جلسة 17 من فبراير سنة 2021
برئاسة السيـد القاضي/ محمد أبو الليل "نائب رئيس المحكمة"، وعضوية السادة القضاة/ أمين محمد طموم، عمر السعيد غانم، سامح سمير عامر "نواب رئيس المحكمة" ومحمد أحمد إسماعيل.
-------------------
(26)
الطعن رقم 10775 لسنة 83 القضائية
(1) دفوع " الدفوع الموضوعية : الدفع بعدم جواز نظر الدعوى " .
الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها . دفع للدعوى برمتها في موضوعها ذاته . قبوله من محكمة أول درجة . أثره . انحسام الخصومة في هذا الموضوع أمامها وعدم جواز الرجوع إليها فيه .
(2) دعوى " الطلبات في الدعوى " .
الطلب القضائي الذي تلتزم المحكمة بالرد عليه . ماهيته ما يخرج عن ذلك .
(3 -5) استئناف " نطاق الاستئناف : ما تستنفد به محكمة أول درجة ولايتها " .
(3) قضاء المحكمة الاستئنافية بإلغاء حكم أول درجة بشأن الطلب الأصلي . لازمه . إعادة الدعوى لأول درجة لتستنفد ولايتها بالنسبة للطلب الاحتياطي . علة ذلك . م 234 مرافعات ومذكرته الإيضاحية . مخالفة المحكمة الاستئنافية لحكم أول درجة بشأن ما تمسك به أحد الخصوم من دفاع أصلى . مؤداه . عدم التزامها بإعادة الدعوى لأول درجة للفصل في الدفاع الاحتياطي . الاستثناء . قضاء الأخيرة في دفع شكلي لا تستنفد به ولايتها . م 234 مرافعات .
(4) قضاء محكمة أول درجة بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها . استنفاد ولايتها في نظر الموضوع . إلغاء المحكمة الاستئنافية للحكم الابتدائي . وجوب الفصل في الموضوع دون إعادتها إلى محكمة أول درجة .
(5) طلب الشركة الطاعنة ندب خبير في الدعوى . ماهيته . لا يعدو أن يكون دفاعًا في الدعوى . إلغاء المحكمة الاستئنافية للحكم الابتدائي . وجوب الفصل في هذا الطلب دون إعادتها إلى محكمة أول درجة . التزام الحكم المطعون فيه هذا النظر . صحيح .
(7،6) قانون " تفسير القانون : قواعد التفسير " .
(6) النص الواضح قاطع الدلالة على المراد منه . عدم جواز الخروج عليه أو تأويله .
(7) تطبيق القانون على وجهه الصحيح . لا يحتاج إلى طلب من الخصوم . التزام القاضي باستظهار الحكم القانوني الصحيح المنطبق على الواقعة المطروحة عليه وأن ينزله عليها أيًا كان النص الذي استند إليه الخصوم في تأييد طلباتهم أو دفاعهم أو دفوعهم فيها .
(9،8) أعمال تجارية " سقوط دعوى فسخ عقد البيع التجاري " .
8) دعوى فسخ عقد البيع التجاري للنقص أو للعيب أو عدم المطابقة . سقوطها بانقضاء ستة أشهر من تاريخ التسليم الفعلي . علة ذلك . جواز الاتفاق على تعديل هذه المواعيد أو إعفاء المشتري من مراعاتها . م 101 ق 17 لسنة 1999 .
(9) استخلاص الحكم المطعون فيه عدم التزام الشركة الطاعنة بميعاد إخطار الشركة المطعون ضدها بعيبِ عدمِ مطابقة القمح المبيع للمواصفات وميعاد إقامة دعوى الفسخ وقضاؤه بسقوط حقها في إقامتها . صحيح . علة ذلك .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- المقرر -في قضاء محكمة النقض- أن الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها هو دفع للدعوى برمتها في موضوعها ذاته، ومتى قبلته المحكمة انحسمت الخصومة في هذا الموضوع أمامها واستنفدت ولايتها في نظره، وأصبح من غير الممكن قانونًا الرجوع إليها فيه.
2- المقرر -في قضاء محكمة النقض- أن الطلب القضائي الذي تلتزم المحكمة بالرد عليه هو الذي يقدمه إليها الخصم في صيغة صريحة جازمة ابتغاء صدور حكم أو قرار في الدعوى لحماية حق أو مركز قانوني يدعيه قِبل خصمه، ولا يعتبر من هذا القبيل ما قد يثيره الخصم من تقريرات أو أوجه دفاع لا يترتب عليها المطالبة بصدور حكم أو قرار بشأنها أو مؤسس عليها.
3- المقرر -في قضاء محكمة النقض- أن النص في المادتين 233، 234 من قانون المرافعات يدل على أن المشرع قد فرَّق بين الطلبات الموضوعية التي يطرحها الخصوم على المحكمة ويطلبون الحكم لهم بها وبين الأدلة والدفوع وأوجه الدفاع التي يركن إليها الخصوم في تأييد طلباتهم الموضوعية أو الرد بها على طلبات خصومهم، فأوجب في المادة 234 على محكمة الاستئناف إذا خالفت محكمة أول درجة في قضائها في الطلب الأصلي أن تعيد الدعوى إلى تلك المحكمة لتفصل في الطلب الاحتياطي الذي لم تبحثه -إذ حجبها عن نظره إجابتها للطلب الأصلي- ومن ثم تستنفد ولايتها بالنسبة له؛ وذلك حتى لا يُحرم الخصوم من إحدى درجتي التقاضي، ذلك على ما أشارت إليه المذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات، أما الدفوع وأوجه الدفاع فقد أطلق المشرع العنان للخصوم في إبداء ما يشاءون منها أمام محكمة الاستئناف ولو لم يسبق لهم طرحها أو التمسك بها أصلًا أمام محكمة أول درجة ما دام أن حقهم في إبدائها لم يسقط، وأوجب المشرع في المادة 233 على محكمة الاستئناف أن تتصدى للفصل في تلك الدفوع وأوجه الدفاع سواءً ما أُبدي منها كدفاع أصلي أو احتياطي، ولا تلزم بإعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة إذا ما خالفت قضاءها في شأن ما تمسك به أحد الخصوم من دفع أو دفاع أصلي، إلا أن يكون ما قضت به تلك المحكمة دفعًا شكليًّا لم تستنفد به ولايتها في نظر الموضوع.
4- إذ كانت محكمة أول درجة قد قضت بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها – أخذًا بالدفع المبدى من الشركة المطعون ضدها- فتكون بهذا القضاء استنفدت ولايتها في نظر موضوع الدعوى، وإذ طَرح الاستئناف المقام عن هذا الحكم الدعوى برمتها أمام محكمة الاستئناف بما حوته من أدلة ودفوع وأوجه دفاع أخرى، فلا يجوز لها إن هي ألغت الحكم المستأنف أن تعيد الدعوى إلى محكمة أول درجة، بل عليها أن تفصل في موضوعها دون أن يُعد ذلك من جانبها افتئاتًا على مبدأ التقاضي على درجتين.
5- طلب الشركة الطاعنة بندب خبير في الدعوى لا يعدو أن يكون دفاعًا في الدعوى التي أقامتها بطلب فسخ العقد المؤرخ 16/5/2001 وإلزام الشركة المطعون ضدها بأداء مبلغ 45807.71 جنيه وفوائده والتعويض، فإن واجب محكمة الاستئناف كان يقتضيها بعد أن قضت بإلغاء الحكم المستأنف أن تتصدى وتفصل في هذه الطلبات، دون أن تلزم بإعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون قد وافق صحيح القانون، ويضحى النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.
6- المقرر -في قضاء محكمة النقض- أنه متى كان النص واضحًا جلي المعنى قاطع الدلالة على المراد منه، فلا يجوز الخروج عليه أو تأويله.
7- المقرر -في قضاء محكمة النقض- أنه يتعين على قاضي الموضوع استظهار حكم القانون الصحيح المنطبق على الواقعة المطروحة عليه، وهو في ذلك لا يحتاج إلى طلب الخصوم، بل هو واجبه الذي عليه -ومن تلقاء نفسه- أن يبحث عن الحكم القانوني المنطبق على الوقائع المطروحة عليه، وأن يُنزل عليها هذا الحكم أيًا ما كانت الحجج القانونية التي استند إليها الخصوم في طلباتهم ودفاعهم.
8- إن النص في المادة 101 من قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999 على أنه "1- إذا تبين بعد تسليم المبيع أن كميته أو صنفه أقل مما هو متفق عليه أو أن به عيبًا أو أنه غير مطابق للشروط أو العينة التي تم العقد بمقتضاها، فلا يُقضى للمشتري بالفسخ إلا إذا نشأ عن النقص أو العيب أو عدم المطابقة، عدم صلاحية المبيع للغرض الذي أعده له المشتري أو صعوبة تصريفه، ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بوجوب الفسخ، ويُكتفى عند رفض طلب الفسخ بإنقاص الثمن دون إخلال بحق المشترى في التعويض. ۲- على المشتري أن يخطر البائع بوجود النقص أو العيب أو عدم المطابقة خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ تسليم المبيع إليه تسليمًا فعليًّا، وعليه أن يقيم دعوى الفسخ أو إنقاص الثمن خلال ستين يومًا من تاريخ هذا التسليم. 3- إذا لم يقع الإخطار أو لم ترفع الدعوى خلال الميعاد المنصوص عليه في الفقرة السابقة سقط حق المشتري في إقامتها إلا إذا أثبت الغش من جانب البائع. 4- وفي جميع الأحوال تسقط الدعوى بانقضاء ستة أشهر من تاريخ التسليم الفعلي. 5- ويجوز الاتفاق على تعديل المواعيد المنصوص عليها في هذه المادة، كما يجوز إعفاء المشتري من مراعاتها." يدل على أنه ونظرًا للأهمية البالغة لعقد البيع التجاري؛ باعتباره من أهم العقود التجارية، فقد وضع المشرع مدة سقوط قصيرة لدعوى فسخ هذا العقد في حالة وجود نقص أو عيب أو عدم مطابقة في المبيع أدى إلى عدم صلاحيته للغرض الذي أعده له المشتري أو صعوبة تصريفه، قاصدًا من ذلك وضع حد لهذا الحق؛ لاستقرار التعامل التجاري وحفظ حقوق أطراف العقد والغير الذي تتعلق به هذه الحقوق عند انتقال المبيع بموجب بيوع أخرى، واستلزم المشرع ضرورة إخطار المشتري للبائع بوجود النقص أو العيب أو عدم المطابقة خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ تسليم المبيع إليه تسليمًا فعليًا وضرورة إقامة المشتري لدعوى الفسخ أو إنقاص الثمن خلال ستين يومًا من تاريخ التسليم الفعلي للمبيع، ووضع جزاءً على عدم اتباع المواعيد المشار إليها، وهو سقوط حق المشتري في إقامة الدعوى، إلا إذا ثبت الغش من جانب البائع، على أن تسقط الدعوى في جميع الحالات السابقة بانقضاء ستة أشهر من تاريخ التسليم الفعلي، وكان قصد المشرع ورائده في ذلك هو اعتبار مضي مدة الستة أشهر من تاريخ تسلم المشتري للبضائع المبيعة فعليًا قرينة قاطعة على قبولها بالحالة التي تسلمها عليها ونزوله عن حقه في التمسك بوجود نقص أو عيب أو عدم مطابقة في تلك البضائع، ولما كانت أحكام عقد البيع التجاري تخضع مثل جميع العقود الأخرى لقاعدة أن العقد شريعة المتعاقدين، كما أن الأحكام الواردة بهذه المادة بشأن مواعيد سقوط دعوى الفسخ وإنقاص الثمن قُصد بها مصلحة البائع، فإنه يجوز الاتفاق على تعديل هذه المواعيد أو إعفاء المشتري من مراعاتها.
9- إذ كان الحكم المطعون فيه قد استخلص من أوراق الدعوى ومستنداتها أن الشركة المطعون ضدها قامت بتوريد كميات من الأقماح المحلية إلى الشركة الطاعنة بموجب العقد المؤرخ 16/5/2001، وأنه وفقًا لما ورد بمحضر المطابقة المؤرخ 26/7/2001، فقد تم توريد كميات من القمح المحلي المسوق عن موسم 2001، وتم إجراء المطابقة على هذه الكميات والتي بلغت 3352,342 طن، وثبت أنها مطابقة ودرجة نظافتها ما بين 12,5 ، 23,5، وهي الدرجة المطابقة للقرار الوزاري رقم 267 لسنة 2000، وأن الشركة الطاعنة لم تقم بإخطار الشركة المطعون ضدها بوجود ما تدعيه من عدم مطابقة الأقماح الموردة للمواصفات إلا بتاريخ 2/5/2002، ثم أقامت دعواها بتاريخ 6/10/2006، وأنها بذلك لم تلتزم بميعاد إقامة الدعوى الذي حدده المشرع بنص الفقرة الثانية من المادة 101 من قانون التجارة، ثم رتب على ذلك قضاءه بسقوط حقها في إقامة الدعوى، وإذ كان ما خلص إليه الحكم على هذا النحو سائغًا ويتفق وصحيح القانون، وكان البين من أوراق الدعوى أنها قد خلت مما يفيد اتفاق طرفيها على تعديل المواعيد المشار إليها بالمادة آنفة البيان أو إعفاء الشركة الطاعنة من مراعاتها، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بما ورد بهذا السبب يضحى على غير أساس.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن الشركة الطاعنة أقامت على الشركة المطعون ضدها الدعوى التي قُيدت -فيما بعد- برقم ... لسنة 2012 تجاري الجيزة الابتدائية بطلب الحكم بفسخ العقد المؤرخ 16/5/2001 المحرر بين الشركتين وبإلزام الشركة المطعون ضدها بأن تؤدي لها مبلغ 45807,71 جنيه والفوائد القانونية عن هذا المبلغ بواقع 10% سنويًّا اعتبارًا من تاريخ المطالبة وإتمام عملية معالجة القمح بنهاية عام 2001 وحتى تمام السداد وبإلزامها بأن تؤدي لها مبلغ 50000 جنيه تعويضًا عن الأضرار التي لحقت بها، وقالت بيانًا لدعواها إنه بموجب عقد الاتفاق المؤرخ 16/5/2001 تم الاتفاق على أن تورد لها الشركة المطعون ضدها كمية من القمح المحلي من إنتاج محصول عام 2001 مقدارها 3500 طنًا طبقًا للمواصفات المتفق عليها في ذلك العقد، إلا أنها فوجئت بتوريد كمية مقدارها 750 طنًا من إجمالي الكمية التي تم الاتفاق عليها غير مطابقة للمواصفات والشروط المتعاقد عليها ومخلوطة بأقماحٍ من أنواع أخرى لم يتم التعاقد بشأنها وغير صالحة للاستهلاك الآدمي، وهو ما حدا بمديرية التموين والتجارة الداخلية إلى التحفظ على هذه الكمية وتحرير المحضر رقم ... لسنة 2001 جنح طوارئ الصف، فقامت الشركة الطاعنة بمعالجة تلك الكمية ونقلها إلى صوامع مستقلة وتكلفت في سبيل ذلك المبلغ المُطالب به، وطالبت الشركة المطعون ضدها بسداد هذا المبلغ وبتنفيذ التزاماتها التعاقدية، إلا أنها لم تستجب رغم إنذارها بذلك، فكانت الدعوى، وبتاريخ 30/10/2012 حكمت المحكمة بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها بالحكم الصادر في الدعوى رقم ... لسنة 2004 تجاري كلي الجيزة واستئنافها رقم ... لسنة 123 ق. استأنفت الشركة الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم ... لسنة 129 ق لدى محكمة استئناف القاهرة "مأمورية الجيزة"، والتي قضت بتاريخ 16/4/2013 بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء مجددًا بسقوط حق الشركة الطاعنة في إقامة الدعوى. طعنت الشركة الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عُرِض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الشركة الطاعنة تنعى بالسبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيانه تقول إنه قضى بإلغاء الحكم الابتدائي الذي قضى بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها دون أن يَقضي بإعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة للفصل في طلبها الاحتياطي المبدى أمام محكمة الموضوع بندب خبير في الدعوى، وهو ما يخل بمبدأ التقاضي على درجتين، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود؛ ذلك أنه من المقرر -في قضاء هذه المحكمة- أن الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها هو دفع للدعوى برُمتها في موضوعها ذاته، ومتى قبلته المحكمة انحسمت الخصومة في هذا الموضوع أمامها واستنفدت ولايتها في نظره، وأصبح من غير الممكن قانونًا الرجوع إليها فيه. وأن الطلب القضائي الذي تلتزم المحكمة بالرد عليه هو الذي يقدمه إليها الخصم في صيغة صريحة جازمة ابتغاء صدور حكم أو قرار في الدعوى لحماية حق أو مركز قانوني يدعيه قِبل خصمه، ولا يعتبر من هذا القبيل ما قد يثيره الخصم من تقريرات أو أوجه دفاع لا يترتب عليها المطالبة بصدور حكم أو قرار بشأنها أو مؤسس عليها. كما أنه من المقرر أن النص في المادتين 233، 234 من قانون المرافعات يدل على أن المشرع قد فرَّق بين الطلبات الموضوعية التي يطرحها الخصوم على المحكمة ويطلبون الحكم لهم بها وبين الأدلة والدفوع وأوجه الدفاع التي يركن إليها الخصوم في تأييد طلباتهم الموضوعية أو الرد بها على طلبات خصومهم، فأوجب في المادة 234 على محكمة الاستئناف إذا خالفت محكمة أول درجة في قضائها في الطلب الأصلي أن تعيد الدعوى إلى تلك المحكمة لتفصل في الطلب الاحتياطي الذي لم تبحثه -إذ حجبها عن نظره إجابتها للطلب الأصلي- ومن ثم تستنفد ولايتها بالنسبة له؛ وذلك حتى لا يُحرم الخصوم من إحدى درجتي التقاضي، ذلك على ما أشارت إليه المذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات، أمَّا الدفوع وأوجه الدفاع فقد أطلق المشرع العنان للخصوم في إبداء ما يشاءون منها أمام محكمة الاستئناف، ولو لم يسبق لهم طرحها أو التمسك بها أصلًا أمام محكمة أول درجة ما دام أن حقهم في إبدائها لم يسقط، وأوجب المشرع في المادة 233 على محكمة الاستئناف أن تتصدى للفصل في تلك الدفوع وأوجه الدفاع سواءً ما أُبدي منها كدفاع أصلي أو احتياطي، ولا تلزم بإعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة إذا ما خالفت قضاءها في شأن ما تمسك به أحد الخصوم من دفع أو دفاع أصلي، إلا أن يكون ما قضت به تلك المحكمة دفعًا شكليًّا لم تستنفد به ولايتها في نظر الموضوع. لمَّا كان ذلك، وكانت محكمة أول درجة قد قضت بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها – أخذًا بالدفع المبدى من الشركة المطعون ضدها- فتكون بهذا القضاء استنفدت ولايتها في نظر موضوع الدعوى، وإذ طَرح الاستئنافُ المقام عن هذا الحكم الدعوى برمتها أمام محكمة الاستئناف بما حوته من أدلة ودفوع وأوجه دفاع أخرى، فلا يجوز لها إن هي ألغت الحكم المستأنف أن تعيد الدعوى إلى محكمة أول درجة، بل عليها أن تفصل في موضوعها، دون أن يُعد ذلك من جانبها افتئاتًا على مبدأ التقاضي على درجتين، فضلًا عن أن طلب الشركة الطاعنة بندب خبير في الدعوى لا يعدو أن يكون دفاعًا في الدعوى التي أقامتها بطلب فسخ العقد المؤرخ 16/5/2001 وإلزام الشركة المطعون ضدها بأداء مبلغ 45807,71 جنيه وفوائده والتعويض، فإن واجب محكمة الاستئناف كان يقتضيها بعد أن قضت بإلغاء الحكم المستأنف أن تتصدى وتفصل في هذه الطلبات، دون أن تلزم بإعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون قد وافق صحيح القانون، ويضحى النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الشركة الطاعنة تنعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الإخلال بحق الدفاع والخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، وفي بيانه تقول إنه قضى بسقوط حقها في إقامة الدعوى أخذًا بنص الفقرة الثانية من المادة 101 من قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999 لعدم إقامتها الدعوى خلال ستين يومًا من تاريخ التسليم الفعلي للبضائع، في حين أن الثابت من أوراق الدعوى أن الشركة المطعون ضدها أدخلت عليها الغش بتوريد أقماح لها غير مطابقة للمواصفات وفقًا للثابت بالمحضر رقم ... لسنة 2001 جنح طوارئ الصف وتقرير معامل وزارة الصحة المؤرخ 30/6/2002 والثابت به مطابقة القمح للمواصفات بعد معالجته بمعرفة الشركة الطاعنة، ومن ثم فهي لا تتقيد في إقامة دعواها بالمواعيد الواردة بالمادة المشار إليها لثبوت الغش -على النحو المتقدم- من جانب الشركة المطعون ضدها (البائعة) أخذًا بما ورد بالفقرة الثالثة من ذات المادة، مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود؛ ذلك أنه من المقرر -في قضاء هذه المحكمة- أنه متى كان النص واضحًا جلي المعنى قاطع الدلالة على المراد منه، فلا يجوز الخروج عليه أو تأويله. وأنه يتعين على قاضى الموضوع استظهار حكم القانون الصحيح المنطبق على الواقعة المطروحة عليه، وهو في ذلك لا يحتاج إلى طلب الخصوم، بل هو واجبه الذي عليه -ومن تلقاء نفسه- أن يبحث عن الحكم القانوني المنطبق على الوقائع المطروحة عليه وأن يُنزل عليها هذا الحكم أيًا ما كانت الحجج القانونية التي استند إليها الخصوم في طلباتهم ودفاعهم. وكان النص في المادة 101 من قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999 على أنه "1- إذا تبين بعد تسليم المبيع أن كميته أو صنفه أقل مما هو متفق عليه أو أن به عيبًا أو أنه غير مطابق للشروط أو العينة التي تم العقد بمقتضاها، فلا يُقضى للمشتري بالفسخ إلا إذا نشأ عن النقص أو العيب أو عدم المطابقة، عدم صلاحية المبيع للغرض الذي أعده له المشتري أو صعوبة تصريفه، ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بوجوب الفسخ، ويُكتفى عند رفض طلب الفسخ بإنقاص الثمن دون إخلال بحق المشتري في التعويض. ۲- على المشتري أن يخطر البائع بوجود النقص أو العيب أو عدم المطابقة خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ تسليم المبيع إليه تسليمًا فعليًا، وعليه أن يقيم دعوى الفسخ أو إنقاص الثمن خلال ستين يومًا من تاريخ هذا التسليم. 3- إذا لم يقع الإخطار أو لم ترفع الدعوى خلال الميعاد المنصوص عليه في الفقرة السابقة سقط حق المشتري في إقامتها إلا إذا أثبت الغش من جانب البائع 4- وفي جميع الأحوال تسقط الدعوى بانقضاء ستة أشهر من تاريخ التسليم الفعلي. 5- ويجوز الاتفاق على تعديل المواعيد المنصوص عليها في هذه المادة، كما يجوز إعفاء المشتري من مراعاتها." يدل على أنه ونظرًا للأهمية البالغة لعقد البيع التجاري؛ باعتباره من أهم العقود التجارية، فقد وضع المشرع مدة سقوط قصيرة لدعوى فسخ هذا العقد في حالة وجود نقص أو عيب أو عدم مطابقة في المبيع أدى إلى عدم صلاحيته للغرض الذي أعده له المشتري أو صعوبة تصريفه، قاصدًا من ذلك وضع حد لهذا الحق؛ لاستقرار التعامل التجاري وحفظ حقوق أطراف العقد والغير الذي تتعلق به هذه الحقوق عند انتقال المبيع بموجب بيوع أخرى، واستلزم المشرع ضرورة إخطار المشتري للبائع بوجود النقص أو العيب أو عدم المطابقة خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ تسليم المبيع إليه تسليمًا فعليًا وضرورة إقامة المشتري لدعوى الفسخ أو إنقاص الثمن خلال ستين يومًا من تاريخ التسليم الفعلي للمبيع، ووضع جزاءً على عدم اتباع المواعيد المشار إليها، وهو سقوط حق المشتري في إقامة الدعوى، إلا إذا ثبت الغش من جانب البائع، على أن تسقط الدعوى في جميع الحالات السابقة بانقضاء ستة أشهر من تاريخ التسليم الفعلي، وكان قصد المشرع ورائده في ذلك هو اعتبار مضي مدة الستة أشهر من تاريخ تسلم المشتري للبضائع المبيعة فعليًّا قرينة قاطعة على قبولها بالحالة التي تسلمها عليها ونزوله عن حقه في التمسك بوجود نقص أو عيب أو عدم مطابقة في تلك البضائع، ولما كانت أحكام عقد البيع التجاري تخضع مثل جميع العقود الأخرى لقاعدة أن العقد شريعة المتعاقدين، كما أن الأحكام الواردة بهذه المادة بشأن مواعيد سقوط دعوى الفسخ وإنقاص الثمن قُصد بها مصلحة البائع، فإنه يجوز الاتفاق على تعديل هذه المواعيد أو إعفاء المشتري من مراعاتها. لمَّا كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص من أوراق الدعوى ومستنداتها أن الشركة المطعون ضدها قامت بتوريد كميات من الأقماح المحلية إلى الشركة الطاعنة بموجب العقد المؤرخ 16/5/2001، وأنه وفقًا لما ورد بمحضر المطابقة المؤرخ 26/7/2001، فقد تم توريد كميات من القمح المحلي المسوق عن موسم 2001، وتم إجراء المطابقة على هذه الكميات، والتي بلغت 3352,342 طنًا، وثبت أنها مطابقة ودرجة نظافتها ما بين 12,5 ، 23,5 وهي الدرجة المطابقة للقرار الوزاري رقم 267 لسنة 2000، وأن الشركة الطاعنة لم تقم بإخطار الشركة المطعون ضدها بوجود ما تدعيه من عدم مطابقة الأقماح الموردة للمواصفات إلا بتاريخ 2/5/2002، ثم أقامت دعواها بتاريخ 6/10/2006، وأنها بذلك لم تلتزم بميعاد إقامة الدعوى الذي حدده المشرع بنص الفقرة الثانية من المادة 101 من قانون التجارة، ثم رتب على ذلك قضاءه بسقوط حقها في إقامة الدعوى، وإذ كان ما خلص إليه الحكم -على هذا النحو- سائغًا ويتفق وصحيح القانون، وكان البين من أوراق الدعوى أنها قد خلت مما يفيد اتفاق طرفيها على تعديل المواعيد المشار إليها بالمادة آنفة البيان أو إعفاء الشركة الطاعنة من مراعاتها، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بما ورد بهذا السبب يضحى على غير أساس.
ولِمَا تقدم، يتعين رفض الطعن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق