جلسة 29 من ديسمبر سنة 1966
برياسة السيد محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة
المستشارين: حافظ محمد بدوى، وعباس عبد الجواد، ومحمد أبو حمزة مندور، ومحمد صدقي
البشبيشي.
------------------
(291)
الطعن
رقم 48 لسنة 31 ق أحوال شخصية
(أ ، ب) حكم. "بيانات الحكم". دعوى. "دعوى الأحوال
الشخصية". "تدخل النيابة العامة". أحوال شخصية. وقف. نيابة عامة.
بطلان.
تصميم عضو النيابة بجلسة
المرافعة على الرأي السابق إبداؤه في مذكرة. مفاده. بيان اسم عضو النيابة والرأي
الذى أبداه في الحكم. كفايته.
عدم وجوب إبداء النيابة
رأيها في كل خطوة من خطوات الدعوى.
(ج) دعوى. "الصفة في الدعوى". استئناف. "الخصوم في الاستئناف".
بطلان. إعلان. "بيانات أوراق المحضرين".
اختصام ناظر الوقف. إغفال
صفته في إعلان صحيفة الاستئناف. إفصاح صحيفة الاستئناف عن صفته في الخصومة. كفايته.
(د) وقف. "الاستحقاق في الوقف". "تفسير شرط
الواقف". حكم. "حجية الحكم".
أيلولة الاستحقاق في الوقف
إلى المستحق عن الواقف. أثره. قصر حجية الحكم الصادر في دعوى الاستحقاق أو في تفسير
شرط الواقف على كل من كان طرفا في الدعوى.
(هـ) وقف. "النظر عليه". "وكالة ناظر الوقف عن
المستحقين". وكالة. حكم. "حجية الحكم".
وكالة ناظر الوقف عن
المستحقين. عدم امتدادها إلى ما يمس حقوقهم في الاستحقاق. الحكم الصادر ضد ناظر
الوقف بصفته ممثلا له ماسا باستحقاق مستحقين غير ماثلين في الخصومة. لا يعتبر حجة
عليهم.
(و) وقف. "إشهاد الوقف. "تعدد الأوقاف".
تضمين كتاب الوقف وقفين.
استقلال كل منهما عن الآخر بأعيانه والمستحقين فيه.
(ز) دعوى. "عدم سماع الدعوى". دفوع. "الدفع بعدم
سماع الدعوى". نظام عام. نقض. "السبب الجديد".
الدفع بمضي المدة المانعة
من سماع الدعوى. غير متعلق بالنظام العام. عدم جواز إثارته لأول مرة أمام محكمة
النقض.
(ج) وقف. "شرط الواقف". "تفسيره".
شرط الواقف. تفسيره. مثال.
(ط) وقف. "الاستحقاق في الوقف".
المادة 32 من القانون 48
لسنة 1946. الوقف على الذرية مرتب الطبقات. حجب الأصل فرعه دون فرع غيره. وفاة
الأصل. أثره. انتقال ما استحقه أو كان يستحقه لو بقى حيا إلى فرعه.
(ى) وقف. "الاستحقاق في الوقف". "شرط الواقف".
"تفسيره".
المادة 58 من القانون 48
لستة 1946. تطبيق المادة 32 على جميع الأوقاف الصادرة قبل العمل به. مناطه. عدم
وجود نص مخالف في كتاب الوقف. المقصود بالنص المخالف.
(ك) وقف. "الاستحقاق في الوقف".
الاستحقاق الثابت بيقين
لا يرتفع بظن أو شك أو احتمال ولكن بيقين مثله. مثال.
)ل) حكم. "تسبيب
الحكم". "تسبيب كاف".
قيام الحكم على أسباب
مسوغة للتفسير الذى أخذ به. عدم التزام المحكمة بالرد استقلالا على جميع ما ساقه
الخصوم من حجج مناقضة.
---------------
1 - تصميم عضو النيابة الذى حضر جلسة المرافعة الأخيرة على رأى
النيابة السابق إبداؤه يفيد أنه قد أقر هذا الرأي وتبناه وأنه لم يجد في دفاع
الخصوم ما يدعوه إلى إبداء رأى جديد ويعتبر أنه صاحب هذا الرأي، وإذ كان الحكم
المطعون فيه قد تضمن "أن النيابة العامة ممثلة في شخص الأستاذ إبراهيم النجار
رئيس النيابة أصرت على رأيها السابق إبداؤه في مذكرتيها المودعتين بالملف وهو الرأي
القائل بإلغاء ما قضت به محكمة الدرجة الأولى وباستحقاق المستأنفين في الوقفين"
فإن في هذا الذى أورده الحكم المطعون فيه البيان الكافي لرأى النيابة العامة واسم
عضو النيابة الذى أبدى هذا الرأي بما تتحقق به الغاية التي يهدف إليها المشرع.
2 - لم يوجب القانون إبداء النيابة رأيها في كل خطوة من خطوات
الدعوى ولا في كل وجه دفاع أو مستند يقدم فيها إذ يحمل سكوتها على الرد على
المستندات وأوجه الدفاع الجديدة على أنها لم تر فيها ما يغير رأيها الذى سبق أن
أبدته.
3 - متى كان الطاعن قد اختصم في الدعوى الابتدائية بصفته ناظرا على
الوقف وكان الاستئناف المرفوع من المطعون ضدها وإن وجه إليه دون ذكر لهذه الصفة
إلا أن ما جاء بعريضة هذا الاستئناف يفصح عن أن اختصامه فيه كان بتلك الصفة وليس
بصفته الشخصية فإن إعلان الاستئناف على الوجه الذى تم به يكون كافيا في الدلالة
على أنه موجه إلى الطاعن بصفته ناظرا على الوقف، إذ المقصود من أحكام القانون في هذا
الصدد - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - هو إعلام ذوى الشأن إعلاما كافيا
بالبيانات العامة المتعلقة بأسماء الخصوم وصفاتهم (1) فإن كل ما يكفى للدلالة
على ذلك يحقق الغاية التي يهدف إليها القانون.
4 - لما كان الاستحقاق في الوقف يؤول إلى المستحق عن الواقف فإن
الحكم الصادر في دعوى الاستحقاق أو في تفسير شرط الواقف لا يعتبر حجة إلا على من
كان طرفا في تلك الدعوى ذلك أن الأصل في حجية الأحكام أنها نسبية لا يضار منها ولا
يفيد غير الخصوم الذين كانوا طرفا فيها.
5 - وكالة ناظر الوقف عن المستحقين لا تمتد إلى ما يمس حقوقهم في الاستحقاق
مما ينبني عليه أن الحكم الذى يصدر ضد ناظر الوقف بصفته ممثلا للوقف ومنفذا لكتابه
ماسا باستحقاق مستحقين لم يكونوا طرفا في تلك الخصومة لا يلزم هؤلاء المستحقين ولا
يعتبر حجة عليهم [(2)].
6 - كون الوقفين يضمهما كتاب واحد ليس من شأنه أن يفقد كلا منهما
استقلاله عن الآخر بل يظل كل منهما مستقلا عن الآخر بأعيانه وبالمستحقين فيه
باعتبارهما وقفين متعددين.
7 - متى كان الطاعن لم يتمسك أمام محكمة الموضوع بمضي المدة
المانعة من سماع الدعوى، وكان هذا الدفع لا يتعلق بالنظام العام، فإنه لا تجوز
إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض، ولا يغنى عن التمسك بهذا الدفع طلب الحكم برفض
الدعوى لأن التمسك به يجب أن يكون بعبارة واضحة لا تحتمل الإبهام.
8 - متى كان الحكم المطعون فيه لم يخرج في تفسير شرط الواقف وفى
تقصى المعنى الذى أراده منه عما يؤدى إليه مدلول عباراته وكان هذا التفسير مطابقا
لما هو مقرر في فقه الحنفية ولما قرره علماء الأصول من أن العام يحتمل التخصيص
والتأويل ويجوز قصره على بعض أفراده سواء أكد بمؤكد أم لم يؤكد وأن مقتضى التخصيص
وقوع الحكم من أول الأمر على ما تناوله المخصص إذا ظهر أن هذا هو المراد من العام
ولما قرره الأصوليون من الأحناف من أن التخصيص هو قصر العام على بعض أفراده بكلام
مستقل موصول فلا يعتبر الخاص مخصصا إلا إذا كان متصلا أما المنفصل فيعتبر ناسخا
عندهم وإن كان مخصصا عند غيرهم - فإنه لا يسوغ العدول عن الأخذ بهذا التفسير الذى
تميله النصوص الفقهية والقواعد الأصولية والأوضاع اللغوية فرارا مما يؤدى إليه من
التفرقة في الحرمان والإعطاء بين متساويين من أولاد البطون وجعل بعض أولاد من أخرج
منهم مستحقا مع حرمان أصله لأن هذه التفرقة على فرض وجودها إنما هي وليدة إرادة
الواقفين فلا معقب عليها.
9 - طبقا للمادة 32 من قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946 إذا كان الوقف
على الذرية وكان مرتب الطبقات لا يحجب أصل فرع غيره وإنما يحجب فرعه هو فقط ما دام
موجودا فإذا توفى الأصل انتقل إلى فرعه ما استحقه بالفعل أو كان يستحقه لو بقى على
قيد الحياة.
10 - تقضى المادة 58 من قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946 بتطبيق أحكام
المادة 32 على جميع الأوقاف الصادرة قبل العمل بهذا القانون إلا إذا كان في كتاب
الوقف نص يخالفها. والمقصود بالنص المخالف في معنى المادة 58 هو النص الصريح الذى
يدل على إرادة الواقف دلالة قطعية لا يتطرق إليها الاحتمال فلا يتناول اللفظ إذا
كان في دلالته على المعنى خفاء لأى سبب كان.
11 - من المقرر شرعا أن ما ثبت بيقين لا يرفعه ظن ولا شك ولا
احتمال ولا يرتفع إلا بيقين مثله وأنه إذا دار الأمر بين الإعطاء والحرمان رجح
جانب الإعطاء ومن ثم فإنه إذا كان استحقاق المطعون ضدهم في الوقف ثابتا يقينا
بمقتضى كتاب الوقف الأصلي حسب إنشائه وشروطه وكان إخراجهم من الاستحقاق بمقتضى
إشهاد التغيير ليس يقينا على أحسن الفروض بالنسبة للطاعنين فإنه لا يرتفع به
الثابت بيقين وهو استحقاق المطعون ضدهم.
12 - إذا كان الحكم المطعون فيه قد أورد الأسباب التي تسوغ التفسير
الذى أخذ به وكانت هذه الأسباب مطابقة للنصوص الفقهية والقواعد الأصولية والأوضاع
اللغوية، فإنه لم يكن بعد ذلك في حاجة إلى الرد استقلالا على جميع ما ساقه الخصوم
من حجج مناقضة لوجهة النظر التي أخذ بها، إذ في قيام الحقيقة التي اقتنع بها وأورد
دليلها التعليل الضمني المسقط لتلك الحجج.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار
المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى
أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - تتحصل
على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أن السيد/ محمد أمين
فكرى والسيدتين بهية وزينب كريمتي المرحوم عبد الحميد السيوفي (المطعون ضدهم
الثلاثة الأول) أقاموا على الطاعنين الدعوى رقم 48 لسنة 1953 أمام محكمة القاهرة
الابتدائية الشرعية وطلب أولهم الحكم له باستحقاقه لنصف النصيب الذى كانت تستحقه
والدته شفيقه في وقف والدها أحمد باشا السيوفي كما طلبت السيدتان بهية وزينب الحكم
باستحقاقهما في وقف جدهما لأمهما محمد السيوفى لنصيبهما فيما كانت تستحقه والدتهما
تفيده بنت الواقف في هذا الوقف وباستحقاقهما كذلك في وقف أحمد باشا السيوفى
بصفتهما بنتي ابنه ورفعت السيدتان دولت فكرى كريمة المرحوم أمين فكرى (المطعون
ضدها السادسة) وأختها المرحومة نعمت فكرى - التي توفيت وحل محلها ورثتها السادة
أنس ونائلة ونهايت وعائشة أولاد محمد حسن مدكور وهم المذكورين تحت رقم (خامسا) من
فريق المطعون ضدهم - رفعتا الدعوى رقم 235 سنة 1953 على الطاعنين أيضا أمام
المحكمة المذكورة وطلبت كل منهما الحكم باستحقاقها في كل من الوقفين المشار إليهما
النصيب الموضح بصحيفة هذه الدعوى والآيل إليهما عن والدتهما المرحومة شفيقة بنت
أحمد السيوفى باشا - وأقامت السيدة عائشة هانم الخربوطلى كريمة المرحوم حافظ
الخربوطلى (المطعون ضدها الرابعة) الدعوى رقم 140 سنة 1953 أمام المحكمة سالفة
الذكر على الطاعن الثالث وحده (السيد أحمد فؤاد السيوفى) بصفته حارسا قضائيا على
الوقفين المذكورين وطلبت الحكم باستحقاقها في وقف جدها لأمها أحمد السيوفى باشا
النصيب المبين في صحيفة دعواها والآيل إليها عن والدتها المرحومة عريفه أحمد
السيوفى - وضمت القضيتان الثانية والثالثة إلى القضية الأولى - وقد تضمنت صحف هذه
الدعاوى أنه بمقتضى الحجة الصادرة من محكمة القسمة العسكرية بالقاهرة في 19 رمضان
سنة 1307 هـ وقف المرحومون محمد السيوفى باشا وأحمد السيوفى باشا وابن أخيهما طه
السيوفى كامل بناء المكان الكبير الكائن بحى الغورية على أنفسهم بالسوية بينهم ثم
من بعدهم على أولادهم ذكورا وإناثا مع مشاركة زوجاتهم اللاتى يتوفون عنهن وهن على
عصمتهم ثم على أولاد أولادهم وذريتهم ونسلهم وعقبهم بترتيب الطبقات إلى آخر ما جاء
بكتاب الوقف من الإنشاء والشروط - وبمقتضى إشهاد صادر في تاريخ إشهاد الوقف الأول
وفى نفس المجلس وقف الأخوان محمد السيوفى باشا وأحمد السيوفى باشا ما هو مملوك
لهما من أرض وبناء الدوائر والبيوت والحوانيت والحدائق التابعة لها بما فيها من
بناء وغراس الكائنة بمدينة القاهرة بأحياء الغورية والأزبكية والفجالة والعباسية
المبينة الحدود والمعالم بكتاب الوقف المذكور وأنشأ كل منهما وقف ما يملكه بحق
النصف في هذه الأعيان على نفسه ثم من بعده تكون حصته وقفا على أولاده ذكورا وإناثا
للذكر منهم مثل حظ الأنثيين ما عدا حسين ابن الواقف الثاني أحمد باشا السيوفى فإن
نصيبه يكون مساويا النصيب ذكرين في وقف أبيه مع مشاركة زوجة الواقف التي يموت عنها
وهى على عصمته بمثل نصيب أنثى مدة حياتها ثم من بعدها ينتقل نصيبها لمن يوجد من
الذكور من أولاده ثم من بعد كل من أولاده ذكروا وإناثا ينتقل نصيبه لأولاده للذكر
مثل حظ الأنثيين ثم لأولادهم كذلك إلى إنقراضهم أجمعين وبعد إنقراض ذريتهما يكون
ذلك وقفا على ابن أخيهما طه السيوفى إلى آخر ما جاء بكتاب الوقف وشرط كل منهما
لنفسه في وقفه الشروط العشرة ومنها الإخراج والتغيير والتبديل وبتاريخ 29 المحرم
سنة 1309 هـ صدر من محمد باشا السيوفى وأخيه أحمد باشا السيوفى الواقفين المذكورين
إشهاد تغيير أمام محكمة الباب العالي بمصر أخرج كل منهما بمقتضاه من وقفه جميع
أولاد البطون من ذريته وذرية أخيه وهم أولا بنات أولادهما وأولاد بنات أولاد
أولادهما وأولاد بنات جميع ذريتهما ونسلهما وعقبهما وأولاد وذرية كل من المخرجين
المذكورين واستطرد المطعون ضدهم قائلين أن الواقفين المذكورين توفيا على التعاقب في
سنة 1899 ميلادية وتوفيت زوجة كل منهما بعده فمات المرحوم أحمد باشا السيوفى عن
أولاده الذين منهم إبنته شفيقة التي توفيت في سنة 1933 ميلادية عن أولادها محمد
أمين فكرى وأختيه دولت فكرى ونعمت فكرى ومنهم أيضا كريمته عريفه التي توفيت عن
بنتها عائشة حافظ الخربوطلى فقط وتوفى المرحوم محمد باشا السيوفى عن أولاده ذكورا
وإناثا ومنهم بنته تفيدة التي ماتت عن أولادها إسماعيل وزكية وبهيه وزينب المرزوقة
بهم من المرحومة عبد الحميد السيوفى وانتهى المطعون ضدهم رافعوا الدعوى إلى طلب
الحكم لكل منهم بطلباته السابقة مستندين في ذلك إلى القول بأن إشهاد التغيير
الصادر من الواقفين محمد باشا السيوفى وأحمد باشا السيوفى في 29 المحرم سنة 1309
هـ لا يشملهم إذ أنه قاصر على حرمان أولاد البطون ابتداء من الطبقة الثانية أما
أولاد بنات الواقفين لصلبهما فلا يتناولهم هذا الحرمان - ودفع الطاعنون هذه
الدعاوى بعدم سماعها لسبق الفصل في موضوعها بالحكمين الصادرين في 22 أبريل سنة
1941 و9 أكتوبر سنة 1950 من المحكمة العليا الشرعية في الاستئنافين رقمي 140 سنة
1939 - 1940، 149 سنة 1949 إذ قضى هذان الحكمان الانتهائيان واللذان يعتبران حجة
على الخصوم لصدورهما في وجه ناظري الوقف وبعض المستحقين فيه - برفض دعاوى الاستحقاق
المماثلة المرفوعة من بعض أولاد البطون مؤسسين قضاءهما على أن ما ورد بإشهاد
التغيير سالف الذكر يقضى بإخراج جميع أولاد البطون من جميع الطبقات - أما فيما
يتعلق بالموضوع فقد أنكر الطاعنون على المطعون ضدهم استحقاقهم في الوقفين
المذكورين بمقولة أنهم من أولاد البطون المحرومين بإشهاد التغيير. وأثناء سير
الخصومة لدى محكمة أول درجة اقتصر المدعون في القضية رقم 48 سنة 1953 كلى شرعي
القاهرة وهم المطعون ضدهم الثلاثة الأول على طلب تفسير شرط الواقف وما يدل عليه
فيما يختص بطلباتهم في الدعوى وصمم المدعون في القضيتين الأخريين على طلباتهم -
وبتاريخ 2 من مارس سنة 1955 حكمت محكمة القاهرة الابتدائية الشرعية بتفهيم الطرفين
في القضية رقم 48 سنة 1953 بأن شرط الواقفين يقضى بأن المدعين فيها (المطعون ضدهم
الثلاثة الأول) لا استحقاق لهم في الوقف كما حكمت برفض الدعويين الأخريين 140 و235
سنة 1953 - وأقامت قضاءها على أن عبارة الإخراج في إشهاد التغيير صريحة في حرمان
جميع أولاد البطون من كل الطبقات بما فيهم الطبقة الأولى أولاد بنات الواقفين
ومنهم المدعون في تلك الدعاوى - استأنف المطعون ضدهم هذا الحكم أمام محكمة استئناف
القاهرة بالاستئنافات رقم 39 و40 و41 سنة 73 ق أحوال شخصية وطلب كل منهم إلغاء
الحكم المستأنف فيما قضى به ضد كل منهم والحكم له بطلباته وقررت محكمة الاستئناف
ضم هذه الاستئنافات لبعضها ثم قضت فيها بتاريخ 23 من مارس سنة 1957 برفضها وبتأييد
الحكم المستأنف - طعن المطعون ضدهم في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 21 سنة 27
ق أحوال شخصية وطلبوا نقضه لما ذكروه من أسباب منها أن الحكم وقع باطلا لخلوه من
ذكر اسم عضو النيابة الذى أبدى رأيه في الفضية وقد قبلت محكمة النقض هذا السبب
واستغنت به عن بحث باقي أسباب الطعن ونقضت الحكم المطعون فيه وأعادت القضية إلى
محكمة استئناف القاهرة - عجل المطعون ضدهم استئنافاتهم الثلاثة أمام تلك المحكمة
وتمسك الخصوم بطلباتهم وبدفوعهم وأوجه دفاعهم التي سبق أن أبدوها في مرافعاتهم
ومذكراتهم قبل صدور الحكم المنقوض - وبتاريخ 22 من يونيه سنة 1961 حكمت محكمة
الاستئناف (أولا) بقبول الاستئنافات الثلاثة شكلا (ثانيا) بإلغاء الحكم الابتدائي
(قرارات التفهيم) (ثالثا) بعدم قبول دعوى السيدة عائشة حافظ الخربوطلى (المطعون
ضدها الرابعة) فيما يختص بوقف الواقفين الثلاثة أحمد باشا ومحمد باشا السيوفى
والسيد/ طه السيوفى وباستحقاقها لجزء من ثلاثة عشر جزء في وقف جدها أحمد باشا
السيوفى (رابعا) بإلزامها بنصف مصروفات دعواها واستئنافها وإلزام المستأنف عليهم
فيه النصف الآخر عن الدرجتين (خامسا) باستحقاق السيد/ محمد أمين فكرى (المطعون ضده
الأول) في وقف السراي حصة قدرها 4/ 136 وفي وقف باقي الأعيان 204.5/ 0754 واستحقاق
كل من السيدتين بهيه وزينب عبد الحميد السيوفى (المطعون ضدهما الثانية والثالثة)
في وقف السراى حصة قدرها 6/ 136 وفى وقف باقي الأعيان 368.1/ 10754 (سادسا)
باستحقاق كل من السيدة دولت أمين فكرى وورثة المرحومة السيدة نعمت أمين فكرى وهم
أنس ونائلة ونهايت وعائشة محمد حسين مدكور (المطعون ضدهما الخامسة والسادسة) حصة
قدرها 2/ 136 في وقف السراي وحصة قدرها 102.25/ 10754 في وقف الأعيان الأخرى للذكر
منهم مثل حظ الأنثيين - وأسست المحكمة قضاءها على أن عبارات الإخراج والحرمان
الواردة في إشهاد التغيير تدل على أن الواقفين لم يستهدفا حرمان أولاد بناتهما
لصلبهما وإنما أراد حرمان من يلى هذه - الطبقة من أولاد البنات فطعن الطاعنون في هذا
الحكم بطريق النقض بالطعن الحالي - وقدمت النيابة مذكرة انتهت فيها على أنها ترى
رفض الطعن وقررت دائرة فحص الطعون إحالة الطعن إلى هذه الدائرة وبالجلسة المحددة
لنظره تمسكت النيابة برأيها السابق.
وحيث إن الطاعنين ينعون
على الحكم المطعون فيه في السبب الأول البطلان لإغفاله إجراء جوهريا ذلك أنه لم
يبين فيه اسم عضو النيابة الذى أبدى رأيه في القضية واكتفى بذكر أن رئيس النيابة
الأستاذ إبراهيم النجار الذى حضر المرافعة قد أصر على رأى النيابة السابق إبداؤه
في مذكرتيها المودعتين بالملف برقمي 4 و19 دون ذكر اسم صاحب هذا الرأي المدون
بالمذكرتين المشار إليهما وهو السيد الأستاذ محمد عبد الفتاح برعي - وفوق هذا فإن
الحكم حين أسند إلى ممثل النيابة الحاضر بالجلسة أنه صمم على هاتين المذكرتين قد
خالف الثابت بمحضر جلسة 13/ 4/ 1961 من أن ممثل النيابة الأستاذ إبراهيم النجار
صمم على مذكرة النيابة الأخيرة دون الأولى - هذا إلى أنه عندما أعادت محكمة
الاستئناف نظر الاستئنافات بعد إحالتها إليها من محكمة النقض تمسك الطاعنون
بمذكراتهم كما قدموا تأييدا لدفاعهم مذكرات أجرة أشاروا فيها إلى صدور حكم في 30
من مايو سنة 1960 من محكمة القاهرة الابتدائية للأحوال الشخصية في القضية رقم 166
سنة 1956 ضد السيدتين بهية وزينب كريمتي عبد الحميد السيوفى من المطعون ضدهم وقد
قضى في مواجهتهما بعدم استحقاق أولاد البطون من جميع الطبقات بما فيهم طبقة بنات
الواقفين ولم تبد النيابة رأيها في هذا الدفاع مما يعتبر مخالفة للقانون ويترتب
عليه بطلان الحكم.
وحيث إن هذا النعي مردود
في وجهه الأول بأن بيانات الحكم المطعون فيه تضمنت "ان النيابة العامة ممثلة
في شخص الأستاذ إبراهيم النجار رئيس النيابة أصرت على رأيها السابق إبداؤه في مذكرتيها
المودعتين بالملف برقمي 4 و19 وهو الرأي القائل بإلغاء ما قضت به محكمة الدرجة
الأولى في القضايا الثلاث الرقيمة 48 سنة 1953، 140 سنة 1952 و235 سنة 1953
وباستحقاق المستأنفين (المطعون ضدهم) في الوقفين" وفى هذا الذى أورده الحكم
المطعون فيه البيان الكافي لرأى النيابة العامة واسم عضو النيابة الذى أبدى هذا الرأي
إذ أن تصميم عضو النيابة الذى حضر جلسة المرافعة الأخيرة على رأى النيابة السابق
إبداؤه يفيد أنه قد أقر هذا الرأي وتبناه وأنه لم يجد في دفاع الخصوم ما يدعوه إلى
إبداء رأى جديد ويعتبر أنه صاحب هذا الرأي وتتحقق بذلك الغاية التي يهدف إليها
المشرع من وجوب إبداء رأى النيابة في القضية وبيان اسم عضو النيابة الذى أبدى هذا الرأي
ولا يقدح في ذلك ما ورد بمحضر جلسة 13/ 4/ 1961 من أن ممثل النيابة قد تمسك
بالمذكرة الأخيرة وحدها إذ أن هذه المذكرة هي التي تضمنت ما استقر عليه رأى
النيابة وهو نفس الرأي الذى أبدته في مذكرتها الأولى ومن ثم فإن الحكم إذ قرر أن
ممثل النيابة تمسك بالرأي الوارد بالمذكرتين لم يسند إليه رأيا غير الذى أبداه - والنعي
مردود في وجهه الثاني بأن القانون لم يوجب أن تبدى النيابة رأيها في كل خطوة من
خطوات الدعوى ولا في كل وجه دفاع أو مستند يقدم فيها إذ يحمل سكوتها عن الرد على
المستندات وأوجه الدفاع الجديدة على أنها لم تر فيها ما يغير رأيها الذى سبق أن
أبدته وما دام الحكم المطعون فيه قد أثبت هذا الرأي واسم عضو النيابة الذى أبداه
على ما سلف بيانه فإن في هذا ما يفي بمقصود الشارع وتتحقق به حكمة النص.
وحيث إن السبب السادس
يتحصل في أن الحكم المطعون فيه قد وقع باطلا بالنسبة لما قضى به للمطعون ضدها
الرابعة (السيدة عائشة حافظ الخربوطلى) لابتنائه على إجراءات باطلة ذلك أن عريضة
استئنافها قد خلت من ذكر الصفة التي كان الطاعن الثالث (السيد أحمد فؤاد السيوفى)
مختصما بها في الدعوى الابتدائية الأمر الذى يعتبر معه هذا الاستئناف موجها إليه
شخصيا في حين أنه لم يكن مختصما بصفته الشخصية في الدعوى الابتدائية وإنما بصفته
ناظرا على الوقف ولما كان يترتب على عدم توجيه الاستئناف إليه بهذه الصفة عدم
قبوله فان محكمة الاستئناف إذ قضت بقبوله تكون قد خالفت القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود
بأنه وإن كان يبين من مطالعة الأوراق أن الطاعن الثالث كان مختصما في الدعوى
الابتدائية بصفته ناظرا على الوقف وأن الاستئناف المرفوع من المطعون ضدها الرابعة
وجه إليه دون ذكر لهذه الصفة إلا أن ما جاء بعريضة هذا الاستئناف يفصح عن أن اختصامه
فيه كان بتلك الصفة وليس بصفته الشخصية إذ أشير في العريضة إلى موضوع النزاع
وانتهت فيها المطعون ضدها الرابعة إلى طلب الحكم لها بطلباتها الواردة بعريضة
الدعوى الابتدائية وقد تضمنت تلك العريضة طلب الحكم لها بطلباتها على الطاعن
المذكور بصفته ناظرا على الوقف ولذلك فإن إعلان الاستئناف على الوجه الذى تم به
يكون كافيا في الدلالة على أنه موجه إلى الطاعن الثالث بصفته ناظرا على الوقف -
وإذ كان المقصود من أحكام القانون في هذا الصدد على ما جرى به قضاء هذه المحكمة -
هو إعلام ذوى الشأن إعلاما كافيا بالبيانات العامة المتعلقة بأسماء الخصوم وصفاتهم
فان كل ما يكفى للدلالة على ذلك يحقق الغاية التي يهدف إليها القانون ومن ثم فان النعي
بهذا السبب يكون في جميع ما تضمنه على غير أساس.
وحيث إن السبب الثاني
يتحصل في أن الحكم المطعون فيه إذ قضى باستحقاق المطعون ضدهم في الوقف قد خالف
الأحكام الانتهائية التي سبق صدورها من المحكمة العليا الشرعية ومحكمة القاهرة الابتدائية
للأحوال الشخصية وهى الأحكام رقم 141 سنة 39 - 1940، 149 سنة 1949 المحكمة العليا
الشرعية، 166 سنة 1956 كلى أحوال شخصية القاهرة إذ أن هذه الأحكام قضت بأنه ليس
لأولاد البطون من جميع الطبقات بما فيها طبقة أولاد بنات الواقفين لصلبهما استحقاق
في وقفهما وهذه الأحكام تعتبر حجة على المطعون ضدهم لأنهم كانوا ممثلين فيها
بالناظرين على الوقفين وببعض المستحقين الذين كانوا أطرافا في الخصومات التي صدرت
فيها هذه الأحكام والحكم الذى يصدر في وجه ناظر الوقف أو في وجه بعض المستحقين
يتعدى إلى باقي المستحقين لأن الناظر يمثل جهة الوقف ولأنه من المقرر في مذهب
الحنفية الواجب اتباعه أن المستحق في الوقف ينتصب خصما عن الباقين في كل ما يتعلق
بتفسير شروط الواقف وكل ما تقتضيه هذه الشروط من الاستحقاق أو عدم الاستحقاق فيه
ويرى الطاعنون أنه لا اعتبار لما استند إليه الحكم المطعون فيه في تبرير مخالفته
لتلك الأحكام من أنها صدرت في وقف أحمد باشا السيوفى دون وقف أخيه محمد باشا
السيوفى لأن هذه الأحكام قد قضت جميعها بشيء واحد هو أن إشهاد التغيير في الوقفين
معا المدونين في حجة واحدة قد تضمن نصوصا صريحة في الدلالة على أن الواقفين كليهما
أرادا من أول الأمر إخراج جميع أولاد البطون بما فيهم أولاد بناتهما لصلبهما وفوق
ما تقدم فإن الحكم الصادر في 30 من مايو سنة 1960 من محكمة القاهرة الابتدائية
للأحوال الشخصية في القضية رقم 166 سنة 1956 ق قضى بعدم استحقاق أولاد البطون من
جميع الطبقات بما فيهم الطبقة الأولى في مواجهة السيدتين بهيه وزينب كريمتي
المرحوم عبد الحميد السيوفى (المطعون ضدهما الثانية والثالثة).
وحيث إن هذا النعي مردود
ذلك أنه لما كان الاستحقاق في الوقف يؤول إلى المستحق عن الواقف فإن الحكم الصادر
في دعوى الاستحقاق أو في تفسير شرط الواقف لا يعتبر حجة إلا على من كان طرفا في تلك
الدعوى ذلك أن الأصل في حجية الأحكام أنها نسبية لا يضار منها ولا يفيد غير الخصوم
الذين كانوا طرفا فيها - وقد أخذ المشرع بهذا النظر في قانون أحكام الوقف رقم 48
لسنة 1946 إذ نص في المادة 60 منه على أن الأحكام النهائية الصادرة قبل العمل بهذا
القانون في غير الولاية على الوقف إنما تكون نافذة بالنسبة لطرفيها فحسب - وهذا
يفيد أن المشرع لم ير الأخذ برأي القائلين بتمثيل المستحق لغيره من المستحقين فيما
يصدر ضده من أحكام في شأن الاستحقاق في الوقف وتفسير شروطه - لما كان ذلك وكان
الثابت من الحكمين السابقين الصادرين في 22 إبريل سنة 1941 و9 أكتوبر سنة 1950 من
المحكمة العليا الشرعية أن خصوم الدعاوى الحالية لم يكونوا خصوما فيهما فإنه لا يحتج
بهما عليهما ولا يغير من ذلك أن ناظري الوقف كانا مختصمين في الدعاوى السابقة لأن
وكالة ناظر الوقف عن المستحقين لا تمتد إلى ما يمس حقوقهم في الاستحقاق مما ينبني
عليه أن الحكم الذى يصدر ضد ناظر الوقف بصفته ممثلا للوقف ومنفذا لكتابه ماسا
باستحقاق مستحقين لم يكونوا طرفا في تلك الخصومة لا يلزم هؤلاء المستحقين ولا
يعتبر حجة عليهم، لما كان ذلك وكان يبين من الاطلاع على الدعوى رقم 166 سنة 1956
أن السيدتين بهيه وزينب بنتى عبد الحميد السيوفى وإن كانتا مختصمتين فيها إلا أن
النزاع الذى فصل فيه الحكم الصادر في هذه الدعوى كان بشأن وقف أحمد السيوفى في حين
أن النزاع الحالي الذى فصل فيه الحكم المطعون فيه يدور حول استحقاق السيدتين
المذكورتين في وقف جدهما لأمهما محمد السيوفى إذ لا نزاع في استحقاقهما في وقف
أحمد باشا السيوفى بوصف أنه جدهما لأبيهما ومن ثم فإن الحكم الصادر في الدعوى
الأولى لا يحتج به عليهما في النزاع الراهن لاختلاف الموضوع في الدعويين ولا يقدح
في ذلك كون الوقفين يضمهما كتاب واحد إذ أن ذلك ليس من شأنه أن يفقد كلا منهما
استقلاله عن الآخر بل يظل كل منهما مستقلا عن الآخر بأعيانه وبالمستحقين فيه
باعتبارهما وقفين متعددين.
وحيث إنه لما تقدم فان
الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدفع بالنسبة لجميع الخصوم لا يكون قد خالف
القانون.
وحيث إن مبنى السبب
السابع أن الحكم الصادر في دعوى السيد أمين فكرى وأختيه السيدتين دولت فكرى ونعمت
فكرى وقع باطلا لصدوره في دعوى غير مسموعة ولا جائزة القبول لمضى المدة الطويلة
عليها المانعة من سماعها ذلك أن الحق الذى يدعيه كل منهم على اعتبار أنه آل إليه
بعد وفاة والدته المرحومة السيدة شفيقة أحمد محمد السيوفى قد مضى عليه نحو عشرين
عاما لأن والدتهم المذكورة توفيت سنة 1933 على ما هو واضح من الحكمين الابتدائي والاستئنافي
ولم يرفعوا الدعوى بهذا الحق المزعوم إلا في سنة 1952 ولما كان سكوتهم عن رفع
الدعوى كل هذه المدة مع التمكن من رفعها وعدم العذر الشرعي ومع الإنكار للحق
المدعى به يجعلها غير مسموعة عملا بالمادة 375 من لائحة الإجراءات الشرعية التي لا
تزال معمولا بها وكانت عناصر هذا الدفع قد ذكرت جميعها في مرافعات الطاعنين وفى
المذكرات المقدمة منهم فانه يكون من حقهم إبداءه والاستمساك به أمام محكمة النقض.
وحيث إن هذا النعي غير
مقبول ذلك أنه ليس في الأوراق التي قدمها الطاعنون بملف الطعن ما يدل على أنهم
تمسكوا أمام محكمة الموضوع بمضي المدة المانعة من سماع الدعوى ولا يغنى عن التمسك
بهذا الدفع طلب الحكم برفض الدعوى لأن التمسك به يجب أن يكون بعبارة واضحة لا
تحتمل الإبهام لما كان ذلك وكان هذا الدفع لا يتعلق بالنظام العام فإنه لا تجوز
إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
وحيث إن الطاعنين ينعون
في السببين الرابع والخامس على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون بمخالفة شروط
الواقف علاوة على تخاذل أسبابه وتناقضها وفى بيان ذلك يقول الطاعنون أن هذا الحكم
انتهى إلى أن عبارات إشهاد التغيير تدل على أن الواقفين لم يقصدا إلى حرمان أولاد
بناتهما وإنما أرادا حرمان من يلى هذه الطبقة من أولاد البنات مخالفا بذلك شروط
الواقف ذلك أن عبارات الإخراج وردت في إشهاد التغيير الذى سبقت الإشارة إليه وهى
عبارات صريحة وقاطعة في إخراج جميع أولاد البطون من أولاد وذرية الواقفين من
وقفهما ومن ثم فإن هذا الإخراج يشمل حتما أولاد بنات الواقفين لصلبهما لأن النص لم
يستثنيهم - ويضيف الطاعنون أن أسباب الحكم المطعون فيه جاءت متناقضة تناقضا ظاهرا
جعل أولها ينفى آخرها ويتناقض مع ما يدل عليه أولها ذلك أن المحكمة قالت فيه أن
عبارة الإخراج بقول الواقفين أنهما أخرجا جميع أولاد البطون تفيد العموم وتتسق مع
العبارة التي تلتها وهى قولهما وهم أولاد بنات أولادهما - وهذا يناقض قولهما بعد
ذلك أن هذه العبارة الثانية مخصصة لعموم العبارة الأولى لأن تخصيص العام هو مسخ
لعمومه وقصره على بعض أفراده.
وحيث أنه يبين من مطالعة
الحكم المطعون فيه أنه أورد في تفسير الشرط المختلف عليه ما يلى "وحيث إن
المحكمة - على هدى ما رسمه المشرع في المادة العاشرة من القانون رقم 48 لسنة 1946
من وجوب حمل كلام الواقفين على المعنى الذى يظهر أنهم أرادوه وإن لم يوافق القواعد
اللغوية - تستبين المحكمة من عبارات الإخراج والحرمان البادي ذكرها أن الأخوين
الواقفين المرحومين محمد باشا وأحمد باشا السيوفى لم يستهدفا حرمان أولاد بناتهما
وإنما أرادا حرمان من يلى هذه الطبقة من أولا البنات ولهذا عمدا إلى الإفصاح عن
ذلك بقولهما. (وهم أولاد بنات أولادهما) يؤيد هذا ظاهر هذه العبارة الذى لا يحتاج
إلى تأويل ولا اجتهاد ولئن كانت هذه العبارة مسبوقة بما يفيد التعميم وهو قول الواقفين
(جميع أولاد البطون) فإنما ينبغي اعتبار العبارة التالية مخصصة لما أراده هذان
الواقفان ليقصرا بها مدلول عبارة التعميم على بعض أفراده فأفصحا عن هذا البعض في أسباب
صيغت بها عبارة التخصيص، هذا إذا اعتبرت كل من العبارتين متسقة مع الأخرى دون ما
تعارض بينهما - أما إذا قيل بمثول التعارض بين العبارتين كانت الأخيرة منهما ناسخة
للأولى وبهذا ينبغي إعمال ما أوضحه الواقفان من تفصيل لبيان من شاء حرمانهم مع
إهمال العبارة الأولى لاعتبارها منسوخة بإرادة الطرفين التي لا معقب عليها - وحيث
أنه لما كان ذلك فلا ترى المحكمة ثمت مبررا للخوض في قواعد اللغة فإنه يستوى أن
تكون إضافة كلمة "بنات" إلى (أولادهم) بمعنى من أو بمعنى اللام ما دامت
المحكمة قد استظهرت إرادة الواقفين من جميع كلامهما وحملته على المعنى الذى يظهر
أنهما قد أراداه، كذلك لا ترى المحكمة مسايرة من قال من المستأنف عليهم (الطاعنين)
أن كلمة (بنات) مرادفة لكلمة (إناث) فإن هذا القول مردود باستحالة قبوله في عجز
عبارة الحرمان حين قال الواقفان (على أن من ماتت من بنات أولادهما وبنات الذكور من
أولاد أولادهما.. الخ يكون نصيبه من ذلك لبنات إخوتها وأخواتها ذلك بأن ليس ثمة
وجود لمن يقال له (إناث الذكور) أو (إناث الإخوة) الخ - وحيث إن المحكمة لا يفوتها
في هذا المقام أن تسجل في حكمها أنه حين يختلط الأمر أو يتردد التفسير لعبارة
الواقفين بين الإعطاء والحرمان لبعض أولادهم فآنئذ ينبغي أن يقول القضاء كلمته على
أساس ترجيح جانب الإعطاء تحقيقا لإرادة الواقفين - وحيث إن ما قال به المستأنف
ضدهم (الطاعنون) مسايرة للفتوى التي يستندون إليها من تعليل التعارض بخطأ الموثق
في فهم مراد الواقفين بأن كتب "وهم أولاد بنات أولادهم" بدلا من أن يكتب
ومنهم أولاد بنات أولادهم هذا القول مردود بأنه لا ينال من عبارة مثبتة في وثيقة
رسمية هي كتاب التغيير وقد حررها موظف مختص بتحريرها ومهرها الواقفان بتوقيعهما
فلا يمكن الطعن عليها إلا بالطريق الذى رسمه القانون وهو الطعن بالتزوير والقول
بغير ذلك فيه إهدار لكافة المحررات الرسمية وإخلال خطير بالثقة فيها" وهذا
الذى أخذ به الحكم المطعون فيه في تفسير الشرط المختلف على تفسيره لا تشوبه شائبة
مما ورد في سبب النعي ذلك أن المحكمة لم تخرج في تفسير هذا الشرط وفى تقصى المعنى
الذى أراده الواقف منه عما يؤدى إليه مدلول عباراته وقد جاء حكمها في خصوص هذا
التفسير مطابقا لما هو مقرر في فقه الحنفية إذ أن مقتضى النصوص الفقهية حمل كلام
الواقفين في إشهاد التغيير على أن الجملة الثانية مخصصة لعموم الجملة الأولى
وقاصرة للعام على بعض أفراده فيكون الإخراج من الاستحقاق مقصورا على ما تناولته
الجملة الثانية فقط وهى لا تشمل أولاد بنات الواقفين فلا يكونون مخرجين كما أن هذا
التفسير يتفق مع ما قرره علماء الأصول من أن العام يحتمل التخصيص والتأويل ويجوز
قصره على بعض أفراده سواء أكد بمؤكد أم لم يؤكد وإن مقتضى التخصيص وقوع الحكم من
أول الأمر على ما تناوله المخصص إذا ظهر أن هذا هو المراد من العام وقال الأصوليون
من الأحناف أن التخصيص هو قصر العام على بعض أفراده بكلام مستقل موصول فلا يعتبر
الخاص مخصصا إلا إذا كان متصلا أما المنفصل فيعتبر ناسخا عندهم وإن كان مخصصا عند
غيرهم - وفى كلام الواقفين في إشهاد التغيير ورد التخصيص بجملة متصلة بما قبلها
وهو قولهما "وهم أولا بنات أولادهما" فتكون هذه الجملة مخصصة لما
تناولتهم الجملة السابقة عليها ويكون الحكم قد وقع من أول الأمر على ما تناولته
الجملة الثانية فقط وهى لا تشمل أولاد بنات الواقفين وهذا هو أيضا الموافق لأوضاع
اللغة العربية - ولا يسوغ العدول عن الأخذ بهذا التفسير الذى تمليه النصوص الفقهية
والقواعد الأصولية والأوضاع اللغوية قرارا مما قد يؤدى إليه من التفرقة في الحرمان
والإعطاء بين متساويين من أولاد البطون وجعل بعض أولاد من أخرج منهم مستحقا مع
حرمان أصله لأن هذه التفرقة على فرض وجودها إنما هي وليدة إرادة الواقفين فلا معقب
عليها وفوق ما تقدم ذكره فإن تفسير الشرط على النحو السالف بيانه يتفق مع القانون
كما يتفق أيضا مع قواعد الفقه الأساسية التي يجب تطبيقها ذلك أنه طبقا للمادة 32
من قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946 إذا كان الوقف على الذرية وكان مرتب الطبقات لا
يحجب أصل فرع غيره وإنما يحجب فرعه هو فقط ما دام موجودا فإذا توفى الأصل انتقل
إلى فرعه ما استحقه بالفعل أو كان يستحقه لو بقى على قيد الحياة - وتقضى المادة 58
من القانون المذكور بتطبيق أحكام المادة 32 المذكورة على جميع الأوقاف الصادرة قبل
العمل به إلا إذا كان في كتاب الوقف نص يخالفها والمقصود بالنص المخالف في معنى
المادة 58 هو النص الصريح الذى يدل على إرادة الواقف دلالة قطعية لا يتطرق إليها
الاحتمال فلا يتناول اللفظ إذ كان في دلالته على المعنى خفاء لأى سبب كان - ولما
كان الثابت من كتاب الوقف أن الوقف على الذرية بعد الواقف ومرتب الطبقات وطبقا
لحكم المادة 32 ينتقل نصيب بنت الواقف إلى أولادها وكان النص الوارد في إشهاد
التغيير مثار النزاع والذى يعتبر جزء من كتاب الوقف ومتمما له غير قاطع في الدلالة
على أن الواقفين أرادا إخراج أولاد بناتهما فإنه يجب إعمال حكم المادة 32 وينبني
على ذلك أن كلا من المطعون ضدهم يؤول إليه ما يستحقه في نصيب والدته وفوق هذا فإنه
من المقرر شرعا أن ما ثبت بيقين لا يرفعه ظن ولا شك ولا احتمال ولا يرتفع إلا
بيقين مثله ولما كان استحقاق المطعون ضدهم في الوقف ثابتا يقينا بمقتضى كتاب الوقف
الأصلي حسب إنشائه وشروطه وكان إخراجهم من الاستحقاق بمقتضى إشهاد التغيير ليس
يقينا على أحسن الفروض بالنسبة للطاعنين فإنه لا يرتفع به الثابت بيقين وهو
استحقاق المطعون ضدهم - وكذلك فإن من القواعد الشرعية أنه إذا دار الأمر بين
الإعطاء والحرمان رجح جانب الإعطاء على جانب الحرمان - وواقع الحال في هذا النزاع
أن المطعون ضدهم مستحقون بمقتضى كتاب الوقف وأن إخراجهم من هذا الاستحقاق على أوسع
الفروض محتمل بمقتضى إشهاد التغيير فدار الأمر بين إعطائهم وحرمانهم فإنه يجب شرعا
ترجيح جانب الإعطاء على جانب الحرمان ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ جرى في قضائه
على أن أولاد بنات الواقف غير مخرجين من الوقف لا يكون قد خالف القانون كما أنه لا
أثر للتناقض المدعى به في أسباب الحكم ذلك أنه لا يعتبر تناقضا من الحكم تعرضه لافتراض
جدلي هو وجود تعارض بين العبارتين بعد تقرير رأيه بانتفاء هذا التعارض وخلوصه إلى
أنه حتى على هذا الفرض الجدلي فإن النتيجة لا تتغير.
وحيث إن حاصل السبب
الثالث أن الحكم المطعون فيه قد شابه قصور يبطله ذلك أنه أغفل الرد على ما ذكره
الطاعنون في دفاعهم المدون بالمذكرات المقدمة منهم لمحكمة الموضوع والتي تضمنت أن
الحكم المطعون فيه قد خالف نصين صريحين قاطعين في الدلالة على أن الواقفين أخرجا
جميع أولاد البطون من وقفهما هو قول الواقفين في إشهاد التغيير تفسيرا لأولاد
البطون الذين قصد حرمانهم أنهم أولاد جميع ذريتهما ونسلهما أى أولاد البنات من
ذريتهما والذرية فقها وعرفا تشمل ولد الصلب وولده وولد ولده وإن سفل والنص الثاني
ما قاله الواقفان في إشهاد التغيير من أنه إذا انقرض أولاد الظهور جميعا كان ذلك
وقفا على السيد طه السيوفى ابن أخيهما وهو نص صريح في الدلالة على أن الوقف جميعه
صادر بعد التغيير منحصرا في أولاد الظهور من ذرية الواقفين وإلا لو كان للطبقة
الأولى من أولاد البطون استحقاق وكان أحد من هذه الطبقة موجودا عند انقراض أولاد
الظهور الذين كانوا مشاركين له في الاستحقاق لآل إليه الوقف جميعه ولما انتقل منه شيء
إلى طه السيوفى وعلاوة على ما تقدم فإن محكمة الاستئناف قد ذكرت في أسبابها عبارات
مجملة ومبهمة بل وغامضة لا تصلح لإقامة قضائها ولا تستند إلى أى دليل.
وحيث إن هذا النعى غير
صحيح ذلك أنه لما كان الحكم المطعون فيه قد أورد الأسباب التي تسوغ التفسير الذى
أخذ به وكانت هذه الأسباب مطابقة للنصوص الفقهية والقواعد الأصولية والأوضاع
اللغوية على ما سلف بيانه عند الرد على السببين الرابع والخامس فإنه لم يكن بعد
ذلك في حاجة إلى الرد استقلالا على جميع ما ساقه الخصوم من حجج مناقضة لوجهة النظر
التي أخذ بها - إذ في قيام الحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليلها التعليل الضمني
المسقط لتلك الحجج - أما ما ينعاه الطاعنون على أسباب الحكم المطعون فيه من غموض
وإبهام وافتقار إلى الدليل فإنه نعى مجهل لعدم بيان مواضع هذه العيوب في أسباب
الحكم.
وحيث إن السبب الثامن وهو
الأخير يتحصل في أن قضاء محكمة النقض بنقض الحكم الأول الصادر من محكمة الاستئناف
كان قاصرا على نقض ما قضى به الحكم المنقوض في الاستئناف المقيد برقم 1 سنة 73 ق
أحوال شخصية - ولم يتعرض للاستئنافين الآخرين اللذين كانا مضمومين إلى هذا الاستئناف
ومقتضى ذلك أن تظل الأحكام الصادرة في تلك الاستئنافات قائمة إلا أن الحكم المطعون
فيه في الاستئنافات جميعا فصلا مجددا تأسيسا على أن الأحكام التى صدرت فيها قد
نقضت بحكم محكمة النقض.
وحيث إن هذا النعي غير
سديد ذلك أن محكمة النقض إذ نقضت الحكم الصادر في الاستئناف رقم 1 سنة 73 ق أحوال
شخصية القاهرة فان النقض يشمل الاستئنافات الأخرى التي كانت منضمة لهذا الاستئناف
وصدر فيها من محكمة الاستئناف حكم واحد هو الذى نقضته محكمة النقض.
(1)نقض 29/ 5/ 1963. الطعن
رقم 100 لسنة 28 ق السنة 14 ص 750.
(2)نقض 7/ 12/ 1966. الطعن
رقم 11 لسنة 34 ق. السنة 17 ص 1818 - ونقض 17/ 12/ 1964. الطعن رقم 493 لسنة 29 ق.
السنة 15 ص 1161 - ونقض 15/ 4/ 1964 الطعن رقم 18 لسنة 31 ق السنة 15 ص 550 - ونقض
5/ 3/ 1959. الطعن رقم 30 السنة 27 ق السنة 1 ص 214.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق