغير مستند إلـى أسس
موضوعيـة، ومـن ثـم مجافيًــا لمبدأ المساواة.
وحيث إن الدستور- فى إحاطة منه للتحديات المعاصرة التي يواجهها
التعليم الجامعى، وسعيه لمواكبة المستحدث فى مناهجه - نص فى المادتين (21، 22)
منه، على كفالة استقلال الجامعات والمجامع العلمية واللغوية، وتوفير التعليم
الجامعى وفقًــا لمعايير الجودة العالمية، والعمل على تطويره وكفالة مجانيته فى
جامعات الدولة ومعاهدها، وتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى له لا تقل عن 2% من
الناتج القومى الإجمالى، تتصاعد تدريجًّــا حتى تتفق مع المعدلات العالمية، وكفالة
تنمية الكفاءات العلمية والمهارات المهنية لأعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم، ورعاية
حقوقهم المادية والأدبية، بما يضمن جودة التعليم وتحقيق أهدافه.
وحيث إن الدستور قد اعتبر بمقتضى نص المادة (19) منه، أن
التعليم حق لكل مواطن، وجعل من بين أهدافه تأصيل المنهج العلمى في التفكير، وتنمية
المواهب، وتشجيع الابتكار، وألزم الدولة بموجب نص المادة (23) منه، كفالة حرية
البحث العلمى، وتشجيع مؤسساته، باعتباره سبيلاً لبناء اقتصاد المعرفة، كما ألزمها
برعاية الباحثين والمخترعين.
وحيث إن النص المحال - محددًا نطاقًــا على ما تقدم بيانه - قد تضمن
تنظيمًــا لأجر المعينين أعضاءً فى هيئة التدريس أو مدرسين مساعدين أو معيدين فى
الجامعات الحكومية التى يسرى فى شأنها قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقانون رقم
49 لسنة 1972، مؤداه احتفاظ المخاطبين به بآخر مرتب كانوا يتقاضونه من وظائفهم
السابقة في الحكومة أو الهيئات العامة أو القطاع العام، إذا كان يزيد على بداية
مربوط الدرجة التى يعينون عليها، بشرط ألا يتجاوز المرتب المحتفظ به عن نهاية
الربط المقرر للدرجة، مستهدفًــا بذلك التنظيم، الحفاظ على حقوقهم المادية الناشئة
عن الحق فى العمل، والحق فى شغل الوظائف العامة، على نحو ما أوجبته المادتان (12،
14) من الدستور، ليضحى تقرير الحكم الذى تضمنه النص المحال، مرتكنًــا إلى
اعتبارات قوامها رعاية الحقوق المادية لأعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم بالجامعات،
هذه التى ألزمت المادة (23) من الدستور الدولة بكفالتها، وأوجبت، نزولاً على
مقتضيات العدل، صون حقوقهم المالية التى اكتسبوها من وظائفهم السابقة فى الحكومة
والهيئات العامة والقطاع العام، باعتبارها تكوﱢن مع الحقوق المقررة لوظائفهم
الجامعية المشار إليها، كلاًّ لا يتجزأ.
ولا ينال مما تقدم، أن يكون النص المحال قد ردد حكمًا مماثلاً لحكم
الفقرة الأخيرة من المادة (25) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر
بالقانون رقم 47 لسنة 1978، التى قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستوريتها
بحكمها الصادر بجلسة 14/ 1/ 2007، فى الدعوى رقم 175 لسنة 26 قضائية دستورية، ذلك أنه
لا مجال للاحتجاج بالقضاء المتقدم فى مواجهة النص المحال، بالنظر إلى اختلاف عناصر
المركز القانونى للعاملين بوظائف الحكومة والهيئات العامة والقطاع العام، ممن
يعينون - فيما بعد - بالجامعات الحكومية فى وظائف أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم،
عن عناصر المركز القانونى للعاملين بصفة مؤقتة بمكافآت شاملة فى الجهات الحكومية،
حال تعيينهم فى وظائف دائمـــة، وذلك فـــى شــأن المعاملة المالية المقـــررة
لكلّ، وهـــى مغايرة تُرد فـــى جوهرهـــا إلـــى الطبائع المتباينة لعلاقـــات
العمـــل بين هاتين الفئتين، ذلك أن ما يتقاضاه شاغلو وظائف الفئة الأولى من
مرتبات وملحقاتها، تحدَّد وفقًا للجداول المرافقة للقوانين المخاطبين بأحكامهـا،
بما مؤداه: انضباطهـــا وتجردها ونأيها عن أى شبهة تحوطها، على حين أن ما تتقاضاه
الفئة الثانية من مكافأة شاملة، تتولى تحديدها السلطة المختصة بالجهة التى يعملون
بها، قد لا تتوافر فى شأنهـــا ضوابط المعاملة المالية المقررة للفئة الأولى، بما
لازمه أن يكون الاحتجاج المار بيانه، غير قائم على أسس دستورية تحمله.
متى كان ما تقدم، وكان النص المحال، باعتباره الوسيلة التى قدر المشرع
مناسبتها لبلوغ الأهــداف والغايــات المتقدمــة، قــد وردت أحكامه متضمنة قواعد
عامة مجردة، لا تتضمن تمييزًا بين المخاطبين بها، وتتصل تلك الوسيلة بالأغـــراض
المتقدم بيانها اتصالاً منطقيًّــا، وليس واهيًــا أو منتحلاً، ليغــدو النص
المُحال فيما تضمنه من أحكام مستندًا إلى مُبـررات منطقية، ومنضبطًا
بضوابط موضوعية تبرره من الوجهة الدستورية، وغير متضمن تمييزًا تحكميًّــا، بما
لا مصادمة فيه لمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة، اللذين حرص الدستور على كفالتهما فى
المواد (4، 9، 53) منه.
وحيث إن البين من نص المادة (12) مـن الدستور الحالى، أن
العمـل - فى إطار الخصائص التى يقوم عليها باعتباره حقًّا وواجبًا وشرفًا-
مكفول من الدولة، سواء بتشريعاتها أو بغير ذلك من التدابير، وإعلاؤها لقدر العمل
وارتقاؤها بقيمته، يحملها على تقدير من يمتازون فيه، ليكون التمايز فى أداء
العاملين، مدخلاً للمفاضلة بينهم، وهو مايعنى بالضرورة أن الشروط الموضوعية وحدها،
هى التى يعتد بها فى تقدير العمل وتحديد أجره، والأحق بالحصول عليه، والأوضاع التي
ينبغي أن يمارس فيها، والحقوق التي يتصل بها، وأشكال حمايتها ووسائل اقتضائها،
ويندرج تحتها الحق في ألا يناقض العمل، العقيدة التي يؤمن العامل بها، وألا يكون
مُرْهَقًــا بشروط يُحْمَل العامل معها على القبول بأجر أقل أو بظروف أسوأ، فلا
يكون العمل منتجًــا، ولا كافلاً تحقيق الإنسان لذاته، ولا نافيًــا عن ضمانة الحق
فى الحياة واحداً من أهم روافدها، بل عائقًــا للتنمية في أعمق مجالاتها.
متى كان ما تقدم، وكان المشرع - في النص المُحال- قد احتفظ لأعضاء
هيئة التدريس ومعاونيهــم ممن كانــوا يشغلــون وظائف بالحكومة أو الهيئات
العامة أو القطاع العام، بآخر مرتب كانوا يتقاضونه في تلك الوظائف، إذا كان يزيد
عن بداية مربوط الوظيفة التى يعينون عليها، وبما لا يجاوز نهاية الربط المقرر
للدرجة، فإن تلك المزيــة لا يمكن فصلها عن أوضاعهم المعيشية وضرورات استقرارها،
ولا عن الأغراض التي توخاها المشرع من خلال فرص العمل التي مكنهم منها، بعد أن أخذ
واقعهم في الاعتبار، وأولاه ما يستحقه من رعاية، وقدم لهم تلك المزية التفضيلية
عونًا يلتئم وأوضاعهم المادية، ولا مخالفة في ذلك للدستور، لأمرين. أولهما: أن
التنظيم المُحال، لا ينال من حق العمل، ولا من قدره، ولا من الشروط التي يرتبط
عقلاً بها، ولا يحيط بيئة العمل بأوضاع ترهقها، بل يثريها باستقطاب كوادر أكفاء
علميًّا، حفزًا وتشجيعًــا لهم، واستثارة لقدراتهم، وتوفير بيئة ملائمة للعمل
والبحث العلمى والخلق والإبداع، فلا يتولى وظيفة التدريس بالجامعة غير الأولى بها.
ثانيهما: أن الدستور حرص بنص المادة (14) منه، على أن تكفل الدولـة حقـوق شاغلـي
الوظائـف العامـة وحمايتهم، وهـو ما يعني أن العمـل - باعتباره حقًا يؤمـن لكل
مواطـن حيـاة يطمئن إليهـا اجتماعيًّــا واقتصاديًّــا - لا ينفصل عن جدارة من
يتولاه، وإلا كان نهبًــا لكل طارق، سويًــا كان أم مهيضًا، بصيرًا متوثبًــا، أم
منكفئًــا متخاذلاً، ليضحى تقرير الأحكام التي تضمنها النص المحال دائرًا في نطاق
السلطة التقديرية للمشرع في مجال تنظيم الحقوق، وجوهرها - على ما جرى به قضاء هذه
المحكمة - المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة، التي تتصل بالموضوع محل
التنظيم لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها
للوفاء بأكثر المصالح وزنًــا، وليس من قيد على مباشرة المشرع لهذه السلطة إلا أن
يكون الدستور ذاته قد فرض في شأن مباشرتها ضوابط محددة تعتبر تخومًــا لها ينبغي
التزامها، وفي إطار قيامه بهذا التنظيم لا يتقيد المشرع باتباع أشكال جامدة لا
يريم عنها، تفرغ قوالبها في صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز له أن يغاير فيما
بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها، على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التي
يُباشر الحق في نطاقها، وبما لا يصل إلى إهداره.
وحيث إنه ترتيبًــا على ما تقدم، وكان الأصل في المصالح إذا تعارضت،
وتعذر التوفيق بينها، أن يُرَجَّحَ أقواها أثرًا وأعمها نفعًــا وأكثرها دفعًــا
للمفسدة، وإذا تعارضت مصلحة فرد أو فئة مع المصلحة العامة، قُدمت المصلحة العامة
ورَجُحت، لا سيما إذا كانت تلك المصلحة قوامها الارتقاء بالتعليم الجامعي الحكومي،
وتنمية وإثراء القدرات العلمية والبحث العلمي، من خلال استقطاب وجذب الكوادر
العلمية القادرة على أداء تلك الرسالة السامية، والحد من هجرتها إلى الخارج، وضمان
حقوقهم وتحفيزهم وتأمين أوضاعهم الاقتصادية والحيلولة دون إهدارها أو ترديها،
وبهذه المثابـــة فلا مندوحة عن تسامي المصلحة العامة على ما دونها، ومن ثم يكون
النص المُحال، قد جاء محققًــا للغايات والاعتبارات الدستورية المتقدمة، دونما
انتهاك لحق العمل، أو أحد عناصره ومكوناته، ومراعيًــا لاعتبارات الموازنة بين
المصالح المتنافسة، وتعامله الإيجابي مع ظروف العمل بالجامعات الحكومية واحتياجاته،
الأمر الذي تنتفي معه قالة الإخلال بحق العمل أو شغل الوظيفة العامة المقررين بنصي
المادتين (12، 14) من الدستور.
وحيث إنه لما تقدم جميعه، فإن النص المُحال- فى حـدود نطاقـه المتقدم
- يكون قد جاء مستندًا إلى أسس موضوعية تبرره، ولم يتضمن تمييزًا تحكميًّــا يخل
بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة أو حق العمل، ولا يخالف - من ثم - نصوص المواد (4،
9، 12، 14، 19، 21، 22، 23، 53) من الدستور، أو أي نص آخر من نصوصه، مما يتعين معه
القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق