باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السابع عشر من ديسمبر سنة 2022م،
الموافق الثالث والعشرين من جمادى الأولى سنة 1444 هـ.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف ومحمود محمـــد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد
سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني
نواب رئيس المحكمة وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة
المفوضين وحضور السيد/ محمـد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 94 لسنة 26
قضائية دستورية
المقامة من
صبحى بشرى جورج إسكندر
ضــد
1 - رئيــس الجمهوريـة
2 - وزيــر الماليـــة
------------------
" الإجراءات "
بتاريخ السابع والعشرين من أبريل سنة 2004، أودع المدعي صحيفة هذه
الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية الفقرة
الثانية من المادة (8) من القانون رقم 111 لسنة 1975 ببعض الأحكام الخاصة بشركات
القطاع العام، المستبدلة بالقانون رقم 112 لسنة 1976، وما تضمنته المادة الثانية من
القانون الأخير من نفاذ هذا التعديل بأثر رجعى اعتبارًا من تاريخ العمل بالقانون
الأول، وبسقوط قرار وزير المالية رقم 113 لسنة 1978 فيما نصت عليه مادته الثالثة
من حلول المصلحة العامة للضرائب ضرائب النقل بالإسكندرية، في حق إيجار الشقة رقم
(5) بالعقار (21) شارع طلعت حرب الإسكندرية، محل مؤسسة النقل البحري الملغاة.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة
إصدار الحكم بجلسة اليوم.
-------------
" المحكمـة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق -
في أن المدعي كان قد أقام الدعوى رقم 5928 لسنة 2000 مدني كلي، أمام محكمة
الإسكندرية الابتدائية، مخاصمًا فيها المدعى عليه الثاني، بصفته الرئيس الأعلى
لمصلحة الضرائب، ومراقب عام مأمورية ضرائب ثان شرق الإسكندرية، طالبًا الحكم
بإخلاء الشقة والغرفة المبينتين بأصل الصحيفة، والتسليم. وقال بيانًا لدعواه: إنه
خلف خاص لملاك العقار الكائنة به العين محل النزاع، وأن المدعى عليه الثاني يضع
يده عليها دون سند، مما حدا به إلى إقامة دعواه السالفة. ندبت المحكمة خبيرًا أودع
تقريره مضمنًا إياه: أنه بموجب عقد الإيجار المؤرخ 1/ 4/ 1970، استأجرت المؤسسة
المصرية العامة للنقل البحري العين محل النزاع من الحارس العام على أموال الخاضعين
للأمر العسكري رقم 138 لسنة 1961، ونفاذًا لقرار التخلي والإفراج النهائي رقم 200
لسنة 1976، تسلم سلف المدعي هذا العقار في 10/ 3/ 1976، ثم أصدر وزيـر المالية
قـراره رقـم 113 لسنة 1978 بتاريخ 30/ 5/ 1978، بحلول المصلحة العامة للضرائب محل
المستأجر الأصلي في حقوقه، وتنازل له عن عقد إيجار العين محل النزاع اعتبارًا من
1/ 7/ 1978، ثم آلت إلى المدعي ملكية العقار من ورثة المالك الأصلي بموجب عقدي
البيع المؤرخين30/ 5/ 1994 و21/ 6/ 1995، المقضي بصحتهما ونفاذهما في الدعوى رقم
2270 لسنة 1997 مدني كلي الإسكندرية. تدوولت الدعوى بالجلسات، وبجلسة 26/ 3/ 2003،
حكمت المحكمة برفض الدعوى، استنادًا إلى ما استخلصته من الأوراق من وجود موافقة
صريحة من ورثة المالك الأصلي على هذا الحلول. طعن المدعي على الحكم أمام محكمة
استئناف الإسكندرية بالاستئناف رقم 2426 لسنة 59 قضائية. وبجلسة 23/ 12/ 2003، قدم
المدعي مذكرة ضمنها دفعًا بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة (8) من القانون
رقم 111 لسنة 1975 المستبدلة بالقانون رقم 112 لسنة 1976، وما تضمنته المادة
الثانية من القانون الأخير، من نفاذ هذا التعديل بأثر رجعي، اعتبارًا من تاريخ
العمل بالقانون رقم 111 لسنة 1975، لمخالفتهما نصوص المـــواد (7، 32، 34) من
دستور 1971. وإذ قدرت تلك المحكمة جدية الدفع، وصرحت للمدعي برفع الدعوى
الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة.
وحيث إن الفقرة الثانية من المادة (8) من القانون رقم 111 لسنة 1975
ببعض الأحكام الخاصة بشركات القطاع العام، المستبدلة بالمادة الأولى من القانون
رقم 112 لسنة 1976 بتعديل بعض أحكام القانون الأول قد نصت على أنه " ولوزير
المالية أن يحل إحدى الجهــــات الحكومية أو الهيئات العامة أو شركات القطاع العام
محل المؤسسات الملغاة في حق إيجار الأماكن التي تشغلها.
ونصت المادة الثانية من القانون رقم 112 لسنة 1976 المشار إليه على
أنه ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية، ويعمل به من تاريخ العمل بالقانون رقم
111 لسنة 1975 .
ونص قــرار وزير المالية رقـم 113 لسنة 1978 في المـــادة (3) منــه،
- التي تم نشرهــا في الوقائع المصرية، العدد 184 بتاريخ 8/ 8/ 1978- على أن
" تحل المصلحة العامة للضرائب (ضرائب النقل بالإسكندرية) في حق إيجار الشقة
رقم (5) بالعقار (21) شارع طلعت حرب بالإسكندرية محل مؤسسة النقل البحري الملغاة .
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المصلحة الشخصية المباشرة تعد
شرطًا لقبول الدعوى الدستورية، ومناطها، أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في
الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في
الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكانت
رحي النزاع الموضوعي تدور حول طلب المدعي الحكم بإخلاء مصلحة الضرائب من العين محل
التداعي، مع التسليم، وكان النصان المطعون فيهما قد خولا وزير المالية، أن يحل
بأثر رجعى، إحدى الجهات الحكومية أو الهيئات العامة أو شركات القطاع العام محل
المؤسسة الملغاة، في حق إيجار الأماكن التي تشغلها، دون اشتراط موافقة المؤجر،
وكان العقار محل التداعي مؤجرًا للمؤسسة المصرية العامة للنقل البحري بالعقد
المؤرخ 1/ 4/ 1970، ثم حلت محلها المصلحة العامة للضرائب ضرائب النقل بالإسكندرية
في حق إيجار الوحدة المشار إليها في الدعوى الموضوعية، بموجب قرار وزير المالية
رقم 113 لسنة 1978، إعمالاً لنص المادتين المطعون عليهما، ومن ثم تتوافر للمدعي
مصلحة شخصية ومباشرة في اختصام هذين النصين، لما للقضاء في دستوريتهما من أثر
مباشر وانعكاس أكيد على الطلبات المطروحة في الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة
الموضوع فيها، ويتحدد نطاق الدعوى المعروضة فيما نصت عليه الفقرة الثانية من
المادة (8) من القانون رقم 111 لسنة 1975 ببعض الأحكام الخاصة بشركات القطاع العام
المستبدلة بالمادة الأولى من القانون رقم 112 لسنة 1976، وعجز المادة الثانية من
القانون الأخير، فيما تضمنتاه من تخويل وزير المالية أن يحل إحدى الجهات الحكومية
محل المؤسسات العامة الملغاة في حق إيجار الأماكن التي تشغلها، بأثر رجعى،
اعتبارًا من تاريخ العمــــل بالقانـــون رقم 111 لسنة 1975. ولا ينال من توافر
المصلحة في الدعوى المعروضة انتهاء العمل بالنصين المطعون فيهما بعد إلغاء القانون
رقم 111 لسنة 1975 بمقتضى القانون رقم 97 لسنة 1983 بإصدار قانون هيئات القطاع
العام وشركاته؛ إذ المقرر في قضاء هذه المحكمة أن إلغاء النص التشريعي المطعون
فيه، لا يحول دون الفصل في دستوريته بالنسبة لمن طُبق عليهم خلال فترة نفاذه
وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة لهم.
حيث إن المدعي ينعى على النصين المطعــــون فيهما أنهما خولا وزير
المالية، بقرار منه، أن يحل بأثر رجعى، إحدى الجهات الحكومية محل المؤسسات العامة
الملغاة فى حق إيجار الأماكن التى تشغلها، منشئًا بذلك علاقة إيجارية مؤبدة، دونما
اعتداد بإرادة المؤجر، ودون موافقته، مخلاً بذلك بالتوازن بين طرفي العلاقة
التعاقدية، حائلاً بين المالك والانتفاع بملكه، وهو ما يخالف مبادئ الشريعة
الإسلامية فيما رسمته من حدود لخلافة الأموال، ويشكل عدوانًا على الملكية الخاصة،
وانتقاصًا من الحرية الشخصية، وإخلالاً بمبدأ المساواة، مما يوقع هذين النصين في حمأة
مخالفة المواد (2، 7، 32، 34، 40، 41) من دستور 1971
وحيث إن مؤدى النصين المطعون فيهما، هو تخويل وزير المالية الحق في أن
يحل، بأثر رجعي، إحدى الجهات الحكومية محل المؤسسات العامة الملغاة في إيجار
الأماكن التي كانت تشغلها، ولو كانت شروط الإجارة الأصلية تحول دون النزول عنها
إلى الغير إلا بموافقة المؤجر الصريحة أو الضمنية، وعلي الرغم من انتهاء مدد عقود
إيجار تلك المؤسسات، وذلك نزولًا على نص المادة (21) من القانون رقم 52 لسنة 1969
- المعمول بأحكامه في شأن إيجار الأماكن خلال مدة نفاذ النصين المطعون فيهما - والتي
قصرت الامتداد القانوني على عقود إيجار الأماكن المؤجرة لغرض السكنى دون غيرها،
وقبل أن تدركها أحكام الامتداد القانوني للأعيان المؤجرة لغير غرض السكنى، المنصوص
عليها في القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين
المؤجر والمستأجر، التي رددتها - من حيث المبدأ - القوانين أرقام 136 لسنة 1981 في
شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر
و6 لسنة 1997 ببعض الأحكام الخاصة بإيجار الأماكن غير السكنية و10 لسنة 2022 بشأن
بعض الإجراءات ومواعيد إخلاء الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لغير غرض السكنى.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح، من حيث مطابقتها
للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضـــع لأحكام الدستور القائم دون
غيره. إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على
أحكامه التي تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام
الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها
من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة، ومع ذلك فإذا كان الدستور القائم
ليس له أثر رجعي، فإنه يتعين إعمال أحكام الدستور السابق، الذى صدر التشريع
المطعون عليه في ظل العمل بأحكامه، طالما أن هذا التشريع قد عمل بمقتضاه إلى أن تم
إلغاؤه أو استبدال نص آخر به خلال مدة سريان ذلك الدستور. متى كان ذلك، وكان
النصان المطعون فيهما قد صدرا وانتهى العمل بهما في ظل الدستور الصادر سنة 1971،
ومن ثم فإن النظر في أمر دستوريتهما يخضع لأحكامه.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن إلزام المشرع باتخاذ مبادئ
الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، طبقًا لنص المادة الثانية من الدستور
الصادر سنة 1971 بعد تعديلها في 22/ 5/ 1980، لا ينصرف سوى إلى التشريعات التي
تصدر بعد التاريخ الذي فرض فيه هذا الإلزام، بحيث إذا انطــــوى أي منهــــا على
مــــا يتعارض مــــع مبادئ الشريعة الإسلامية يكــــون قد وقــــع في حومة
المخالفة الدستورية، أما التشريعــــات السابقة على ذلك التاريــــخ، فلا يتأتى
إعمال حكم الإلزام المشار إليه بالنسبة لها؛ لصدورها قبل نفاذ هذا التعديل، في وقت
لم يكن القيد المتضمن هذا الإلزام قائمًا، واجب الإعمال، ومن ثم فإن هذه التشريعات
تكون بمنأى عن إعمال هذا القيد، وهو مناط الرقابة الدستورية، وهو القيد الذى يبقى
قائمًا وحاكمًا لتلك التشريعات. متى كان ذلك، وكان النصان المطعون عليهما قد صدرا
وعمل بهما في تاريخ سابق على 22/ 5/ 1980، الذى حدده الدستور لالتزام التشريعات
بمبادئ الشريعة الإسلامية، فإن النعي بمخالفتهما لنص المادة الثانية من دستور سنة
1971 يكون في غير محله.
وحيث إن السلطة التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، وإن كان
الأصل فيها هو إطلاقها، فإن القيود التي قد يفرضها الدستور لصون هذه الحقوق من صور
العدوان المحتمل عليها، هي التي تبين تخوم الدائرة التي لا يجوز أن يتداخل التنظيم
التشريعي فيها هادماً للحقوق التي يكفلها الدستور، أو مؤثراً في محتواها بما ينال
منها، ومن ثم تمثل هذه الدائرة مجالاً حيويًّا لا يتنفس الحق إلا من خلالها، ولا
يكون تنظيم هذا الحق ممكنًا من زاوية دستورية إلا فيما وراء حدودها الخارجية،
ليكون اقتحامها مجانبًا لتنظيمه، وعدوانًا عليه أدخل إلى مصادرته أو تقييده.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن حرية التعاقد قاعدة أساسية
يقتضيها الدستور صونًا للحرية الشخصية، التي لا يقتصر ضمانها على تأمينها ضد صور
العدوان على البدن، بل تمتد حمايتها إلى أشكال متعددة من إرادة الاختيار وسلطة
التقرير التي ينبغي أن يملكها كل شخص، فلا يكون بها كائنًا يحمل على ما لا يرضاه،
بل بشرًا سويًّا.
وحيث إن حرية التعاقد هذه، فوق كونها من الخصائص الجوهرية للحرية
الشخصية، فإنها كذلك وثيقة الصلة بالحق في الملكية، وذلك بالنظر إلى الحقوق التي
ترتبها العقود فيما بين أطرافها، أيًّا كان الدائن بها أو المدين بأدائها. بيد أن
هذه الحرية - التي لا يكفلهـا انسيابها دون عائق، ولا جرفهـــا لكل قيد عليها، ولا
علوها على مصالح ترجحها، وإنما يدنيها من أهدافها قدر من التوازن بين جموحها
وتنظيمها - لا تعطلها تلك القيود التي تفرضها السلطة التشريعية عليها بما يحول دون
انفلاتها من كوابحها، ويندرج تحتها أن يكون تنظيمها لأنواع من العقود محددًا
بقواعد آمرة تحيط ببعض جوانبها، غير أن هذه القيود لا يسعها أن تدهم الدائرة التي
تباشر فيها الإرادة حركتها، فلا يكون لسلطانها بعد هدمها من أثر.
وحيث إن مكنة استغلال الأعيان ممن يملكونها من خلال عقود إجارة إنما
تعني حقهم في اختيار من يستأجرونها من ناحية، والغرض من استعمالها من ناحية أخرى،
وكانت حريتهم في هذا الاختيار جزءًا لا يتجزأ من حق الاستغلال الذي يباشرونه أصلاً
عليها. وكان من المقرر أن لحقوق الملكية - بكامل عناصرها - قيمًا مالية يجوز
التعامل فيها، وكان الأصل أن يظل مؤجر العين متصلاً بها، فلا يعزل عنها من خلال
سلطة مباشرة يمارسها آخرون عليها بناء على نص في القانون، فإن هذا النص يكون
مهدرًا حق الملكية، متضمنًا عدوانًا على الحدود المنطقية التي تعمل الإرادة الحرة
في نطاقها، فلا تستقيم الحرية الشخصية - في صميم بنيانها - بفواتها، ولا تكون
الإجارة إلا إملاء يناقض أسسها، ولا يعدو ذلك أن يكون عدوانًا على حق الملكية،
وإخلالاً بأحد عناصرها، وافتئاتًا كذلك على ما هو مفترض من أن الأصل في النصوص
القانونية التي اقتضتها الضرورة أن يكون إعمالها بقدر توافر موجباتها.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن حق المستأجر ما زال حقًّا
شخصيًّا، مقصورًا على استعمال عين بذاتها، فيما لا يجاوز المنفعة التي أُعدت لها،
فلا يمتد هذا الحق إلى سلطة استغلالها، وكان تدخل المشرع بموجب النصين المطعون
فيهما في إحلال الغير محل المستأجر الأصلي في استعمال العين المؤجرة دون موافقة
مؤجرها، يناقض حق الأخير في قصر استغلالها عليه، نزولاً على الحدود المنطقيـة التي
تعمـل الإرادة الحرة في نطاقها.
وحيث إن الأصل في عقود القانون الخاص، ابتناؤها على علائق تتكافأ
بشأنها مصالح أطرافها، فلا يميل ميزانها في اتجاه مناقض لطبيعتها، إلا بقدر
الضرورة التي يتعين أن تخلى مكانها - عند فواتها - لحرية التعاقد، وهى الأصل في
العقود جميعها ولا يجوز بالتالي النظر إلى القوانين الاستثنائية التي نظم بها
المشرع العلائق الإيجارية بوصفها حلاً نهائيًّا ودائمًا لمشكلاتها، فلا يتحول
المشرع عنها، بل عليه أن يعيد النظر فيها، ذلك أن القيود التي يفرضها المشرع
عليها، إنما تنال بصورة خطيرة من حق الملكية، ويكاد عصفها بمحتواها، أن يعطل
تمامًا أحد عناصرها ممثلاً في استعمال الشيء محلها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أنه وإن كان مبدأ المساواة
أمام القانـون لا يعني معاملـة المواطنين جميعًا وفق قواعد موحدة، ذلك أن التنظيم
التشريعي قد ينطوي على تقسيم أو تصنيف أو تمييز سواء من خلال الأعباء التي يلقيها
على البعض أو من خلال المزايا التي يمنحها لفئة دون غيرها، فإن مناط دستورية هذا
التنظيم ألا تنفصل نصوصه التي ينظم بها المشرع موضوعًا معينًا عن أهدافها، ليكون
اتصال الأغراض التي توخى تحقيقها بالوسائل التي لجأ إليها منطقيًّا وليس واهيًا أو
واهنًا أو منتحلاً، بما يخل بالأسس التي يقوم عليها التمييز المبرر دستوريًّا، ومن
ثم فإذا ما قام التماثل في المراكز القانونية التي تنتظم بعض فئات المواطنين،
وتساويهم بالتالي في العناصر التي تكونها، استوجب ذلك وحدة القاعدة القانونية التي
ينبغي تطبيقها في حقهم، فإن خرج المشرع عن ذلك سقط في حمأة المخالفة الدستورية، سواء
كان خروجه هذا مقصودًا أو وقع عرضًا.
متى كان ما تقدم، وكان نص الفقرة الثانية من المادة (8) من القانون
رقم 11 لسنة 1975 المستبدلة بالمادة الأولى من القانون رقم 112 لسنة 1976، المطعون
عليه، قد خول وزير المالية إنشاء علاقة إيجارية، بإحلال إحدى الجهات الحكومية -
التي لا تقبل شخصيتها القانونية انقضاء - بديلاً عن مؤسسة عامة كانت تستأجر العين
ذاتها في غير غرض السكنى، وزالت شخصيتها الاعتبارية بإلغائها وانتهاء أعمال
تصفيتها، دون الاعتداد بإرادة مؤجر العين في إنشاء علاقة إيجارية - بديلاً عن أخرى
منتهية - ما كان ليقبلها، لو لم يفرضها عليه النص المطعون فيه، مناقضًا حقه في
استغلال العين على الوجه الذي تكفله مقتضيات حرية التعاقد، بوصفها فرعًا من
الحريــــة الشخصيـــة، ولينحل النص المطعون فيه - بهذه المثابة - إلى عدوان على
حــق الملكية، من خــلال إهــدار عنصر جوهــري من عناصرها، متخطيًا بإقراره حدود
سلطة المشرع في تنظيم هذا الحق، منافيًا ضوابط توازن العلائق الإيجارية التي تحقق
مصالح أطرافها، ليقيمها علي قاعدة التضامن الاجتماعي، مناقضًا مبدأ المساواة بين
مراكز قانونية متكافئة لمؤجرين في استغلال أعيان انتهت عقود إيجارها، فألزم النص
المطعون فيه، فئة منهم بإيجار وحداتهم إلى جهات حكومية بديلاً عن مؤسسات عامة
أُلغيت، ولا كذلك الحال بالنسبة لغيرهم ممن انتهت علاقاتهم الإيجارية بمستأجرين
آخـرين، مما يصم النص المطعـون فيه - في النطاق المحدد سلفًا - بمخالفة أحكام
المواد (7، 32، 34، 40، 41) من دستور 1971.
وحيث إن دستور 1971 اختص السلطة التشريعية بسن القوانين وفقًا لنص
المادة (86) منه، واختص السلطة القضائية بالفصــل فــي المنازعــات على نحــو ما
فصلته المــادة (165) منه، ومن ثم فإن اختصــاص السلطة التشريعية بســن القوانيــن
لا يخولها التدخل في أعمال أسندها الدستور إلى السلطة القضائية وقصرها عليها، وإلا
كان هذا افتئاتًا على عملها، وإخلالاً بمبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية
والقضائية. وكان من المقرر أنه ليس لازمًا لإنكار العدالة وإهدار متطلباتها أن يقع
العدوان على موجباتها من جهة القضاء ذاتها، ذلك أن السلطة التشريعية أو التنفيذية
قد تفرض من العوائق ما يحول دون بلوغ الترضية القضائية، سواء عن طريق حرمان الشخص
من إقامة دعواه، أو من نظرها في إطار من الموضوعية، ووفق الوسائل القانونية
السليمة، ومن ثم لا يعتبر إنكار العدالة قائمًا في محتواه على الخطأ في تطبيق
القانون، وإنما هو الإخفاق في تقديم الترضية القضائية الملائمة، وهو ما يتحقق بوجه
خاص إذا كانت الوسائل القضائية المتاحة لا توفر لمن استنفدها الحماية اللازمة لصون
حقوقه، أو كانت ملاحقته لخصمه للحصول على الترضية القضائية التي يأملها، لا طائل من
ورائها.
وحيث إن دستور 1971، قد أورد في شأن حق الدفاع نصوصًا تضافرت جميعها،
لتؤكد أن هذا الحق ضمانة أساسية تحول دون الإخلال بحقوق الفرد وحرياته. وهى بعد
تؤمن لكل مواطن حماية متكافئة أمام القانون وتفرزها الأبعاد القانونية لحق
التقاضي، الذي قرر الدستور في المادة (68) منه، انصرافه إلى الناس كافة، ملقيًا
على الدولة التزامًا أصيلاً بأن تكفل لكل متقاضٍ نفاذًا ميسرًا إلى محاكمها للحصول
على الترضية القضائية التي يقتضيهــا رد العدوان على الحقــــوق التي يدعيهــا أو
الإخلال بالحرية التي يمارسها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن تقرير المشرع الأثر الرجعي -
حتى وإن توافرت شروطه الشكلية - لا يجوز أن يكون مصادمًا للتوقع المشروع من جانب
أصحاب الحقوق، إذ يُعد عمل المشرع حالئذٍ نوعًا من المداهمة والمباغتة، مفتقرًا
لمبرراته، وفقًا لمفهوم العدالة الاجتماعية، وعدوانًا على الملكية الخاصة من خلال
انقطاع بعض عناصرها دون مسوغ.
متى كان ذلك، وكان العوار الدستوري الذي شاب نص الفقرة الثانية من
المادة (8) من القانون رقم 111 لسنة 1975 بعد استبدالها بالقانون رقم 112 لسنة
1976، عُمل به بأثر رجعي، بمقتضى عجز المادة الثانية من القانون الأخير، فإن هذا
النص يكون قد باغت المؤجر في إحياء علاقة إيجارية انتهت قانونًا، كما فرض على
محكمة الموضوع القضاء باستمرار العلاقة الإيجارية للجهة الحكومية التي يحلها وزير
المالية في حق الإجارة بديلاً عن المؤسسة العامة الملغاة، دون أن يكون للمحكمة
سلطة تقديرية في مراقبة الضوابط الموضوعية لهذا الحلول القانوني، والتي خلا منها
النص المطعون فيه، متسلطًا بهذا النص التشريعي على عمل من أعمال السلطة القضائية،
مخلاً في فرضه بحق التقاضي، وبحق المؤجر في إبداء دفاعه، مباغتًا له بقاعدة
قانونية آمرة تنال من الترضية القضائية في غايتها النهائية، ومن ثم يضحى هذا النص
مخالفًا أيضًا لأحكام المواد ( 64، 65، 68، 69، 165) من دستور سنة 1971.
وحيث إن قرار وزير المالية رقم 113 لسنة 1978 يرتبط ارتباطًا غير قابل
للانفصال عن المادتين المقضي بعدم دستوريتهما، فإن الحكم بسقوطه ترتيبًا على زوال
السند القانوني لإصداره يكون حتميًّا.
وحيث إن هذه المحكمة تقديرًا منها بأن إعمال الأثر الرجعي للقضاء بعدم
دستورية النصين الطعينين قد يُفضي إلى تحمل الجهات الحكومية بأعباء مالية جسيمة
مقابل شغلها أعيانًا انتهت مدد عقود إيجارها، فإن المحكمة تُعمِل الرخصة المخولة
لها بنص الفقرة الثالثة من المادة (49) من قانونها، وتحدد اليوم التالي لنشر هذا
الحكم تاريخًا لإنفاذ آثاره دون إخلال باستفادة المدعي منه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
أولاً : بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة (8) من القانون رقم
111 لسنة 1975 ببعض الأحكام الخاصة بشركات القطاع العام المستبدلة بالمادة الأولى
من القانون رقم 112 لسنة 1976، وعجز المادة الثانية من القانون الأخير، فيما
تضمنتاه من تخويل وزير المالية أن يحل إحدى الجهات الحكومية محل المؤسسات العامة
الملغاة في حق إيجار الأماكن التي تشغلها من تاريخ العمـل بالقانون رقم 111 لسنة
1975.
ثانيًا : بسقوط المادة الثالثة من قرار وزير المالية رقم 113 لسنة
1978.
ثالثًا : بتحديد اليوم التالي لنشر هذا الحكم تاريخًا لإنفاذ آثاره.
رابعًا: بإلزام الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب
المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق