الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 20 يوليو 2020

الطعن 24 لسنة 6 ق جلسة 22 / 6 / 1936 مج عمر المدنية ج 1 ق 376 ص 1156


جلسة 22 يونيه سنة 1936
برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وبحضور حضرات: مراد وهبة بك وحامد فهمى بك وعبد الفتاح السيد بك ومحمود سامى بك المستشارين.
--------
(376)

القضية رقم 24 سنة 6 القضائية

مسئولية مدنية:

(أ) طبيب أضر بمريض عالجه. مسئولية تقصيرية. تقديرها. موضوعي.
(ب) وجود علاقة تبعية بين طبيب ومستشفى. تحميل المستشفى مسئولية خطأ الطبيب.
(المادتان 150 و151 مدنى(

--------------

1 - الطبيب مسئول عن تعويض الضرر المترتب على خطئه في المعالجة. ومسئوليته هذه تقصيرية بعيدة عن المسئولية التعاقدية، فقاضي الموضوع يستخلص بثبوتها من جميع عناصر الدعوى من غير مراقبة عليه.
2 - إن وجود علاقة تبعية بين الطبيب وإدارة المستشفى الذي عالج فيه المريض، ولو كانت علاقة تبعية أدبية، كاف لتحميل المستشفى مسئولية خطأ الطبيب.



الوقائع
تتلخص وقائع هذه الدعوى - على ما جاء في الحكم المطعون فيه وسائر المستندات المقدّمة من طرفي الخصومة وكانت من قبل مقدّمة لمحكمة الاستئناف - في أن عبد الحميد حمدي أفندي المدّعى عليه في الطعن كانت عنده في سنة 1928 أثرة التحام (كلويد) بمؤخر عنقه قال إنها نتيجة دمل أصيب به في سنة 1914 ثم التأم تاركا مكان التئامه أثره التحام صلبة طولها خمسة سنتيمترات وعرضها نصف أو ثلاثة أرباع سنتيمتر. ففكر في سنة 1928 في أن يعالج نفسه بمخترعات الطب الحديث فاستشار (أوّلا) الدكتور ميخائيل عاذر فرأى محاولة علاجه بالأشعة فوق البنفسجية ولكن ذلك لم يأت بنتيجة وبقيت الأثرة متحجرة كما كانت. وعندئذ عرض عليه الدكتور عاذر أن يعالج بأشعة إكس عند الدكتور الفريد تادرس مقار فقبل وقدّمه الدكتور ميخائيل عاذر لذلك الطبيب بالمستشفى القبطي يوم 19 فبراير سنة 1929 ففحصه وقرر أن أشعة إكس تؤدى إلى تخفيف التيبس وجعله رخوا لينا كباقي الجلد الذي يحيط به. وبدأ فعلا الدكتور مقار في العلاج بنفسه جلستين. ويقول عبد الحميد أفندي إن الدكتور مقار ترك بعد ذلك أمر وضعه تحت الأشعة إلى تمورجي عنده يدعى فخري جرجس واستمر العلاج على هذا النحو تسع جلسات إلى أوائل أغسطس سنة 1929 حين ذهب إلى المستشفى في الوقت المعين فوجد مع الدكتور مقار آنسة أرمنية علم منه أنها ستحل محل التمورجي الذي اعتزم طرده. وقد تولت هذه الآنسة في أوائل سبتمبر سنة 1929 وضعه تحت الأشعة. ثم سافر الدكتور مقار إلى إنجلترا، وعند عودته باشر علاجه بالأشعة حتى 22 نوفمبر سنة 1929. وبعد هذا التاريخ بمدّة شعر بتهيج شديد في موضع تسليط الأشعة وتورّم في العنق. ولما ذهب للدكتور مقار مستعلما أفهمه أن الأمر بسبط وأشار عليه أن يضع على المكان المتهيج دواءً، ولكن ذلك لم يجد. ويقول عبد الحميد أفندي إنه في أواخر فبراير سنة 1930 اشتدّت الحالة وظهر حرق في المكان المريض فلم ير بدا من عرض نفسه على الأطباء الإخصائيين في الأشعة والأمراض الجلدية فقرّروا أن حالته هي حالة قرحة ناشئة عن حرق شديد بأشعة رنتجن، وكذلك قرّر القومسيون الطبي العام الذي كشف عليه عند انقطاعه من عمل وظيفته أن عنده قرحة مزمنة أثر علاج بأشعة إكس. عند ذلك قدّم بلاغا للنيابة العمومية في 26 أكتوبر سنة 1930 فعهدت للطبيب الشرعي بالكشف عليه، وهذا ندب الدكتور جاردنر لإجراء الكشف. وقد تم ذلك، وقدّم الدكتور جاردنر تقريرا يقول عبد الحميد أفندي إنه بنى على معلومات كاذبة أملاها الدكتور مقار، فاضطر إلى التنازل عن شكواه الجنائية والسير في الطريق المدني. فرفع أمام محكمة الأزبكية الجزئية دعوى إثبات الحالة رقم 3305 سنة 1931، وأعلن صحيفتها للدكتور مقار ولجرجس أنطون بك بصفته في أوّل يونيه سنة 1931. فحكمت تلك المحكمة في 16 من ذلك الشهر بندب الدكتور على إبراهيم باشا لأداء المأمورية المبينة في حكمها وهى الكشف على عبد الحميد حمدي أفندي وبيان الإصابة الموجودة به والطريقة التي عولج بها بمعرفة الدكتور مقار والنتائج التي حصلت عن هذا العلاج وبيان ما إذا كان العلاج جاء مطابقا للأصول العلمية الطبية أم لا، وفى حالة ما إذا كان هناك تقصير ينسب إلى الدكتور مقار من الوجهة الفنية يبين الخبير قيمة التقصير والأدلة عليه ومقدار ضرره المادي والجسماني الذى لحق ويلحق عبد الحميد أفندي، وللخبير أخذ ملاحظات الطرفين وإجراء ما يراه لازما لإتمام المأمورية، وله الاستعانة برأي الأطباء المختصين في المواضع التي يراها لازمة لتتميم المأمورية على الوجه الأكمل.

قام على إبراهيم باشا بمأموريته وقدّم تقريره بعد أن استهدى بسؤال عدّة أطباء.
وبعد ذلك رفع عبد الحميد حمدي أفندي الدعوى الحالية على الطاعنين وقيدها تحت رقم 787 كلية محكمة مصر سنة 1932 طالبا الحكم بإلزامها متضامنين بأن يدفعا له مبلغ ألفى جنيه على سبيل التعويض نظير الضرر الذى لحقه بسبب سوء العلاج مع الفوائد من تاريخ إعلان صحيفة الدعوى في 17 فبراير سنة 1932 لحين السداد والمصاريف بما فيها مصاريف دعوى إثبات الحالة ومقابل أتعاب المحاماة. وبعد أن تم تحضير الدعوى أحيلت لجلسة المرافعة.
وبجلسة 15 مايو سنة 1932 رفع الدكتور الفريد تادرس مقار دعوى فرعية ضد عبد الحميد أفندي حمدي يطالبه فيها بمبلغ ألف جنيه على سبيل التعويض نظير التشهير به والإضرار بسمعته.
نظرت الدعويان وصمم طرفا الخصومة على طلباتهما. وفى 30 مايو سنة 1933 حكمت محكمة أوّل درجة حضوريا (أوّلا) في الدعوى الأصلية برفضها وإلزام رافعها عبد الحميد حمدي أفندي بالمصاريف وخمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة (ثانيا) في الدعوى الفرعية برفضها وإلزام رافعها الدكتور مقار بالمصاريف ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة.
استأنف عبد الحميد حمدي أفندي والدكتور الفريد تادرس مقار هذا الحكم وطلب كل منهما في عريضة الاستئناف قبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع إلغاء الحكم المستأنف والقضاء بالطلبات الابتدائية مع مصاريف الدرجتين ومقابل أتعاب المحاماة. وقد قيد الاستئنافان بمحكمة استئناف مصر تحت رقمي 1009 و1036 سنة 50 قضائية. وقرّرت تلك المحكمة في 4 نوفمبر سنة 1933 ضمهما الواحد للآخر لارتباطهما ولأنهما مرفوعان عن حكم واحد.
وقد استند عبد الحميد حمدي أفندي في دعواه أمام محكمة الاستئناف إلى تقرير القومسيون الطبي وتقرير الدكتور على إبراهيم باشا المقدّم في دعوى إثبات الحالة وعلى تقارير قدّمها من الأطباء الذين عالجوه واعترض على التقارير التي قدّمها الدكتور مقار لمصلحته باعتراضات فصلها.
ودفع الدكتور مقار الدعوى بأن عبد الحميد حمدي أفندي صوّر الوقائع على خلاف الحقيقة إذ ذكر أنه كان مصابا من سنة 1914 بمرض جلدي في مؤخر العنق ولكنه لم يذكر شيئا عن كيفية علاجه ابتداء من سنة 1914 ثم إنه اختلف في عدد جلسات العلاج عند الدكتور مقار وفيما أجراه التمورجي فخرى جرجس والآنسة الأرمنية؛ وحصر دفاعه أخيرا في أنه هو بشخصه الذى كان يعالج المريض ولم يعهد بذلك للتمورجي ولا للآنسة الأرمنية، وأن المقادير التي استعملها كانت متفقة مع الأصول الفنية، وأن جلسات العلاج كانت تسعا فقط انتهت في أوّل يونيه سنة 1929 ولم تستمرّ إلى 22 نوفمبر سنة 1929 بدليل ما هو ثابت في تذكرة العلاج والأجندة التي قدّمها للمحكمة، وأن المدّعى معترف بأن حالته كانت حسنة في أكتوبر سنة 1929. ولو فرض جدلا وأنه عولج بعد ذلك في 22 نوفمبر سنة 1929 دفعة واحدة فان هذه الدفعة لا تنتج حرقا. وأخيرا إن الرأي الطبي الفني يخليه من المسئولية، واستند في ذلك إلى تقرير الطبيب الشرعي وتقرير الدكتور جاردنر وتقارير أطباء آخرين قدّمها للمحكمة. وانضم جرجس أنطون بك إلى الدكتور مقار في دفاعه نافيا عنه كل مسئولية، وأنكر في أوّل الأمر علاقة المستشفى القبطي بهذا الطبيب ثم عاد واعترف الاثنان بأنهما شريكان في الربح، وأن الآلات والعدد يملكها المستشفى ويستعملها الدكتور مقار. فقرّرت المحكمة تكليف المستشفى بتقديم دفاتر الحساب عن المدّة من 19 فبراير سنة 1929 لغاية ديسمبر من تلك السنة، وكذلك تقديم المستندات التي تحدّد علاقة الدكتور مقار بالمستشفى، فقدّمها ومن ضمنها عقد يفيد تجديد المدّة للدكتور مقار. وفى جلسة 11 يونيه سنة 1935 قرّر محامى جرجس أنطون بك أن قسم الأشعة أنشئ وأسندت إدارته إلى الدكتور مقار في أوّل مايو سنة 1927 وأن المذكور ورّد جميع المتحصل من أوّل يناير سنة 1929 لغاية ديسمبر من تلك السنة بمقتضى شيك.
وفى 21 أبريل سنة 1934 حكمت محكمة الاستئناف حضوريا بقبول الاستئنافين شكلا وقبل الفصل في الموضوع بندب الأطباء على إبراهيم باشا ومحمود ماهر بك والدكتور فرنر لأداء المأمورية المبينة بأسباب الحكم فاعتذر الدكتور على إبراهيم باشا وندب بدلا عنه الدكتور محمد عبد الحميد بك. وقد باشر الأطباء مأموريتهم وقدّموا تقريرهم وكانت هذه المأمورية ما يأتي:
(أوّلا) هل القرحة التي شوهدت بعنق عبد الحميد أفندي في مارس سنة 1930 نشأت حتما عن حرق بأشعة رونتجن التي باشرها الدكتور ألفريد مقار من فبراير سنة 1929 أو أنها تطوّر طبيعي للحالة التي كانت به قبل استعمال الأشعة أو بسبب العلاج الذى عولج به قبل الأشعة المذكورة أو بسبب آخر؟
(ثانيا) إذا ثبت أن هذه القرحة لا تنشأ إلا نتيجة لاستعمال الأشعة هل كان ذلك نتيجة خطأ في استعمال العلاج من الوجهة الفنية أو من مباشرة هذا العلاج من الوجهة العملية؟ وما هو الخطأ أو الإهمال في ذلك؟
(ثالثا) ما تأثير الحالة التي بعبد الحميد حمدي أفندي على صحته؟ وهل هي عاهة مستديمة أو قابلة للشفاء؟
وبجلسة 11 يونيه سنة 1935 صمم الخصوم على طلباتهم ثم أرجأت المحكمة النطق بالحكم لجلسة 27 منه وفيها قرّرت إعادة القضية للمرافعة لمناقشة الخبراء في تقريرهم بحضور طرفي الخصومة. وفى جلسة 28 نوفمبر سنة 1935 التي كانت محدّدة لمناقشة الخبراء طلب وكيل عبد الحميد حمدي أفندي الفصل في الدعوى بحالتها لأنها صالحة للحكم ولا داعى لمناقشة الخبراء إذ في القضية ما يغنى عن مناقشتهم، ولم يعترض محاميا خصميه فأجل النطق بالحكم لجلسة 2 يناير سنة 1936 وفيها صدر في الموضوع بالنسبة لدعوى عبد الحميد حمدي أفندي بإلغاء الحكم المستأنف وإلزام الدكتور الفريد تادرس مقار وجرجس أنطون بك بصفته متضامنين بأن يدفعا له مبلغ خمسماية جنيه مصري ومصاريف الدرجتين وخمسين جنيها مقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين أيضا وتأييد الحكم بالنسبة للدعوى الأخرى المقامة من الدكتور الفريد تادرس مقار مع إلزامه بمصاريف استئنافه ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.
أعلن هذا الحكم للدكتور مقار ولجرجس أنطون بك في 28 يناير سنة 1936 فطعن فيه بطريق النقض وكيلاهما في 25 فبراير سنة 1936 وأعلن وكيل الأوّل تقريره لعبد الحميد حمدي أفندي في 29 من ذلك الشهر، وأعلن وكيل الثاني تقريره للمدّعى عليه المذكور يوم أوّل مارس سنة 1936، وقدّم وكيل الدكتور مقار لقلم الكتاب في 16 من ذلك الشهر مذكرة بشرح الأسباب وحافظة مستندات، وقدّم وكيل عبد الحميد حمدي أفندي في 30 منه مذكرة بالرد وحافظتي مستندات، وقدم وكيل جرجس أنطون بك في 11 منه مذكرة بشرح أسباب طعنه وحافظة مستندات، وقدم وكيل عبد الحميد حمدي أفندي في 29 منه مذكرة بالرد وحافظة مستندات، وقدّمت النيابة العمومية في 12 مايو سنة 1936 مذكرتين برأيها في كل من الطعنين.
وبجلسة 28 مايو سنة 1936 قرّرت المحكمة ضم الطعنين الواحد للآخر وأجلتهما لجلسة 18 يونيه سنة 1936 لتقديم مذكرات تكميلية، وقد قدّمت وفيها سمعت الدعوى على ما هو مبين في محضر الجلسة ثم أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم.



المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة الشفوية والمداولة قانونا.

وبما أن الطعن رقم 25 سنة 6 قضائية المرفوع من جرجس أنطون بك بصفته قد ضم إلى الطعن رقم 24 سنة 6 قضائية المرفوع من الدكتور الفريد تادرس مقار بقرار من هذه المحكمة في جلسة 28 مايو سنة 1936.
وبما أن الطعنين قد قدّما في الميعاد عن حكم قابل لهما واستوفيت الإجراءات القانونية فهما مقبولان شكلا.
عن طعن الدكتور الفريد تادرس مقار
وبما أن طعن الدكتور الفريد تادرس مقار قد بنى على وجهين: (الأوّل) بطلان الحكم المطعون فيه بطلانا جوهريا لعشرة أسباب (والثاني) خطؤه في تطبيق القانون لسببين:
وتتلخص أسباب الوجه الأوّل فيما يأتي:
(أوّلا) تجاوز الحكم ولاية القضاء بأن أسند إلى الطاعن أربع وقائع من وقائع الإهمال مع أنه في الوقت نفسه قرّر أن هذه الوقائع ليست ثابتة وإن كان يرجح صحتها. وفى هذا مساس بحقوق الناس لا يجوز صدوره في حكم.
(ثانيا) أسند الحكم هذه الوقائع إلى وثائق تنقضها نقضا كما أن تقارير الخبراء الذين عينوا قانونا تنفى هذه الوقائع بتاتا.
(ثالثا) لم يشتمل الحكم على الأركان القانونية التي تقوم عليها المسئولية المدنية بسبب الأفعال طبقا للمادة 151 من القانون المدني التي رأت المحكمة انطباقها.
(رابعا) قرر الحكم في تدويناته ما يفيد صراحة أن الإصابة التي لحقت المدّعى عليه في الطعن ما كان في مقدور طبيب أن يتوقع احتمالها بحكم الحالة البادية من مظاهر المرض عند العلاج وعند استمراره. وفى نفس هذا التدوين ما يرفع المسئولية عن الطاعن خلافا لما ذهب إليه الحكم.
(خامسا) أسند الحكم إلى تقرير الخبراء وقائع ترجع إلى أن الحرق الذى بالمصاب نشأ عن العلاج بالكهرباء مع أن كل ما قرّره الخبراء هو أن ذلك الحرق يشبه كثيرا الحرق الناتج من الكهرباء، وجعلوا علاقته مع العلاج علاقة احتمال مصرحين بجواز حدوثه من أسباب أخرى.
(سادسا) خالف الحكم قواعد الإثبات القانونية إذ رفع عن المدّعى واجب إثبات دعواه بجميع أركانها وكلف الطاعن بإثبات أن الإصابة ترجع لسبب من الأسباب التي جوّز الخبراء حصولها منها إذا كان يبغى رفع المسئولية عن نفسه.
(سابعا) قام الحكم على أدلة لا يقبلها القانون، فقد اتخذ أقوال الدكتور عاذر بك وتقرير الدكتور على إبراهيم باشا دليلا في الدعوى مع أن أقوال أولهما تروى ما قاله نفس المدّعى وتقرير ثانيهما لا يعتبر تقرير خبير بالمعنى القانوني.
(ثامنا) جاء في الحكم إسناد باطل إذ قرّر أن الدكتور عاذر بك ذكر ما يفيد أن العلاج استمر أربع جلسات بعد شهر يونيه تأييدا لقول المدّعى في حين أن ما قرّره الدكتور عاذر بك صراحة أنه لم يسمع من المدّعى إلا عن شهر نوفمبر.
(تاسعا) جاء في الحكم إسناد باطل آخر إذ قرّر أن الطاعن كتب في مذكرة العلاج أنه نبه على المريض أن يرجع إليه بعد شهرين مع أن الثابت فعلا في تلك التذكرة أن العلاج قد انتهى وأن المريض يجب أن يرجع إليه في ظرف ستة أشهر إذا طرأ ما يقضى ذلك.
(عاشرا) اضطرب الحكم في تعيين نوع التقصير الذى أسنده إلى الطاعن، فتارة يصفه بأنه جسيم وتارة بأنه يسير من باب التسليم الجدلي.
أما سببا الوجه الثاني فيتلخصان فيما يأتي:
(أوّلا) أخطأ الحكم في تقريره بأن أجندة الطبيب لا تتخذ حجة لتحديد أيام العلاج في حين أنه يقرّر في الوقت نفسه أنها حجة في تقدير الأجرة، وبدهي أن تقدير الأجرة هو تقدير لمدّة العلاج.
(ثانيا) أخطأ الحكم كذلك في تطبيق المادة 151 من القانون المدني إذ أن هذه المادة إنما تعنى المسئولية الناتجة عن عمل صدر من المسئول في غير دائرة حقوقه أو واجباته. أما المسئولية الناتجة عن العقود فتخضع للمادة 119 من القانون المدني وهى المادة التي كان يجب تطبيقها في الدعوى الحالية بشروطها المعروفة فقهيا.
هذا هو ملخص ما أتى به الدكتور مقار في تقرير طعنه.
وبما أن ما جاء في هذين الوجهين وما استخلصه الطاعن منهما ومن فروعهما كله يتعلق بأمور موضوعية بحتة وبدفوع موضوعية أيضا لم يسبق تقديمها لمحكمة الاستئناف، وذلك جميعا مما لا يصح عرضه على محكمة النقض والإبرام، وبخاصة لأن القضية قائمة على تقدير محكمة الموضوع لمسئولية طبيب أضر بمريض عالجه وهى مسئولية تقصيرية بعيدة كل البعد عن المسئولية التعاقدية وقاضى الموضوع يستخلصها من جميع عناصر الدعوى من غير رقابة عليه في ذلك، ويتعين إذن رفض هذا الطعن.
عن طعن جرجس أنطون بك
وبما أن طعن جرجس أنطون بك يقوم على ثلاثة أوجه: (الأوّل) يتحصل في استمساك الطاعن بجميع المطاعن التي وجهها الدكتور مقار على الحكم في تقرير طعنه الذى سبق الرد عليه. أما الوجهان الثاني والثالث فيتخلصان في أن محكمة الاستئناف قد أخطأت حين قرّرت مسئولية المستشفى القبطي على اعتبار الطبيب شريكا له بمقتضى عقد الاتفاق المؤرّخ في 30 سبتمبر سنة 1929 مع أن هذا العقد لا يفيد سوى استئجار المستشفى للطبيب واستئجار الطبيب لقسم الأشعة. ويقول الطاعن إن هذا النظر يكون من جهة مخالفا لعقد الاتفاق المتقدّم ذكره، ويكون من جهة أخرى مخالفا للقانون، إذ أن المادة 151 فقرة ثانية من القانون المدني لا تجعل مثل المستشفى مسئولا عن تقصير الأطباء الموظفين فيه.
وبما أن الدعوى رفعت أصلا من عبد الحميد حمدي أفندي على الدكتور مقار تأسيسا على أن فعلا ضارا وقع من هذا على ذاك وأدخل المستشفى في الدعوى على اعتبار أن الطبيب تابع له يسأل قانونا عن عمله. ومحكمة الاستئناف في سبيل تعرّف علاقة الطبيب بالمستشفى استخلصت من أوراق القضية وجود نوع من الشركة بينهما وصفتها على النحو الآتي:
ويكون المستأنف ضدّه الثاني بصفته (جرجس أنطون بك) مسئولا معه بطريق التضامن في تعويض الضرر الذى أصاب المستأنف (عبد الحميد حمدي أفندي) لأنه ثبت من الأوراق ومن أقوال المستأنف ضدّهما أن إيراد المعالجة بالأشعة كان يقسم مناصفة بين الطرفين وأن المستأنف ضدّه الأوّل (الدكتور مقار) كان يستعمل آلات وعدد المستشفى ويستخدم موظفيها فهم شركاء في المسئولية المدنية وفى تعويض الضرر الذى أصاب المستأنف.
وبما أن هذا الذى استخلصته محكمة الاستئناف سواء أصحت تسميته شركة بين الدكتور مقار وبين المستشفى القبطي قوامها أن يقدّم الدكتور خدمته الفنية للمرضى الذين يفدون على المستشفى مستعينا بالخدم والآلات التي فيه ويقوم المستشفى بدفع نسبة من الدخل الذى يحصله عن تلك الخدمة كما هو منحى الحكم أم صحت تسميته توظيفا للطبيب أو استئجارا منه لأدوات المستشفى وخدمته كما هو منحى تقرير الطاعن - سواء أصحبت هذه التسمية أم تلك فان الظروف التي جمعها الحكم في الفقرة المقتبسة وفيما سرده من وقائع الدعوى الحالية بخصوصها تدل على وجود علاقة تبعية بين الطبيب وبين المستشفى أقل ما فيها أنها علاقة فيها رضى ذو الفن أن يكون تابعا أدبيا لإدارة المستشفى، وتلك علاقة مقطوع قانونا بأنها تحمل المستشفى مسئولية خطأ الطبيب.
وبما أنه يبين من ذلك أن طعن جرجس أنطون بك بصفته واجب رفضه أيضا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق