جلسة 8 أكتوبر سنة 1945
برياسة حضرة صاحب السعادة
سيد مصطفى باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: جندي عبد الملك بك ومحمد المفتي
الجزائرلى بك وأحمد على علوبة بك وأحمد فهمى إبراهيم بك المستشارين.
--------
(611)
القضية رقم 1145 سنة 15
القضائية
محكمة استئنافية.
سلطتها في تقدير الواقعة
المعروضة عليها. تعارض حكمها مع القضاء الابتدائي بالنسبة إلى من لم يرفع ضدّهم
استئناف عن الحكم الابتدائي. لا تأثير له. مثال. متهمون في سرقة. القضاء ابتدائيا
بإدانة متهم في إخفاء الأشياء المسروقة وببراءة المتهمين بالسرقة. استئناف النيابة
الحكم بالنسبة للمحكوم عليه في الإخفاء وحده. القضاء أيضا بإدانته. لا مانع.
--------------
إذا كان الحكم الابتدائي
الصادر في واقعة السرقة ببراءة المتهمين بها لعدم ثبوت وقوع فعل السرقة من مال
المجنى عليه المعين في وصف التهمة هو هو الذي قضى بإدانة المتهم بإخفاء الأشياء
المسروقة مع علمه بسرقتها، فإن استئناف النيابة هذا الحكم بالنسبة إلى هذا المتهم،
دون المتهمين في السرقة، لا يمكن قانونا أن ينتقص من سلطة المحكمة الاستئنافية في تقدير
الواقعة المعروضة عليها والحكم فيها على أساس ما ترى هي أنه هو الحاصل من أمرها،
ولو جاء قضاؤها متعارضا مع القضاء الابتدائي الذى صار انتهائيا بالنسبة إلى من لم
يرفع ضدّهم استئناف. وهذا التعارض لا يصح بحال النظر إليه من ناحية مخالفة قوّة الشيء
المحكوم فيه، لأنه إنما كان ضرورة اقتضاها استعمال المحكمة الاستئنافية حقها
المقرر بالقانون في الفصل في الاستئناف المرفوع أمامها على اعتبار واقعة الدعوى
كما كانت معروضة على محكمة الدرجة الأولى.
المحكمة
وحيث إن الطاعن يتمسك في طعنه
بأنه قدّم للمحاكمة بتهمة إخفاء بنزين مسروق. ومحكمة أوّل درجة دانته على هذا
الأساس بعد أن حكمت ببراءة المتهمين بالسرقة. ولما كانت النيابة العمومية لم
تستأنف حكم البراءة هذا فقد تمسك الدفاع عن الطاعن أمام المحكمة الاستئنافية بأن براءته
أصبحت واجبة بعد أن صار الحكم بالبراءة في السرقة نهائيا، ولكن المحكمة أيدت
إدانته وقالت إنها لا تتقيد بذلك الحكم في قضائها وأتت بأسباب جديدة لإثبات السرقة
على المتهمين بها. وهذا منها خطأ إذ أن الحكم الجنائي متى صار نهائيا يعتبر عنوانا
للحقيقة في حق الناس كافة، ولا تجوز مناقشته لأي سبب من الأسباب. وفضلا عن ذلك فلم
يذكر الحكم الاستئنافي أن الطاعن اشترك في فعل الإخفاء أو ساهم فيه بعمل إيجابي بل
كل ما قاله في ذلك هو أنهم وقت ضبط الواقعة كانوا يفرّغون بعض البنزين الذي كان
بالسيارة في برميل دون أية إشارة إلى وجود الطاعن هناك وقتئذ. ومع ذلك فقد أقيم
الحكم على أسباب لا أصل لها، إذ الثابت من التحقيق وفى الحكم الابتدائي أن شركة
ثورنيكروفت لم يظهر عندها سرقة من البنزين الذى نقل بمعرفة السيارات التي يملكها
الطاعن ولا يقودها بنفسه.
وحيث إن الدعوى العمومية
رفعت على: (1) الطاعن و(2) عيسى السيد بدر (3) محفوظ إبراهيم، بأنهم: "في
خلال ثلاثة شهور سابقة على تحرير المحضر في 8 يوليه سنة 1941 بدائرة قسم بولاق:
(أوّلا) سرقوا كميات من البنزين من متعلقات شركة الأمنبوس العمومية المصرية
(ثورنيكروفت) حالة كون الأوّل متعهد نقل البنزين من شركة شل للشركة المذكورة.
(وثانيا) الأوّل عاد لحالة الاشتباه بأن ارتكب هذه الجريمة مع سابقة إنذاره مشبوها
في 11 نوفمبر سنة 1931". ومحكمة أوّل درجة حكمت ببراءة المتهمين الثاني
والثالث لعدم كفاية الأدلة ودانت الطاعن وحده بجريمة إخفاء بنزين مسروق مع علمه
بسرقته وقالت بالنسبة إليه: "إن الأمر فيما يختص بالمتهم الأوّل (الطاعن)
يختلف عن الباقين لأنه لا نزاع في أن المتهم المذكور باعترافه أمام البوليس
والنيابة ذكر أن محمد عمر الشهير بزكى أحضر إليه السيارة في يوم الحادثة وأخبره
بأنها بها تصاف حوالى جالونين أو ثلاثة، وأن هذا التصافى يبقى في العربة كمتخلفات
للتفريغ، وأنه فيما هو يقوم بالتفريغ إذ اندفع فيها بنزين بكثرة زائدة. وقال إنه
ما كان يعرف أن تلك الكمية المضبوطة كانت بالسيارة، وإن محمد عمر هذا سائق طرده من
خدمته لإهماله وسوء خلقه ثم خدعه فأعاده لخدمته وأحضر له السيارة وفيما كمية
البنزين المضبوطة. وحيث إن أقوال المتهم الأوّل هذه قاطعة في أنه أخذ في الاستيلاء
على البنزين الذى كان بالسيارة وهو يعلم أنه لا حق له فيه. يستوي في ذلك أن يكون
هذا البنزين هو من متعلقات شركة ثورنيكروفت أو أن محمد عمر أحضره إليه على أنه من
متعلقات الشركة المذكورة بقصد الإيقاع به. وحيث إن الواقعة ذات الأهمية الكبرى هي
ما جاء باعتراف المتهم الأول في التحقيقات وأمام النيابة بأنه منذ شهر ونصف قبل
تاريخ هذه الحادثة أحضر له محمد عمر الشهير بزكى ماية وخمسين جالونا وقال له إن
العامل المختص بالتفريغ بشركة ثورنيكروفت ترك له هذا القدر بالفنطاس نظير مبلغ 750
قرشا فدفع إليه المتهم مبلغ 825 قرشا، وإن ثمنها في السوق كان في هذا الوقت 1350
قرشا، وهذه الواقعة تدل على أنه أخفى هذا القدر من البنزين مع علمه أنه مسروق من
شركة ثورنيكروفت. وحيث إن الدفاع عن المتهم الأول لم يتعرض بكثير ولا بقليل لهذه
الواقعة. وحيث إنه لما تقدّم يكون ما ارتكبه المتهم الأوّل منذ شهر ونصف قبل
التبليغ وفى يوم 8 يوليه سنة 1941 مكوّنا لجريمة إخفاء بنزين مسروق مع علمه بسرقته
وعناصر التهمة شملتها التحقيقات، وأقرّ المتهم بها أمام البوليس والنيابة. ولذلك
يتعين معاقبته بالمادة 322 عقوبات. وحيث إن المتهم المذكور أنذر مشبوها بتاريخ 11
نوفمبر سنة 1931 ثم ارتكب حادثة إخفاء البنزين مع علمه بالسرقة غير أن جريمة إخفاء
الأشياء المسروقة لم ترد في الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم 24
لسنة 1923. ولذلك تكون الجريمة المنسوبة للأول غير متوفرة الأركان ويتعين براءته
منها عملا بالمادة 172 تحقيق جنايات". والمحكمة الاستئنافية قضت بتأييد الحكم
الابتدائي وذكرت: "أن موضوع هذه الدعوى، كما يؤخذ من مطالعة الأوراق، يتحصل
في أن الأستاذ عبد الفتاح الشلقانى بصفته متوليا أعمال شركة ثورنيكروفت القضائية
بلغ قلم المباحث بأن البنزين المخصص لها ينقل من السويس من شركة شل على سيارات
لورى بشكل صهاريج حمولة كل منها ألف جالون تقريبا، وهذه السيارات مملوكة لمتعهد
لشركة شل المتهم (الطاعن) ومن ضمنها السيارتان رقم 31 جيزة و87 الغربية. وقد حصل
الاتفاق بين مالكها وعمالها وعمال تفريغ البنزين بشركة ثورنيكروفت على طريقة
تمكنهم من سرقة كميات كبيرة. وذلك بأن يستبقى قائد السيارة كمية في الصهاريج
باتفاقه مع من يدعى محفوظ أفندي إبراهيم ومندوب شركة شل ثم يذهب قائد السيارة إلى
جراج المتعهد (المتهم) الكائن بالشرابية ثم إلى مخزن بجهة روض الفرج مملوك لصاحب
مطبعة هناك ويفرغ البنزين في براميل صاج ويتولى صاحب المطبعة بيعه وتقسيم ثمنه على
الشركاء في الجريمة. ومأمورية محفوظ أفندي هي تسهيل السرقة، وذلك بإبقاء كميات من
البنزين بدون تفريغ، وعند توزيع البنزين على السيارات يعطى قائدها كميات أقل من
المقرّر لها موهما إياهم بأنه يصرف لهم الكميات المقرّرة، وأنه قد علم بكل هذه
التفصيلات من محمد أمين رئيس سائقى سيارات الشركة، وهذا علمها بدوره لسائق كان
يعمل طرف المتهم وانفصل من خدمته. وطلب إلى قلم المباحث تحرّى المسألة وقد أخذ
القلم المذكور يراقب السيارتين من وقت دخولهما إلى شركة ثورنيكروفت إلى وقت
قيامهما بضعة أيام إلى أن حدث في يوم 8 يوليه سنة 1941 أن أبلغ محمد أمين عبد الله
رئيس سواقى الشركة بأنه علم من السائق زكى - وهو الذى كان في خدمة المتهم وانفصل
عنه ثم أعيد لخدمته - أن السيارة رقم 87 وصلت الشركة وخرجت منها وبها كمية من
البنزين. وبعد اتصال الضابط برئيسه انتقل إلى جراج المتهم حيث وجد السيارة واقفة
أمامه ووجد ستة أشخاص هم عمال المتهم المذكور جارين تفريغ ما بها في براميل ملأ
نصفه عند ضبط الحادث وكانت هناك براميل أخرى معدة لتفريغ الباقى وقدره مائة وخمسون
جالونا وقد شهد محمد أمين عبد بالله رئيس سواقى الشركة بما أبلغ به من السوّاق زكى
وما تلا ذلك من إجراءات. كما شهد محمد عمر على الشهير بزكى وهو السوّاق المذكور
بأنه كان يشتغل طرف المتهم وقد لاحظ مرة أن السيارة التي كان يقودها يجرى تفريغ ما
تبقى فيها من بنزين بواسطة عمال المتهم فسأل إبراهيم عبد الحافظ عن ذلك فأخبره أن
صاحب العربة متفق مع عمال الشركة على إبقاء كميات من البنزين فيها فترك خدمته وبلغ
باشسواق الشركة ثم اتفق مع الشركة على أن يحاول الالتحاق عند المتهم ثانية حتى
يتمكن من إرشادها. وقد فعل وتم ضبط الحادثة على الكيفية السابقة. وقد حدث في يوم
سابق للحداثة أن كان محفوظ أفندي قد أبقى 250 جالونا في العربة ولما سأله عما إذا
كان قد قابل المتهم قبل حضوره وعلم منه بعدم حصول هذه المقابلة أفرغ الـ 250
جالونا المذكورة. وقد سئل المتهم فقرّر أنه متعهد نقل شركة شل وأن السيارتين رقم
31 و87 غربية وثالثة مملوكة له وإن كانت رخصها باسم شركة كافورى، وأن السيارة رقم
87 وصلت إلى الشركة حوالي الساعة 12 ظهرا. ولما كان سائقها متعبا فقد كلف محمد عمر
على بالتوجه إلى جراج شركة ثورنيكروفت وقد كان نائما في منزله وقت عودته ونادى
عليه قائلا إن بالعربة بنزينا فكلف عماله بإفراغه. ولما سئل عن كيفية إبقاء السائق
بنزينا في العربة مع أنه يفترض تفريغها قال يسأل عن ذلك السائق. وسلم بما سبق أن
قرره للمحقق شفويا من أخذه بنزينا من السائق المذكور مقابل نقود دفعها إليه وقدرها
825 قرشا ثم طرده له لأنه وجد العملية خطرة وتجلب دوشة دماغ. وكان قد سمع عن
حكايات مثلها حصلت في الجيش الإنجليزى ثم أعاده إلى خدمته بعد إلحاح شديد. وقد
أقامت النيابة الدعوى العمومية ضدّه وضدّ عيسى السيد ومحفوظ إبراهيم متهمة إياهم
بسرقة بنزين لشركة شل فقضت محكمة أوّل درجة ببراءة عيسى السيد ومحفوظ إبراهيم
وإدانته هو عن تهمة إخفاء لا سرقة البنزين. وتتلخص أسباب براءة المذكورين في أن
هناك شكا في التهمة لا حول اشتراكهما أو عدم اشتراكهما في السرقة بل حول ما إذا
كانت قد حصلت سرقة إطلاقا مستندة في ذلك إلى أن شركة ثورنيكروفت كانت تبادر إلى
تبليغ البوليس كلما حضرت سيارة من سيارات المتهم فيراقبها من وقت خروجها إلى وقت
انصرافها. أما في هذه المرة فقد تأخر التبليغ حوالي ساعتين حسب استنتاجها من تقرير
من يدعى أحمد جوده الفرّاش بالشركة ضاربة بأقوال رئيس السوّاقين عرض الحائط وقد
ترتب على هذا التأخير أن البوليس لم يراقبها من وقت خروجها من جراج الشركة. وبذا
لا يمكن الجزم بأنها خرجت من مخزن الشركة وبها بنزين. وقد كان لدى سائقها محمد عمر
الشهير بزكى ومن يعملون معه من رجال الشركة الوقت الكافي لوضع البنزين بها بعد خروجها
من المخزن حيث لا رقيب ولا شهيد. ثم تطرّقت إلى بحث كميات البنزين الموجودة
بالشركة ذاهبة إلى أنه لم يثبت بطريقة قاطعة وجود نقص فيها وإن سلمت بوجود خلافات
بالأرقام. هذا فضلا عن أنه لم تقدّم شكوى من السائقين بتسلمهم أقل من المقرّر. أما
أسباب إدانة المتهم فتلخص فيها استخلص من أقواله بأنه أخذ في الاستيلاء على
البنزين الذى كان بالسيارة وهو يعلم بأنه لاحق له، يستوى في ذلك أن يكون هذا
البنزين من متعلقات شركة ثورنيكروفت أو أن محمد عمر أحضره إليه على أنه من متعلقات
الشركة المذكورة. وأضافت إلى ذلك أن ذلك الواقعة ذات الأهمية هى اعتراف المتهم في التحقيقات
وأمام النيابة بأنه منذ شهر ونصف قبل تاريخ هذه الحادثة أحضر له محمد عمر الشهير
بزكى ماية وخمسين جالون وقال له إن العامل المختص بالتفريغ في شركة ثورنيكروفت
تركها له بالفنطاس نظير مبلغ 750 قرشا فدفع له مبلغ 825 قرشا مع أن ثمنها في السوق
في ذلك الوقت مبلغ 1350 قرشا، وهذه الواقعة تدل على أنه أخفى هذا القدر من البنزين
مع علمه أنه مسروق من شركة ثورنيكروفت، ولهذا أدانته عن جريمة الإخفاء لا السرقة
كما سبق. وحيث إن الدفاع عن المتهم أثار تناقض هذا الحكم في قضائه ببراءة عيسى السيد
ومحفوظ إبراهيم على أساس الشك في حصول سرقة بنزين من شركة ثورنيكروفت لا بل الجزم
تقريبا بعدم حصول سرقة وإدانة المتهم لإخفائه بنزينا مسروقا من تلك الشركة عن نفس
الواقعة التي نفى حصول السرقة فيها. وحيث إن هذا التناقض موجود حقا رغم قول تلك
المحكمة عن المتهم كان يعلم وقت استيلائه على البنزين الموجود بالسيارة بأنه لا حق
له في الاستيلاء عليه، يستوي في ذلك أنه من متعلقات ثورنيكروفت أو أن محمد عمر
أحضره إليه على أنه من متعلقات الشركة المذكورة بقصد الإيقاع به. ذلك لأنه يشترط
في جريمة الإخفاء قبل كل شيء بأن يكون الشيء مسروقا. فإذا كان محمد عمر ومن ساعده
من عمال الشركة، كما قررت في موضع آخر، هم الذين وضعوا البنزين في التانك لمجرّد
الإيقاع بالمتهم انتفت الجريمة، لأن البنزين لا يكون في هذه الحالة مسروقا بل
استعمل فقط لغرض معين هو الذي ذكرته محكمة أوّل درجة أي الإيقاع بالمتهم. وحيث إن
البحث الذي يعرض لهذه المحكمة إزاء التناقض المشار إليه هو معرفة ما إذا كانت
أسباب حكم محكمة أوّل درجة فيما قضت به من براءة المتهمين الآخرين تقيدها لصيرورة
هذا الحكم انتهائيا بالنسبة إليهما، ومن ثم يتعين عليها القضاء ببراءة المتهم لرفع
هذا التناقض. أم أن هذه الأسباب لا تقيدها ويجوز لها بحث وقائع الدعوى لمعرفة ما
إذا كانت قد حصلت سرقة بنزين لشركة ثورنيكروفت المجنى عليها في وصف التهمة أم لا -
وبالتالي إمكان إسناد تهمة إخفاء هذا البنزين إلى المتهم. وحيث إن المحكمة ترى أن
قضاء محكمة أوّل درجة السابق الإشارة إليه لا يقيدها في أسبابه لما يأتي: (أوّلا)
أن حكم محكمة أوّل درجة لا يعتبر حكما انتهائيا بالنسبة إلى المحكمة الاستئنافية
في الوقائع المشتبكة بين ما فصلت فيه تلك المحكمة وما هو معروض عليها - فإذا فصلت
محكمة أوّل درجة مثلا ببراءة متهم من تهمة لأن آخر هو المقترف لها ولم تستأنف
النيابة بالنسبة لمن قضى ببراءته فذلك لا يقيد المحكمة الاستئنافية إذا استبان لها
أن الآخر هو البرئ وأن المقترف للجريمة هو من قضى ببراءته أو العكس. (ثانيا) أن
المحكمة الاستئنافية وإن تقيدت بحكم محكمة أوّل درجة بالنسبة لمنطوق الشطر الذي لم
يستأنف فيه فإنها لا تتقيد بأسبابه بالنسبة للشرط المستأنف أمامها كما إذا اتهم
شخص بضرب آخر قضى ببراءته ورفض الدعوى المدنية قبله ولم تستأنف النيابة الحكم
واستأنفه المدعى بالحقوق المدنية فإن المحكمة الاستئنافية حرّة في بحث وقائع
الدعوى للفصل فيها حتى ولو تعارض حكمها مع أسباب الحكم المستأنف القاضي بالبراءة
لعدم صحة التهمة مثلا. وحيث إنه، تأسيسا على ما سبق، ترى هذه المحكمة نفسها في حل
من أسباب براءة المتهمين الآخرين وذلك لمعرفة ما إذا كان قد حصلت سرقة لبنزين
الشركة المجني عليها أم لا. وحيث إنها ترى أن الشك الذى قام في نفس محكمة أوّل
درجة وذلك سواء أكان المتهمان اللذان قضت ببراءتهما قد اشتركا شخصيا في السرقة أم
لا ليس له محل لما يأتي. (أوّلا) إن مسألة التأخير في التبليغ مدّة ساعتين، وذلك
بفرض أنها أصابت في الأخذ بأقوال فراش الشركة لتحديد الوقت دون غيره من الموظفين،
ليس بالمسألة ذات الخطر ولاسيما أنها لم تستوف بحث هذه المسألة ما دامت تعلق عليها
هذه الأهمية، إذ ربما قيل وثبت لها أنه كان هناك عطل في المواصلات التليفونية أدّى
إلى هذا التأخير. (ثانيا) إنها لم تبين وجه المصلحة لدى عمال الشركة في تلفيق
التهمة ضدّ المتهم أو غيره حتى يضعوا بنزينا يقدّر بمائة وخمسين جالونا في العربة
لمجرّد الإضرار بهم. وذلك لكي تكون متسقة مع النتيجة التى وصلت إليها من أنه لم
تحصل سرقة بنزين في ذلك اليوم أو غيره من بنزين الشركة، بفرض أنها تقصد إلى القول
بأن عمال الشركة وقائد العربة هم الذين تبرعوا بثمن هذا البنزين وأنهم أحضروه من
مكان آخر لمجرّد الإيقاع بالمتهمين. ذلك مع ملاحظة أنه لا يمكنهم استرداده لأن
سرقته منسوبة إلى الشركة التي لها وحدها أن تستولى عليه في حالة ثبوت التهمة.
(ثالثا) أنها لم تبين كيف يتفق القول بعدم حصول سرقة بنزين من الشركة مع الحالة التي
شوهدت بمعرفة البوليس ولم تشك في صدقها من حيث تفريغ عمال المتهم للبنزين الذي كان
بالعربة وإعداد عدة براميل لهذا الغرض، وهي حالة يصح بأن يفترض معها علم المتهم من
قبل بما يرد من البنزين لمحله بل سبق اتفاقه على ذلك. (رابعا) القول بأن التحقيق
ومراجعة الأرقام التي أجهدت نفسها فيها تدل على عدم حصول سرقة في نفس اليوم أو في الأيام
السابقة مردود عليه بأن هذه الأرقام نفسها تحمل على عدم ضبط العملية لوجود خلافات
أشارت إليها في بعض المواضع. وقد ترجع هذه الخلافات إلى أن الطريقة التي كانت
متبعة لتغطية السرقة وهي إعطاء سائقي السيارات كميات أقل من المقرّر لهم لا يمكن
ضبطها تماما بحيث تغطى النقص. لا بل إن القول بأنه لم يثبت عجز في بنزين الشركة في
نفس يوم ضبط الحادثة قد لا يعدم تعليلا مقبولا لا تنتفي معه السرقة، وهو أنه حصل
في هذا اليوم صرف كميات أقل من المقرّر إلى سائقي السيارات بحيث غطت هذه العملية
النقص الذي نشأ عن السرقة تقريبا. (خامسا) القول بأن سائقي الشركة لم يلحظوا النقص
ولم يشتكوا منه مردود عليه بأن هذا النقص قد يكون طفيفا، فضلا عن أنه لم يكن يحدث
في كل يوم بحيث قد يحمله السائقون على محمل آخر غير أنه صرف لهم أقل من المقدار
المخصص لهم، ولاسيما أنه يبعد عن خاطرهم أن للعامل الذى يوزع البنزين مصلحة في ذلك.
وحيث إن المحكمة وقد
انتهت إلى أن هناك سرقة وقعت فعلا فيكون دليل الثبوت على المتهم متوفرا مما أوردته
محكمة أوّل درجة وكررته هي من اعترافاته على الوجه المشروح آنفا، فضلا عما ثبت من
تفريغ البنزين المسروق في محله، وبواسطة عماله، ويكون التناقض المشار إليه آنفا قد
انتفى، ويتعين تأييد الحكم وعقابه أخذا بوصف محكمة أوّل درجة وعملا بالمادتين 318
و322 عقوبات إذ لا تملك هذه المحكمة تغيير وصف التهمة إلى جريمة أشدّ وهى السرقة".
وحيث إنه لا وجه لما
يثيره الطاعن في طعنه: (أوّلا) لأنه لما كان الحكم الابتدائي الصادر في واقعة
السرقة ببراءة المتهمين بها لعدم ثبوت وقوع فعل السرقة من مال المجنى عليه المعين
في وصف التهمة هو هو الذى قضى بإدانة الطاعن بإخفاء الأشياء المسروقة مع علمه
بسرقتها، فإن استئناف النيابة هذا الحكم بالنسبة إلى الطاعن دون باقي المتهمين معه
لا يمكن قانونا أن ينتقص من سلطة المحكمة الاستئنافية في تقدير الواقعة المعروضة
عليها والحكم فيها على أساس ما ترى هي أنه هو الحاصل من أمرها ولو جاء قضاؤها
متعارضا مع القضاء الابتدائي الذى صار انتهائيا بالنسبة إلى من لم يرفع ضدّهم
استئناف. وهذا التعارض لا يصح بحال النظر إليه من ناحية مخالفته قوّة الشيء
المحكوم فيه لأنه إنما كان ضرورة اقتضاها استعمال المحكمة الاستئنافية حقها
المقرّر بالقانون في الفصل في الاستئناف المرفوع أمامها على اعتبار واقعة الدعوى
كما كانت معروضة على محكمة أوّل درجة.
(وثانيا) لأن الحكم
المطعون فيه حين قال بأن الطاعن أخفى البنزين المسروق من الشركة المجنى عليها مع
علمه بسرقته قد بين أن البنزين من الشركة، وأن هذا البنزين قد دخل في حيازة الطاعن
بالفعل وبعلمه، واستدل لذلك بالأدلة التي أوردها والتي من شأنها أن تؤدّى إلى ما
رتبه عليها، والمناقشة في هذا الصدد لا تكون مقبولة أمام محكمة النقض لتعلقها
بالموضوع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق