باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من يناير سنة 2016م،
الموافق الثاني والعشرين من ربيع الأول سنة 1437هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عدلي محمود منصور رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: عبد الوهاب عبد الرازق والسيد عبد المنعم
حشيش وسعيد مرعي عمرو ورجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم وحاتم حمد بجاتو نواب
رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عبد العزيز محمد سالمان رئيس هيئة
المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 1 لسنة 35
قضائية "بطلان".
الوقائع
حيث إن الوقائع تتحصل - حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق -
في أنه على إثر دفع من المدعي أمام محكمة جنح مينا البصل في الدعوى رقم 2013 لسنة
2006 بعدم دستورية المادة (534) من قانون التجارة، صرحت المحكمة للمدعي برفع
الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى رقم 153 لسنة 28 قضائية "دستورية"، إلا
أن المحكمة استمرت في نظر الدعوى وفصلت فيها دون تربص قضاء المحكمة الدستورية
العليا، فطعن المدعي في هذا الحكم أمام محكمة جنح مستأنف غرب الإسكندرية، التي قضت
بجلسة 13 من فبراير سنة 2007 بقبول الاستئناف شكلاً ووقف نظر الجنحة المستأنفة
وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا والتي قيدتها برقم 149 لسنة 29
قضائية "دستورية"، وبجلسة 15 من يناير سنة 2013 نظرت المحكمة الدستورية
العليا، منعقدة في غرفة مشورة، الدعويين المشار إليهما، وأصدرت قرارها فيهما بعد
أن ضمتهما، بعدم قبول الدعويين، ومصادرة الكفالة وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ
مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة. وبتاريخ الثاني من أكتوبر سنة 2013 أودع المدعي
صحيفة الدعوى الماثلة طلباً للقضاء بوقف تنفيذ ذلك القرار، وفي الموضوع ببطلانه
وعدم الاعتداد به، وقد أسس دعواه على سببين: الأول: بطلان تشكيل المحكمة، على سند
من أنه إذ تنص المادة (3) من قانون المحكمة الدستورية العليا على أن "تؤلف
المحكمة من رئيس وعدد كاف من الأعضاء. وتصدر أحكامها وقراراتها من سبعة أعضاء
ويرأس جلساتها رئيسها أو أقدم أعضائها ......". حال أنه بمطالعة الأحكام
والقرارات الصادرة في القضايا أرقام 293 لسنة 30 قضائية "دستورية" و153
لسنة 28 قضائية "دستورية" و149 لسنة 29 قضائية "دستورية" و207
لسنة 31 قضائية "دستورية" و58 لسنة 28 قضائية "دستورية"،
وجميعها صادرة بجلسة 15 من يناير سنة 2013، يتبين أن كلاً منها صدر بهيئة مغايرة
عن الهيئة التي أصدرت سائر الأحكام والقرارات، فقد صدر كل منها من هيئة ترأسها
السيد المستشار ماهر البحيري رئيس المحكمة الدستورية العليا وبعضوية ستة من نواب
رئيس المحكمة تختلف أسماؤهم من حكم لآخر، مما يشي بأن هناك تبايناً بين القضاة
الذين تداولوا في دعواه وبين أعضاء الهيئة التي أصدرت القرار، وهو ما يخالف نص
المادة (167) من قانون المرافعات. والثاني: أن القرار صدر خالياً من الأسباب؛
اكتفاءً بالإشارة لسبق حسم المحكمة أمر دستورية المادة (534) من قانون التجارة
بحكمها في الدعوى رقم 183 لسنة 31 قضائية "دستورية" الصادر بتاريخ الأول
من إبريل سنة 2012، والذي نشر بالجريدة الرسمية بالعدد رقم (15 مكرراً) بتاريخ 15
من إبريل سنة 2012، وأن لهذا القضاء حجية مطلقة في مواجهة الكافة، تحول بذاتها دون
المجادلة فيه أو إعادة طرحه عليها من جديد لمراجعته، ملتفتاً في ذلك عن أن أسباب
الدعوى المطعون ببطلان القرار الصادر فيها تغاير الأسباب التي شيد عليها المدعي في
الدعوى رقم 183 لسنة 31 قضائية "دستورية" دعواه، فضلاً عن صدور دستور
جديد، سنة 2012، عقب صدور الحكم في شأن دستورية المادة (534) من قانون التجارة
المشار إليه، الأمر الذي كان يستوجب معاودة بحث أمر دستورية المادة في ظل العمل
بأحكامه.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إنه يتبين من مطالعة القرار المطعون فيه أن الهيئة التي تداولت
فيه وأصدرته ووقعت على مسودته مشكلة برئاسة السيد المستشار/ ماهر البحيري رئيس
المحكمة الدستورية العليا وعضوية ستة من نواب رئيس المحكمة، هم السادة المستشارون
الدكتور حنفي علي جبالي ومحمد عبد العزيز الشناوي وماهر سامي يوسف والسيد عبد
المنعم حشيش ومحمد خيري طه والدكتور عادل عمر شريف، وكانوا جميعهم ضمن أعضاء
المحكمة الدستورية العليا وممن حضروا الجلسة التي صدر فيها القرار المطعون عليه،
حسبما هو واضح من محضر الجلسة المؤرخ 15 يناير سنة 2013، فإن الإجراءات تكون قد
روعيت، ولا يغير من ذلك ثبوت حضور السادة المستشارين عدلي محمود منصور وأنور رشاد
العاصي وعبد الوهاب عبد الرازق نواب رئيس المحكمة الدستورية العليا الجلسة التي
نظرت فيها القضية وصدر فيها القرار؛ لأن زيادة القضاة الحاضرين بالجلسة على النصاب
العددي الذي حدده القانون لإصدار الحكم لا يفيد اشتراكهم في المداولة في كافة
القضايا المعروضة أو مساهمتهم في إصدار جميع الأحكام أو القرارات فيها. وإنما هو
محض تنظيم داخلي قصد به تيسير توزيع العمل فيما بين أعضاء المحكمة، بحيث لا يخل
بالتشكيل المنصوص عليه قانوناً، وإذ كان الأصل هو صحة الإجراءات من واقع الثابت
بالحكم وبمحضر الجلسة، وأن على من يدعي العكس إثبات ما يدعيه، وإذ جاءت الأوراق
خلواً مما يدحض حصول المداولة قانوناً على النحو الذي أثبته القرار المطعون فيه،
فإن النعي عليه بالبطلان، من هذه الوجهة، يكون غير سديد.
وحيث إن مؤدي النص في المادة (48) من قانون المحكمة الدستورية العليا
الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 على أن "أحكام المحكمة وقراراتها نهائية
غير قابلة للطعن"، والنص في المادة (49) على أن "أحكام المحكمة في
الدعاوى الدستورية وقراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة،
...."، وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة من أن أحكام المحكمة الدستورية
العليا، بصفة عامة، لا تقبل الطعن عليها بأي طريق من طرق الطعن، وأن قضاءها في
الدعاوى الدستورية له حجية مطلقة في مواجهة الكافة وبالنسبة للدولة بسلطاتها
المختلفة؛ باعتباره قولاً فصلاً في المسألة المقضي بها، وكانت المادة (44 مكرراً)
من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 المضافة
بالقانون رقم 184* لسنة 2008 تنص على أنه "استثناءً من حكم المادة (41) من
هذا القانون تنعقد المحكمة في غرفة مشورة لنظر الدعاوى التي تُحال إليها من رئيس
المحكمة، والتي ترى هيئة المفوضين أنها تخرج عن اختصاص المحكمة، أو أنها غير
مقبولة شكلاً، أو سبق للمحكمة أن أصدرت حكماً في المسألة الدستورية المثارة فيها.
فإذا توافرت إحدى الحالات المتقدمة أصدرت المحكمة قراراً بذلك يثبت في محضر الجلسة
مع إشارة موجزة لسببه، ......" ومن ثم فإن ما ورد من تسبيب موجز في القرار
المطعون عليه متسانداً إلى الحجية المطلقة للحكم الصادر في القضية رقم 183 لسنة 31
قضائية "دستورية" برفض الطعن بعدم دستورية المادة (534) من قانون
التجارة، يعد على مقتضى المادة (44 مكرراً) من قانون المحكمة الدستورية العليا،
كافياً لحمل ما انتهى إليه المنطوق، ولا يقدح في ذلك ما استند إليه المدعي من
اختلاف أسباب الطعن على دستورية المادة (534) من قانون التجارة في الدعوى المطعون
على القرار الصادر فيها عن الأسباب الواردة في القضية رقم 183 لسنة 31 قضائية
"دستورية"، ذلك أن المقرر أن الرقابة التي تباشرها هذه المحكمة، وعلى ما
جرى عليه قضاؤها، في شأن النصوص القانونية المدعي مخالفتها للدستور، تقتضيها أن
تقرر إما صحتها أو بطلانها، وهي إذ تخلص إلى براءتها مما يعيبها دستورياً، أو قيام
مآخذ عليها لمخالفتها الدستور، فإنها لا تقنع بالمخالفة التي نسبها الخصم إليها في
الدعوى المطروحة عليها، أو التي أثارتها محكمة الموضوع في شأنها، بل تُجيل بصرها
في النصوص الدستورية جميعها على ضوء النظرة المتكاملة لأحكامها، لتحدد على ضوئها
توافق النصوص المطعون عليها معها أو تعارضها، وهو ما يعني أن تحديد المخالفة
الدستورية المدعي بها سواء من قبل الخصم أو محكمة الموضوع، لا يتغيا إلا مجرد
توكيد المطاعن الدستورية من خلال ربطها بما يظاهرها من نواحي العوار في النصوص
المدعي مخالفتها للدستور، ولا يتصور بالتالي أن يكون عرض بعض جوانب هذه المخالفة
مؤشراً وحيداً أو قاطعاً في شأن بيان نطاق التعارض بين النصوص القانونية المطعون
عليها وأحكام الدستور التي تتقيد بها المحكمة الدستورية العليا في مجموعها في كل
دعوى تطرح عليها. كما لا يغير من هذا النظر صدور دستور سنة 2012 بعد الحكم برفض
الطعن بعدم دستورية المادة (534) من قانون التجارة، ذلك أن صدور القرار المطعون
عليه بالبطلان بعدم قبول الدعوى لسابقة الفصل فيها، يقطع بأن المحكمة الدستورية
العليا لم تجد - بعد نفاذ دستور 2012 - سنداً أو مقتضًى للعدول عن قضائها في شأن
المادة (534) من قانون التجارة، ومن ثم ينحل هذا النعي على القرار المطعون فيه،
بشتى وجوهه، إلى مجادلة في أسباب القرار، وهو ما لا يجوز قانوناً.
وحيث إن الأصل أنه لا يجوز بحث ما يوجه إلى الحكم من عيوب، إلا بالطعن
عليه بالطرق التي رسمها القانون، فإذا ما كان الطعن غير جائز أو كان قد استغلق، فإنه
يجوز استثناءً رفع دعوى أصلية بطلب بطلان الحكم في الحالات التي يتجرد فيها الحكم
من أركانه الأساسية، لما كان ما تقدم؛ وكان القرار المطعون عليه لم يتجرد من
أركانه الأساسية بما يجعله معدوماً، إذ جاءت الأسباب التي أقيمت عليها دعوى
البطلان المعروضة متهافتة ومتهاترة، منبتة الصلة بما من شأنه تجريد القرار من
أركانه الأساسية، ومن ثم تنحل وهماً وسراباً، فلا تقوى على حمل دعوى البطلان،
الأمر الذي تضحى معه هذه الدعوى في حقيقتها طعناً على القرار، قصد بها رافعها
إعادة طرح موضوعها مجدداً على المحكمة، وهو ما لا يجوز قانوناً، لما لأحكام
وقرارات هذه المحكمة في الدعاوى الدستورية من حجية مطلقة في مواجهة الكافة
وبالنسبة للدولة بسلطاتها المختلفة، ومن بينها المحكمة الدستورية العليا، على نحو
ما سلف بيانه، ومن ثم فإنه يتعين - والحال كذلك - القضاء بعدم قبول هذه الدعوى.
وحيث إن المحكمة قد فصلت في موضوع الدعوى، فإن الفصل في طلب وقف تنفيذ
القرار المطعون فيه يضحى لا محل له.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
بعدم قبول الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ
مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق