الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 17 نوفمبر 2016

الطعن 3911 لسنة 82 ق جلسة 27 / 12 / 2012 مكتب فني 63 ق 163 ص 905

جلسة 27 من ديسمبر سنة 2012

برئاسة السيد المستشار/ عمر بريك نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ عبد الله فتحي، محمد فريد بعث الله، حسين حجازي نواب رئيس المحكمة وأحمد سعيد.

---------------

(163)
الطعن رقم 3911 لسنة 82 القضائية

ضرب "ضرب أحدث عاهة". إثبات "خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب" "ما يعيبه في نطاق التدليل". رابطة السببية. نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
عدم تدليل الحكم على قيام رابطة السببية بين فعل الضرب وبين العاهة التي تخلفت بالمجني عليه استناداً إلى دليل فني. قصور.
مثال لتسبيب معيب للتدليل على جريمة إحداث عاهة مستديمة.
---------------
لما كان الحكم المطعون فيه حين دان الطاعن بإحداث العاهة المستديمة بالمجني عليه بين واقعة الدعوى بما مؤداه أن الطاعن تعدى على المجني عليه بواسطة "شومة" على رأسه من الجهة اليمنى بعدة ضربات وعلى ذراعه الأيمن فأحدث به إصابة رضية بعينه اليمنى تخلف له من جرائها عاهة مستديمة عبارة عن "كتاركتا" إصابية بعينه اليمنى قدرت بنحو نسبة 6% استند الحكم في إدانة الطاعن إلى شهادة المجني عليه وتحريات الشرطة عن الواقعة وأقوال مجريها والتقرير الطبي الشرعي، وبعد أن حّصل مضمون شهادة الشاهدين، أورد مضمون التقرير الطبي الشرعي الذي اقتصر على بيان الإصابة وأنها جائزة الحدوث من التصوير الوارد بالأوراق، كما وصف العاهة المستديمة، وذلك دون أن يبين تطور تلك الإصابة وما أدت إليه من واقع الدليل الفني المستفاد من التقرير الطبي الشرعي حتى يبين منه وجه الاستشهاد به على إدانة المتهم بإحداث العاهة وعما إذا كانت قد نشأت عن الإصابة التي نسب إلى الطاعن إحداثها، أم نتيجة إصابة قديمة لحقت بالمجني عليه قبل اعتداء الطاعن عليه كما جاء بدفاع الطاعن المؤيد بالمستندات والثابت بمحضر جلسة المحاكمة. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد دلل على قيام رابطة السببية بين فعل الضرب الذي دين به الطاعن وبين العاهة التي تخلفت بالمجني عليه استناداً إلى دليل فني، مما يصمه بالقصور في البيان، فضلاً عن إخلاله بحق الدفاع، ومن ثم يتعين نقضه والإعادة بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن.

الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: ضرب المجني عليه ..... عمداً بأن تعدى عليه بأداة "شومة" استقرت برأسه فأحدث إصابته الموصوفة بتقرير الطب الشرعي والتي تخلف لديه من جرائها عاهة مستديمة تمثلت في كتاركتا إصابية بالعين اليمنى قدرت نسبتها بنحو 6% وذلك على النحو المبين بالتحقيقات. أحرز أداة "شومة" مما تستخدم في الاعتداء على الأشخاص بدون مسوغ من ضرورة شخصية أو حرفية. وأحالته إلى محكمة جنايات ..... لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 304/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 240/ 1 من قانون العقوبات والمادتين 1/ 1، 25 مكرر/ 1 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين 26 لسنة 1978، 165 لسنة 1981 والبند رقم 7 من الجدول رقم 1 الملحق بالقانون الأول بعد إعمال المادة 32 عقوبات بمعاقبته بالسجن لمدة ثلاث سنوات عما أسند إليه وألزمته المصاريف الجنائية وإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة.
فطعن وكيل المحكوم عليه بطريق النقض ..... إلخ.

المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه دانه بجريمة إحداث عاهة مستديمة قد شابه القصور في التسبيب وانطوى على إخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه لم يدلل على توافر رابطة السببية بين الإصابة التي نسب إلى الطاعن إحداثها بالمجني عليه وبين العاهة التي لحقت به من واقع تقرير فني، وهو ما قام عليه دفاع الطاعن أمام المحكمة والتفتت عنه ولم يعن الحكم بالرد عليه، ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حين دان الطاعن بإحداث العاهة المستديمة بالمجني عليه بين واقعة الدعوى بما مؤداه أن الطاعن تعدى على المجني عليه بواسطة "شومة" على رأسه من الجهة اليمنى بعدة ضربات وعلى ذراعه الأيمن فأحدث به إصابة رضية بعينه اليمنى تخلف له من جرائها عاهة مستديمة عبارة عن "كتاركتا" إصابية بعينه اليمنى قدرت بنحو نسبة 6% استند الحكم في إدانة الطاعن إلى شهادة المجني عليه وتحريات الشرطة عن الواقعة وأقوال مجريها والتقرير الطبي الشرعي، وبعد أن حّصل مضمون شهادة الشاهدين، أورد مضمون التقرير الطبي الشرعي الذي اقتصر على بيان الإصابة وأنها جائزة الحدوث من التصوير الوارد بالأوراق، كما وصف العاهة المستديمة، وذلك دون أن يبين تطور تلك الإصابة وما أدت إليه من واقع الدليل الفني المستفاد من التقرير الطبي الشرعي حتى يبين منه وجه الاستشهاد به على إدانة المتهم بإحداث العاهة وعما إذا كانت قد نشأت عن الإصابة التي نسب إلى الطاعن إحداثها، أم نتيجة إصابة قديمة لحقت بالمجني عليه قبل اعتداء الطاعن عليه كما جاء بدفاع الطاعن المؤيد بالمستندات والثابت بمحضر جلسة المحاكمة. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد دلل على قيام رابطة السببية بين فعل الضرب الذي دين به الطاعن وبين العاهة التي تخلفت بالمجني عليه استناداً إلى دليل فني، مما يصمه بالقصور في البيان، فضلاً عن إخلاله بحق الدفاع، ومن ثم يتعين نقضه والإعادة بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن.

الطعن 6574 لسنة 78 ق جلسة 27 / 12 / 2012 مكتب فني 63 ق 162 ص 900

جلسة 27 من ديسمبر سنة 2012

برئاسة السيد المستشار/ عمر بريك نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ عبد الله فتحي، علاء البغدادي، سامح حامد وحسين حجازي نواب رئيس المحكمة.

---------------

(162)
الطعن رقم 6574 لسنة 78 القضائية

(1) اختلاس أموال أميرية. جريمة "أركانها". موظفون عموميون. حكم "تسبيبه. تسبيب معيب".
مناط العقاب طبقاً للمادة 112 من قانون العقوبات؟
مثال لتسبيب معيب للتدليل على جناية اختلاس أموال عامة.
(2) نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها". اختلاس أموال أميرية. حكم "تسبيبه. تسبيب معيب".
مجرد وجود عجز في حساب الموظف العمومي. لا يمكن أن يكون دليلاً على حصول الاختلاس. علة ذلك؟
(3) إثبات "بوجه عام". حكم "بيانات حكم الإدانة" "تسبيبه. تسبيب معيب".
اختلاس أموال أميرية. الأحكام الجنائية. وجوب أن تبنى على الجزم واليقين لا على الظن والاحتمال.
حكم الإدانة. بياناته؟ المادة 310 إجراءات جنائية.
المراد بالتسبيب المعتبر؟
(4) اختلاس. حكم "بيانات التسبيب" "ما يعيبه في نطاق التدليل" "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها". إثبات "خبرة".
عدم بيان الحكم بوضوح وتفصيل مفردات المبالغ التي اقتنعت المحكمة باختلاسها. والمنتجة للمبلغ المحدد بتقرير الخبراء. اكتفاؤه بالإحالة إلى ذلك التقرير دون أن يعني بذكرها وتفصيلاتها واتخاذه العجز بذاته دليلاً على وقوع الاختلاس. يعيب الحكم.

---------------
1- لما كان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما نصه " .. أنه بفحص أعمال المتهم ..... من لجنة الفحص التابعة للمديرية المالية بـ..... ومديرية التربية والتعليم بـ..... والمشكلة من ..... المحاسب بالمديرية الأولى و ..... المالي بالمديرية الثانية تبين أن المتهم ويعمل مندوب صرف النشاط الفني والمكتبات بإدارة ..... التعليمية وذلك من خلال الفترة من عام ..... حتى عام ..... وكذا تقرير لجنة الخبراء الثلاثية التابعة لوزارة العدل بـ..... والمنتدبة من المحكمة بهيئة مغايرة ثبت أن جملة العجز في عهدة المتهم خلال فترة الاتهام قدرها 33033.650 فقط ثلاثة وثلاثون ألفاً وثلاثة وثلاثون جنيهاً خمسة وستون قرشاً لا غير وأيدت التحريات السرية التي أجراها النقيب ..... بإدارة مباحث الأموال العامة بـ..... قيام المتهم خلال الفترة من عام ..... حتى عام ..... باختلاس المبالغ التي قدرتها اللجنة من الإدارة المالية بـ..... والإدارة التعليمية بـ..... والتي وجدت في حيازته بسبب وظيفته والمملوكة لجهة عمله وذلك بقصد إضافتها إلى ملكه وأنه ارتكب في سبيل ذلك تزويراً بأن اصطنع مستندات صرف مزورة وأثبت مبالغ مالية أكبر في مستندات صرف أخرى سليمة واختلس الفرق لنفسه". لما كان ذلك، وكان القانون قد فرض العقاب في المادة 112 من قانون العقوبات على عبث الموظف بما يؤتمن عليه مما يوجد بين يديه بمقتضى وظيفته بشرط انصراف نيته باعتباره حائزاً له إلى التصرف فيه على اعتبار أنه مملوك له وهو معنى مركب من فعل مادي هو التصرف في المال ومن عامل معنوي يقترن به وهو نية إضاعة المال على ربه.
2- من المقرر أن مجرد وجود عجز في حساب الموظف العمومي لا يمكن أن يكون بذاته دليلاً على حصول الاختلاس لجواز أن يكون ذلك ناشئاً عن خطأ في العمليات الحسابية أو لسبب آخر.
3- من المقرر أن الأحكام في المواد الجنائية يجب أن تبنى على الجزم واليقين لا على الظن والاحتمال، وكان الشارع يوجب في المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية أن يشتمل الحكم على الأسباب التي بني عليها وإلا كان باطلاً، والمراد بالتسبيب المعتبر تحديد الأسانيد والحجج المبني عليها والمنتجة هي له سواء من حيث الواقع أو من حيث القانون، ولكي يتحقق الغرض منه يجب أن يكون في بيان جلي مفصل بحيث يستطاع الوقوف على مسوغات ما قضى به، فلا يكفي مجرد الإشارة إلى الأدلة بل ينبغي سرد مضمون الدليل وذكر مؤداه بطريقة وافية يبين منها مدى تأييده للواقعة كما اقتنعت بها المحكمة ومبلغ اتفاقه مع الأدلة الأخرى التي أقرها الحكم حتى يتضح وجه استدلاله بها.
4- لما كان الحكم المطعون فيه لم يبين بوضوح وتفصيل مفردات المبالغ التي اقتنعت المحكمة باختلاسها، والمنتجة للمبلغ الذي حدده تقرير لجنة الخبراء، وكذلك المستندات التي جرى فيها التزوير المؤدي للاختلاس، واكتفى في ذلك بالإحالة إلى نتيجة ذلك التقرير دون أن يعني بذكرها وتفصيلاتها، فإن ذلك لا يكفي في بيان أسباب الحكم الصادر بالإدانة لخلوه مما يكشف عنه وجه اعتماده على هذا التقرير الذي استنبطت منه المحكمة معتقدها في الدعوى على أساسه، واتخذ الحكم من العجز بذاته دليلاً على وقوع الاختلاس دون أن يكون في وقائع الدعوى وظروفها كما أوردها الحكم ما يدل على تصرف الطاعن في المال تصرفاً يتوافر به القصد الجنائي لديه. لما كان ذلك، فإن الحكم يكون معيباً بما يوجب نقضه والإعادة بغير حاجة إلى بحث باقي ما أثاره الطاعن في طعنه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: بصفته موظفاً عاماً "مندوب صرف" للنشاط الفني والمكتبات بمديرية ..... إدارة .... 1- اختلس المبلغ النقدي البالغ قدره 34941.30 فقط "أربعة وثلاثين ألف وتسعمائة وواحد وأربعين جنيهاً وثلاثين مليماً" والذي وجد في حيازته بسبب وظيفته والمملوكة لجهة عمله سالفة الذكر حال كونه من الصيارفة وسلم إليه المال بهذه الصفة. 2- اختلس أوراقاً "مستندات صرف" والتي وجدت في حيازته بسبب وظيفته والمملوكة لجهة عمله سالفة الذكر حال كونه من الصيارفة وسلمت إليه المستندات بهذه الصفة وعلى النحو المبين بالتحقيقات وقد ارتبطت هذه الجناية بجنايتي تزوير واستعمال محررات رسمية مزورة ارتباطاً لا يقبل التجزئة هما أنه في ذات الزمان والمكان سالفي الذكر ارتكب تزويراً في محررات رسمية وهي مذكرات الصرف وذلك باصطناع بعضها ونسبها زوراً إلى الموجهين الفنيين بإدارة ..... التعليمية وكذا إثباته في مستندات الصرف على خلاف الحقيقة مبالغ أكبر واختلاسه لفرق هذه المبالغ واستعمال تلك المحررات الرسمية المزورة في الغرض الذي زورت من أجله مع علمه بتزويرها بأن قدمها إلى بنك ...... فرع ..... وأودعها جهة عمله كدليل على حدوث الصرف الصحيح على خلاف الحقيقة وتمكن بذلك من ارتكاب واقعة الاختلاس المنسوبة إليه. وأحالته إلى محكمة جنايات ..... لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 304/ 2 إجراءات جنائية والمواد 112/ 1، 2، أ ب، 118، 118/ مكرراً، 119/ أ، 119 مكرراً من قانون العقوبات مع إعمال نص المادة 32 من قانون العقوبات.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض ..... إلخ.

المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الاختلاس المرتبطة بجريمتي التزوير في أوراق رسمية واستعمالها قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، ذلك بأن الحكم لم يعن باستظهار أركان الجريمة التي دان الطاعن بها، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما نصه "... أنه بفحص أعمال المتهم ..... من لجنة الفحص التابعة للمديرية .... بـ.... ومديرية .... بـ..... والمشكلة من .... المحاسب بالمديرية الأولى و..... المالي بالمديرية الثانية تبين أن المتهم ويعمل مندوب صرف النشاط الفني والمكتبات بإدارة .... وذلك من خلال الفترة من عام .... حتى عام ... وكذا تقرير لجنة الخبراء الثلاثية التابعة لوزارة العدل بـ.... والمنتدبة من المحكمة بهيئة مغايرة ثبت أن جملة العجز في عهدة المتهم خلال فترة الاتهام قدرها 33033.650 فقط ثلاثة وثلاثون ألفاً وثلاثة وثلاثون جنيهاً خمسة وستون قرشاً لا غير وأيدت التحريات السرية التي أجراها النقيب .... بإدارة مباحث الأموال العامة بـ.... قيام المتهم خلال الفترة من عام .... حتى عام .... باختلاس المبالغ التي قدرتها اللجنة من الإدارة المالية بـ.... والإدارة ..... بـ..... والتي وجدت في حيازته بسبب وظيفته والمملوكة لجهة عمله وذلك بقصد إضافتها إلى ملكه وأنه ارتكب في سبيل ذلك تزويراً بأن اصطنع مستندات صرف مزورة وأثبت مبالغ مالية أكبر في مستندات صرف أخرى سليمة واختلس الفرق لنفسه". لما كان ذلك، وكان القانون قد فرض العقاب في المادة 112 من قانون العقوبات على عبث الموظف بما يؤتمن عليه مما يوجد بين يديه بمقتضى وظيفته بشرط انصراف نيته باعتباره حائزاً له إلى التصرف فيه على اعتبار أنه مملوك له وهو معنى مركب من فعل مادي هو التصرف في المال ومن عامل معنوي يقترن به وهو نية إضاعة المال على ربه، وكان من المقرر أن مجرد وجود عجز في حساب الموظف العمومي لا يمكن أن يكون بذاته دليلاً على حصول الاختلاس لجواز أن يكون ذلك ناشئاً عن خطأ في العمليات الحسابية أو لسبب آخر، وكانت الأحكام في المواد الجنائية يجب أن تبنى على الجزم واليقين لا على الظن والاحتمال، وكان الشارع يوجب في المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية أن يشتمل الحكم على الأسباب التي بني عليها وإلا كان باطلاً، والمراد بالتسبيب المعتبر تحديد الأسانيد والحجج المبني عليها والمنتجة هي له سواء من حيث الواقع أو من حيث القانون، ولكي يتحقق الغرض منه يجب أن يكون في بيان جلي مفصل بحيث يستطاع الوقوف على مسوغات ما قضي به، فلا يكفي مجرد الإشارة إلى الأدلة بل ينبغي سرد مضمون الدليل وذكر مؤداه بطريقة وافية يبين منها مدى تأييده للواقعة كما اقتنعت بها المحكمة ومبلغ اتفاقه مع الأدلة الأخرى التي أقرها الحكم حتى يتضح وجه استدلاله بها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه لم يبين بوضوح وتفصيل مفردات المبالغ التي اقتنعت المحكمة باختلاسها، والمنتجة للمبلغ الذي حدده تقرير لجنة الخبراء، وكذلك المستندات التي جرى فيها التزوير المؤدي للاختلاس، واكتفى في ذلك بالإحالة إلى نتيجة ذلك التقرير دون أن يعني بذكرها وتفصيلاتها، فإن ذلك لا يكفي في بيان أسباب الحكم الصادر بالإدانة لخلوه مما يكشف عنه وجه اعتماده على هذا التقرير الذي استنبطت منه المحكمة معتقدها في الدعوى على أساسه، واتخذ الحكم من العجز بذاته دليلاً على وقوع الاختلاس دون أن يكون في وقائع الدعوى وظروفها - كما أوردها الحكم - ما يدل على تصرف الطاعن في المال تصرفاً يتوافر به القصد الجنائي لديه. لما كان ذلك، فإن الحكم يكون معيباً بما يوجب نقضه والإعادة بغير حاجة إلى بحث باقي ما أثاره الطاعن في طعنه.

الطعن 2257 لسنة 82 ق جلسة 26 / 12 / 2012 مكتب فني 63 ق 161 ص 892

جلسة 26 من ديسمبر سنة 2012

برئاسة السيد المستشار/ أحمد عبد القوي أيوب نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ هاني مصطفى، محمود قزامل نائبي رئيس المحكمة، إبراهيم عوض ومحمد العشماوي.

----------------

(161)
الطعن رقم 2257 لسنة 82 القضائية

(1) قانون "تفسيره". دستور. الإذن بمراقبة المحادثات. حكم "تسبيبه. تسبيب معيب".
المادتان 41، 45 من الدستور المصري. مفادهما؟ 
قانون الإجراءات الجنائية أورد قيوداً على إذن المراقبة والتسجيل. مؤداها: أن تكون الجريمة المسندة إلى المتهم جناية أو جنحة معاقباً عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر. وأن يكون لهذا الإجراء فائدة في كشف الحقيقة وأن يكون الأمر الصادر بالمراقبة أو التسجيل مسبباً. وأن تنحصر مدة سريانه في ثلاثين يوماً قابلة للتجديد لمدة أو لمدد أخرى مماثلة. أساس وعلة ذلك؟
مثال.
(2) الإذن بمراقبة المحادثات. حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". مأمورو الضبط القضائي "اختصاصاتهم".
عدم جواز امتداد الإذن بالمراقبة والتسجيل إلى شخص آخر غير المتحرى عنه.
أثر خروج مأمور الضبط القضائي عن حدود الإذن: البطلان. 
وحدة الواقعة وحسن سير العدالة واتصال وجه الطعن بطاعن آخر. يوجب امتداد أثر الطعن إليه دون الحاجة للتعرض للطعن المقدم منه.
مثال.
-----------------
1- لما كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه عرض لدفع الطاعن ببطلان إذن النيابة العامة لتجاوز مأمور الضبط القضائي حدود ذلك الإذن واطرحه في قوله "وحيث إنه عن الدفع ببطلان إذن النيابة العامة لتجاوز مأمور الضبط القضائي حدود الإذن الصادر له فإن هذا الدفع قد جاء مرسلاً لا يحمل سببه فضلاً عن أنه بمطالعة الإذن الصادر من السيد المحامي العام الأول لنيابة أمن الدولة العليا بتاريخ 17/ 2/ 2010 الساعة الثانية مساء يبين أنه قد أذنت فيه لأي من مأموري الضبط القضائي المختصين قانوناً بهيئة الرقابة الإدارية ومن يعاونهم من المختصين فنياً بتسجيل وتصوير الأحاديث واللقاءات التي تتم بين المتهمين الأول والثاني والثالث في الأماكن العامة والخاصة وكذا مراقبة تسجيل الاتصالات التليفونية بينهم من خلال الهواتف المبينة بالإذن وذلك خلال ثلاثين يوماً تبدأ من ساعة وتاريخ إصدار ذلك الإذن وكذلك بمطالعة الإذن الصادر بتاريخ 16/ 3/ 2010 الساعة الخامسة والنصف مساء يبين أن النيابة العامة أذنت بامتداد سريان الإذن الأول سالف الذكر بالنسبة لجميع الأسماء الواردة به وأذنت النيابة كذلك بتسجيل وتصوير الأحاديث واللقاءات التي تتم بين جميع المتهمين الستة من خلال أرقام الهواتف الأخرى الثابتة به وكذا ضبط أية مبالغ مالية أو عطايا على سبيل الرشوة من أي من المتهمين الثالث والرابع والخامس والسادس وبمطالعة محاضر الضبط التي قام بتحريرها عضو هيئة الرقابة الإدارية يبين أنه لم يتجاوز حدود الإذنين الصادرين من النيابة العامة سالفي البيان ومن ثم يكون هذا الدفع على غير أساس من القانون أو الواقع ويتعين رفضه". لما كان ذلك، وكان الدستور المصري الذي جرت الواقعة في ظل سريان أحكامه قد نص في المادة 41 منه على أن "الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مضمونة لا تمس ..." ونص في المادة 45 منه على أن "لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون وللمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة وسريتها مكفولة ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة ووفقاً لأحكام القانون" كما جاء المشرع في قانون الإجراءات مسايراً لأحكام الدستور فاشترط لإجازة المراقبة والتسجيلات قيوداً إضافية بخلاف القيود الخاصة بإذن التفتيش نص عليها في المواد 95، 95 مكرراً، 206 منه وهذه القيود بعضها موضوعي وبعضها شكلي، وهي في مجموعها أن تكون الجريمة المسندة إلى المتهم جناية أو جنحة معاقباً عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر، وأن يكون لهذا الإجراء فائدة في كشف الحقيقة وأن يكون الأمر الصادر بالمراقبة أو التسجيل مسبباً وأن تنحصر مدة سريانه في ثلاثين يوماً قابلة للتجديد لمدة أو لمدد أخرى مماثلة. وكل هذه الضمانات كفلها المشرع باعتبار أن الإذن بالمراقبة أو التسجيل، هو من أخطر إجراءات التحقيق التي تتخذ ضد الفرد وأبلغها أثراً عليه. لما يبيحه هذا الإجراء من الكشف الصريح لستار السرية وحجاب الكتمان الذي يستتر المتحدثان من ورائه والتعرض لمستودع سرهما، من أجل ذلك كله وجب على السلطة الآمرة مراعاة هذه الضمانات واحترامها، وأن تتم في سياج من الشرعية والقانون. ولا يحول دون ذلك أن تكون الأدلة صارخة وواضحة على إدانة المتهم، إذ يلزم في المقام الأول احترام الحرية الشخصية وعدم الافتئات عليها في سبيل الوصول إلى أدلة الإثبات.
2- لما كان يبين من مطالعة محضر تحريات الرقابة الإدارية المؤرخ 17 من فبراير سنة 2010 والإذن المرفق صورة رسمية منهما أن محضر تحريات الرقابة الإدارية السالف وهو أول إجراء من إجراءات الاستدلال في الدعوى قد انصب على ثلاثة أشخاص هم 1- "الطاعن" 2- "الطاعن الثاني" 3- "المتهم الثالث" وأثبت به محرر المحضر أن تحرياته دلت على استغلال المتحرى عنهما الأول والثاني لسلطات وظائفهما وحصولهما على منافع مادية وعينية على سبيل الرشوة من بعض رجال الأعمال المتعاملين مع الشركة ...... ومنهم المتحرى عنه الثالث وطلب الإذن بمراقبة وتصوير وتسجيل اللقاءات التي تتم بين سالفي الذكر ومراقبة وتسجيل الاتصالات التي ترد عبر هواتفهم المشار إليها في المحضر ويبين من إذن نيابة أمن الدولة العليا الصادر في ذات التاريخ الساعة الثانية مساء أنه قد انصب على تسجيل وتصوير الأحاديث واللقاءات ومراقبة وتسجيل الاتصالات التليفونية التي تتم بين الثلاثة المتحرى عنهم والتي تتم من خلال التليفونات الخاصة بهؤلاء والموضحة بالإذن وذلك خلال مدة ثلاثين يوماً تبدأ من ساعة وتاريخ صدور هذا الإذن، ولازم ذلك أن إذن النيابة الصادر بالمراقبة والتسجيل قد اقتصر على تسجيل المحادثات التي تتم بين الثلاثة أشخاص المتحرى عنهم سالفي الذكر والمحددة أسماؤهم بالإذن ومن خلال الهواتف المحددة به وعدم جواز امتداد الإذن بالمراقبة والتسجيل إلى شخص آخر غير هؤلاء الثلاثة المتحرى عنهم الذين تضمنهم الإذن حصراً حتى ولو كان أحد هؤلاء الثلاثة طرفاً في هذا الاتصال أو كان موضوعه يتصل بالجريمة الجاري جمع الاستدلالات بشأنها أو بغيرها. وذلك لما هو ثابت بالإذن من قصر المراقبة والتسجيل على الاتصالات التليفونية التي تتم بين هؤلاء ومن خلال هواتفهم المحددة بالإذن. لما كان ذلك، وكان البين من مطالعة الصورة الرسمية من محضر الرقابة الإدارية المؤرخ 16 من مارس سنة 2010 المرفقة بملف الطعن والذي صدر إذن النيابة بذات التاريخ نفاذاً له والذي تضمن بياناً للتسجيلات التي تم إجراؤها نفاذاً لإذن النيابة العامة الصادر في 17 من فبراير سنة 2010 المار بيانه أن محرر المحضر قد تجاوز حدود الإذن بتسجيل أحاديث تليفونية تمت بين المتحرى عنهم الثلاثة والمتهمين الرابع/ ..... والخامس/ ..... والسادس/ ..... وآخرين وهم جميعهم لم يشملهم الإذن. لما كان ما تقدم، وكان مأمور الضبط القضائي قد تنكب صحيح القانون بخروجه على الشرعية فما كان يجوز له تسجيل المحادثات التليفونية التي تمت بين المتحرى عنهم المحددين بالإذن الصادر في 17 من فبراير سنة 2010 وباقي المتهمين وآخرين أما وقد تم تسجيلها، فإن هذا التسجيل يكون وليد إجراء غير مشروع لم يؤذن به ويكون الدفع ببطلان الدليل المستمد منه في محله. وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وجرى قضاؤه برفض ذلك الدفع وعول في إدانة الطاعنين من بين ما عول عليه على الدليل المار ذكره، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون، فضلاً عن فساده في الاستدلال فيما تضمنه من رد على الدفع آنف البيان مما يعيبه ويوجب نقضه والإعادة بالنسبة للطاعن الأول وللطاعن الثاني لاتصال وجه النعي به ولوحدة الواقعة وحسن سير العدالة دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن المقدم من الطاعن الأول أو التعرض للطعن المقدم من الطاعن الثاني.

الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من ..... بأنهم: أولاً: المتهم الأول: بصفته في حكم الموظف العام مدير عام الصيانة بالشركة ..... طلب وأخذ لنفسه عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته بأن طلب وأخذ من المتهم الثالث بوساطة المتهمين الخامس والسادس مبلغ ثمانية ألاف جنيه - على سبيل الرشوة - مقابل تسهيل إجراءات استلام مهمات المطارات الموردة من شركة ..... لتوريدات المطارات المملوكة للمتهم الثالث وكذا إنهاء إجراءات صرف المستحقات المالية للشركة لدى الشركة ..... عن تنفيذ عقد صيانة الأجهزة بمطار ..... وذلك على النحو المبين بالتحقيقات. ثانياً: المتهم الثاني: 1- بصفته في حكم الموظف العام المستشار المالي لرئيس مجلس إدارة ..... طلب وأخذ لنفسه عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته بأن طلب وأخذ من المتهم الثالث بوساطة المتهم الخامس مبلغ خمسة ألاف جنيه - على سبيل الرشوة - مقابل إنهاء إجراءات صرف المستحقات المالية لشركة المتهم الثالث لدى الشركة ..... عن توريد مهمات المطارات على النحو المبين بالتحقيقات. 2- بصفته سالفة البيان طلب وأخذ لنفسه عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته بأن طلب وأخذ من المتهم الرابع مبلغ عشرة ألاف دولار أمريكي - على سبيل الرشوة - مقابل إنهاء إجراءات صرف مستحقاته المالية لدى الشركة ..... عن أعمال توسيع مبنى الركاب بمطار الغردقة وأعمال تصميم مبنى الركاب والممر الجديد بمطار ..... والمسند تنفيذها إلى شركته المجموعة ..... وذلك على النحو المبين بالتحقيقات. ثالثاً: المتهم الثالث: قدم لمن هما في حكم الموظف العام رشوة لأداء عمل من أعمال وظيفتهما بأن قدم للمتهمين الأول والثاني مبالغ الرشوة موضوع الاتهامين المبين بالبندين أولاً، ثاني/ 1. رابعاً: المتهم الرابع: قدم رشوة لمن هما في حكم الموظف العام لأداء عمل من أعمال وظيفته بأن قدم للمتهم الثاني مبلغ الرشوة موضوع الاتهام المبين بالبند ثاني/ 2. خامساً: المتهم الخامس: توسط في رشوة من هما في حكم الموظف العام لأداء عمل من أعمال وظيفتهما بأن توسط في جريمتي الرشوة موضوع الاتهام بالبندين أولاً، ثاني/ 1. سادساً: المتهم السادس: توسط في رشوة من في حكم الموظف العام لأداء عمل من أعمال وظيفته بأن توسط في جريمة الرشوة موضوع الاتهام المبين بالبند أولاً. وأحالتهم إلى محكمة جنايات ..... لمحاكمتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت عملاً بالمواد 103، 107 مكرراً، 110، 111/ 1، 5 من قانون العقوبات. أولاً: بمعاقبة المتهم الأول بالسجن المشدد لمدة خمس سنين وبتغريمه مبلغ ثمانية ألاف جنيه عما أسند إليه. ثانياً: بمعاقبة المتهم الثاني بالسجن المشدد لمدة خمس سنين وبتغريمه مبلغ خمسة ألاف جنيه ومبلغ عشرة ألاف دولار أمريكي عما أسند إليه. ثالثاً بمصادرة المبالغ المالية المضبوطة. رابعاً بإعفاء كل من المتهم الثالث والرابع والخامس والسادس من العقوبة.
فطعن المحكوم عليهما الأول والثاني في هذا الحكم بطريق النقض ..... إلخ.

المحكمة

من حيث إنه مما ينعاه الطاعن الأول على الحكم المطعون فيه - بمذكرات أسبابه الثلاث - أنه إذ دانه بجريمة طلب وأخذ رشوة قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون ذلك أنه دفع ببطلان إذن النيابة العامة بالمراقبة وتسجيل المحادثات الهاتفية المؤرخ 17/ 2/ 2010 لتجاوز القائم بهما حدود الإذن لإجرائه المراقبة على أشخاص وهواتف لم يشملها ذلك الإذن بيد أن الحكم اطرح دفعه ذاك برد غير سائغ لا يتفق وصحيح القانون. مما يعيبه ويستوجب نقضه.
ومن حيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه عرض لدفع الطاعن ببطلان إذن النيابة العامة لتجاوز مأمور الضبط القضائي حدود ذلك الإذن واطرحه في قوله "وحيث إنه عن الدفع ببطلان إذن النيابة العامة لتجاوز مأمور الضبط القضائي حدود الإذن الصادر له فإن هذا الدفع قد جاء مرسلاً لا يحمل سببه فضلاً عن أنه بمطالعة الإذن الصادر من السيد المحامي العام الأول لنيابة أمن الدولة العليا بتاريخ 17/ 2/ 2010 الساعة الثانية مساء يبين أنه قد أذنت فيه لأي من مأموري الضبط القضائي المختصين قانوناً بهيئة الرقابة الإدارية ومن يعاونهم من المختصين فنياً بتسجيل وتصوير الأحاديث واللقاءات التي تتم بين المتهمين الأول والثاني والثالث في الأماكن العامة والخاصة وكذا مراقبة تسجيل الاتصالات التليفونية بينهم من خلال الهواتف المبينة بالإذن وذلك خلال ثلاثين يوماً تبدأ من ساعة وتاريخ إصدار ذلك الإذن وكذلك بمطالعة الإذن الصادر بتاريخ 16/ 3/ 2010 الساعة الخامسة والنصف مساء يبين أن النيابة العامة أذنت بامتداد سريان الإذن الأول سالف الذكر بالنسبة لجميع الأسماء الواردة به وأذنت النيابة كذلك بتسجيل وتصوير الأحاديث واللقاءات التي تتم بين جميع المتهمين الستة من خلال أرقام الهواتف الأخرى الثابتة به وكذا ضبط أية مبالغ مالية أو عطايا على سبيل الرشوة من أي من المتهمين الثالث والرابع والخامس والسادس وبمطالعة محاضر الضبط التي قام بتحريرها عضو هيئة الرقابة الإدارية يبين أنه لم يتجاوز حدود الإذنين الصادرين من النيابة العامة سالفي البيان ومن ثم يكون هذا الدفع على غير أساس من القانون أو الواقع ويتعين رفضه". لما كان ذلك، وكان الدستور المصري - الذي جرت الواقعة في ظل سريان أحكامه قد نص في المادة 41 منه على أن "الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مضمونة لا تمس ....." ونص في المادة 45 منه على أن "لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون وللمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة وسريتها مكفولة ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة ووفقاً لأحكام القانون" كما جاء المشرع في قانون الإجراءات مسايراً لأحكام الدستور فاشترط لإجازة المراقبة والتسجيلات قيوداً إضافية بخلاف القيود الخاصة بإذن التفتيش نص عليها في المواد 95، 95 مكرراً، 206 منه وهذه القيود بعضها موضوعي، وبعضها شكلي، وهي في مجموعها أن تكون الجريمة المسندة إلى المتهم جناية أو جنحة معاقباً عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر، وأن يكون لهذا الإجراء فائدة في كشف الحقيقة وأن يكون الأمر الصادر بالمراقبة أو التسجيل مسبباً وأن تنحصر مدة سريانه في ثلاثين يوماً قابلة للتجديد لمدة أو لمدد أخرى مماثلة. وكل هذه الضمانات كفلها المشرع باعتبار أن الإذن بالمراقبة أو التسجيل، هو من أخطر إجراءات التحقيق التي تتخذ ضد الفرد وأبلغها أثراً عليه. لما يبيحه هذا الإجراء من الكشف الصريح لستار السرية وحجاب الكتمان الذي يستتر المتحدثان من ورائه والتعرض لمستودع سرهما، من أجل ذلك كله وجب على السلطة الآمرة مراعاة هذه الضمانات واحترامها، وأن تتم في سياج من الشرعية والقانون. ولا يحول دون ذلك أن تكون الأدلة صارخة وواضحة على إدانة المتهم، إذ يلزم في المقام الأول احترام الحرية الشخصية وعدم الافتئات عليها في سبيل الوصول إلى أدلة الإثبات. لما كان ذلك، وكان يبين من مطالعة محضر تحريات الرقابة الإدارية المؤرخ 17 من فبراير سنة 2010 والإذن المرفق صورة رسمية منهما أن محضر تحريات الرقابة الإدارية السالف وهو أول إجراء من إجراءات الاستدلال في الدعوى قد انصب على ثلاثة أشخاص هم 1- "الطاعن" 2- "الطاعن الثاني" 3- "المتهم الثالث" وأثبت به محرر المحضر أن تحرياته دلت على استغلال المتحرى عنهما الأول والثاني لسلطات وظائفهما وحصولهما على منافع مادية وعينية على سبيل الرشوة من بعض رجال الأعمال المتعاملين مع الشركة ......... ومنهم المتحرى عنه الثالث وطلب الإذن بمراقبة وتصوير وتسجيل اللقاءات التي تتم بين سالفي الذكر ومراقبة وتسجيل الاتصالات التي ترد عبر هواتفهم المشار إليها في المحضر ويبين من إذن نيابة أمن الدولة العليا الصادر في ذات التاريخ الساعة الثانية مساء أنه قد انصب على تسجيل وتصوير الأحاديث واللقاءات ومراقبة وتسجيل الاتصالات التليفونية التي تتم بين الثلاثة المتحرى عنهم والتي تتم من خلال التليفونات الخاصة بهؤلاء والموضحة بالإذن وذلك خلال مدة ثلاثين يوماً تبدأ من ساعة وتاريخ صدور هذا الإذن، ولازم ذلك أن إذن النيابة الصادر بالمراقبة والتسجيل قد اقتصر على تسجيل المحادثات التي تتم بين الثلاثة أشخاص المتحرى عنهم سالفي الذكر والمحددة أسماؤهم بالإذن ومن خلال الهواتف المحددة به وعدم جواز امتداد الإذن بالمراقبة والتسجيل إلى شخص آخر غير هؤلاء الثلاثة المتحرى عنهم الذين تضمنهم الإذن حصراً حتى ولو كان أحد هؤلاء الثلاثة طرفاً في هذا الاتصال أو كان موضوعه يتصل بالجريمة الجاري جمع الاستدلالات بشأنها أو بغيرها. وذلك لما هو ثابت بالإذن من قصر المراقبة والتسجيل على الاتصالات التليفونية التي تتم بين هؤلاء ومن خلال هواتفهم المحددة بالإذن. لما كان ذلك، وكان البين من مطالعة الصورة الرسمية من محضر الرقابة الإدارية المؤرخ 16 من مارس سنة 2010 المرفقة بملف الطعن والذي صدر إذن النيابة بذات التاريخ نفاذاً له والذي تضمن بياناً للتسجيلات التي تم إجراؤها نفاذاً لإذن النيابة العامة الصادر في 17 من فبراير سنة 2010 المار بيانه أن محرر المحضر قد تجاوز حدود الإذن بتسجيل أحاديث تليفونية تمت بين المتحرى عنهم الثلاثة والمتهمين الرابع/ ..... والخامس/ ..... والسادس/ ..... وآخرين وهم جميعهم لم يشملهم الإذن. لما كان ما تقدم، وكان مأمور الضبط القضائي قد تنكب صحيح القانون بخروجه على الشرعية فما كان يجوز له تسجيل المحادثات التليفونية التي تمت بين المتحرى عنهم المحددين بالإذن الصادر في 17 من فبراير سنة 2010 وباقي المتهمين وآخرين أما وقد تم تسجيلها، فإن هذا التسجيل يكون وليد إجراء غير مشروع لم يؤذن به ويكون الدفع ببطلان الدليل المستمد منه في محله. وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وجرى قضاؤه برفض ذلك الدفع وعول في إدانة الطاعنين من بين ما عول عليه على الدليل المار ذكره، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون، فضلاً عن فساده في الاستدلال فيما تضمنه من رد على الدفع آنف البيان مما يعيبه ويوجب نقضه والإعادة بالنسبة للطاعن الأول وللطاعن الثاني لاتصال وجه النعي به ولوحدة الواقعة وحسن سير العدالة دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن المقدم من الطاعن الأول أو التعرض للطعن المقدم من الطاعن الثاني.

الطعن 3559 لسنة 81 ق جلسة 25 / 12 / 2012 مكتب فني 63 ق 160 ص 878

جلسة 25 من ديسمبر سنة 2012
برئاسة السيد المستشار/ أحمد عبد الباري سليمان نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ أسامة توفيق، عبد الحميد دياب، مجدي عبد الحليم وإبراهيم عبد الله نواب رئيس المحكمة.
-----------
(160)
الطعن 3559 لسنة 81 ق
(1) حكم "بيانات التسبيب".
القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً خاصاً لصياغة الحكم. كفاية أن يكون ما أورده كافياً في تفهم الواقعة وظروفها.
(2) قتل عمد. جريمة "أركانها". قصد جنائي. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير توافر القصد الجنائي".
قصد القتل. أمر خفي. إدراكه بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه. استخلاص توافره. موضوعي.
(3) إثبات "شهود" "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تطابق أقوال الشهود ومضمون الدليل الفني. غير لازم. كفاية أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق. جسم الإنسان متحرك لا يتخذ وضعاً ثابتاً وقت الاعتداء. تقدير ذلك. لا يحتاج إلى خبرة خاصة. مثال.
(4) إثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير والفصل فيما يوجه إليه من اعتراضات. موضوعي. عدم التزام محكمة الموضوع باستدعاء الطبيب الشرعي أو كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته. ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر حاجة لاتخاذ هذا الإجراء. أو أنه غير منتج. استناد المحكمة إلى تقرير الخبير بما لا يجافي المنطق والقانون. المجادلة في ذلك. غير مقبولة.
(5) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي. ما دام سائغاً. عدم التزام محكمة الموضوع بالأخذ بالأدلة المباشرة. حقها في استخلاص صورة الدعوى بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية. تساند الأدلة في المواد الجنائية. مؤداه؟
(6) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير أقوال الشهود".
وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعي. أخذ المحكمة بشهادة الشهود. مفاده؟
(7) إثبات "شهود".
 للمحكمة الأخذ بأقوال الشاهد ولو كانت سماعية. الشهادة. ماهيتها؟
(8) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير أقوال الشهود". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
 تناقض الشهود أو تضاربهم في أقوالهم. لا يعيب الحكم. ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه. تجريح أدلة الدعوى على وجه معين تأدياً إلى مناقضة الصورة التي ارتسمت في وجدان قاضي الموضوع بالدليل الصحيح. لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. مثال.
(9) دفوع "الدفع باستحالة الرؤية". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
الدفع باستحالة الرؤية بسبب الظلام. موضوعي. كفاية إيراد أدلة الثبوت التي تطمئن إليها المحكمة رداً عليه.
(10) إثبات "بوجه عام". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
النعي على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يبد أمامها. غير مقبول. المنازعة في مكان وقوع الحادث. موضوعي. استفادة الرد عليه من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم.
(11) إثبات "بوجه عام" "معاينة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
إغفال الحكم بعض تفصيلات محضر المعاينة. مفاده: اطراحها.
(12) إثبات "معاينة". إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق المحكمة الإعراض عن أوجه دفاع المتهم. متى كانت الواقعة قد وضحت لديها أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى. طلب إجراء المعاينة الذي لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى استحالة حصول الواقعة. دفاع موضوعي. لا تلتزم المحكمة بإجابته. مثال.
(13) إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
طلب الاستعلام عن مواعيد سير القطارات في تاريخ الحادث. مجهل. التفات المحكمة عنه. لا عيب.
(14) إثبات "بوجه عام" "أوراق رسمية". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
الأدلة في المواد الجنائية إقناعية . للمحكمة الالتفات عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية. ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها. الجدل الموضوعي في تقدير الدليل وسلطة المحكمة في وزن عناصر الدعوى. غير جائز أمام محكمة النقض.
(15) إثبات "بوجه عام". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
العبرة بما اطمأنت إليه المحكمة مما استخلصته من التحقيقات. لا بما اشتمل عليه بلاغ الواقعة. الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام محكمة النقض.
(16) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
عدم التزام المحكمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد عليها. استفادة الرد ضمناً من القضاء بالإدانة لأدلة الثبوت التي أوردها الحكم. مثال.
(17) إجراءات "إجراءات المحاكمة". 
الرغبة في الإدانة. مسألة داخلية تقوم في نفس القاضي. تقدير الإدانة. متروك له. النعي عليه. غير مقبول.
-------------------------
1 - من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة - كما هو الحال في الدعوى الراهنة - فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون، ومن ثم فإن منعى الطاعنين في هذا الشأن يكون لا محل له.
2 - من المقرر أن قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى، والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وإذ كان الحكم قد دلل على توافر هذه النية تدليلاً سائغاً واضحاً في إثبات توافرها لدى الطاعنين فإن منعاهما في هذا الشأن لا يكون له وجه.
3 - من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، ولما كانت أقوال شاهدة الإثبات الأولى كما رواها الحكم والتي لا ينازع الطاعنان في أن لها سندها في الأوراق، لا تتعارض بل تتلاءم مع ما نقله عن تقرير الطبيب الشرعي في شأن إصابات المجني عليه وكيفية حدوثها، هذا فضلاً عن أن جسم الإنسان متحرك ولا يتخذ وضعاً ثابتاً وقت الاعتداء مما يجوز معه حدوث إصابة الأجزاء الأمامية منه والضارب له واقف خلفه أو أمامه حسب الوضع الذي يكون فيه الجسم وقت الاعتداء، وتقدير ذلك لا يحتاج إلى خبرة خاصة، وكان الحكم قد رد على دعوى الخلاف بين الدليلين بما يكفي ويسوغ إطراحها، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن يكون غير سديد.
4 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم في الدعوى والفصل فيما وجه إليه من اعتراضات، وما دامت اطمأنت إلى ما جاء به فلا يجوز مجادلتها في ذلك، فضلاً عن أن محكمة الموضوع لا تلتزم باستدعاء الطبيب الشرعي أو كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها، ولم تر هي من جانبها حاجة إلى هذا الإجراء، أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى ما دام استنادها إلى الرأي الذي انتهى إليه الخبير هو استناد سليم لا يجافي المنطق والقانون. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى تقرير الخبير المقدم في الدعوى، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن يكون غير سديد.
5 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى، حسبما يؤدي إليه اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق، ولها أصلها في الأوراق، وهي في ذلك ليست مطالبة بالأخذ بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص صورة الدعوى كما ارتسمت في وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ولا تلتزم في الأدلة التي يعتمد عليها الحكم أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى؛ لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
6 - من المقرر أن تقدير أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم، وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات، كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها، وتقدرها التقدير الذي تطمئن إليه، ومتى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
7 - من المقرر أن للمحكمة أن تأخذ بأقوال الشاهد لو كانت سماعية؛ ذلك أن الأصل في الشهادة هو تقرير الشخص لما يكون قد رآه أو سمعه بنفسه أو أدركه على وجه العموم بحواسه، وكان أي من الطاعنين لا يمارى في طعنه أن الشهود يتمتعون بسائر الحواس الطبيعية، فلا على الحكم إن هو أخذ بشهادتهم.
8 - من المقرر أن التناقض في أقوال الشهود أو تضاربهم في أقوالهم - بفرض حصوله - لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه، وكانت المحكمة - في الدعوى الماثلة - قد اطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات التي حصلتها بما لا تناقض فيه، كما اطمأنت إلى حصول الواقعة طبقاً للتصوير الذي أوردته، وكانت الأدلة التي استندت إليها في ذلك سائغة ومقبولة في العقل والمنطق، ولا يجادل الطاعنان أن لها معينها الصحيح في الأوراق، فإن ما يثيره الطاعنان بشأن أن أياً من شهود الإثبات لم ير واقعات الحادث ولم يعاصر أحدهم تعدي الطاعنين على المجني عليه، وأن صورة الدعوى التي اعتنقتها المحكمة جاءت على خلاف مادياتها، لا يعدو أن يكون محاولة لتجريح أدلة الدعوى على وجه معين تأدياً من ذلك إلى مناقضة الصورة التي ارتسمت في وجدان المحكمة بالدليل الصحيح، وهو ما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض.
9 - من المقرر أن الدفع باستحالة الرؤية بسبب الظلام من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل من المحكمة رداً صريحاً ما دام الرد مستفاداً ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، فإن ما ينعاه الطاعنان من ذلك يكون في غير محله.
10 - لما كان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنين لم يثيرا دفاعهما القائم على المنازعة في مكان وقوع الحادث، فإنه ليس لهما من بعد أن ينعيا على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يبد أمامها ولا يقبل منهما إثارته أمام محكمة النقض، هذا إلى أنه لا يعدو أن يكون دفاعاً موضوعياً يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم ومن بينها أقوال الشهود التي اطمأنت إليها المحكمة.
11 - لما كان ما يثيره الطاعنان من عدم إيراد الحكم لتفصيلات ما جاء بمحضر المعاينة، فإن الحكم المطعون فيه قد أورد منها ما يكفي لتبرير اقتناعه بالإدانة، وما دامت المحكمة قد اطمأنت إلى هذه المعاينة واعتمدت عليها في تكوين عقيدتها، فإن إغفالها إيراد بعض تفصيلات معينة يعتبر اطراحاً منها لهذه التفصيلات، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن لا يكون له محل.
12 - لما كان الحكم قد عرض لطلب الطاعنين إجراء معاينة لمكان الحادث للوقوف على استحالة حدوث الواقعة كما صورها الشهود واطرحه في قوله:- "وحيث إنه عن طلب إجراء معاينة لمكان الحادث فإنه يرمي إلى التشكيك في صحة أقوال شاهدة الواقعة لعدم وجود أعمدة إنارة يمكنها معها الوقوف على كيفية ارتكاب الجريمة. لما كان ذلك، وكانت الشاهدة المذكورة قد قررت بتحقيقات النيابة العامة أن الواقعة حدثت في نحو الساعة السادسة مساء وأن المكان كان لم يزل مضيئا بنور الشمس، التي لم تكن قد غربت بعد، وكان من المقرر أن طلب المعاينة الذي لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة، ولا إلى استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود، وإنما كان المقصود به إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة، يعد من قبيل الدفاع الموضوعي الذي لا تلتزم المحكمة بإجابته، فمن ثم تعرض المحكمة عنه". لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه ولئن كان القانون قد أوجب على محكمة الموضوع سماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وتحقيقه، إلا أنه متى كانت الواقعة قد وضحت لديها، أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى، فلها أن تعرض عن ذلك مع بيان العلة، وإذ كان ما أورده الحكم - فيما تقدم - كافياً وسائغاً ويستقيم به اطراح طلب إجراء المعاينة دون أن يوصم الحكم المطعون فيه بالقصور أو الإخلال بحق الدفاع، فضلاً عن أن هذا الوجه من الدفاع لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة، ولا إلى استحالة حصول الواقعة كما رواها شهود الإثبات، بل الهدف منه إثارة الشبهة في الأدلة التي اطمأنت إليها المحكمة، ويعتبر من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تلتزم المحكمة بإجابته، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن يكون في غير محله.
13 - لما كان الطاعن الثاني وإن طلب في ختام مرافعته بالجلسة الأخيرة الاستعلام عن مواعيد حركة سير القطارات في تاريخ الحادث، إلا أنه لم يوضح في مرافعته أمام محكمة الموضوع ما يرمي إليه من طلب الاستعلام المشار إليه، ومن ثم فإن هذا الطلب يغدو طلباً مجهلاً من سببه ومرماه فلا على المحكمة إن هي التفتت عنه ولم تجب الطاعن إليه.
14 - من المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية إقناعية ولمحكمة الموضوع أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل والمنطق أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي تثبت لديها من باقي الأدلة القائمة في الدعوى، ومن ثم فإن ما يثار من أن الحكم التفت عن المستندات التي قدمها الطاعن الثاني للتدليل على استحالة الرؤية في مكان الحادث وزمانه بسبب الظلام لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
15 - لما كان ما يثيره الطاعنان في شأن عدم اشتمال التبليغ عن الحادث على تحديد شخص من قام به مردوداً بما هو مقرر من أنه لا عبرة بما اشتمل عليه بلاغ الواقعة، وإنما العبرة بما اطمأنت إليه المحكمة مما استخلصته من التحقيقات، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ومصادرتها في عقيدتها مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
16 - من المقرر أن محكمة الموضوع غير ملزمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي المختلفة، والرد على كل شبهة يثيرها وبيان العلة فيما أعرضت عنه من شواهد النفي أو أخذت به من أدلة الثبوت ما دام لقضائها وجه مقبول، ومن ثم فلا على المحكمة إن هي أعرضت عما أثاره الدفاع من خلو مكان الحادث من ثمة أشجار أو تضاريس تمكن المتهمين من التربص والاختباء للمجني عليه؛ لأن ذلك كله لا يعدو أن يكون دفاعاً موضوعياً يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم، ويكون ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن غير مقبول.
17 - من المقرر أن حالة الرغبة في إدانة المحكوم عليهما من المسائل الداخلية التي تقوم في نفس القاضي وتتعلق بشخصه وضميره، وترك المشرع أمر تقيد الإدانة لتقدير القاضي وما تطمئن إليه نفسه ويرتاح إليه وجدانه، ومن ثم فإن ما يثار في هذا الشأن لا يصح أن ينبني عليه وجه الطعن.
-----------
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخر قضي ببراءته بأنهم: أولاً:- المتهمين جميعاً قتلوا ..... عمداً مع سبق الإصرار والترصد، بأن بيتوا النية وعقدوا العزم على قتله وأعدوا لهذا الغرض سلاحين ناريين (بندقيتين آليتين) حملها الأول والثاني، وسلاحاً أبيض حمله الثالث وتربصوا له في المكان الذي أيقنوا سلفاً مرقده فيه، وما إن ظفروا به حتى أطلق المتهمان الأول والثاني صوبه عدة أعيرة نارية من السلاحين الناريين سالفي الذكر ووقف الثالث على مسرح الحادث حاملاً سكيناً للشد من أزرهما قاصدين من ذلك قتله فحدثت به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. ثانياً: المتهمين الأول والثاني أيضاً: أ- أحرز كل منهما سلاحاً نارياً مششخناً "بندقية آلية" حال كونه مما لا يجوز الترخيص بحيازته أو إحرازه. ب- أحرز كل منهما ذخائر استعملها في السلاح الناري سالف الذكر حال كونه مما لا يجوز الترخيص بحيازته أو إحرازه. وأحالتهما إلى محكمة جنايات ..... لمحاكمتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعت زوجة المجني عليه مدنياً قبل المتهمين بأن يؤديا لها مبلغ 10001 جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 230، 231، 232 من قانون العقوبات، والمواد 1/1، 6، 26/3، 5، 30/1 من القانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر المعدل والبند (ب) من القسم الثاني من الجدول رقم 3 الملحق، بمعاقبة المتهمين بالسجن المشدد لمدة خمس عشرة سنة ومصادرة السلاح الناري والذخائر المضبوطين وفي الدعوى المدنية بإلزامهما بأن يؤديا للمدعية بالحقوق المدنية مبلغ 10001 جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض ..... إلخ.
------------
المحكمة
من حيث إن الطاعنين ينعيان بمذكرتي أسباب طعنهما على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجرائم القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، وإحراز أسلحة نارية مششخنة وذخائر بدون ترخيص قد شابه قصور في التسبيب، وفساد في الاستدلال، وإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه حرر بصيغة عامة معماة ولم يلم بوقائع الدعوى وأدلتها، ولم يدلل على توافر نية القتل في حق كل منهما تدليلاً سائغاً، وعول على الدليلين القولي والفني رغم وجود تعارض بينهما أثاره الدفاع في مرافعته، وأعرض عن طلب استدعاء كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته في شأن هذا التناقض، واعتنق صورة للواقعة لا تتفق والعقل والمنطق، سيما وأن الأوراق قد خلت من دليل يقيني على تلك الصورة التي اعتنقتها المحكمة أو شاهد رؤية خاصة، وأن شهادة شاهدتي الإثبات الأولى والثانية التي عول الحكم على أقوالهما جاءت سماعية وكاذبة تتناقض فيما بينهما وبين تحريات الشرطة في كثير من المواضع، كما أعرض الحكم عما تمسك به الدفاع من استحالة الرؤية في مكان الحادث عند وقوعه، وقام دفاع الطاعنين على أساس المنازعة في مكان الحادث لشواهد عددها إلا أن المحكمة أغفلت هذا الدفاع والتفتت عن طلب تحقيقه، فضلاً عن أن الحكم عول على معاينة النيابة العامة لمكان الحادث دون أن يورد مضمونها تفصيلاً، كما أن المدافع عن الطاعنين تمسك بطلب إجراء معاينة لمكان الحادث لإجراء تجربة رؤية بمعرفة المحكمة للوقوف على استحالة وقوع الحادث كما صوره الشهود، والاستعلام عن مواعيد حركة سير القطارات في تاريخ الحادث، بيد أن المحكمة ردت على هذا الدفاع برد غير سائغ، والتفتت عن دلالة ما قدمه الطاعنان من مستندات تأييداً لدفاعهما، كما التفتت عن دفاعهما القائم على أن بلاغ الحادث جاء خلواً من تحديد شخص من قام به وخلو مكان الحادث من ثمة أشجار أو تضاريس تمكن المتهمين من التربص والاختباء للمجني عليه، فضلاً عن أنه تولدت في نفس قضاة المحكمة الرغبة في إدانة المحكوم عليهما، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعنين بها، وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً، يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة - كما هو الحال - في الدعوى الراهنة فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون، ومن ثم فإن منعى الطاعنين في هذا الشأن يكون لا محل له. لما كان ذلك، وكان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى، والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وإذ كان الحكم قد دلل على توافر هذه النية تدليلاً سائغاً واضحاً في إثبات توافرها لدى الطاعنين فإن منعاهما في هذا الشأن لا يكون له وجه. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، ولما كانت أقوال شاهدة الإثبات الأولى كما رواها الحكم والتي لا ينازع الطاعنان في أن لها سندها في الأوراق لا تتعارض بل تتلاءم مع ما نقله عن تقرير الطبيب الشرعي في شأن إصابات المجني عليه وكيفية حدوثها، هذا فضلاً عن أن جسم الإنسان متحرك ولا يتخذ وضعاً ثابتاً وقت الاعتداء مما يجوز معه حدوث إصابة الأجزاء الأمامية منه والضارب له واقف خلفه أو أمامه حسب الوضع الذي يكون فيه الجسم وقت الاعتداء، وتقدير ذلك لا يحتاج إلى خبرة خاصة، وكان الحكم قد رد على دعوى الخلاف بين الدليلين بما يكفي ويسوغ اطراحها، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم في الدعوى والفصل فيما وجه إليه من اعتراضات، ومادامت اطمأنت إلى ما جاء به فلا يجوز مجادلتها في ذلك، فضلاً عن أن محكمة الموضوع لا تلتزم باستدعاء الطبيب الشرعي أو كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها، ولم تر هي من جانبها حاجة إلى هذا الإجراء، أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى ما دام استنادها إلى الرأي الذي انتهى إليه الخبير هو استناد سليم لا يجافي المنطق والقانون. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى تقرير الخبير المقدم في الدعوى، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى، حسبما يؤدي إليه اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق، ولها أصلها في الأوراق، وهي في ذلك ليست مطالبة بالأخذ بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص صورة الدعوى كما ارتسمت في وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية، ولا تلتزم في الأدلة التي يعتمد عليها الحكم أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، وكان من المقرر أن تقدير أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم، وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدرها التقدير الذي تطمئن إليه، ومتى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، كما أنه من المقرر أن تأخذ المحكمة بأقوال الشاهد لو كانت سماعية، ذلك أن الأصل في الشهادة هو تقرير الشخص لما يكون قد رآه أو سمعه بنفسه أو أدركه على وجه العموم بحواسه، وكان أي من الطاعنين لا يمارى في طعنه أن الشهود يتمتعون بسائر الحواس الطبيعية، فلا على الحكم إن هو أخذ بشهادتهم، كما أن التناقض في أقوال الشهود أو تضاربهم في أقوالهم - بفرض حصوله - لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه، وكانت المحكمة - في الدعوى الماثلة قد اطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات التي حصلتها بما لا تناقض فيه كما اطمأنت إلى حصول الواقعة طبقاً للتصوير الذي أوردته، وكانت الأدلة التي استندت إليها في ذلك سائغة ومقبولة في العقل والمنطق، ولا يجادل الطاعنان أن لها معينها الصحيح في الأوراق، فإن ما يثيره الطاعنان بشأن أن أيا من شهود الإثبات لم ير واقعات الحادث ولم يعاصر أحدهم تعدي الطاعنين على المجني عليه، وأن صورة الدعوى التي اعتنقتها المحكمة جاءت على خلاف مادياتها، لا يعدو أن يكون محاولة لتجريح أدلة الدعوى على وجه معين تأدياً من ذلك إلى مناقضة الصورة التي ارتسمت في وجدان المحكمة بالدليل الصحيح، وهو ما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الدفع باستحالة الرؤية بسبب الظلام من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل من المحكمة رداً صريحاً ما دام الرد مستفاداً ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، فإن ما ينعاه الطاعنان من ذلك يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنين لم يثيرا دفاعهما القائم على المنازعة في مكان وقوع الحادث فإنه ليس لهما من بعد أن ينعيا على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يبد أمامها ولا يقبل منهما إثارته أمام محكمة النقض، هذا إلى أنه لا يعدو أن يكون دفاعاً موضوعياً يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم ومن بينها أقوال الشهود التي اطمأنت إليها المحكمة. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعنان من عدم إيراد الحكم لتفصيلات ما جاء بمحضر المعاينة فإن الحكم المطعون فيه قد أورد منها ما يكفي لتبرير اقتناعه بالإدانة وما دامت المحكمة قد اطمأنت إلى هذه المعاينة واعتمدت عليها في تكوين عقيدتها، فإن إغفالها إيراد بعض تفصيلات معينة يعتبر اطراحاً منها لهذه التفصيلات، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لطلب الطاعنين إجراء معاينة لمكان الحادث للوقوف على استحالة حدوث الواقعة كما صورها الشهود واطرحه في قوله:- "وحيث إنه عن طلب إجراء معاينة لمكان الحادث فإنه يرمي إلى التشكيك في صحة أقوال شاهدة الواقعة لعدم وجود أعمدة إنارة يمكنها معها الوقوف على كيفية ارتكاب الجريمة. لما كان ذلك، وكانت الشاهدة المذكورة قد قررت بتحقيقات النيابة العامة أن الواقعة حدثت في نحو الساعة السادسة مساء وأن المكان كان لم يزل مضيئا بنور الشمس، التي لم تكن قد غربت بعد، وكان من المقرر أن طلب المعاينة الذي لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود - وإنما كان المقصود به إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة - يعد من قبيل الدفاع الموضوعي الذي لا تلتزم المحكمة بإجابته، فمن ثم تعرض المحكمة عنه". لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه ولئن كان القانون قد أوجب على محكمة الموضوع سماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وتحقيقه، إلا أنه متى كانت الواقعة قد وضحت لديها أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى فلها أن تعرض عن ذلك مع بيان العلة، وإذ كان ما أورده الحكم - فيما تقدم - كافياً وسائغاً ويستقيم به اطراح طلب إجراء المعاينة دون أن يوصم الحكم المطعون فيه بالقصور أو الإخلال بحق الدفاع، فضلاً عن أن هذا الوجه من الدفاع لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة، ولا إلى استحالة حصول الواقعة كما رواها شهود الإثبات، بل الهدف منه إثارة الشبهة في الأدلة التي اطمأنت إليها المحكمة، ويعتبر من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تلتزم المحكمة بإجابته، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان الطاعن الثاني وإن طلب في ختام مرافعته بالجلسة الأخيرة الاستعلام عن مواعيد حركة سير القطارات في تاريخ الحادث إلا أنه لم يوضح في مرافعته أمام محكمة الموضوع ما يرمي إليه من طلب الاستعلام المشار إليه، ومن ثم فإن هذا الطلب يغدو طلباً مجهلاً من سببه ومرماه فلا على المحكمة إن هي التفتت عنه ولم تجب الطاعن إليه. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية إقناعية ولمحكمة الموضوع أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل والمنطق أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي تثبت لديها من باقي الأدلة القائمة في الدعوى، ومن ثم فإن ما يثار من أن الحكم التفت عن المستندات التي قدمها الطاعن الثاني للتدليل على استحالة الرؤية في مكان الحادث وزمانه بسبب الظلام لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعنان في شأن عدم اشتمال التبليغ عن الحادث على تحديد شخص من قام به مردوداً بما هو مقرر من أنه لا عبرة بما اشتمل عليه بلاغ الواقعة وإنما العبرة بما اطمأنت إليه المحكمة مما استخلصته من التحقيقات، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ومصادرتها في عقيدتها مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن محكمة الموضوع غير ملزمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي المختلفة، والرد على كل شبهة يثيرها وبيان العلة فيما أعرضت عنه من شواهد النفي أو أخذت به من أدلة الثبوت ما دام لقضائها وجه مقبول، ومن ثم فلا على المحكمة إن هي أعرضت عما أثاره الدفاع من خلو مكان الحادث من ثمة أشجار أو تضاريس تمكن المتهمين من التربص والاختباء للمجني عليه، لأن ذلك كله لا يعدو أن يكون دفاعاً موضوعياً يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم، ويكون ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن غير مقبول. لما كان ذلك، وكانت حالة الرغبة في إدانة المحكوم عليهما من المسائل الداخلية التي تقوم في نفس القاضي وتتعلق بشخصه وضميره، وترك المشرع أمر تقيد الإدانة لتقدير القاضي وما تطمئن إليه نفسه ويرتاح إليه وجدانه، ومن ثم فإن ما يثار في هذا الشأن لا يصح أن ينبني عليه وجه الطعن. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

الطعن 38422 لسنة 75 ق جلسة 25 / 12 / 2012 مكتب فني 63 ق 159 ص 873

جلسة 25 من ديسمبر سنة 2012

برئاسة السيد المستشار/ سلامة أحمد عبد المجيد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ يحيى محمود، عصمت عبد المعوض، مجدي تركي نواب رئيس المحكمة وهشام فرغلي.

---------------

(159)
الطعن رقم 38422 لسنة75 القضائية

(1) إثبات "بوجه عام". حكم "بيانات التسبيب" "بيانات حكم الإدانة" "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
وجوب اشتمال حكم الإدانة على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها وإيراد مؤدى أدلة الإدانة.
عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم.
(2) إثبات "خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير آراء الخبراء".
عدم إيراد الحكم نص تقرير الخبير بكامل أجزائه. لا ينال من سلامته.
مثال.
(3) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير أقوال الشهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب" "ما لا يعيبه في نطاق التدليل".
إحالة الحكم في بيان شهادة شاهد إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر. لا يعيبه. ما دامت أقوالهما متفقة مع ما استند إليه الحكم منها.
عدم التزام محكمة الموضوع بسرد روايات كل الشهود وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به. حسبها إيراد ما تطمئن إليه منها وطرح ما عداه. مثال.
(4) إثبات "شهود" "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني في كل جزئية منه. غير لازم. كفاية أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصي على الملاءمة والتوفيق.
مثال.
----------------
1- من المقرر أن القانون وإن أوجب في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها وأن يورد مؤدى الأدلة التي استخلص منها الإدانة حتى يتضح وجه استدلاله بها وسلامة مأخذها إلا أنه لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة والظروف التي وقعت فيها، ولما كان الحكم المطعون فيه وعلى ما يبين من مدوناته قد بيَّن واقعة الدعوى وأورد مؤدى الأدلة التي استخلص منها الإدانة في بيان كاف فإنه ينحسر عنه قالة القصور في التسبيب.
2- لما كان البين أن الحكم قد أورد فحوى ما تضمنه تقرير الطب الشرعي الموقع على المجني عليه وبيَّن الإصابات التي لحقت به ووصفها وأنه قد تخلف من جرائها لديه عاهة مستديمة ونسبتها وسببها فإن هذا حسبه كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه ولا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص تقرير الخبير بكامل أجزائه.
3- من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة شاهد إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهما متفقة مع ما استند إليه الحكم منها، وكانت محكمة الموضوع غير ملزمة بسرد روايات كل الشهود إن تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وطرح ما عداه، وإذ كان الطاعن لا يجادل في أن أقوال شاهدي الإثبات متفقة في جملتها مع ما استند إليه الحكم منها في الواقعة الجوهرية المشهود عليها وهي التعدي بالضرب على المجني عليه بعصا على ذراعه أحدثت إصابته التي تخلف لديه من جرائها عاهة مستديمة. فلا يؤثر في سلامة الحكم اختلاف أقوالهما في شأن موضع الإصابة أنه الذراع الأيمن أو الأيسر ما دام التقرير الطبي قد كشف عن وجود الإصابة في الذراع الذي قال به المجني عليه والتي تخلف من جرائها العاهة ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد لا يكون له محل.
4-من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني في كل جزئية منه بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، وإذ كان الحكم المطعون فيه فيما أورده من دليل قولي لا يتعارض مع ما حصله من التقرير الفني بل يتلاءم معه في شأن نوع الإصابة وموضعها والآلة المستخدمة وتاريخ حدوثها فإن هذا حسبه كيما يستقيم قضاؤه بغير تناقض بين الدليلين، ولا على المحكمة إن هي أعرضت عن مسايرة الدفاع في هذا الصدد ما دامت الواقعة قد وضحت لديها، ولا عليها إن لم ترد عليه ما دام الدفع ظاهر البطلان.

الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: ضرب المجني عليه ..... عمداً بجسم صلب (عصا) على ساعده الأيمن فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الطب الشرعي والتي تخلف لديه من جرائها عاهة مستديمة يستحيل برؤها وهي كسور غير ملتحمة بعظمتي الساعد مع ضمور بعضلات الساعد وإعاقة عند منتصف حركة البطح وكذا بنهاية حركات المعصم الأيمن وبإصبع الإبهام الأيمن والتي تقدر بحوالي خمسة وأربعين في المائة. وأحالته إلى محكمة جنايات ..... لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعى المجني عليه مدنياً قبل المتهم بمبلغ ألفين جنيه وواحد على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 240/ 1 من قانون العقوبات. بمعاقبته بالسجن لمدة ثلاث سنوات عما أسند إليه وفي الدعوى المدنية بإلزامه بأن يدفع للمدعي بالحق المدني مبلغ ألفي جنيه وواحد على سبيل التعويض المدني المؤقت.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض ..... إلخ.

المحكمة

من حيث إن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة إحداث عاهة مستديمة قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع. ذلك بأنه لم يورد مؤدى الأدلة التي تساند إليها في قضائه سيما الدليل المستمد من أقوال الشاهدة الثانية، وأحال في بيان أقوالها إلى ما جاء بأقوال الشاهد الأول رغم اختلافهما في موضع إصابات المجني عليه، كما عول على تقرير الطب الشرعي دون إيراد مضمونه ورغم الدفع بتناقضه والدليل القولي في خصوص عدد الضربات وموضع إصابة المجني عليه التي أحدثت العاهة إلا أن الحكم اطرح هذا الدفع بما لا يسوغ ولم تجر المحكمة تحقيقاً في هذا الشأن عن طريق المختص فنياً، مما يعيبه بما يستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال شاهدي الإثبات وتقرير الطب الشرعي، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القانون وإن أوجب في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها وأن يورد مؤدى الأدلة التي استخلص منها الإدانة حتى يتضح وجه استدلاله بها وسلامة مأخذها إلا أنه لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة والظروف التي وقعت فيها، ولما كان الحكم المطعون فيه - وعلى ما يبين من مدوناته - قد بيَّن واقعة الدعوى وأورد مؤدى الأدلة التي استخلص منها الإدانة في بيان كاف فإنه ينحسر عنه قالة القصور في التسبيب. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أورد فحوى ما تضمنه تقرير الطب الشرعي الموقع على المجني عليه وبيَّن الإصابات التي لحقت به ووصفها وأنه قد تخلف من جرائها لديه عاهة مستديمة ونسبتها وسببها فإن هذا حسبه كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه ولا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص تقرير الخبير بكامل أجزائه. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة شاهد إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهما متفقة مع ما استند إليه الحكم منها، وكانت محكمة الموضوع غير ملزمة بسرد روايات كل الشهود إن تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وطرح ما عداه، وإذ كان الطاعن لا يجادل في أن أقوال شاهدي الإثبات متفقة في جملتها مع ما استند إليه الحكم منها في الواقعة الجوهرية المشهود عليها. وهي التعدي بالضرب على المجني عليه بعصا على ذراعه أحدثت إصابته التي تخلف لديه من جرائها عاهة مستديمة فلا يؤثر في سلامة الحكم اختلاف أقوالهما في شأن موضع الإصابة أنه الذراع الأيمن أو الأيسر ما دام التقرير الطبي قد كشف عن وجود الإصابة في الذراع الذي قال به المجني عليه والتي تخلف من جرائها العاهة ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني في كل جزئية منه بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، وإذ كان الحكم المطعون فيه فيما أورده من دليل قولي لا يتعارض مع ما حصله من التقرير الفني بل يتلاءم معه في شأن نوع الإصابة وموضعها والآلة المستخدمة وتاريخ حدوثها فإن هذا حسبه كيما يستقيم قضاؤه بغير تناقض بين الدليلين، ولا على المحكمة إن هي أعرضت عن مسايرة الدفاع في هذا الصدد ما دامت الواقعة قد وضحت لديها، ولا عليها إن لم ترد عليه ما دام الدفع ظاهر البطلان. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.