ونظرا إلى أنه يشغل وظيفة عامة لا يجوز الجمع بينها وبين ممارسة مهنة المحاماة، فقد التمس - مع قيده - نقل اسمه إلى جدول المحامين غير المشتغلين.
وبتاريخ..... قررت لجنة قبول المحامين.... رفض طلب القيد.
فطعن الطاعن في هذا القرار بطريق النقض... الخ.
وحيث إن محصل الواقعة التي صدر فيها القرار المطعون فيه، أن الطاعن وهو من خريجي كلية الحقوق ويشغل وظيفة عامة طلب إلى رئيس محكمة استئناف القاهرة -بوصفه رئيسا للجنة قبول المحامين- قيد اسمه بجدول المحامين ونقله في ذات الوقت إلى جدول المحامين غير المشتغلين، فقررت اللجنة رفض الطلب.
وأقام القرار المطعون فيه قضاءه على ما جاء به "إن قانون المحاماة رقم 96 لسنة 1957 صدر الباب الأول منه بأنه خاص بالشروط اللازم توافرها للاشتغال بالمحاماة أي أن القانون إنما شرع لمن يريد أن يعمل في المحاماة ومهنتها دون غيرها من الأعمال الأخرى وقد جاءت المادة الثامنة من هذا القانون بنص يفيد أن الذي يكف من المحامين عن مزاولة المهنة له أن يطلب نقل اسمه إلى جدول المحامين غير المشتغلين ومعنى ذلك أن الجدول الأخير لا يقيد فيه إلا من يكون قد عمل في المحاماة ومارسها ثم طرأت عليه ظروف دعته أن يكف عن مزاولتها، ومن حيث إن الطالب لا يزال في الوظيفة يعمل فيها فلا يتفق مع ذلك أن يطلب أن يقيد محاميا وفي الوقت نفسه أن يدرج في جدول المحامين غير المشتغلين وذلك لأنه لم يسبق له أن اشتغل بالمحاماة حتى يطلب اعتباره أنه غير مشتغل فيها".
وحيث وإن كانت حرية مزاولة المهنة بوصفها نتيجة طبيعية للحرية الشخصية مكفولة بمقتضى القوانين - إلا أن كفالة هذه الحرية لا يعني إطلاقها لمساس ذلك بالنظام العام مساسا مباشرا - فليس هناك ما يمنع المشرع من وضع قوانين لتنظيم ممارستها بما يكفل مصلحة الجماعة ويحقق الأغراض السامية التي قدرها عن سن هذه القوانين والتي جعلها الشارع سياجا لتلك الحرية وضمانا للصالح العام يندفع بها ما يمس المهنة بالأذى، وحتى لا يعرض لها عوارض تتجافى مع ما يجب لها من اعتبار بوجه عام ولا مع حقوق القائمين على ممارستها بوجه خاص.
وحيث إنه وإن كان صحيحا أن المادة الثانية من القانون رقم 96 لسنة 1957 الخاصة بالمحاماة أمام المحاكم - قد نصت على أنه "يشترط فيمن يقيد اسمه بجدول المحامين (أولا) أن يكون مصريا (وثانيا) أن يكون متمتعا بالأهلية المدنية الكاملة (وثالثا) أن يكون حاصلا على درجة الليسانس في القانون من إحدى كليات الحقوق في الجامعة المصرية أو على شهادة أجنبية تعتبر معادلة لها وأن ينجح في هذه الحالة الأخيرة في امتحان المعادلة وفقا للقوانين واللوائح الخاصة بها (ورابعا) أن يكون محمود السيرة -حسن السمعة- أهلا للاحترام الواجب للمهنة وألا يكون قد صدرت ضده أحكام قضائية أو تأديبية - أو اعتزل وظيفته أو مهنته أو انقطعت صلته بها لأسباب ماسة بالذمة والشرف" إلا أن هذه المادة قد جاءت في الباب الأول وعنوانه "في الشروط اللازم توافرها للاشتغال بالمحاماة"، كما أنها جاءت في أعقاب المادة الأولى التي يجري نصها على الوجه الآتي: "يشترط فيمن يشتغل بالمحاماة أمام المحاكم أن يكون اسمه مقيدا بجدول المحامين" فدل الشارع بعبارة العنوان وبالترتيب الذي اختاره للنصوص التي أوردها فيه، على أن مناط القيد بجدول المحامين هو الاشتغال بالمحاماة وممارستها فعلا فعملية القيد ليست مقصودة لذاتها بقدر ما هي وسيلة الاشتغال بالمحاماة اشتغالا فعليا، فالأمران -بحكم طبيعة الأمور- متلازمان بحيث لا يتصور وجود أحدهما دون الآخر، فالاشتغال بالمحاماة هو الغرض من القيد في الجدول، والقيد في الجدول هو سبيل الاشتغال بالمحاماة، وبهذا يكون الشارع ضبط الاشتغال بمهنة المحاماة بضابط مزدوج، فأقام بالمادة الثانية حدا فاصلا بين المحاماة ومن لا تتوافر فيه شروط القيد حتى لا يغشاها غير أهلها وأقام بالمادة الأولى حدا فاصلا بينها ومن تقوم به حالة تتعارض مع ممارستها فعلا وإن توافرت له شروط القيد، فمن لا تتوافر فيه شروط القيد محروم من حق الاشتغال بالمحاماة، وهو لا يستطيع الاشتغال بها إلا إذا كان مقيدا، ومن ذلك يبين أن فكرة الاشتغال بالمحاماة اشتغالا فعليا - لمن يقيد لأول مرة في جدول المحامين هي دون غيرها - التي كانت تتمثل في ذهن الشارع عند وضع القانون - فقد تكررت في نصوص القانون واضحة في مراحله المختلفة - فنصت المادة السابعة - "على أن يقيد كل من يقبل لأول مرة من المحامين في جدول المحامين تحت التمرين وذلك مع عدم الإخلال بأحكام المادة 18" - ونصت المادة التاسعة - "على أن يؤدي المحامي الذي قيد اسمه بالجدول قبل مزاولة المهنة اليمين أمام إحدى محاكم الاستئناف" - ونصت المادة العاشرة "على أن مدة التمرين سنتان ويجب أن يلتحق المحامي في فترة التمرين بمكتب أحد المحامين - وتقضي المادة (11) بألا يقبل أمام المحاكم الابتدائية إلا من مضى مدة التمرين وقدرها سنتان - وتقضي المادة (16) بألا يقبل للمرافعة أمام محاكم الاستئناف إلا من مضى ثلاث سنوات مشتغلا بالمحاماة أما المحاكمة الابتدائية - وتقضي المادة (22) بأن يؤدي كل محام قيد اسمه في الجدول قيمة الاشتراك السنوي للنقابة في مدة نهايتها 15 مارس من كل سنة وإلا استبعد اسمه من الجدول - كما أوجبت المادة (30) على كل محام أن يتخذ له مكتبا في ذات المحكمة الجزئية أو الابتدائية أو محكمة الاستئناف التي يشتغل أمامها ثم جاءت المادة (95) في الباب الثامن وعنوانه "صندوق المعاشات والإعانة" ونصت على ما يأتي (ولا يكون للمحامي الحق في معاش التقاعد إلا إذا توافرت فيه شروط خاصة... (2) أن يكون قد باشر بالفعل مهنة المحاماة أمام المحاكم مدة ثلاثين سنة ميلادية بما فيها مدة التمرين... (4) أن يكون قد أدى اشتراك النقابة منذ قيد اسمه بالجدول إلى حين التقاعد إلا إذا أعفي من أداء الاشتراك بقرار من مجلس النقابة" وهذه النصوص على تعددها ووضوح عبارتها تدل على قصد واضعها من أن الاشتغال بالمحاماة هو الأصل في الباب الأول ولا يصح الفصل بينه وبين القيد في جدول المحامين العاملين - والواقع أن قانون المحاماة لا تنصرف أحكامه وقواعده إلا إلى المحامين الذين يحملون لواء المحاماة، ويقومون بأعبائها وتحتويهم ساحة القضاء دون أن يعوقهم في أداء واجبهم هذا عائق من وظيفة أو غيرها، وقد جاءت المادة الثامنة وقطعت كل شك ودرأت كل شبهة، إذ نصت على ما يأتي "للمحامي الذي كف عن مزاولة المهنة أن يطلب إلى لجنة قبول المحامين نقل اسمه إلى جدول المحامين غير المشتغلين......... ولمجلس النقابة أن يطلب نقل اسم المحامي إلى جدول المحامين غير المشتغلين إذا التحق بعمل لا يتفق مع مهنة المحاماة طبقا لنصوص هذا القانون وللائحة الداخلية"، فالقانون -على ما هو واضح من نصوصه- لا يعرف المحامي الذي لا يشتغل بالمحاماة ولا يقصد بالمحامين غير المشتغلين إلا من كان يمارس المهنة فعلا، وحال دون استمراره فيها ظرف طارئ فجعل النقل مقصور على هؤلاء دون غيرهم، ومتى كان الأمر كذلك، وجب أن يكون هذا الاستثناء من الأصل مقصورا على ما استثني على سبيل الحصر - فلم يكن الأمر إذن أمر عنوان -كما يقول الطاعن- بل هو أمر الشارع في النصوص ذاتها، وهي من الوضوح والصراحة بحيث لا يجوز الانحراف عنها أو تفسيرها تفسيرا يخرجها عن مراد الشارع.
وحيث إن المادة (19) من قانون المحاماة -وهي التي حرمت الجمع بين المحاماة وبين غيرها من الوظائف والأعمال- وإن وردت في الباب الخامس منه - "في حقوق المحامين وواجباتهم" فإنها فيما ذكرت بشأن عدم جواز الجمع بين المحاماة والتوظف في إحدى مصالح الحكومة أو غيرها لم تأت بجديد، بل هي من مطابقات القانون وموافقاته، فهي كالمادة الأولى من القانون يسيران في منحى واحد - فما دام الاشتغال بالمحاماة -وهو العنصر الأصيل فيها- هو المسوغ للقيد فالتحاق المحامي الطارئ بإحدى الوظائف بعد ممارسة مهنته والذي من شأنه أن يمنعه من الممارسة هو موجب نقل اسمه إلى جدول المحامين غير المشتغلين، فالمجال في الحالين واحد، ولا حكمة للمغايرة وإن اختلف أثره بحسب المرحلة التي وجد فيها هذا السبب، فإن قام هذا السبب ابتداء امتنع القيد بتاتا - وقد أكد الشارع مراده بعد ذلك بما تدل عليه عبارة الفقرة الرابعة من المادة الثانية من وجوب انقطاع صلة الموظف بالوظيفة قبل طلب قيد اسمه بالجدول وأن يكون الانقطاع لأسباب غير ماسة بالذمة والشرف - هذا وقد سبق لهذه المحكمة أن أبدت رأيها في مثل هذا الموضوع عند بدء إنشائها - بمناسبة طلب قدم إليها من أحد القضاة العاملين بقيد اسمه في جدول المحامين غير المشتغلين أمام محكمة النقض -وهو طلب من نوع الطلب الحالي ويقوم على مثل أساسه- فقررت المحكمة عدم قبول النظر فيه - ولا يدعم مركز الطاعن أن يكون قد صدر من لجنة القيد في تواريخ سابقة قرارات بالقيد على خلاف هذا التفسير الصحيح للقانون.
وحيث إنه متى كان ذلك مقررا، وكان القرار المطعون فيه صريحا في أن الطالب حين تقدم بطلب القيد كان يشغل إحدى الوظائف التي يتعارض شغلها مع ممارسة العمل فعلا في المحاماة ولم تنقطع صلته بها، فإن طلبه القيد في جدول المحامين العام ونقله في الوقت نفسه إلى جدول المحامين غير المشتغلين لا يكون له محل ويكون القرار المطعون فيه سليما فيما انتهى إليه.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعينا رفضه وتأييد القرار المطعون فيه.