الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

طباعة

Print Friendly and PDF

الثلاثاء، 4 أغسطس 2020

الطعن 7896 لسنة 60 ق جلسة 7 / 10 / 1991 مكتب فني 42 ج 1 ق 134 ص 973

جلسة 7 من أكتوبر سنة 1991

برئاسة السيد المستشار/ نجاح نصار نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: مجدي منتصر وحسن حمزة ومجدي الجندي وحامد عبد الله نواب رئيس المحكمة.

---------------

(134)
الطعن رقم 7896 لسنة 60 القضائية

 (1)إعدام. نيابة عامة. "نظر الطعن والحكم فيه".
إثبات تاريخ تقديم مذكرة النيابة في قضايا الإعدام غير لازم علة ذلك؟
اتصال محكمة النقض بالدعوى المحكوم فيها بالإعدام بمجرد عرضها عليها.
 (2)إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب".
على المحكمة أن تبني حكمها على الوقائع الثابتة في الدعوى ليس لها إقامة اقتناعها على أمور لا سند لها من التحقيقات.
 (3)إثبات "بوجه عام" "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها". بطلان.
تمييز الشاهد - مناط الأخذ بشهادته ولو كانت على سبيل الاستدلال. أساس ذلك؟
الطعن على شهادة الشاهد بأنه غير مميز. يوجب على المحكمة التحقق من قدرته على التمييز للاستيثاق من تحمله الشهادة. قعودها عن ذلك وأخذها بشهادته. يعيب الحكم.
تساند الأدلة في المواد الجنائية مؤداه؟
 (4)قتل عمد. إعدام،. حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". محكمة النقض "سلطتها".
صدور الحكم القاضي بالإعدام معيباً بأحد العيوب التي أوردتها المادة 30 من القانون 57 لسنة 1959. وجوب نقضه. المادة 46 من ذات القانون.

-----------

1 - لما كانت النيابة العامة وإن كانت قد عرضت القضية الماثلة على هذه المحكمة عملاً بنص المادة 46 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض - مشفوعة بمذكرة برأيها طلبت فيها إقرار الحكم الصادر بإعدام الطاعن دون إثبات تاريخ تقديمها بحيث يستدل منه على إنه قد روعي فيها عرض القضية في ميعاد الأربعين يوماً المبين بالمادة 34 من ذلك القانون، إلا أنه لما كان تجاوز هذا الميعاد - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة، بل إن محكمة النقض تتصل بالدعوى بمجرد عرضها عليها لتفصل فيها وتستبين من تلقاء نفسها دون أن تتقيد بمبنى الرأي الذي ضمنته النيابة العامة مذكرتها - ما عسى أن يكون قد شاب الحكم من عيوب، يستوي في ذلك أن يكون عرض النيابة في الميعاد المحدد أو بعد فواته، فإنه يتعين قبول عرض النيابة العامة للقضية.
2 - الأصل أنه يتعين على المحكمة ألا تبنى حكمها إلا على الوقائع الثابتة في الدعوى وليس لها أن تقيم قضاءها على أمور لا سند لها من التحقيقات.
3 - لما كانت المادة 82 من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية التي أحالت إليها المادة 287 من قانون الإجراءات الجنائية قد جرى نصها على إنه "لا يجوز رد الشاهد ولو كان قريباً أو صهراً لأحد الخصوم إلا أن يكون غير قادر على التمييز بسبب هرم أو حداثة أو مرض أو لأي سبب آخر"، مما مفاده أنه يجب للأخذ بشهادة الشاهد أن يكون مميزاً فإن كان غير مميز فلا تقبل شهادته ولو على سبيل الاستدلال، إلا لا ينفي عن الأقوال التي يدلي بها الشاهد بغير حلف يمين أنها شهادة، وإذ ما كان الطاعن قد دفع ببطلان شهادة الشاهدة المذكورة لعدم التمييز، وكانت المحكمة قد قعدت عن تحقيق قدرتها على التمييز أو بحث إدراكها العام استيثاقاً من قدرتها على تحمل الشهادة وردت على هذا الدفع بما لا يواجهه ولا يصلح رداً عليه، وعولت في قضائها بالإدانة على تلك الشهادة، فإن حكمها يكون معيباً بالفساد في الاستدلال ومخالفة القانون ولا يغني عن ذلك ما أورده الحكم من أدلة أخرى، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً، بحيث إذا سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان للدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة، أو التعرف على ما كانت تنتهي إليه من نتيجة لو أنها فطنت إلى أن هذا الدليل غير قائم.
4 - لما كان الحكم المطعون فيه معيباً بالخطأ في الإسناد فضلاً عن الفساد في الاستدلال ومخالفة القانون مما يبطله، ولما كان البطلان الذي لحق بالحكم يندرج تحت حكم الحالة الثانية من المادة 30 من القانون رقم 57 لسنة 1959 التي أحالت إليها الفقرة الثانية من المادة 39، وكانت المادة 46 من القانون سالف الذكر قد أوجبت على هذه المحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها بنقض الحكم إذا ما وقع فيه بطلان من هذا القبيل.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه قتل.... عمداً مع سبق الإصرار بأن عقد العزم على قتلها وأعد لذلك أداة (حبل) وما أن ظفر بها حتى قام بخنقها قاصداً من ذلك إزهاق روحها فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها وقد اقترنت هذه الجناية بجنايات أخرى هي أنه في نفس الزمان والمكان سالفي الذكر 1 - قام بخطف المجني عليها سالفة الذكر وكذا..... واللتان لم تبلغا من العمر ست عشرة سنة كاملة وكان ذلك بطريق التحايل بأن قابلهما في الطريق واتجه بهما إلى حديقة موالح بعد أن أوهمهما بشراء ثمار المانجو لهما وإعطائهما الحلوى. 2 - سرق الحلي الذهبية المبينة الوصف والقيمة بالتحقيقات المملوكة للمجني عليها..... 3 - هتك عرض المجني عليها سالفة الذكر والتي لم تبلغ من العمر ست عشرة سنة كاملة بالقوة بأن أمسك بها وطرحها أرضاً ووضع أصبعه في فرجها وذلك على النحو المبين بالتحقيقات. وأحالته إلى محكمة جنايات الزقازيق لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بقرار الإحالة. وادعى والد المحني عليها مدنياً قبل المتهم بمبلغ مائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قررت بإجماع الآراء بإحالة أوراق الدعوى إلى فضيلة مفتي الجمهورية لاستطلاع رأيه وحددت جلسة...... للنطق بالحكم. وبالجلسة المحددة قضت حضورياً عملاً بالمواد 230، 231، 234، 268، 288، 317 من قانون العقوبات - بإجماع الآراء بمعاقبة المتهم بالإعدام.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض، كما عرضت النيابة العامة القضية على المحكمة مشفوعة بمذكرة برأيها موقعاً عليها رئيسها.


المحكمة

حيث إن النيابة العامة وإن كانت قد عرضت القضية الماثلة على هذه المحكمة عملاً بنص المادة 46 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض - مشفوعة بمذكرة برأيها طلبت فيها إقرار الحكم الصادر بإعدام الطاعن دون إثبات تاريخ تقديمها بحيث يستدل منه على إنه قد روعي فيها عرض القضية في ميعاد الأربعين يوماً المبينة بالمادة 34 من ذلك القانون، إلا أنه لما كان تجاوز هذا الميعاد - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة، بل أن محكمة النقض تتصل بالدعوى بمجرد عرضها عليها لتفصل فيها وتستبين من تلقاء نفسها دون أن تتقيد بمبنى الرأي الذي ضمنته النيابة العامة مذكرتها - ما عسى أن يكون قد شاب الحكم من عيوب، يستوي في ذلك أن يكون عرض النيابة في الميعاد المحدد أو بعد فواته، فإنه يتعين قبول عرض النيابة العامة للقضية.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد حصل واقعة الدعوى بما مفاده أن الطاعن كان قد بيت النية على قتل المجني عليها...... توصلاً إلى سرقة المصوغات التي تتحلى بها، وبتاريخ 1/ 7/ 1989 توجه إلى مدرستها في موعد الانصراف ظهراً حيث وجدها بصحبة زميلتها..... - فلجأ إلى الحيلة لإبعادهما تحقيقاً لقصده - بأن أوهمها بصداقته لوالد كل منهما - مستغلاً عدم بلوغهما درجة التمييز لحداثة سنهما - وطلب منهما مرافقته ليشتري لهما بعض الفاكهة واصطحبهما إلى منطقة زراعية اطمأن إلى خلوها من المارة حيث انتهز فرصة انشغال الطفلة....... باللهو في المياه، وانقض على المجني عليها ولف حول عنقها حبلاً وضغط به إلى أن تيقن من موتها، ثم انتزع القرط والأساور الذهبية منها بأن قصها بمقص كان يحمله ثم قام بهتك عرضها بمحاولة إدخال أصبعه في فرجها، وجلس بعد ذلك بجوار الجثة يتدبر كيفية التخلص منها والإجهاز على الطفلة الثانية، إلا أنه فوجئ بظهور الشاهد الأول...... فبادر بالتخلص من الجثة بإلقائها خلف سور حديقة مجاورة، ثم اصطحب الطفلة الأخرى للهرب من مكان الحادث وتخلص من حلي المجني عليها، وإذ توجه الشاهد المذكور إلى السور لتحري أمر ما ألقى به الطاعن خلفه بعد أن ارتاب في أمره فوجئ بوجود الجثة فاستغاث وتمكن الشاهد الثاني ومن تجمع من الأهالي على صياحه من القبض على الطاعن الذي كان يحمل معه المقص والحقيبتين المدرسيتين الخاصتين بالمجني عليهما، ثم عرض الحكم لأدلة الثبوت التي عول عليها في قضائه ومن بينها شهادة كل من....... و....... بالتحقيقات وبمحضر الجلسة، وحصل شهادة أولهما بما مفاده أنه قد شاهد الطاعن حل قيامه بإلقاء شيء خلف سور حديقة مجاورة، ولما توجه لتحري كنه هذا الشيء وجد جثة المجني عليها فاستغاث، وتمكن الأهالي الذين تجمعوا على صياحه من ضبط الطاعن وفي حوزته حقيبتي المجني عليهما ومقص، وحصل شهادة الثاني بما مؤداه أنه اشترك في مطاردة الطاعن - إثر استغاثة الشاهد السابق - حتى تم ضبطه وفي حوزته المضبوطات سالفة الذكر، لما كان ذلك، وكان البين من المفردات المضمومة أن شهادة الشاهد الأول - سواء بتحقيقات النيابة أو بمحضر جلسة المحاكمة - قد خلت مما يفيد أن الطاعن كان يحمل مقصاً أو كان في حوزته أي حقائب عند ضبطه، كما خلت أقوال الشاهد الثاني من الإشارة إلى وجود مقص مع الطاعن، وكان الأصل إنه يتعين على المحكمة ألا تبني حكمها إلا على الوقائع الثابتة في الدعوى وليس لها أن تقيم قضاءها على أمور لا سند لها من التحقيقات، فإن الحكم إذ بنى قضاءه على أن الشاهدين المنوه عنهما آنفاً قد شهدا بضبط آلة استخدمت في الحادث "مقص" في حوزة الطاعن لحظة ضبطه، وعلى أن الشاهد الأول قد تضمنت شهادته أن الطاعن وقت ضبطه كان يحمل حقيبتي المجني عليهما، مع مخالفة ذلك الثابت بالأوراق فإنه يكون قد استند إلى دعامة غير صحيحة مما يبطله لابتنائه على أساس فاسد، هذا بالإضافة إلى ما هو ثابت من محضر جلسة المحاكمة من أن المدافع عن الطاعن قد دفع ببطلان شهادة المجني عليها...... لعدم قدرتها على التمييز، وكان الحكم المطعون فيه - رغم ما أورده في معرض تحصيله للواقعة من أن المجني عليها المذكورة لم تبلغ درجة التمييز بعد لحداثة سنها وهو ما يظاهر دفع الطاعن - قد عول في قضائه بالإدانة من بين ما عول عليه - على شهادة المجني عليها المذكورة، ورد على الدفع ببطلان تلك الشهادة بقوله "أن عدم تحليف الشاهد اليمين ينفي عن أقواله صفة الشهادة القانونية كدليل إثبات ليجعلها في مصاف الاستدلالات.. التي لا يجوز الاستناد إليها وحدها في الحكم وإنما يلزم تعزيزها بأدلة أخرى أو قرائن قضائية...... وأن من حق المحكمة أن تعتمد في قضائها بالإدانة على أقوال شاهد سمع على سبيل الاستدلال بغير حلف يمين، إذ مرجع الأمر إلى ما تطمئن إليه من عناصر الاستدلال. "لما كان ذلك وكانت المادة 82 من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية التي أحالت إليها المادة 287 من قانون الإجراءات الجنائية قد جرى نصها على أنه "لا يجوز رد الشاهد ولو كان قريباً أو صهراً لأحد الخصوم إلا أن يكون غير قادر على التمييز بسبب هرم أو حداثة أو مرض أو لأي سبب آخر" مما مفاده أنه يجب للأخذ بشهادة الشاهد أن يكون مميزاً فإن كان غير مميز فلا تقبل شهادته ولو على سبيل الاستدلال، إذ لا ينفي عن الأقوال التي يدلي بها الشاهد بغير حلف يمين أنها شهادة، وإذ ما كان الطاعن قد دفع ببطلان شهادة الشاهدة المذكورة لعدم التمييز، وكانت المحكمة قد قعدت عن تحقيق قدرتها على التمييز أو بحث إدراكها العام استيثاقاً من قدرتها على تحمل الشهادة وردت على هذا الدفع بما لا يواجهه ولا يصلح رداً عليه، وعولت في قضائها بالإدانة على تلك الشهادة، فإن حكمها يكون معيباً بالفساد في الاستدلال ومخالفة القانون ولا يغني عن ذلك ما أورده الحكم من أدلة أخرى، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً، بحيث إذا سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان للدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة، أو التعرف على ما كانت تنتهي إليه من نتيجة لو أنها فطنت إلى أن هذا الدليل غير قائم، لما كان ما تقدم فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بالخطأ في الإسناد فضلاً عن الفساد في الاستدلال ومخالفة القانون مما يبطله، ولما كان البطلان الذي لحق بالحكم يندرج تحت حكم الحالة الثانية من المادة 30 من القانون رقم 57 لسنة 1959 التي أحالت إليها الفقرة الثانية من المادة 39، وكانت المادة 46 من القانون سالف الذكر قد أوجبت على هذه المحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها بنقض الحكم إذا ما وقع فيه بطلان من هذا القبيل، فإنه يتعين قبول عرض النيابة العامة للقضية ونقض الحكم المطعون فيه الصادر بإعدام المحكوم عليه والإحالة بغير حاجة إلى بحث أوجه الطعن.

الطعن 7193 لسنة 60 ق جلسة 10 / 10 / 1991 مكتب فني 42 ج 1 ق 135 ص 981

جلسة 10 من أكتوبر سنة 1991

برئاسة السيد المستشار/ محمد الصوفي عبد الجواد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين محمد زايد وأحمد عبد الرحمن نائبي رئيس المحكمة ومحمد طلعت الرفاعي وأنس عمارة.

------------

(135)
الطعن رقم 7193 لسنة 60 القضائية

 (1)وصف التهمة. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". محكمة الموضوع "سلطتها في تعديل وصف التهمة". نقض "أسباب الطعن، ما لا يقبل منها".
عدم تقيد المحكمة بالوصف الذي تعطيه النيابة العامة للواقعة. من واجبها أن تطبق على الواقعة المطروحة عليها وصفها الصحيح طبقاً للقانون. شرط ذلك؟
بيان المحكمة كيفية ارتكاب الجريمة وحدوث العاهة. لا يعد إضافة منها لوقائع جديدة.
 (2)محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "بوجه عام" "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
العبرة في المحاكمات الجنائية. هي باقتناع القاضي.
تساند الأدلة في المواد الجنائية. منها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة.
 (3)إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
اطمئنان المحكمة إلى أقوال المجني عليها. مفاده إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعي.
 (4)إثبات "اعتراف". حكم "ما لا يعيبه". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
خطأ الحكم في تسمية أقوال المتهم اعترافاً. لا يعيبه. ما دامت المحكمة لم ترتب عليه بذاته الأثر القانوني للاعتراف.
 (5)إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق المحكمة في الأخذ برواية ينقلها شخص عن آخر. متى رأت أن هذه الأقوال قد صدرت منه حقيقة وكانت تمثل الواقع في الدعوى.
 (6)دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام المحكمة بالرد على كل شبهة يثيرها على استقلال.
 (7)نقض "التقرير بالطعن وإيداع الأسباب". نيابة عامة.
تقرير الطعن. هو المرجع في تحديد الجزء المطعون فيه من الحكم.
قصر النيابة العامة طعنها على قضاء الحكم المطعون فيه بإدانة المطعون ضده الأول دون ما قضى به الحكم من براءة المطعون ضده الثاني. أثره: عدم قبول الطعن شكلاً بالنسبة للأخير. لا يغير من ذلك أن تكون النيابة قد نعت في أسباب طعنها على هذا القضاء. ما دامت لم تقرر بالطعن فيه.
 (8)نيابة عامة. نقض "المصلحة في الطعن والصفة فيه" "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
النيابة العامة تمثل الصالح العام وتسعى إلى تحقيق موجبات القانون. فهي تختص بمركز قانوني خاص يجيز لها الطعن في الحكم وإن لم يكن لها كسلطة اتهام مصلحة خاصة في الطعن بل كانت المصلحة للمحكوم عليه.
 (9)موظفون عموميون. جريمة "أركانها". استعمال القوة والعنف مع موظف عام. قانون "تفسيره".
متى يعد الشخص موظفاً عاماً؟
اعتبار الشارع أشخاصاً معينين في حكم الموظفين العامين في نطاق معين. إيراده نصاً بذلك.
مثال.
خلو قانون العقوبات وأي قانون آخر من النص على اعتبار العاملين بالشركات في حكم الموظفين العموميين في تطبيق أحكام الباب السابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات والخاصة بمقاومة الحكام وعدم الامتثال لأوامرهم والتعدي عليهم بالسب وغيره.
 (10)استعمال القوة والعنف مع موظف عام. ضرب "أحدث عاهة". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "حالات الطعن. الخطأ في القانون" "أسباب الطعن. ما يقبل منها" "الحكم في الطعن". محكمة النقض "سلطتها".
تعديل المحكمة وصف التهمة من إحداث عاهة مستديمة إلى مقاومة موظف عمومي بالقوة تخلف من جرائها عاهة وإدانة المطعون ضده بالوصف الأخير رغم أن المجني عليه تنحسر عنه صفة الموظف العام أو من في حكمه. خطأ في القانون.
قصر العيب الذي شاب الحكم على الخطأ في تطبيق القانون. يوجب على محكمة النقض تصحيحه. أساس ذلك؟

-----------

1 - الأصل أن المحكمة غير مقيدة بالوصف الذي تعطيه النيابة العامة للواقعة كما وردت بأمر الإحالة أو بورقة التكليف بالحضور بل أن واجبها أن تطبق على الواقعة المطروحة عليها وصفها الصحيح طبقاً للقانون لأن وصف النيابة ليس نهائي
بطبيعته وليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف الذي ترى أنه الوصف القانوني السليم دون أن يعتبر قيامها بهذا الإجراء إبداء لرأيها في موضوع الدعوى قبل نظرها، كما أن بيان المحكمة لكيفية ارتكاب الجريمة وحدوث العاهة لا يعتبر إضافة منها لوقائع جديدة كما ذهب الطاعن في أسباب طعنه فإن ما يثيره في هذا الشأن يكون في غير محله.
2 - العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناءً على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته، ولا يشترط أن تكون الأدلة التي يعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
3 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع بما لها من سلطة تقدير الأدلة أن تأخذ بما ترتاح إليه منها وفي اطمئنانها إلى أقوال المجني عليه ما يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها إذ أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع ولا يجوز الجدل في ذلك أمام محكمة النقض.
4 - خطأ الحكم في تسمية أقوال المتهم اعترفاً - بفرض صحته - لا ينال من صحة الحكم ما دام أنه يتضمن من الدلائل ما يعزز باقي الأدلة والقرائن وما دامت المحكمة لم ترتب عليه بذاته الأثر القانوني للاعتراف.
5 - من المقرر أنه ليس في القانون ما يمنع المحكمة من الأخذ برواية ينقلها شخص عن آخر متى رأت أن تلك الأقوال قد صدرت منه حقيقة وتمثل الواقع في الدعوى، ولما كان الحكم قد استخلص من أقوال المجني عليه وأقوال الطاعن بمحضر الاستدلالات ومما شهد به الضابط..... صحة ارتكاب الطاعن للواقعة وإحداث إصابة المجني عليه على النحو الذي أوردته في حكمها فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد إنما ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الأدلة ومنازعة فيما استخلصته المحكمة منها مما لا تجوز إثارته أو الخوض فيه أمام محكمة النقض.
6 - من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بأن تتبع المتهم في مناحي دفاعه المختلفة بالرد على كل شبهة يثيرها على استقلال إذ الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم فإن ما ينعاه الطاعن بخصوص إغفال الحكم رده على دفاعه بعطل السيارة وعدم درايته بقيادتها لا يكون له محل.
7 - تقرير الطعن هو المرجع في تحديد الجزء المطعون فيه من الحكم. ومن ثم فإن النيابة العامة إذ لم تقرر بالطعن في قضاء الحكم بالبراءة فإن طعنها ضد المطعون ضده...... يكون غير مقبول شكلاً ولا يغير من ذلك أن تكون النيابة قد نعت في أسباب طعنها على هذا القضاء ما دامت لم تقرر بالطعن فيه.
8 - النيابة العامة في مجال المصلحة أو الصفة في الطعن هي خصم عادل يختص بمركز قانوني خاص بحسبانها تمثل الصالح العام وتسعى إلى تحقيق موجبات القانون من جهة الدعوى الجنائية. فلها بهذه المثابة أن تطعن في الأحكام وإن لم يكن لها كسلطة اتهام مصلحة خاصة في الطعن بل كانت المصلحة هي للمحكوم عليه، ومن ثم فإن مصلحتها في الطعن الماثل تكون قائمة.
9 - من المقرر أن الموظف العام هو الذي يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام، عن طريق شغله منصباً يدخل في التنظيم الإداري لذلك المرفق، وكان الشارع كلما رأى اعتبار أشخاص معينين في حكم الموظفين العامين في موطن ما أورد به نصاً كالشأن في جرائم الرشوة واختلاس الأموال الأميرية. وغيرها من الجرائم الواردة بالبابين الثالث والرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات فقد أورد في الفقرة الخامسة من المادة 119 مكرراً منه المقصود بالموظف العام في حكم هذا الباب. لما كان ذلك، وكان قانون العقوبات قد خلا كما خلا أي قانون آخر من نص على اعتبار العاملين بالشركات في حكم الموظفين العموميين في تطبيق أحكام الباب السابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات والخاصة بمقاومة الحكام وعدم الامتثال لأوامرهم والتعدي عليهم بالسب وغيره، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المجني عليه من العاملين بشركة وادي كوم أمبو ومن ثم تنحسر عنه صفة الموظف العام أو من في حكمه.
10 - ولما كانت المحكمة إذ عدلت وصف التهمة التي رفعت بها الدعوى قبل المطعون ضده من إحداث عاهة مستديمة إلى مقاومة موظف عمومي بالقوة تخلف من جرائها عاهة ودانته بالوصف الأخير قد أخطأت في تطبيق القانون. وكان العيب الذي شاب الحكم مقصوراً على الخطأ في تطبيق القانون على الواقعة كما صار إثباتها في الحكم - إذ لا محل لاستظهار اختصاص المجني عليه ما دامت صفة الموظف العام قد انحسرت عنه - فإنه يتعين حسب القاعدة الأصلية المنصوص عليها في المادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 أن تحكم محكمة النقض في الطعن وتصحح الخطأ وتحكم بمقتضى القانون بما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه وتصحيحه بمعاقبة المطعون ضده عن جريمة إحداث العاهة المنصوص عليها في المادة 240/ 1 من قانون العقوبات.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من (1) ..... (طاعن) (2) ..... في قضية الجناية رقم.... بأنهما أحدثا عمداً بـ..... الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي تخلف لديه من جرائها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي قصر حوالي 1.5 سم وضمور حوالي 2 سم وتيبس جزئي بالركبة واستقرار شريحة معدنية موضع الكسر بعظمة الفخذ وتقدر نسبة العجز بنحو 40% على النحو المبين بالتحقيقات. وأحالتهما إلى محكمة جنايات أسوان لمحاكمتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
وادعى المجني عليه مدنياً قبل المتهمين بمبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 137 مكرراً ( أ )/ 1 - 3 من قانون العقوبات أولاً: بإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة الجزئية المختصة. ثانياً: بمعاقبة المتهم الأول... بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات عما أسند إليه. ثالثاً: ببراءة المتهم الثاني.... مما أسند إليه باعتبار أن ما نسب إلى المتهم الأول هو استعمال القوة والعنف مع المهندس..... الموظف بشركة وادي كوم أمبو لحلمه بغير حق على الامتناع عن عمله وتخلف عن ذلك عاهة مستديمة يستحيل برؤها تقدر بنحو 40%.
فطعن كل من المحكوم عليه والنيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

أولاً: الطعن المقدم من المحكوم عليه:
من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة مقاومة موظف عمومي بالقوة والعنف ونشأ عنها عاهة مستديمة قد شابه البطلان والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع. ذلك أن النيابة العامة قد أحالته إلى المحكمة بتهمة إحداث العاهة غير أن المحكمة عدلت وصف التهمة مما يدل على أنها قد كونت رأيها قبل نظر الدعوى كما أسندت إلى الطاعن وقائع لم ترد في أمر الإحالة، وعولت في قضائها بالإدانة على أقوال المجني عليه وما أسمته اعترافاً من الطاعن وما شهد به الضابط..... رغم أن المجني عليه قرر في التحقيقات أنه لا يعرف شخص محدث إصابته، وأن ما صدر من الطاعن من أقوال بمحضر الاستدلالات من إقرار بضرب المجني عليه ومرور السيارة على المجني عليه لا يعني تعمده السير بالسيارة على جسم المجني عليه أو أنه هو قائدها فضلاً عن أن أقوال الضابط لا تعدو أن تكون ترديداً لما أثبته بمحضره على لسان الطاعن، وأخيراً فإن المحكمة لم تعرض لدفاعه بالتحقيقات وبالجلسة من أنه لا دراية له بقيادة السيارات فضلاً عن عطل السيارة في تاريخ الحادث والذي تأيد بأقوال مالكها، فإن ذلك كله مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من المفردات المضمومة أن النيابة العامة قد أقامت الدعوى الجنائية ضد الطاعن - وآخر حكم ببراءته. بوصف أنهما: أحدثا عمداً بـ..... إصابة فخذه الأيمن الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي تخلف من جرائها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي قصر حوالي 1.5 سم وضمور حوالي 2 سم وتيبس جزئي بالركبة واستقرار شريحة معدنية موضع الكسر بعظمة الفخذ يقدر مداها بنحو 40% أربعين في المائة على النحو المبين بالتحقيقات وطلبت عقابهما بالمادة 240/ 1 من قانون العقوبات. ويبين من محضر جلسة المحاكمة أن المحكمة قد عدلت وصفة التهمة ونبهت الدفاع إلى المرافعة على أساس أن المتهمين "في الزمان والمكان الواردين بأمر الإحالة استعملا القوة والعنف مع المهندس...... الموظف بشركة وادي كوم أمبو لحمله بغير حق على الامتناع عن أداء عمله فاعتديا عليه بالضرب ومر عليه الأول بسيارته فأحدث إصابة فخذه الأيمن الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي تخلف لديه من جرائها عاهة مستديمة يستحيل برؤها على النحو المبين بالتقرير الطبي الشرعي والتي تقدر بنحو 40% ولم يبلغا بذلك مقصدهما الأمر المعاقب عليه بنص المادة 137 مكرراً فقرة 1، 3 من قانون العقوبات". لما كان ذلك، وكان الأصل أن المحكمة غير مقيدة بالوصف الذي تعطيه النيابة للواقعة كما وردت بأمر الإحالة أو بورقة التكليف بالحضور بل أن واجبها أن تطبق على الواقعة المطروحة عليها وصفها الصحيح طبقاً للقانون لأن وصف النيابة العامة ليس نهائياً بطبيعته وليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف الذي ترى أنه الوصف القانوني السليم دون أن يعتبر قيامها بهذا الإجراء إبداء لرأيها في موضوع الدعوى قبل نظرها، كما أن بيان المحكمة لكيفية ارتكاب الجريمة وحدوث العاهة لا يعتبر إضافة منها لوقائع جديدة كما ذهب الطاعن في أسباب طعنه فإن ما يثيره في هذا الشأن يكون في غير محله. لما كان ذلك. وكانت العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناءً على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته، ولا يشترط أن تكون الأدلة التي يعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع بما لها من سلطة تقدير الأدلة أن تأخذ بما ترتاح إليه منها وفي اطمئنانها إلى أقوال المجني عليه ما يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها إذ أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع ولا يجوز الجدل في ذلك أمام محكمة النقض كما أن خطأ الحكم في تسمية أقوال المتهم اعترفاًَ - بفرض صحته - لا ينال من صحة الحكم ما دام أنه يتضمن من الدلائل ما يعزز باقي الأدلة والقرائن وما دامت المحكمة لم ترتب عليه بذاته الأثر القانوني للاعتراف، كما أنه من المقرر أنه ليس في القانون ما يمنع المحكمة من الأخذ برواية ينقلها شخص عن آخر متى رأت أن تلك الأقوال قد صدرت منه حقيقة وتمثل الواقع في الدعوى، ولما كان الحكم قد استخلص من أقوال المجني عليه وأقوال الطاعن بمحضر الاستدلالات وما شهد به الضابط....... صحة ارتكاب الطاعن للواقعة وإحداث إصابة المجني عليه على النحو الذي أوردته في حكمها فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد إنما ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الأدلة ومنازعة فيما استخلصته المحكمة منها مما لا تجوز إثارته أو الخوض فيه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بأن تتبع المتهم في مناحي دفاعه المختلفة بالرد على كل شبهة يثيرها على استقلال إذ الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم فإن ما ينعاه الطاعن بخصوص إغفال الحكم رده على دفاعه بعطل السيارة وعدم درايته بقيادتها لا يكون له محل. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً، وحسب المحكمة أن تشير إلى أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بتهمة مقاومة موظف عمومي قد أخطأ في تطبيق القانون مما كان يوجب عليها التصدي لهذا الخطأ وفقاً لنص المادة 35/ 2 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقص الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 59 إلا أنه مما يغني عن هذا التدخل أن النيابة العامة قد تناولت هذا العيب في أسباب طعنها.
ثانياً: الطعن المقدم من النيابة العامة:
من حيث إن الحكم المطعون فيه صدر بتاريخ 11/ 2/ 1990 فقررت النيابة العامة بالطعن فيه بتاريخ 19/ 3/ 1990 وفي التاريخ ذاته قدمت مذكرة بأسباب طعنها. وكان البين من مطالعة تقرير الطعن بأن النيابة قصرت طعنها على قضاء الحكم المطعون فيه بإدانة المطعون ضده..... دون ما قضى به الحكم من براءة المطعون ضده...... لما كان ذلك، وكان تقرير الطعن هو المرجع في تحديد الجزء المطعون فيه من الحكم. ومن ثم فإن النيابة العامة إذ لم تقرر بالطعن في قضاء الحكم بالبراءة فإن طعنها ضد المطعون ضده...... يكون غير مقبول شكلاً ولا يغير من ذلك أن تكون النيابة قد نعت في أسباب طعنها على هذا القضاء ما دامت لم تقرر بالطعن فيه.
وحيث إن النيابة العامة في مجال المصلحة أو الصفة في الطعن هي خصم عادل يختص بمركز قانوني خاص بحسبانها تمثل الصالح العام وتسعى إلى تحقيق موجبات القانون من جهة الدعوى الجنائية. فلها بهذه المثابة أن تطعن في الأحكام وإن لم يكن لها كسلطة اتهام مصلحة خاصة في الطعن بل كانت المصلحة هي للمحكوم عليه، ومن ثم فإن مصلحتها في الطعن الماثل تكون قائمة وإذ كان ذلك وكان طعنها - بالنسبة للمطعون ضده - ..... قد استوفى الشكل المقرر في القانون فإنه يكون مقبولاً شكلاً.
وحيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دان المطعون ضده بجريمة مقاومة موظف عمومي بالقوة وتخلف من جرائها عاهة قد شابه خطأ في تطبيق القانون وقصور في التسبيب ذلك أنها كانت قد أقامت الدعوى الجنائية قبل المطعون ضده بتهمة إحداث عاهة مستديمة بالمجني عليه وقد عدلت المحكمة وصف التهمة بجعلها مقاومة موظف عمومي بالقوة وأسبغت على المجني عليه صفة الموظف العام رغم عدم توافر هذه الصفة ودون استظهار ما إذا كان العمل الذي حاول المطعون ضده منعه من تأديته داخلاً في نطاق وظيفته. مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن النيابة العامة قد أقامت الدعوى الجنائية ضد المطعون ضده - وآخر - ونسبت إليه تهمة إحداث عاهة مستديمة بالمجني عليه غير أن المحكمة قد عدلت وصف التهمة ودانته عن جريمة مقاومة موظف عمومي بالقوة والعنف والتي تختلف من جرائها عاهة مستديمة وعاقبته بمقتضى الفقرتين الأولى والثالثة من المادة 137 مكرراً "أ" من قانون العقوبات على أساس أن المجني عليه من الموظفين العموميين. لما كان ذلك وكان من المقرر أن الموظف العام هو الذي يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام، عن طريق شغله منصباً يدخل في التنظيم الإداري لذلك المرفق، وكان الشارع كلما رأى اعتبار أشخاص معينين في حكم الموظفين العامين في موطن ما أورد به نصاً كالشأن في جرائم الرشوة واختلاس الأموال الأميرية..... وغيرها من الجرائم الواردة بالبابين الثالث والرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات فقد أورد في الفقرة الخامسة من المادة 119 مكرراً منه المقصود بالموظف العام في حكم هذا الباب. لما كان ذلك، وكان قانون العقوبات قد خلا كما خلا أي قانون آخر من نص على اعتبار العاملين بالشركات في حكم الموظفين العموميين في تطبيق أحكام الباب السابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات والخاصة بمقاومة الحكام وعدم الامتثال لأوامرهم والتعدي عليهم بالسب وغيره. وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المجني عليه من العاملين بشركة....... ومن ثم تنحسر عنه صفة الموظف العام أو من في حكمه. وتكون المحكمة إذ عدلت وصف التهمة التي رفعت بها الدعوى قبل المطعون ضده من إحداث عاهة مستديمة إلى مقاومة موظف عمومي بالقوة تخلف من جرائها عاهة ودانته بالوصف الأخير - قد أخطأت في تطبيق القانون. لما كان ذلك وكان العيب الذي شاب الحكم مقصوراً على الخطأ في تطبيق القانون على الواقعة كما صار إثباتها في الحكم - إذ لا محل لاستظهار اختصاص المجني عليه ما دامت صفة الموظف العام قد انحسرت عنه - فإنه يتعين حسب القاعدة الأصلية المنصوص عليها في المادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 أن تحكم محكمة النقض في الطعن وتصحح الخطأ وتحكم بمقتضى القانون بما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه وتصحيحه بمعاقبة المطعون ضده عن جريمة إحداث العاهة المنصوص عليها في المادة 240/ 1 من قانون العقوبات.

عدم دستورية معاقبة عارض الأغذية الفاسدة حسن النية بعقوبة المخالفة

القضية رقم 28 لسنة 17 ق "دستورية " جلسة 2 / 12 / 1995

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة في يوم السبت 2 ديسمبر سنة 1995 الموافق 9 رجب 1416 هـ .

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة

وحضور السادة المستشارين:- فاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين ومحمد عبد القادر عبد الله                                        اعضاء

وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي على جبالي    رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ أحمد عطية أحمد منسى      أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 28 لسنة 17 قضائية "دستورية "• بعد أن احالت محكمة دمنهور الابتدائية ( د/11) ملف الدعوى رقم 17126 لسنة 1994 جنح مستأنف دمنهور

المقامة من

نيابة دمنهور الكلية

ضد

السيد / محمد مصطفى الشريف

" الإجراءات "

بتاريخ 12 إبريل 1995، ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الدعوى رقم 17126 لسنة 1994 جنح مستأنف دمنهور، بعد أن قضت محكمة دمنهور الابتدائية (د/11) بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص المادة (2/1) من القانون رقم 48 لسنة 1941 بقمع التدليس والغش، والمادة (18) من القانون رقم 10 لسنة 1966 بشأن مراقبة الأغذية وتنظيم تداولها.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى شقها الأول، وبرفض شقها الثاني .

وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.

ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

" المحكمة "

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .

حيث أن الوقائع -على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق- تتحصل في أن النيابة العامة ، كانت قد اتهمت محمد مصطفى الشريف في القضية رقم 2685 جنح شبراخيت بأنه في يوم 24 مارس 1994، بدائرة مركز شبراخيت، عرض للبيع شيئاً من أغذية الإنسان غير صالح للاستهلاك الآدمي على النحو المبين بالأوراق، وطلبت عقابه بالمواد (2/1، 7، 8، 9) من القانون رقم 48 لسنة 1941 بقمع التدليس والغش، وكذلك بالمواد (1، 2/1، 6/1، 18) من القانون رقم 10 لسنة 1966 بشأن مراقبة الأغذية وتنظيم تداولها. وبجلسة 10/8/1994 قضت محكمة جنح شبراخيت حضورياً بتغريم المتهم مائه جنيه والمصادرة والنشر والمصاريف. فاستأنف هذا الحكم، وقضى غيابياً بجلسة 29/9/1994 بقبول الاستئناف شكلاً ورفضه موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف. وإذ عارض المتهم في ذلك الحكم أمام محكمة دمنهور الابتدائية (د/11) في قضية النيابة العامة رقم 17126 لسنة 1994 جنح مستأنف دمنهور فقد أصدرت بجلسة 31/1/1995، وبعد أن تراءى لها أن البند (1) من المادة الثانية من القانون رقم 48 لسنة 1941، وكذلك نص المادة (18) من القانون رقم 10 لسنة 1966 المشار إليهما ينطويان على افتراض علم المتهم بغش الأغذية أو فسادها بالنسبة إلى مشتغلين بالاتجار فيها، ويناقضان بالتالي افتراض البراءة المنصوص عليه في المادة (67) من الدستور، مما حملها على وقف الدعوى الجنائية المنظورة أمامها، وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية هذين النصين.

وحيث إنه فيما يتعلق بشق الدعوى الدستورية الخاص بالطعن بعدم دستورية نص البند (1) من المادة الثانية من القانون رقم 48 لسنة 1941 بقمع التدليس والغش، فقد سبق أن تناولت المحكمة الدستورية العليا هذه المسألة عينها بحكمها الصادر في 20 مايو 1995 في القضية رقم 31 لسنة 16 قضائية "دستورية " الذي قضى بعدم دستورية البند الأول من المادة الثانية من هذا القانون قبل تعديلها بالقانون رقم 281 لسنة 1994. وإذ نشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية في 8 يونيو 1995، فإن الخصومة في هذا الشق من الدعوى الدستورية تكون منتهية ، بعد أن حسمتها المحكمة الدستورية العليا بحكمها المشار إليه، وهو حكم لا رجوع فيه ولا تعقيب عليه، بالنظر إلى الحجية المطلقة التي أسبغها المشرع على قضائها في المسائل الدستورية . ومن ثم تكون الخصومة منتهية في هذا الشق من الدعوى الدستورية .

وحيث إن النعي على المادة (18) من القانون رقم 10 لسنة 1966 بشأن مراقبة الأغذية وتنظيم تداولها، -وهى الشق الآخر من الدعوى الدستورية - مخالفتها للدستور، فإن نصها يجرى كالآتي : "يعاقب من يخالف أحكام المواد (2، 10، 11، 12، 14، 14 مكرراً) والقرارات المنفذة لها بعقوبة المخالفة ، وذلك إذا كان المتهم حسن النية . ويجب أن يقضى الحكم بمصادرة المواد الغذائية موضوع الجريمة .

وحيث إن التنظيم التشريعي لمراقبة الأغذية وتنظيم تداولها، يدل على أن صون صحة الإنسان، كان دوماً من أولى المهام التي تقوم عليها الدولة ، وفاء بالتزاماتها المنصوص عليها في المادتين (16، 17) من الدستور ويندرج تحت ذلك ضمان خلو أغذيته من الأمراض والتقيد بمستوياتها الصحية ومواصفتها، ومن ثم حدد القانون رقم 10 لسنة 1966 بشأن مراقبة الأغذية وتنظيم تداولها، الأحوال التي يكون فيها تداول الأغذية محظوراً، ذلك أن هذا القانون، بعد أن نص في مادته الأولى على أن يقصد بتداول الأغذية ، أية عملية أو أكثر من عمليات تصنيعها أو تحضيرها أو طرحها للبيع أو تخزينها أو نقلها أو تسليمها، أردفها بالمادة الثانية التي حظر بموجبها تداول الأغذية في أحوال بعينها هي

1- إذا كانت غير مطابقة للمواصفات الواردة في التشريعات النافذة .

2- إذا كانت غير صالحة للاستهلاك الآدمي .

3- إذا كانت مغشوشة .

وتقضى المادة الثالثة من هذا القانون، بأن الأغذية تعتبر غير صالحة للاستهلاك الآدمي إذا كانت ضارة بالصحة أو كانت فاسدة أو تالفة . وتعتبر الأغذية ضارة بالصحة -وعملاً بالمادة (4) من ذلك القانون- في الأحوال الآتية :

(1) إذا كانت ملوثة بميكروبات أو طفيليات من شأنها إحداث المرض بالإنسان.

(2) إذا كانت تحتوي على مواد سامة تحدث ضررا لصحة الإنسان إلا في الحدود المقررة بالمادة (11).

(3) إذا تداولها شخص مريض بأحد الأمراض المعدية التي تنقل عدواها إلى الإنسان عن طريق الغذاء أو الشراب، أو حامل لميكروباتها، وكانت هذه الأغذية معرضة للتلوث.

(4) إذا كانت ناتجة من حيوان مريض بأحد الأمراض التي تنتقل إلى الإنسان أو من حيوان نافق.

(5) إذا امتزجت بالأتربة أو بالشوائب بنسبة تزيد على النسب المقررة ، أو كان يستحيل تنقيتها منها.

(6) إذا احتوت على مواد ملوثة ، أو مواد حافظة ، أو أية مواد أخرى محظور استعمالها.

(7) إذا كانت عبواتها أو لفائفها، تحتوى على مواد ضارة بالصحة .

وتنص المادة (5) من هذا القانون، على أن الأغذية تعتبر فاسدة أو تالفة ، إذا تغير تركيبها أو خواصها الطبيعية من حيث طعمها أو رائحتها أو مظهرها نتيجة تحليلها كيماوياً أو ميكروبياً، وكذلك إذا انتهى التاريخ المحدد لاستعمالها، أو احتوت على يرقات أو ديدان أو حشرات أو فضلات أو مخلفات حيوانية .

ويعتبر الغش متحققاً في الأغذية -وعملاً بنص المادة (6) من القانون- إذا كانت غير مطابقة للمواصفات المقررة ، أو تم خلطها أو مزجها بمادة أخرى تغير من طبيعتها، أو جودة صنفها، أو بإبدال مادة تقل جودة عن تلك التي تدخل في تركيبها أو بتعمد إخفاء فسادها أو تلفها أو بانتزاع أحد عناصرها سواء بصفة كلية أو جزئية ، أو باحتوائها على عناصر غذائية فاسدة ، نباتية كانت أم حيوانية ، وكذلك إذا كانت بيانات عبواتها مخالفة لحقيقة تركيبها مما يؤدى لخداع مستهلكها أو الإضرار به صحياً.

وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة -وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية ، لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع، وكان الاتهام المثار في الدعوى الجنائية يتعلق بقيام المتهم ببيع أغذية محظور تداولها، وكانت المادة الثانية من القانون رقم 10 لسنة 1966 المشار إليه، هي التي تحدد الأحوال التي لا يجوز فيها تداول الأغذية سواء لفسادها أو تلفها، أو لإضرارها بالصحة العامة ، أو لقيام الدليل على غشها أو مخالفتها لمواصفاتها المقررة قانوناً؛ وكانت المادة (18) من هذا القانون، التي أحالتها محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستوريتها، تقضى بإيقاع عقوبة المخالفة على من يخالفون أحكام المواد (2، 10، 11، 12، 14، 14 مكرراً) منه، وذلك إذا كان المتهم حسن النية، فإن نطاق الطعن الماثل لا يمتد إلى كل الأحكام التي تحيل إليها المادة (18) من ذلك القانون، بل يقتصر على مادة وحيدة من بينها، هي مادته الثانية .

وحيث إن الدستور عهد إلى كل من السلطتين التشريعية والقضائية بمهام قصرها عليهما، فلا تتداخل الولايتان أو تتماسا، ذلك أن الدستور ناط بالسلطة التشريعية سن القوانين وفقاً لأحكامه، فنص في المادة (86) على أن "يتولى مجلس الشعب سلطة التشريع، ويقر السياسة العامة للدولة ، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ، والموازنة العامة للدولة ، كما يمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية ، وذلك كله على الوجه المبين في الدستور". كذلك أسند الدستور إلى السلطة القضائية ولاية الفصل في المنازعات والخصومات على النحو المبين في الدستور. فنص في المادة (165) على أن "السلطة القضائية مستقلة ، وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفق القانون".

وحيث إن الدستور -في اتجاهه إلى ترسم النظم المعاصرة ، ومتابعة خطاها، والتقيد بمناهجها التقدمية - نص في المادة (66)، على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لصدور القانون الذى ينص عليها، وكان الدستور قد دل بهذه المادة على أن لكل جريمة ركناً مادياً لا قوام لها بغيره، يتمثل أساساً في فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابي ، مفصحاً بذلك عن أن ما يركن إليه القانون الجنائي ابتداءً -في زواجره ونواهيه- هو مادية الفعل المؤاخذ على ارتكابه، إيجابياً كان هذا الفعل أم سلبياً، ذلك أن العلائق التي ينظمها هذا القانون في مجال تطبيقه على المخاطبين بأحكامه، محورها الأفعال ذاتها، في علاماتها الخارجية ، ومظاهرها الواقعية ، وخصائصها المادية ، إذ هي مناط التأثيم وعلته، وهي التي يتصور إثباتها ونفيها، وهى التي يتم التمييز على ضوئها بين الجرائم بعضها البعض، وهي التي تديرها محكمة الموضوع على حكم العقل لتقييمها، وتقدير العقوبة المناسبة لها. بل أنه في مجال تقدير توافر القصد الجنائي ، فإن محكمة الموضوع لا تعزل نفسها عن الواقعة محل الاتهام التي قام الدليل عليها قاطعاً واضحاً، ولكنها تجيل بصرها فيها، منقبة من خلال عناصرها عما قصد إليه الجاني حقيقة من وراء ارتكابها. ومن ثم تعكس هذه العناصر تعبيراً خارجياً ومادياً عن إرادة واعية . ولا يتصور بالتالي وفقاً لأحكام الدستور أن توجد جريمة في غيبة ركنها المادي ، ولا إقامة الدليل على توافر علاقة السببية بين مادية الفعل المؤثم، والنتائج التي أحدثا بعيداً عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه. A persons " intent in any regard is to be inferred from his conduct and ordinarily can be proven only by circumstantial evidence . Regardless of whether intent is general or specefic , intent is proven to the trier of facts by the conduct of the actor which represents an objective , tangible manifistation of behaviour assumed to be reflection of his or her mental state . ولازم ذلك أن كل مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية -وليس النوايا التي يضمرها الإنسان في أعماق ذاته- تعتبر واقعة في منطقة التجريم، كلما كانت تعكس سلوكاً خارجياً مؤاخذاً عليه قانوناً. فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها، وتم التعبير عنها خارجياً في صورة مادية لا تخطئها العين، فليس ثمة جريمة .

وحيث إن الدستور كفل في مادته السابعة والستين، الحق في المحاكمة المنصفة . بما تنص عليه من أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه. وهو حق نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادتيه العاشرة والحادية عشر التي تقرر أولاهما: أن لكل شخص حقاً مكتملاً ومتكافئاً مع غيره في محاكمة علنية ، ومن صفة ، تقوم عليها محكمة مستقلة ومحايدة ، تتولى الفصل في حقوقه والتزاماته المدنية ، أو في التهمة الجنائية الموجهة إليه. وتردد ثانيتهما: في فقرتها الأولى حق كل شخص وجهت إليه تهمة جنائية ، في أن تفترض براءته إلى أن تثبت إدانته في محاكمة علنية توفر له فيها الضمانات الضرورية لدفاعه. وهذه الفقرة هي التي تستمد منها المادة (67) من الدستور أصلها، وهى تردد قاعدة استقر العمل على تطبيقها في الدول الديموقراطية ، وتقع في إطارها مجموعة من الضمانات الأساسية تكفل بتكاملها مفهوماً للعدالة يتفق بوجه عام مع المقاييس المعاصرة المعمول بها في الدول المتحضرة . وهى بذلك تتصل بتشكيل المحكمة ، وقواعد تنظيمها، وطبيعة القواعد الإجرائية المعمول بها أمامها، وكيفية تطبيقها من الناحية العملية . كما أنها تعتبر في نطاق الاتهام الجنائي ، وثيقة الصلة بالحرية الشخصية التي قضى الدستور في المادة (41) بأنها من الحقوق الطبيعية التي لا يجوز الإخلال بها أو تقييدها بالمخالفة لأحكامه. ولا يجوز بالتالي تفسير هذه القاعدة تفسيراً ضيقاً، إذ هي ضمان مبدئي لرد العدوان عن حقوق المواطن وحرياته الأساسية ، وهي التي تكفل تمتعه بها في إطار من الفرص المتكافئة ، ولأن نطاقها وإن كان لا يقتصر على الاتهام الجنائي ، وإنما يمتد إلى كل دعوى ولو كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية ، إلا أن المحاكمة المنصفة تعتبر أكثر لزوماً في الدعوى الجنائية ، وذلك أياً كانت طبيعة الجريمة ، وبغض النظر عن درجة خطورتها.  

وحيث إن الدستور يكفل للحقوق التي نص عليها في صلبه، الحماية من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية ، وكان استيثاق المحكمة من مراعاة القواعد المنصفة آنفة البيان -عند فصلها في الاتهام الجنائي - تحقيقاً لمفاهيم العدالة حتى في أكثر الجرائم خطورة ، لا يعدو أن يكون ضمانة أولية لعدم المساس بالحرية الشخصية - التي كفلها الدستور لكل مواطن- بغير الوسائل القانونية التي لا يترخص أحد في التقيد بها، أو النزول عنها؛ وكان افتراض براءة المتهم، يمثل أصلاً ثابتاً يتعلق بالتهمة الجنائية من ناحية إثباتها، وليس بنوع العقوبة المقررة لها، وينسحب إلى الدعوى الجنائية في جميع مراحلها، وعلى امتداد إجراءاتها، فقد غدا من الحتم أن يرتب الدستور على افتراض البراءة ، عدم جواز نقضها بغير الأدلة الجازمة التي تخلص إليها المحكمة ، وتتكون من جماعها عقيدتها. ولازم ذلك، أن تطرح هذه الأدلة عليها، وأن تقول هي وحدها كلمتها فيها، وألا تفرض عليها أي جهة أخرى مفهوماً محدداً لدليل بعينه، وأن يكون مرد الأمر دائماً إلى ما استخلصته هي من وقائع الدعوى ، وحصلته من أوراقها، غير مقيدة بوجهة نظر النيابة العامة أو الدفاع بشأنها.

وحيث إنه على ضوء ما تقدم، تتمثل ضوابط المحاكمة المنصفة في مجموعة من القواعد المبدئية التي تعكس مضامينها نظاماً متكامل الملامح، يتوخى بالأسس التي يقوم عليها، صون كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية ، ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها، وذلك انطلاقاً من إيمان الأمم المتحضرة بحرمة الحياة الخاصة ، وبوطأة القيود التي تنال من الحرية الشخصية ، ولضمان أن تتقيد الدولة عند مباشرتها لسلطاتها في مجال فرض العقوبة صوناً للنظام الاجتماعي ، بالأغراض النهائية للقوانين العقابية ، التي ينافيها أن تكون إدانة المتهم هدفاً مقصوداً لذاته، أو أن تكون القواعد التي تتم محاكمته على ضوئها، مصادمة للمفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة . بل يتعين أن تلتزم هذه القواعد مجموعة من القيم التي تكفل لحقوق المتهم الحد الأدنى من الحماية ، التي لا يجوز النزول عنها أو الانتقاص منها. وهذه القواعد -وإن كانت إجرائية في الأصل - إلا أن تطبيقها في مجال الدعوى الجنائية - وعلى امتداد مراحلها - يؤثر بالضرورة على محصلتها النهائية ، ويندرج تحتها أصل البراءة كقاعدة أولية تفرضها الفطرة ، وتوجبها حقائق الأشياء، وهى بعد قاعدة حرص الدستور على إبرازها في المادة (67)، مؤكداً بمضمونها ما قررته المادة (11) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على ما سلف البيان، والمادة السادسة من الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان.

وحيث إن أصل البراءة يمتد إلى كل فرد، سواء كان مشتبهاً فيه أو متهماً، باعتباره قاعدة أساسية في النظام الاتهامي ، أقرتها الشرائع جميعها لا لتكفل بموجبها حماية المذنبين وإنما لتدرأ بمقتضاها العقوبة عن الفرد إذا كانت التهمة الموجهة إليه قد أحاطتها الشبهات بما يحول دون التيقن من مقارفة المتهم للواقعة محل الاتهام، ذلك أن الاتهام الجنائي في ذاته، لا يزحزح أصل البراءة الذى يلازم الفرد دوماً ولا يزايله، سواء في مرحلة ما قبل المحاكمة أو أثنائها، وعلى امتداد حلقاتها، وأياً كان الزمن الذى تستغرقه إجراءاتها، ولا سبيل بالتالي لدحض أصل البراءة بغير الأدلة التي تبلغ قوتها الإقناعية مبلغ الجزم واليقين، بما لا يدع مجالاً معقولاً لشبهة انتفاء التهمة ، وبشرط أن تكون دلالتها، قد استقرت حقيقتها بحكم قضائي استنفد طرق الطعن فيه، وصار باتاً.

وحيث إن افتراض البراءة لا يتمحض عن قرينة قانونية ، ولا هو من صورها، ذلك أن القرينة القانونية تقوم على تحويل للإثبات من محله الأصلي ممثلاً في الواقعة مصدر الحق المدعى به، إلى واقعة أخرى قريبة منها متصلة بها، وهذه الواقعة البديلة هي التي يعتبر إثباتها، إثباتاً للواقعة الأولى بحكم القانون. وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى البراءة التي افترضها الدستور، فليس ثمة واقعة أحلها الدستور محل واقعة أخرى ، وأقامها بديلاً عنها innocence is more properly called an assumption as opposed to a presumption . It does not rest on any other proved facts , it is assumed. وإنما يؤسس افتراض البراءة على الفطرة التي جبل الإنسان عليها، وهو كذلك من الركائز التي يستند إليها مفهوم المحاكمة المنصفة التي كفلها الدستور. ويعكس قاعدة مبدئية تعتبر في ذاتها مستعصية على الجدل، واضحة وضوح الحقيقة ذاتها، تقتضيها الشرعية الإجرائية ، ويتطلبها الدستور لصون الحرية الشخصية في مجالاتها الحيوية ، ليوفر من خلالها لكل فرد، الأمن في مواجهة التحكم والتسلط والتحامل، بما يحول دون اعتبار واقعة تقوم بها الجريمة ثابتة بغير دليل، وبما يرد المشرع عن افتراض ثبوتها بقرينة قانونية يحدثها.

وحيث إن من المقرر كذلك أن افتراض البراءة يقترن دائماً من الناحية الدستورية -ولضمان فعاليته- بوسائل إجرائية إلزامية ، تعتبر من زاوية دستورية وثيقة الصلة بالحق في الدفاع، من بينها حق المتهم في مواجهة الأدلة التي طرحتها النيابة العامة إثباتاً للجريمة ، وكذلك الحق في هدمها بأدلة النفي التي يقدمها. 

وحيث إن الأصل في الجرائم، أنها تعكس تكويناً مركباً باعتبار أن قوامها تزامنا بين يد اتصل الإثم بعملها (an evil - doing hand) وعقل واع خالطها (an evil - meaning mind) ليهيمن عليها محدداً خطاها، متوجهاً إلى النتيجة المترتبة على نشاطها، ليكون القصد الجنائي ( mens Rea ) ركناً معنوياً في الجريمة مكملاً لركنها المادي ( Actus Reus ) ومتلائماً مع الشخصية الفردية في ملامحها وتوجهاتها. وهذه الإرادة الواعية ، هي التي تتطلبها الأمم المتحضرة في مناهجها في مجال التجريم بوصفها ركناً في الجريمة ، وأصلاً ثابتاً كامناً في طبيعتها، وليس أمراً فجاً أو دخيلاً مقحماً عليها أو غريباً عن خصائصها. ذلك أن حرية الإرادة تعنى حرية الاختيار بين الخير والشر، ولكل وجهة هو موليها، لتنحل الجريمة -في معناها الحق- إلى علاقة ما بين العقوبة التي تفرضها الدولة بتشريعاتها، والإرادة التي تعتمل فيها تلك النزعة الإجرامية التي يتعين أن يكون تقويمها ورد آثارها، بديلاً عن الانتقام والثأر المحض من صاحبها.

وغدا أمراً ثابتاً -وكأصل عام- ألا يجرم الفعل مالم يكن إرادياً قائماً على الاختيار الحر. ومن ثم مقصوداً. ولئن جاز القول بأن تحديد مضمون تلك الإرادة وقوفاً على ما هيتها، لا زال أمراً عسراً، إلا أن معناها -وبوصفها ركناً معنوياً في الجريمة - يدور بوجه عام حول النوايا الإجرامية أو الجانحة Felonious intent أو النوازع الشريرة المدبرة malice aforethought أو تلك التي يكون الخداع قوامهاFraudulent intent أو التي تتمحض عن علم بالتأثيم مقترناً بقصد اقتحام حدوده guilty knowledge لتدل جميعها على إرادة إتيان فعل بغياً.

وحيث إن هذا الأصل -وإن ظل محوراً للتجريم- إلا أن المشرع عمد أحياناً-من خلال بعض اللوائح- إلى تقرير جرائم عن أفعال لا يتصل بها قصد جنائي باعتبار أن الإثم ليس كامناً فيها، ولا تدل بذاتها على ميل إلى الشر والعدوان، mala in se inherently wrong)) ولا يختل بها قدر مرتكبها أو اعتباره، وإنما ضبطها المشرع تحديداً لمجراها، وحداً من مخاطرها، وأخرجها بذلك عن مشروعيتها mala prohibita وهى الأصل -وجعل عقوبتها متوازنة مع طبيعتها، فلا يكون أمرها غلواً من خلال تغليظها، بل هيناً في الأعم.

وقد بدا هذا الاتجاه متصاعداً إثر الثورة الصناعية التي تزايد معها عدد العمال المعرضين لمخاطر أدواتها وآلاتها ومصادر الطاقة التي تحركها. واقترن ذلك بتعدد وسائل النقل وتباين قوتها، وبتكدس المدن وازدحام أحيائها، وبغلبة نواحي الإخلال بالصحة العامة ، وبوجه خاص من خلال الاتصال بالمواد الغذائية سواء عند إنتاجها أو توزيعها وتداولها أو بمراعاة نوعيتها. وكان لازماً بالتالي -ولمواجهة تلك المخاطر- أن يفرض المشرع على المسئولين عن إدارة الصناعة أو التجارة وغيرهم، قيوداً كثيرة غايتها أن ينتهج المخاطبون بها سلوكاً قويماً موحداً، ببذل العناية التي يتوقعها المشرع من أوساطهم، ليكون النكول عنها -وبغض النظر عن نواياهم- دالاً على تراخى يقظتهم، ومستوجباً عقابهم.

غير أن تقرير هذا النوع من الجرائم في ذلك المجال، ظل مرتبطاً بطبيعتها ونوعيتها، ومن حصراً في الحدود الضيقة التي تقوم فيها علاقة مسئولية بين من يرتكبها، وخطر عام، لتكون أوثق اتصالاً برخاء المواطنين وصحتهم وسلامتهم في مجموعهم Public Welfare Offenses وبإهمال من قارفها لنوع الرعاية التي تطلبها المشرع منه كلما باشر نشاطاً معيناً، وكذلك إذا أعرض عن القيام بعمل ألقاه عليه باعتباره واجباً، وبمراعاة أن ما توخاه المشرع من إنشائها، هو الحد من مخاطر بذواتها، بتقليل فرص وقوعها، وإنماء القدرة على السيطرة عليها، والتحوط لدرئها.

وحيث إن القصد الجنائي ، يمثل أكثر العناصر تعقيداً في المجال الجنائي ، باعتباره متصلاً بالحالة الذهنية التي كان عليها الجاني حين أقدم مختاراً على إتيان الفعل المؤثم قانوناً، وكانت تلك الحالة أدخل إلى العوامل الشخصية التي يتعين تمييزها عن العوامل الموضوعية التي تعكس مادية الفعل أو الأفعال التي ارتكبها، والتي يكون الرجوع إليها وتقييمها كاشفاً عادة عما عناه منها، وقصد إليه من وراء مقارفتها؛ وكان من المفترض أن الجاني إذا أراد إتيان فعل أو أفعال بذواتها، فقد قصد إلى نتيجتها، فإن توافر هذا القصد -فيما أتاه الجاني من أفعال- يكون هو القاعدة العامة ، وليس الاستثناء منها، وهو استثناء لا يقوم بالضرورة ، ولا يتصور عقلاً، إذا كانت إرادة الجاني تبلور انصرافها إلى إتيان أفعال محددة بغرض إحداث نتيجة إجرامية بعينها. وإنما ينحصر هذا الاستثناء في حدود ضيقة ، تقوم الجريمة فيها على إهمال نوع من الرعاية كان ينبغي أن يلتزمها الجاني فيما أتاه، لتكون الجريمة عندئذ عائدة في بنيانها إلى الخطأ، وجوهرها أعمال يخالطها سوء التقدير، أو ينتفى عنها الاحتراس والتبصر، أو تتمحض عن رعونة لا حذر فيها، ومن ثم أحاطها القانون الجنائي بالجزاء، محدداً ضابطها بما كان ينبغي أن يكون سلوكاً لأوساط الناس، يقوم على واجبهم في التزام قدر معقول من التحوط [Ordinary reasonable person"s standard of care] لتمثل الجريمة غير العمدية انحرافاً ظاهراً عن ذلك المقياس، يتحدد بقدره، نوع الجزاء عنها، ومقداره.

A deviation from and proportional to the level of established standards of reasonable care in conduct

ومن ثم يكون الفارق بين عمدية الجريمة ، وما دونها، دائراً أصلاً- وبوجه عام -حول النتيجة الإجرامية التي أحدثتها، فكل ما أرادها الجاني وقصد إليها، موجهاً جهده لتحقيقها، كانت الجريمة عمدية . فإن لم يقصد إلى إحداثها، بأن كان لا يتوقعها، أو ساء تقديره بشأنها، فلم يتحوط لدفعها ليحول دون بلوغها، فإن الجريمة تكون غير عمدية يتولى المشرع دون غيره بيان عناصر الخطأ التي تكونها، وهى عناصر لا يجوز افتراضها أو إنتحالها، ولا نسبتها لغير من ارتكبها، ولا اعتباره مسئولاً عن نتائجها، إذا انفك اتصالها بالأفعال التي أتاها، ذلك أن مسئوليته الجنائية عن هذا الخطأ، مسئولية شخصية لا تقوم إلا بتوافر أركانها [pas de peine sans culpabilité]، وهى بعد مسئولية يحققها القاضي ، ويستمد عناصرها من عيون الأوراق، ليكون ثبوتها يقينياً لا ظنياً، ضماناً لصون الحرية الشخصية التي كفلها الدستور، وتوكيداً لامتناع تقييدها بغير الوسائل القانونية السليمة التي لا يترخص أحد في التحلل منها.

وحيث إن ما تقدم مؤداه: أن الجرائم غير العمدية لا تقوم إلا على الخطأ، وأن صوره على اختلافها يجمعها معيار عام يتمثل في انحرافها عما يعد -وفقاً للقانون الجنائي - سلوكاً معقولاً للشخص المعتاد، وأن هذه الصور على تعددها، تتباين فيما بينها سواء في نوع المخاطر التي تقارنها، أو درجتها. ويتعين بالتالي أن يتدخل المشرع ليحدد ما يكون منها مؤثماً في تقديره، مع بيان عناصر الخطأ في كل منها تعريفاً بها، وقطعاً لكل جدل حول ما هيتها، توقياً لإلتباسها بغيرها، وتعييناً جلياً لما ينبغي على المخاطبين بالنصوص العقابية أن يأتوه أو يَدعَوه من أفعال، إذ لا يجوز لمثل هذه النصوص، أن تُحّمل الناس ما لا يطيقون، ولا أن تؤاخذهم بما يجهلون، ولا أن تمد إليهم بأسها وقد كانوا غير منذرين، ولا أن تنهاهم عما ألبس عليهم، وإلا قام التجريم فيها على أساس من الظن والإبهام، ليكون خداعاً أو ختالاً. وهو ما تأباه النظم العقابية جميعها، وينحدر بآدمية الإنسان إلى أدنى مستوياتها، ليغدو بغير حقوق - وعلى الأخص- في مواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذية .

يؤيد ذلك أمران، أولهما أن الأصل في النصوص العقابية ، أن تصاغ في حدود ضيقة narrowly tailored تعريفاً بالأفعال التي جرمها المشرع، وتحديداً لمضمونها، فلا يكون التجهيل بها -من خلال انفلات  عباراتها وإرهاقها بتعدد تأويلاتها- موطئاً للإخلال بحقوق كفلها الدستور للمواطنين، كتلك التي تتعلق بحرية عرض الآراء وضمان تدفقها من مصادرها المختلفة ، وكذلك بالحق في تكامل الشخصية ، وأن يؤمن كل فرد ضد القبض أو الاعتقال غير المشروع. ولئن جاز القول بأن تقدير العقوبة ، وتقرير أحوال فرضها، مما يدخل في إطار تنظيم الحقوق، ويندرج تحت السلطة التقديرية للمشرع، إلا أن هذه السلطة حدها قواعد الدستور، ولازمها ألا تكون النصوص العقابية "شباكاً أو شراكاً يلقيها المشرع متصيداً باتساعها، أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها".

ثانيهما: أن الأصل في الجريمة ، أن عقوبتها لا يتحمل بها إلا من أدين باعتباره مسئولاً عنها، وهى بعد عقوبة يجب أن تتوازن "وطأتها" مع طبيعة الجريمة موضوعها. بما مؤداه: أن الشخص لا يزر غير سوء عمله. وأن جريرة الجريمة لا يؤاخذ بها إلا جناتها، ولا ينال عقابها إلا من قارفها، وأن "شخصية العقوبة " "وتناسبها مع الجريمة محلها" مرتبطان بمن يعد قانوناً "مسئولاً عن ارتكابها". ومن ثم تفترض شخصية العقوبة -التي كفلها الدستور بنص المادة (66)- شخصية المسئولية الجنائية ، بما يؤكد تلازمهما. ذلك أن الشخص لا يكون مسئولاً عن الجريمة ، ولا تفرض عليه عقوبتها، إلا باعتباره فاعلاً لها أو شريكاً فيها.

وحيث إن القانون الجنائي ، وإن اتفق مع غيره من القوانين، في تنظيمها لبعض العلائق التي يرتبط بها الأفراد فيما بين بعضهم البعض، أو من خلال مجتمعهم بقصد ضبطها، إلا أن القانون الجنائي يفارقها، في اتخاذه العقوبة أداة لتقويم ما يصدر عنهم من أفعال نهاهم عن ارتكابها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد -ومن منظور اجتماعي - ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، وأن يسيطر عليها بوسائل يكون قبولها اجتماعياً ممكناً، بما مؤداه: أن الجزاء على أفعالهم، لا يكون مبرراً، إلا إذا كان مفيداً من وجهة اجتماعية ، فإن كان مجاوزاً تلك الحدود التي لا يكون معها ضرورياً، غدا مخالفاً للدستور. متى كان ذلك، وكان الجزاء الجنائي عقاباً واقعاً بالضرورة في إطار اجتماعي ، ومنطوياً غالباً -من خلال قوة الردع- على تقييد الحرية الشخصية ، ومقرراً لغرض محدد، استيفاء لقيم ومصالح اجتماعية لها وزنها؛ وكان الأصل في العقوبة هو معقوليتها، فلا يكون التدخل بها الا بقدر، نأياً بها عن أن تكون إيلاماً غير مبرر، يؤكد قسوتها في غير ضرورة unnecessary cruelty and pain؛ وكانت المادة (18) من القانون رقم 10 لسنة 1966 بشأن مراقبة الأغذية وتنظيم تداولها -والتي أحالتها محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستوريتها- تقرر جزاءً جنائياً يقوم على مجرد مخالفة أحكام المواد (2، 10، 11، 12، 14، 14 مكرراً) من هذا القانون، إذا كان مقارفها حسن النية ؛ وكان نطاق الدعوى الدستورية الراهنة - محدداً على ضوء الاتهام المنسوب إلى المتهم -يقوم على الطعن بعدم دستورية إيقاع عقوبة المخالفة في شأن متهم كان حسن النية حين أخل بنص المادة الثانية من ذلك القانون، التي تحظر تداول الأغذية التي يقوم الدليل على غشها، أو عدم صلاحية إستهلاكها آدمياً، أو مخالفتها لمواصفاتها المحددة قانوناً، سواء عند تصنيعها أو تحضيرها أو طرحها للبيع أو تخزينها أو نقلها أو تسليمها؛ وكان هذا التداول -بمختلف صوره- يتعلق بسلع شتى تتباين مصادرها، ولا يقع التعامل فيها، أو الاتصال بها، مرة واحدة ، بل تتناولها أيد عديدة ، وعلى الأخص منذ خروجها من يد منتجها أو جالبها، إلى أن تصل إلى عارضها الأخير، وبافتراض خضوعها لنظم الفحص والرقابة التي تباشرها الجهات الحكومية ذات الاختصاص، وعلى الأقل داخل مصادر إنتاجها المحلية ، أو قبل تجاوزها الدائرة الجمركية حال جلبها؛ وكان النص المطعون فيه - إخلالاً بنص المادة الثانية من القانون رقم 10 لسنة 1966 بشأن مراقبة الأغذية وتنظيم تداولها، وكانت عبارة "حسن النية " وإن جاز القول بتعدد معانيها، تبعاًٍ لموقعها من سياق النصوص القانونية التي انتظمتها، وبمراعاة ما تغياه المشرع من هذه النصوص، محدداً -من خلال أغراضها- إطاراً للدائرة التي تعمل فيها، الا أن حسن نية من يتداولون أغذية الإنسان، يفترض تعاملهم فيها، أو اتصالهم بها، بوصفهم مواطنين شرفاء، يتقيدون بأصول مهنتهم ويلتزمون بمتطلباتها.

وحيث إن العقوبة التي فرضها النص المطعون فيه كجزاء على الأفعال التي أثمها، هي عقوبة المخالفة . وانحدارها على هذا النحو، يفيد تعلقها بأفعال لا يتعمدها مرتكبها، ولا تصل خطورتها إلى حد الإيغال في الجزاء عليها، ليكون قوامها خطأ اتخذ من مفهوم الجريمة غير العمدية ، إطاراً.

وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان ركن الخطأ في الجرائم غير العمدية ، ليس إلا فعلاً أو امتناعاً يمثل انحرافاً عما يُعد وفقاً للقانون الجنائي سلوكاً معقولاً للشخص المعتاد؛ وكان تحديد مضمون الأفعال أو مظاهر الامتناع التي تقوم عليها هذه الجرائم، من خلال بيان عناصر الخطأ، بما ينفى التجهيل بها، ضرورة يقتضيها اتصال هذا التجريم بالحرية الشخصية التي اعتبرها الدستور من الحقوق الطبيعية التي لا يجوز النزول عنها أو الإخلال بها؛ وكان النص المطعون فيه قد قرر جزاءً جنائياً في شأن متهم حسن النية -بالمفهوم السالف البيان -وعن صور من الخطأ قَصَرُ عن تعيينها من خلال تحديد عناصرها؛ فإن هذا النص يكون قد أخل بالحرية الشخصية ، وبضمانة الدفاع، وكذلك بالضوابط الجوهرية التي تقوم عليها المحاكمة المنصفة ، ويندرج تحتها افتراض البراءة ، وجاء بذلك مخالفاً لأحكام المواد (41، 67، 69) من الدستور

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة (18) من القانون رقم 10 لسنة 1966 بشأن مراقبة الأغذية وتنظيم تداولها وذلك فيما تضمنته من معاقبة من يخالف أحكام المادة الثانية من هذا القانون بعقوبة المخالفة إذا كان حسن النية . وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .