جلسة 13 من نوفمبر سنة 1963
برياسة السيد/ محمد فؤاد
جابر نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: أحمد زكى محمد، وأحمد أحمد
الشامي، وعبد المجيد يوسف الغايش، وإبراهيم محمد عمر هندي.
-------------
(148)
الطعن رقم 9 لسنة 31
"أحوال شخصية"
(أ) أحوال شخصية.
"المسائل الخاصة بالمصريين". "طلاق".
الطلاق على مال لا يتم
إلا بإيجاب وقبول. إقرار الزوجة بإبراء زوجها من مؤخر صداقها ونفقتها وجميع حقوقها
الزوجية مقابل حصولها على الطلاق. خلو عبارة الإقرار مما يفيد إيقاع يمين الطلاق
مقابل هذا العوض. مجرد إيجاب من الزوجة لم يصادفه قبول من الزوج.
(ب) أحوال شخصية.
"المسائل الخاصة بالمصريين". "طلاق". "إرث".
"موانع الإرث".
الطلاق البائن بينونة
صغرى يستوي مع الطلاق البائن بينونة كبرى في المنع من الميراث شرعاً.
----------------
1 - الطلاق على مال هو
يمين من جانب الزوج ومعارضة من جانب الزوجة لا يتم إلا بإيجاب وقبول من الجانبين،
وإذ كانت عبارة الإقرار الصادر من الزوجة إنما تتضمن إبرائها لزوجها من مؤخر
صداقها ونفقتها وجميع الحقوق الزوجية المترتبة لها بموجب عقد الزواج مقابل حصولها
على الطلاق، وقد خلت مما يفيد إيقاع الزوج يمين الطلاق على زوجته مقابل هذا العوض،
فإن هذه العبارة بمجردها لا تعدو أن تكون مجرد إيجاب من الزوجة بعرض العوض على
الزوج مقابل حصولها على الطلاق لم يصادفه قبول منه بإيقاع الطلاق فعلاً، ومن ثم
فلا يتحقق فيها وصف الطلاق على مال وشروطه وبالتالي لا يترتب عليها أثره المقرر
شرعاً.
2 - الطلاق البائن بينونة
صغري يستوي مع الطلاق البائن بينونة كبرى في المنع من الميراث شرعاً.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق
وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما
يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليها الأولى
السيدة ليلى فريد شكري رفعت على والد الطاعنات السيد/ إبراهيم أبو سيف راضي الدعوى
رقم 486 سنة 1954 كلي القاهرة الابتدائية الشرعية طالبة الحكم لها بثبوت وفاة ابنه
محمد بتاريخ 24/ 7/ 1954 واستحقاقها لربع تركته لانحصار إرثه فيها وفي والده
المدعى عليه وقالت في بيان دعواها إنها تزوجت المتوفى بمقتضى وثيقة زواج رسمية
بتاريخ 4/ 3/ 1954 على يد مأذون الزيتون وأنه طلقها في غيبتها وبدون علمها طلاقاً
مكملاً للثلاث بتاريخ 26/ 5/ 1954 في مرض موته بالسرطان بقصد الفرار من إرثها.
ودفع المدعى عليه الدعوى بأن المطعون عليها مطلقة من المتوفى بعد الدخول ثلاث مرات
متفرقات أولاها بمدينة لندن بناء على طلبها ورضاها بمقتضى ورقة عرفية وقعت عليها
بتاريخ 13/ 4/ 1954 وهو طلاق على مال يقطع سبب الإرث شرعاً وإن بقيت في عدته وطلب
رفض الدعوى. وأنكرت المطعون عليها هذا الطلاق قائلة إنها بقيت في عصمة زوجها إلى
أن طلقها في غيبتها بالإشهاد المؤرخ 26/ 5/ 1954 وطلبت عدم سماع هذا الدفع وبتاريخ
27/ 6/ 1955 حكمت المحكمة حضورياً بقبول الدفع ورفض الدعوى فاستأنفت المطعون عليها
هذا الحكم أمام المحكمة العليا الشرعية طالبة إلغاءه والحكم لها بطلباتها ولمناسبة
إلغاء المحاكم الشرعية أحيل هذا الاستئناف إلى محكمة استئناف القاهرة وقيد برقم 9
سنة 73 ق وبتاريخ 14/ 3/ 1956 حكمت المحكمة حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وتأييد
الحكم الابتدائي فيما قضى به من رفض الدفع بعدم جواز سماع دعوى الطلاق على الإبراء
وحددت لسماع الدعوى جلسة 11/ 4/ 1956 وبتاريخ 30/ 5/ 1956 عادت المحكمة فحكمت
بتأييد الحكم المستأنف فطعنت السيدة ليلى فريد شكري في هذا الحكم بطريق النقض وقيد
ذلك الطعن برقم 32 سنة 1956 وبجلسة 19/ 6/ 1958 قضت محكمة النقض بعدم قبول الطعن
بالنسبة للحكم الصادر في 14/ 3/ 1956 وبقبوله بالنسبة للحكم الصادر في 30/ 5/ 1956
وبنقض الحكم المذكور وقد توفى والد الطاعنات فحللن محله وأعلن المطعون عليها
بالسير في الاستئناف بعد إحالته من محكمة النقض وبتاريخ 31/ 12/ 1960 حكمت محكمة
الاستئناف برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لسبق الفصل فيها وبقبولها وإلغاء الحكم
المستأنف ورفض الدفع بعدم قبول الدعوى المؤسس على أن المستأنفة مطلقة من المتوفى
طلقة بائنة برضاها وقبولها وحكمت بثبوت وفاة المرحوم محمد إبراهيم أبو سيف راضي
وأن المطعون عليها من ورثته وتستحق ستة قراريط من 24 قيراطاً تنقسم إليها تركته
فطعنت الطاعنات في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب المبينة بتقريري الطعن وعرض
الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت إحالته على هذه الدائرة وعند نظره صممت الطاعنات
على طلب نقض الحكم. وطلبت المطعون عليها الأولى رفض الطعن ولم يحضر المطعون عليه
الثاني وقدمت النيابة العامة مذكرة ثانية أحالت فيها على مذكرتها الأولى وطلبت نقض
الحكم المطعون فيه.
وحيث إن الطعن أقيم على
خمسة أسباب يتحصل السبب الأول منها في أن الحكم المطعون فيه مسخ الورقة العرفية المؤرخة
13/ 4/ 1954 وأنحرف بها عن دلالتها الظاهرة بحجة أن "دلالتها محتملة لأمرين
أحدهما أن الطلاق وقع أولاً ثم وقع الإبراء بعده فيكون طلاقاً رجعياً ولا يلزمها
ما أبرأت منه وثانيهما أن الإبراء صدر أولاً وتلاه الطلاق فيكون بائناً والدليل
متى تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال" وهذا الذي ذهب إليه الحكم تعسف
ومسخ لصيغة الإقرار إذ أن اعتراف المطعون عليها بالإبراء نظير حصولها على الطلاق
قاطع في أن الإبراء سابق على الطلاق إذ أن عوض الطلاق لا يكون إلا سابقاً له في
عرف المختصين وعرف الناس جميعاً غير أنه متى تم يختلف أسلوب التعبير فالمطلق يقول
طلقت نظير الإبراء - والمطلقة تقول أبرأت نظير الطلاق وهذا ما يتفق مع عبارة
الإقرار - ثم هو من جهة ثانية مخالف لأقوال الفقهاء من وجوب حمل الكلام على ما
يظهر أنه المقصود به ودلالة الورقة العرفية من قبيل الظاهر لا من قبيل المجمل فلا يرد
عليها قاعدة أن الدليل متى تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال هذا وما أورده
الحكم في سباق أسبابه من "أن المتوفى كان بين عاملين عامل المحافظة على عرضه
وعامل الإبقاء على زوجته كي ترعاه وتمرضه فلما حصل على هذه الورقة أبقاها
ليستخدمها عند اللزوم بدون حاجة إلى طلاقها والخطاب المرسل منها له لا يدل على
الطلاق" فيه اضطراب وتناقض إذ أن الخطاب لم يقدم كدليل على الطلاق وإنما قدم
كدليل على الباعث عليه وقد ذهب الحكم أولاً إلى وجود طلاق رجح أنه رجعى وذهب
ثانياً إلى عدم وجود طلاق ويتحصل "السبب الثاني" في أن الحكم المطعون
فيه قرر أن (إكراهاً وقع من الزوج المتوفى على زوجته المطعون عليها بتهديدها
بالطلاق وإعادتها إلى مصر الأمر الذي يجرح شعورها ويمس كرامتها ويعرضها للقيل
والقال) في حين أن هذا الإكراه الذي ذهب إليه الحكم لم يقم عليه دليل فضلاً عن أن
الطلاق يملكه الزوج وقد قرر فقهاء الحنيفة أن تهديد الزوج لزوجته بالطلاق أو
بالتزويج بغيرها لا يعتبر إكراها لأن الطلاق والزواج بأخرى حق للزوج شرعاً ويتحصل
"السببان الثالث والخامس" في أن الحكم المطعون فيه ذهب إلى أن (إبراء
المطعون عليها باطل لأنه صدر منها وهى لم تبلغ سن الرشد لأنها مولودة في 3/ 6/
1933 وورقة الإبراء محرره في 13/ 4/ 1954 فتكون غير أهل للتبرع ويكون طلاقها على
فرض صحة هذا الإقرار رجعياً تطبيقاً لقوانين الولاية على المال التي يقتضي اتساق
القوانين وعدم تضارب الأخذ بها وقد جرى عمال المحاكم على أن من لم تبلغ سن الرشد
لا تسمع منها دعوى النفقة والميراث) وهذا الذي ذهب إليه الحكم مخالف لمذهب الحنيفة
الواجب التطبيق إعمالاً لنص المادة 280 من اللائحة الشرعية ومخالف أيضاً لقوانين
الولاية على المال لأن والد المطعون عليها وهو وليها قد باشر عقد زواجها بوكالته
عنها في قبض عاجل صداقها وهذا قاطع في أنه كولي لها قد أذنها في هذا التصرف وهى
بهذا الإذن تكون كاملة الأهلية في جميع حقوق الزوجية وإن لم تبلغ رشدها طبقاً
للمادة 64 من القانون رقم 119 سنة 1952 وما ورد بمذكرته التفسيرية والحكم المطعون
فيه إذ لم يرد على دفاع الطاعنات في هذا الخصوص فإنه يكون قاصر البيان فضلاً عن
مخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله.
وحيث إن هذا النعي مردود
في جملته ذلك أن الطلاق على مال هو يمين من جانب الزوج ومعارضة من جانب الزوجة وهو
لا يتم إلا بإيجاب وقبول من الجانبين وإذ كان ذلك، وكانت عبارة الورقة العرفية
المؤرخة 13/ 4/ 1954 هي "أقرر أنا الموقعة أدناه ليلى شكري إبرائي ذمة زوجي
محمد أبو سيف راضي من مؤخر صداقي ونفقتي وجميع الحقوق الزوجية المترتبة لي بموجب
عقد الزواج وهذا مقابل حصولي على الطلاق" وقد خلت مما يفيد إيقاع الزوج يمين
الطلاق على زوجته مقابل هذا العوض فإن هذه العبارة بمجردها لا تعدو أن تكون مجرد
إيجاب من الزوجة بعرض العوض على الزوج مقابل حصولها على الطلاق لم يصادفه قبول من
الزوج بإيقاع الطلاق فعلاً ومن ثم لا يتحقق فيها وصف الطلاق على مال وشروطه
وبالتالي لا يترتب عليها أثره المقرر شرعاً يؤيد ذلك ما ورد في الخطاب الموجه من
المطعون عليها لزوجها المتوفى من عبارات تناشده فيها التريث حتى لا يأتي فعلاً قد
يندم عليه في المستقبل ويؤيده كذلك أنه طلقها بالإشهاد الصادر في 26/ 5/ 1954 في
حين أنه لو أن طلاقاً بائناً تم فعلاً بالورقة العرفية لأغناه ذلك عن إيقاع الطلاق
الثابت بالإشهاد إذ أن الطلاق البائن بينونة صغرى يستوي مع الطلاق البائن بينونة
كبرى في المنع من الميراث شرعاً - إذ كان ذلك، فإن النعي على الحكم في خصوص ما عول
عليه في قضائه من وقوع إكراه على المطعون عليها حلمها على تحرير ورقة الإقرار
المشار إليها ومن بطلان تبرعها بالعوض مقابل حصولها على الطلاق لعدم بلوغها سن
الرشد يكون غير منتج ولا جدوى فيه ومن ثم فإن الحكم - فيما انتهى إليه - لا مسخ
ولا تناقض ولا مخالفة فيه للقانون مما يتعين معه رفض هذه الأسباب.
وحيث إن السبب الرابع
أقيم على وجهين يتحصل أولها في بطلان الحكم المطعون فيه لإخلاله بدفاع الطاعنات
إخلالاً جوهرياً ذلك أنهن دفعن الدعوى بالطلاق نظير الإبراء وقدمن الورقة العرفية
المؤرخة 13/ 4/ 1954 لإثبات هذا الدفع وقد اعتدت به المحكمة الابتدائية كما اعتدت
به محكمة الاستئناف من قبل بحكمها المنقوض فكان على المحكمة الاستئناف التي أصدرت
الحكم المطعون فيه وقد اتجهت إلى غير ذلك أن تنبه الطاعنات بالأسلوب القضائي إلى
عجزهن عن الإثبات حتى يتمكن من إثبات دفعهن بالبينة الشرعية وإذ هي لم تفعل تكون
قد أخلت بدفاعهن إخلالاً جوهرياً. ويتحصل ثانيهما في أن الحكم المطعون فيه قد جارى
المطعون عليها فيما ذهبت إليه من أنها طلقت في مرض الموت دون أن تكلفها المحكمة
إثبات الشروط التي يجب توافرها في مرض الموت ويكون بذلك قد شابه قصور يستوجب نقض
الحكم.
وحيث إن هذا النعي مردود
في الشق الأول منه بأن الطاعنات لم يقدمن ما يدل على أن المحكمة أغفلت تقرير عجز الطاعنات
عن الإثبات بفرض لزومه ومردود في الشق الثاني بأن الحكم عول في قضائه على أن
"المتوفى قد طلق المستأنفة طلاقاً بائناً في 26/ 5/ 1954 وهى لا تزال في عدته
حتى وفاته في 24/ 7/ 1954 وقد كان حين الطلاق المذكور مريضاً بالسرطان في الرئة
اليسرى كما هو ثابت من المستندات وهو مرض خبيث يغلب فيه الهلاك. وقد ثبت من
المستندات أنه مرض لم يمهل المتوفى منذ أصيب به في مارس سنة 1954 حتى قضى نحبه سوى
أربعة أشهر فهو مرض موت لازمه حتى مات به في 24/ 7/ 1954 وهى في عدته فيكون فاراً
بطلاقها المذكور وتستحق الميراث في تركته" ويبين من هذا الذي أورده الحكم أنه
عرض للشروط التي يتطلبها الفقهاء لتحقيق مرض الموت وطلاق الفار مستدلاً على ذلك
بالمستندات والقرائن التي اقتنع بها مما يبرئه من عيب القصور - ولما تقدم جمعيه
يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق