جلسة 8 من ديسمبر سنة 1966
برياسة السيد المستشار محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد عبد اللطيف، وحافظ محمد بدوى، وعباس عبد الجواد، ومحمد صدقي البشبيشي.
----------------
(264)
الطعن رقم 440 لسنة 31 القضائية
(أ) مقاولة. "مسئولية المقاول ورب العمل". "خطأ رب العمل".
مسئولية المقاول مع رب العمل عما يحدث في البناء من عيوب إذا كان قد علم بالخطأ في التصميم الذى وضعه رب العمل ومع ذلك أقره المقاول أو كان الخطأ واضحا لا يخفى أمره على المقاول المجرب. انتفاء مسئولية المقاول إذا نبه رب العمل إلى الخطأ في التصميم ومع ذلك أصر على تنفيذه ومتى كان رب العمل يفوق المقاول في الخبرة وفن البناء. الضرر في هذه الحالة يرجع إلى خطأ رب العمل وحده.
(ب) نقض. "التقرير بالطعن". "الخصوم في الطعن". شركات. "شركة تضامن".
توجيه الطعن إلى المطعون ضده باعتباره ممثلا لشركاء متضامنين. اعتباره موجها إلى شركة التضامن كشخصية مستقلة عن شخصية مديرها ما دامت المقصودة بالخصومة وذكر اسمها في تقرير الطعن وأعلنت به في مركز إدارتها في شخص ممثلها الحقيقي. الخطأ بتقرير الطعن في أسماء الأشخاص الطبيعيين الممثلين للشركة لا يبطل الطعن.
-----------------
1 - المقاول الذي يعمل بإشراف رب العمل الذى وضع التصميم والذي جعل نفسه مكان المهندس المعماري يشترك مع رب العمل في المسئولية عما يحدث في البناء من عيوب إذا كان قد علم بالخطأ في التصميم وأقره أو كان ذلك الخطأ من الوضوح بحيث لا يخفى أمره على المقاول المجرب، إلا أنه إذا كان المقاول قد نبه رب العمل إلى ما كشفه من خطأ في التصميم فأصر على تنفيذه وكان لرب العمل من الخبرة والتفوق في فن البناء ما يفوق خبرة وفن المقاول فإن إذعان المقاول لتعليمات رب العمل في هذه الحال لا يجعله مسئولا عما يحدث في البناء من تهدم نتيجة في التصميم إذ الضرر يكون راجعا إلى خطأ رب العمل وحده فيتحمل المسئولية كاملة.
2 - متى كان الطعن قد وجه للمطعون ضده باعتباره ممثلا لشركاء متضامنين فإنه يكون موجها إلى الشركة باعتبارها شركة تضامن لها شخصية مستقلة عن شخصية مديريها وما دامت الشركة هي الأصيلة المقصودة بذاتها في الخصومة دون ممثليها وقد ذكر اسمها المميز لها عن غيرها في التقرير بالطعن وأعلنت به في مركز إدارتها في شخص ممثلها الحقيقي فإن الطعن يكون صحيحا وفقا لما نصت عليه المادة 14 فقرة رابعة من قانون المرافعات دون اعتداد بما يكون قد وقع في تقرير الطعن من خطأ في أسماء الأشخاص الطبيعيين الممثلين للشركة (1).
---------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الوقائع تتحصل - كما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أن المطعون ضده عن نفسه وبصفته رفع على الطاعن بصفته الدعوى رقم 1949 لسنة 1953 قائلا في تبيان دعواه أن بلدية الإسكندرية التي يمثلها الطاعن أشهرت عن مناقصة لإنشاء حوض للسباحة وساحة لكرة السلة بملعب فؤاد الأول كما أصدر قسما الهندسة والمبانى ببلدية الاسكندرية كل فى حدود اختصاصه بيانا بتفاصيل المنشآت المطلوبة مرفقا بها الرسومات والتصميمات التى وضعها أستاذ الخرسانة المسلحة بكلية الهندسة بجامعة الاسكندرية بناء على تكليف من البلدية - وقد تقدم المطعون ضده بعطائه مع التأمين المطلوب وقدره 2% من مجموع تكاليف المشروع حسب التقدير الابتدائى ولما رست المناقصة عليه طلبت منه البلدية تكملة التأمين إلى النصاب المطلوب وقدره 10% فقدم خطاب ضمان من البنك البلجيكى بالاسكندرية بمبلغ 11950 ج ثم أصدرت البلدية أمر التشغيل وأبلغته به فى 22/ 11/ 1950 إعلانا ببدء العمل فشرع فى إقامة المنشآت على أساس الرسومات والتصميمات الموضوعة وتحت إشراف المهندسين المنتدبين لمراقبة أعماله وأثناء سير العمل طلبت منه البلدية إجراء تعديلات وإضافات كبيرة تختلف عن أصل المشروع وتزيد عليه بلغت تكاليفها نيفا وأربعين ألفا من الجنيهات وبعد الانتهاء من إقامة المنشآت سلمها إلى البلدية ممثلة فى لجنة من أربعة من مهندسيها وقد تم ذلك التسليم المؤقت بموجب محرر رسمى فى 20/ 9/ 1951 جاء به أنه بعد المعاينة اتضح مطابقة المنشآت لشروط ومواصفات العطاء كما جاء به أيضا أن بعض الأعمال فى حاجة إلى إنجاز (تشطيبات) وإصلاحات قبلت البلدية القيام بها مع إخلاء مسئولية المقاول وبعد مرور سنة على التسليم المؤقت وهو الميعاد المحدد فى 47 من عقد المقاولة للتسليم النهائى طلب من البلدية القيام باستلام المنشآت استلاما نهائيا إلا أنها لم تضع إلى طلبه - وبعد مضى سنتين من الاستلام المؤقت فوجئ من البلدية برفع دعوى مستعجلة قيدت برقم 1087 سنة 1953 مدنى مستعجل الاسكندرية طلبت فيها ندب خبير أو أكثر لمعاينة حوض السباحة وإثبات حالته من هبوط فى منسوبه: تشريخات فى حوائطه وأرضيته وكسوته وكذلك معاينة الكسور فى مواسير التغذية والصرف مع تقدير تكاليف الإصلاح وقد أجابت المحكمة طلب البلدية إلى ندب ثلاثة خبراء معينين بالاسم بعد موافقة المطعون ضده عليهم للقيام بتلك المهمة وقدم الخبراء تقريرهم الذى انتهوا فيه إلى أن العيوب التى حدثت بالمنشآت إنما ترجع إلى تربة الأراضى التى اختارتها البلدية لإقامة حمام السباحة عليها إذ أنها كانت تربة غير متجانسة ومكونة من ردم منقول من هضاب قديمة وأن المسئولية فى ذلك لا تقع على المقاول الذى اقتصر عمله على القيام بالتنفيذ. وعلى الرغم من ذلك فان البلدية تراخت فى الاستلام النهائى ولما كان يستحق قبلها مبلغ 18817 ج و29 م من واقع المستخلص النهائى وأعمال المقاولة فقد رفع هذه الدعوى طالبا الحكم به مع الفوائد من تاريخ المطالبة الرسمية مضيفا إليه مبلغ عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض لحرمانه من المبالغ المستحقة له وللتعريض بكفايته الفنية - كما طلب الحكم له بالإفراج عن مبلغ التأمين المصرفى المقدم منه وقدره 11950 ج مع الفوائد من تاريخ محضر الاستلام المؤقت وبندب خبير لمراجعة حسابات المستخلص الختامى وتقدير الفروق التى يستحقها والناشئة عن أخطاء التقدير وبخس أثمان الاعمال الإضافية بالمقارنة بأثمان المثل. دفع الطاعن الدعوى طالبا رفضها تأسيسا على أن نصوص عقد المقاولة تلزم المقاول بعمل حساب ودراسة طبيعة الأرض وترتيب طبقاتها - كما أنه ملزم بمراجعة الرسومات والتصميمات الخاصة بالعمل قبل الشروع فيه وأنه مسئول عنها كما لو كانت مقدمة منه ما لم يكن سبق التنبيه منه كتابة بوجود عيب أو خطأ فنى فيها ثم وجه الطاعن بجلسة 25/ 12/ 1954 إلى المطعون ضده طلبا عارضا بفسخ عقد المقاولة فسخا جزئيا بالنسبة لحوض السباحة وبرد المبلغ المقابل لهذا الجزء من المقاولة وقدره 14900 جنيه علاوة على تعويض قدره ستة عشر ألف جنيه نظير عدم تنفيذ المقاول شروط العقد. ومحكمة الاسكندرية الابتدائية قضت فى 31 من ديسمبر سنة 1957 فى الدعوى الأصلية - بالزام المدعى عليه بصفته (الطاعن) بالإفراج عن التأمين المصرفى وقدره 11950 جنيها وبإلزام المدعى عليه بصفته (الطاعن) بأن يدفع للمدعى بصفته (المطعون ضده) مبلغ 18817 ج و29 م مع الفوائد بواقع 4% سنويا من تاريخ الحكم حتى السداد ورفض طلبى التعويض والفوائد عن المدة السابقة على الحكم. وقبل الفصل فى الموضوع بندب خبير لتقدير الفروق التى يستحقها المطعون ضده عن أخطاء التقدير إن وجدت أو عن بخس الأعمال الإضافية بالمقارنة إلى ثمن المثل وبعد أن قدم الخبير تقريره قضت المحكمة فى 23 أبريل سنة 1959 بالزام الطاعن بصفته بأن يدفع للمطعون ضده بصفته مبلغ 11639 ج و343 م - استأنف الطاعن هذين الحكمين وقيد استئنافه برقمى 49 سنة 14 قضائية، 178 سنة 15 قضائية كما استأنف المطعون ضده الحكم الأول فيما قضى به من رفض طلبى التعويض والفوائد عن المدة السابقة للحكم - وبتاريخ 25 من نوفمبر سنة 1961 قضت محكمة استئناف الاسكندرية بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة طلبت فيها رفض الطعن وحدد لنظر الطعن جلسة 10/ 11/ 1966 وبالجلسة المحددة صممت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن المطعون ضده دفع ببطلان الطعن تأسيسا على أن دائرة فحص الطعون أصدرت قرارها باحالة الطعن إلى هذه الدائرة بجلسة 6 من ابريل سنة 1965 ولم يقم الطاعن باعلان المطعون ضده بالطعن إلا فى 8 من مايو سنة 1965 أى بعد مضى أكثر من خمسة عشر يوما من صدور قرار الإحالة مخالفا بذلك نص المادة الحادية عشر من القانون رقم 57 لسنة 1959 التى تلزم الطاعن بإعلان الطعن إلى جميع الخصوم الذين وجه إليهم مؤشرا عليه بقرار الاحالة فى الخمسة عشر يوما التالية لقرار الإحالة مما يترتب عليه بطلان الطعن.
وحيث إن هذا الدفع مردود بأن قضاء هذه المحكمة قد استقر فى ظل القانون رقم 106 لسنة 1962 والذى نقل عبء إعلان الطعن من عاتق الطاعن إلى عاتق قلم الكتاب على أن ميعاد هذا الإعلان لم يعد - بعد صدور القانون المشار إليه - ميعادا حتميا بل مجرد ميعاد تنظمى لا يترتب على تجاوزه البطلان ومن ثم يتعين رفض هذا الدفع.
وحيث إن المطعون ضده دفع بعدم قبول الطعن لرفعه على غير ذى صفة تأسيسا على أن الثابت من تقرير الطعن أنه وجه إلى المرحوم يوسف أحمد يوسف عن نفسه وبصفته ممثلا لأنجال المرحوم محمد أحمد أبو يوسف مع أنه كان قد توفى فى شهر مارس سنة 1960 وحل محله السيد/ محمود أحمد يوسف فلم يعد خصما فى الاستئناف وبالتالى لم يكن خصما فى الحكم المطعون فيه ولما كانت الخصومة فى الطعن لا تكون إلا بين من كانوا خصوما بعضهم لبعض أمام المحكمة التى أصدرت الحكم المطعون فيه فان الطعن يكون مرفوعا على غير ذى صفة وبالتالى يكون غير مقبول.
وحيث إن هذا الدفع فى غير محله ذلك أن الثابت من الأوراق أن كلا من السيدين/ يوسف محمد أحمد أبو يوسف ومحمود أحمد أبو يوسف حينما مثلا فى الخصومة فقد كان ذلك بوصفهما ممثلين لأنجال المرحوم محمد أحمد أبو يوسف وإذ كان الثابت من ملخص عقد الشركة الذى حضرا فى الخصومة على أساسه أن أنجال المرحوم محمد أحمد أبو يوسف يكونون شركة تضامن فان الطعن إذا ما وجه إلى السيد/ يوسف محمد أحمد أبو يوسف باعتباره ممثلا لأنجال المرحوم محمد أحمد أبو يوسف فانه يكون موجها إلى الشركة باعتبارها شركة تضامن لها شخصية مستقلة عن شخصية مديريها - وما دامت الشركة هى الأصلية والمقصودة بذاتها فى الخصومة دون ممثليها وقد ذكر اسمها المميز لها عن غيرها فى التقرير بالطعن وأعلنت به فى مركز إدارتها فى شخص ممثلها الحقيقى السيد/ محمود أحمد يوسف فإن الطعن يكون صحيحا وفقا لما نصت عليه المادة 14 فقرة رابعة من قانون المرافعات وذلك دون اعتداد بما يكون قد وقع فى تقرير الطعن من خطأ فى أسماء الأشخاص الطبيعيين الممثلين للشركة وقد تداركت الطاعنة هذا الخطأ قبل إعلان الطعن فنبهت على قلم الكتاب بتوجيه الاعلان إلى الشركة المطعون ضدها فى شخص ممثلها الحقيقى السيد/ محمود أحمد يوسف وقد تم إعلانها إعلانا صحيحا بالطعن ومن ثم يكون هذا الدفع على غير أساس ويتعين رفضه - ولما كان الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية فانه يكون مقبولا شكلا.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالوجه الأول من السبب الأول على الحكم المطعون فيه مخالفة المادة 651 من القانون المدنى والخطأ فى تطبيقها ذلك أنه أقام قضاءه على أن العيوب التى ظهرت فى حوض السباحة إنما ترجع إلى عيب فى طبيعة الأرض التى اختارتها البلدية لإقامة الحوض عليها وإلى الخطأ فى التصميم الذى وضعته البلدية وهما أمران لا يسأل عنهما المقاول الذى تقتصر مسئوليته فى هذه الحالة على أعمال التنفيذ - وقد استند الحكم المطعون فيه فى هذا الصدد إلى قضاء الحكم الابتدائى الذى أقيم على نص الفقرة الثانية من المادة 897 من المشروع التمهيدى للقانون المدنى مع أن تلك الفقرة قد عدل المشرع عنها - وعلى نص المادة 652 من القانون المدنى الذى استنتج منها الحكم بطريق مفهوم المخالفة قصر مسئولية المقاول على العيوب الناشئة عن التنفيذ دون تلك الناشئة عن التصميم وترى الطاعنة أن ذلك من الحكم خطأ فى القانون إذ نص المادة 651 صريح فى قيام مسئولية المقاول ولو كان التهدم ناشئا عن عيب فى الأرض ذاتها - حتى لو كان رب العمل عالما بذلك العيب - كما أنه لا محل للاستناد إلى المادة 652 من القانون المدنى لاختلاف دور المهندس عن دور المقاول الذى من واجبه أن يدرس التصميم قبل البدء فى التنفيذ - كما تنعى الطاعنة بالوجه الثانى من السبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ فى القانون حين قرر عدم مسئولية المقاول عن العيوب الناشئة عن التصميم تأسيسا على أن التصميم قد عمل بمعرفة مهندس البلدية والمهندس الذى انتدبه لهذا الغرض مع أن دور مهندسى البلدية فى تمثيلهم لها كان منحصرا فى مراقبة سير العمل دون أن يكون لهم دخل فى وضع التصميم أو إحداث تغيير فيه كما أن انتداب مهندس لوضع التصميم لا يخلى مسئولية المقاول طبقا لنص المادتين 651 و652 المشار إليهما - هذا إلى أن الحكم قد أخطأ فى القانون أيضا حين استند فى تقرير مسئولية البلدية إلى آراء الخبراء مع أن تقرير تلك المسئولية هو مسألة قانونية من صميم عمل المحكمة وحدها.
وحيث إن هذا النعى بجميع أوجهه غير سديد ذلك أنه وإن كان غير صحيح ما قرره الحكم المطعون فيه - على وجه الاطلاق - من أن المقاول الذى يعمل باشراف رب العمل الذى وضع التصميم والذى جعل نفسه مكان المهندس المعمارى لا يسأل إلا عن العيوب الناشئة عن التنفيذ دون تلك الناشئة عن التصميم - بل الصحيح أن المقاول فى هذا الفرض يشترك فى المسئولية مع رب العمل إذا كان قد علم بالخطأ فى التصميم وأقره أو كان ذلك الخطأ من الوضوح بحيث لا يخفى أمره على المقاول المجرب - إلا أنه مع ذلك إذا كان المقاول قد نبه رب العمل إلى ما كشفه من خطأ فى التصميم فأصر على تنفيذه وكان لرب العمل من الخبرة والتفوق فى فن البناء ما يفوق خبرة وفن المقاول فان اذعان المقاول لتعليمات رب العمل فى هذه الحال لا يجعله مسئولا عما يحدث فى البناء من تهدم نتيجة الخطأ فى التصميم إذ الضرر يكون راجعا إلى خطاب رب العمل وحده فيحتمل المسئولية كاملة ولما كانت البلدية بمهندسيها ومن انتدبتهم من المهندسين فى مركز المتفوق خبرة وفنا بالنسبة للمطعون ضده وكان الثابت من تقريرات الحكم المطعون فيه أنها هى التى أمرت المقاول بتنفيذ التصميم الذى وضعته رغم تنبيه المقاول لها بوجود عيب فى ذلك التصميم وقد تسبب الضرر المدعى به عن هذا العيب فان المقاول لا يسأل عن هذا الضرر - ومتى كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى هذا النظر فإن النعى عليه بالوجه الأول يكون غير منتج - كما يكون كذلك النعى عليه بالوجه الثانى وعلاوة على ذلك فان هذا الوجه لم تتمسك به الطاعنة أمام محكمة الموضوع فلا يجوز لها التحدى به أمام محكمة النقض - كما أنه ليس بصحيح ما جاء بالنعى من أن الحكم المطعون فيه قد اعتمد فى تقرير مسئولية البلدية من الوجهة القانونية على آراء الخبراء إذ أن الحكم وإن كان قد استند فى استخلاصه لعناصر المسئولية إلى تقارير الخبراء إلا أنه حين جاء دور التطبيق القانون عليها قد أقامها على القواعد والنصوص القانونية التى ساقها فى أسبابه ومن ثم يكون النعى بهذين الوجهين على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالوجه الثالث من السبب الأول على الحكم المطعون فيه مخالفة شروط العقد والخطأ فى تفسيره ذلك أن الفقرة الثانية من المادة 40 من شروط العقد تلزم المقاول بأن يراجع الرسومات والتصميمات الخاصة بالعمل قبل الشروع فيه وبأن يبلغ البلدية فى الوقت المناسب ملاحظاته بشأن هذه الرسوم والتصميمات وتعتبره فى كل حال مسئولا وحده عن جميع الرسومات والتصميمات الخاصة بالأعمال موضوع هذا العقد كما لو كانت مقدمة منه ما لم يكن قد سبق التنبيه منه كتابة بوجود عيب أو خطأ فنى فيها كما نصت مقايسة العملية فى بعض بنودها على أن على كل مناقص أن يعاين موقع العمل وأن يعمل جسات على حسابه وعلى أن ما قامت به البلدية من جسات لم يكن إلا للاسترشاد بها على مسئولية المقاول وأن على المناقص أن يقوم بدراسة طبيعة الأرض دراسة مستوفاة لمعرفة طبيعتها وترتيب طبقاتها وتحديد أعماق الطبقات ومقاومة كل منها وتقول البلدية أن هذه النصوص والشروط قد فرضت على المقاول التزاما حتميا بدراسة طبيعة الأرض ومراجعة الرسومات والتصميمات قبل المشروع فى التنفيذ لضمان سلامتها على أن يقدم ملاحظاته بشأنها كتابة إلى البلدية - فإن لم يفعل كان مسئولا عن نتائج عمله وإذ لم يصدر من المطعون ضده أى اعتراض كتابى على طبيعة الأرض أو على الرسومات والتصميمات فإن المسئولية تلزمه حتما ولا يعفيه منها علم مهندسى البلدية بعيب الأرض التى أقيم عليها حمام السباحة ومن ثم فإذا جاء الحكم المطعون فيه وقرر أنه لا عبرة بالإخطار الكتابى ما دام مهندسو البلدية كانوا على علم بعيب الأرض فإنه يكون مخالفا لشروط العقد وبالتالى مخالفا للقانون كما خالف الحكم شروط العقد أيضا حين أيد الحكم الابتدائى فى قضائه بتعيين خبير لمراجعة حساب العملية والمستخلصات الختامية وتقدير الفروق التى يستحقها المطعون ضده والناشئة عن أخطاء التقدير أو عن بخس اثمان الأعمال الإضافية بالمقارنة إلى اثمان المثل مع أن المطعون ضده كان قد حوسب عن العملية كلها بموجب مستخلصات نهائية أقر على كل صفحة منها بعد مراجعتها بأنه قبل هذه المستخلصات نهائيا وليس له أى مطالبة ضد البلدية بشأنها - هذا إلى أن الحكم قد خالف شروط العقد باعتماده تقرير الخبير بالنسبة لتقدير الأعمال الإضافية مع أن الخبير لم يراع فى هذا التقرير الأسس التى بينتها المادة 39 من العقد.
وحيث إن هذا النعى فى شقه الأول مردود بما أورده الحكم الابتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه لأسبابه من قوله "وحيث إنه تبين من الاطلاع على صور المستندات والتقارير المحررة بمعرفة مهندسى البلدية والخطابات المتبادلة بينهم والمستخرجة بمعرفة الخبراء سالفى الذكر من ملف العملية الموجود بلجنة التطهير والمرفقة بالملفات رقم 2 و3 أن المدعى (المطعون ضده) أخطر كبير مهندسى البلدية بتاريخ 2/ 4/ 1951 بطبيعة الأرض الغير متجانسة وطلب تعديل المواصفات" - ومفاد ذلك أن إخطار المطعون ضده لكبير مهندسى البلدية فى 2/ 4/ 1951 بطبيعة الأرض غير المتجانسة وطلب تعديل المواصفات كان ثابتا بصور المستندات وتقارير المهندسين والخطابات المتبادلة بينهم والمستخرجة من ملف العملية المودع بلجنة التطهير مما يدل على أن هذا الإخطار كان إخطارا كتابيا - ولما كان ما أورده الحكم فى هذا الخصوص ليس محل نعى فإن المطعون ضده يكون قد قام بواجب الإخطار طبقا لما تتطلبه الفقرة الثانية من المادة الأربعين من العقد مما يعفيه من المسئولية عن عيب الأرض وفقا لما اتفق عليه فى هذا الشرط ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه لا يكون مخالفا لشروط العقد - وما دام الحكم قد أثبت حصول الإخطار الكتابى بالفعل على النحو السالف بيانه فإن ما أورده بعد ذلك فى أسبابه من عدم لزوم الإخطار الكتابى ما دام مهندسو البلدية كانوا على علم عيب الأرض يكون استطرادا زائدا على حاجة الدعوى لا يؤثر الخطأ فيه سلامة الحكم أما عن النعى عليه لتأييده الحكم الابتدائى فيما قضى به من تعيين خبير لمراجعة حساب العملية والمستخلصات النهائية على الرغم من توقيع المقاول على إقرار بذيل هذه المستخلصات بنهائية تلك المستخلصات وبعدم مطالبة البلدية بشىء منها فمردود بأن الطاعنة لم تقدم هذه المستخلصات ولا تلك الإقرارات حتى تتبين هذه المحكمة مضمونها وما إذا كانت تعتبر مانعة من معاودة بحث المستخلصات أم لا ومن ثم يكون هذا النعى عاريا عن الدليل.
وحيث إن ما جاء بالنعى من اعتماد تقرير الخبير بالنسبة لتقدير الأعمال الإضافية دون مراعاة الأسس المبينة بنص المادة 39 من العقد فان الحكم الإبتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه قد أورد فى هذا الصدد ما يأتى: "وترى المحكمة أن الخبير قد رد على ذلك بما جاء فى تقريره فى الصفحة رقم 29 بأن البلدية قد كلفت المدعى (المطعون ضده) بالقيام بالأعمال الإضافية التى لم تكن داخلة فى التصميمات وطلبت من المدعى أن يقوم بها فى زمن قصير فقام بها على أكمل وجه وقد ارتفع سعر الخرسانة وارتفع ثمن الحديد واستلزم الأمر ايجاد عمال يعملون بالليل والنهار لإنجاز العمل بسرعة وأن الأعمال الاضافية التى قام بها المدعى كبيرة وليست صغيرة أو محدودة حتى يمكن القول بأنها أعمال اضافية فى نطاق ضيق الأمر الذى ترى معه المحكمة الأخذ بما اتجه إليه الخبير فى هذا الجزء من الأعمال" ويبين من ذلك أن الحكم المطعون فيه قد استند فى عدم إعمال المادة 39 من شروط العقد إلى أن الأعمال الاضافية التى قام بها المطعون ضده هى أعمال جسيمة بحيث لا يصدق عليها وصف الأعمال الاضافية - ولما كانت المادة المذكورة قد خولت البلدية الحق فى تعديل الأعمال التى يقوم بها المقاول سواء بالزيادة أو بالنقص أى خولت لها تكليف المقاول القيام بأعمال اضافية وفى الوقت نفسه افترضت أن هذه الأعمال الإضافية قد لا تزيد على عشرين فى المائة من قيمة العقد وقد تزيد على ذلك ثم بينت الأسس الواجب اتباعها فى تقدير تلك الأعمال الإضافية سواء ما لم يزد منها على عشرين فى المائة أو ما زاد عليها ومهما بلغت هذه الزيادة ومن ثم فقد تضمنت هذه المادة أسس تقدير الأعمال الاضافية أيا كانت جسامتها فإذا جاء الحكم المطعون فيه وقرر أن ما قام به المطعون ضده من أعمال اضافية يخرج عن نطاق المادة 39 المذكورة وقدرها على أسس مغايرة لتلك التى وردت بهذه المادة فانه يكون قد خالف القانون بمخالفته شروط العقد ولا يغير من هذا النظر ما قرره الحكم المطعون فيه عن ارتفاع أسعار الخرسانة والحديد كمبرر لمخالفة شروط العقد والأخذ بالأسس التى اعتمدها وذلك لما للعقد من قوة ملزمة يجب النزول على حكمها إلا فى أحوال خاصة لم يدع أحد قيامها فى هذه الدعوى ومن ثم فانه يتعين نقض الحكم المطعون فيه فيما قضى به من تأييد الحكم الإبتدائى الصادر فى 23 من ابريل سنة 1959 والقاضى بالزام الطاعنة بمبلغ 11639 ج و343 م الذى قدره الخبير دون مراعاة الأسس الواردة فى المادة 39 من شروط العقد.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثانى على الحكم المطعون فيه القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال ذلك أن الحكم الإبتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه قد انتهى فى قضائه إلى أن إرادة الطرفين قد اتجهت إلى إقامة حوض السباحة ليبقى لمدة أقل من عشر سنوات إذ عمل خصيصا لإقامة الدورة الأوليمبية التى كان محددا لها 5 من اكتوبر سنة 1951 وذلك أخذا بما استبان له من ظروف الدعوى ومحاضر الخبراء وأقوال الطرفين فيها دون أن يبين الحكم محاضر الخبراء وأقوال الطرفين التى استخلص منها تلك النتيجة وبذلك جاء الحكم مشوبا بالقصور هذا إلى أنه استدل فى استخلاصه تلك النتيجة بما جاء بتقرير خبراء إثبات الحالة من أن البلدية اضطرت إلى إقامة الحوض حسب التصميم المعيب حتى لا تتعطل الدورة الأوليمبية فجاء الحكم بذلك مشوبا بفساد الاستدلال إذ أن ما جاء بتقرير الخبراء لا يعدو أن يكون رأيا شخصيا كما أن ظروف انشاء الحوض والاهتمام بوضع تصميمه وارتفاع تكاليفه تنبئ عن أن انشاءه قد قصد به أن يبقى مدة أطوال من عشر سنوات - هذا إلى أن الطاعنة قدمت لمحكمة الدرجة الأولى مذكرة ضمنتها عشر ملاحظات على تقرير الخبير الذى ندبته المحكمة لمراجعة حسابات العملية وقد ردت المحكمة على ثلاث ملاحظات واكتفت فى الرد على الباقى منها بأنها غير مبنية على أسس سليمة وأن الخبير قد ناقشها فلما استأنفت الطاعنة هذا الحكم عابت عليه الطاعنة عدم رده على تلك الملاحظات ردا مقنعا مما كان يجب معه على الحكم المطعون فيه أن يعنى بالرد عليها لكنه لم يفعل فجاء معيبا بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود في شقه الخاص بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال بأن النعي بهما غير منتج لما جاء في الرد على السبب الأول إذ أن أسباب الحكم التي يتناولها النعي تعتبر زائدة على حاجة الدعوى فمهما اعتورها من عيب فانه لا يفسد الحكم. ومردود في شقه الخاص بعدم الرد على الملاحظات التي أثارتها الطاعنة على تقرير الخبير بأن هذا النعي أصبح ولا محل لبحثه بعد أن انتهت هذه المحكمة إلى نقض الحكم المطعون فيه فيما أخذ به من تقديرات الخبير التي وجهت بشأنها تلك الملاحظات.
--------------------
(1) نقض 3/ 1/ 1963 بمجموعة المكتب الفني س 14 ص 67 و14/ 4/ 1966 س 17 ص 862.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق