الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 26 مايو 2016

تقدير محكمة الاستئناف للدفع بعدم الدستورية قبل ضم مفردات الدعوى

الطعن 313 لسنة 23 قضائية  "دستورية " جلسة 2/4/2016
باسم الشعب 
المحكمة الدستورية العليا 
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من إبريل سنة 2016م، الموافق الرابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة 1437هـ
برئاسة السيد المستشار/ عدلي محمود منصور رئيس المحكمة 
وعضوية السادة المستشارين: عبد الوهاب عبد الرازق والسيد عبد المنعم حشيش وسعيد مرعي عمرو ورجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم وحاتم حمد بجاتو نواب رئيس المحكمة 
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عبد العزيز محمد سالمان رئيس هيئة المفوضين 
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر 
أصدرت الحكم الآتي 
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 313 لسنة 23 قضائية "دستورية".

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - استأجر مورث المدعيات – إيطالي الجنسية – من المدعى عليه الرابع، عين النزاع المبينة بالأوراق، بغرض استعمالها سكنًا له ولأفراد عائلته، الحاملين للجنسية الإيطالية. وبعد وفاته بتاريخ 24/3/1996، اكتسبت ابنته – المدعية الثالثة – الجنسية المصرية اعتبارا من 16/6/1998, بموجب القرار الوزاري رقم 2233 لسنة 1998. وبتاريخ 26/11/1998 أقام المدعى عليه الرابع الدعوى رقم 19751 لسنة 1998 إيجارات، أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية، ضد المدعيات، طلبًا للحكم بطردهن من العين المؤجرة، وتسليمها له خالية، لانتهاء عقد الإيجار بوفاة المستأجر. وبجلسة 28/3/2001, أجابته المحكمة لطلباته، تأسيسًا على أن الخطاب في الفقرة الرابعة من المادة (17) من القانون رقم 136 لسنة 1981, ينصرف فحسب إلى الزوجة المصرية وأولادها من المستأجر غير المصري، فضلاً عن انتهاء العقد بوفاة المستأجر قبل اكتساب ابنته الجنسية المصرية. فاستأنفت المدعيات ذلك الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة، وقيد الاستئناف برقم 2635 لسنة 5 قضائية، وأثناء نظره بجلسة 31/7/2001, قدمت المدعيات مذكرة, أبدين فيها دفعًا بعدم دستورية نص الفقرة الرابعة من المادة (17( من القانون المشار إليه. وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقامت المدعيات الدعوى الماثلة
وحيث إنه عن الدفع المبدى من المدعى عليه الرابع بعدم قبول الدعوى لعدم اتصالها بالمحكمة الدستورية العليا على النحو المقرر بقانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، على سند من أن محكمة الاستئناف صرحت للمدعيات بإقامة الدعوى الدستورية، قبل ضم مفردات الدعوى، بما يكشف عن عدم تقديرها لجدية الدفع بعدم الدستورية الذي أبدي من قبلهن بجلسة 31/7/2001، فمردود بأن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن تقدير محكمة الموضوع لجدية الدفع بعدم الدستورية يفترض أمرين، أولهما: أن يكون النص التشريعي محل الدفع لازمًا للفصل في النزاع الموضوعي، وثانيهما: أن تكون للمطاعن الدستورية في شأن هذا النص ما يظاهرها. متى كان ذلك، وكانت مذكرة المدعيات المقدمة بالجلسة المشار إليها، قد تضمنت فضلاً عما ورد في صحيفة الاستئناف بشأن قضاء محكمة أول درجة بطردهن من عين النزاع، لعدم توافر شروط سريان عقد الإيجار لهن وفقًا لما يوجبه نص الفقرة الرابعة من المادة (17) من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه، فقد اشتملت المذكرة أيضًا على دفع بعدم دستورية ذلك النص، لما ارتأته المدعيات من أوجه عوار شابته. ومن ثم، يكون تقدير محكمة الموضوع لجدية الدفع المبدى بعدم دستورية ذلك النص قد أنبنى على أساس سليم، وهو ما تأكد بقضائها الصادر بجلسة 27/11/2001، بوقف الاستئناف تعليقًا لحين الفصل في القضية الدستورية الماثلة
وحيث إن المادة (17) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، قد اشتملت على أربع فقرات، نصت أولاها على أن "تنتهي بقوة القانون عقود التأجير لغير المصريين بانتهاء المدد المحددة قانونًا لإقامتهم بالبلاد". ونصت ثانيتها على أن "وبالنسبة للأماكن التي يستأجرها غير المصريين في تاريخ العمل بأحكام هذا القانون يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاءها إذا ما انتهت إقامة المستأجر غير المصري في البلاد". ونصت ثالثتها على أن "وتثبت إقامة غير المصري بشهادة من الجهة الإدارية المختصة، ......". ونصت الفقرة الرابعة على أن "ومع ذلك، يستمر عقد الإيجار، بقوة القانون، في جميع الأحوال، لصالح الزوجة المصرية ولأولادها منه، الذين كانوا يقيمون بالعين المؤجرة، ما لم يثبت مغادرتهم البلاد نهائيا". 
وحيث إن هيئة قضايا الدولة، والمدعى عليه الرابع، دفعا بعدم قبول الدعوى فيما جاوز الفقرة الرابعة من النص المطعون فيه
وحيث إن هذا الدفع سديد، ذلك أن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن نطاق الدعوى الدستورية التي أتاح المشرع للخصوم إقامتها بموجب نص البند (ب) من المادة) 29) من قانونها المشار إليه، يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية المبدى أمام محكمة الموضوع، وفي الحدود التي تقدر فيه جديته. لما كان ذلك، وكان الدفع بعدم الدستورية المبدى أمام محكمة الموضوع – والثابت بمحضر جلسة 31/7/2001، وفي مذكرة دفاع المدعيات – قد انصرف إلى نص الفقرة الرابعة من المادة) 17) من القانون رقم 136 لسنة 1981، وفي هذه الحدود اقتصر تقدير الجدية وتصريح محكمة الموضوع بإقامة الدعوى الدستورية. ومن ثم، فإن نطاق الدعوى الماثلة يتحدد في تلك الفقرة وحدها، دون باقي فقرات تلك المادة، لتضحى إقامة الدعوى بشأنها، بمثابة دعوى مباشرة، لم تتصل بالمحكمة الدستورية العليا على النحو المقرر بقانونها
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها – وعلى ما جرى به قضاء المحكمة الدستورية العليا – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. ولا تعتبر المصلحة متحققة بالضرورة بناء على مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور، بل يتعين أن يكون هذا النص - بتطبيقه على المدعي - قد أخل بأحد الحقوق التي كفلها الدستور على نحو ألحق به ضررا مباشرا، وبذلك يكون شرط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية مرتبطًا بالخصم الذي أثار المسألة الدستورية، وليس بهذه المسألة في ذاتها منظورا إليها بصفة مجردة. لما كان ذلك، وكانت رحى النزاع المردد أمام محكمة الموضوع، تدور حول طلب استمرار عقد إيجار المسكن لأولاد المستأجر غير المصري، من زوجته غير المصرية، الذين اكتسبوا الجنسية المصرية، بعد وفاته. وكان النص المطعون فيه قد قصر استمرار عقد إيجار المستأجر الأجنبي بعد انتهاء إقامته بالبلاد، على الزوجة المصرية ولأولادها من زوجها المستأجر غير المصري، فإن مصلحة المدعية الثالثة في الطعن على ذلك النص تكون متحققة، بحسبان أن الفصل في دستوريته سيكون له أثره وانعكاسه المباشر على الطلبات في الدعوى الموضوعية. ويتحدد نطاق الدعوى الماثلة فيما تضمنه نص الفقرة الرابعة من المادة) 17) من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه، من قصر استمرار عقد الإيجار على أولاد الزوجة المصرية من زوجها المستأجر غير المصري، عند انتهاء إقامته بالبلاد، فعلاً أو حكمًا، دون أولاده من الزوجة غير المصرية، الذين اكتسبوا الجنسية المصرية بعد انتهاء العقد
وحيث إن المدعيات قصرن نعيهن على النص التشريعي المطعون عليه - في النطاق السالف تحديده - مخالفته لمبدأ المساواة المقرر بنص المادة) 40) من دستور سنة 1971، التي أقيمت الدعوى الدستورية في ظل العمل بأحكامه؛ إذ قصر استمرار عقد إيجار المسكن على أولاد الزوجة المصرية من زوجها المستأجر غير المصري، عند انتهاء إقامته بالبلاد، دون أولاده من الزوجة غير المصرية، الذين اكتسبوا الجنسية المصرية، بما يُعد تمييزا في الحقوق بين الطائفتين، لا يستند إلى مبرر موضوعي
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، ذلك أن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً صون هذا الدستور، وحمايته من الخروج على أحكامه، باعتبار أن نصوصه تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات، لكونها أسمى القواعد الآمرة. ومن ثم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون عليه – في النطاق السالف تحديده – من خلال أحكام الدستور الصادر سنة 2014، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية؛ والذي ردد مبدأ المساواة في المادة (53) منه
وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الأصل في السلطة التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية، ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها وتعتبر تخومًا لها لا يجوز تخطيها، تقديرا بأن الدستور لا يكفل للحقوق ضمانتها إلا بقصد توكيد فعاليتها بما يحول بين المشرع وإهدار الحقوق التي كفلها، أو تهميشها عدوانًا على مجالاتها الحيوية التي يرتبط وجودها بها، فلا تتنفس إلا من خلالها
وحيث إن مبدأ المساواة أمام القانون – وبقدر تعلقه بالحدود التي تباشر فيها هذه المحكمة ولايتها – مؤداه أنه لا يجوز لأي من السلطتين التشريعية أو التنفيذية أن تباشر اختصاصاتها التي ناطها الدستور بها، بما يخل بالحماية المتكافئة التي كفلها للحقوق جميعها، سواء في ذلك تلك التي نص عليها الدستور أو التي حددها القانون. وبمراعاة أن الحماية المتكافئة أمام القانون التي اعتد الدستور بها لا تتناول القانون من مفهوم مجرد، وإنما بالنظر إلى أن القانون تعبير عن سياسة محددة أنشأتها أوضاع لها مشكلاتها، وأنه تغيا بالنصوص التي تضمنها تحقيق أغراض بذواتها من خلال الوسائل التي حددها. وكلما كان القانون مغايراً بين أوضاع أو مراكز أو أشخاص لا تتحد واقعًا فيما بينها، وكان تقديره في ذلك قائمًا على أسس موضوعية، مستلهمًا أهدافًا لا نزاع في مشروعيتها، وكافلاً وحدة القاعدة القانونية في شأن أشخاص تتماثل ظروفهم، بما لا يجاوز متطلباتها، كلما كان القانون واقعًا في إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع، ولو تضمن تمييزا مبررا، لا ينال من مشروعيته الدستورية أن تكون المساواة التي توخاها وسعى إليها، بعيدة حسابيا عن الكمال
وحيث إن التطور التشريعي الذي لحق قوانين إيجار المساكن، يكشف بجلاء عن أن المشرع في سعيه لمواجهة أزمة المساكن، الناجمة عن قلة المعروض منها، وازدياد الطلب عليها، كان حريصًا على حماية الأسرة المصرية بتوفير المأوى لها. فنص في المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977، على أنه لا ينتهي عقد إيجار المسكن بوفاة المستأجر أو تركه العين المؤجرة، إذا بقى فيها زوجه أو أولاده أو أي من والديه الذين كانوا يقيمون معه حتى الوفاة أو الترك، إلا أنه نظراً لما تكشف للمشرع من وجود الكثير من المساكن المؤجرة لغير المصريين غير مستغلة، بعد انتهاء إقامتهم بالبلاد، فقد أورد قيدًا على قاعدة الامتداد القانوني لعقد الإيجار، ضمنها نص المادة (17) من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه، بانتهاء عقد إيجار المستأجر غير المصري، بقوة القانون، بانتهاء المدة المحددة قانونًا لإقامته بالبلاد، على أن يستثنى من ذلك حالة الزوجة المصرية وأولادها منه، الذين كانوا يقيمون بالعين، فيستمر العقد لهم، ما لم يثبت مغادرتهم البلاد نهائيا. وبموجب قضاء المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 14/4/2002, في القضية الدستورية رقم 6 لسنة 20 القضائية، فقد تم مد نطاق هذا الاستثناء ليشمل الزوج المصري ولأولاده من زوجته المستأجرة غير المصرية عند انتهاء إقامتها بالبلاد فعلاً بمغادرتها أو حكمًا بوفاتها. باعتبار أن الغاية التي توخاها المشرع، وسعى إلى تحقيقها من خلال نص الفقرة الرابعة من المادة) 17) من القانون رقم 136 لسنة 1981، هي حماية الأسرة المصرية، بتوفير مكان يأويها تهجع إليه، ويكفل استقرارها، تلك الأسرة التي يكون على رأسها - في تاريخ سابق أو معاصر لانتهاء عقد الإيجار – زوجة أو زوج يتمتع بالجنسية المصرية، فيمتد سريان عقد الإيجار لأي منهما، ولأولاده من المستأجر غير المصري الذي انتهت المدة المحددة قانونًا لإقامته بالبلاد
وحيث إن ما نعته المدعيات من إخلال النص المطعون فيه بمبدأ المساواة، لقصره امتداد سريان عقد إيجار المستأجر غير المصري، عند انتهاء المدة المحددة قانونًا لإقامته بالبلاد، على أولاده من زوجته المصرية، دون أولاده من زوجته غير المصرية، الذين اكتسبوا الجنسية المصرية، فمردود بأن المدعية الثالثة لم تكتسب الجنسية المصرية إلا اعتبارا من 16/6/1998, بعد انتهاء عقد إيجار مورثها بوفاته بتاريخ 24/3/1996, فضلا عن كون والدتها – المدعية الأولى - حتى تاريخ انتهاء العقد، غير مصرية، شأنها شأن المدعية الثانية – ابنة المستأجر – فكلاهما يتمتع بالجنسية الإيطالية، ومن ثم لم يكن أيٌّ من أفراد أسرة المستأجر غير المصري، يتمتع بالجنسية المصرية في تاريخ انتهاء عقد الإيجار بوفاته. ومن ثم، فإن مركزهن القانوني يختلف عن المركز القانوني لأولاد الزوجة أو الزوج مصري الجنسية، الذين ينصرف إليهم الخطاب في النص المطعون فيه
وعلى ذلك تنتفي قالة أن التنظيم الذي أوجده المشرع بموجب النص المطعون فيه ينطوي على إخلال بمبدأ المساواة، لوقوعه في إطار السلطة التقديرية التي يملكها، وابتناء التمييز الذي انطوى عليه على أسس موضوعية تبرره، لا تنال من مشروعيته الدستورية، إذ استهدف به حماية الأسرة المصرية بتوفير مكان يأويها، ويحميها، ويكفل استقرارها، وهو التزام يقع على عاتق الدولة على النحو الذي عنته المادة (10) من الدستور القائم، من أن "الأسرة أساس المجتمع،.............. وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها". وفي الحين ذاته، فقد كفل النص المطعون فيه – ضمنًا – حماية الملكية الخاصة للمالك المؤجر، على النحو الذي عنته المادة (35) من الدستور – المقابلة لنص المادة (34) من دستور سنة 1971 – بعدم حرمانه من استغلال العين المؤجرة بعد انتهاء المدة المحددة قانونًا لإقامة المستأجر غير المصري بالبلاد
وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف أي حكم آخر من الدستور، ومن ثم فإنه يتعين القضاء برفض هذه الدعوى
فلهذه الأسباب 
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعيات المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق