جلسة يوم الخميس 13 يونيه سنة 1929
برياسة حضرة صاحب السعادة
عبد العزيز فهمي باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات مسيو سودان وأصحاب العزة محمد
لبيب عطية بك وزكى برزي بك وحامد فهمي بك المستشارين.
-----------
(282)
القضية رقم 1660 سنة 46
قضائية
(الطعن المرفوع من
النيابة العامة وسالم سالم عبد الله مدّع مدنى ضد محمد سالم العويدي وآخر).
قرار قاضي الإحالة بأن لا
وجه. معارضة المدّعي بالحق المدني فيه. تحرّك الدعوى العمومية.
(المواد 116 و126 و176
و229 تحقيق و12 و13 تشكيل)
-------------
معارضة المدعي بالحق المدني
في أمر قاضي الإحالة الصادر بأن لا وجه لإقامة الدعوى تحرك الدعوى العمومية لدى
غرفة المشورة كما تحركها معارضة النائب العمومي فيه سواء بسواء (1).
وقائع الدعوى
اتهمت النيابة العامة
هذين المتهمين بأنهما في 25 أبريل سنة 1928 الموافق 5 القعدة سنة 1346 بأشمون
بمديرية المنوفية شرعا في قتل سالم سالم عبد الله عمدا مع سبق الإصرار والترصد بأن
أطلق عليه كل منهما عيارا ناريا فأصابه العيار الذي أطلقه المتهم الأوّل بالإصابة
المبينة بالمحضر وأخطأه العيار الذي أطلقه المتهم الثاني. وطلبت من حضرة قاضى
الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالمواد 45 و46 و194 من قانون
العقوبات.
وقد ادعى المجني عليه
مدنيا وطلب الحكم له بمبلغ خمسين جنيها على سبيل التعويض.
وبتاريخ 30 يوليه سنه
1928 قرر حضرة قاضى الإحالة بأن لا وجه لإقامة الدعوى لعدم صحة التهمة.
وفى يوم صدور هذا القرار
قرر وكيل المدعى بالحق المدني بالمعارضة فيه أمام أودة المشورة لدى محكمة شبين الكوم
الابتدائية الأهلية. وهذه سمعت المعارضة المذكورة وقررت بتاريخ 15 أكتوبر سنة 1928
بقبولها شكلا وفى الموضوع بإلغاء قرار حضرة قاضي الإحالة المشار إليه وإحالة
المتهمين إلى محكمة جنايات شبين الكوم لمحاكمتهما بمقتضى المواد سالفة الذكر على
التهمة المبينة آنفا.
وعند نظر الدعوى أمام
محكمة الجنايات المذكورة دفع الحاضر مع المتهمين فرعيا بعدم جواز نظر الدعوى
العمومية وبعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى المدنية مستقلة. وطلبت النيابة والمدعى
بالحق المدني رفض هذا الدفع للأسباب التي بينها كل طرف منهم.
وبعد أن سمعت محكمة الجنايات
دفاع الخصوم وحججهم في هذا الدفع قضت حضوريا بتاريخ 19 مارس سنة 1929 بقبوله وبعدم
جواز نظر الدعوى العمومية وعدم اختصاصها بنظر الدعوى المدنية مستقلة مع إلزام
المدعى بالحق المدني بمصاريف دعواه.
فطعنت النيابة العامة
بتاريخ 4 أبريل سنة 1929 كما طعن المدعى بالحق المدني في 6 منه على هذا الحكم
بطريق النقض والإبرام. وقدم كل منهما تقريرا ببيان أسباب طعنه في التاريخين اللذين
قرر كل منهما فيه به.
المحكمة
بعد سماع المرافعة
الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعنين قدّما من
النيابة العامة ومن المدعى بالحق المدني وتلاهما بيان الأسباب في الميعاد فهما
مقبولان شكلا.
وحيث إن مبنى هذين
الطعنين أن محكمة الجنايات أخطأت في تطبيق القانون إذ حكمت بعدم جواز نظر الدعوى
العمومية وبعدم اختصاصها بنظر الدعوى المدنية مستقلة. ويطلب الطاعنان نقض الحكم
وإعادة الدعوى لمحكمة الجنايات للفصل في موضوعها. وقد بنيا طعنهما على عدّة أسباب
أورداها.
وحيث إن أوّل ما يلاحظ
على الحكم المطعون فيه أنه لو صح مذهبه وكانت معارضة المدعى بالحق المدني وحده في الأمر
الصادر من قاضى الإحالة بأن لا وجه لإقامة الدعوى لا تحرّك الدعوى العمومية مطلقا
وكانت لا تحرّك دعواه المدنية لدى السلطات الجنائية إلا لتبلغها غرفة المشورة إلى
محكمة الجنايات فاذا ما بلغتها انقطع بها السير وسقط عمل الغرفة بشأنها وصارت
خارجة عن اختصاص المحكمة الجنائية - لو صح ذلك لأصبح حق المدعى المدني في تلك
المعارضة حقا وهميا ولعاد ذلك بالتجريح على الشارع الذي يعطى للناس حقوقا خيالية
لا قيمة لها لدى المحاكم ولا فائدة فيها غير مجرّد التمرّن الأفلاطوني على
المرافعات لدى السلطات الجنائية إلى حد ما. وما استحق الشارع التجريح ولا كان الحق
الذي خوّله أفلاطونيا. وإنما محكمة الجنايات أخطأت الغرض وفسرت القانون على غير
وجهه. إذ الواقع أن معارضة المدعي المدني وحده تحرّك الدعوى العمومية لدى غرفة
المشورة كما تحركها معارضة النائب العمومي سواء بسواء وبيان ذلك:
أن الفقرة الثالثة من
المادة 12 من قانون تشكيل محاكم الجنايات تنص على أن قاضي الإحالة إذا لم يجد أثرا
ما لجريمة أو لم يجد دلائل كافية للتهمة يصدر أمرا بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى
ويأمر بالإفراج عن المتهم. فالأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى واجب إصداره إذا كانت
الواقعة لا تكوّن جريمة معاقبا عليها قانونا أو كانت تكوّن جريمة معاقبا عليها
ولكن أدلة نسبتها للمتهم غير كافية للاطمئنان على وقوعها منه. ومقتضى هذا النص
الصريح أن الدعوى التي يأمر بأن لا وجه لها هي الدعوى العمومية، وأنه مهما تكن
الواقعة في ذاتها صالحة لأن تكون أساسا لمسئولية مدنية واضحة فإن قاضي الإحالة لا
شأن له بتلك المسئولية المدنية ولا بالدعوى الخاصة بها فلا يأمر لا بإحالتها ولا
بأن لا وجه لإقامتها. وهذا من الأوليات التي لا تحتمل الجدل.
إذا تقرر هذا وعلم علما
ضروريا أن أمر قاضي الإحالة بأن لا وجه لإقامة الدعوى لا مدلول له إلا المنع من
الدعوى العمومية وأنه لا ينصب إلا على هذا المنع من الدعوى العمومية وأن الدعوى
المدنية ليست ملحوظة فيه بأي وجه كان علم بالبداهة أن حق المعارضة المعطى للمدعى المدني
بمقتضى المادة 12 ج لا يمكن أن يوجه إلا ضد هذا المنع من الدعوى العمومية وأن من
المستحيل استحالة قانونية أن ينصب على المنع من الدعوى المدنية ما دام ليس من
وظيفة قاضي الإحالة أن ينظر فيها ولا أن يبحث في ثبوتها وعدم ثبوتها ولا أن يتخذ
بشأنها أي قرار لا بإقامتها ولا بأن لا وجه لإقامتها سواء أصحت في نظره هي والدعوى
العمومية أم صحت هي في نظره دون الدعوى العمومية أو لم تصح لا هي ولا الدعوى
العمومية.
وحيث إن هذا الفهم الواضح
هو وحده الذي يتمشى معه نص الفقرة الأخيرة من المادة 12 ج. فان هذه الفقرة تنص على
أن أودة المشورة إذا قبلت المعارضة - أي المذكورة في صدر المادة وهي معارضة النائب
العمومي أو معارضة المدّعي بالحق المدني - تحيل القضية على النيابة إذا كانت جنحة
أو مخالفة. أما إذا كانت جناية فتعمل فيها ما يعمله قاضي الإحالة أي تحيلها إلى
محكمة الجنايات. ومقتضى هذا النص الصريح أن أودة المشورة بناء على معارضة النائب العمومي
أو بناء على معارضة المدّعى بالحق المدني - إن كان هو الذي عارض - تدرس القضية ثم
تقبل المعارضة أو ترفضها. والقبول أو الرفض يترتب على معرفة ما إذا كان في وقائع
القضية جريمة قانونية أم لا. فان لم تجد فيها جريمة ما فإنها ترفض المعارضة حتما
حتى ولو كانت وقائع الدعوى ناطقة بتوافر أسباب المسئولية المدنية. لأنها لو قبلت
المعارضة في هذه الصورة لوجدت سبيل التصرف منقطعا أمامها، إذ هي لا تستطيع الإحالة
لا على النيابة العمومية ما دام القانون لا يصرح لها بذلك إلا في صورة ما اذا وجدت
في القضية جنحة أو مخالفة ولا على محكمة الجنايات ما دام القانون لا يصرح لها بذلك
إلا إذا وجدت في القضية جناية. ويكفى أن تستغلق القضية هكذا في يدها - وهى ليست
جهة حكم بل جهة تحضير - حتى يتعين عليها رفض المعارضة مهما تكن المسئولية المدنية
واضحة. وينتج من هذا حتما أن ما يزعمه البعض من أن معارضة المدّعى بالحق المدني إنما
تحرّك دعواه المدنية - ودعواه فقط - لدى أودة المشورة هو زعم فاسد. لأن تحريك هذه
الدعوى المدنية يكون عبثا لا طعم ولا معنى له ما دام السبيل منقطعا قانونا بأودة
المشورة دون تصريف المدّعى المدني فيما يتعلق بحقه إما بالحكم بنفسها فيه أو
بتعيين المحكمة التي تحكم له فيه.
ذلك مقتضى النص إذا لم
تجد أودة المشورة في القضية بعد دراستها جريمة ما. أما إذا وجدت بعد الدراسة أن
فيها جريمة قانونية جناية كانت أو جنحة أو مخالفة فإنها تقبل تلك المعارضة - أي
معارضة النائب العمومي أو معارضة المدّعى بالحق المدني - وتحيل القضية على النيابة
أو تحيلها على محكمة الجنايات إذا كانت هناك جناية. ومقتضى هذا النص الصريح أن
معارضة المدّعى بالحق المدني إنما تحرّك الدعوى العمومية التي هي دعوى الجناية أو
الجنحة أو المخالفة وأن تحريك هذه الدعوى العمومية هو دون غيره الذي تؤدّى إليه
بالذات معارضة المدّعي بالحق المدني. أما الدعوى المدنية فلا شأن لها مطلقا بهذه
الإجراءات فلا هي ملحوظة للنيابة العامة عند تقديمها القضية لقاضى الإحالة ولا هي
ملحوظة لهذا القاضي ولا لغرفة المشورة. وما كان لأية سلطة من هذه السلطات أن
تلحظها أو تهتم بها ما دامت هي حقا خاصا لصاحبها إن شاء أخذ به وإن شاء أهمله
مؤقتا أو نهائيا وما دامت هي في قضايا الجنايات لا ترفع إلا تبعا لدعوى عمومية
تكون مرفوعة فعلا وما دام الوقت ممتدا أمام صاحبها الذي له أن يرفعها في أي حالة
تكون عليها الدعوى العمومية إلى أن تتم فيها المرافعة.
وحيث إن الذي يشوّش على
من يرون أن معارضة المدّعى بالحق المدني لا تحرّك الدعوى العمومية أمران: الأوّل
أن من المبادئ الأساسية أن الدعوى العمومية لا تملكها إلا النيابة العامة وأن
المدّعي بالحق المدني لا شأن له بها. وأنه تفريعا على هذا المبدأ نص في المادتين
176 الخاصة باستئناف الأحكام الصادرة من محكمة الجنح و229 الخاصة بالطعن بطريق
النقض على أنه لا يسوغ للمدّعي المدني الاستئناف أو الطعن إلا فيما يتعلق بحقوقه
فقط. والثاني أن قانون تشكيل محاكم الجنايات لم يصرح بأن معارضة المدّعي بالحق المدني
في الأمر الصادر من قاضي الإحالة بأن لا وجه لإقامة الدعوى تعيد القضية أمام أودة
المشورة لحالتها الأولى كما صرحت به المادة 126 من قانون تحقيق الجنايات بخصوص
المعارضة التي يقدّمها المدّعى بموجب المادة 116 في أوامر قاضي التحقيق الصادرة
بأن لا وجه لإقامة الدعوى.
وحيث إن الأمر الأوّل
جدير بالاعتبار حقا. ولكن الاعتراض به إنما يلحق التشريع لا القاضي الذي يجب عليه
تطبيق القانون مهما يكن به مما قد يوجب النقد فنيا. ومن يرجع إلى أصل المادتين 12
و13 من قانون تشكيل محاكم الجنايات وإلى التعديل الذي أدخل عليه بالقانون رقم 7
لسنة 1914 ير أن أصل القانون كانت فيه الفكرة الفنية ملاحظة تمام الملاحظة إن هو
لم يجعل للمدعى بالحق المدني أي تدخل في القرارات التي يصدرها قاضى الإحالة مهما
يكن فيها من الخطأ القانوني أو الخطأ في تقدير أدلة الوقائع ونسبتها للمتهمين. وكل
ما ورد به بالمادة 13 هو حق للنائب العمومي في الطعن بطريق النقض في تلك القرارات
إذا وقع فيها خطأ في تطبيق نصوص القانون أو تأويلها. ولما وجدت الحكومة أن كثيرا
من هذه القرارات التي تصدر بأن لا وجه لإقامة الدعوى لعدم كفاية الأدلة فيها خطأ
أو تجاوز من قضاة الإحالة لحدود سلطتهم اضطرت رعاية للمصلحة العامة أن تسعى لتلافى
هذا المحظور كيلا يفلت مجرم من المحاكمة فوضعت فيما وضعت مشروع المادة 12 ج. ومعنى
ذلك أنها احتاطت للمسألة الفنية تمام الاحتياط فلم تجعل حق المعارضة في المعارضات
التي من هذا النوع إلا للنائب العمومي مستبعدة بذلك كل تدخل من المدعى بالحق المدني.
فلما أحيل المشروع على لجنة الحقانية بالجمعية التشريعية اقتنعت بأسانيد الحكومة
ولكنها رأت أن تجعل للمدعى بالحق المدني أيضا حق المعارضة كالنائب العمومي سواء
بسواء. وعند المناقشة في المشروع وفى تعديل اللجنة حصلت معارضة شديدة فيهما، ولكن
المدافعين عن رأى اللجنة بينوا للجمعية أن المدعى المدني هو المضرور الأوّل وأن
المصلحة العامة والنظام العام يقضيان بأن يكون له حق المعارضة. والجمعية وافقت على
رأى اللجنة وتابعتها الحكومة فخرج القانون وبه حق المعارضة معطى للمدعى المدني
أيضا محافظة على النظام والمصلحة العامة أي على الدعوى العمومية أن تعطل لا على
الدعوى المدنية التي لا شأن للنظام ولا للمصلحة العامة بها والتي لم يرد بخاطر
الحكومة ولا بخاطر الجمعية التشريعية أن تنتهز تلك الفرصة لتنظيم في شأنها أي
تنظيم. ولا شك أن تلك طفرة في التشريع تخالف المبدأ الأساسي القاضي بأن الدعوى
العمومية لا تملكها إلا النيابة العامة ولا شأن للمدعى المدني بها. غير أنها طفرة
اعتمدها النص وورد بها فلزم خضوع المحاكم لها. ولا كبير غضاضة في ذلك فمن قبل كانت
مثل هذه الطفرة واقعة فيما يتعلق بما للمدعي المدني من حق المعارضة بموجب المادة
116 من قانون تحقيق الجنايات في قرارات قاضى التحقيق الصادرة بأن لا وجه لإقامة
الدعوى وما لمعارضته من التأثير في تحريك الدعوى العمومية عملا بالمادة 126 من ذلك
القانون. بل كان ولا زال للمدعى المدني أن يحرك الدعوى العمومية في مواد الجنح
والمخالفات ولو لم توافقه النيابة العامة. وإذن فيكون الاعتراض بالأمر الأوّل لا
محل له.
وحيث إن الأمر الثاني
ظاهر عدم وجاهته. لا لأن من المبادئ المقرّرة أن المعارضة تعيد الأمر المعارض فيه
إلى أصله، بل لأن نص المادة 12 ج نفسه لا يدع - كما سلف القول - مجالا للشك في أن
الدعوى التي تحركها معارضة المدعى المدني إنما هي الدعوى العمومية وليست الدعوى
المدنية إلا ثانوية لم يهتم بها القانون ولم ينشئ لها نظاما جديدا.
وحيث إنه يبين مما تقدّم
أن الطعنين في محلهما وأن الحكم واجب نقضه.
فبناء عليه
حكمت المحكمة بقبول
الطعنين شكلا وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة الدعوى لمحكمة جنايات
شبين الكوم للفصل في موضوع الدعويين العمومية والمدنية من دائرة أخرى.
(1)انظر أحكام محكمة النقض السابق صدورها على عكس هذا المبدأ. وقد نشرنا
منها هنا الحكمين الصادرين بتاريخ 2 فبراير سنة 1925 في القضية رقم 242 سنة 42 قضائية وبتاريخ 6 يونيه سنة 1927 في القضية رقم 735 سنة 44 قضائية فليراجعا. وهما
صادران من محكمة النقض مؤلفة برياسة معالي طلعت باشا.