الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

الخميس، 17 أبريل 2025

الطعن 24684 لسنة 87 ق جلسة 2 / 11 / 2019 مكتب فني 70 ق 80 ص 732

جلسة 2 من نوفمبر سنة 2019
برئاسة السيد القاضي / فؤاد حسن نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / جمال عبد المجيد ، أحمد الوكيل وأحمد رمضان نواب رئيس المحكمة وكمال عبد اللاه .
---------------
(80)
الطعن رقم 24684 لسنة 87 القضائية
(1) حكم " بيانات حكم الإدانة " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وإيراده مؤدى الأدلة على ثبوتهما في بيان واف . لا قصور .
وجوب بيان الحكم نص القانون الذي حكم بمقتضاه . عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة هذا البيان . إشارته للنصوص التي آخذ الطاعن بها . كاف . أساس ذلك ؟
(2) حكم " بيانات الديباجة " " بيانات حكم الإدانة " .
إيراد الحكم في ديباجته مواد الاتهام التي طلبت النيابة العامة تطبيقها . غير لازم . كفاية الإشارة إلى نص القانون الذي حكم بموجبه . أساس ذلك ؟
(3) إثبات " بوجه عام " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . تزوير " أوراق رسمية " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
الأصل في المحاكمات الجنائية هو اقتناع القاضي بناءً على الأدلة المطروحة عليه . حد ذلك ؟
تساند الأدلة في المواد الجنائية . مؤداه ؟
تحدث الحكم صراحة واستقلالاً عن كل ركن من أركان جريمة التزوير . غير لازم . حد ذلك ؟
الجدل الموضوعي في تقدير أدلة الدعوى . غير جائز أمام محكمة النقض .
مثال .
(4) اشتراك . تزوير " أوراق رسمية " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
الاشتراك في التزوير . تمامه دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة . كفاية اعتقاد المحكمة حصوله من ظروف الدعوى . ما دام سائغاً .
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
تدليل سائغ على اشتراك الطاعن في جريمة تزوير محرر رسمي .
(5) قصد جنائي . تزوير " أوراق رسمية " .
القصد الجنائي في جريمة التزوير . تحققه : بتعمد الجاني تغيير الحقيقة في المحرر مع انتواء استعماله . التحدث استقلالاً عنه . غير لازم . حد ذلك ؟
إثبات الحكم جريمة الاشتراك في التزوير في حق الطاعن بأدلة سائغة . مؤداه : توافر العلم بالتزوير في حقه . النعي بانتفاء العلم . غير مقبول .
(6) ضرر . تزوير " أوراق رسمية " .
الضرر في تزوير المحررات الرسمية . مفترض . النعي بشأن انتفاء الضرر . غير مقبول . علة ذلك ؟
(7) إثبات " قرائن " . تزوير " أوراق رسمية " .
للمحكمة أن تستند إلى المصلحة كقرينة معززة لما ساقته من أدلة أخرى . ما دامت لم تتخذ منها دليلاً أساسياً . نعي الطاعن على الحكم إدانته بجريمة التزوير استناداً لمجرد المصلحة بالمخالفة للثابت بمدوناته . غير مقبول .
(8) تزوير " أوراق رسمية " . نقض " المصلحة في الطعن " . اشتراك . دفوع " الدفع بشيوع التهمة " " الدفع بنفي التهمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
دفاع الطاعن بعدم تحريره بيانات المحرر المزور . غير مجد . ما دام الحكم دانه بوصفه شريكاً في الجريمة .
التفات المحكمة عن طلب الطاعن الاحتياطي باستكتاب موظفي الجهة المنسوب لها المحررين المزورين للتدليل على عدم تحريره للبيانات الثابتة بهما وشيوع الاتهام وعدم ارتكابه للجريمة . لا عيب . علة ذلك ؟
للمحكمة الإعراض عن قالة الطاعن وشهود النفي دون الإشارة إليها أو الرد عليها صراحةً . قضاؤها بالإدانة لأدلة الثبوت التي بينتها . مفاده : اطراحها .
(9) دفوع " الدفع ببطلان الإجراءات " . محضر الجلسة . تزوير " الادعاء بالتزوير" .
فض المحكمة حرز الأوراق المزورة وعرضها على بساط البحث والمناقشة في حضور المتهم ودفاعه . النعي عليها عدم إثبات ماهية تلك الأوراق بمحضر الجلسة . غير مقبول . علة ذلك ؟
محضر الجلسة والحكم حجة بما أثبت فيهما . عدم جواز الادعاء بالمخالفة للثابت بهما إلَّا بالطعن بالتزوير .
(10) تزوير " أوراق رسمية " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
إثارة الدفع بأن التزوير ظاهر لا ينخدع به أحد لأول مرة أمام محكمة النقض . غير جائزة . حد وعلة ذلك ؟
(11) إثبات " بوجه عام " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
عدم التزام المحكمة بالتحدث في حكمها إلَّا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها . إغفالها بعض الوقائع أو أقوال بعض من سئلوا في التحقيقات أو لشق منها . مفاده : اطراحها .
(12) دفوع " الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق صدور أمر بألا وجه فيها " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق صدور أمر بألا وجه فيها . دفع بقوة الشيء المحكوم فيه . شرطه ؟
استناد الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية إلى أسباب عينية . أثره : اكتسابه حجية بالنسبة لجميع المساهمين في الجريمة .
اطراح المحكمة دفع الطاعن بعدم جواز نظر الدعوى لسبق صدور أمر بألا وجه لإقامتها لعدم معرفة الفاعل . صحيح . ما دام لم يكن متهماً في بادئ الأمر . علة ذلك ؟
(13) إجراءات " إجراءات التحقيق " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
تعييب الإجراءات السابقة على المحاكمة . لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم .
(14) نقض " أسباب الطعن . تحديدها " .
نعي الطاعن بالتفات المحكمة عن الرد على أوجه دفاعه ودفوعه دون الكشف عنها . غير مقبول . علة ذلك ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه قد بيّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما ، وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات وما ورد بكتابي مجلس مدينة .... والإدارة الهندسية لقسم الرخص ، وقد أورد مؤداهم في بيان واف يكفي للتدليل على ثبوت الصورة التي اقتنعت بها المحكمة واستقرت في وجدانها وهى أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وجاء استعراض المحكمة لهذه الأدلة على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بالواقعة وبأدلتها إلمامـاً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتــعرف الحقيقة ، كما أنه وإن كانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت على الحكم أن يبين نص القانون الذى حكم بمقتضاه إلَّا أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم هذا البيان ، ولما كان الثابت من الحكم المطعون فيه أنه أشار إلــى نصوص القانون التي أخذ الطاعن بها وأعملها في حقه وعاقبه بمقتضاها ، فإن ما أورده الحكم يكفي في بيان مواد القانون التي حكم بمقتضاها بما يحقق حكم القانون ، مما يكون معه منعى الطاعن ببطلان الحكم لخلوه من نص القانون الذي عاقبه بمقتضاه وأنه قد شابه الغموض والإبهام وعدم الإلمام بوقائع الدعوى وأدلتها وإغفال دفاعه بانتفاء أركان جريمة التزوير في حقه لا يكون سديداً .
2- من المقرر أن مواد الاتهام التي طلبت النيابة العامة تطبيقها ليست من البيانات التي يجب أن تشتمل عليها ديباجة الحكم ، وكانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية لم توجب إلَّا أن يشار في الحكم إلى نص القانون الذي حكم بموجبه ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون قد ورد على غير محل .
3- من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في المحاكمات الجنائية هو اقتناع القاضي بناءً على الأدلة المطروحة عليه ، فله أن يكون عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها إلَّا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه ، وكان لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى ، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة ، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، وكان لا يلزم أن يتحدث الحكم صراحة واستقلالاً عن كـل ركن من أركان جريمة التزوير مادام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه ، وكانت الأدلة التي عول الحكم عليها في الإدانة تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها من مقارفة الطاعن للجريمة التي دانه بها ، ومن ثم فلا محل لما أثير بشأن قصور الحكم في التدليل على توافر أركان تلك الجريمة في حقه واستناده إلى فروض تفتقر إلى الدلائل القوية ولا تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها ، لأنه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير أدلة الدعوى مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض .
4- لما كان الاشتراك في الجريمة - جريمة التزوير - يتم غالباً دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه ، فإنه يكفي لثبوته أن تكون المحكمة قد اعتقدت حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها ، وأن يكون اعتقادها سائغاً تبرره الوقائع التي أثبتها الحكم ، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل بأسباب سائغة على ما استنتجه من اشتراك الطاعن بطريقي الاتفاق والمساعدة في جريمة التزوير في المحررين الرسميين محل الجريمة ، فإن هذا حسبه ليبرأ من قالة القصور في بيان عناصر الاشتراك في التزوير والتدليل عليها ، ويضحى ما يثيره الطاعن في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي لا تقبل إثارته أمام محكمة النـقض .
5- لما كان القصد الجنائي في جريمة التزوير في الأوراق الرسمية يتحقق متى تعمد الجاني تغيير الحقيقة في المحرر مع انتواء استعماله في الغرض الذي من أجله غيرت الحقيقة فيه ، وليس أمراً لازماً التحدث صراحة واستقلالاً في الحكم عن توافر هذا الركن ما دام قد أورد من الوقائع ما يشهد بقيامه ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت بأدلة سائغة توافر جريمة الاشتراك في تزوير محررين رسميين وهو ما يتضمن إثبات توافر ركن العلم بتزويرهما في حق الطاعن ، فإن هذا حسبه ولا يكون ملزماً - من بعد - بالتدليل على استقلال على توافر القصد الجنائي لدى الطاعن ، ويضحى ما يثيره بشأن انتفاء علمه بتزوير المحررين موضوع الاتهام لا محـل لـه .
6- من المقرر أن الضرر في تزوير المحررات الرسمية مفترض ، لما في التزوير من تقليل الثقة بها على اعتبار أنها من الأوراق التي يعتمد عليها في إثبات ما بها ، فإن ما يثيره الطاعن بشأن انتفاء الضرر يكون غير سديد .
7- لما كان البيّن من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تتخذ من المصلحة وحدها قرينة على ما دانت به الطاعن وإنما استندت إليها كقرينة تعزز بها أدلة الثبوت التي أوردتها ، فإنه لا جناح على الحكم إن عول على تلك القرينة تأييداً وتعزيزاً للأدلة الأخرى التي اعتمد عليها في قضائه ما دام أنه لم يتخذ منها دليلاً أساسياً على ثبوت التهمة قبل الطاعن ، ومن ثم تكون المجادلة في ذلك لا محل لها .
8- لما كان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن بوصفه شريكاً بالاتفاق والمساعدة في جريمة التزوير وليس بوصفه فاعلاً أصلياً ، ومن ثم فلا يجديه نفعاً نفي تحريره لتلك البيانات ، ويضحى ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الخصوص لا محل له ، كما لا محل لما يقوله عن التفات المحكمة عن طلبه الاحتياطي باستكتاب الموظفين بإدارة الايرادات والتحصيل بمجلس مدينة .... للتدليل على أنه ليس هو الكاتب لبيانات المحررين المزورين ، فضلاً عن أن الحكم قد رد عليه بما يبرر اطراحه ، وهو طلب لا يتجه مباشرة إلى نفي الفعل المكون للجريمة بل لإثارة الشبهة في أدلة الثبوت التي اطمأنت إليها المحكمة ، فلا عليها إن هي أعرضت عنه والتفتت عن إجابته وعما أبداه الطاعن من دفاع في هذا الشأن ، تأدياً من ذلك إلى القول بشيوع التهمة وعدم ارتكابه للجريمة ، لما هو مقرر من أن الدفع بشيوع التهمة أو بنفيها هو من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستلزم من المحكمة رداً خاصاً اكتفاء بما تورده من أدلة الثبوت التي تطمئن إليها ، وكذلك لا محل لما يقوله عن التفات المحكمة عن أقواله وأقوال شاهد النفي لأن للمحكمة أن تعول على أقوال شهود الإثبات وتعرض عن قالة شهود النفي دون أن تكون ملزمة بالإشارة إلى أقوالهم أو الرد عليها رداً صريحاً ، فقضاؤها بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي بينتها يفيد دلالة أنها اطرحت شهادتهم ولم تر الأخذ بها .
9- لما كان الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن المحكمة قامت بفض الحرز بعد التأكد من سلامة أختامه ، وأطلعت المتهم ودفاعه عليه ، فغدت محتوياته معروضة على بساط البحث والمناقشة بالجلسة ، وكان لا سند لإلزام المحكمة بأن تثبت ماهية الأوراق المزورة التي يحتوي عليها الحرز ومضمونها ومواطن التزوير فيها بمحضر جلسة المحاكمة أو بصلب الحكم بعد أن ثبت أنها كانت معروضة على بساط البحث والمناقشة في حضور الخصوم ، وكان في مكنة الدفاع عن الطاعن وقد اطلع عليها أن يبدي ما يعن له بشأنها في مرافعته ، وكان الحكم ومحضر الجلسة حجة بما أثبت فيهما ، بحيث لا يجوز ادعاء عكسه إلَّا بطريق الطعن بالتزوير وهو ما لم يسلكه الطاعن ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير مقبول .
10- لئن كان من المقرر أن التزوير في المحررات إذا كان ظاهراً بحيث لا يمكن أن ينخدع به أحد فلا عقاب عليه لانعدام الضرر إلَّا أن إثارة ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض غير جائزة ما لم تكن مدونات الحكم تظاهره ، وإذ خلا محضر جلسـة المرافعة من تمسك الطاعن بهذا الدفاع ، كما خلت مدونات الحكم مما يرشح لقيامه ، فإنه لا يقبل منه أن يثير هذا الأمر أمام هذه المحكمة لأن تمحيصه يتطلب تحقيقاً تنحسر عنه وظيفتها ، ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الخصوص غير سديـد .
11- لما كانت المحكمة لا تلتزم بحسب الأصل بأن تورد من أقوال الشهود إلَّا ما تقيم عليه قضاءها ، وكان من المقرر في أصول الاستدلال أن المحكمة غير ملزمة بالتحدث في حكمها إلَّا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها ، وفى إغفالها لبعض الوقائع أو عدم تعرضها لأقوال بعض من سئلوا في التحقيقات أو لشق منها ما يفيد ضمناً اطراحها لها اطمئناناً منها إلى ما أثبتته من الوقائع والأدلة التي اعتمدت عليها في حكمها ، ومن ثم فلا محل لما ينعاه الطاعن على الحكم لإسقاطه أقوال بعض من سئلوا في التحقيقات ، وكذلك لشق من أقوال شهود الإثبات أو لإغفاله تحصيل بعض الوقائع التي أشار إليها بأسباب طعنه ، وهى من بعد وقائع ثانوية يريد الطاعن لها معنى لم تسايره فيها المحكمة فاطرحتها .
12- من المقرر أن الدفع بعدم قبول الدعوى الجنائية أو بعدم جواز نظرها لسبق صدور أمر بألَّا وجه فيها من النيابة العامة هو من قبيل الدفع بقوة الشيء المحكوم فيه ، ولأجل أن يكون له محل فإن ذلك يقتضي وحدة الدعويين التي دفع فيها بقوة الأمر بألَّا وجـه وتلك التي صدر فيها ذلك الأمر من حيث أشخاصهما وموضوعهما وسببيهما ، ويقتضي اشتراط وحدة الأطراف أن يكون المتهم الذى صدر لمصلحته الأمر بألَّا وجه لإقامة الدعوى هو نفسه الذي أقيمت ضده الدعوى التي يحتج بعدم قبولها وذلك ما لم يكن الأمر بألا وجه قد أقيم على أسباب عينية كحالة ثبوت أن الجريمة لم تقع أصلاً أو على أنها في ذاتها ليست من الأفعال التي يعاقب عليها القانون ، فإنه في هذه الحالة يكتسب - كأحكام البراءة - حجية بالنسبة إلى جميع المساهمين في الجريمة ، وترتيباً على ذلك فإنه إذا استند الأمر بألا وجه إلى " عدم معرفة الفاعل " فلا يجوز لمن رفـعت عليه الدعوى بعد ذلك أن يحتج بهذا الأمر ذلك بأنه لم يكن متهماً حينما صدر ذلك الأمر ، فلا يمكن أن يقال أنه صدر في شأنه . لما كان ذلك ، وكان الطاعن - على ما يذهب إليه في وجه نعيه - يقرر أن الأمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية قد صدر لعدم معرفة الفاعل ، وأنه قد تم إلغاؤه وعاودت النيابة التحقيق في الواقعة ورفعت الدعوى الجنائية بعدئذً عليه ، ففي ذلك ما يدل على أنه لم يكن في بادئ الأمر متهماً ، ومن ثم فلا يحق له أن يتمسك بأمر بألَّا وجه لم يصدر في شأنه ، إذ إن ذلك يتنافى مع المبادئ التي تقوم عليها حجية الشيء المحكوم فيه ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى اطراح دفعه في هذا الشأن - أياً كان وجه الرأي فيما أورده من أسباب - يكون قد وافق صحيح القانون ، ويكون نعى الطاعن عليه في هذا الشأن غير سديد .
13- لما كان ما يثيره الطاعن بشأن إجراءات وتحقيقات النيابة العامة لا يعدو أن يكون تعييباً للإجراءات السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً للنعي على الحكم .
14- لما كان الطاعن لم يفصح عن ماهية أوجه الدفاع والدفوع المقول بأنه أثارها وجاء الحكم قاصراً في الرد عليها ، وذلك حتى يتضح مدى أهميتها في الدعوى المطروحة ، فإن ما يثيره في هذا الصدد لا يكون مقبولاً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه :-
1– وهو ليس من أرباب الوظائف العمومية اشترك بطريقي الاتفاق والمساعدة مع آخر مجهول في ارتكاب تزوير في محررين رسميين هما القسيمتين ....، .... والمنسوب صدورهما لإدارة الإيرادات والتحصيل بمجلس مدينة .... مع علمه بتزويرهما وذلك بطريق الاصطناع بأن اتفق مع هذا المجهول على إنشائهما علي غرار المحررات الصحيحة وساعده بأن أمده بالبيانات اللازم إدراجها فقام المجهول بتحريرها والتوقيع عليها بتوقيعات نسبها زوراً إلى المختصين بإدارة الإيرادات والتحصيل سالفة البيان فتمت تلك الجريمة بناءً على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة .
2- استعمل المحررين المزورين موضوع التهمة الأولى (قسائم التحصيل) بأن قدمهما للمدعو/.... (محام) وكيله الذي قدمها لمحكمة جنح .... حال نظر القضية الرقيمة .... .
وأحالته إلى محكمة جنايات .... لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 40 /ثانياً وثالثاً ، 41 /أولاً ، 211 ، 212 ، 214 من قانون العقوبات مع إعمال نص المادة 32 من ذات القانون . بمعاقبته بالسجن لمدة ثلاث سنوات .
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
من حيث إن الطاعن ينعي - بمذكرتي الأسباب - على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي الاشتراك في تزوير محررين رسميين واستعمالهما مع علمه بذلك ، قد شابه البطلان والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال واعتوره الإخلال بحق الدفاع ؛ ذلك بأن شابه الغموض والإبـهام في بيان واقعة الدعوى ، ولم يورد مضمون أدلة الثبوت التي عول عليها في الإدانة ومؤداها ، كما لم يشر إلى نص القانون الذى عاقبه بمقتضاه ، وخلت ديباجته من مواد الاتهام التي طلبت النيابة العامة تطبيقها بالمخالفة لما أوجبه نص المادة 310 من قانون الاجراءات الجنائية مستنداً في قضائه إلى فروض تفتقر إلى الدلائل القوية وأدلة لا تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، لا سيما وقد خلت الأوراق من تقرير فني يفيد وقوع جريمة التزوير ، معرضاً عن دفاعه القائم على انتفاء ركنيها المادي و المعنوي رغم تعدد دلالته ، كما لم يستظهر عناصر الاشتراك والقصد الجنائي ، ولم يدلل على توافرهما وركن الضرر في حقه تدليلاً كافياً ، مستنداً في قضائه بالإدانة إلى مجرد توافر المصلحة وهو ما لا يكفي معرضاً عن دفاعه المؤيد بقالة شاهد النفي القائم على أنه ليس هو القائم بالتزوير وأن مرتكبه آخر رغم تعدد شواهده ، ودون أن يعنى بإجابة طلبه الاحتياطي بندب مصلحة الطب الشرعي قسم أبحاث التزييف والتزوير تحقيقاً لدفاعه ، هذا وقد قعدت المحكمة عن فض الحرز والاطلاع على المحررين المزورين وإثبات مضمونيهما وموطن التزوير فيهما مكتفية بما أوردته في شأنهما بمحضر الجلسة وهو ما لا يكفي ، مما أسلس إلى عدم إدراكها أن التزوير جاء مفضوحاً ، واستندت في الإدانة إلى أقوال بعض الشهود دون البعض الآخر، وأسقطت منهم ما من شأنه أن ينفي التهمة عن الطاعن ، ودون أن تفطن إلى دلالة سابقة صدور أمر بألَّا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم معرفة الفاعل المؤيدة لدفاعه في هذا الشأن ، فضلاً عن قصورها في الرد على دفعه بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة صدور هذا الأمر فيها ، وأخيراً جاءت تحقيقات النيابة العامة قاصرة في مناحي عدة ، وكذلك الحكم في الرد على باقي أوجه الدفاع والدفوع ، كل ذلك مما يـعيب الحكم ويستوجب نقضه .
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد بيّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما ، وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات وما ورد بكتابي مجلس مدينة .... والإدارة الهندسية لقسم الرخص ، وقد أورد مؤداهم في بيان واف يكفي للتدليل على ثبوت الصورة التي اقتنعت بها المحكمة واستقرت في وجدانها وهى أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وجاء استعراض المحكمة لهذه الأدلة على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بالواقعة وبأدلتها إلمامـاً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتــعرف الحقيقة ، كما أنه وإن كانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت على الحكم أن يبين نص القانون الذى حكم بمقتضاه إلَّا أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم هذا البيان ، ولما كان الثابت من الحكم المطعون فيه أنه أشار إلــى نصوص القانون التي أخذ الطاعن بها وأعملها في حقه وعاقبه بمقتضاها ، فإن ما أورده الحكم يكفي في بيان مواد القانون التي حكم بمقتضاها بما يحقق حكم القانون ، مما يكون معه منعى الطاعن ببطلان الحكم لخلوه من نص القانون الذي عاقبه بمقتضاه وأنه قد شابه الغموض والإبهام وعدم الإلمام بوقائع الدعوى وأدلتها وإغفال دفاعه بانتفاء أركان جريمة التزوير في حقه لا يكون سديداً . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن مواد الاتهام التي طلبت النيابة العامة تطبيقها ليست من البيانات التي يجب أن تشتمل عليها ديباجة الحكم ، وكانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية لم توجب إلَّا أن يشار في الحكم إلى نص القانون الذي حكم بموجبه ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون قد ورد على غير محـل . لما كان ذلك ، وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في المحاكمات الجنائية هو اقتناع القاضي بناءً على الأدلة المطروحة عليه ، فله أن يكون عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها إلَّا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه ، وكان لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى ، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة ، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، وكان لا يلزم أن يتحدث الحكم صراحة واستقلالاً عن كـل ركن من أركان جريمة التزوير ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه ، وكانت الأدلة التي عول الحكم عليها في الإدانة تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها من مقارفة الطاعن للجريمة التي دانه بها ، ومن ثم فلا محل لما أثير بشأن قصور الحكم في التدليل على توافر أركان تلك الجريمة في حقه واستناده إلى فروض تفتقر إلى الدلائل القوية ولا تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها ، لأنه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير أدلة الدعوى مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان الاشتراك في الجريمة - جريمة التزوير - يتم غالباً دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه ، فإنه يكفي لثبوته أن تكون المحكمة قد اعتقدت حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها ، وأن يكون اعتقادها سائغاً تبرره الوقائع التي أثبتها الحكم ، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل بأسباب سائغة على ما استنتجه من اشتراك الطاعن بطريقي الاتفاق والمساعدة في جريمة التزوير في المحررين الرسميين محل الجريمة ، فإن هذا حسبه ليبرأ من قالة القصور في بيان عناصر الاشتراك في التزوير والتدليل عليها ، ويضحى ما يثيره الطاعن في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي لا تقبل إثارته أمام محكمة النـقض . لما كان ذلك ، وكان القصد الجنائي في جريمة التزوير في الأوراق الرسمية يتحقق متى تعمد الجاني تغيير الحقيقة في المحرر مع انتواء استعماله في الغرض الذي من أجله غيرت الحقيقة فيه ، وليس أمراً لازماً التحدث صراحة واستقلالاً في الحكم عن توافر هذا الركن ما دام قد أورد من الوقائع ما يشهد بقيامه ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت بأدلة سائغة توافر جريمة الاشتراك في تزوير محررين رسميين وهو ما يتضمن إثبات توافر ركن العلم بتزويرهما في حق الطاعن ، فإن هذا حسبه ولا يكون ملزماً - من بعد - بالتدليل على استقلال على توافر القصد الجنائي لدى الطاعن ، ويضحى ما يثيره بشأن انتفاء علمه بتزوير المحررين موضوع الاتهام لا محـل لـه . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الضرر في تزوير المحررات الرسمية مفترض ، لما في التزوير من تقليل الثقة بها على اعتبار أنها من الأوراق التي يعتمد عليها في إثبات ما بها ، فإن ما يثيره الطاعن بشأن انتفاء الضرر يكون غير سديـد . لما كان ذلك ، وكان البيّن من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تتخذ من المصلحة وحدها قرينة على ما دانت به الطاعن وإنما استندت إليها كقرينة تعزز بها أدلة الثبوت التي أوردتها ، فإنه لا جناح على الحكم إن عول على تلك القرينة تأييداً وتعزيزاً للأدلة الأخرى التي اعتمد عليها في قضائه ما دام أنه لم يتخذ منها دليلاً أساسياً على ثبوت التهمة قبل الطاعن ، ومن ثم تكون المجادلة في ذلك لا محل لها . لما كــان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن بوصفه شريكاً بالاتفاق والمساعدة في جريمة التزوير وليس بوصفه فاعلاً أصلياً ، ومن ثم فلا يجديه نفعاً نفي تحريره لتلك البيانات ، ويضحى ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الخصوص لا محل له ، كما لا محل لما يقوله عن التفات المحكمة عن طلبه الاحتياطي باستكتاب الموظفين بإدارة الايرادات والتحصيل بمجلس مدينة .... للتدليل على أنه ليس هو الكاتب لبيانات المحررين المزورين ، فضلاً عن أن الحكم قد رد عليه بما يبرر اطراحه ، وهو طلب لا يتجه مباشرة إلى نفي الفعل المكون للجريمة بل لإثارة الشبهة في أدلة الثبوت التي اطمأنت إليها المحكمة ، فلا عليها إن هي أعرضت عنه والتفتت عن إجابته وعما أبداه الطاعن من دفاع في هذا الشأن ، تأدياً من ذلك إلى القول بشيوع التهمة وعدم ارتكابه للجريمة ، لما هو مقرر من أن الدفع بشيوع التهمة أو بنفيها هو من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستلزم من المحكمة رداً خاصاً اكتفاء بما تورده من أدلة الثبوت التي تطمئن إليها ، وكذلك لا محل لما يقوله عن التفات المحكمة عن أقواله وأقوال شاهد النفي لأن للمحكمة أن تعول على أقوال شهود الإثبات وتعرض عن قالة شهود النفي دون أن تكون ملزمة بالإشارة إلى أقوالهم أو الرد عليها رداً صريحاً ، فقضاؤها بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي بينتها يفيد دلالة أنها اطرحت شهادتهم ولم تر الأخذ بها . لما كان ذلك ، وكان الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن المحكمة قامت بفض الحرز بعد التأكد من سلامة أختامه ، وأطلعت المتهم ودفاعه عليه ، فغدت محتوياته معروضة على بساط البحث والمناقشة بالجلسة ، وكان لا سند لإلزام المحكمة بأن تثبت ماهية الأوراق المزورة التي يحتوي عليها الحرز ومضمونها ومواطن التزوير فيها بمحضر جلسة المحاكمة أو بصلب الحكم بعد أن ثبت أنها كانت معروضة على بساط البحث والمناقشة في حضور الخصوم ، وكان في مكنة الدفاع عن الطاعن وقد اطلع عليها أن يبدي ما يعن له بشأنها في مرافعته ، وكان الحكم ومحضر الجــلسة حجة بما أثبت فيهما ، بحيث لا يجوز ادعاء عكسه إلَّا بطريق الطعن بالتزوير وهو ما لم يسلكه الطاعن ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير مقبول . لما كان ذلك ، ولئن كان من المقرر أن التزوير في المحررات إذا كان ظاهراً بحيث لا يمكن أن ينخدع به أحد فلا عقاب عليه لانعدام الضرر إلَّا أن إثارة ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض غير جائزة ما لم تكن مدونات الحكم تظاهره ، وإذ خلا محضر جلسـة المرافعة من تمسك الطاعن بهذا الدفاع ، كما خلت مدونات الحكم مما يرشح لقيامه ، فإنه لا يقبل منه أن يثير هذا الأمر أمام هذه المحكمة لأن تمحيصه يتطلب تحقيقاً تنحسر عنه وظيفتها ، ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الخصوص غير سديـد . لما كان ذلك ، وكانت المحكمة لا تلتزم بحسب الأصل بأن تورد من أقوال الشهود إلَّا ما تقيم عليه قضاءها ، وكان من المقرر في أصول الاستدلال أن المحكمة غير ملزمة بالتحدث في حكمها إلَّا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها ، وفى إغفالها لبعض الوقائع أو عدم تعرضها لأقوال بعض من سئلوا في التحقيقات أو لشق منها ما يفيد ضمناً اطراحها لها اطمئناناً منها إلى ما أثبتته من الوقائع والأدلة التي اعتمدت عليها في حكمها ، ومن ثم فلا محل لما ينعاه الطاعن على الحكم لإسقاطه أقوال بعض من سئلوا في التحقيقات ، وكذلك لشق من أقوال شهود الإثبات أو لإغفاله تحصيل بعض الوقائع التي أشار إليها بأسباب طعنه ، وهى من بعد وقائع ثانوية يريد الطاعن لها معنى لم تسايره فيها المحكمة فاطرحتها . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الدفع بعدم قبول الدعوى الجنائية أو بعدم جواز نظرها لسبق صدور أمر بألَّا وجه فيها من النيابة العامة هو من قبيل الدفع بقوة الشيء المحكوم فيه ، ولأجل أن يكون له محل فإن ذلك يقتضي وحدة الدعويين التي دفع فيها بقوة الأمر بألَّا وجـه وتلك التي صدر فيها ذلك الأمر من حيث أشخاصهما وموضوعهما وسببيهما ، ويقتضي اشتراط وحدة الأطراف أن يكون المتهم الذى صدر لمصلحته الأمر بألَّا وجه لإقامة الدعوى هو نفسه الذي أقيمت ضده الدعوى التي يحتج بعدم قبولها وذلك ما لم يكن الأمر بألا وجه قد أقيم على أسباب عينية كحالة ثبوت أن الجريمة لم تقع أصلاً أو على أنها في ذاتها ليست من الأفعال التي يعاقب عليها القانون ، فإنه في هذه الحالة يكتسب - كأحكام البراءة - حجية بالنسبة إلى جميع المساهمين في الجريمة ، وترتيباً على ذلك فإنه إذا استند الأمر بألا وجه إلى " عدم معرفة الفاعل " فلا يجوز لمن رفـعت عليه الدعوى بعد ذلك أن يحتج بهذا الأمر ذلك بأنه لم يكن متهماً حينما صدر ذلك الأمر ، فلا يمكن أن يقال أنه صدر في شأنه . لما كان ذلك ، وكان الطاعن - على ما يذهب إليه في وجه نعيه - يقرر أن الأمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية قد صدر لعدم معرفة الفاعل ، وأنه قد تم إلغاؤه وعاودت النيابة التحقيق في الواقعة ورفعت الدعوى الجنائية بعدئذً عليه ، ففي ذلك ما يدل على أنه لم يكن في بادئ الأمر متهماً ، ومن ثم فلا يحق له أن يتمسك بأمر بألَّا وجه لم يصدر في شأنه ، إذ إن ذلك يتنافى مع المبادئ التي تقوم عليها حجية الشيء المحكوم فيه ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى اطراح دفعه في هذا الشأن - أياً كان وجه الرأي فيما أورده من أسباب - يكون قد وافق صحيح القانون ، ويكون نعى الطاعن عليه في هذا الشأن غير سديد . لما كان ذلك ، وكان ما يثيره الطاعن بشأن إجراءات وتحقيقات النيابة العامة لا يعدو أن يكون تعييباً للإجراءات السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً للنعي على الحكم . لما كان ذلك ، وكان الطاعن لم يفصح عن ماهية أوجه الدفاع والدفوع المقول بأنه أثارها وجاء الحكم قاصراً في الرد عليها ، وذلك حتى يتضح مدى أهميتها في الدعوى المطروحة ، فإن ما يثيره في هذا الصدد لا يكون مقبولاً . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق