الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 24 مايو 2016

دستورية التطليق للضرر

القضية 186 لسنة 34 قضائية  "دستورية".جلسة 2 /1/ 2016 
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من يناير سنة 2016م, الموافق الثاني والعشرين من ربيع الأول سنة 1437ه
برئاسة السيد المستشار/ عدلي محمود منصور رئيس المحكمة 
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفي علي جبالي ومحمد خيري طه النجار والدكتور عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم وبولس فهمي إسكندر وحاتم حمد بجاتو نواب رئيس المحكمة 
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عبد العزيز محمد سالمان رئيس هيئة المفوضين 
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر 
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 186 لسنة 34 قضائية "دستورية".

الوقائع
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن المدعى عليها الأخيرة كانت قد أقامت الدعوى رقم 254 لسنة 2011 أمام محكمة الأسرة بإهناسيا؛ ضد المدعي, بطلب الحكم بتطليقها منه طلقة بائنة للضرر وسوء العشرة, على سند من القول أنها زوجة له بصحيح العقد الشرعي المؤرخ 4/1/2008 ولا تزال في عصمته وطاعته, بيد أنه دائم الإساءة إليها وغير أمين عليها نفسًا ومالاً, ولا يعاملها بالمعروف, فضلاً عن قيامه بتسليمها منقولاتها وعدم رغبته في استمرار حياتهما الزوجية؛ مما مؤداه استحالة العشرة بينهما وقيام الضرر الذي يبيح لها طلب تطليقها منه. وبجلسة 19/11/2012 دفع المدعي بعدم دستورية نص المادة (6) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية, وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت للمدعي بإقامة الدعوى الدستورية, فقد أقام الدعوى الماثلة.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق, والمداولة
وحيث إن المادة (6) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية تنص على أن: "إذا ادعت الزوجة إضرار الزوج بها بما لا يُستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما, يجوز لها أن تطلب من القاضي التفريق, وحينئذ يطلقها القاضي طلقة بائنة إذا ثبت الضرر وعجز عن الإصلاح بينهما, فإذا رفض الطلب ثم تكررت الشكوى ولم يثبت الضرر بعث القاضي حكمين وقضى على الوجه المبين بالمواد (7 و8 و9 و10 و11)". 
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية, وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية مؤثرًا في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. لما كان ذلك, وكانت رحى النزاع في الدعوى الموضوعية تدور حول طلب المدعى عليها الأخيرة الحكم بتطليقها من المدعي طلقة بائنة للضرر وسوء العشرة, فمن ثم تتحقق مصلحة المدعي في الطعن على الشطر الأول من المادة (6) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المشار إليه, الذي ينص على أنه: "إذا ادعت الزوجة إضرار الزوج بها بما لا يُستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما, يجوز لها أن تطلب من القاضي التفريق, وحينئذ يطلقها القاضي طلقة بائنة إذا ثبت الضرر وعجز عن الإصلاح بينهما" وفيه ينحصر نطاق الدعوى الماثلة, دون سائر الأحكام التي يتضمنها نص تلك المادة
وحيث إن المدعي ينعى على النص المطعون فيه, مخالفته لنصوص المواد (2 و3 و7 و21) من الإعلان الدستوري الصادر في مارس سنة 2011, على سند من أن هذا النص يخالف ما جاء بالقرآن الكريم والسنة المطهرة؛ ويناقض ما استقر عليه العمل من الرجوع في المسائل التي لا يحكمها نص إلى أرجح الأقوال في المذهب الحنفي, الذي لا يقر تفريق المرأة عن زوجها بمعرفة القاضي عند وقوع شقاق بينهما, كما يتيح للزوجات, دون الأزواج, اللجوء للقضاء بطلب الحكم بالطلاق, متذرعات بوقوع "الضرر" دون تحديد لصوره أو أنواعه, مما يترتب عليه تشريد أبنائهن وهدم أسرهن وفقًا لأهوائهن, وجعل الباطل والكذب هو السائد؛ لتُحرم الزوجة من زوجها والابن من أبيه, وبذلك يخالف النص المطعون فيه مبادئ الشريعة الإسلامية, ويهدر مبدأي سيادة الشعب والمساواة, فضلاً عن إخلاله بحق التقاضي
وحيث إن الرقابة الدستورية على القوانين, من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور, إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره, إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - صوت الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه, وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم, ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم, فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون عليه في ضوء أحكام الدستور المعدل الصادر سنة 2014 
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المادة (2) من دستور سنة 1971 بعد تعديلها بتاريخ 22 من مايو سنة 1980 تنص على أن: "الإسلام دين الدولة, واللغة العربية لغتها الرسمية, ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع", وكان ما تضمنه هذا النص - ويقابله نص المادة (2) من الدستور الحالي - يدل على أن الدستور اعتبارًا من تاريخ العمل بهذا التعديل قد أتى بقيد على السلطة التشريعية مؤداه إلزامها, فيما تقره من نصوص تشريعية, بأن تكون غير مناقضة لمبادئ الشريعة الإسلامية, بعد أن اعتبرها الدستور أصلاً يتعين أن تُرد إليه هذه النصوص, أو تُستمد منه لضمان توافقها مع مقتضاه, ودونما إخلال بالضوابط الأخرى التي فرضها الدستور على السلطة التشريعية, وقيدها بمراعاتها والنزول عليها في ممارستها لاختصاصاتها الدستورية, وكان من المقرر كذلك أن كل مصدر تُرد إليه النصوص التشريعية أو تكون نابعة منه, يتعين بالضرورة أن يكون سابقًا في وجوده على هذه النصوص ذاتها؛ ذلك أن مرجعية مبادئ الشريعة الإسلامية, التي أقامها الدستور معيارًا للقياس في مجال الشرعية الدستورية, تفترض لزومًا أن تكون النصوص التشريعية, المُدعي إخلالها بتلك المبادئ, صادرة بعد نشوء قيد المادة (2) من الدستور الذي تُقاس على مقتضاه, بما مؤداه أن الدستور قصد بإقراره لهذا القيد أن يكون مداه من حيث الزمان منصرفًا إلى فئة من النصوص التشريعية دون سواها؛ هي تلك الصادرة بعد نفاذ هذا التعديل, فإذا انطوى نص منها على حكم يناقض مبادئ الشريعة الإسلامية, فإنه يكون قد وقع في حومة المخالفة الدستورية. وإذ كان هذا القيد هو مناط الرقابة التي تباشرها هذه المحكمة على دستورية القوانين واللوائح؛ فإن النصوص التشريعية الصادرة قبل نفاذه تظل بمنأى عن الخضوع لحكمه. وحيث إنه لما كان ما تقدم, وكان المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المشار إليه قد صدر قبل نفاذ تعديل المادة (2) من دستور سنة 1971 في 22 من مايو سنة 1980, ولم يُدخل المشرع تعديلاً على النص محل الطعن الوارد به بعد هذا التاريخ, فإن القول بمخالفته حكم المادة (2) من الدستور لتعارضه مع مبادئ الشريعة الإسلامية - أيًا كان وجه الرأي في ذلك - يكون في غير محله, حريًا بالالتفات عنه
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن ما نص عليه الدستور - وأحكامه متكاملة لا تنافر فيها - من أن الأسرة قوامها الدين والأخلاق والوطنية, وأن صون طابعها الأصيل وإرساء قيمها وتقاليدها ضرورة لا يجوز لأحد أن ينحيها, مؤداه أن الأسرة لا يصلحها شقاق استفحل مداه ومزق تماسكها ووحدتها, ودهمها بالتالي تباغض يُشقيها, بما يصد عنها تراحمها وتناصفها, فلا يرسيها على الدين والخُلق القويم, وكان النص المطعون فيه يجيز التفريق بين زوجين؛ إذا أساء الزوج لزوجته, وألحق بها ضررًا - ماديًا أو أدبيًا - على نحو لا تستطيع معه دوام العشرة بين أمثالهما, فأجاز للزوجة طلب التفريق, فإن هذا النص يكون قد هيأ للزوجة مخرجًا يرد عنها الضرر, بعد أن استنفدت كافة وسائل الإصلاح, وصار التفريق حتمًا مقضيًا, ومن ثم فلا يناقض النص المطعون فيه تماسك الأسرة واستقرارها وترسيخ قيمها وتبعًا لذلك؛ لا يخالف أحكام الدستور في هذا الصدد
وحيث إن الدستور قد حرص على تأكيد أن السيادة للشعب وحده, يمارسها ويحميها, باعتباره مصدر السلطات، مقرنًا ذلك بغاية سامية تتمثل في صيانة وحدته الوطنية التي تقوم على مبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص, مما مؤداه ارتباط مبدأ سيادة الشعب, ارتباطًا لا تنفصم عراه, بمبدأ المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن مبدأ المساواة أمام القانون يتعين تطبيقه على المواطنين كافةً؛ باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي, وعلى تقدير أن الغاية التي يستهدفها تتمثل أصلاً في صون حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها, وأضحى هذا المبدأ - في جوهره - وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور, بل يمتد مجال إعمالها كذلك إلى تلك التي كفلها المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية, وعلى ضوء ما يرتأيه محققًا للصالح العام
إذ كان ذلك, وكان من المقرر أيضًا أن صور التمييز المجافية للدستور, وإن تعذر حصرها, إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور أو القانون, وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين للانتفاع بها, بما مؤداه أن التمييز المنهي عنه دستوريًا هو ما يكون تحكميًا, ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يُعتبر مقصودًا لذاته, بل لتحقيق أغراض بعينها يُعتبر هذا التنظيم ملبيًا لها, وتعكس مشروعية هذه الأغراض إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع لبلوغها متخذًا من القواعد القانونية التي يقوم عليها هذا التنظيم سبيلاً إليها, إذ إن ما يصون مبدأ المساواة ولا ينقض محتواه؛ هو ذلك التنظيم الذي يقيم تقسيمًا تشريعيًا ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها بالأغراض المشروعة التي يتوخاها, فإذا قام الدليل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها, أو كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهيًا, كان التمييز انفلاتًا وعسفًا, فلا يكون مشروعًا دستوريًا
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في تنظيمه لحق التقاضي أنها سلطة تقديرية, جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم لاختيار أنسبها لفحواه, وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها, وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنًا, وليس من قيد على مباشرة المشرع لهذه السلطة إلا أن يكون الدستور ذاته قد فرض في شأن مباشرتها ضوابط محددة تعتبر تخومًا لها ينبغي التزامها, وفي إطار قيامه بهذا التنظيم لا يتقيد المشرع بإتباع أشكال جامدة لا يريم عنها, تفرغ قوالبها في صورة صماء لا تبديل فيها, بل يجوز له أن يغاير فيما بينها, وأن يقدر لكل حال ما يناسبها, على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التي يباشر الحق في التقاضي في نطاقها, وبما لا يصل إلى إهداره, ليظل هذا التنظيم مرنًا, فلا يكون إفراطًا يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافًا بها عن أهدافها, ولا تفريطًا مجافيًا لمتطلباتها, بل بين هذين الأمرين قوامًا, التزامًا بمقاصدها, باعتبارها شكلاً للحماية القضائية للحق في صورتها الأكثر اعتدالاً. وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لكل مواطن حق اللجوء إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعة الخصومة القضائية, وعلى ضوء مختلف العناصر التي لابستها, مهيأ للفصل فيها, وهذا الحق مخول للناس جميعًا, فلا يتمايزون فيما بينهم في ذلك, وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية في مجال سعيهم لرد العدوان على حقوقهم, فلا يكون الانتفاع بهذا الحق مقصورًا على بعضهم, ولا منصرفًا إلى أحوال بذاتها ينحصر فيها, ولا محملاً بعوائق تخص نفرًا من المتقاضين دون غيرهم, بل يتعين أن يكون النفاذ إلى ذلك الحق, منضبطًا وفق أسس موضوعية لا تمييز فيها, وفي إطار من القيود التي يقتضيها تنظيمه, ولا تصل في مداها إلى حد مصادرته
وحيث إن مبدأ خضوع الدولة للقانون مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التي يُعتبر التسليم بها في الدول الديمقراطية مفترضًا أوليًا لقيام الدولة القانونية, وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان وشخصيته المتكاملة, وهو ما حرص الدستور الحالي على تأكيده في شأن صيانة حقوق المرأة؛ فنص صراحة على أن تلتزم الدولة بحمايتها ضد كل أشكال العنف, وتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجًا, وكفالة تمكينها من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل
وحيث إن المشرع قد تغيا من تقرير النص المطعون فيه - وفقًا لما تضمنته المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المشار إليه - اتقاء الأضرار الكبيرة التي يجلبها الشقاق بين الزوجين, ولا يقتصر أثرها عليهما, بل يتعداهما إلى ما خلق الله بينهما من ذرية وإلى كل من له بهما علاقة قرابة أو مصاهرة, وليس في أحكام مذهب أبي حنيفة ما يمكن للزوجة التخلص, ولا ما يُرجع الزوج عن غيه؛ فيحتال كل منهما على إيذاء الآخر بقصد الانتقام, فتطالب الزوجة بالنفقة ولا غرض لها إلا إحراج الزوج بالطاعة, ولا غرض له إلا أن يتمكن من إسقاط نفقتها وأن تنالها يده فيوقع بها ما شاء من ضروب العسف والجور, فضلاً عما يتولد عن ذلك من إشكال في تنفيذ حكم الطاعة والتنفيذ بالحبس لحكم النفقة, وما يؤدي إليه استمرار الشقاق من ارتكاب الجرائم والآثام, ولتلافي هذه الآثار دعت المصلحة إلى الأخذ بمذهب الإمام مالك في أحكام الشقاق بين الزوجين, عدا الحالة التي يتبين للحكمين أن الإساءة من الزوجة دون الزوج؛ فلا يكون ذلك داعيًا لإغراء الزوجة الشاكية على فصم عُرى الزوجية بلا مبرر, وكان سند وجوب النص المطروح قوله (صلى الله عليه وسلم) "لا ضرر ولا ضرار", وإعمال القاعدة الشرعية "الضرر يُزال", وقاعدة "ارتكاب أخف الأضرار لاتقاء أشدها". 
وحيث إن النص المطعون فيه خول الزوجة التي تضررت من إيذاء زوجها لها بقول أو فعل بما لا يليق بأمثالهما, وبلغ الضرر الواقع عليها مبلغ استحالة دوام العشرة بينهما من جرائه, أن تلجأ إلى القضاء طالبةً التطليق, وألزم القاضي بمحاولة الإصلاح بينهما؛ رأبًا للصدع, وحفاظًا على الأسرة والأبناء, وعرض الصلح مرتين على الأقل وفقًا لأحكام القانون رقم (1) لسنة 2000 بتنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية؛ وذلك كله بعد عرض الأمر على مكتب تسوية المنازعات الأسرية, قبل رفع الأمر إلى القضاء, ثم إتاحة الفرصة لطرفي التداعي لإثبات وقوع الضرر المُدعى من جانب الزوجة, ونفيه من جانب الزوج وذلك بكافة طرق الإثبات, ليُتاح للقاضي أن يقف على أسباب النزاع, ويقدر قدر الإساءة ونسبتها, ثم يقرر على ضوء ما تقدم ما يراه؛ فإن المشرع يكون قد أعمل سلطته التقديرية في شأن تنظيم طلب الزوجة تطليقها من زوجها إذا ادعت إضراره بها بما لا يُستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما, بأن وضع للحماية القضائية للمتقاضين, عند نظر تلك المنازعة ذات الطابع الأسري, نظامًا للتداعي يقوم على أساس نوع المنازعة, وربط هذا التنظيم في مجمله بالغايات التي استهدفها من وراء ذلك النص, والتي تتمثل - على ما يتضح جليًا من المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المشار إليه - في تحقيق المصلحة العامة, فضلاً عن مصلحة الأسرة, وفق أسس موضوعية لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزًا منهيًا عنه بين المخاطبين به, وكان هذا التنظيم لا يناقض جوهر حق التقاضي, ولا ينتقص منه أو يقيده, بل هو تنظيم لخصومة قضائية متعلقة بالأسرة؛ وضعه المشرع - في إطار سلطته التقديرية في المفاضلة بين الأنماط المختلفة لإجراءات التداعي - ودون التقيد بقالب جامد يحكم إطار هذا التنظيم, في ضوء ما تغياه من إحداث التوازن بين حقوق طرفي عقد الزواج؛ بأن أتاح للزوجة, في مقابل حق الزوج في إيقاع الطلاق بإرادته المنفردة, أن تطلب من القاضي التفريق, وحينئذ يطلقها القاضي طلقة بائنة إذا ثبت إضرار الزوج بها بما لا يُستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما, وعجز عن الإصلاح بينهما, ومن ثم يكون ما قرره المشرع بالنص المطعون فيه قائمًا على أسس مبررة ويرتبط بالأغراض المشروعة التي توخاها, وبالتالي تنتفي قالة إهدار مبدأي سيادة الشعب والمساواة, أو الإخلال بحق التقاضي
وحيث إنه متى كان ما تقدم, فإن النص المطعون فيه لا يخالف أحكام المواد (4 و10 و11 و53 و97) من الدستور, كما لا يخالف أي أحكام أخرى فيه, مما يتعين معه القضاء برفض هذه الدعوى
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى, وبمصادرة الكفالة, وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق