الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 12 أبريل 2024

(الْمَادَّةُ 86) الْأَجْرُ وَالضَّمَانُ لَا يَجْتَمِعَانِ





(الْمَادَّةُ 86) : الْأَجْرُ وَالضَّمَانُ لَا يَجْتَمِعَانِ
هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمَجَامِعِ.
وَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ فِي الْحَالِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الضَّمَانُ يَعْنِي أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً وَهَلَكَتْ بِلَا تَعَدٍّ لَا يَضْمَنُ سِوَى الْأُجْرَةَ.
وَإِذَا غَصَبَ دَابَّةً فَهَلَكَتْ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ.
وَالضَّمَانُ كَمَا عُرِفَ فِي الْمَادَّةِ (416) هُوَ إعْطَاءُ مِثْلِ الشَّيْءِ إذَا كَانَ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ وَقِيمَتِهِ إذَا كَانَ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ.
مِثَالٌ: إذَا اُسْتُكْرِيَ حَيَوَانٌ لِلرُّكُوبِ لَا يَجُوزُ تَحْمِيلُهُ وَذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (550) فَإِذَا حَمَلَ وَتَلِفَ يَضْمَنُ الْمُسْتَأْجِرُ قِيمَةَ الْحَيَوَانِ وَمِنْ ثَمَّ لَا يَجُوزُ تَكْلِيفُهُ بِتَأْدِيَةِ الْأَجْرِ الْمُسَمَّى.
كَذَلِكَ إذَا غَصَبَ شَخْصٌ حَيَوَانًا وَاسْتَعْمَلَهُ فَبِمَا أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ بِيَدِهِ يَكُونُ ضَامِنًا فَإِذَا رَدَّهُ لِصَاحِبِهِ لَا تَلْزَمُهُ أُجْرَةٌ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ إيَّاهُ مَا لَمْ يَكُنْ مَالَ يَتِيمٍ أَوْ وَقْفًا أَوْ مَالًا مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ.
كَذَلِكَ إذَا اسْتَعْمَلَ الْمُسْتَأْجِرُ الْحَيَوَانَ الْمَأْجُورَ مُدَّةً تَزِيدُ عَنْ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَبِمَا أَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ حُكْمُهُ حُكْمُ الْغَاصِبِ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْحَيَوَانُ فِي ضَمَانِهِ فَلَا تَلْزَمُهُ أُجْرَةٌ عَنْ الْمُدَّةِ الزَّائِدَةِ.
وَيُشْتَرَطُ فِي عَدَمِ اجْتِمَاعِ الْأُجْرَةِ وَالضَّمَانِ اتِّحَادُ السَّبَبِ وَالْمَحِلِّ فِيهِمَا وَإِلَّا فَالِاثْنَانِ قَدْ يَلْزَمَانِ فِي وَقْتٍ مَعًا وَمِثَالُ ذَلِكَ:
لَوْ أَجَّرَ شَخْصٌ حَيَوَانًا مِنْ آخَرَ لِيَرْكَبَهُ وَحْدَهُ إلَى مَحِلٍّ مُعَيَّنٍ فَرَكِبَ الرَّجُلُ وَأَرْدَفَ خَلْفَهُ شَخْصًا آخَرَ وَلَوْ صَغِيرًا (بِحَيْثُ يَسْتَطِيعُ الْوُقُوفَ بِنَفْسِهِ) فَتَلِفَ الْحَيَوَانُ بَعْدَ الْوُصُولِ إلَى الْمَحِلِّ الْمَقْصُودِ، يُنْظَرُ فَإِذَا كَانَ الْحَيَوَانُ قَادِرًا عَلَى حَمْلِ الِاثْنَيْنِ يَلْزَمُ الْأَجْرُ الْمُسَمَّى مَعَ ضَمَانِ نِصْفِ قِيمَةِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ. فَيَلْزَمُ الْأَجْرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ الْمُرَادَةَ مِنْ اسْتِئْجَارِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ بِوُصُولِهِ لِلْمَكَانِ الْمَقْصُودِ وَيَلْزَمُ ضَمَانَ نِصْفِ قِيمَةِ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَدْ تَعَدَّى بِإِرْدَافِهِ شَخْصًا خَلْفَهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ سَبَبُ لُزُومِ الْأَجْرِ وَسَبَبُ الضَّمَانِ مُخْتَلِفَيْنِ يَلْزَمَانِ فِي وَقْتٍ مَعًا وَلَا يُقَالُ بِأَنَّ الضَّمَانَ قَدْ اجْتَمَعَ وَالْأَجْرَ فَلِكُلٍّ سَبَبٌ غَيْرُ سَبَبِ الْآخَرِ.

(الْمَادَّةُ 85) الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ





(الْمَادَّةُ 85) : الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ 
هَذِهِ الْمَادَّةُ هِيَ نَفْسُ الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» وَهِيَ الْمَادَّةُ 87 (الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ) : وَالْمَادَّةُ 88 كُلُّهَا بِمَعْنَى وَاحِدٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَلْفَاظُ فَكَانَ مِنْ الْوَاجِبِ الِاكْتِفَاءُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا.
الْخَرَاجُ: هُوَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ مِلْكِ الْإِنْسَانِ أَيْ مَا يُنْتَجُ مِنْهُ مِنْ النِّتَاجِ وَمَا يُغَلُّ مِنْ الْغَلَّاتِ كَلَبَنِ الْحَيَوَانِ وَنَتَائِجِهِ، وَبَدَلِ إجَارَةِ الْعَقَارِ، وَغِلَالِ الْأَرْضِينَ وَمَا إلَيْهَا مِنْ الْأَشْيَاءِ. وَيُقْصَدُ بِالضَّمَانِ الْمُؤْنَةُ كَالْإِنْفَاقِ عَلَى الْحَيَوَانِ وَمَصَارِيفِ الْعِمَارَةِ لِلْعَقَارِ وَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّهُ مَنْ يَضْمَنُ شَيْئًا لَوْ تَلِفَ يَنْتَفِعُ بِهِ فِي مُقَابَلَةِ الضَّمَانِ مَثَلًا لَوْ رَدَّ الْمُشْتَرِي حَيَوَانًا بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَكَانَ قَدْ اسْتَعْمَلَهُ مُدَّةً لَا تَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَدْ تَلِفَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الرَّدِّ لَكَانَ مِنْ مَالِهِ.
يَعْنِي أَنَّ مَنْ يَضْمَنُ شَيْئًا إذَا تَلِفَ يَكُونُ نَفْعُ ذَلِكَ الشَّيْءِ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ ضَمَانِهِ حَالَ التَّلَفِ وَمِنْهُ أُخِذَ قَوْلُهُمْ الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ.
وَقَدْ حَكَمَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْأُجْرَةِ لِلْبَائِعِ وَلَكِنَّهُ لَمَّا اطَّلَعَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» نَقَضَ ذَلِكَ الْحُكْمَ.
وَقَدْ أَوْرَدَ صَاحِبُ الْأَشْبَاهِ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ سُؤَالَيْنِ وَأَجَابَ عَلَيْهِمَا وَذَلِكَ مَا يَأْتِي: السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: لَوْ كَانَ الِانْتِفَاعُ فِي الشَّيْءِ مُقَابِلَ ضَمَانِهِ لَكَانَ مِنْ اللَّازِمِ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ الْحَاصِلَةُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ كَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (393) فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ وَالْحَالُ أَنَّهُ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (236) أَنَّ الثَّمَرَةَ أَوْ الزِّيَادَةَ الَّتِي تَحْصُلُ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ تَعُودُ لِلْمُشْتَرِي فَمَا الْوَجْهُ فِي ذَلِكَ يَا تُرَى؟

جَوَابُ هَذَا السُّؤَالِ: فَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ هُوَ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُقَابِلُ الْمِلْكِيَّةَ. وَبَعْدَ الْقَبْضِ يَكُونُ مُقَابِلَ الْمِلْكِ وَالضَّمَانِ مَعًا.
السُّؤَالُ الثَّانِي: لَمَّا كَانَ الْمَالُ الْمَغْصُوبُ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (891) هُوَ فِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ فَكَانَ مِنْ الْوَاجِبِ أَنْ تَكُونَ زَوَائِدُ الْمَغْصُوبِ مِلْكًا لَهُ مَا دَامَ الِانْتِفَاعُ فِي الشَّيْءِ مُقَابِلَ ضَمَانِهِ وَالْمَادَّةُ (903) تَقُولُ زَوَائِدُ الْمَغْصُوبِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَمَا الْوَجْهُ فِي ذَلِكَ؟ .
جَوَابُهُ - أَنَّ الضَّمَانَ فِي هَذِهِ ضَمَانٌ خَاصٌّ أَيْ يُقْصَدُ بِهِ ضَمَانُ الْمِلْكِ. وَخُلَاصَةُ ذَلِكَ هُوَ أَنَّ نَفْعَ الشَّيْءِ يَعُودُ لِلشَّخْصِ الَّذِي إذَا تَلِفَ ذَلِكَ الشَّيْءُ يَتْلَفُ عَلَيْهِ أَمَّا الْغَاصِبُ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ فِي ضَمَانِهِ فَلَيْسَ مَالِكًا لَهُ.

(الْمَادَّةُ 84) الْمَوَاعِيدُ بِصُوَرِ التَّعَالِيقِ تَكُونُ لَازِمَةً



(الْمَادَّةُ 84) (الْمَوَاعِيدُ بِصُوَرِ التَّعَالِيقِ تَكُونُ لَازِمَةً) ؛ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ فِيهَا حِينَئِذٍ مَعْنَى الِالْتِزَامِ وَالتَّعَهُّدِ.
هَذِهِ الْمَادَّةُ مَأْخُوذَةٌ عَنْ الْأَشْبَاهِ مِنْ كِتَابِ (الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ) حَيْثُ يَقُولُ (وَلَا يَلْزَمُ الْوَعْدُ إلَّا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا) وَقَدْ وَرَدَتْ فِي الْبَزَّازِيَّةُ أَيْضًا بِالشَّكْلِ الْآتِي: " لِمَا أَنَّ الْمَوَاعِيدَ بِاكْتِسَاءِ صُوَرِ التَّعْلِيقِ تَكُونُ لَازِمَةً ".
يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنَّهُ إذَا عُلِّقَ وَعْدٌ عَلَى حُصُولِ شَيْءٍ أَوْ عَلَى عَدَمِ حُصُولِهِ فَثُبُوتُ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ أَيْ الشَّرْطِ كَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (82) يُثْبِتُ الْمُعَلَّقَ أَوْ الْمَوْعُودَ.
مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ: بِعْ هَذَا الشَّيْءَ مِنْ فُلَانٍ وَإِذَا لَمْ يُعْطِك ثَمَنَهُ فَأَنَا أُعْطِيك إيَّاهُ فَلَمْ يُعْطِهِ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ لَزِمَ عَلَى الرَّجُلِ أَدَاءُ الثَّمَنِ الْمَذْكُورِ بِنَاءً عَلَى وَعْدِهِ.
أَمَّا لَوْ تُوُفِّيَ الْمَدِينُ قَبْلَ أَنْ يُطَالِبَهُ الدَّائِنُ بِالدَّيْنِ بَطَلَ الضَّمَانُ أَيْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَى شَرْطٍ يَكُونُ مَعْدُومًا وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِثُبُوتِ الشَّرْطِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ كَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (82) (وَهَذِهِ الْمَادَّةُ بِمَثَابَةِ فَرْعٍ مِنْهَا) وَمَا لَمْ يُطَالَبْ الْمَدِينُ بِالدَّيْنِ وَيَمْتَنِعُ أَوْ يُمَاطِلُ فَلَا يَتَحَقَّقُ امْتِنَاعُ الْمَدِينِ عَنْ الْأَدَاءِ وَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ هُنَا شَرْطُ الِامْتِنَاعِ بِمَوْتِ الْمَدِينِ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانَ الْمُعَلَّقَ عَلَى ذَلِكَ الشَّرْطِ.
أَمَّا إذَا كَانَ الْوَعْدُ وَعْدًا مُجَرَّدًا أَيْ غَيْرَ مُقْتَرِنٍ بِصُورَةٍ مِنْ صُوَرِ التَّعْلِيقِ فَلَا يَكُونُ لَازِمًا.
مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ بَاعَ شَخْصٌ مَالًا مِنْ آخَرَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ وَبَعْدَ أَنْ تَمَّ الْبَيْعُ وَعَدَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِإِقَالَتِهِ مِنْ الْبَيْعِ إذَا رَدَّ لَهُ الثَّمَنَ فَلَوْ أَرَادَ الْبَائِعُ اسْتِرْدَادَ الْمَبِيعِ وَطَلَبَ إلَى الْمُشْتَرِي أَخْذَ الثَّمَنِ وَإِقَالَتَهُ مِنْ الْبَيْعِ فَلَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي مُجْبَرًا عَلَى إقَالَةِ الْبَيْعِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ الْوَعْدِ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ مُجَرَّدٌ.

كَذَلِكَ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ ادْفَعْ دَيْنِي مِنْ مَالِك وَالرَّجُلُ وَعَدَهُ بِذَلِكَ ثُمَّ امْتَنَعَ عَنْ الْأَدَاءِ فَلَا يَلْزَمُ بِوَعْدِهِ هَذَا عَلَى أَدَاءِ الدَّيْنِ.
(مُسْتَثْنَيَاتُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ) قُلْنَا إنَّ الْوَعْدَ الْمُجَرَّدَ لَا يُلْزِمُ الْوَاعِدَ بِشَيْءٍ وَلَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْحُكْمِ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ: لَوْ بَاعَ شَخْصٌ مِنْ آخَرَ مَالًا بِثَمَنٍ دُونَ ثَمَنِ الْمِثْلِ بِكَثِيرٍ أَيْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بَيْعًا مُطْلَقًا وَالْمُشْتَرِي أَشْهَدَ بِمَحْضَرٍ مِنْ النَّاسِ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا رَدَّ لَهُ الثَّمَنَ يَفْسَخُ لَهُ الْبَيْعَ فَيَجِبُ الْقِيَامُ بِذَلِكَ الْوَعْدِ مِنْ الْمُشْتَرِي نَفْسِهِ إذَا كَانَ فِي قَيْدِ الْحَيَاةِ أَوْ مِنْ وَرَثَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْبَيْعُ بَيْعَ وَفَاءٍ.
وَمَعْنَى ذَلِكَ عَلَى مَا يُظَنُّ أَنَّهُ لَمَّا عَقَدَ الْبَيْعَ الْمَذْكُورَ عَلَى غَبْنٍ فَاحِشٍ وَالْمُشْتَرِي وَعَدَ بِإِعَادَةِ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ عِنْدَ رَدِّهِ الثَّمَنَ فَهُوَ بِالْحَقِيقَةِ بَيْعُ وَفَاءٍ وَبِمَا أَنَّ بَيْعَ الْوَفَاءِ حُكْمُهُ حُكْمُ الرَّهْنِ فَيُمْكِنُ لِكُلٍّ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فَسْخُهُ.

(الْمَادَّةُ 83) يَلْزَمُ مُرَاعَاةُ الشَّرْطِ بِقَدْرِ الْإِمْكَان





(الْمَادَّةُ 83) يَلْزَمُ مُرَاعَاةُ الشَّرْطِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. 
هَذِهِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمَجَامِعِ. قَدْرُ: بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الدَّالِ عَلَى وَزْنِ (بَدْرٍ) مَعْنَاهَا (الطَّاقَةُ وَالِاسْتِطَاعَةُ) ، وَالشُّرُوطُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: مِنْهَا مَا هُوَ جَائِزٌ وَمِنْهَا الْفَاسِدُ وَاللَّغْوُ وَمَا تَجِبُ مُرَاعَاتُهَا إنَّمَا هِيَ الْجَائِزَةُ: أَيْ الْمُوَافِقَةُ لِلشَّرْعِ الشَّرِيفِ كَمَا سَنَأْتِي عَلَيْهَا بِالتَّفْصِيلِ فِيمَا يَلِي:
وَالشَّرْطُ الْمَقْصُودُ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ هُوَ الَّذِي يَكُونُ خُلُوًّا مِنْ أَدَاةِ الشَّرْطِ كَقَوْلِكَ بِعْتُ مَالِي عَلَى الشَّرْطِ الْفُلَانِيِّ أَوْ بِعْتُ هَذِهِ السَّرَاوِيلَ عَلَى أَنْ أَرْفَعَهَا وَيُسَمَّى (الشَّرْطُ التَّقْيِيدِيُّ) .
أَمَّا الشَّرْطُ الَّذِي تُسْتَعْمَلُ بِهِ أَدَوَاتُ الشَّرْطِ وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُهُ فِي الْمَادَّةِ الْفَائِتَةِ فَيُسَمَّى (الشَّرْطُ التَّعْلِيقِيُّ) وَفِيمَا يَلِي بَعْضُ الْأَمْثِلَةِ الْمُتَفَرِّعَةِ عَنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ كُلٌّ تَحْتَ الْعِنْوَانِ الَّذِي يُنَاسِبُهُ:
الْبَيْعُ - يَكُونُ الْبَيْعُ صَحِيحًا وَالشَّرْطُ مُعْتَبَرًا كَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (186) إذَا كَانَ الشَّرْطُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ عَقْدِ الْبَيْعِ وَالْمَوَادِّ (187، 188، 287، 98) مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُتَفَرِّعَةِ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ.
إجَارَةٌ - يَجِبُ مُرَاعَاةُ كُلِّ شَرْطٍ يَشْتَرِطُهُ الْعَاقِدَانِ بِخُصُوصِ تَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ أَوْ تَأْجِيلِهَا كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْمَادَّةِ (468، 474) .
الْأَمَانَةُ - إذَا كَانَ شَرْطُ الْوَارِدِ فِي عَقْدِ الْوَدِيعَةِ مُمْكِنَ الْإِجْرَاءِ وَمُفِيدًا لِلْمُودِعِ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ كَمَا فِي الْمَادَّةِ (884) .
الشَّرِكَةُ - إذَا اُشْتُرِطَ فِي الْمُقَاسَمَةِ أَنْ يَكُونَ لِحِصَّةٍ طَرِيقٌ فِي الْحِصَّةِ الْأُخْرَى أَوْ مَسِيلٌ فَيَجِبُ مُرَاعَاةُ أَحْكَامِ ذَلِكَ الشَّرْطِ كَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (1166) كَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْمُضَارِبِ فِي عَقْدِ شَرِكَةِ الْمُضَارَبَةِ الْمُقَيَّدَةِ مُرَاعَاةُ الشُّرُوطِ الَّتِي يَشْتَرِطُهَا رَبُّ الْمَالِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1420) .
الدَّيْنُ - إذَا اشْتَرَطَ الدَّائِنُ فِي الدَّيْنِ الْمُقَسَّطِ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَدْفَعْ الْمَدِينُ الْأَقْسَاطَ فِي أَوْقَاتِهَا الْمَضْرُوبَةِ يُصْبِحُ الدَّيْنُ مُعَجَّلًا فَيَجِبُ مُرَاعَاةُ الشَّرْطِ فَإِذَا لَمْ يَدْفَعْ الْمَدِينُ بِالشَّرْطِ وَلَمْ يَدْفَعْ الْقِسْطَ الْأَوَّلَ مَثَلًا عِنْدَ حُلُولِ أَجَلِهِ يُصْبِحُ الدَّيْنُ جَمِيعُهُ مُعَجَّلًا.
الْوَقْفُ - لَمَّا كَانَ شَرْطُ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ رُئِيَ أَنَّهُ كَمَا يَجِبُ مُرَاعَاةُ نَصِّ الشَّارِعِ وَاتِّبَاعُهُ يَجِبُ أَيْضًا مُرَاعَاةُ وَاتِّبَاعُ شَرْطِ الْوَاقِفِ الْمُوَافِقُ لِلشَّرْعِ - فَهُوَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُتَفَرِّعَةِ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَمَّا إذَا كَانَ شَرْطُ الْوَاقِفِ مُخَالِفًا لِلشَّرْعِ الشَّرِيفِ فَلَا يَتْبَعُ هَذَا وَقَدْ أَشَرْنَا فِيمَا مَرَّ إلَى أَنَّ الشَّرْطَ الْمُخَالِفَ لِلشَّرْعِ الشَّرِيفِ (أَيْ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَاللَّغْوِ الْبَاطِلِ) فَإِلَيْك الْمِثَالُ: الْبَيْعُ - الشَّرْطُ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَلَا يَكُونُ فِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ لَغْوٌ وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 189) .
مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ بَاعَ الْبَائِعُ فَرَسَهُ مِنْ شَخْصٍ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَلَّا يَبِيعَهُ مِنْ أَحَدٍ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ لَغْوٌ فَلَا يَجِبُ مُرَاعَاتُهُ فَلِلْمُشْتَرِي بَيْعُ الْفَرَسِ لِمَنْ أَرَادَ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ حِينَئِذٍ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي لِإِخْلَالِهِ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ الْقِيَامُ بِهِ.
رَهْنٌ - إذَا شُرِطَ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ عَدَمُ الضَّمَانِ أَيْ أَنَّهُ إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ فَالرَّهْنُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ فَلَوْ تَلِفَ الْمَرْهُونُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ.
الْأَمَانَةُ - إذَا لَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ الْمُورَدُ فِي عَقْدِ الْإِيدَاعِ مُمْكِنَ الْإِجْرَاءِ وَمُفِيدًا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَادَّةِ (784) فَهُوَ لَغْوٌ.
كَذَلِكَ إذَا اشْتَرَطَ الْمُودِعُ أَوْ الْمُعِيرُ ضَمَانَ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْعَارِيَّةِ فِيمَا لَوْ تَلِفَتْ بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ أَوْ الْمُسْتَعِيرِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ. فِيمَا أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مُخَالِفٌ لِلْمَادَّةِ (777 وَ 813) لَا يَصِحُّ وَلَا يُعْتَبَرُ. فَلَوْ تَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ الْعَارِيَّةُ بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ أَوْ الْمُسْتَعِيرِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ لَا يَضْمَنُ.
الشَّرِكَةُ - لَمَّا كَانَتْ حَاصِلَاتُ الْمِلْكِ وَالْأَمْوَالِ الْمُشْتَرَكَةِ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (1071) تُقْسَمُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ كُلٌّ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ فَلَوْ حَصَلَ شَرْطٌ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ بِأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ حِصَّةً فِي الْحَاصِلَاتِ زِيَادَةً عَنْ حِصَّتِهِ فِي الْمِلْكِ وَالْأَمْوَالِ فَالشَّرْطُ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا إذَا اشْتَرَطَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّةً فِي الرِّبْحِ فَالشَّرْطُ لَغْوٌ (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 1402) وَيُقْسَمُ الْمَالُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ كُلٌّ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ فِي الشَّيْءِ الْمُشْتَرَى.
كَذَلِكَ إذَا عُقِدَتْ الشَّرِكَةُ عَلَى أَنْ يُعْطَى شَيْءٌ مَقْطُوعٌ لِأَحَدِ الشُّرَكَاءِ فَالشَّرِكَةُ بَاطِلَةٌ. يُفْهَمُ مِمَّا مَرَّ مَعَنَا مِنْ التَّفْصِيلَاتِ أَنَّ بَعْضَ الشُّرُوطِ الَّتِي لَا تُعْتَبَرُ شَرْعًا لَا تُفْسِدُ الْعَقْدَ وَتُلْغَى هِيَ فَقَطْ وَبَعْضُهَا يَكُونُ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ وَإِلَيْكَ فِيمَا يَلِي بَعْضَ الْإِيضَاحَاتِ.
يُوجَدُ عُقُودٌ تَصِحُّ مَعَ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ أَيْ الَّذِي لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ وَيَكُونُ غَيْرُ مُلَائِمٍ لَهُ، وَيَكُونُ الشَّرْطُ لَغْوًا وَغَيْرَ مُعْتَبَرٍ وَهِيَ:
(1) الْوَكَالَةُ (2) الْقَرْضُ (3) الْهِبَةُ (4) الصَّدَقَةُ (5) الرَّهْنُ (6) الْإِيصَاءُ (7) الْإِقَالَةُ (8) حَجْرُ الْمَأْذُونِ.
مِثَالٌ: إذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: إنَّنِي وَكَّلْتُكَ فِي الْأَمْرِ الْفُلَانِيِّ بِشَرْطِ أَنْ تُبَرِّئَنِي مِنْ الدَّيْنِ وَالْوَكِيلُ قَبِلَ بِذَلِكَ فَالْوَكَالَةُ صَحِيحَةٌ وَلَكِنَّ الشَّرْطَ لَغْوٌ.
كَذَلِكَ إذَا نَصَبَ السُّلْطَانُ قَاضِيًا أَوْ وَالِيًا عَلَى بَلْدَةٍ وَشَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ عَدَمَ عَزْلِهِ فَالنَّصُّ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ فَمَتَى أَرَادَ السُّلْطَانُ عَزْلَهُ عَزَلَهُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ وَالْوَالِيَ وُكَلَاءُ عَنْ السُّلْطَانِ، وَلِلْمُوَكِّلِ فِي كُلِّ وَقْتٍ عَزْلُ وَكِيلِهِ.
كَذَلِكَ لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: إنَّنِي أُقْرِضُكَ الْمَبْلَغَ الْفُلَانِيَّ عَلَى شَرْطِ أَنْ تَشْتَغِلَ عِنْدِي شَهْرًا وَاحِدًا وَالشَّخْصُ الْمَذْكُورُ قَبِلَ الشَّرْطَ فَتَسَلَّمَ الْمَالَ فَالْقَرْضُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ.
كَذَلِكَ إذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: إنَّنِي نَصَّبْتُك وَصِيًّا بِشَرْطِ أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتك فَالْإِيصَاءُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. وَقُصَارَى الْقَوْلِ أَنَّ الشُّرُوطَ الَّتِي لَا تَكُونُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ إذَا وَقَعَتْ فِي أَحَدِ الْعُقُودِ الَّتِي سَبَقَ ذِكْرُهَا تَكُونُ الْعُقُودُ صَحِيحَةً وَالشُّرُوطُ بِمَا أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِلشَّرْعِ الشَّرِيفِ تَكُونُ لَغْوًا فَلَا تَجِبُ مُرَاعَاتُهَا.

وَعُقُودٌ لَا تَصِحُّ مَعَ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَهِيَ كَمَا يَلِي:
(1) الْبَيْعُ (2) الْقِسْمَةُ (3) الْإِجَارَةُ (4) إجَازَاتُ الْعَقْدِ (5) الصُّلْحُ عَنْ سُكُوتٍ أَوْ عَنْ إنْكَارٍ أَوْ إقْرَارٍ بِمَالٍ عَنْ مَالٍ (6) الْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ (7) الْمُزَارَعَةُ (8) الْمُسَاقَاةُ (9) الْوَقْفُ.
مِثَالٌ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: إنَّنِي بِعْتُك حِصَانِي بِشَرْطِ أَنْ أَرْكَبَهُ شَهْرًا يَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا بِهَذَا الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَهُوَ فَاسِدٌ.
كَذَلِكَ لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: إنَّنِي أَجَّرْتُك دَارِي بِكَذَا قِرْشًا عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي كَذَا مَبْلَغًا أَوْ تُهْدِيَنِي هَدِيَّةً أَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ إنَّنِي أَبْرَأْتُك مِنْ دَيْنِي بِشَرْطِ أَنْ تَشْتَغِلَ عِنْدِي مُدَّةَ كَذَا فَلَا تَصِحُّ هَذِهِ الْعُقُودُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ التِّسْعَةَ إذَا شُرِطَ فِيهَا شَرْطٌ فَاسِدٌ فَإِنَّهُ يُفْسِدُهَا.

(الْمَادَّةُ 82) الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ يَجِبُ ثُبُوتُهُ عِنْدَ ثُبُوتِ الشَّرْطِ





(الْمَادَّةُ 82) الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ يَجِبُ ثُبُوتُهُ عِنْدَ ثُبُوتِ الشَّرْطِ 
هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَرَدَتْ فِي الْمَجَامِعِ (الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ يَجِبُ ثُبُوتُهُ وَيَكُونُ مَعْدُومًا قَبْلَ ثُبُوتِ شَرْطِهِ) يَعْنِي أَنَّ الشَّيْءَ الْمُعَلَّقَ عَلَى شَرْطٍ يَكُونُ مَعْدُومًا قَبْلَ ثُبُوتِ الشَّرْطِ الَّذِي عُلِّقَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الشَّيْءُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَاسْتَوْجَبَ ذَلِكَ وُجُودَ الْمَشْرُوطِ بِدُونِ الشَّرْطِ وَذَلِكَ مُحَالٌ.
الْمُعَلَّقُ، تَعْرِيفُهُ: الْمُعَلَّقُ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ التَّعْلِيقِ وَهُوَ رَبْطُ حُصُولِ مَضْمُونِ جُمْلَةٍ بِحُصُولِ مَضْمُونِ جُمْلَةٍ أُخْرَى فَإِحْدَاهُمَا تُسَمَّى (الشَّرْطُ) وَالثَّانِيَةُ تُسَمَّى (الْجَزَاءُ) .
وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ التَّعْلِيقِ أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ مَعْدُومًا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ أَيْ أَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا مُمْكِنًا حُصُولُهُ. لِهَذَا فَلَوْ عُلِّقَ شَيْءٌ مَوْجُودٌ يُعْتَبَرُ تَعْلِيقُهُ تَنْجِيزًا أَيْ أَنَّ الْمُعَلَّقَ يَثْبُتُ فِي الْحَالِ.
مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: إذَا كَانَ لِي عَلَيْك دَيْنٌ فَقَدْ أَبْرَأْتُكَ مِنْهُ وَكَانَ فِي الْحَقِيقَةِ ذَلِكَ الشَّخْصُ مَدْيُونًا لَهُ فَيُصْبِحُ بِذَلِكَ بَرِيئًا مِنْ الدَّيْنِ فِي الْحَالِ.
كَذَلِكَ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: إنَّ فُلَانًا بَاعَ مِنِّي مَالَك الْفُلَانِيَّ بِكَذَا، فَقَالَ: إذَا بَاعَهُ مِنْك بِهَذَا الثَّمَنِ فَإِنِّي أُجِيزُ الْبَيْعَ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَالَ الْمَذْكُورَ بِيعَ بِذَلِكَ الثَّمَنِ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْهُ تَصِحُّ الْإِجَازَةُ.

وَمَعَ أَنَّ الْوَقْفَ الْمُعَلَّقَ عَلَى شَرْطٍ لَا يَكُونُ صَحِيحًا فَالْوَقْفُ الْمُعَلَّقُ عَلَى مَوْجُودٍ وَمُحَقَّقٍ يَصِحُّ تَنْجِيزًا، كَمَا لَوْ قَالَ شَخْصٌ: إذَا كَانَ هَذَا الْمَالُ مَالِي. وَأَشَارَ إلَى عَقَارٍ يَمْلِكُهُ - فَإِنِّي قَدْ وَقَفْتُهُ يَكُونُ الْوَقْفُ صَحِيحًا.
إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ عَلَى شَيْءٍ مُسْتَحِيلِ الْوُقُوعِ فَهُوَ بَاطِلٌ. أَدَوَاتُ الشَّرْطِ.
(إنْ، كُلَّمَا، مَتَى، إذَا) وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ.
وَإِلَيْكَ فِيمَا يَلِي بَعْضَ الْمَسَائِلِ الْمُتَفَرِّعَةِ عَنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ.
لَوْ قَالَ شَخْصٌ: إذَا لَمْ يَدْفَعْ لَك فُلَانٌ مَا لَك عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَأَنَا كَفِيلٌ بِأَدَاءِ دَيْنِك فَتَثْبُتُ الْكَفَالَةُ الْمُعَلَّقَةُ عَلَى شَرْطٍ عِنْدَ ثُبُوتِهِ وَحِينَئِذٍ يُطَالَبُ الْكَفِيلُ بِالْمَكْفُولِ بِهِ.
وَيُشْتَرَطُ فِي التَّعْلِيقِ أَنْ يَكُونَ فِي الْأُمُورِ وَالْخُصُوصِيَّاتِ الَّتِي يَجُوزُ التَّعْلِيقُ فِيهَا شَرْعًا وَإِلَّا فَلَوْ عُلِّقَتْ بَعْضُ الْأُمُورِ الَّتِي لَا يَجُوزُ التَّعْلِيقُ فِيهَا عَلَى شَرْطٍ فَالتَّعْلِيقُ فَاسِدٌ أَيْ (إنَّ الشَّيْءَ الْمُعَلَّقَ لَا يَثْبُتُ وَلَوْ ثَبَتَ الشَّرْطُ) وَفِي الْعُقُودِ الْآتِيَةِ يَصِحُّ التَّعْلِيقُ وَيَكُونُ التَّعْلِيقُ صَحِيحًا إذَا كَانَ الشَّرْطُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ مُلَائِمًا أَيْ (أَنْ يَكُونَ الشَّرْطَ مُؤَيِّدًا لِلْعَقْدِ) وَهُوَ مِنْ مُوجِبَاتِهِ وَمُقْتَضَيَاتِهِ، وَفَاسِدًا إذَا كَانَ غَيْرَ مُلَائِمٍ وَهِيَ:
(1) الْوَكَالَةُ (2) الْإِذْنُ بِالتِّجَارَةِ (3) عَزْلُ الْقَاضِي (4) الْقَضَاءُ (5) الْإِمَارَةُ (6) الْكَفَالَةُ (7) الْإِبْرَاءُ فِي الْكَفَالَةِ (8) تَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ بَعْدَ الشِّرَاءِ (9) الْوَصِيَّةُ (10) الْحَوَالَةُ.
مِثَالٌ: لَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ لِوَكِيلِهِ (كُلَّمَا عَزَلْتُك فَأَنْتَ وَكِيلٌ) تَنْعَقِدُ الْوَكَالَةُ بَعْدَ الْعَزْلِ كُلَّمَا عَزَلَهُ، وَلَوْ قَالَ لِلسَّفِيهِ وَلِيُّهُ: قَدْ أَذِنْتُك بِالتِّجَارَةِ إذَا صَلَحَتْ أَحْوَالُك يَكُونُ السَّفِيهُ مَأْذُونًا بِالتِّجَارَةِ إذَا صَلَحَتْ أَحْوَالُهُ، كَذَلِكَ لَوْ قَالَ وَلِيُّ الصَّبِيِّ لَهُ: إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَقَدْ أَذِنْتُك بِالتِّجَارَةِ فَبِطُلُوعِ الْفَجْرِ يَكُونُ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا.
كَذَلِكَ لَوْ قَالَ السُّلْطَانُ لِشَخْصٍ: إذَا بَلَغْت الْبَلَدَ الْفُلَانِيَّ فَقَدْ نَصَّبْتُك وَالِيًا عَلَيْهِ أَوْ قَاضِيًا لَهُ فَثُبُوتُ الشَّرْطِ يُثْبِتُ الْحُكْمَ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ.
كَذَا لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِدَائِنٍ: إذَا عَادَ مَدْيُونُك فُلَانٌ مِنْ سَفْرَتِهِ فَأَنَا كَفِيلٌ لَك بِمَا لَك عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ. فَمَتَى رَجَعَ الْمَدْيُونُ تَنْعَقِدُ الْكَفَالَةُ.
كَمَا لَوْ قَالَ الْمَكْفُولُ لَهُ لِكَفِيلٍ: إذَا أَعْطَيْتَنِي الْقَدْرَ الْفُلَانِيَّ مِنْ الدَّيْنِ فَإِنِّي أُبْرِئُك مِنْ الْكَفَالَةِ وَالْكَفِيلُ دَفَعَ الْمَبْلَغَ الْمَطْلُوبَ فَيَبْرَأُ مِنْهَا.
كَذَلِكَ لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: إذَا أَجَازَ فُلَانٌ وَصِيَّتِي فَقَدْ أَوْصَيْتُ لَك بِالْمَالِ الْفُلَانِيِّ وَأَجَازَهَا لَك الشَّخْصُ تَثْبُتُ الْوَصِيَّةُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الْمَادَّةِ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ عُلِّقَ عَلَى شَرْطٍ مُلَائِمٍ يَكُونُ ثَابِتًا وَصَحِيحًا لَدَى ثُبُوتِ الشَّرْطِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ.
أَمَّا إذَا كَانَ الشَّرْطُ غَيْرَ مُلَائِمٍ فَلَا يَثْبُتُ وَإِلَيْكَ الْمِثَالُ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ إذَا دَخَلَ فُلَانٌ دَارَ فُلَانٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَأَنْتَ وَكِيلِي بِالشَّيْءِ الْفُلَانِيِّ أَوْ أَبْرَأْتُكَ مِنْ الْكَفَالَةِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا مَرَّ مَعَنَا فِي الْأَمْثِلَةِ الْعَشَرَةِ فَلَا يَثْبُتُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الشَّرْطِ وَلَوْ ثَبَتَ. أَمَّا الْعُقُودُ الَّتِي لَا يَجُوزُ فِيهَا التَّعْلِيقُ فَهِيَ كَمَا يَأْتِي: (1) الْبَيْعُ (2) الْإِجَارَةُ (3) الْإِعَارَةُ (4) الِاسْتِئْجَارُ (5) الْهِبَةُ (6) الصَّدَقَةُ (7) إجَازَةُ الْعَقْدِ (8) الْإِقْرَارُ (9) الْإِبْرَاءُ مِنْ الدَّيْنِ (10) الصُّلْحُ عَنْ الْمَالِ (11) الْمُزَارَعَةُ (12) الْمُسَاقَاةُ (13) الْوَقْفُ (14) التَّحْكِيمُ (15) الْإِقَالَةُ (16) التَّسْلِيمُ بِالشُّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ (17) إبْطَالُ حَقِّ رَدِّ الْمَبِيعِ بِخِيَارِ الْعَيْبِ (18) إبْطَالُ حَقِّ رَدِّ الْمَبِيعِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ (19) عَزْلُ الْوَكِيلِ (20) حَجْرُ الْمَأْذُونِ.
مِثَالٌ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: إذَا حَضَرَ فُلَانٌ مِنْ سَفَرِهِ فَقَدْ بِعْتُك دَارِي بِكَذَا قِرْشًا أَوْ أَجَّرْتُك إيَّاهَا أَوْ أَعَرْتهَا لَك أَوْ وَهَبْتُهَا لَك أَوْ تَصَدَّقْتُ بِهَا عَلَيْكَ، فَكَمَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْعُقُودِ وَلَا يَنْعَقِدُ فَإِذَا بَلَغَ رَجُلًا بِأَنَّ شَخْصًا بَاعَ مَالَهُ أَوْ أَجَّرَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَقَالَ: إذَا رَضِيَ فُلَانٌ بِذَلِكَ فَقَدْ أَجَزْتُ الْبَيْعَ أَوْ الْإِجَارَةَ أَوْ الْهِبَةَ وَكَانَ الْمَذْكُورُ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ حَقِيقَةً لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا وَلَا يَصِحُّ.
كَذَلِكَ لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: إذَا جَاءَ فُلَانٌ، أَوْ إذَا دَايَنْتنِي كَذَا مَبْلَغًا، أَوْ إذَا لَمْ أَدْفَعْ لَك غَدًا خَمْسِينَ قِرْشًا، أَوْ إذَا حَلَفْت لِي بِأَنَّنِي مَدْيُونٌ لَك. فَأَنَا مَدْيُونٌ لَك بِأَلْفَيْ قِرْشٍ فَلَا يَثْبُتُ الْمَبْلَغُ وَلَا يَتَرَتَّبُ بِذِمَّةِ الْمُقِرِّ وَلَوْ ثَبَتَ الشَّرْطُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ.
كَذَلِكَ لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: إذَا دَخَلْت بَيْتِي أَوْ إذَا جَاءَ فُلَانٌ مِنْ الْمَحِلِّ الْفُلَانِيِّ أَوْ إذَا دَفَعْت لِي خَمْسَمِائَةِ قِرْشٍ مِنْ الْأَلْفِ الْقِرْشِ الْمَطْلُوبَةِ لِي مِنْك فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي بِذِمَّتِك لِي فَلَا تَثْبُتُ الْبَرَاءَةُ وَإِنْ ثَبَتَتْ الشُّرُوطُ الْمُعَلَّقَةُ عَلَيْهَا.
(مُسْتَثْنَيَاتُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ)
قُلْنَا: إنَّ الْإِقْرَارَ وَالْإِبْرَاءَ الْمُعَلَّقَيْنِ عَلَى شَرْطٍ غَيْرُ صَحِيحَيْنِ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَتَانِ:
الْأُولَى - لَوْ عَلَّقَ الدَّائِنُ إبْرَاءَ الْمَدِينِ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى مَوْتِهِ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَيَكُونُ التَّعْلِيقُ صَحِيحًا.
مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ قَالَ الدَّائِنُ عَمْرٌو لِلْمَدِينِ بَكْرٍ إذَا أَنَا مِتّ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ دَيْنِي فَيُحْمَلُ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى الْوَصِيَّةِ فَإِذَا مَاتَ الدَّائِنُ وَكَانَ نَكْثُ مَالِهِ مُسَاعِدًا عَلَى ذَلِكَ (أَيْ إذَا كَانَ بِمِقْدَارِ ذَلِكَ الدَّيْنِ أَوْ يَزِيدُ عَنْهُ، فَيَكُونُ الْمَدِينُ بَرِيئًا) .

الثَّانِيَةُ - لَوْ عُلِّقَ الْإِقْرَارُ بِزَمَنٍ صَالِحٍ لِحُلُولِ الْأَجَلِ فِي عُرْفِ النَّاسِ يُحْمَلُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 1584) .
مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ: إنْ ابْتَدَأَ الشَّهْرُ الْفُلَانِيُّ أَوْ يَوْمُ الْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ أَوْ يَوْمُ قَاسِمٍ فَإِنِّي مَدْيُونٌ لَك بِكَذَا يُحْمَلُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ وَيَلْزَمُهُ تَأْدِيَةُ الدَّيْنِ عِنْدَ حُلُولِ ذَلِكَ الْوَقْتِ.
(فَائِدَةٌ)
تَتَعَلَّقُ بِالْعُقُودِ الَّتِي تَجُوزُ إضَافَتُهَا لِلزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ وَاَلَّتِي لَا تَجُوزُ فَالْعُقُودُ الَّتِي تَجُوزُ إضَافَتُهَا لِلْمُسْتَقْبَلِ هِيَ كَمَا يَأْتِي:
(1) الْإِجَارَةُ (2) فَسْخُ الْإِجَارَةِ (3) الْمُزَارَعَةُ (4) الْمُسَاقَاةُ (5) الْمُضَارَبَةُ (6) الْوَكَالَةُ (7) الْكَفَالَةُ (8) الْإِيصَاءُ (9) الْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ (10) الْقَضَاءُ (11) الْإِمَارَةُ (12) الْوَقْفُ (13) الْإِعَارَةُ (14) إبْطَالُ الْخِيَارِ.
مِثَالٌ: لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ: قَدْ أَجَّرْتُك دَارِي اعْتِبَارًا مِنْ الْغَدِ بِبَدَلٍ قَدْرُهُ كَذَا، وَقَالَ شَخْصٌ لِشَخْصٍ قَدْ فَسَخْت إجَارَةُ الدَّارِ الَّتِي آجَرْتُك إيَّاهَا بِبَدَلٍ شَهْرِيٍّ اعْتِبَارًا مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الْقَادِمِ فَيَكُونُ ذَلِكَ صَحِيحًا (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 408 وَ 494) .
كَذَلِكَ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ: أَعْطَيْتُكَ مَزْرَعَتِي الْفُلَانِيَّةَ وَبُسْتَانِي الْفُلَانِيَّ مُزَارَعَةً أَوْ مُسَاقَاةً اعْتِبَارًا مِنْ التَّارِيخِ الْفُلَانِيِّ فَيَصِحُّ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ قَالَ: قَدْ وَكَّلْتُكَ اعْتِبَارًا مِنْ رَأْسِ الشَّهْرِ الْفُلَانِيِّ بِبَيْعِ مَالِي هَذَا فَتَكُونُ الْوَكَالَةُ صَحِيحَةً أَيْضًا وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ قَبْلَ حُلُولِ رَأْسِ ذَلِكَ الشَّهْرِ أَنْ يَبِيعَ الْمَالَ الْمَذْكُورَ.
كَذَلِكَ لَوْ قَالَ السُّلْطَانُ لِشَخْصٍ: قَدْ نَصَّبْتُك اعْتِبَارًا مِنْ التَّارِيخِ الْفُلَانِيِّ حَاكِمًا أَوْ وَالِيًا عَلَى الْبَلَدِ الْفُلَانِيِّ فَالتَّوْلِيَةُ وَالنَّصْبُ صَحِيحَانِ.
وَالْعُقُودُ الَّتِي لَا تَصِحُّ إضَافَتُهَا لِلزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ هِيَ (1 - الْبَيْعُ، 2 - إجَازَةُ الْبَيْعِ، 3 - فَسْخُ الْبَيْعِ، 4 - الْقِسْمَةُ، 5 - الشَّرِكَةُ، 6 - الْهِبَةُ، 7 - الصُّلْحُ عَلَى الْمَالِ، 8 - الْإِبْرَاءُ مِنْ الدَّيْنِ) .
مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: قَدْ بِعْتُك مَالِي هَذَا اعْتِبَارًا مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الْقَادِمِ وَقَبِلَ ذَلِكَ الشَّخْصُ الْبَيْعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ أَتَى رَأْسُ الشَّهْرِ الْمَضْرُوبِ وَهَلُمَّ جَرَّا



(الْمَادَّةُ 81) قَدْ يَثْبُت الْفَرْعُ مَعَ عَدَمِ ثُبُوتِ الْأَصْلِ




(الْمَادَّةُ 81) : قَدْ يَثْبُتُ الْفَرْعُ مَعَ عَدَمِ ثُبُوتِ الْأَصْلِ.
هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْأَشْبَاهِ وَقَدْ جَاءَتْ فِيهِ (قَدْ يَثْبُتُ الْأَصْلُ وَإِنْ لَمْ يَتَثَبَّتْ الْفَرْعُ) .
مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ قَالَ رَجُلٌ: إنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا دَيْنًا وَأَنَا كَفِيلٌ بِهِ أَيْ (بِدُونِ أَمْرِ الْمَدِينِ) وَبِنَاءً عَلَى إنْكَارِ الْأَصِيلِ ادَّعَى الدَّائِنُ عَلَى الْكَفِيلِ بِالدَّيْنِ لَزِمَ عَلَى الْكَفِيلِ أَدَاؤُهُ.
قُلْنَا بِدُونِ أَمْرِ الْمَدِينِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ الْمَدِينُ لِرَجُلٍ: اُكْفُلْنِي بِالْمَبْلَغِ الْمَطْلُوبِ مِنِّي لِفُلَانٍ وَكَفَلَهُ يُعْتَبَرُ أَمْرُهُ هَذَا إقْرَارًا بِالدَّيْنِ وَيُؤَاخَذُ بِهِ الْكَفِيلُ.
كَذَلِكَ يُؤَاخَذُ الْكَفِيلُ وَهُوَ الْفَرْعُ فِي الدَّيْنِ دُونَ الْأَصِيلِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فِيهِ فِيمَا لَوْ أَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ وَفَاءَهُ الدَّيْنَ قَبْلَ كَفَالَةِ الْكَفِيلِ. وَهَذَا الْمِثَالُ يَصِحُّ أَنْ يُتَّخَذَ مِثَالًا لِقَاعِدَةِ (الْإِقْرَارُ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ) أَيْضًا؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْكَفِيلِ بِالدَّيْنِ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ وَحُجَّةٌ قَاصِرَةٌ عَلَيْهِ وَحْدَهُ لَا تَتَعَدَّاهُ لِلْأَصِيلِ

(الْمَادَّةُ 80) لَا حُجَّةَ مَعَ التَّنَاقُضِ لَكِنْ لَا يُخْتَلُ مَعَهُ حُكْمُ الْحَاكِمِ




(الْمَادَّةُ 80) لَا حُجَّةَ مَعَ التَّنَاقُضِ لَكِنْ لَا يُخْتَلُ مَعَهُ حُكْمُ الْحَاكِمِ. يُوجَدُ تَصَرُّفٌ فِي تَرْجَمَةِ هَذِهِ الْمَادَّةِ وَذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ فِيهَا لَكِنَّ التَّرْجَمَةَ الْحَقِيقِيَّةَ لِأَصْلِهَا التُّرْكِيِّ هِيَ (لَا حُجَّةَ مَعَ التَّنَاقُضِ لَكِنْ لَا يَطْرَأُ خَلَلٌ عَلَى حُكْمِ الْمُتَنَاقَضِ عَلَيْهِ) .
يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ تَنَاقُضٌ فِي الْحُجَّةِ تَبْطُلُ وَلَكِنْ لَوْ حَكَمَ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ بُطْلَانُهَا فَلَا يُخْتَلُ الْحُكْمُ.
مِثَالُ ذَلِكَ؛ لَوْ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ عَنْ شَهَادَتِهِمَا لَا تَبْقَى شَهَادَتُهُمَا حُجَّةً لَكِنْ لَوْ كَانَ الْقَاضِي حَكَمَ بِمَا شَهِدَ بِهِ أَوَّلًا لَا يُنْقَضُ ذَلِكَ الْحُكْمُ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ ضَمَانَ الْمَحْكُومِ بِهِ وَقَدْ أُخِذَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مِنْ (بَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ) الْوَارِدِ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ وَمِنْ ذَلِكَ مَا وَرَدَ فِي الْهِدَايَةِ (وَإِذَا رَجَعَ الشُّهُودُ عَنْ شَهَادَتِهِمْ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا سَقَطَتْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْقَضَاءِ وَالْقَاضِي لَا يَقْضِي بِكَلَامٍ مُتَنَاقِضٍ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا مَا أَتْلَفَا شَيْئًا لَا عَلَى الْمُدَّعِي وَلَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ حُكِمَ بِشَهَادَتِهِمْ ثُمَّ رَجَعُوا لَمْ يُفْسَخْ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ آخِرَ كَلَامِهِمْ يُنَاقِضُ أَوَّلَهُ فَلَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِالتَّنَاقُضِ) .
لَقَدْ عُرِّفَتْ الْحُجَّةُ فِي الْأَشْبَاهِ بِأَنَّهَا " بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ، أَوْ إقْرَارٌ، أَوْ نُكُولٌ عَنْ الْيَمِينِ. وَجَاءَ عَنْهَا فِي الْمَادَّةِ (78) بِأَنَّهَا تَشْمَلُ الشَّهَادَةَ وَالْإِقْرَارَ وَلَكِنْ بِمَا أَنَّ الْحُجَّةَ الْمَقْصُودَةَ هُنَا لَيْسَتْ سِوَى الْبَيِّنَةِ وَالشَّهَادَةِ، وَقَدْ جَاءَ فِي شَرْحِ الْمَجَامِعِ عِنْدَ تَعْلِيقِ الشَّارِحِ عَلَى قَوْلِ الْمَتْنِ (التَّنَاقُضُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ) مَثَلًا لَوْ أَنْكَرَ شَخْصٌ شَيْئًا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَقَرَّ بِهِ فَيُعْتَبَرُ الْإِقْرَارُ رَغْمًا مِمَّا حَدَثَ مِنْ التَّنَاقُضِ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ لَا يَكُونُ مُتَّهَمًا بِإِقْرَارِهِ هَذَا - فَلَيْسَ مِنْ مَأْخَذٍ فِي ذَلِكَ أَوْ خَطَأٍ.
الرُّجُوعُ تَعْرِيفُهُ: الرُّجُوعُ لُغَةً نَقِيضُ الذَّهَابِ وَاصْطِلَاحًا نَفْيُ الشَّاهِدِ أَخِيرًا مَا أَثْبَتَهُ أَوَّلًا.
هَذَا وَقَدْ مَرَّ مَعَنَا أَنَّ الْحُكْمَ لَا يُخْتَلُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْحُكْمُ بِالْكَلَامِ الْمُتَنَاقِضِ غَيْرَ جَائِزٍ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا نَقْضُ الْحُكْمِ بِهِ. وَبِمَا أَنَّ الْكَلَامَيْنِ الْمُتَنَاقِضَيْنِ مُتَسَاوِيَانِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَقَدْ رَجَحَ الْأَوَّلُ عَلَى الثَّانِي بِاتِّصَالِهِ بِالْقَضَاءِ، وَالْمَرْجُوحُ لَا يُعَارِضُ الرَّاجِحَ فَلَمْ يُخْتَلْ الْحُكْمُ وَلَمْ يُنْقَضْ. وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الشُّهُودُ مُتَسَبِّبِينَ فِي الْحُكْمِ فَقَطْ وَالْحَاكِمُ هُوَ الْمُبَاشِرُ بِهِ فَمِنْ الْوَاجِبِ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (190) لَا يَتَرَتَّبُ الضَّمَانُ إلَّا عَلَى الْحَاكِمِ.
وَلَكِنْ بِمَا أَنَّ الْقَاضِيَ بَعْدَ أَنْ يُؤَدِّيَ الشُّهُودُ الشَّهَادَةَ وَبَعْدَ التَّثْبِيتِ مِنْ عَدَالَتِهِمْ مُجْبَرٌ عَلَى الْحُكْمِ فَوْرًا فَلَوْ تَأَخَّرَ وَلَمْ يَحْكُمْ يَكُونُ مَسْئُولًا شَرْعًا وَمُسْتَحِقًّا لِلتَّعْزِيرِ وَالْعَزْلِ. وَبِمَا أَنَّ تَضْمِينَ الْحُكَّامِ يَسْتَلْزِمُ امْتِنَاعَ النَّاسِ مِنْ قَبُولِ مَنْصِبِ الْقَضَاءِ خَوْفًا مِنْ الضَّمَانِ، وَحَيْثُ إنَّهُ مِمَّا تَقَدَّمَ يَتَعَذَّرُ الْحُكْمُ عَلَى الْمُبَاشِرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ وَجَبَ الْحُكْمُ بِضَمَانِ الشُّهُودِ الْمُتَسَبِّبِينَ وَالْمُعْتَدِينَ دُونَ الْحَاكِمِ الْمُبَاشِرِ.
لَقَدْ ذَكَرَ عَدَمَ اخْتِلَالِ الْحُكْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ (1729) أَيْ أَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ عَدَمَ اخْتِلَالِ الْحُكْمِ بِمَا إذَا قَبَضَ الْمَحْكُومُ لَهُ بِهِ أَمْ لَا.
مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَوْضِعٌ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فَالْبَزَّازِيَّةُ وَخِزَانَةُ الْمُفْتِينَ وَالْبَحْرُ تَقُولُ بِالضَّمَانِ سَوَاءٌ أَقَبَضَ الْمَحْكُومُ بِهِ أَمْ لَمْ يَقْبِضْ. أَمَّا الْكَنْزُ، وَالدُّرَرُ، وَمُلْتَقَى الْأَبْحُرِ، وَالْهِدَايَةُ، وَالْمُحْتَارُ، وَالْإِصْلَاحُ، وَمَوَاهِبُ الرَّحْمَنِ، فَكُلُّهَا يَشْتَرِطُ الْقَبْضَ فِي ذَلِكَ. وَلَكِنَّ الدُّرَّ الْمُنْتَقَى يَرَى أَنَّهُ إذَا حَصَلَ قَبْضٌ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ فَالْحُكْمُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَحَتَّى لَوْ شَهِدَتْ الشُّهُودُ فِي عَقَارٍ ثُمَّ رَجَعَتْ فَيَجِبُ ضَمَانُ قِيمَةِ الْعَقَارِ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ.

(الْمَادَّةُ 79) الْمَرْء مُؤَاخَذ بِإِقْرَارِهِ





(الْمَادَّةُ 79) : الْمَرْءُ مُؤَاخَذٌ بِإِقْرَارِهِ إلَّا إذَا كَانَ إقْرَارُهُ مُكَذَّبًا شَرْعًا 
وَقَدْ أُخِذَتْ هَذِهِ عَنْ الْمَجَامِعِ. فَعَلَيْهِ إذَا أَقَرَّ شَخْصٌ بِمَالِ لِآخَرَ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ عَنْ خَطَأٍ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ. مِثَالٌ: إذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ بِدَيْنٍ وَبَعْدَ أَنْ أَقَرَّ بِهِ ادَّعَى بِأَنَّهُ كَانَ أَوْفَى ذَلِكَ الدَّيْنَ يُنْظَرُ إذَا كَانَ الِادِّعَاءُ بِالْأَدَاءِ فِي مَجْلِسِ الْإِقْرَارِ لَا يُقْبَلُ حَيْثُ يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الْإِقْرَارِ وَتَنَاقُضًا فِي الْقَوْلِ، أَمَّا إذَا كَانَ فِي مَجْلِسٍ غَيْرِ مَجْلِسِ الْإِقْرَارِ يُقْبَلُ تَوْفِيقًا لِلْمَادَّةِ (1632) .
كَذَا: إذَا قَبَضَ الْمُؤَجِّرُ الْأُجْرَةَ وَبَعْدَ إقْرَارِهِ بِذَلِكَ ادَّعَى أَنَّ النُّقُودَ الَّتِي قَبَضَهَا مُزَيَّفَةٌ لَا يُقْبَلُ ادِّعَاؤُهُ.
هَذَا وَإِنَّ الْمَادَّةَ (1581) مِنْ الْمَجَلَّةِ الَّتِي تَنُصُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ هِيَ فَرْعٌ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ. فَعَلَيْهِ إذَا أَقَرَّ شَخْصٌ بِأَنَّهُ مَدِينٌ لِآخَرَ بِكَذَا ثُمَّ عَادَ فَقَالَ: رَجَعْت عَنْ إقْرَارِي هَذَا فَلَا يُعْتَبَرُ رُجُوعُهُ وَيُلْزَمُ بِإِقْرَارِهِ.
وَالْمَادَّةُ (1127) فَرْعٌ مِنْ فُرُوعِهَا أَيْضًا.
قُلْنَا فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَادَّةِ مَا مَعْنَاهُ: إذَا كَذَبَ الْإِقْرَارُ شَرْعًا فَلَا يُلْزَمُ الْمُقِرُّ بِإِقْرَارِهِ وَقَدْ جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (1654) أَنَّ الْإِقْرَارَ الَّذِي يَكْذِبُ شَرْعًا بَاطِلٌ وَالْمُقِرُّ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِهِ وَإِلَيْك الْمِثَالُ:
إذَا تَخَاصَمَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي عَلَى ثَمَنِ الْمَبِيعِ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ لَهُ بِأَلْفِ قِرْشٍ وَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ بِأَلْفَيْنِ وَبَعْدَ أَنْ أَثْبَتَ هَذَا مُدَّعَاهُ وَحَكَمَ لَهُ الْحَاكِمُ أَقَامَ الشَّفِيعُ الدَّعْوَى عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ الْمَذْكُورِ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَتَمَلَّكَ تِلْكَ الدَّارَ بِأَلْفَيْ قِرْشٍ لَا بِالْأَلْفِ بِدَاعِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ اعْتَرَفَ فِي دَعْوَاهُ مَعَ الْبَائِعِ بِأَنَّ الثَّمَنَ أَلْفٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ إقْرَارُهُ بِأَلْفٍ فَقَدْ كَذَبَ ذَلِكَ الْإِقْرَارُ وَأَصْبَحَ بَاطِلًا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ.
كَذَلِكَ إذَا ادَّعَى شَخْصٌ بِأَنَّ فُلَانًا قَدْ كَفَلَ الْمَدِينُ لَهُ بِأَمْرِهِ وَطَلَبَ إلْزَامَهُ بِأَدَاءِ الْمَبْلَغِ مِنْ جِهَةِ الْكَفَالَةِ وَبِنَاءً عَلَى إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْكَفَالَةَ أَثْبَتَهَا الْمُدَّعِي وَاسْتَوْفَى بَدَلهَا يَحِقُّ لِلْكَفِيلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَدِينِ بِالْبَدَلِ الْمَدْفُوعِ مِنْهُ وَلَا عِبْرَةَ لِإِنْكَارِهِ الْكَفَالَةَ؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ شَرْعًا.
هَذَا وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِقْرَارِ. كَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (1512) أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ عَاقِلًا بَالِغًا فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَجْنُونَةِ وَالْمَعْتُوهِ وَالْمَعْتُوهَةِ. وَفِي الْمَادَّةِ (1575) يُشْتَرَطُ رِضَاءُ الْمُقِرِّ فَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ الْوَاقِعُ بِالْجَبْرِ. وَفِي الْمَادَّةِ (1577) أَنْ لَا يُكَذِّبَ الْمُقِرُّ ظَاهِرَ الْحَالِ.

(الْمَادَّةُ 78) الْبَيِّنَةُ حُجَّةٌ مُتَعَدِّيَةٌ وَالْإِقْرَارُ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ




(الْمَادَّةُ 78) الْبَيِّنَةُ حُجَّةٌ مُتَعَدِّيَةٌ وَالْإِقْرَارُ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ وَرَدَتْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ، مِنْهَا تَنْوِيرُ الْأَبْصَارِ وَشَرْحُهُ، وَقَدْ وَرَدَتْ فِيهِمَا عَلَى الصُّورَةِ الْآتِيَةِ (وَالْأَصْلُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُتَعَدِّيَةٌ وَالْإِقْرَارُ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمُقِرِّ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ) الْبَيِّنَةُ: هِيَ الشَّهَادَةُ الَّتِي تُظْهِرُ الشَّيْءَ الثَّابِتَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَالْمَوْجُودَ قَبْلَ الشَّهَادَةِ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ.
، وَقَدْ عُرِّفَتْ فِي الْمَادَّةِ (1676) بِأَنَّهَا الْحُجَّةُ الْقَوِيَّةُ.
وَمُتَعَدِّيَةٌ: مَأْخُوذَةٌ مِنْ التَّعَدِّي، وَالتَّعَدِّي بِمَعْنَى التَّجَاوُزِ عَلَى الْغَيْرِ، وَالْمَقْصُودُ بِالْغَيْرِ هُنَا هُوَ غَيْرُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ.
الْإِقْرَارُ: كَمَا وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ (1572) هُوَ إخْبَارُ الْإِنْسَانِ عَنْ حَقٍّ عَلَيْهِ لِآخَرَ وَيُقَالُ لِذَلِكَ: مُقِرٌّ، وَلِهَذَا: مُقَرٌّ لَهُ وَلِلْحَقِّ: مُقَرٌّ بِهِ.
وَقَاصِرَةٌ: مِنْ الْقَصْرِ يُقَالُ (قَصَرَ الشَّيْءَ عَلَى كَذَا) أَيْ لَمْ يَتَجَاوَزْهُ إلَى غَيْرِهِ وَيُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ تَقْتَصِرُ عَلَى نَفْسِ الْمُقِرِّ وَلَا تَتَجَاوَزُهُ إلَى الْغَيْرِ، أَمَّا الْبَيِّنَةُ فَهِيَ حُجَّةٌ مُتَعَدِّيَةٌ تَتَجَاوَزُ إلَى الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ حُجَّةَ الْبَيِّنَةِ الْقَضَاءُ مِنْ الْحَاكِمِ، وَالْحُكْمُ مِنْهُ، وَالْحَاكِمُ لَهُ الْوِلَايَةُ الْعَامَّةُ، فَلَا تَقْتَصِرُ الْحُجَّةُ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَتَتَجَاوَزُ إلَى كُلِّ مَنْ لَهُ مِسَاسٌ بِالْقَضِيَّةِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الدُّرَرِ (الْحُكْمُ الْمَقْضِيُّ بِهِ اسْتِنَادًا عَلَى بَيِّنَةٍ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَالنِّكَاحِ، وَالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ يَكُونُ شَامِلًا لِعُمُومِ النَّاسِ) فَعَلَيْهِ لَمَّا كَانَتْ الشَّهَادَةُ مَوْقُوفَةً عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ، فَلَا تَجُوزُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِهَا بِلَا خَصْمٍ. أَمَّا الْإِقْرَارُ فَلَمَّا كَانَتْ حُجَّتُهُ مُسْتَنِدَةٌ عَلَى زَعْمِ الْمُقِرِّ فَهِيَ قَاصِرَةٌ عَلَيْهِ، وَلَا تَكُونُ مُعْتَبَرَةً بِحَقٍّ سِوَاهُ، وَهُوَ جَائِزٌ بِدُونِ خَصْمٍ عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ بِحَقِّ أَحَدٍ غَيْرِ الْمُقِرِّ.
لَوْ أَقَرَّ الْوَصِيُّ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ وَلَا يَأْخُذُ الْمُقَرَّ بِهِ مِنْ تَرِكَةِ الْمُتَوَفَّى، وَلَا يُلْزَمُ الْوَصِيُّ أَيْضًا بِأَدَائِهِ. كَذَلِكَ: لَوْ تَوَفَّى شَخْصٌ وَتَرَكَ وَلَدَيْنِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا لِرَجُلٍ بِأَنَّهُ أَخُوهُ وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ فَيُلْزَمُ الْمُقِرُّ بِإِعْطَاءِ ثُلُثِ مَا أَخَذَهُ مِنْ التَّرِكَةِ لِلْمُقَرِّ لَهُ لِلْأَخِ الثَّالِثِ، وَلَا يُلْزَمُ الْأَخُ الْمُنْكِرُ بِشَيْءٍ اسْتِنَادًا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي أَخَذَتْ بِهِ الْمَجَلَّةُ فِي الْمَادَّةِ (1642) .
هَذَا وَقَدْ بَيَّنَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ الْإِقْرَارَ لَا تُهْمَةَ فِيهِ، وَهُوَ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حُجَّةِ الْبَيِّنَةِ، فَلَدَى اجْتِمَاعِ الْحُجَّتَيْنِ مَعًا تُقَدَّمُ حُجَّةُ الْإِقْرَارِ وَيُحْكَمُ بِهَا مَا لَمْ تَمَسَّ الْحَاجَةُ لِلْحُكْمِ بِالْبَيِّنَةِ.
مِثَالُ ذَلِكَ: إذَا أَقَامَ شَخْصٌ دَعْوَى اسْتِحْقَاقٍ فِي مَالٍ اشْتَرَاهُ شَخْصٌ مِنْ آخَرَ، وَبَعْدَ أَنْ أَنْكَرَ اسْتِحْقَاقَ الْمُدَّعِي بِالْمَالِ الْمُدَّعَى بِهِ، وَأَثْبَتَ الْمُدَّعِي مِلْكِيَّتَهُ لَهُ بِالْبَيِّنَةِ، عَادَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَقَرَّ بِمَلْكِيَّةِ الْمُدَّعِي، يَحْكُمُ الْحَاكِمُ لِلْمُدَّعِي بِالْمَالِ بِنَاءً عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دُونَ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ أَقْوَى، وَلَكِنْ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي حَاجَةٍ إلَى الرُّجُوعِ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ فَيُحْكَمُ بِالْبَيِّنَةِ حِفْظًا لِحَقِّ الْمُشْتَرِي، وَمَنْعًا لِلْإِضْرَارِ بِهِ. حَتَّى يَحِقُّ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ وَاسْتِرْدَادِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ.
هَذَا وَإِلَيْكَ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ الْأَمْثِلَةُ الْآتِيَةِ: مِثَالٌ: إذَا ادَّعَى شَخْصٌ بِحُضُورِ أَحَدِ وَرَثَةِ الْمُتَوَفَّى بِأَنَّ لَهُ فِي ذِمَّةِ الْمُتَوَفَّى دَيْنًا، وَأَثْبَتَ مُدَّعَاهُ بِالْبَيِّنَةِ، وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِالدَّيْنِ الْمَذْكُورِ، فَالْحُكْمُ يَكُونُ سَارِيًا عَلَى عُمُومِ الْوَرَثَةِ، وَلَا يَحِقُّ لِلْوَرَثَةِ الَّذِينَ لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ بِمُوَاجَهَتِهِمْ أَنْ يُطَالِبُوا الْمُدَّعِيَ بِإِثْبَاتِ الدَّيْنِ بِحُضُورِهِمْ أَيْضًا، أَمَّا إذَا كَانَ الْحُكْمُ لَمْ يَكُنْ مَبْنِيًّا عَلَى بَيِّنَةٍ، بَلْ عَلَى إقْرَارٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَارِثِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْرِي بِحَقِّ أَحَدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ مَا عَدَا الْمُقِرَّ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمُقِرِّ، كَمَا أَسْلَفْنَا. كَذَلِكَ: إذَا اسْتَحَقَّ شَخْصٌ مَالًا وَأَثْبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ، وَحَكَمَ الْحَاكِمُ لَهُ بِهِ فَلِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مُشْتَرِيًا حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ، وَلَا يَحِقُّ لِهَذَا أَنْ يَتَعَلَّلَ عَنْ الدَّفْعِ بِدَاعِي أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ الْمُحَاكَمَةَ، فَلَا يَلْزَمُهُ، وَبِعَكْسِ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ لَمْ يُثْبِتْ الْمُسْتَحِقُّ اسْتِحْقَاقَهُ بِالْبَيِّنَةِ، بَلْ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي، فَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ. كَذَلِكَ: لَوْ أَقَرَّ الْمُؤَجِّرُ بِأَنَّ الْمِلْكَ الْمَأْجُورَ هُوَ مِلْكٌ لِغَيْرِهِ، فَإِقْرَارُ الْمُقِرِّ صَحِيحٌ وَمُعْتَبَرٌ وَلَكِنَّهُ لَا يَسْرِي بِحَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ، وَبَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ يُحْكَمُ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِذَلِكَ الْمِلْكِ. كَذَلِكَ إذَا كَفَلَ شَخْصٌ آخَرَ قَائِلًا: إنِّي أَكْفُلُ فُلَانًا بِمَا هُوَ مَطْلُوبٌ مِنْهُ لِفُلَانٍ، فَإِذَا أَثْبَتَ مِقْدَارَ الدَّيْنِ بِبَيِّنَةٍ ضَمِنَ الْكَفِيلُ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ، أَمَّا إذَا لَمْ يُثْبِتْ الدَّائِنُ الدَّيْنَ بِالشَّهَادَةِ، فَالْقَوْلُ مِنْ الْيَمِينِ لِلْكَفِيلِ وَلَا يَسْرِي عَلَى الْكَفِيلِ إقْرَارُ الْمَكْفُولِ بِدَيْنٍ أَكْثَرَ مِمَّا اعْتَرَفَ بِهِ الْكَفِيلُ نَفْسُهُ. كَذَا لَا يَسْرِي إقْرَارُ الرَّاهِنِ بِمِلْكِيَّةِ الْمَرْهُونِ لِلْغَيْرِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، هَذَا وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ أَقْوَى مِنْ الْبَيِّنَةِ لَا يَتَبَايَنُ مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمُقِرِّ، وَالْبَيِّنَةُ حُجَّةٌ مُتَعَدِّيَةٌ؛ لِأَنَّ الضَّعْفَ وَالْقُوَّةَ هُمَا غَيْرُ التَّعَدِّي وَالِاقْتِصَارِ. فَاقْتِصَارُ الْإِقْرَارِ عَلَى الْمُقِرِّ لَا يُنَافِي قُوَّةَ الْإِقْرَارِ عَلَى الْبَيِّنَةِ، وَضَعْفُ الْبَيِّنَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِقْرَارِ لَا يُنَافِيهِ كَوْنُهَا مُتَعَدِّيَةٌ.
(مُسْتَثْنَيَاتُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ) لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ بَعْضُ الْمُسْتَثْنَيَاتِ هِيَ: إذَا أَقَرَّ الْمُؤَجِّرُ بِدَيْنٍ فَإِقْرَارُهُ صَحِيحٌ وَمُعْتَبَرٌ، وَتُفْسَخُ الْإِجَارَةُ عَنْ الْعَقَارِ الْمُؤَجَّرِ مِنْ قِبَلِهِ لِآخَرَ، وَيُبَاعُ فِيمَا إذَا كَانَ لَيْسَ لَهُ سِوَى الْعَقَارِ مَا يُؤَدِّي بِهِ الدَّيْنَ الْمُقَرَّ بِهِ. كَذَلِكَ: إذَا أَقَرَّتْ الزَّوْجَةُ بِدَيْنٍ عَلَيْهَا وَالزَّوْجُ كَذَّبَهَا فَالْإِقْرَارُ صَحِيحٌ وَتُحْبَسُ رَغْمَ مَا يَلْحَقُ الزَّوْجَ بِذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ. هَذِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتُ قَدْ ارْتَآهَا الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ، وَلَكِنَّ الْإِمَامَيْنِ يَرَيَانِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَبْسُ الزَّوْجَةِ بِإِقْرَارِهَا بِدَيْنٍ، وَلَا فَسْخُ الْإِجَارَةِ وَبَيْعُ الْمَأْجُورِ إذَا أَقَرَّ الْمُؤَجِّرُ لِآخَرَ بِدَيْنٍ.

(الْمَادَّةُ 77) الْبَيِّنَةُ لِإِثْبَاتِ خِلَافِ الظَّاهِرِ وَالْيَمِينُ لِبَقَاءِ الْأَصْلِ






(الْمَادَّةُ 77) : الْبَيِّنَةُ لِإِثْبَاتِ خِلَافِ الظَّاهِرِ وَالْيَمِينُ لِبَقَاءِ الْأَصْلِ.
لِأَنَّ الْأَصْلَ يُؤَيِّدُهُ ظَاهِرُ الْحَالِ، فَلَا يَحْتَاجُ لِتَأْيِيدٍ آخَرَ، وَاَلَّذِي يَكُونُ خِلَافَ الظَّاهِرِ يَتَرَاوَحُ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَيَحْتَاجُ إلَى مُرَجِّحٍ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمَجَامِعِ. خِلَافُ الظَّاهِرِ وَخِلَافُ الْأَصْلِ - خِلَافُ الظَّاهِرِ وَخِلَافُ الْأَصْلِ كَالْمَوْجُودِ فِي الصِّفَاتِ الْعَارِضَةِ، وَاشْتِغَالُ الذِّمَّةِ، وَإِضَافَةُ الْحَوَادِثِ إلَى أَبْعَدِ أَوْقَاتِهَا، وَالْأَصْلُ وَالظَّاهِرُ فِي الصِّفَاتِ الْعَارِضَةِ الْعَدَمُ، كَبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَإِضَافَةِ الْحَادِثِ إلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 8 وَ 9 وَ 11) كَمَا إذَا ادَّعَى شَخْصُ قَائِلًا: إنَّنِي بِعْت الْمَالَ الْفُلَانِيَّ مِنْ فُلَانٍ حِينَمَا كُنْتُ صَبِيًّا، وَبِمَا أَنَّ الْبَيْعَ الْمَذْكُورَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (967) غَيْرُ نَافِذٍ فَاطْلُبْ رَدَّهُ، وَأَجَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَائِلًا: إنَّهُ بَاعَنِي إيَّاهُ أَثْنَاءَ مَا كَانَ بَالِغًا وَالْبَيْعُ نَافِذٌ، فَلِأَنَّ الصِّغَرَ وَعَدَمَ الْبُلُوغِ أَصْلٌ، فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِمُدَّعِي الصِّغَرِ. وَبِمَا أَنَّ الْبُلُوغَ عَارِضٌ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَتُطْلَبُ الْبَيِّنَةُ مِنْ مُدَّعِي الْبُلُوغِ، كَذَلِكَ إذْ ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنَّ الْبَيْعَ الَّذِي وَقَعَ بَيْنَهُمَا كَانَ بَيْعَ وَفَاءً، وَادَّعَى الْآخَرُ أَنَّهُ كَانَ بَيْعًا بَاتًّا فَبِمَا أَنَّ الظَّاهِرَ وَالْأَصْلَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بَاتًّا، فَالْقَوْلُ لِمَنْ يَدَّعِي بِأَنَّ الْبَيْعَ بَاتٌّ وَبِمَا أَنَّ وُقُوعَ الْبَيْعِ وَفَاءً هُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ وَخِلَافُ الظَّاهِرِ، فَتُطْلَبُ الْبَيِّنَةُ مِنْ مُدَّعِي الْوَفَاءِ. كَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي كَوْنِ الْبَيْعِ وَقَعَ بِإِكْرَاهٍ أَوْ بِرِضَاءٍ، فَالْقَوْلُ لِمَنْ يَدَّعِي الرِّضَاءَ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ وَالْبَيِّنَةُ تُطْلَبُ مِنْ مُدَّعِي الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ. كَذَا لَوْ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ مُطَالِبًا إيَّاهُ بِدَيْنٍ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْكَرَ ذَلِكَ فَالْبَيِّنَةُ تُطْلَبُ مِنْ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي خِلَافَ الْأَصْلِ، وَهُوَ اشْتِغَالُ الذِّمَّةِ رَاجِعْ (الْمَادَّةَ الثَّامِنَةَ) وَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلشَّخْصِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ.
(مُسْتَثْنَيَاتُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ) يُصَدَّقُ الْأَمِينُ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (1174) بِيَمِينِهِ عَلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَإِلَيْكَ الْإِيضَاحُ: إذَا ادَّعَى الْمُودِعُ طَالِبًا مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ الْوَدِيعَةَ، وَادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ أَنَّهُ رَدَّهَا لَهُ أَوْ أَنَّهَا تَلِفَتْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ، فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلْمُسْتَوْدَعِ، وَالْحَالُ أَنَّ الرَّدَّ وَالْهَلَاكَ مِنْ الصِّفَاتِ الْعَارِضَةِ وَالْأَصْلُ حَسْبَ الْمَادَّةِ التَّاسِعَةِ عَدَمُهَا، وَكَانَ مِنْ اللَّازِمِ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى رَدِّهِ الْوَدِيعَةَ أَوْ هَلَاكِهَا بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ.

الخميس، 11 أبريل 2024

(الْمَادَّةُ 76) الْبَيِّنَةُ لِلْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ



(الْمَادَّةُ 76) : الْبَيِّنَةُ لِلْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ.
هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ الْقَائِلِ «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَيُؤَيِّدُهَا الدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُدَّعِي مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ فَهُوَ ضَعِيفٌ يَحْتَاجُ لِبَيِّنَةٍ تَدْعَمُهُ، وَكَلَامُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمَّا كَانَ مُوَافِقًا لِلظَّاهِرِ فَهُوَ لَا يَحْتَاجُ لِتَقْوِيَةِ مَا سِوَى الْيَمِينِ.
الْبَيِّنَةُ - هِيَ الشَّهَادَةُ الْعَادِلَةُ الَّتِي تُؤَيِّدُ صِدْقَ دَعْوَى الْمُدَّعِي. وَبِمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ تُقَيِّدُ بَيَانًا سُمِّيَتْ بَيِّنَةً وَسُمِّيَتْ حُجَّةً؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ يَتَغَلَّبُ بِهَا عَلَى خَصْمِهِ.
الدَّعْوَى - هِيَ طَلَبُ أَحَدٍ حَقَّهُ مِنْ آخَرَ فِي حُضُورِ الْمُحَاكِمِ، وَيُقَالُ لِلطَّالِبِ الْمُدَّعِي وَلِلْمَطْلُوبِ مِنْهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (مَادَّةُ 1613) الْمُدَّعَى - هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي، وَيُقَالُ لَهُ الْمُدَّعَى بِهِ أَيْضًا (مَادَّةُ 1614) .
الْيَمِينُ - هُوَ تَأْيِيدُ الْحَالِفِ لِخَبَرِهِ بِالْقَسَمِ بِاسْمِ اللَّهِ.
هَذَا وَيُعْلَمُ بَعْضُ أَحْكَامِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ عَقْلًا وَبَعْضُهَا شَرْعًا وَإِلَيْكَ الْبَيَانُ: مِنْ الْمَعْلُومِ عَقْلًا أَنَّ كُلَّ خَبَرٍ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ فَالِادِّعَاءُ الْمُجَرَّدُ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ خَبَرًا فَمَا لَمْ يُدْعَمُ بِبُنَيَّةٍ، فَلَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ. وَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ هُوَ أَنَّهُ مَتَى مَا أَثْبَتَ الْمُدَّعِي اسْتِحْقَاقَهُ بِالْمُدَّعَى بِهِ اسْتَحَقَّهُ.

فَعَلَيْهِ إذَا ادَّعَى مُدَّعٍ عَلَى آخَرَ بِحَقٍّ لَهُ بِحُضُورِ الْحَاكِمِ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْكَرَ دَعْوَى الْمُدَّعِي، فَالْحَاكِمُ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (1817) يَطْلُبُ مِنْ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ وَلَا تُطْلَبُ الْبَيِّنَةُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُطْلَقًا، فَإِذَا عَجَزَ الْمُدَّعِي عَنْ الْبَيِّنَةِ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرُ الْيَمِينَ، وَذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (1818) وَلَا يَحْلِفُ الْمُدَّعِي مُطْلَقًا.
مِثَالٌ: لَوْ اشْتَرَى شَخْصٌ مَالًا مِنْ آخَرَ فَادَّعَى الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي قَائِلًا لَهُ: إنَّهُ اشْتَرَى مِنِّي الْمَالَ الْفُلَانِيَّ بِالْوَكَالَةِ، وَأَضَافَ الْعَقْدَ لِنَفْسِهِ، وَأَخَذَ الْمَالَ فَلْيَدْفَعْ لِي الثَّمَنَ، وَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ، بَلْ رَسُولًا وَأَنَّهُ لِذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (1463) غَيْرُ مُطَالَبٍ بِدَفْعِ الثَّمَنِ، فَتُطْلَبُ الْبَيِّنَةُ مِنْ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَضَافَ الْعَقْدَ لِنَفْسِهِ، وَيُكَلَّفُ الْمُشْتَرِي بِالْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ إضَافَةَ الْعَقْدِ لِنَفْسِهِ. إنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ لَا يُعْدَلُ عَنْهَا مُطْلَقًا حَتَّى لَوْ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ بِمَبْلَغٍ فِي ذِمَّتِهِ وَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي: إذَا حَلَفْت بِأَنَّ هَذَا الْمَبْلَغَ يَلْزَمُ ذِمَّتِي أَدْفَعُهُ لَك فَحَلَفَ الْمُدَّعِي الْيَمِينَ، فَلَا يُلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِدَفْعِ الْمَبْلَغِ الْمَذْكُورِ.
هَذَا وَمِنْ الْأُمُورِ اللَّازِمَةِ وَالْمُهِمَّةِ فِي الدَّعْوَى تَفْرِيقُ الْمُدَّعِي مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَتَعْيِينُهُمَا؛ لِأَنَّهُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ يُشْتَبَهُ الْمُدَّعِي بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، كَأَنْ يَكُونَ رَجُلٌ وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى مَالٍ مَثَلًا فَيَجِيءُ أَجْنَبِيٌّ وَيَدَّعِي بِأَنَّهُ لَهُ، وَأَنْ لَيْسَ لِوَاضِعِ الْيَدِ مِنْ حَقٍّ فِي الْمَالِ، وَيَدَّعِي وَاضِعُ الْيَدِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَظَاهِرُ الْحَالِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَمُنْكَرٌ مَعًا، وَلَكِنْ بِمَا أَنَّ نَفْسَ مِلْكِيَّةِ ذِي الْيَدِ يَدْخُلُ فِي دَعْوَى الْأَجْنَبِيِّ ضِمْنًا؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ إثْبَاتَ الْمِلْكِ لِنَفْسِهِ، وَإِثْبَاتُ وَاضِعُ الْيَدِ الْمِلْكِيَّةَ لِنَفْسِهِ يَدْخُلُ فِي دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ نَفْسَ الْمِلْكِيَّةَ عَنْ الْأَجْنَبِيِّ. وَبِمَا أَنَّ الْمُدَّعِي هُوَ الَّذِي يَقُولُ خِلَافَ الظَّاهِرِ وَاَلَّذِي يَكُونُ قَوْلُهُ: مُوَافِقًا لِلظَّاهِرِ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَوَاضِعُ الْيَدِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْمُدَّعِي هُوَ الْأَجْنَبِيُّ.
مِثَالٌ آخَرُ:
إذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ فَادِّعَاؤُهُ هَذَا ادِّعَاءٌ يَشْغَلُ ذِمَّةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَبِمَا أَنَّ اشْتِغَالَ الذِّمَّةِ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهَا فَاَلَّذِي يَدَّعِي خِلَافَ الظَّاهِرِ مُدَّعٍ وَالثَّانِي هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ ارْتَأَى أَنَّهُ يَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي فِي حَالَيْنِ هُمَا:
الْحَالُ الْأُولَى - إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ وَطَلَبَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَلِفَ الْيَمِينِ فَلَمْ يَحْلِفْ فَتُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي، فَإِنْ حَلَفَ يُحْكَمُ لَهُ وَإِلَّا فَلَا. وَقَدْ اسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ «بِأَنَّ الرَّسُولَ الْكَرِيمَ رَدَّهَا عَلَى صَاحِبِ الْحَقِّ أَيْ الْيَمِينَ» وَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ.
الْحَالُ الثَّانِيَةُ:
- إذَا كَانَ لِلْمُدَّعِي شَاهِدٌ وَاحِدٌ وَعَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الشَّاهِدِ الثَّانِي، وَتَحْلِيفُ الْمُدَّعِي فِي هَذِهِ الْحَالِ عَلَى أَنَّ مَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ هُوَ صِدْقٌ وَأَنَا مُسْتَحِقٌّ لِلْحَقِّ الْمَشْهُودِ بِهِ. وَلَكِنَّ لِلْمُدَّعِي فِي هَذِهِ الْحَالِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ حَلِفِ الْيَمِينِ وَيُكَلَّفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْحَلِفِ
وَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِي أَيْضًا. إلَّا أَنَّ يَمِينَ الْمُدَّعِي قَبْلَ أَنْ يُكَلَّفَ بِهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ غَيْرُ الْيَمِينِ الَّتِي تُرَدُّ عَلَيْهِ بَعْدَ تَكْلِيفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهَا وَامْتِنَاعِهِ عَنْهَا، فَهَذِهِ الْأَخِيرَةُ لِتَقْوِيَةِ جَانِبِهِ بِنُكُولِ الْخَصْمِ، وَتِلْكَ لِتَقْوِيَةِ جَانِبِهِ بِالشَّاهِدِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِالْأُولَى إلَّا فِي الْأَمْوَالِ وَيُقْضَى بِالثَّانِيَةِ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ، فَإِذَا لَمْ يَحْلِفْ الْمُدَّعِي يَمِينَ الرَّدِّ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْيَمِينِ.

(الْمَادَّةُ 75) الثَّابِتُ بِالْبُرْهَانِ كَالثَّابِتِ بِالْعِيَانِ




(الْمَادَّةُ 75) الثَّابِتُ بِالْبُرْهَانِ كَالثَّابِتِ بِالْعِيَانِ 
يَعْنِي إذَا ثَبَتَ شَيْءٌ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ مَثَلًا كَانَ حُكْمُهُ كَالْمُشَاهَدَةِ بِالْعِيَانِ.
الْبُرْهَانُ - هُوَ الدَّلِيلُ الَّذِي يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَيُمَيِّزُ الصَّحِيحَ مِنْ الْفَاسِدِ. يَسْتَعْمِلُ الْفُقَهَاءُ كَلِمَةَ (بَرْهَنَ عَلَيْهِ) بِمَعْنَى أَقَامَ شُهُودًا، وَالشَّهَادَةُ الَّتِي يَقْصِدُهَا الْفُقَهَاءُ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ هِيَ الشَّهَادَةُ الْعَادِلَةُ. ذَلِكَ غَيْرُ مَا يُرِيدُهُ الْأُصُولِيُّونَ بِهَا.
الْعِيَانُ - رُؤْيَةُ الشَّيْءِ بِصُورَةٍ وَاضِحَةٍ لَا يَبْقَى مَعَهَا مَجَالٌ لِلِاشْتِبَاهِ. يُقَالُ: فُلَانٌ عَايَنَ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ يُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ نَظَرَهُ بِعَيْنِهِ. مِثَالٌ: إذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ بِحَقٍّ مَا فَكَمَا أَنَّ إقْرَارَهُ - فِيمَا لَوْ أَقَرَّ - يُتَّخَذُ حُجَّةً وَمَدَارًا لِلْحُكْمِ عَلَيْهِ تُتَّخَذُ الشَّهَادَةُ مَدَارًا لِلْحُكْمِ أَيْضًا، فِيمَا لَوْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَثْبَتَ الْمُدَّعِي ذَلِكَ بِالشَّهَادَةِ الْعَادِلَةِ.

(الْمَادَّةُ 74) لَا عِبْرَةَ لِلتَّوَهُّمِ




(الْمَادَّةُ 74) لَا عِبْرَةَ لِلتَّوَهُّمِ
هَذِهِ الْقَاعِدَةُ ذُكِرَتْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ، وَمِنْهَا (مَجْمَعُ الْفَتَاوَى) وَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّهُ، كَمَا لَا يَثْبُتُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ اسْتِنَادًا عَلَى وَهْمٍ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الشَّيْءِ الثَّابِتِ بِصُورَةٍ قَطْعِيَّةٍ بِوَهْمٍ طَارِئٍ.
مِثَالُ ذَلِكَ: إذَا تُوُفِّيَ الْمُفْلِسُ تُبَاعُ أَمْوَالُهُ وَتُقْسَمُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ تَوَهَّمَ أَنَّهُ رُبَّمَا ظَهَرَ غَرِيمٌ آخَرُ جَدِيدٌ، وَالْوَاجِبُ مُحَافَظَةً عَلَى حُقُوقِ ذَلِكَ الدَّائِنِ الْمَجْهُولِ أَلَّا تُقْسَمَ وَلَكِنْ؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِلتَّوَهُّمِ تُقْسَمُ الْأَمْوَالُ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَمَتَى ظَهَرَ غَرِيمٌ جَدِيدٌ يَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْهُمْ حَسْبَ الْأُصُولِ الْمَشْرُوعَةِ. كَذَا إذَا بِيعَتْ دَارٌ وَكَانَ لَهَا جَارَانِ لِكُلٍّ حَقُّ الشُّفْعَةِ، أَحَدُهُمَا غَائِبٌ فَادَّعَى الشَّفِيعُ الْحَاضِرُ الشُّفْعَةَ فِيهَا، يُحْكَمُ لَهُ بِذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ إرْجَاءُ الْحُكْمِ بِدَاعِي أَنَّ الْغَائِبَ رُبَّمَا طَلَبَ الشُّفْعَةَ فِي الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ، كَذَلِكَ إذَا كَانَ لِدَارِ شَخْصٍ نَافِذَةٌ عَلَى أُخْرَى لِجَارِهِ تَزِيدُ عَلَى طُولِ الْإِنْسَانِ، فَجَاءَ الْجَارُ طَالِبًا سَدَّ تِلْكَ النَّافِذَةِ بِدَاعِي أَنَّهُ مِنْ الْمُمْكِنِ أَنْ يَأْتِيَ صَاحِبُ النَّافِذَةِ بِسُلَّمٍ وَيُشْرِفَ عَلَى مَقَرِّ النِّسَاءِ، فَلَا يُلْتَفَتُ لِطَلَبِهِ، كَذَا لَا يُلْتَفَتُ لِطَلَبِهِ فِيمَا لَوْ وَضَعَ جَارُهُ فِي غَرْفَةٍ مُجَاوِرَةٍ لَهُ تِبْنًا وَطَلَبَ رَفْعَهُ بِدَاعِي أَنَّهُ مِنْ الْمُحْتَمَلِ أَنْ تَعْلَقَ بِهِ النَّارُ فَتَحْتَرِقَ دَارُهُ.

كَذَا: إذَا جَرَحَ شَخْصٌ آخَرَ، ثُمَّ شُفِيَ الْمَجْرُوحُ مِنْ جُرْحِهِ تَمَامًا وَعَاشَ مُدَّةً، ثُمَّ تُوُفِّيَ فَادَّعَى وَرَثَتُهُ بِأَنَّهُ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ وَالِدُهُمْ مَاتَ بِتَأْثِيرِ الْجُرْحِ، فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُمْ.

(الْمَادَّةُ 73) لَا حُجَّةَ مَعَ الِاحْتِمَالِ النَّاشِئِ عَنْ دَلِيلِ



(الْمَادَّةُ 73) لَا حُجَّةَ مَعَ الِاحْتِمَالِ النَّاشِئِ عَنْ دَلِيلِ
هَذِهِ الْقَاعِدَةُ قَدْ وَرَدَتْ فِي الْمَجَامِعِ وَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّ كُلَّ حُجَّةٍ عَارَضَهَا احْتِمَالٌ مُسْتَنِدٌ إلَى دَلِيلٍ يَجْعَلُهَا غَيْرَ مُعْتَبَرَةٍ، وَلَكِنَّ الِاحْتِمَالَ غَيْرَ الْمُسْتَنِدِ إلَى دَلِيلٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ.
مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ أَقَرَّ أَحَدٌ لِأَحَدِ وَرَثَتِهِ بِدَيْنٍ، فَإِنْ كَانَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يُصَدِّقْهُ بَاقِي الْوَرَثَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ احْتِمَالَ كَوْنِ الْمَرِيضِ قَصَدَ بِهَذَا الْإِقْرَارِ حِرْمَانَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ مُسْتَنِدًا إلَى دَلِيلِ كَوْنِهِ فِي الْمَرَضِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْإِقْرَارُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ جَازَ، وَاحْتِمَالُ إرَادَةِ حِرْمَانِ سَائِرِ الْوَرَثَةِ حِينَئِذٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ احْتِمَالٌ مُجَرَّدٌ وَنَوْعٌ مِنْ التَّوَهُّمِ لَا يَمْنَعُ حُجَّةَ الْإِقْرَارِ. وَلَكِنَّ إقْرَارَ الْمَرِيضِ لِغَيْرِ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّ فِي إمْكَانِ الْمَرِيضِ إيصَالُ الْمَنْفَعَةِ لِلْأَجْنَبِيِّ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ لَا يُوجَدُ فِيهِ مَا يُوجَدُ لِلْوَارِثِ مِنْ الِاحْتِمَالِ فَهُوَ صَحِيحٌ وَمُعْتَبَرٌ.

(الْمَادَّةُ 72) لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ




(الْمَادَّةُ 72) : لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ.
هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْأَشْبَاهِ وَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِعْلٌ بِنَاءً عَلَى ظَنٍّ كَهَذَا لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ، فَإِذَا حَدَثَ فِعْلٌ اسْتِنَادًا عَلَى ظَنٍّ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ يَجِبُ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ.
مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ أَوْفَى كَفِيلُ الدَّيْنِ الَّذِي كَفَلَ بِهِ أَحَدَ النَّاسِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْأَصِيلَ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْفَى الدَّيْنَ الْمَذْكُورَ يَحِقُّ لِلْكَفِيلِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَالَ الْمَدْفُوعَ، كَمَا يَحِقُّ لِلْأَصِيلِ أَيْضًا فِيمَا لَوْ دَفَعَ دَيْنًا عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ أَوْفَاهُ عَنْهُ الْكَفِيلُ أَنْ يُطَالِبَ بِهِ الدَّائِنَ؛ لِأَنَّ دَفْعَهُمَا لِلْمَالِ كَانَ عَنْ خَطَأٍ لِظَنِّهِمَا أَنْ يَلْزَمَهُمَا، وَدَفْعُ الْمَالِ خَطَأٌ لَا يُرَتِّبُ حَقًّا لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ، وَلَا يَكُونُ مَانِعًا مِنْ اسْتِرْدَادِ ذَلِكَ الْحَقِّ. كَذَلِكَ، إذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ بِأَلْفِ قِرْشٍ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي: إذَا حَلَفْت بِأَنَّ هَذَا الْمَبْلَغَ الَّذِي تَدَّعِيهِ يَلْزَمُ ذِمَّتِي لَك أَدْفَعُهُ لَك، فَحَلَفَ وَظَنَّ الْمَطَالِبُ بِأَنَّهُ مُجْبَرٌ عَلَى أَدَاءِ الْمَبْلَغِ بِمُوجِبِ الشَّرْطِ الَّذِي اشْتَرَطَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَدَفَعَ الْمَبْلَغَ لَكِنْ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْيَمِينَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (76) لَا يَتَوَجَّهُ عَلَى الْمُدَّعِي بَلْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرِ، يَحِقُّ لَهُ اسْتِرْدَادُ مَا دَفَعَهُ، كَذَلِكَ إذَا اسْتَهْلَكَ أَوْ أَتْلَفَ شَخْصٌ مَالًا لِآخَرَ ظَانًّا بِأَنَّ الْمَالَ مَالُهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ ذَلِكَ الْمَالِ.
كَذَلِكَ: لَوْ كَانَ شَخْصٌ يَشْتَرِي مِنْ تَاجِرٍ بَضَائِعَ وَيُقَيِّدُ التَّاجِرُ مَا يَشْتَرِيهِ الرَّجُلُ بِدَفْتَرِهِ وَأَرَادَ الْمُشْتَرِي دَفْعَ ثَمَنِ مَا أَخَذَهُ فَطَلَبَ مِنْ التَّاجِرِ أَنْ يَجْمَعَ كُلَّ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ فَغَلِطَ التَّاجِرُ فَبَدَلًا مِنْ أَلْفٍ طَلَبَ أَلْفَيْنِ وَدَفَعَ الْمُشْتَرِي الْأَلْفَيْنِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ أَلْفُ قِرْشٍ فَقَطْ فَدَفْعُ الْأَلْفِ الثَّانِيَةِ لِلتَّاجِرِ خَطَأً، لَا يَمْنَعُهُ مِنْ اسْتِرْدَادِهَا. كَذَلِكَ: لَوْ أَعْطَى شَخْصٌ آخَرَ مَبْلَغًا ظَانًّا بِأَنَّهُ مَدِينٌ لَهُ بِهِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ غَيْرُ مَدِينٍ يَحِقُّ لَهُ اسْتِرْدَادُ مَا دَفَعَهُ. كَذَلِكَ: لَوْ أَعْطَى شَخْصٌ آخَرَ مَبْلَغًا ظَانًّا بِأَنَّ الْمَبْلَغَ مَطْلُوبٌ مِنْ وَالِدِهِ لِذَلِكَ الرَّجُلِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ وَالِدَهُ لَمْ يَكُنْ مَدِينًا لِذَلِكَ الشَّخْصِ، يَحِقُّ لَهُ اسْتِرْدَادُ الْمَالِ

(مُسْتَثْنَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ) لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ مُسْتَثْنًى وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ شَخْصٌ حَيَوَانًا مِنْ آخَرَ فَطَلَبَهُ جَارُهُ بِالشُّفْعَةِ فَظَنَّ الْمُشْتَرِي بِأَنَّ الشُّفْعَةَ تَجْرِي فِي الْمَنْقُولِ كَمَا فِي غَيْرِهِ، وَسَلَّمَ الْحَيَوَانَ لِلشَّفِيعِ بِرِضَاهُ وَاخْتِيَارِهِ، فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا اطَّلَعَ عَلَى خَطَئِهِ اسْتِرْدَادُ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّهُ بِتَسْلِيمِهِ الْمَبِيعَ يَكُونُ قَدْ عَقَدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ الرَّجُلِ عَقْدَ تَعَاطٍ.

(الْمَادَّةُ 71) يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُتَرْجِمِ مُطْلَقًا



(الْمَادَّةُ 71) : يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُتَرْجِمِ مُطْلَقًا.
هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْأَشْبَاهِ، وَالْمُتَرْجِمُ هُوَ الَّذِي يُفَسِّرُ لُغَةً بِأُخْرَى، وَالشَّيْخَانِ يَرَيَانِ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُتَرْجِمِ الْوَاحِدِ، أَمَّا الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فَذَهَبَ إلَى أَنَّ مِنْ اللَّازِمِ أَنْ يَكُونَ عَدَدُ الْمُتَرْجِمِينَ لَا يَقِلُّ عَنْ نِصَابِ الشَّهَادَةِ، وَلَمَّا جَاءَ ذِكْرُ الْمُتَرْجِمِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ وَفِي الْمَادَّةِ (127) بِصِيغَةِ الْمُفْرَدِ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَجَلَّةَ قَدْ أَخَذَتْ بِقَوْلِ الشَّيْخَيْنِ، وَقَدْ اشْتَرَطَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ فِي الْمُتَرْجِمِ أَلَّا يَكُونَ أَعْمَى. فَعَلَيْهِ وَبِمُقْتَضَى هَذِهِ الْمَادَّةِ إذَا كَانَ الْحَاكِمُ غَيْرَ عَارِفٍ بِلِسَانِ الْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ شُهُودِهِمَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَمِعَ ادِّعَاءَ الْمُدَّعِي أَوْ دِفَاعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ شَهَادَةَ الشُّهُودِ بِوَاسِطَةِ الْمُتَرْجِمِ، وَيَجِبُ أَنْ يَعْتَبِرَهَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ صَادِرَةً رَأْسًا مِنْ أَصْحَابِهَا، وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُتَرْجِمِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا وَغَيْرَ أَعْمَى، كَمَا قُلْنَا، وَإِذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مُتَرْجِمَانِ، فَلَا بَأْسَ فِي ذَلِكَ احْتِيَاطًا.



(الْمَادَّةُ 70) الْإِشَارَاتُ الْمَعْهُودَةُ لِلْأَخْرَسِ كَالْبَيَانِ بِاللِّسَانِ




(الْمَادَّةُ 70) : الْإِشَارَاتُ الْمَعْهُودَةُ لِلْأَخْرَسِ كَالْبَيَانِ بِاللِّسَانِ.
يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنَّ إشَارَةَ الْأَخْرَسِ الْمَعْهُودَةِ مِنْهُ كَالْإِشَارَةِ بِالْيَدِ أَوْ الْحَاجِبِ هِيَ كَالْبَيَانِ بِاللِّسَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تُعْتَبَرُ إشَارَتُهُ لَمَا صَحَّتْ مُعَامَلَتُهُ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، وَلَكَانَ عُرْضَةً لِلْمَوْتِ جُوعًا. وَيُفْهَمُ مِنْ إيرَادِ هَذِهِ الْمَادَّةِ مُطْلَقَةً أَنَّ إشَارَةَ الْأَخْرَسِ تَكُونُ مُعْتَبَرَةً سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا بِالْكِتَابَةِ أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ. لِأَنَّ الْكِتَابَةَ وَالْإِشَارَةَ بِدَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ تَقْرِيبًا مِنْ حَيْثُ الدَّلَالَةُ عَلَى الْمُرَادِ وَإِلَيْكَ مَا يَخْتَلِفَانِ فِيهِ مِنْ النِّقَاطِ.
فَالْكِتَابَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْإِشَارَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَتَضَمَّنُ مَا يَقْصِدُهُ الْكَاتِبُ عَيْنًا، وَالْإِشَارَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْكِتَابَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَكُونُ بِالرَّأْسِ وَالْيَدَيْنِ وَهُمَا الْعُضْوَانِ اللَّذَانِ يَسْتَعِينُ بِهِمَا الْمُتَكَلِّمُ لِلْإِعْرَابِ عَنْ ضَمِيرِهِ. فَعَلَيْهِ قَدْ جُعِلَ لِلْأَخْرَسِ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْكِتَابَةَ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ أَفْكَارِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى الْأُخْرَى كَمَا قُلْنَا (تَكْمِلَةُ الْبَحْرِ) . عَلَى أَنَّهُ قَدْ قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ الْمَقْصُودَةُ فِي الْكَلَامِ هِيَ الْإِشَارَةُ الْمُقَارِنَةُ لِتَصْوِيتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَخْرَسَ مِنْ عَادَتِهِ عِنْدَ التَّعْبِيرِ عَنْ شَيْءٍ أَنْ يَقْرِنَ الْإِشَارَةَ (بِالتَّصْوِيتِ) . وَقَدْ زَادَ الْحَمَوِيُّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ قِرَاءَةُ الْأَخْرَسِ مَقْرُونَةً بِالتَّصْوِيتِ. فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْهُمَامِ وَالْحَمَوِيِّ يُفْهِمُ أَنَّهُ مِنْ الْوَاجِبِ اقْتِرَانُ التَّصْوِيتِ بِالْإِشَارَةِ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ وَالْكَلَامِ، وَلَكِنْ هَلْ يَجِبُ اقْتِرَانُ الْإِشَارَةِ بِالتَّصْوِيتِ فِي الْإِجَارَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعُقُودِ أَمْ لَا؟ فَاقْتِرَانُ الْإِشَارَةِ بِالتَّصْوِيتِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ بِدَلِيلِ مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ الْهُمَامِ.

هَذَا وَإِشَارَةُ الْأَخْرَسِ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَعْلُومَةٍ يُحَقَّقُ مِنْ أَقَارِبِهِ وَأَصْدِقَائِهِ وَجِيرَانِهِ عَمَّا يَقْصِدُ بِهَا وَلَا رَيْبَ فِي أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَخْبَرُ مِنْهُمْ عُدُولًا مَوْثُوقِي الشَّهَادَةِ، وَقَدْ قَالَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ أَنَّ الْإِشَارَةَ الَّتِي تَصْدُرُ مِنْ الْأَخْرَسِ عَلَى نَوْعَيْنِ:
الْأَوَّلُ: تَحْرِيكُ الْأَخْرَسِ رَأْسَهُ عَرْضًا، فَهَذِهِ الْإِشَارَةُ إشَارَةُ الْإِنْكَارِ.
الثَّانِي: تَحْرِيكُ الْأَخْرَسِ رَأْسَهُ طُولًا، وَهِيَ إشَارَةُ الْإِقْرَارِ.
وَهَاتَانِ الْإِشَارَتَانِ إذَا كَانَتَا مَعْرُوفَتَيْنِ لِلْأَخْرَسِ تُعَدُّ الْأُولَى إذَا صَدَرَتْ مِنْهُ إنْكَارًا وَالثَّانِيَةُ إقْرَارًا، عَلَى أَنَّ الْأَخْرَسَ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ فَكِتَابَتُهُ مُعْتَبَرَةٌ كَإِشَارَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ. وَقَدْ قُيِّدَتْ الْإِشَارَةُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ بِالْأَخْرَسِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ (1586) لَا تُعْتَبَرُ إشَارَةُ النَّاطِقِ، كَمَا لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِنَاطِقٍ: هَلْ لِفُلَانٍ عَلَيْكَ كَذَا دَرَاهِمَ.؟ فَلَا يَكُونُ قَدْ أَقَرَّ بِالدَّرَاهِمِ إذَا خَفَضَ رَأْسَهُ، كَذَا لَوْ بَاعَ شَخْصٌ مَالَ شَخْصٍ نَاطِقٍ فَبَلَغَهُ الْخَبَرُ، وَبَيْنَمَا هُوَ يُفَكِّرُ وَيَتَأَمَّلُ خَاطَبَهُ شَخْصٌ بِقَوْلِهِ: هَلْ تُجِيزُ الْبَيْعَ.؟ فَحَرَّكَ رَأْسَهُ طُولًا عَلَامَةَ الْمُوَافَقَةِ لِلْأَخْرَسِ، فَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مِنْهُ إجَازَةً لِلْبَيْعِ. وَقَدْ وَرَدَتْ هَذِهِ الْمَادَّةُ فِي الْأَشْبَاهِ، وَهِيَ كَمَا يَأْتِي: الْإِشَارَةُ مِنْ الْأَخْرَسِ مُقَيَّدَةٌ وَقَائِمَةٌ مَقَامَ الْعِبَارَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ بَيْعٍ، وَإِجَارَةٍ، وَهِبَةٍ وَرَهْنٍ، وَنِكَاحٍ، وَطَلَاقٍ، وَإِبْرَاءٍ، وَإِقْرَارٍ، وَقِصَاصٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَحِقُّ لِلْأَخْرَسِ بِإِشَارَتِهِ الْمَعْهُودَةِ أَنْ يَأْتِيَ كُلَّ مَا يَأْتِيهِ النَّاطِقُونَ، يَعْقِدُ أَيَّ عَقْدٍ أَرَادَ، يُجِيزُ، وَيُقِرُّ، وَيَنْكُلُ عَنْ حَلِفِ الْيَمِينِ، وَيُوَكِّلُ بِإِدَارَةِ أُمُورِهِ، وَذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (174 وَ 436 وَ 1586) هَذَا وَإِذَا نُظِمَتْ وَصِيَّةُ الْأَخْرَسِ بِحُضُورِهِ، وَخَاطَبَهُ الْحَاضِرُونَ قَائِلِينَ لَهُ هَلْ نَشْهَدُ عَلَيْك، فَأَشَارَ بِتَحْرِيكِ رَأْسِهِ الْحَرَكَةَ الْمُتَعَارَفَةِ بِأَنَّهَا إشَارَةٌ لَهُ عَلَى الْمُوَافَقَةِ، يَكُونُ قَدْ أَوْصَى بِمَا فِي الْوَصِيَّةِ، بَيْدَ أَنَّ الْخَرَسَ عَلَى نَوْعَيْنِ (1) خَرَسٌ أَصْلِيٌّ (2) وَخَرَسٌ عَارِضٌ. وَبِمَا أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْمَادَّةِ ذِكْرُ الْأَخْرَسِ بِدُونِ تَعْيِينٍ فَهِيَ شَامِلَةٌ لِلِاثْنَيْنِ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ فِي الْمَادَّةِ حَقِيقَةً هُوَ الْخَرَسُ الْأَصْلِيُّ وَالْخَرَسُ الْعَارِضُ يُسَمَّى (اعْتِقَالَ اللِّسَانِ) وَهُوَ يَحْدُثُ لِلْإِنْسَانِ بِمَرَضٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ سُقُوطٍ مِنْ شَاهِقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَرُبَّمَا زَالَ فَانْطَلَقَ اللِّسَانُ، وَلَمَّا كَانَتْ الْإِشَارَةُ إنَّمَا جُوِّزَتْ لِلضَّرُورَةِ، وَالضَّرُورَةُ لَا تَكُونُ إلَّا عِنْدَ الْيَأْسِ مِنْ انْطِلَاقِ اللِّسَانِ، فَإِشَارَةُ مُعْتَقَلِ اللِّسَانِ لَا تُعْتَبَرُ، وَلَا تُتَّخَذُ حُجَّةً بِحَقِّهِ، وَلَكِنْ إذَا اسْتَدَامَ الِاعْتِقَالُ فِي إنْسَانٍ حَتَّى مَوْتِهِ، فَإِقْرَارُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِإِشَارَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ يَكُونُ مُعْتَبَرًا، كَمَا لَوْ كَانَ أَخْرَسَ أَصْلِيًّا. عَلَى أَنَّ إشَارَةَ الْأَخْرَسِ وَكِتَابَتَهُ إنَّمَا تُعْتَبَرَانِ وَتُتَّخَذَانِ حُجَّةً فِي الْمُعَامَلَاتِ الْحُقُوقِيَّةِ فَقَطْ، فَشَهَادَةُ الْأَخْرَسِ إشَارَةً وَكِتَابَةً لَا تُعْتَبَرُ فِي الْعُقُوبَاتِ عَمَلًا بِقَاعِدَةِ " وُجُوبِ دَرْءِ الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ "

(الْمَادَّةُ 69) الْكِتَابُ كَالْخِطَابِ




(الْمَادَّةُ 69) : الْكِتَابُ كَالْخِطَابِ.
هَذِهِ الْمَادَّةُ هِيَ نَفْسُ قَاعِدَةِ (الْكِتَابُ كَالْخِطَابِ) الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَشْبَاهِ. وَالْمَقْصُودُ فِيهَا هُوَ أَنَّهُ كَمَا يَجُوزُ لِاثْنَيْنِ أَنْ يُعْقَدَ بَيْنَهُمَا مُشَافَهَةً عَقْدُ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ كَفَالَةٍ أَوْ حَوَالَةٍ أَوْ رَهْنٍ أَوْ مَا إلَى ذَلِكَ مِنْ الْعُقُودِ، يَجُوزُ لَهُمَا عَقْدُ ذَلِكَ مُكَاتَبَةً أَيْضًا. وَالْكُتُبُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: (1) الْمُسْتَبِينَةُ الْمَرْسُومَةُ (2) الْمُسْتَبِينَةُ غَيْرُ الْمَرْسُومَةِ (3) غَيْرُ الْمُسْتَبِينَةِ.
فَالْمُسْتَبِينَةُ الْمَرْسُومَةُ هِيَ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ مِنْهَا مِمَّا يُقْرَأُ خَطُّهُ، وَيَكُونُ وَفْقًا لِعَادَاتِ النَّاسِ وَرُسُومِهِمْ وَمُعَنْوَنًا. وَقَدْ كَانَ مِنْ الْمُتَعَارَفِ فِي زَمَنِ صَاحِبِ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) أَنْ يُكْتَبُ الْكِتَابُ عَلَى وَرِقٍ وَيُخْتَمُ أَعْلَاهُ، وَكُلُّ كِتَابٍ لَا يَكُونُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ مَكْتُوبًا عَلَى وَرِقٍ وَمَخْتُومًا لَا يُعَدُّ مَرْسُومًا، أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَالْكِتَابُ يُعَدُّ مَرْسُومًا بِالْخَتْمِ وَالتَّوْقِيعِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، وَذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (1610) وَلَكِنْ إذَا كُتِبَ كِتَابٌ فِي زَمَانِنَا عَلَى غَيْرِ الْوَرِقِ مَثَلًا يُنْظَرُ إذَا كَانَ الْمُعْتَادُ أَنْ تُكْتَبَ الْكُتُبُ عَلَى غَيْرِ الْوَرِقِ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ الْكِتَابُ، كَمَا لَوْ كُتِبَ عَلَى وَرِقٍ وَإِلَّا فَلَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ كِتَابٍ يُحَرَّرُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَعَارَفِ مِنْ النَّاسِ حُجَّةٌ عَلَى كَاتِبِهِ كَالنُّطْقِ بِاللِّسَانِ.
وَالْمُسْتَبِينَةُ غَيْرُ الْمَرْسُومَةِ: هِيَ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ مَكْتُوبًا عَلَى غَيْرِ مَا هُوَ مُتَعَارَفٌ بَيْنَ النَّاسِ كَأَنْ يَكُونَ مَكْتُوبًا عَلَى حَائِطٍ أَوْ وَرِقِ شَجَرٍ أَوْ بَلَاطَةٍ مَثَلًا، فَالْكِتَابُ الَّذِي يُكْتَبُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ لَغْوٌ وَلَا يُعْتَبَرُ حُجَّةً فِي حَقِّ صَاحِبِهِ إلَّا إنْ نَوَى أَوْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ حِينَ الْكِتَابَةِ، وَالْإِمْلَاءُ يَقُومُ مَقَامَ الْإِشْهَادِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَاتِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ، كَمَا أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ بِقَصْدِ بَيَانِ الْحَقِيقَةِ تَكُونُ فِي الْغَالِبِ بِقَصْدِ التَّجْرِبَةِ أَوْ عَبَثًا، فَتَحْتَاجُ إلَى مَا يُؤَيِّدُهَا كَالنِّيَّةِ أَوْ الْإِشْهَادِ أَوْ الْإِمْلَاءِ حَتَّى تُعْتَبَرَ حُجَّةً بِحَقِّ كَاتِبِهَا.
وَغَيْرُ الْمُسْتَبِينَةِ: هِيَ كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْمَاءِ، وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْكَلَامِ غَيْرِ الْمَسْمُوعِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى كَاتِبِهَا حُكْمٌ وَإِنْ نَوَى مِثَالَ ذَلِكَ، لَوْ كَتَبَ شَخْصٌ عِبَارَةَ (إنَّنِي مَدِينٌ بِكَذَا قِرْشًا لِفُلَانٍ) عَلَى سَطْحِ مَاءِ نَهْرٍ أَوْ فِي الْهَوَاءِ لَا يُعَدُّ مُقِرًّا بِذَلِكَ الْمَبْلَغِ لِلشَّخْصِ الْمَذْكُورِ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا بِالْكِتَابَةِ عَلَى الْمَاءِ أَوْ فِي الْهَوَاءِ - كَمَا لَا يَخْفَى - هُوَ تَحْرِيكُ الْيَدِ بِحُرُوفِ الْكَلِمَاتِ، كَمَا تُحَرَّكُ بِالْقَلَمِ عَلَى صَفْحَةِ الْقِرْطَاسِ.
وَفِيمَا يَأْتِي أَمْثِلَةٌ عَلَى هَذِهِ الْمَادَّةِ: إذَا كَتَبَ شَخْصٌ تَحْرِيرًا مُعَنْوَنًا وَمَرْسُومًا إلَى شَخْصٍ غَائِبٍ قَائِلًا فِيهِ: إنَّنِي قَدْ بِعْت مِنْك الْمَالَ الْفُلَانِيَّ بِكَذَا قِرْشًا وَقَبِلَ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ الْمَبِيعَ بِذَلِكَ الْمَبْلَغِ فِي مَجْلِسِ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ، أَوْ حَرَّرَ كِتَابًا لِلْبَائِعِ يُنْبِئُهُ بِالْقَوْلِ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ، وَذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (173) وَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ، كَمَا وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ (436) تَنْعَقِدُ بِالْمُكَاتَبَةِ، وَكَذَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِمُجَرَّدِ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْكِتَابِ الْمُرْسَلِ مِنْ مُوَكِّلِهِ لِعَزْلِهِ.

(الْمَادَّةُ 68) دَلِيلُ الشَّيْءِ فِي الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ يَقُومُ مَقَامَهُ




(الْمَادَّةُ 68) دَلِيلُ الشَّيْءِ فِي الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ يَقُومُ مَقَامَهُ
يَعْنِي أَنَّهُ يُحْكَمُ بِالظَّاهِرِ فِيمَا يَتَعَسَّرُ الِاطِّلَاعُ عَلَى حَقِيقَتِهِ.
هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمَجَامِعِ وَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّهُ إذَا كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَا تَظْهَرُ لِلْعِيَانِ، فَسَبَبُهُ الظَّاهِرِيُّ يَقُومُ بِالدَّلَالَةِ عَلَى وُجُودِهِ؛ لِأَنَّ الْأُمُورَ الْبَاطِنَةَ لَا يُمْكِنُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَسْتَدِلَّ عَلَيْهَا إلَّا بِمَظَاهِرِهَا الْخَارِجِيَّةِ.
تَعْرِيفُ الدَّلِيلِ: هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يَسْتَلْزِمُ الْعِلْمُ بِهِ الْعِلْمَ بِشَيْءٍ آخَرَ: كَمَا لَوْ رَأَى رَاءٍ دُخَّانًا يَنْبَعِثُ مِنْ مَكَان فَيَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ بِأَنْ يَسْتَدِلَّ عَلَى وُجُودِ نَارٍ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ.
وَإِلَيْكَ الْأَمْثِلَةُ الْآتِيَةُ إيضَاحًا لِهَذِهِ الْمَادَّةِ: إذَا أَوْجَبَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ الْبَيْعَ وَقَبْلَ أَنْ يَقْبَلَ الْفَرِيقُ الْآخَرُ ظَهَرَ مِنْهُ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ يَبْطُلُ الْإِيجَابُ، وَذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (183) فَالْإِعْرَاضُ هُنَا هُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ وَلَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَى إعْرَاضِ إنْسَانٍ عَنْ شَيْءٍ إلَّا بِمَا يُظْهِرُهُ مِنْ الْأَفْعَالِ، وَمَتَى مَا أَظْهَرَ شَيْئًا يَدُلُّ عَلَى إعْرَاضٍ، وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ حَقِيقَةً، فَلِأَنَّ الْأَفْعَالَ الظَّاهِرَةَ تَقُومُ مَقَامَ تِلْكَ الْأُمُورِ، يُتَّخَذُ دَلِيلًا عَلَى الْإِعْرَاضِ، وَإِيضَاحًا لِهَذَا الْمِثَالِ نَقُولُ: يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ فَالْإِيجَابُ أَوَّلُ كَلَامٍ يُصْدَرُ مِنْ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ، وَالْقَبُولُ ثَانِي كَلَامٍ يُصْدَرُ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَيُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ وَعَدَمُ وُقُوعِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ بَيْنَهُمَا، وَلَكِنْ إذَا حَصَلَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ قَبْلَ الْقَوْلِ بَطَلَ الْإِيجَابُ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ فِيمَا لَوْ قَبِلَ الْفَرِيقُ الْآخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي نَفْسِ الْمَجْلِسِ، كَأَنْ يَقُولَ شَخْصٌ لِآخَرَ: بِعْتُك الْمَالَ الْفُلَانِيَّ بِكَذَا قِرْشًا وَسَكَتَ ذَلِكَ الشَّخْصُ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَلَمْ يَعْمَلْ عَمَلًا يَدُلُّ عَلَى إعْرَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: قَبِلْت. يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ، وَلَكِنْ إذَا أَعْرَضَ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ بَعْدَ وُقُوعِ الْإِيجَابِ، كَمَا لَوْ أَخَذَ يَتَكَلَّمُ فِي مَوْضُوعٍ آخَرَ، أَوْ قَامَ مِنْ الْمَجْلِسِ أَوْ أَجْرَى أَيَّ عَمَلٍ آخَرَ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ، ثُمَّ قَبِلَ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ الْإِيجَابَ بِإِعْرَاضِهِ، فَيَلْزَمُ تَجْدِيدُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ حَتَّى يَنْعَقِدَ الْبَيْعُ. كَذَلِكَ: إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ حَيَوَانًا مِنْ آخَرَ، وَلَمَّا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فِيهِ أَخَذَ يُدَاوِيهِ، فَبِمَا أَنَّ الرِّضَا بِالْعَيْبِ مِنْ الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ وَمَا لَمْ يَبْدُ مِنْ الْأُمُورِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَبِمَا أَنَّ الْأَخْذَ فِي مُدَاوَاةِ الْحَيَوَانِ دَلِيلٌ عَلَى الرِّضَاءِ بِالْعَيْبِ الَّذِي فِيهِ لَا يَحِقُّ لَهُ رَدُّ الْمَبِيعِ بِالْعَيْبِ الَّذِي فِيهِ. كَذَلِكَ: بِمَا أَنَّ الْمُلْتَقِطَ (وَهُوَ الَّذِي أَصَابَ لُقَطَةً) يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْغَاصِبِ إذَا قَصَدَ أَخْذَهَا لِنَفْسِهِ، وَحُكْمُ الْأَمِينِ إذَا قَصَدَ إعَادَتَهَا لِصَاحِبِهَا، وَبِمَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَعْرِفَ مَا يُكِنُّهُ ضَمِيرُهُ وَيَشْتَمِلُ عَلَيْهِ وِجْدَانُهُ إلَّا بِمَا يُظْهِرُهُ مِنْ الْأَفْعَالِ أَوْ الْأَقْوَالِ.
فَإِذَا أَشْهَدَ حِينَمَا وَجَدَ اللُّقَطَةَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا الْتَقَطَهَا لِيُعِيدَهَا لِصَاحِبِهَا، وَأَعْلَنَ فِي الصُّحُفِ عَنْهَا مَثَلًا يُسْتَدَلُّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يَقْصِدُ إعَادَتَهَا وَتَكُونُ بِيَدِهِ وَدِيعَةً، وَإِذَا أَخْفَاهَا وَلَمْ يُخْبِرْ أَحَدًا بِهَا وَلَمْ يُعْلِنْ عَنْهَا فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْغَاصِبِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَعَلَيْهِ إذَا تَلِفَ ذَلِكَ الْمُلْتَقِطُ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ، وَهُوَ عِنْدَ الْأَوَّلِ لَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَالثَّانِي يَكُونُ ضَامِنًا عَلَى كُلِّ حَالٍ فِيمَا لَوْ تَلِفَ بِيَدِهِ، كَذَلِكَ: شَهَادَةُ الشَّاهِدِ عَلَى مِلْكِيَّةِ وَاضِعِ الْيَدِ وَإِنْ كَانَتْ أَحْيَانًا تَكُونُ بِنَاءً عَلَى اطِّلَاعِهِ عَلَى سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِيَّةِ كَالشِّرَاءِ مَثَلًا، فَهِيَ فِي الْغَالِبِ تَكُونُ مُسْتَنِدَةً عَلَى الدَّلَائِلِ الظَّاهِرَةِ مِنْ تَصَرُّفٍ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الدَّلَائِلُ تَقُومُ مَقَامَ مَدْلُولِهَا فِي الْأَشْيَاءِ الْبَاطِنَةِ لَمَا حَقَّ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْمِلْكِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْأُمُورِ الْمَحْسُوسَةِ الَّتِي تَظْهَرُ لِلْعِيَانِ، بَلْ لَكَانَ ذَلِكَ دَاعِيًا لِسَدِّ بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، كَذَلِكَ الْقَصْدُ فِي الْقَتْلِ يَثْبُتُ بِالْأَعْمَالِ الَّتِي تَصْدُرُ مِنْ الْقَاتِلِ، كَاسْتِعْمَالِهِ الْآلَاتِ الْجَارِحَةِ وَضَرْبِ الْمَقْتُولِ بِهَا عِدَّةَ ضَرَبَاتٍ مَثَلًا.