باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السابع عشر مـن ديسمبر سنة 2022م،
الموافق الثالث والعشرين من جمادى الأولى سنة 1444 هـ.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد
الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن
سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري
رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ محمـد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 223 لسنة 24
قضائية دستورية
المقامة من
رئيس مجلس إدارة شركة أكور للفنادق
ضــــد
1- رئيس مجلس الـــــوزراء
2- مدير القوى العاملـــة
3- محمد عبد السلام محمد
----------------
" الإجـراءات "
بتاريخ السابع من يوليو سنة 2002، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه
الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستورية المادة (66)
من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، و فيها قررت المحكمة
إصدار الحكم بجلسة اليوم.
-----------------
" المحكمــــة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق -
في أن المدعى عليه الثالث كان قد أقام الدعوى رقم 98 لسنة 1999 مدني مستعجل أسوان،
ضد كل من الشركة المدعية ومدير عام فندق كتراكت ومدير مكتب العمل بأسوان، طالبًا
الحكم، بصفة مستعجلة : وقف قرار فصله، وإلزام الشركة المدعية وآخر، متضامنين، بأن
يؤديا له ما يُعادل أجره الشهري، بواقع 550 جنيهًا، من تاريخ فصله من العمل الحاصل
في 8/ 9/ 1999، حتى تاريخ الفصل في الدعوى الموضوعية. وذلك على سند من القول بأنه
كان يعمل بالشركة المدعية منذ 16/ 4/ 1984، وتدرج وظيفيًّا حتى وصل إلى درجة مدير
مطعم بفندق كتراكت بأسوان التابع للشركة، وعلى إثر خلاف شجر بينه وبين المدير
المالي والإداري للفندق، صدر قرار باعتباره في إجازة مفتوحة مدفوعة الأجر، ولمرضه،
أبلغ إدارة الفندق للموافقة على دخوله المستشفى، إلا أنها امتنعت عن إرسال تلك
الموافقة، ووافته بخطاب يفيد تمارضه، وبإنذار مؤرخ 22/ 8/ 1999، بأنه منقطع عن
العمل اعتبارًا من 16/ 8/ 1999. وبتاريخ 5/ 9/ 1999، قامت جهة عمله بعرض حالته على
اللجنة الثلاثية، فأصدرت الأخيرة قرارها، في غيبته، بتاريخ 8/ 9/ 1999، بالموافقة
على فصله من العمل، مما حدا به إلى إقامة دعواه بطلباته السالفة البيان. وبجلسة
20/ 9/ 2000، حكمت المحكمة في مادة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار الفصل الحاصل في 8/ 9/
1999، وألزمت الشركة بأن تُؤدي له ما يُعادل أجره الشهري من تاريخ فصله، وبإحالة
الدعوى إلى محكمة أسوان الابتدائية الدائرة العمالية، وقُيدت بجدولها العام برقم
523 لسنة 2000 مدني كلي أسوان. وكان المدعى عليه الثالث قد أقام دعوى موضوعية أخرى
بتاريخ 5/ 7/ 2000، قُيدت برقم 171 لسنة 2000 مدني كلي أسوان، مختصمًا كلاًّ من
رئيس مجلس إدارة الشركة الدولية لعربات النوم ورئيس مجلس إدارة شركة أكور للفنادق
(المدعية في الدعوى المعروضة) ومدير عام فندق كتراكت بأسوان، طالبًا الحكم
بإلزامهم متضامنين بأن يؤدوا له تعويضًا نهائيًّا قدره مائة ألف جنيه عن الأضرار
المادية والأدبية التي لحقته جراء فصله تعسفيًّا، ومُتجمد المستحق له من حصيلة
الخدمة الـ 12% اعتبارًا من 16/ 4/ 1984 حتى تاريخ رفع الدعوى، وكافة مستحقاته
المالية الأخرى. ضمت المحكمة الدعويين، وبجلسة 22/ 11/ 2001، قضت المحكمة بإلزام
الشركة المدعية بأن تؤدي للمدعى عليه الثالث مبلغ ثمانية عشر ألف جنيه، تعويضًا
عما أصابه من أضرار مادية وأدبية، ورفضت ما عدا ذلك من طلبات في الدعويين. لم يرتض
طرفا النزاع القضاء المتقدم، فطعنا عليه بالاستئنافين رقمي 494 لسنة 20 قضائية، و3
لسنة 21 قضائية، أمام محكمة استئناف قنا مأمورية أسوان، و بجلسة 12/ 3/ 2002، قررت
المحكمة ضم الاستئنافين للارتباطـ. وإذ دفعت الشركة المدعية بعدم دستورية نص
المادة (66) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981، وقدرت المحكمة
جدية هذا الدفع، صرحت لها باتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية، فأقامت الشركة
المدعية الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة (65) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة
1981، تنص على أنه لا يجوز لصاحب العمل فصل العامل قبل العرض على اللجنة الثلاثية
المشار إليها في المادة 62 وإلا اُعتبر قراره كأن لم يكن مع التزامه بأجر العامل.
وتنص المادة (66) من القانون ذاته على أنه للعامل الذي يفصل من العمل،
بغير مبرر أن يطلب وقف تنفيذ هذا الفصل ويقدم الطلب إلى الجهة الإدارية
المختصة....... وتتخذ هذه الجهة الإجراءات اللازمة لتسوية النزاع وديًّا، فإذا لم
تتم التسوية تعين عليها أن تحيل الطلب خلال مدة لا تجاوز أسبوعًا من تاريخ تقديمه
إلى قاضي الأمور المستعجلة بالمحكمة التي يقع بدائرتها محل العمل أو قاضي المحكمة
الجزئية المختص بشئون العمل بوصفه قاضيًا للأمور المستعجلة في المدن التي أنشئت أو
تنشأ بها هذه المحاكم........ .
وعلى قلم كتاب المحكمة أن يقوم في ظرف ثلاثة أيام من تاريخ إحالة
الطلب إلى المحكمة بتحديد جلسة لنظر طلب وقف التنفيذ ..... ويخطر بها العامل وصاحب
العمل والجهة الإدارية المختصة .....
وعلى القاضي أن يفصل في طلب وقف التنفيذ في مدة لا تجاوز أسبوعين من
تاريخ أول جلسة ويكون حكمه نهائيًّا، فإذا أمر بوقف التنفيذ ألزم صاحب العمل في
الوقت ذاته أن يؤدي إلى العامل مبلغًا يعادل أجره من تاريخ فصله وعلى القاضي أن
يحيل القضية إلى المحكمة المختصة ..... وعلى هذه المحكمة أن تفصل في الموضوع
بالتعويض إذا كان له محل ..... .
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن المصلحة الشخصية المباشرة -
وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة
القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية مؤثرًا في
الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، المطروحة على محكمة الموضوع. ومن ثم يتحدد مفهوم
هذا الشرط بأن يقيم المدعي الدليل على أن ضررًا واقعيًّا قد لحق به، وأن يكون هذا
الضرر عائدًا إلى النص المطعون فيه، فإذا كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود
إليه، أو كان من غير المخاطبين بهذا النص، دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية
المباشرة، إذ إن إبطال النص التشريعي في هذه الحالة لن يحقق للمدعي أية فائدة
عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان
عليه قبلها.
وحيث إن مناعي الشركة المدعية على نص المادة (66) من قانون العمل
الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981، المطعون على دستوريتها، تنصب على ما تضمنته
فقرتها الثالثة، من تحميل صاحب العمل بتعويض العامــــل المفصول، بحكم يصدر من
محكمة الموضوع، رغم التزام صاحب العمل بالقواعد والإجراءات المقررة بالمواد من
(61) إلى (64) من ذلك القانون، ومنها اللجوء إلى اللجنة الثلاثية، وصــــدور
قــــرار الفصــــل بناءً على توصية منها، ويكون المشرع بذلك قد ساوى بين من التزم
الإجراءات القانونية السالف ذكرها، ومن تنكب طريقها، بالمخالفة لنصوص المواد (40،
63، 68) من دستور 1971.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة، أنه يتعين تفسير النصوص
التشريعية التي تنتظم مسألة معينة، بافتراض العمل بها في مجموعها، وأنها لا تتعارض
أو تتهادم فيما بينها، وإنما تتكامل في إطار الوحدة العضوية التي تنتظمها من خلال
التوفيق بين مجموع أحكامها، باعتبار أنها متآلفة فيما بينها، لا تتماحى معانيها،
وإنما تتضافر توجهاتها، تحقيقًا للأغراض النهائية والمقاصد الكلية التي تجمعها،
ذلك أن السياسة التشريعية لا يحققها إلا التطبيق المتكامل لتفاصيل أحكامها، دون
اجتزاء جزءٍ منها ليطبق دون الجزء الآخر، لما في ذلك من إهدار للغاية التي توخاها
المشرع من ذلك التنظيم.
وحيث إن الخطأ في تأويل أو تطبيق النصوص القانونية لا يوقعها في حمأة
المخالفة الدستورية إذا كانت صحيحة في ذاتها، ذلك أن الفصل في دستورية النصوص
القانونية المدعى مخالفتها للدستور، لا يتصل بكيفية تطبيقها عملاً، ولا بالصورة
التي فهمها القائمون على تنفيذها، وإنما مرد الأمر في شأن اتفاقها مع الدستور أو
خروجها عليه إلى الضوابط التي فرضها الدستور على الأعمال التشريعية جميعها.
وحيث إن البين من استقراء أحكام قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137
لسنة 1981 - قبل إلغائه بالقانون رقم 12 لسنة 2003 - أن المشرع قد ضمَّنه أحكامًا
آمرة متعلقة بالنظام العام لتنظيم علاقات العمل وروابطه، وإرساء الالتزامات المتبادلة
بين العامل وصاحب العمل، مستهدفًا تحقيق التوازن في علاقات العمل بين طرفي العملية
الإنتاجية، بما لا يهدر مصلحة لحساب المصلحة الأخرى، مراعيًا من خلال هذا التنظيم
الحفاظ على الحقوق الاجتماعية والمالية للعمال، والاستقرار الإداري والاقتصادي
للمنشأة. وفى هذا الإطار حدد المشرع - في الفصل الخامس من الباب الثالث من ذلك
القانون، المعنون واجبات العاملين وتأديبهم - واجبات والتزامات كل من العامل وصاحب
العمل، في مجال التأديب، وبسط الضوابط الحاكمة لتوقيع العقوبة التأديبية على
العامل، فحظر فصل العامل إلا إذا ارتكب خطأً جسيمًا، وأورد في المادة (69) من
القانون ذاته، بعضًا من صور وحــالات الخطأ الجسيــــم التـــي تُجيز فصل
العامــــل، وذلــك فــي معـــرض التمثيـــل لا الحصر. وفى المقابل، أوجب على صاحب
العمل- بالمادة (62) من القانون المشار اليه - إذا نُسب إلى العامل ارتكاب خطأ
تأديبي يستوجب معاقبته بالفصل، وقبل إصداره قرار الفصل، أن يتقدم بطلب إلى اللجنة
الثلاثية المشكلة بموجب تلك المادة، فإن لم يقم بهذا الإجراء، رتب المشرع - في
المادة (65) من القانون ذاته - جزاءً يتمثل في اعتبار قرار صاحب العمل الصادر
بالفصل، كأن لم يكن، فضلًا عن إلزامه بأجر العامل.
وحيث إن المشرع - بمقتضى المادة (66) من قانون العمل المشار إليه،
المطعون على دستورية فقرتها الثالثة - قد وضع تنظيمًا متكاملاً للمركز القانوني
للعامل الذى يُفصل من العمل بغير مبرر، وذلك من خلال عدة مراحل، تبدأ بمحاولة
التسوية الودية عن طريق الجهة الإدارية المختصة، فإذا لم تتم التسوية، أحالت الطلب
إلى القضاء المستعجل الذى يفصل في طلب وقف تنفيذ قرار الفصل، فإن أمر به، ألزم
صاحب العمل بأن يؤدي للعامل مبلغًا يعادل أجره من تاريخ فصله، ويُحيل القضية بعد
ذلك إلى المحكمة المختصة للفصل في موضوع التعويض إن كان له محل. بما مؤداه أن حق
العامل المفصول، بغير مبرر، يقتصر على طلب التعويض فقط جبرًا للأضرار المادية
والأدبية التي تلحق به جراء صدور قرار الفصل، استنادًا إلى القواعد العامة
للمسئولية المدنية الناشئة عن التعسف في استعمال حق إنهاء العقد، ومصدرها
المسئولية العقدية، بحسبانها وليدة إخلال صاحب العمل بالتزام ناشئ عن العقد ذاته.
متى كان ما تقدم، وكان الضرر المدعى به في الدعوى المعروضة، ليس مرده
إلى نص الفقرة الثالثة من المادة (66) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137
لسنة 1981، وإنما مرده إلى تفسير خاطـئ لأحكامه، مبناه أن لجوء صاحب العمل إلى
اللجنة الثلاثية المشار إليها في المادة (62) من القانون ذاته، للنظر في طلب فصل
العامل، وصدور توصية منها بذلك، يحول دون القضاء بالتعويض، ولو تراءى لمحكمة
الموضوع أن الفصل غير مبرر، حال أن اللجوء إلى اللجنة الثلاثية يُعد إجراءً ملزمًا
لصاحب العمل، يترتب على الإخلال به اعتبار قرار الفصل كأن لم يكن، عملاً بنص
المادة (65) من ذلك القانون، كما أن سلطة اللجنة المشار إليها لا تجاوز إصدار
توصية غير ملزمة لمحكمة الموضوع، التي تستقل دون غيرها - وفق المفهوم الصحيح للنص
المطعون فيه - بالقضاء في دعاوى التعويض عن الضرر المادي والأدبي، مبدأً ومقدارًا،
متي كان فصل العامل تعسفيًّا، ومن ثم فإن الفصـــل في دستورية النص المطعــون فيه
لا يرتب انعكاسًا على الطلبات في الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها،
وتغدو المصلحة في الطعن عليه منتفية، مما لازمه القضاء بعدم قبول الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت الشركة
المدعية المصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق