جلسة 3 من فبراير سنة 1953
برياسة حضرة رئيس المحكمة أحمد محمد حسن؛ وبحضور حضرات المستشارين إبراهيم خليل ومصطفى حسن وإسماعيل مجدي ومصطفى فاضل.
---------------
(179)
القضية رقم 1007 سنة21 القضائية
زنا.
الحكم بعدم قبول دعوى الزنا لإنعدام الزواج بموجب حكم سابق صدوره من المحكمة الدينية لطائفة الروم الأرثوذكس . صحيح.
----------------
إنه فيما عدا الطوائف التي نظمت مجالسها بتشريع خاص مثل محاكم طوائف الأقباط الأرثوذكس, والانجيليين الوطنيين والأرمن الكاثوليك, وفيما عدا المسائل التي صدر تشريع خاص بتنظيمها أو بإحالتها إلى المحاكم, فإن مسائل الأحوال الشخصية - ومن أخصها مسائل الزواج والطلاق - تظل متروكة للهيئات الدينية التي عبر عنها الخط الهمايوني بأنها "ترى بمعرفة البطرك" والتي ظلت من قديم تباشر ولاية القضاء في هذه المسائل دون إشراف فعلي من الدولة حتى صدر القانون رقم 8 لسنة 1915 فأقر تلك الحال على ما كانت عليه ولم تنجح المحاولة التي قامت بها الحكومة سنة 1936 بإصدار المرسوم بقانون رقم 40 سنة 1936 إذ سقط بعدئذ بعدم تقديمه للبرلمان بعد أن أقر هو أيضا تلك الحال ضمنا بما كان ينص عليه من ضرورة تقدم تلك الهيئات بمشروعات تنظيم هيئاتها القضائية لكي تعتمدها بمرسوم. وإذن فالحكم الصادر من المحكمة الدينية لطائفة الروم الأرثوذكس ببطلان زواج المتهمة بالزنا من زوجها - الطاعن - والذي رفعت الدعوى به قبل واقعة الزنا يكون صحيحا, ويكون الحكم المطعون فيه سليما فيما انتهى إليه من عدم تحقق شرط قبول دعوى الزنا وعدم تحقق أركان الجريمة لإنعدام الزواج في اليوم المقول بحصولها فيه.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلا من: 1 - ........ 2 - ......... (المطعون ضده) بأنهما في 7و8 سبتمبر سنة 1949 ارتكبا جريمة الزنا حالة كون المتهمة الأولى متزوجة. وطلبت عقابهما بالمواد 274 و275 و276 من قانون العقوبات. وقد ادعى....... بحق مدني قبل المتهمين وطلب القضاء له عليهما متضامنين بمبلغ 51 جنيها بصفة تعويض. ولدى نظر الدعوى أمام محكمة جنح المينا الجزئية ببورسعيد دفع محامي المتهمين بعدم قبول الدعوى لأن النيابة العمومية أقامتها بغير إذن الزوج. والمحكمة المذكورة قضت برفض الدفع وحددت لنظر الموضوع جلسة 23 مارس سنة... واعتبرت النطق بهذا القرار إعلانا للمتهمين واشعارا للمدعي بالحق المدني وعلى النيابة إعلان شهود الإثبات. ومحكمة بورسعيد الجزئية قضت عملا بالمادة 172 من قانون تحقيق الجنايات ببراءة المتهمين وبرفض الدعوى المدنية وإلزام المدعي بالحق المدني بصفتيه بمصاريفها المدنية و10 جنيهات أتعاب المحاماة. فاستأنفت النيابة الحكم, كما استأنفه المدعي بالحق المدني. ولدى نظر الدعوى أمام محكمة بورسعيد الابتدائية تمسك المتهمان بالدفع السابق إبداؤه. والمحكمة المذكورة قضت فيها حضوريا بتاريخ 12 أبريل سنة 1951 بقبول الاستئنافين شكلا وفي الموضوع أولا - بإلغاء الحكم المستأنف القاضي برفض الدفع بعدم قبول الدعوى - ثانيا - تأييد الحكم المستأنف القاضي ببراءة المتهمين في الدعوى العمومية - ثالثا - بتأييد الحكم المستأنف بالنسبة للدعوى المدنية وإلزام المستأنف بمصاريف الاستئناف المدنية وعشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة.
فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.
المحكمة
حيث إن الطاعن يبني طعنه على أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بتأييد حكم محكمة أول درجة القاضي ببراءة المطعون ضدهما من جريمة الزنا ورفض الدعوى المدنية تأسيسا على أن الزواج بين المدعي والمطعون ضدها الأولى غير قائم قد أخطأ في تطبيق القانون ذلك بأنه بنى قضاءه على أن الحكم الصادر من بطريركية الروم الأرثوذكس بالاسكندرية المنعقدة بهيئة استئنافية ببطلان الزواج الذي تم بين الطاعن والمطعون ضدها الأولى, هذا الحكم قد صدر صحيحا من هيئة مشكلة تشكيلا قانونيا وأصبح نهائيا واجب الاحترام - مستندا في ذلك إلى براءة صادرة من السلطان عبد الحميد بتاريخ 4 جمادي الثانية سنة 1314 هجرية إلى بطريرك الروم الأرثوذكس بإطلاق السلطة له كاملة في تنظيم الفصل في كل ما يتعلق بأمور الزواج والطلاق وأن البطريرك الحالي إعمالا لهذه السلطة المخولة له قد أصدر منشورا بالاشتراك مع المجمع المقدس تاريخه 11 مايو سنة 1940 بتشكيل محاكم كنسية من الرهبان فقط للفصل في هذه الشؤون. هذا الذي قاله الحكم غير سديد لأن الحكم المشار إليه الصادر ببطلان الزواج قد صدر من هيئة دينية بحتة خلافا لما نص عليه الخط الهمايوني الصادر في سنة 1856 من سلطان تركيا وهو الدستور الأساسي لتنظيم شؤون الرعايا المسيحيين وغير المسلمين, فقد أوجب هذا الخط أن تكون الهيئات التي تفصل في هذه الشؤون مشكلة من هيئة تجمع بين رجال الدين وأعيان الطائفة, ثم صدر القانون رقم 8 لسنة 1915 فاستبقى العمل به بعد أن انفصلت مصر عن تركيا وتأيد هذا كله بما ورد من نصوص في مشروعي اللائحتين اللتين أعدتا من طائفة الروم الأرثوذكس في سنة 1928, 1937 ولذا فإن حكم البطلان الصادر من البطريركية لا تكون له أية حجية. ذلك لأن الحكم الذي يصدر من جهة استثنائية لا يصلح سندا في دعوى مطروحة أمام المحاكم إلا إذا اتضح لها أنه صدر في حدود ولاية الجهة الاستثنائية التي أصدرته, وأنها كانت مشكلة تشكيلا صحيحا وإلا فعليها أن تطرحه وهى بذلك لا تعتدي على اختصاص الجهة الأخرى بل هى تستعمل حقها في تقدير أدلة الدعوى المطروحة أمامها, هذا إلى أن الحكم أخطأ في القانون أيضا حين قال بأن البطلان الذي قضى به ذلك الحكم له أثر رجعي ينسحب إلى وقت عقد الزواج, ذلك لأن صدور ذلك الحكم لا يغير شئيا من الحقائق الواقعية الثابتة وهى أن زواجا عقد وأنه أثمر طفلا فإذا فقد الزواج شرطا شكليا وهو في واقعة الدعوى موافقة البطريرك قبل عقده لوجود علاقة قربى بين الزوجين, فإن هذا لا يعنى أن يكون للبطلان أثر رجعي لما يترتب على ذلك من نتائج خطيرة على كيان الأسرة والعلاقة الزوجية, فالبطلان الذي يلحق العقد إن صح إنما هو بطلان نسبي لا يكون له اثر إلا من تاريخ الحكم. ولما كانت واقعة الزنا قد وقعت قبل صدور الحكم ببطلان الزواج فإنها تكون قد وقعت والزوجية قائمة مما يتحقق معه وقوع الجريمة وبالتالي استحقاق الطاعن للتعويض.
وحيث إن الدعوى العمومية رفعت من النيابة العامة على..... و..... بتهمة ارتكابهما جريمة الزنا حالة كون الأولى متزوجة من...... فدفع المتهمان بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير إذن زوج لأن الزواج الذي عقد بين...... وبين المتهمة الأولى وقع باطلا, وقد قضى ببطلانه بحكم نهائي من المحكمة البطريركية للروم الأرثوذكس التي يتبعها الطرفان في 15 من ديسمبر سنة 1949 وقدما صورة رسمية من الحكم المشار إليه جاء فيها أن المحكمة حكمت ببطلان الزواج الذي تم بين المتهمة الأولى وبين المدعي بالحق المدني بتاريخ 2 سبتمبر سنة 1945 وقد رد المدعي بالحق المدني "الطاعن" على هذا الدفع بأن الحكم الذي يستند إليه المتهمان صدر من هيئة كنسية مكونة من رجال الاكليروس وحدهم خلافا لما قضى به الخط الهمايوني الصادر من سلطان تركيا بتاريخ 18 من فبراير سنة 1856 من وجوب تشكيل المجالس الملية للطوائف غير الإسلامية من دينيين علمانيين وأن طائفة الروم الأرثوذكس تنفيذا لذلك الخط قد وضعت لائحة في سنة 1928 نظمت بها محاكمها الكنيسية ثم وضعت لائحة أخرى في سنة 1937 على هذا الأساس, كما استند المدعي بالحق المدني إلى صورة غير رسمية من كتاب قال إن المستشار الملكي لوزارة الداخلية أرسله إلى محافظ الاسكندرية في سنة 1941 قال فيه إن قانون الأحوال الشخصية للطوائف غير الإسلامية الذي صدر في سنة 1936 كان قد فرض على تلك الطوائف أن تقدم لوائح مجالسها الملية لاعتمادها بمرسوم, فقدمت طائفة الروم الأرثوذكس في سنة 1938 مجموعة شملت إجراءات تشكيل المجالس الملية, كما نظمت أمور الزواج والطلاق, ولكن بالنظر إلى عدم تقديم ذلك القانون للبرلمان لم يعد محل لطل البطركخانة اعتماد لوائحها وأنه يكفي أن وزارة الداخلية قد أخذت علما بلوائح الإجراءات المشار إليها, كما قال إن اللوائح التي سبق للحكومة أن اعتمدتها قد جعلت ولاية القضاء في مسائل الأحوال الشخصية لمجالس مكونة من أعضاء دينيين وأعضاء مدنيين, ولم يرد إطلاقا في أية لائحة من تلك اللوائح ما يخالف ذلك, ولذا فإن محكمة الأحوال الشخصية لطائفة الروم الأرثوذكس يجب أن تكون مشكلة من رئيس دينى ومن قاضيين وإلا فإن التشكيل المخالف لذلك لا يكون معترفا به - وقد قضت المحكمة الجزئية برفض الدفع وبقبول الدعوى استنادا إلى الحجج السالفة الذكر وبعد أن نظرت الموضوع قضت فيه بالبراءة لعدم ثبوت الواقعة. فاستأنفت النيابة والمدعي بالحق المدني والمحكمة الاستئنافية أصدرت بعد ذلك الحكم المطعون فيه الذي قضى بإلغاء الحكم المستأنف الصادر برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبتأييد الحكم الصادر بالبراءة ورفض الدعوى المدنية, وأسست حكمها على أن الخط الهمايوني الصادر في سنة 1856 بتنظيم شؤون الطوائف غير الإسلامية في بلاد السلطنة العثمانية إذ أشار إلى مجالس مشكلة من دينيين وعلمانيين فإنما كان ذلك بصدد تنظيم المجالس التي تختص بنظر المصالح الملية أما مسائل الزواج والطلاق فإنها تركت للرؤساء الدينيين ولذا فإن الحكم الصادر من المحكمة الكنيسية ببطلان الزواج يكون صادرا من هيئة ذات ولاية للقضاء في الشأن الذي صدر فيه ويتعين لذلك اعتباره حجة بما قضى به, ولما كانت أحكام البطلان مقررة للحقوق وليست منشئة لها, فإن الحكم ببطلان الزواج يستند إلى يوم عقده أو على الأقل إلى يوم رفع الدعوى فتكون الزوجية على اية حال غير قائمة في تاريخ الواقعة المسندة إلى المتهمين وتكون شكوى الزوج اللازمة لرفع الدعوى في جريمة الزنا غير قائمة لحصولها من غير زوج كما تكون الجريمة ذاتها غير متوافرة إذ أنها لا تقوم إلا إذا كان هناك زواج أى أن التهمة ذاتها لا يكون لها أساس ما دام الزواج منعدما في اليوم المقول بحصول الواقعة فيه.
وحيث إن ولاية القضاء للطوائف غير الإسلامية في سائر أقطار السلطنة العثمانية كانت منذ الفتح العثمانى للقسطنطينية متروكة للهيئات الدينية لتلك الطوائف دون تدخل أو إشراف من سلطات الدولة, فكانت الهيئات الدينية تباشر وظيفة القضاء لا في مسائل الأحوال الشخصية وحدها بل وفي سائر الشؤون المدنية والجنائية فلما عمت الشكوى من الفوضى الناشئة من ذلك ومن تعدد جهات القضاء واستبداد كل منها بأمور طائفتها مع تشابك المصالح المختلفة إلى جانب إنعدام التنظيم الذي يرسم طريق التقاضي فضلا عن الجهل بالقوانين ذاتها التي تطبقها تلك الهيئات في أغلب الأحوال أخذت الدولة في منتصف القرن التاسع عشر تهتم بتنظيم شؤون تلك الطوائف فأصدرت في فبراير سنة 1856 الوثيقة المعروفة بالخط الهمايوني والتي تعتبر دستور العلاقة تلك الطوائف في سائر شؤونها بالدولة العثمانية وعلى الأخص في الشؤون القضائية وقد بدأت تلك الوثيقة بالتحدث عن الامتيازات السابق إعطاؤها للطوائف غير الإسلامية وما يقتضي الحال إدخاله من الإصلاحات التي اقتضاها "الوقت وأثار التمدن والمعارف المكتسبة" ثم أشارت إلى إصلاح انتخاب البطاركة وتخصيص إيرادات معينة لهم وللرهبان ورؤساء الجماعات ثم قالت: "وتحال إدارة المصالح الملية المختصة بحماية باقي التبعة المسيحيين غير المسلمة لحسن محافظة مجلس مركب من أعضاء منتخبة فيما بين رهبان كل جماعة وعوامها بدون أن يحصل إيراث سكنته إلى أرزاق وأموال الرهبان منقولة كانت أو غير منقولة ولا ينبغي أن يقع موانع في تعمير وترميم الأبنية المختصة بإجراء العبادات ولا في باقي محلاتهم كالمكاتب والمستشفيات..." وبعد أن تحدث عن تأمين حرية الشعائر الدينية ومساواه لرعايا غير المسلمين مع باقي الرعايا في الطوائف وفي التعلم قال: "أما جميع الدعاوي التي تحدث فيما بين أهل الإسلام والمسيحيين وباقي التبعة غير المسلمة تجارية كانت أو جنائية فتحال إلى دواوين مختلطة والمجالس التي تعقد بين طرفي هذه الدواوين لأجل استماع الدعوى تكون علنية بمواجهة المدعي والمدعي عليه والشهود... أما الدعاوي العائدة إلى الحقوق العادية فينبغي أن ترى شرعا أو نظاما بحضور الوالي وقاضي البلدة في مجالس الايالات... وأما الدعاوي الخاصة مثل حقوق الأرثية بين شخصين من المسيحيين وباقي التبعة غير المسلمة فتحال على أن ترى إذا أراد أصحاب الدعوى بمعرفة البطرك أو الرؤساء والمجالس وينبغي تتميم أصول ونظامات المرافعات التي تجري في الدواوين المختلطة بمقتضى قوانين المجازاة والتجارة بأسرع ما يمكن... الخ" ويبين من ذلك أن الخط الهمايوني قد تحدث أولا عن مجلس تحال عليه إدارة المصالح الملية ثم تحدث بعدئذ عن الدعاوي فقال إن التجارية منها والجنائية فيما بين المسلمين والمسيحيين وباقي التبعة تحال إلى دواوين مختلطة وتسمع في جلسات علنية في مواجهة الخصوم والشهود وأن دعاوى الحقوق العادية ترى شرعا أو نظاما في مجالس الايالات ثم تحدث عن الدعاوى الخاصة مثل الحقوق الارثية بين غير المسلمين فقال إنها ترى إذا أرادت أصحاب الدعوى بمعرفة البطرك أو الرؤساء والمجالس. وقد ثار الجدل وقام النزاع حول الاختصاص في مسائل الأحوال الشخصية. وقال البعض إن التعبير بالدعاوي الخاصة ينصرف إلى هذه المسائل بصفة عامة وأن الحقوق الارثية لم ترد إلا على سبيل المثال مما يؤدي إلى ضرورة اتفاق الطرفين لكي يكون للهيئات الدينية اختصاص بنظر هذه المسائل فكانت المحاكم الشرعية تنظر في مسائل الزواج والطلاق بين غير المسلمين كلما رفع إليها النزاع غير أنه صدرت منشورات مختلفة من حكومة تركيا كما نص في براءات تعيين بعض البطاركة على اختصاص الهيئات الدينية وحدها بمسائل الأحوال الشخصية فيما بين أهل الملة الواحدة ثم صار التسليم من جانب الحكومة المصرية بذلك, ولذا فإنه عندما أنشئت المحاكم المختلطة نصت المادة التاسعة من لائحتها على أن هذه المحاكم لا تختص بنظر مسائل الأحوال الشخصية كما نصت المادة 16 من لائحة المحاكم الأهلية على أنه ليس لها أن تنظر في المسائل المتعلقة بأصل الأوقاف ولا في مسائل الأنكحة ولا ما يتعلق بها من قضايا المهر والنفقة وغيرها ولا في مسائل الهبة والوصية والمواريث وغيرها مما يتعلق بالأحوال الشخصية, كما أن الحكومة المصرية قد أصدرت في سنة 1883 أول لائحة لتنظيم مجلس الأقباط الأرثوذكس, ثم أصدرت بعدئذ لئحة لتنظيم مجالس الانجيليين الوطنيين في سنة 1902 ولائحة لمجالس الأرمن الكاثوليك في سنة 1905 وقد نظمت هذه اللوائح الثلاث تشكيل المحاكم التي تنظر مسائل الأحوال الشخصية. أما باقي الطوائف فلم يصدر تشريع ينظم شؤون مجالسها وظل الحال على ما كان عليه إلى أن انفصلت مصر عن تركيا إثر نشوب الحرب العالمية الأولى فصدر القانون رقم 8 لسنة 1915 ينص على "أن السلطات القضائية الاستثنائية المعترف بها حتى الآن في الديار المصرية تستمر إلى حين الإقرار على أمر آخر على التمتع بما كان لها من الحقوق لمنذ زوال السيادة العثمانية, وعلى ذلك فإن السلطات القضائية المذكورة هى والهيئات التي بواسطتها تمارس تلك السلطات أعمالها يكون مخولا لها بصفة مؤقتة جميع الاختصاصات والحقوق التي كانت تستمدها لغاية الآن من المعاهدات والفرامانات والبراءات العثمانية" وبمقتضى هذا القانون أصبحت السلطة القضائية التي كانت تباشرها تلك الهيئات في مسائل الأحوال الشخصية تستمد ولايتها من القانون رقم 8 لسنة 1915 ولكنها لاتزال محتفظة بأنظمتها السابقة من حيث تشكيلها واختصاصاتها إلى الفرامانات والبراءات العثمانية وإلى العرف الذي كان ساريا في الديار المصرية عند زوال السيادة العثمانية وذلك بموجب القانون رقم 8 لسنة 1915 ذاته وقد استمر الحال على هذا الوضع من الاقتصار على تنظيم شؤون الطوائف الثلاث المشار إليها وترك شؤون باقيها لهيئاتها الدينية تتصرف فيها دون رقابة أو إشراف من الدولة إلى أن صدر المرسوم بقانون رقم 40 لسنة 1936 بترتيب محاكم الأحوال الشخصية للطوائف الملية لغير المسلمين وكان ينص في المادة الثالثة منه على أن يكون ترتيب هذه المحاكم بلائحة تعتمدها الحكومة ويصدر بها مرسوم يبين فيها تشكيل المحاكم المذكورة وكيفية تعيين من يلي القضاء فيها ودوائر اختصاص كل منها وقواعد المرافعات وطرق الطعن في الأحكام, غير أن هذا المرسوم بقانون قد سقط بعدم تقديمه للبرلمان في اجتماعه التالي لصدوره فعادت الحال بالنسبة إلى محاكم الطوائف إلى ما كانت عليه من قديم فيما عدا بعض المسائل التي أخرجت من اختصاصها بإنشاء المجالس الحسبية ثم بإخضاع الوصية لنظام المواريث باعتبارها من المسائل العينية - وبعدئذ صدر قانون نظام القضاء فأخرج في المادة الخامسة عشرة مسائل الأحوال الشخصية بالنسبة للمصريين من اختصاص المحاكم إلا ما ورد بشأنه قانون خاص - أما بالنسبة لغير المصريين فقد نص في المادة 12 على اختصاص المحاكم بالفصل في المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية.
وحيث إن الذي يخلص مما سبق بيانه هو أنه فيما عدا الطوائف التي نظمت مجالسها بتشريع خاص مثل محاكم الطوائف الثلاث المشار إليها وفيما عدا المسائل التي صدر تشريع خاص بتنظيمها أو بإحالتها إلى المحاكم فإن مسائل الأحوال الشخصية - ومن أخصها مسائل الزواج والطلاق - تظل متروكة للهيئات الدينية التي عبر عنها الخط الهمايوني بأنها "ترى بمعرفة البطرك" والتي ظلت من قديم تباشر ولاية القضاء في هذه المسائل دون إشراف فعلي من الدولة حتى صدر القانون رقم 8 لسنة 1915 فأقر تلك الحال على ما كانت عليه ولم تنجح المحاولة التي قامت بها الحكومة سنة 1936 بإصدار المرسوم بقانون رقم 40 لسنة 1936 إذ سقط بعدئذ بعدم تقديمه للبرلمان بعد أن أقر هو أيضا تلك الحال ضمنا بما كان ينص عليه من ضرورة تقدم تلك الهيئات بمشروعات تنظيم هيئاتها القضائية لكي تعتمدها الحكومة بمرسوم.
وحيث إن كافة ما يثيره الطاعن في طعنه لا يجدي في تأييد دفعه بعدم اختصاص المحكمة الدينية لطائفة الروم الأرثوذكس, ذلك بأن الخطاب الذي يقول بأن مستشار ملكي وزارة الداخلية ارسله إلى محافظة الاسكندرية سنة 1941 ليس فيه اي إدعاء بأن تشريعا قد صدر من الدولة ينظم شؤون القضاء في الأحوال الشخصية لطائفة الروم الأرثوذكس, بل هو على العكس من ذلك يشير إلى المرسوم بالقانون رقم 40 لسنة 1936 السالف ذكره ويسلم بأنه كان ينظم تلك الشؤون وأنه قد سقط بعدم تقديمه للبرلمان, كما أنه لا جدوى للاستناد إلى مشروع اللائحة المقول بتقديمها في سنة 1928 أو سنة 1938 مادام أنه لم يصدر تشريع أو مرسوم باعتمادها ومادام أن القانون رقم 8 لسنة 1915 قد خول الهيئات الدينية لتلك الطوائف أن تمارس السلطات القضائية التي كان معترفا بها قبل زوال السيادة العثمانية إلى حين الإقرار على أمر آخر.
وحيث إن ما يذهب إليه الطاعن من أن عبارة الخط الهمايوني التي تقول: "إن إدارة المصالح الملية المختصة بحماية المسيحيين وباقي التبعة غير المسلمة تحال لحسن محافظة مجلس مركب من أعضاء منتخبة فيما بين رهبان كل جماعة وعوامها" تنصرف إلى الشؤون القضائية بحيث توجب تشكيل محاكم الطوائف من دينيين وغير دينيين وإلا كان تشكيلها باطلا, ذلك الجدل الذي يثيره الطاعن لا محل له, لأن المجالس التي أشار الفرمان إلى تشكيلها من دينيين وعلمانيين لم ينظم تشكيلها فيه بل ترك ذلك لتنظيم لاحق وقد تبين مما سبق أنه لم يصدر قبل سنة 1915 ولا بعدها من الدولة المصرية تشريع في شأن طائفة الروم الأرثوذكس أي أنه بفرض صحة ما يذهب إليه الطاعن من أن الفرمان قد اشترط تشكيل محاكم الأحوال الشخصية من دينيين وغير دينيين فإن هذا لا يصل إلى القول ببطلان الأحكام التي تصدر من المحاكم الدينية لتلك الطائفة بحجة مخالفتها للخط الهمايوني فإن المعول عليه في شأن التشكيل ليس هو الفرمان وإنما ما صدر بعده وتنفيذا له من تشريعات في شأن الطوائف, وقد سبق القول بأن تشريعا لم يصدر بعد ينظم قضاء الأحوال الشخصية لطائفة الروم الأرثوذكس ويوجب تشكيل محاكمها من دينيين وغير دينيين, ولما كان الأصل في أمور الطوائف غير الإسلامية أنها كانت من قديم متروكة لرؤسائها الدينيين فإنه لا يصح الاحتجاج بزوال اختصاصهم إلا في حدود ما تصدر به التشريعات المشار إليها في القانون رقم 8 لسنة 1915.
وحيث إنه لما تقدم يكون الدفع ببطلان تشكيل محكمة الأحوال الشخصية التي صدر منها الحكم ببطلان زواج المتهمة الأولى من الطاعن على غير أساس.
أما ما يثيره الطاعن في شأن أثر حكم البطلان على العقد فإن الحكم المطعون فيه صحيح فيما قضى من أن هذا البطلان ينسحب على الأقل إلى تاريخ رفع الدعوى.
وحيث إنه لذلك يكون الحكم المطعون فيه سليما فيما انتهى إليه من عدم تحقق شرط قبول دعوى الزنا وعدم تحقق أركان الجريمة لإنعدام الزواج في اليوم المقول بحصولها فيه.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.