الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 12 يوليو 2020

الطعن 244 لسنة 31 ق جلسة 30 / 12 / 1965 مكتب فني 16 ج 3 ق 217 ص 1384

جلسة 30 من ديسمبر سنة 1965
برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: حافظ محمد بدوي، ومحمد صادق الرشيدي، وإبراهيم حسن علام، وسليم راشد أبو زيد.
------------------
(217)
الطعن رقم 244 لسنة 31 القضائية
(أ) استئناف. "نظر الاستئناف". حكم "الأحكام الصادرة في الموضوع". شفعة. "سقوط الحق في الشفعة". بطلان.
القضاء بسقوط الحق في الشفعة لسبب من الأسباب الواردة بالقانون المدني في باب الشفعة هو قضاء في الموضوع وارد على أصل الحق المطالب تستنفد به محكمة الدرجة الأولى ولايتها. الاستئناف المرفوع عنه يطرح الدعوى برمتها. عدم جواز إعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة في حالة إلغائه ولو كان سند الحكم بسقوط الحق في الشفعة هو بطلان إعلان أحد الخصوم وفوات الميعاد المحدد لطلب الشفعة قضاء.
)ب) شفعة. "حجية عقد البيع على الشفيع". غير. صورية. "الغير في الصورية".
اعتبار الشفيع من الغير بالنسبة لطرفي عقد البيع فلا يحتج عليه بالعقد المستتر. شرط ذلك أن يكون حسن النية غير عالم بصورية العقد الظاهر.
)ج) صورية "الغير في الصورية". غير.
مناط جواز تمسك الغير بالعقد الظاهر الصوري هو حسن نيته سواء كان الباعث على الصورية مشروعاً أم لا.
)د) إثبات "الإثبات بالكتابة". نظام عام. نقض.
قاعدة عدم جواز الإثبات بالبينة والقرائن فيما يجب إثباته بالكتابة. عدم تعلقها بالنظام العام. عدم التمسك بها أمام محكمة الموضوع مؤداه عدم جواز التحدي بذلك لأول مرة أمام محكمة النقض.
)هـ) إثبات "الإثبات بالبينة والقرائن". "الوقائع المادية".
علم الغير بالعقد المستتر الثابت بالكتابة. واقعة مادية يجوز إثباتها بشهادة الشهود والقرائن.
------------------
1 - القضاء بسقوط الحق في الشفعة لسبب من الأسباب الواردة في القانون المدني في باب الشفعة هو قضاء في الموضوع وارد على أصل الحق المطالب به وتستنفد محكمة الدرجة الأولى بهذا القضاء ولايتها في الفصل في موضوع الدعوى ويطرح الاستئناف المرفوع عن هذا الحكم الدعوى بما احتوته من طلبات ودفوع وأوجه دفاع على محكمة الاستئناف فلا يجوز لها في حالة إلغاء هذا القضاء أن تعيد الدعوى إلى محكمة الدرجة الأولى لنظر موضوعها من جديد. ولا يغير من الأمر أن يكون سند الحكم بسقوط الحق في الشفعة هو بطلان إعلان أحد الخصوم ذلك لأن هذا البطلان ليس هو الغاية من الدفع به وإنما هو مجرد وسيلة للوصول إلى القضاء بسقوط حق المدعي في الشفعة على اعتبار أن الميعاد المحدد لطلبها قضاء قد انقضى دون أن ترفع على البائع والمشتري وفقاً لما يتطلبه القانون ومن ثم فلا يصح النظر إلى هذا البطلان مستقلاً عن الغاية من التمسك به والأثر المترتب عليه.
2 - لئن كان الشفيع - بحكم كونه صاحب حق في أخذ العقار بالشفعة - يعتبر من طبقة الغير بالنسبة لطرفي عقد البيع سبب الشفعة وبالتالي يحق له أن يتمسك بالعقد الظاهر فلا يحتج عليه بالعقد المستتر، إلا أن شرط ذلك أن يكون حسن النية بمعنى ألا يكون عالماً بصورية العقد الظاهر وقت إظهار رغبته في الأخذ بالشفعة فإذا انتفى عنه حسن النية بأن ثبت علمه بالعقد الحقيقي المستتر جاز للمتعاقدين الاحتجاج عليه بهذا العقد.
3 - مؤدى عموم نص المادة 244 من القانون المدني أن المناط في جواز تمسك الغير بالعقد الظاهر الصوري هو حسن نيته ولا يعتد في ذلك بالباعث على الصورية - سواء كان مشروعاً أم غير مشروع - وعلة ذلك أن إجازة التمسك بالعقد الظاهر استثناء وارد على خلاف الأصل الذي يقضي بسريان العقد الحقيقي الذي أراده المتعاقدان. وقد شرع هذا الاستثناء لحماية الغير الذي كان يجهل وجود هذا العقد وانخدع بالعقد الظاهر فاطمأن إليه وبنى عليه تعامله على اعتقاد منه بأنه عقد حقيقي.
4 - من المقرر أن قاعدة عدم جواز الإثبات بالبينة والقرائن فيما يجب إثباته بالكتابة ليست من النظام العام فإذا كان الطاعن لم يتمسك أمام محكمة الموضوع بعدم جواز إثبات العقد المستتر وعلم الطاعن به بالبينة والقرائن فإنه لا يجوز له التحدي بذلك لأول مرة أمام محكمة النقض.
5 - متى كان العقد المستتر ثابتاً بالكتابة فإن إثبات علم الغير به يكون إثباتاً لواقعة مادية ومن ثم يجوز إثبات هذا العلم بشهادة الشهود والقرائن.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن أقام على المطعون ضدهم الدعوى رقم 81 سنة 1959 كلي شبين الكوم طالباً الحكم بأحقيته في أن يأخذ بالشفعة 3 أفدنة و12 قيراطاً و4 أسهم المبينة بصحيفة الدعوى مقابل الثمن الوارد بعقد البيع المسجل في 21 ديسمبر سنة 1958 وقدره بعد إضافة مصاريف التسجيل 575 ج و460 م وقال في بيان هذه الدعوى إنه علم بأن المطعون ضدهما الثاني والثالث باعا بموجب هذا العقد للمطعون ضده الأول تلك الأطيان بثمن ذكر في العقد المسجل على أنه 490 ج وأنه إذ كان شريكاً على الشيوع فيها فقد أعلن رسمياً إلى المشتري والبائعين رغبته في أخذ الأرض المبيعة بالشفعة مقابل الثمن الوارد في هذا العقد ولما لم يستجيبوا له أودع خزانة محكمة شبين الكوم الابتدائية مبلغ ستمائة جنيه مقابل هذا الثمن ومصاريف التسجيل والمصاريف الأخرى الاحتمالية ثم رفع هذه الدعوى عليهم بطلباته السابقة - دفع المطعون ضده الأول (المشتري) بسقوط حق الطاعن في الشفعة لأنه لم يختصم المطعون ضده الثالث - أحد البائعين في الدعوى - اختصاماً صحيحاً في الميعاد المحدد في المادة 943 من القانون المدني إذ خلت ورقة إعلان هذا البائع من بيان أن من تسلم الصورة نيابة عنه يقيم معه - وبتاريخ 21 من مايو سنة 1959 حكمت المحكمة الابتدائية (أولاً) ببطلان إعلان المدعى عليه المذكور محمد كوبلاي أحمد المؤرخ 18 فبراير سنة 1959 وبعدم قبول الدعوى لعدم اختصامه فيها وبالتالي بسقوط حق المدعي في الشفعة - فاستأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف طنطا وقيد استئنافه برقم 142 سنة 9 قضائية - وقد أنكر المطعون ضده الأول (المشتري) أمام محكمة الاستئناف قيام حالة الشيوع التي يدعيها الطاعن كما تمسك بسقوط حق الأخير في الشفعة لعدم إيداعه كامل الثمن الحقيقي الذي تم به البيع قائلاً إن الطاعن علم قبل إبداء رغبته في الأخذ بالشفعة بأن حقيقة الثمن الذي انعقد به البيع هو مبلغ 2135 ج وليس 490 ج ما ذكر في العقد المسجل وأن القصد من تخفيض الثمن في هذا العقد هو التقليل من رسوم التسجيل، وأنكر الطاعن علمه بأن البيع قد تم بثمن يزيد على المبلغ الوارد في العقد المسجل - وبتاريخ 12 من نوفمبر سنة 1959 قضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدفع ببطلان إعلان المستأنف عليه الثالث (المطعون ضده الثالث) المؤرخ 18 فبراير سنة 1959 ورفض الدفع بعدم قبول الدعوى لعدم اختصامه فيها وبرفض الدفع بسقوط حق المستأنف (الطاعن) في الشفعة لهذا السبب وقبل الفصل في الموضوع بندب مكتب خبراء وزارة العدل ليقوم أحد خبرائه الزراعيين بتطبيق مستندات الطرفين على الطبيعة وبيان ما إذا كانت ملكية المستأنف تقع شائعة مع القدر المشفوع فيه - وبعد أن قدم الخبير تقريره مثبتاً فيه قيام الشيوع الذي استند إليه الطاعن في طلب الشفعة قضت المحكمة بتاريخ 5 من مايو سنة 1960 بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المستأنف عليه الأول (المشتري) بكافة طرق الإثبات القانونية بما فيها شهادة الشهود والقرائن أن المستأنف (الشفيع) كان على علم وبينة من أن الثمن الحقيقي للأطيان المشفوع فيها هو مبلغ 2135 ج خلاف المصاريف الرسمية وصرحت المحكمة للمستأنف بالنفي بذات الطرق - وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين حكمت بتاريخ 6 من إبريل سنة 1961 بسقوط حق المستأنف (الطاعن) في الشفعة تأسيساً على القول بأنه ثبت للمحكمة أن الثمن الحقيقي الذي تم به البيع هو مبلغ 2135 ج وأن الطاعن كان على علم بحقيقة هذا الثمن قبل أن يرفع دعوى الشفعة ورغم ذلك لم يودع إلا مبلغ ستمائة جنيه - طعن الطاعن بطريق النقض في هذا الحكم وفي الحكمين الاستئنافيين الآخرين الصادرين في 12 نوفمبر سنة 1959 و5 مايو سنة 1960. وقدمت النيابة مذكرة انتهت فيها إلى أنها ترى رفض الطعن وقررت دائرة فحص الطعون بجلسة 7 من إبريل سنة 1964 إحالة الطعن إلى هذه الدائرة وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة برأيها السابق.
وحيث إن المطعون ضده الأول دفع بعدم قبول الطعن لانتفاء مصلحة الطاعن فيه بمقولة إن القضاء له بالقدر الذي طلب أخذه بالشفعة يجعله مالكاً لأكثر من مائة فدان مما يؤدي إلى استيلاء الإصلاح الزراعي على ذلك القدر - وهذا الدفع عار عن الدليل إذ لم يقدم المطعون ضده الأول ما يؤيده ويتعين لذلك رفضه.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إنه بني على سببين يتحصل أولهما في أن الحكم الصادر من محكمة الاستئناف في 12 من نوفمبر سنة 1959 أخطأ في القانون ذلك أنه قضى قطعياً في أسبابه المرتبطة بالمنطوق بأحقية محكمة الاستئناف للتصدي لموضوع الدعوى تأسيساً على ما قاله من أن محكمة الدرجة الأولى بقضائها بسقوط دعوى الشفعة لعدم إعلان الخصوم بها في الميعاد المحدد في المادة 943 من القانون المدني قد استنفدت ولايتها في الفصل في الموضوع لأن الدفع بسقوط دعوى الشفعة هو من قبيل الدفع بعدم القبول وهو دفع موضوعي - ويرى الطاعن أنه وإن كانت القاعدة التي قررها الحكم في شأن الدفع بعدم القبول صحيحة في ذاتها إلا أن الحكم مع ذلك قد أخطأ في تطبيق القانون إذ اعتبر أن الدفع بسقوط الحق في الشفعة في صورة هذه القضية من قبيل الدفع بعدم القبول ذلك أن قضاء المحكمة الابتدائية بسقوط حق الطاعن في الشفعة لم يكن مترتباً إلا على قضائها ببطلان الإعلان فحسب ومن ثم فإن الحكم بعدم القبول أو بالسقوط لذلك السبب وحده لا يعتبر حكماً صادراً في دفع موضوعي بل هو في الحقيقة حكم صادر في دفع شكلي هو بطلان الإعلان وإن كان لهذا الدفع وجهان أحدهما وجه بطلان والآخر عدم القبول أو السقوط إذ أن الدفع بعدم قبول دعوى الشفعة وبسقوط الحق فيها في صورة هذا النزاع لا يقوم بذاته وإنما على أساس الدفع ببطلان إعلان الصحيفة وهو بلا شك دفع شكلي فيكون هذا البطلان هو المناط في تكييف الدفع أياً كانت صياغته، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أسس قضاءه بالتصدي للموضوع على ما ارتآه من أن الدفع الذي قبلته المحكمة الابتدائية هو دفع موضوعي فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون خطأ أدى به إلى مخالفة قواعد الاختصاص النوعي من جهة وإلى انتقاص حق الخصوم في التقاضي على درجتين من جهة أخرى.
وحيث إن هذا النعي غير صحيح ذلك أن القضاء بسقوط الحق في الشفعة لسبب من الأسباب الواردة في القانون المدني في باب الشفعة هو قضاء في الموضوع وارد على أصل الحق المطالب به وتستنفد محكمة الدرجة الأولى بهذا القضاء ولايتها في الفصل في موضوع الدعوى ويطرح الاستئناف المرفوع عن هذا الحكم الدعوى بما احتوته من طلبات ودفوع وأوجه دفاع على محكمة الاستئناف فلا يجوز لها في حالة إلغاء هذا القضاء أن تعيد الدعوى إلى محكمة الدرجة الأولى لنظر موضوعها من جديد - ولما كان الحال في النزاع المطروح أن المحكمة الابتدائية انتهت إلى أن دعوى الشفعة المرفوعة من الطاعن غير مقبولة لعدم اختصام أحد البائعين فيها اختصاماً صحيحاً في الميعاد المحدد في المادة 943 من القانون المدني ورتبت المحكمة على ذلك القضاء بسقوط حق الطاعن في الشفعة وهو الجزاء الذي أوجبته هذه المادة في حالة عدم رفع دعوى الشفعة على البائع والمشتري في ميعاد ثلاثين يوماً من تاريخ إعلان الرغبة في الأخذ بالشفعة فإن قضاء المحكمة بهذا السقوط يكون قضاء في موضوع الدعوى يترتب عليه أن يفقد الطاعن حقه في الشفعة فلا يستطيع أن يرجع به بدعوى جديدة وذلك لانقضاء الميعاد المحدد للمطالبة بهذا الحق ولا يغير من الأمر أن يكون سند المحكمة في هذا القضاء هو بطلان إعلان المطعون ضده الثالث أحد البائعين وأن تكون المحكمة قد ضمنت منطوق حكمها القضاء ببطلان هذا الإعلان ذلك أن هذا البطلان وإن تعلق بإجراء من إجراءات الخصومة مما يجعل الدفع به شكلياً إلا أن ذلك البطلان لم يكن هو الغاية من الدفع به وإنما مجرد وسيلة للوصول إلى القضاء بسقوط حق المدعي في الشفعة على اعتبار أن الميعاد المحدد لطلبها قضاء قد انقضى دون أن ترفع دعوى الشفعة على البائع والمشتري وفقاً لما يتطلبه القانون، ولو كان الدفع ببطلان الإعلان مقصوداً لذاته لما قبلته المحكمة من المطعون ضده الأول "المشتري" لأن بطلان الإعلان هو بطلان نسبي مقرر لصالح من بطل إعلانه وهو في النزاع المطروح المطعون ضده الثالث أحد البائعين الذي لم يتمسك بهذا البطلان وإنما تمسك به المطعون ضده الأول المشتري لمجرد أن يصل من تقرير ذلك البطلان إلى القضاء بسقوط حق الطاعن في الشفعة اعتباراً بأنه متى ثبت بطلان إعلان أحد البائعين بدعوى الشفعة فإن هذه الدعوى لا تكون قد رفعت عليه ويكون الميعاد المحدد لطلب الشفعة قد انقضى دون طلبها بالإجراءات التي يتطلبها القانون في المادة 943 من القانون المدني، ومتى كان بطلان الإعلان مجرد سبب استندت عليه المحكمة في قضائها بسقوط الحق في الشفعة فإنه لا يصح النظر إلى هذا البطلان مستقلاً عن الغاية من التمسك به والأثر المترتب عليه - لما كان ما تقدم، فإن محكمة الاستئناف إذ مضت في نظر موضوع الدعوى بعد أن ألغت قضاء المحكمة الابتدائية بسقوط حق الطاعن في الشفعة لا تكون قد خالفت القانون وبالتالي يكون النعي عليها بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم الأخير الصادر في 6 من إبريل سنة 1961 مخالفة القانون وفي بيان ذلك يقول إن هذا الحكم قضى بسقوط حقه في الشفعة استناداً إلى القول بأنه ثبت للمحكمة أن الثمن الحقيقي الذي تمت به الصفقة هو مبلغ 2135 ج وأن الطاعن كان على علم بحقيقة هذا الثمن قبل أن يرفع دعوى الشفعة ورغم ذلك لم يودع سوى مبلغ ستمائة جنيه - هذا في حين أنه وقد أقر المشتري والبائعان في عقد البيع المسجل بأن حقيقة الثمن 490 ج فإنه ما كان يجوز لمحكمة الاستئناف بعد ذلك أن تبيح لهذا المشتري - (المطعون ضده الأول) أن يثبت بالبينة والقرائن ما يخالف إقراره المكتوب وبالتالي فلم يكن لها أن تأخذ بدلالة ما قدمه من بينة وقرائن لهذا الغرض ولقد شرع نظام شهر التصرفات العقارية وسيلة لإعلام الغير بها فينبغي أن يتوفر لهذا الغير ممن ترتبط حقوقهم بتلك التصرفات كالشفيع حق الاطمئنان إلى حجية ما أثبت بعقد البيع المشهر خاصاًً بمقدار الثمن الذي تم به البيع، وإذ أهدر الحكم المطعون فيه حجية الإقرار المكتوب ودلالة شهر التصرف وما يستهدفه المشرع من وراء ذلك حماية للغير فإن هذا الحكم يكون مخالفاً للقانون ثم إنه متى كان المشتري - على ما سجلته المحكمة في حكمها الصادر في 5 من مايو سنة 1960 - قد أقر بأنه قصد من ذكر الثمن في العقد المسجل بأقل من حقيقته التقليل من رسوم التسجيل وهو ما يعني تضييع حقوق الخزانة العامة فإن الصورية في هذه الحالة تكون صورية تدليسية وما دامت محكمة الاستئناف قد علمت بأن الصورية المراد إثباتها هي صورية من هذا النوع واحتيالاً على القانون فإنه كان عليها أن تجري من تلقاء نفسها وبغير طلب من الخصوم حكم القانون في إحباط هذه المحاولة الآثمة فلا تصرح بتحقيق تلك الصورية ولا تأخذ بنتيجة التحقيق حتى لو صح أنه يؤدي إلى ثبوت الصورية المدعاة وذلك حتى لا تمكن المدلس من جني ثمار تدليسه ولا يدفع الخطأ عن الحكم المطعون فيه ما قاله من علم الطاعن بالثمن الحقيقي الذي بيعت به الأطيان وأنه 2135 ج وليس 490 ج كما ذكر بالعقد المسجل ذلك أن هذا العلم بفرض ثبوته لا يجعل من الفعل غير المشروع فعلاً مشروعاً ولا هو يجعل من الآثم بريئاً جديراً بحماية القضاء.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه وإن كان الشفيع بحكم كونه صاحب حق في أخذ العقار بالشفعة يعتبر من طبقة الغير بالنسبة لطرفي عقد البيع سبب الشفعة وبالتالي يحق له أن يتمسك بالعقد الظاهر فلا يحتج عليه بالعقد المستتر إلا أن شرط ذلك أن يكون حسن النية بمعنى ألا يكون عالماً بصورية العقد الظاهر وقت إظهار رغبته في الأخذ بالشفعة فإذا انتفى عنه حسن النية بأن ثبت علمه بالعقد الحقيقي المستتر جاز للمتعاقدين الاحتجاج عليه بهذا العقد - ولما كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى أن الطاعن طالب الشفعة كان على علم بأن الثمن الحقيقي الذي بيعت به العين المشفوع فيها هو مبلغ 2135 ج وليس 490 ج كما ذكر في عقد البيع المسجل - وهو العقد الظاهر - وأنه رغم ذلك اكتفى بإيداع الثمن الوارد في هذا العقد ورتبت على عدم إيداعه كل الثمن الحقيقي الذي حصل البيع به قبل رفع دعوى الشفعة سقوط حقه في الشفعة بالتطبيق لحكم المادة 942 من القانون المدني فإن هذا الحكم لا يكون مخالفاً للقانون ولا يغير من الأمر ما يقوله الطاعن من أن الباعث على الصورية غير مشروع لأنه قصد بها التهرب من أداء بعض رسوم التسجيل المستحقة على عقد البيع ذلك أن نص المادة 244 من القانون المدني قد جعل المناط في جواز تمسك الغير بالعقد الظاهر الصوري هو حسن نيته ولم يعتد بالباعث على الصورية وعلة ذلك أن إجازة التمسك بالعقد الظاهر هو استثناء وارد على خلاف الأصل الذي يقضي بسريان العقد الحقيقي الذي أراده المتعاقدان وقد شرع هذا الاستثناء لحماية الغير الذي كان يجهل وجود هذا العقد وانخدع بالعقد الظاهر فاطمأن إليه وبنى عليه تعامله على اعتقاد منه بأنه عقد حقيقي فإذا كان يعلم وقت تعامله بصورية هذا العقد وبوجود عقد آخر حقيقي وهو العقد المستتر انتفت حكمة هذا الاستثناء ويكون الغير في هذه الحالة ليس جديراً بحماية القانون هذا إلى أنه ما دام العقد المستتر المراد الاحتجاج به على الطاعن يتضمن الثمن الحقيقي الذي تم به البيع والذي تحدد على أساسه رسوم التسجيل المستحقة للخزانة العامة فإن الاعتداد بهذا العقد لا يترتب عليه تضييع شيء من حقوق هذه الخزانة ومن ثم فإن القول بتمكين المشتري من جني ثمار تدليسه لا يصادف محلاً في حالة الاعتداد بذلك العقد أما القول بوجوب معاملة المتعاقدين على أساس العقد الظاهر وبامتناع إثبات الصورية المدعاة ولو كان الطاعن عالماً بها وذلك جزاءً للمتعاقدين على محاولتهما التحايل على القانون فإن هذا القول علاوة على مخالفته لعموم نص المادة 244 آنف الذكر الذي لم يفرق بين ما إذا كان الباعث على الصورية مشروعاً أو غير مشروع فإنه ينطوي على توقيع عقوبة على المتعاقدين دون نص يخول توقيعها - أما ما ينعاه الطاعن على قضاء محكمة الاستئناف بالترخيص للمطعون ضده الأول المشتري بإثبات الصورية بشهادة الشهود والقرائن فإنه لما كان المقرر بأن قاعدة عدم جواز الإثبات بالبينة والقرائن فيما يجب إثباته بالكتابة ليست من النظام العام وكان الطاعن لم يتمسك أمام محكمة الموضوع بعدم جواز إثبات العقد المستتر وعلم الطاعن به بالبينة والقرائن فإنه لا يجوز له التحدي بذلك لأول مرة أمام محكمة النقض. هذا إلى أنه ما دام العقد المستتر كان ثابتاً بالكتابة في العقد الابتدائي فإن إثبات علم الطاعن بهذا العقد يكون إثباتاً لواقعة مادية فيجوز إثبات هذا العلم بشهادة الشهود والقرائن.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق