جلسة 2 من يناير سنة 1963
برياسة السيد/ محمد فؤاد
جابر نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد زعفراني سالم، وأحمد زكى
محمد، وقطب عبد الحميد فراج، وحافظ محمد بدوي.
-----------------
( 1 )
الطعن رقم 23 لسنة 30
"أحوال شخصية"
(أ) حكم. "عيوب
التدليل". "تناقض". "ما لا يعد كذلك".
التناقض الذي يعيب الحكم
هو الذي تتماحى به أسبابه بحيث لا يبقى بعدها ما يمكن حمله عليه. اشتمال أسباب
الحكم على ما يكفى لحمله ويبرر وجه قضائه. لا محل للنعي عليه بالتناقض
(ب) أحوال شخصية. نسب.
"حمل".
الحمل مما يخفى على
المرأة ويغتفر التناقض فيه.
(ج) محكمة الموضوع.
"سلطتها في تقدير الدليل". "رقابة محكمة النقض".
الجدل في فحوى الدليل
وتقدير كفايته أو عدم كفايته في الإقناع. من شأن محكمة الموضوع. لا دخل لمحكمة النقض
فيه.
(د) محكمة الموضوع.
"سلطتها في تقدير الدليل". "رقابة محكمة النقض". إقرار. حكم.
"ما لا يعيب الحكم في نطاق التدليل".
استخلاص دلالة الإقرار
والظروف الملابسة له يستقل به قاضى الموضوع. لا رقابة من محكمة النقض.
(هـ) محكمة الموضوع.
"سلطتها في تقدير الدليل".
لقاضي الموضوع السلطة
التامة في بحث الدلائل والمستندات المقدمة له تقديماً صحيحاً. وموازنة بعضها
بالبعض الآخر، وترجيح ما تطمئن نفسه إلى ترجيحه منها. واستخلاص ما يرى أنه هو واقع
الدعوى.
(و) حكم.
"تسبيبه". بيانات التسبيب "ما لا يعيب الحكم في نطاق التسبيب".
إغفال الحكم ذكر نصوص
المستندات التي اعتمد عليها لا يعيبه. تكفى مجرد الإشارة إليها. طالما أنها مقدمة
إلى المحكمة ومبينة في مذكرات الخصوم.
(ز) محكمة الموضوع.
"عدم التزامها بالرد على كل ما يثيره الخصوم".
عدم التزام قاضى الموضوع
بتعقب حجج الخصوم وأوجه دفاعهم والرد على كل منها استقلالاً. حسبه أن يبين الحقيقة
التي اقتنع بها وأن يذكر دليلها.
--------------
1 - التناقض المعتبر
والذي يعيب الحكم هو التناقض الذي تتماحى به أسبابه بحيث لا يبقى بعدها ما يمكن
حمل الحكم عليه.
2 - إن الحمل مما يخفى
على المرأة ويغتفر التناقض فيه.
3 - الجدل حول وجوب معرفة
أقوال المورث التي وردت في محضر الشرطة على وجه الدقة وما إذا كان له توقيع عليها
وتثبيت رجل الشرطة من شخصيته أم لا - هو جدل موضوعي في فحوى الدليل وتقدير كفايته
أو عدم كفايته في الإقناع وهو من شأن محكمة الموضوع ولا دخل لمحكمة النقض فيه.
4 - الاستخلاص السائغ
لدلالة الإقرار والظروف الملابسة له يستقل به قاضي الدعوى بلا رقابة من محكمة
النقض.
5 - لقاضي الموضوع السلطة
التامة في بحث الدلائل والمستندات المقدمة له تقديماً صحيحاً، وفي موازنة بعضها
بالبعض الآخر، وترجيح ما تطمئن نفسه إلى ترجيحه منها. وفي استخلاص ما يرى أنه هو
واقع الدعوى.
6 - لا يعيب الحكم أنه لم
يذكر نصوص المستندات التي اعتمد عليها ما دامت هذه المستندات كانت مقدمة إلى
المحكمة ومبينة في مذكرات الخصوم مما يكفى معه مجرد الإشارة إليها.
7 - حسب قاضى الموضوع -
وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - أن يبين الحقيقة التي اقتنع بها وأن يذكر
دليلها وما عليه أن يتبع حجج الخصوم وأوجه دفاعهم ويرد استقلالاً على كل قول أو
حجة أو طلب أثاروه في مرافعتهم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق
وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى
أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما
يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن السيدة إحسان أحمد
شاهين المطعون عليها الأولى عن نفسها وبصفتها وصية خصومة على بنتيها مديحة وإلهام
صالح نسيم أقامت الدعوى رقم 949 سنة 1957 القاهرة الابتدائية (أحوال شخصية) ضد
الطاعنين وآخر بطلب الحكم بوفاة زوجها صالح نسيم وانحصار إرثه فيها وفي بنتيها منه
مديحة وإلهام وأمر المدعى عليهم بعدم التعرض لها في تركته مع إلزامهم بالمصاريف
ومقابل أتعاب المحاماة وشمول الحكم بالنفاذ المعجل بلا كفالة وقالت شرحاً لدعواها
إنها تزوجت المرحوم صالح نسيم بعقد صحيح شرعي تاريخه 22/ 7/ 1942 بعد أن اعتنق
الدين الإسلامي وترك دينه المسيحي وأنه دخل بها وعاشرها معاشرة الأزواج ورزقت منه
على فراش الزوجية بالبنت "مديحة" في 19/ 8/ 1943 وبحمل مستكن انفصل بعد
الوفاة بنتاً سميت "إلهام" وقد ظل على هذه الزوجية وعلى دينه الإسلامي
إلى أن توفي في 20/ 8/ 1952 عن زوجته وبنتيه ولم يترك ورثة سواهن ولا من يستحق
وصية واجبة، وإذ نازعها أخوته المدعى عليهم الأربعة الأول في وراثتها للمتوفى هى
وبنتيها كما نازعوهن في تركته بغير حق ولا وجه شرعي فقد انتهت إلى طلب الحكم لها
بطلباتها - ودفع المطعون عليهم بعدم سماع الدعوى لعدم وجود وثيقة رسمية تثبت زوجية
المدعية بالمرحوم صالح نسيم ولتناقضها مع إقرارات سابقة صدرت من المدعية ومن بنتها
"مديحة" وطلبوا رفضها موضوعاً لعدم صحتها، وقالوا شرحاً لهذا الدفاع إن
الزوجية لا تثبت إلا بوثيقة رسمية طبقاً للمادة 99 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية
وأنه سبق للمدعية وبنتها "مديحة" أن أقرتا بما يناقض دعواهما ويمنع من
قبولها وذلك بأن اعترفتا في محضر معاون المحكمة الحسبية بأنهما مسيحيتان وأن
المتوفى عاش ومات مسيحياً وإقرارهما هذا حجة بحيث إذا ادعت بعده أنه مسلم كان ذلك
تناقضاً مانعاً من سماع الدعوى، وأضافوا أن المتوفى عاش ومات قبطياً وأنه لا دليل
في الأوراق على إسلامه سوى ما نسب إليه من أنه أقر بذلك مع أنه يشترط لإجراء أحكام
الإسلام عليه أن ينطق بالشهادتين وأن يتبرأ من كل دين يخالفه وأن عشرته للمدعية لا
ينعقد بها زواج ولا يثبت معها نسب لأنها مسلمة وهو مسيحي. وبتاريخ 21/ 10/ 1959
حكمت المحكمة حضورياً (أولاً) برفض الدفع بعدم سماع الدعوى للتناقض (ثانياً) بعدم
سماع الدعوى بالنسبة للمدعية السيدة إحسان أحمد شاهين شخصياً (ثالثاً) بوفاة
المرحوم صالح وهبة نسيم في 20 أغسطس سنة 1957 وانحصار إرثه في بنتيه مديحة وإلهام
واستحقاقهما لجميع تركته بصفتهما بنتيه وبعدم تعرض المدعى عليهم لهما في ذلك وألزمت
المدعى عليهم عدا الأخير بالمصروفات ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة ورفضت
ماعدا ذلك من الطلبات. واستأنف الطاعنون هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة
طالبين إلغاءه والحكم برفض الدعوى وقيد هذا الاستئناف برقم 167 سنة 76 قضائية
(أحوال شخصية) وكذلك استأنفته السيدة إحسان طالبة إلغاءه فيما قضى به من عدم سماع
الدعوى بالنسبة لها والحكم لها بطلباتها وقيد هذا الاستئناف برقم 176 سنة 76
قضائية، وتقرير ضم الاستئنافين، وبتاريخ 9/ 4/ 1960 حكمت المحكمة حضورياً بقبول
الاستئنافين شكلاً وفي موضوع الاستئناف رقم 176 سنة 76 المرفوع من الست إحسان
برفضه مع إلزامها مصروفاته وفي موضوع الاستئناف رقم 167 لسنة 76 المرفوع من السيد
أمين وهبة نسيم ومن معه بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من استحقاق البنتين
المذكورتين لمقدار 21 قيراطاً من التركة وإلغاء الحكم فيما زاد عن ذلك مع إلزام
المستأنف عليها بصفتها وصية بالمصاريف المناسبة لما ألغى الحكم فيه وذلك كله مع
المقاصة في أتعاب المحاماة عن الاستئنافين وقد طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق
النقض للأسباب الواردة في التقرير وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون وقررت إحالته
إلى هذه الدائرة حيث أصر الطاعنون على طلب نقض الحكم وطلبت المطعون عليها الأولى
عن نفسها وبصفتها رفض الطعن ولم يحضر المطعون عليه الثاني ولم يقدم دفاعاً وقدمت
النيابة العامة مذكرة أحالت فيها إلى مذكرتها الأولى وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن حاصل السبب الأول
أن الطاعنين جروا في دفاعهم أمام محكمة الاستئناف على أن المرحوم صالح وهبة نسيم
عاش ومات قبطياً وقد أقرت المطعون عليها - وبنتها مديحة - بديانته هذه في محضر
معاون المحكمة الحسبية في اليوم التالي لوفاته وأيدت هذا الإقرار بالأوراق التي
قدمتها بديانته هذه في طلب انضمامها إلى الكنيسة قبل وفاته بسنة ومن ثم فلا توارث
بينه وبين المطعون عليها وبنتيها لأنهن جميعاً مسلمات، ومع أن هذا الدفاع من
الطاعنين دفاع جوهري فقد أعرض الحكم عن مواجهته وشوهه بأن ذهب إلى أنهم يدعون أن
المطعون عليها مسيحية وراح ينفى عنها هذه التهمة كما راح يتحدث عن ردتها وهو مسخ
لهذا الدفاع وفساد في الرد عليه.
وحيث إن هذا السبب في غير
محله ذلك أنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يبين أنه مهد لقضائه بقوله إنه
"يتعين للفصل في موضوع الاستئنافين بحث ما إذ كانت المدعية مسلمة أو مسيحية
وهل المتوفى مات مسلماً أو مسيحياً" ثم عرض الحكم لإسلام المتوفى بقوله إن
"الزوجية ثابتة من إقرار المتوفى بإسلامه وزواجه من المدعية وذلك في محضر
قضية الجنحة المشار إليها بالوقائع" وأن "الزوج مقر بالزوجية والإسلام
وبنوة البنت مديحة في الأوراق الرسمية والعرفية" وأن "المتوفى لم يكن مرتداً
بل كان مسيحياً أقر بإسلامه" وهو بذلك يكون قد واجه دفاع الطاعنين في هذا
الخصوص ولم يغفل الرد عليه.
وحيث إن الحاصل السبب
الثاني أن الحكم المطعون فيه حين تحدث عن بطاقة تحقيق الشخصية وجواز سفر المرحوم
صالح نسيم الثابت بهما أنه مسيحي قال إن "ذكر المتوفى في البطاقة الشخصية
وجواز سفره وأوراقه التجارية أنه أعزب ومسيحي لا يدل على عدم إسلامه أو عدم تزوجه
لأن المسيحي وكثيراً من الناس يخفى زواجه خوفاً من أقاربه وخاصة ورثته كما يخفى
دينه الذي ارتضاه لأسباب جمة... فيكون ذكر المتوفى في الأوراق أنه مسيحي وأعزب لا
يصور الحقيقة والواقع" واستدلال الحكم هنا يتناقض مع استدلاله في شأن طلب
المطعون عليها الانضمام إلى طائفة الأقباط وقوله إن هذا الطلب "لا يعدو أن
يكون مجرد أمنية أو رغبة أو عزم بتبديل دينها لم يعقبه تنفيذ لا من المدعية ولا من
الكنيسة" إذ أن هذا الطلب معناه إعلان علاقتها بصالح نسيم إلى السلطة الدينية
العليا وهو يكذب وينفى رغبته في ستر هذه العلاقة هى وما يتبعها من إسلام مزعوم.
وحيث إن هذا السبب مردود
بأن الحكم المطعون فيه لم يعول على طلب المطعون عليها الانضمام إلى الكنيسة وما
قرره في شأن بطاقة تحقيق الشخصية وجواز السفر لا يتعارض مع ما قرره في شأن طلب
الانضمام يضاف إلى ذلك أن التناقض المعتبر والذي يعيب الحكم هو التناقض الذي
تتماحى به أسبابه بحيث لا يبقى بعدها ما يمكن حمل الحكم عليه وفي أسباب الحكم
الأخرى ما يكفى لحمله ويبرر وجه قضائه.
وحيث إن حاصل السبب
الثالث أن المطعون عليها قررت في محضر معاون المحكمة الحسبية المحرر في 21/ 8/
1957 وهو اليوم التالي للوفاة أنها حامل في ثلاثة أشهر تقريباً وفي 27/ 6/ 1958
ولدت بنتاً زعمت أنها هي ذلك الحمل المستكن، وجرى دفاع الطاعنين على أن هذه البنت
إنما حملت بها المطعون عليها بعد وفاة المورث إذ لو صح أنها أخطأت أو غالت في
تقدير مدة الحمل التي ذكرتها في المحضر فإن هذه المغالاة لا تزيد على شهر وبذلك
تكون ولادة البنت قد تمت بعد سنة وسبعة أيام من بدء الحمل ولو صح ما قرره الطبيب
الذي كان يباشرها أثناء الحمل من أن مدة حملها عشرة أشهر لا تزيد فإنها تكون قد
حملت بها بعد سبعة أيام من تاريخ الوفاة بالتقويم الميلادي وبعد عشرين يوماً
بالتقويم الهجري ولو أخذنا بالمعتاد من أشهر الحمل وهى تسعة أشهر فإن حملها يكون
قد بدأ بعد أكثر من شهر، كما جرى دفاعهم على أن المطعون عليها كانت مشغولة بعلاقة
مع آخر في الوقت الذي تدعى فيه قيام زوجية بينها وبين صالح نسيم، ورداً لحكم
المطعون فيه بأنه مما يدل على إسلام المورث وزواجه بالمطعون عليها "انفصال
الحمل المستكن بنتاً ولو كانت المدعية كاذبة في ولادتها لهذه البنت كما يدعى
المستأنفون لأتت بولد ذكر بدلاً من الأنثى... والولد يحجب الأخوة مع التسليم بأن
الزوج مسيحي والولد كذلك" وهو مسخ لدفاع الطاعنين وخطأ في الرد عليه إذ أن
دفاعهم لم يكن قائماً على أنها انتحلت بنتاً لم تلدها والقول بأن المورث كان يمكن
أن يكون له ولد ذكر مسيحي محال لأنه متى كانت المطعون عليها مسلمة فولدها يتبعها
في الإسلام ومتى كان المورث مسيحياً استحال أن يوجد له فراش شرعي مع مسلمة وأخذ
المسيحي بقرينة حصول الولادة قبل مضى سنة من تاريخ الوفاة لا يقبل إلا في حالة
تحقق الفراش الشرعي وهو ممتنع.
وحيث إن هذا السبب مردود
في الشق الأول منه بأن الحمل مما يخفى على المرأة ويغتفر التناقض فيه ومردود في
الشق الثاني بأن ما يعترض به الطاعنون في شأن بدء مدة الحمل هو جدل موضوعي رد عليه
الحكم بقوله "والبنت الهام أتت بها المدعية لأقل من سنة بعد الوفاة فيثبت
نسبها من المتوفى طبقاً للقانون فضلاً عن إقرار الطبيب المولد وغير ذلك من الأوراق
"وهو رد سائغ لا يخالف حكم القانون ومن شأنه أن يؤدى إلى النتيجة التي انتهى
إليها ومن ثم لا يخضع قاضي الموضوع فيه لرقابة محكمة النقض، وما استطرد إليه الحكم
بعد ذلك من فروض وأسباب ثانوية فهو أمر زائد على حاجة الدعوى.
وحيث إن حاصل السبب
الرابع أن الحكم المطعون فيه وقد أقام قضاءه على أن الزوجية ثابتة من إقرار
المتوفى بإسلامه وزواجه بالمدعية وذلك في محضر الجنحة المشار إليها بالوقائع
"وأن" الزوج مقر بالزوجية والإسلام وبنوة البنت مديحة في الأوراق
الرسمية والعرفية "وأن" إقرار المتوفى في المحضر الرسمي في القضية المركزية
يجب كل إقرار يخالفه لأنه في قضية ينظرها قاضي ومحضرها رسمي لا يطعن عليه إلا
بالتزوير "وأن" الزوج أقر قبل وفاته بالإسلام والزوجية وثبت ذلك في محضر
رسمي قضائي يكون قد خالف الثابت في الأوراق وانبنى على ما لا أصل له فيها وجاء
مشوباً بالقصور إذ تصور أن المورث أقر بالإسلام والزوجية أمام قاضى المحكمة وفي
المحضر الرسمي القضائي وهو وهم ليس له أصل في الأوراق رغم توجيه النظر إليها ورغم
ما أبداه الطاعنون في صحيفة الاستئناف من أن هذا الحكم صدر في جنحة مركزية هي جنحة
إتلاف منقولات لم تسمع فيها أقوال صالح نسيم ولا تستلزم استظهار زواجه ولا كونه
مسلماً ولا يتأتى وصفه بأنه أقر بشيء خطير كهذا لمجرد رواية استطرادية وردت في حكم
مركزي تلخيصاً لمحضر بوليس في أمر غير جوهري للتهمة التي فصل فيها دون أن تعرف
بالدقة الأقوال التي وردت في المحضر وهل للمتوفى توقيع عليها وهل تثبت رجل البوليس
من شخصيته أم لا.
وحيث إن هذا السبب مردود
بأن عبارة محضر الجنحة "أو" المحضر الرسمي في القضية المركزية التي وردت
في الحكم المطعون فيه إنما تنصرف إلى محضر التحقيق أو محضر البوليس في قضية الجنحة
وهو المحضر الذي أحال إليه الحكم الصادر فيها بقوله إنه بسؤال صالح نسيم زوج
المجني عليها في التحقيق قرر أنه حضر إلى منزله على أثر لحادث وعلم به وأيد ما
قررت زوجته من تعدى المتهم عليها بالسب وإتلاف المنقولات وأضاف بأنه مسلم وزوجها
شرعاً والجدل حول وجوب معرفة الأقوال التي وردت في هذا المحضر على وجه الدقة وهل
للمتوفى توقيع عليها وهل تثبت رجل البوليس من شخصيته هو جدل موضوعي في فحوى الدليل
وتقدير كفايته أو عدم كفايته في الإقناع وهو من شأن محكمة الموضوع ولا دخل لمحكمة
النقض فيه.
وحيث إن حاصل السبب
الخامس أن الحكم المطعون فيه خالف الراجح من أقوال الفقهاء في مذهب أبي حنيفة
وقضاء الدائرة الجنائية لمحكمة النقض بحكميها الصادرين في 28/ 2/ 1944 و 28/ 1/
1954 ومقتضاها أنه لا يحكم بإسلام الذمي لمجرد النطق بالشهادتين بل لابد مع ذلك من
النطق بالتبري من الدين الذي كان عليه أو من كل دين يخالف دين الإسلام ومن ثم فإن
العبارة التي وردت في حكم المحكمة المركزية بطريق الرواية عن محضر البوليس وبفرض
أنها صدرت من المورث وهو فرض لم يتحقق لا يثبت بها إسلامه لصدورها عن ذمي ثابتة
مسيحيته وخلوها من النطق بالشهادتين ومن التبري عن كل دين يخالف دين الإسلام، وما
جاء في الحكم من أن "الكافر يكتفي في إسلامه بالنطق بالشهادتين أما المرتد
فهو الذي يطلب منه التبري" يخالف إجماع النصوص والراجح من مذهب أبى حنيفة،
وكذلك قوله. إن المورث إذا قال إنه مسلم فقد اقر بإسلامه وهذا الإقرار يشمل العموم
من النطق بالشهادتين والتبري من كل دين يخالف دين الإسلام، فهو خلط بين ما يجب
لثبوت الإسلام قضاء وثبوته ديانة ومخالفة للراجح في مذهب أبى حنيفة وهو ما أخذت به
الدائرة الجنائية لمحكمة النقض في حكميها سالفي الذكر، وما قاله الحكم في شأن هذين
الحكمين من أنهما لا يماثلان هذه الدعوى لا في الموضوع أو السبب أو الخصوم وأن
قضاءهما فيما يلزم لثبوت الإسلام "ليس من الأسباب الجوهرية التي بني عليها
الحكم". وأن الزوج أقر بإسلامه قبل وفاته والإقرار كشف وأخبار عن الإسلام
الذي يكون به بالشخص مسلماً وهو يتضمن الشهادتين والتبري ومن ثم تكون عناصر حكمي
النقض على فرض تماثل النزاع متوافرة ضرب في غير مضرب لأن أحداً لم يتمسك بأن لهذين
الحكمين قوة الشيء المقضي فيه، وقضاء محكمة النقض فيما يلزم لثبوت الإسلام وهو رأى
منها في المسألة القانونية المعروضة، والقول بأن المورث أقر بإسلامه والإقرار
إخبار وكشف وهو يتضمن النطق بالشهادتين والتبري باطل لا أصل له لأن الإقرار
المنسوب للمورث لم يكن مصحوباً بالشهادتين والتبري ولم يقل أحد إن كلمة مسلم تتضمن
النطق بهما.
وحيث إن هذا السبب في غير
محله ذلك أن الحكم المطعون فيه انتهى في قضائه إلى أن المتوفى "أقر قبل وفاته
بالزوجية والإسلام والإقرار إخبار وكشف عن الإسلام الذي يكون به الشخص مسلماً وهو
يتضمن النطق بالشهادتين والتبري وثبت ذلك في محضر رسمي قضائي ومن ثم تكون عناصر
حكمي النقض على فرض تماثل النزاع متحققة" وهو استخلاص موضوعي سائغ لدلالة
الإقرار والظروف الملابسة له على صحة إسلام المتوفى يستقل به قاضى الدعوى ولا
تراقبه محكمة النقض، وما استطرد إليه الحكم فوق ذلك من تقريرات قانونية أو موضوعية
أخرى أياً كان وجه الرأي فيها فهو لا يعدو أن يكون مجرد تزيد لا يعيبه ولا يؤثر في
جوهر قضائه.
وحيث إن حاصل السبب
السادس أن الحكم المطعون فيه خالف أصول التقاضي وجاء مشوباً بالقصور من وجوه
(أولها) فيما قرره من أن "المحكمة تناقش أدلة الطرفين على أنها صحيحة لأن
كلاً منهما لم يطعن على الأوراق التي قدمها خصمه" إذ أن كلام الحكم يكشف عن
أن المحكمة التزمت جانب المصالحة بين طرفي النزاع فيما يتعلق بالأوراق المقدمة من
كل منهما وافترضت أن الأوراق المقدمة من المطعون عليها صحيحة مع أن الطاعنين
أوسعوها طعناً وتجريحاً، وفيما قرره من أن "أدلة الطرفين على كثرتها متعارضة
فيسقط الاستدلال بها ولا تقضى المحكمة إلا بما يكون عقيدتها" وهو قصور من
الحكم إذ لم يبين ما هي هذه الأدلة التي وصفها بالتعارض ووجه تعارضها وكيف استحال
عليه الترجيح بينها (وثانيها) أنه جرى في قضائه على أن الزوج مقر بالزوجية
والإسلام وبنوة مديحة في الأوراق الرسمية والعرفية" دون أن يبين ما هي هذه
الأوراق وفي حين أن قيد مديحة بدفاتر المواليد تم بغير تدخل من المورث ولم يكن هو
الذي بلغ بميلادها والمستخرج الرسمي من دفاتر المواليد بتاريخ ميلادها ونسبه طلبه
إليه لا يدل على شيء ولا يمكن أن يصبح به والداً للبنت لأن مكاتب الصحة لا تحقق
صفة طالب المستخرج وتوقيعه على الطلب (وثالثها) أنه لم يتحدث عن صورة وثيقة طلاق
المطعون عليها من زوجها السابق ودلالة وجودها في ملف الانضمام (ورابعها) أنه عندما
قال إن إسلام الزوج، ثبت في أوراق سرقت وتعتقد المحكمة وجودها. ولم يبين ما هي تلك
الأوراق وما هو مضمونها والتحقيق الذي دل على وجودها (وخامسها) أن الطاعنين قدموا
صوراً رسمية من محاضر معاون المحكمة الحسبية التي أدلت فيها المطعون عليها
بإقرارات مفصلة عن مسألة انضمامها إلى الكنيسة وزواجها بالمتوفى زواجاً مدنياً
عرفياً وهو على دينه المسيحي، ولم يتعرض الحكم لهذا الدفاع ولم يفطن إليه.
وحيث إن هذا السبب مردود
في الوجه الأول منه بأن لقاضي الموضوع السلطة التامة في بحث الدلائل والمستندات
المقدمة له تقديماً صحيحاً وفي موازنة بعضها بالبعض الآخر وترجيح ما تطمئن نفسه
إلى ترجيحه منها وفي استخلاص ما يرى أنه هو واقع الدعوى، والحكم المطعون فيه لم
يجاوز هذا النظر في الموازنة بين أدلة الدعوى واطرح ما رأى إطراحه منها بقوله إن
المحكمة "لا تقضى إلا بما يكون عقيدتها من الأدلة السليمة والقرائن المتضافرة
والنصوص الفقهية والقانونية" ومردود في الوجه الثامن بأن الحكم أقام قضاءه في
هذا الخصوص على أن الإقرار بالزوجية كاف وحده لإثبات نسب البنتين "فضلاً عن
أن الزوج أقر ببنوة البنت مديحة بعد ولادتها باستخراجه صورة شهادة ميلادها والتوقيع
على هذا الطلب وإلحاقها بالمدارس والصرف عليها" والقول بأن قيدها في دفاتر
المواليد تم بغير تدخل المورث هو جدل موضوعي لا يجوز التحدي به، ومردود في الوجه
الثالث بأن عدم تحدث الحكم عن وثيقة طلاق المطعون عليها ودلالة وجودها في ملف
الانضمام لا يعيبه إذ أن المحكمة غير ملزمة بأن ترد على كل حجة من حجج الخصوم
استقلالاً متى كانت الأدلة التي عولت عليها من شأنها أن تؤدى إلى النتيجة التي
انتهت إليها، ومردود في الوجه الرابع بأنه لا يعيب الحكم أنه لم يذكر نصوص
المستندات التي اعتمد عليها ما دامت هذه المستندات كانت مقدمة إلى المحكمة ومبينة
في مذكرات الخصوم مما يكفي معه مجرد الإشارة إليها، ومردود في الوجه الخامس بأن
الحكم المطعون فيه لم يعول على طلب المطعون عليها الانضمام إلى الكنيسة ولا على
أقوالها في محضر معاون المحكمة الحسبية في اليوم التالي للوفاة.
وحيث إن حاصل السبب
السابع أنه في صدد إثبات ديانة المتوفى احتج الطاعنون ببطاقته الشخصية وجواز سفره
وبإقراراته لدى مصلحة الضرائب وثابت فيها جميعاً أنه مسيحي وأعزب وقد أهدر الحكم
دلالة هذه الأوراق بقوله بأنها "ليست رسمية في كل ما دون فيها" وأن
"إقرار المتوفى في المحضر الرسمي في القضية المركزية يجب كل إقرار يخالفه
لأنه في قضية ينظرها قاضي ومحضرها رسمي" في حين أنه لا يوجد أي إقرار قضائي
في محضر القضية المركزية ومحضر البوليس ولم يعد لإثبات الإسلام والزوجية وقد تحرر
في جنحة إتلاف مركزية لم يكن صالح نسيم طرفاً فيها، والقول بأن بطاقة تحقيق الشخصية
وجواز السفر ليسا معدين لإثبات الديانة والحالة خطأ لأن الدين والحالة الشخصية من
البيانات الجوهرية في كل منهما وهذه الأوراق ينبغي احترامها وعدم إهدارها إلا
بدليل أقوى منها لا بالاستناد إلى تقريرات عامة مرسلة كما فعل الحكم.
وحث إن هذا السبب مردود
بأن الحكم المطعون فيه لم يعول على بيانات البطاقة الشخصية وجواز سفر المتوفى
وأوراقه التجارية بقوله إن "ذكر المتوفى في هذه الأوراق أنه مسيحي أو أعزب لا
يصور الحقيقة والواقع" وذلك للاعتبارات التي أوردها وسبق بيانها في سياق
السبب الثاني، وحسب قاض الموضوع - وعلى ما جري به قضاء هذه المحكمة - أن يبين
الحقيقة التي اقتنع بها وأن يذكر دليلها وما عليه أن يتتبع حجج الخصوم وأوجه
دفاعهم ويرد استقلالاً على كل قول أو حجة أو طلب أثاروه في مرافعتهم.
وحيث إنه لما تقدم يتعين
رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق