جلسة 15 أكتوبر سنة 1945
برياسة حضرة صاحب السعادة
سيد مصطفى باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: جندي عبد الملك بك وأحمد نشأت بك وأحمد
على علوبة بك وأحمد فهمى إبراهيم بك المستشارين.
----------------
(613)
القضية رقم 1320 سنة 15
القضائية
إحراق.
وضع النار عمدا بالواسطة.
متى تتحقق هذّه الجريمة؟ وضع المتهم لفافة مشتعلة باحتياط تحت باب منزله. إطفاؤها
في الحال قبل أن تمتدّ إلى الباب. لا عقاب.
(المادة 221 ع = 256)
----------------
إذا كانت الواقعة التي
أثبتها الحكم هي أن المتهم أشعل النار في لفافة وضعها باحتياط تحت باب منزله ثم
أطفأها في الحال قبل أن تمتدّ إلى الباب، فتكييف هذه الواقعة أنها وضع النار عمدا
بالواسطة، الأمر المنصوص عليه في مادة 256 من قانون العقوبات. وإذ كانت هذه المادة
صريحة في أنه يجب لتمام الجريمة المنصوص عليها فيها أن يكون قصد المتهم توصيل
النار في الشيء الذي وضعها فيه إلى الشيء المراد إحراقه وأن تصل النار بالفعل إلى
هذا الشيء، فإنه إذا لم يتوافر هذا القصد فلا تتحقق الجريمة ولو كانت النار قد
وصلت بالفعل. وإذا توافر ولكن لم تصل النار، فإن الواقعة لا تكون جناية تامة،
وإنما تكون شروعا فقط، بحيث إذا عدل المتهم بإرادته فلا تصح معاقبته. وإذن فإن تلك
الواقعة الثابتة بالحكم لا تكون معاقبا عليها.
المحكمة
وحيث إن مبنى الطعن هو أن
الطاعن تمسك في دفاعه أمام المحكمة بأن الواقعة لو صحت لكانت شروعا في حريق غير
معاقب عليه، لأن النار أطفئت في الحال بإرادة الطاعن نفسه قبل أن تتصل بباب
المنزل. وقد سلمت المحكمة في حكمها بأن المادة الملتهبة وضعت باحتياط بحيث إذا
اشتعلت لا تمس سوى جزء صغير من الباب وأن سائل البترول وجد فقط في اللفافة دون أن
يلقى شيء منه على الباب، ولم تنف المحكمة من جهة أخرى ما تمسك به الطاعن من أنه
عدل عن إتمام الجريمة بإرادته، ولكنها عندما طبقت القانون خلطت بين الجريمة التامة
والشروع فيها فتحدّثت عن القصد الجنائي على اعتبار أن الجريمة تمت، وخلصت من بحثها
إلى قولها بأنه ما دام القصد الجنائي قائما فيكون العقاب واجبا، وفاتها أن ما وقع
من الطاعن لا يكون إلا شروعا في حريق لا جريمة تامة، وأنه ما دام الطاعن قد أطفأ
النار بإرادته قبل أن تتصل بباب المنزل فإن الواقعة تكون غير معاقب عليها.
وحيث إن الواقعة، كما
أثبتها الحكم المطعون فيه، هي أن الطاعن لضغائن بينه وبين ابن أخيه عبد المنعم
محمد حمودة اتفق مع جاره على أحمد الفيومي (الذى كان متهما معه وحكم عليه بالعقوبة
ولم يرفع نقضا) على تلفيق واقعة حريق بأن يضع الطاعن مادة ملتهبة تحت باب منزله
ويشعلها ثم يعود إلى المنزل ويتظاهر بأنه كان نائما. ويقوم على أحمد الفيومي في الحال
عند بدء اشتعال النار ويستغيث فيحضر الطاعن ويعمل على إطفائها ويتهم ابن أخيه
المذكور ويبلغ رجال الحفظ في حقه. وقد نفذ هذا الاتفاق بالفعل وأبلغ الحادث من
نائب عمدة البلدة إلى نقطة البوليس فانتقل ضابط النقطة إلى مكانه وعاين باب المنزل
فوجده من خشب متين ووجد بينه وبين العتبة لفافة من الخيش حشيت بقوالح ذرة ورائحة
الغاز تفوح من اللفافة، وقد اشتعل منها الجزء الأيسر القريب من الجهة التي يقع
فيها الباب، وشوهد أثر دخان يعلو مكان الاحتراق في الباب بنحو عشرين سنتيمترا، وقد
تركت اللفافة أثرا مستعرضا بالباب لاحتراق بسيط ووجدت اللفافة مبللة بالماء. ولما
انتقلت النيابة إلى مكان الحادث وأعادت معاينته وجدت مع اللفافة السابق وصفها قطعة
من الورق عبارة عن جزء من جريدة محترقة حوافه. وقد استدلت المحكمة على تلفيق
التهمة وأن الطاعن هو الذي وضع النار بمنزله باتفاقه مع المتهم الآخر بأدلة
بينتها. منها ما قالته من أنه ثبت من المعاينة أن المادة الملتهبة التي وجدت تحت
باب المنزل وضعت باحتياط بحيث إذا اشتعلت لا تمس سوى جزء صغير من الباب ولا تؤثر
النار فيه بسهولة، وأن البترول وجد فقط في اللفافة دون أن يلقى شيء منه على الباب.
ثم تعرضت المحكمة إلى البحث في دفاع الطاعن وردت عليه بقولها: إنه يكفي لتوافر
جريمة الإحراق المنصوص عليها في المادة 252 من قانون العقوبات أن يكون الجاني قد
وضع النار عمدا في محل مسكون أو معدّ للسكن بصرف النظر عن مقدار ما تلتهمه النار
من المكان الذي علقت به أو من محتوياته، وبصرف النظر عن علم أصحاب المكان أو عدم
علمهم بخطر الحريق الذي أشعل عمدا بمحلهم، وأن القصد الجنائي في هذه الجريمة يتحقق
وجوده متى كان الفاعل قد وضع النار عمدا وعن علم وبقصد إحراق الحريق. فيكفي أن
يكون الفاعل قد وضع النار عمدا في بعض أشياء سواء كان قصده إتلافها أو كان يقصد
مزاحا سيئا أو أنه يريد إطفاء النار بعد اشتعالها منعا من ازدياد الضرر ليتمكن من
إلقاء تهمة كاذبة على شخص آخر، أو قصد أن يستأصل جراثيم مرض وبائي. وأنه لذلك يكون
ما ذهب إليه الدفاع من عدم توفر أركان الجريمة سواء كان من ناحية الوقت الذي يتحقق
فيه وقوعها أو من ناحية القصد الجنائي فيها لا يتفق مع ما ذهب إليه القضاء المصري
في أحكامه والتي تأخذ به هذه المحكمة. ومن ثم تكون جريمة الحريق العمد ثابتة ضدّ
المتهم الأوّل (الطاعن) ثبوتا كافيا ويتعين إدانته فيها. ولا محل للبحث في جريمة
البلاغ الكاذب وتوفرها. وعقابه ينطبق على المادة 252/ 1 عقوبات. ويكون المتهم
الثاني قد اشترك مع المتهم الأوّل بطريق الاتفاق على تنفيذها الخ.
وحيث إنه يتضح مما أورده
الحكم المطعون فيه على الوجه المتقدّم أن الطاعن قد أشعل النار في لفافة وضعها
باحتياط تحت باب منزله ثم أطفأها في الحال قبل أن تمتد إلى الباب، وبذلك فإن النظر
إلى الواقعة وتكييفها يجب أن يكون على اعتبارها وضع النار عمدا بالواسطة الأمر
المنصوص عليه في المادة 256 من قانون العقوبات. ولما كانت هذه المادة صريحة في أنه
يجب لتمام الجريمة المنصوص عليها فيها أن يكون قصد المتهم توصيل النار من الشيء الذي
وضعها فيه إلى الشيء المراد إحراقه ثم وصول النار بالفعل إلى هذا الشيء، فإنه إذا
لم يتوافر هذا القصد لا تتحقق الجريمة ولو وصلت النار بالفعل. وإذا توافر ولكن
النار لم تصل فإن الواقعة لا تكون جناية حريق تامة وإنما تكون شروعا فقط بحيث إذا
عدل المتهم بإرادته فلا تصح معاقبته. ولما كانت الواقعة كما هي ثابتة بالحكم أن
المتهم وضع النار في اللفافة ولم يكن يقصد توصيلها إلى باب المنزل أو مبانيه فإنها
لا تكون معاقبا عليها قانونا.
وحيث إنه لما تقدّم يتعين
قبول الطعن ونقض الحكم المطعون فيه وبراءة الطاعن من جريمة وضع النار عمدا
المرفوعة بها الدعوى عليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق