الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

الأحد، 9 مارس 2025

الدعوى 17 لسنة 37 ق دستورية عليا " منازعة تنفيذ " جلسة 8 / 2 / 2025

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثامن من فبراير سنة 2025م، الموافق التاسع من شعبان سنة 1446ه.

برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 17 لسنة 37 قضائية "منازعة تنفيذ"

المقامة من

رئيس مجلس إدارة شركة مصر للطيران للخطوط الجوية والعضو المنتدب

ضد

رأفت صادق عبد الكريم السيد

--------------

الإجراءات

بتاريخ الرابع عشر من فبراير سنة 2015، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم، أولًا: بصفة مستعجلة: بوقف تنفيذ حكم محكمة استئناف الإسماعيلية الصادر بجلسة 5/3/2014، في الاستئناف رقم 1587 لسنة 38 قضائية، ثانيًا: وفى الموضوع: بعدم الاعتداد بذلك الحكم، والاستمرار في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 31/7/2011، في الدعوى رقم 101 لسنة 32 قضائية "دستورية".

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها، أعقبته بتقرير تكميلي، بعد أن أعادت المحكمة الدعوى إليها لاستكمال التحضير.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 7/12/2024، وفيها قدمت هيئة المفوضين مذكرة، وصورة من حكم محكمة النقض الصادر بجلسة 28/2/2024، في الطعن رقم 8725 لسنة 84 قضائية، كما قدمت الشركة المدعية صورة رسمية من ذلك الحكم، وبتلك الجلسة قررت المحكمة إصدار الحكم في الدعوى بجلسة اليوم.

--------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن المدعى عليه أقام أمام محكمة الإسماعيلية الابتدائية الدعوى رقم 1117 لسنة 2003 "عمال كلي"، ضد الشركة المدعية وآخرين، طالبًا الحكم بأحقيته في ضم مدة الخدمة العسكرية والوطنية المتبقية، وقدرها سنة وشهر وأحد عشر يومًا، إلى مدة خدمته المدنية، وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية، على سند من أنه أدى الخدمة العسكرية والوطنية اعتبارًا من 20/1/1991 إلى 1/3/1992، ثم التحق بالعمل بالشركة المدعية، وطلب ضم تلك المدة إلى مدة خدمته بالشركة، إلا أن الشركة امتنعت عن ضم هذه المدة؛ مما حدا به إلى إقامة دعواه بطلباته المتقدمة. وبجلسة 28/11/2013، حكمت المحكمة برفض الدعوى، وإذ لم يرتض المدعى عليه هذا القضاء؛ فقد طعن عليه أمام محكمة استئناف الإسماعيلية بالاستئناف رقم 1587 لسنة 38 قضائية. وبجلسة 5/3/2014، قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف، وبأحقية المدعى عليه في ضم مدة خدمته العسكرية والوطنية إلى مدة خدمته المدنية بالشركة، مع ما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية؛ على سند من أن نص المادة (44) من قانون الخدمة العسكرية والوطنية الصادر بالقانون رقم 127 لسنة 1980 المستبدل بها القانون رقم 152 لسنة 2009 باستبعاده قيد الزميل الوارد بالنص المذكور، قبل تعديله بالقانون السالف الذكر، فإنه يكون قد استحدث قاعدة آمرة من قواعد النظام العام في شأن ضم مدة الخدمة العسكرية والوطنية، تُستمد مباشرة من القانون، وتنعدم فيها سلطة جهة العمل التقديرية في شأن ضمها، وتسري بأثر فوري على الوقائع والمراكز القانونية القائمة وقت العمل بالقانون رقم 152 لسنة 2009 المشار إليه، ولو كانت سابقة على تاريخ العمل به، ومنها حالة المدعى عليه. طعنت الشركة المدعية على حكم محكمة استئناف الإسماعيلية أمام محكمة النقض بالطعن رقم 8725 لسنة 84 قضائية. وإذ ارتأت الشركة المدعية أن ذلك الحكم يمثل عقبة في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 31/7/2011، في الدعوى رقم 101 لسنة 32 قضائية "دستورية"، فقد أقامت الدعوى المعروضة، دون أن تتربص قضاء محكمة النقض في الطعن المار ذكره.

وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن قوام منازعة التنفيذ أن يكون تنفيذ الحكم القضائي لم يتم وفقا لطبيعته وعلى ضوء الأصل فيه، بل اعترضته عوائق تحول قانونًا- بمضمونها أو أبعادها- دون اكتمال مداه، وتعطل - تبعا لذلك- أو تقيد اتصال حلقاته وتضاممها بما يعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان، ومن ثم تكون عوائق التنفيذ القانونية هي ذاتها موضوع منازعة التنفيذ التي تتوخى في غايتها النهائية إنهاء الآثار المصاحبة لتلك العوائق، أو الناشئة عنها، أو المترتبة عليها، ولا يكون ذلك إلا بإسقاط مسبباتها وإعدام وجودها، لضمان العودة بالتنفيذ إلى حالته السابقة على نشوئها. وكلما كان التنفيذ متعلقًا بحكم صادر بعدم دستورية نص تشريعي، فإن حقيقة مضمونه، ونطاق القواعد القانونية التي احتواها، والآثار المتولدة عنها، هي التي تحدد جميعها شكل التنفيذ، وتبلور صورته الإجمالية، وتعين كذلك ما يكون لازمًا لضمان فاعليته. بيد أن تدخل المحكمة الدستورية العليا - وفقًا لنص المادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 - لإزاحة عوائق التنفيذ التي تعترض أحكامها، وتنال من جريان آثارها في مواجهة الكافة، دون تمييز، بلوغًا للغاية المبتغاة منها في تأمين حقوق الأفراد وصون حرياتهم، يفترض ثلاثة أمور، أولها: أن تكون هذه العوائق - سواء بطبيعتها أو بالنظر إلى نتائجها- حائلة دون تنفيذ أحكامها، أو مقيدة لنطاقها. ثانيها: أن يكون إسنادها إلى تلك الأحكام وربطها منطقيًّا بها ممكنًا، فإذا لم تكن لها بها من صلة؛ فإن خصومة التنفيذ لا تقوم بتلك العوائق، بل تعتبر غريبة عنها، منافية لحقيقتها وموضوعها. ثالثها: أن منازعة التنفيذ لا تُعد طريقًا للطعن في الأحكام القضائية، وهو ما لا تمتد إليه ولاية هذه المحكمة.

وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى – أيضًا – على أن إعمال آثار الأحكام التي تصدرها في المسائل الدستورية هو من اختصاص محاكم الموضوع، وذلك ابتناءً على أن محكمة الموضوع هي التي تنزل بنفسها على الوقائع المطروحة عليها قضاء المحكمة الدستورية العليا، باعتباره مفترضًا أوليًّا للفصل في النزاع الموضوعي الدائر حولها، ومن ثم فهي المنوط بها تطبيق نصوص القانون في ضوء أحكام المحكمة الدستورية العليا، الأمر الذي يستلزم – كأصل عام – اللجوء إلى تلك المحاكم ابتداءً، لإعمال آثار الأحكام الصادرة في المسائل الدستورية على الوجه الصحيح، وليضحى اللجوء إلى المحكمة الدستورية العليا هو الملاذ الأخير لإزاحة عوائق التنفيذ التي تعترض أحكامها، وتحول دون جريان آثارها.

وحيث إن المحكمة الدستورية العليا قضت بجلسة 31/7/2011، في الدعوى رقم 101 لسنة 32 قضائية "دستورية": بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (44) من قانون الخدمة العسكرية والوطنية الصادر القانون رقم 127 لسنة 1980، المستبدلة بالقانون رقم 152 لسنة 2009، فيما نصت عليه من أن "يعمل بأحكام هذه المادة اعتبارًا من 1/12/1968 بالنسبة للمجندين المؤهلين. وقد نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بالعدد رقم 32 مكرر(ج) بتاريخ 13/8/2011.

متى كان ما تقدم، وكان الثابت بالأوراق أن الشركة المدعية قد أقامت الدعوى المعروضة بتاريخ 14/2/2015، على سند من أن الحكم الصادر من محكمة استئناف الإسماعيلية بجلسة 5/3/2014، القاضي بأحقية المدعى عليه في ضم مدة خدمته العسكرية، يشكل عقبة في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 31/7/2011، في الدعوى رقم 101 لسنة 32 قضائية "دستورية"، وكان حكم محكمة استئناف الإسماعيلية المشار إليه، قد تم الطعن عليه أمام محكمة النقض بالطعن رقم 8725 لسنة 84 قضائية، وإذ استبق المدعي الأمر بإقامة الدعوى المعروضة قبل أن تقول محكمة النقض كلمتها في شأن إعمال آثار الحكم الصادر في الدعوى الدستورية المشار إليها على النزاع الموضوعي - باعتبار أن ذلك مفترض أولي للفصل فيه - من خلال التزامها، كسائر جهات القضاء، بتطبيق نصوص القانون في ضوء ما انتهى إليه قضاء المحكمة الدستورية العليا، إعمالًا لنص المادة (195) من الدستور، ونص المادتين (48 و 49) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، والتي بمقتضاها تكون الأحكام والقرارات الصادرة منها ملزمة للكافة، وجميع سلطات الدولة، بما فيها جهات القضاء المختلفة، وتكون لها الحجية المطلقة بالنسبة لهم، ولما كانت محكمة النقض قد قضت بحكمها الصادر بجلسة 28/2/2024، في الطعن رقم 8725 لسنة 84 قضائية، بنقض الحكم المطعون فيه - المصور عقبةً في التنفيذ- وفي موضوع الاستئناف رقم 1587 لسنة 38 قضائية الإسماعيلية، برفضه وتأييد الحكم المستأنف، وكان حكمها قد قضى بما يوجبه إعمال حكم المحكمة الدستورية العليا المنازع في تنفيذه على وجهه الصحيح؛ ومن ثم فإن الدعوى المعروضة تكون فاقدة مقومات قبولها، مما يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى.

 وحيث إنه عن طلب الشركة المدعية وقف تنفيذ حكم محكمة استئناف الإسماعيلية في الاستئناف المار ذكره، فإنه يُعد فرعًا من أصل منازعة التنفيذ المعروضة، وإذ انتهت المحكمة فيما تقدم إلى القضاء بعدم قبول الدعوى، فإن مباشرتها اختصاص البت في هذا الطلب، طبقًا لنص المادة (50) من قانونها السالف بيانه، يكون قد بات غير ذي موضوع.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وألزمت الشركة المدعية المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الدعوى 30 لسنة 44 ق دستورية عليا " تنازع " جلسة 8 / 2 / 2025

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثامن من فبراير سنة 2025م، الموافق التاسع من شعبان سنة 1446ه.

برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وخالد أحمد رأفت دسوقي وعلاء الدين أحمد السيد نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 30 لسنة 44 قضائية "تنازع "

المقامة من

وزير المالية، بصفته الرئيس الأعلى لجهاز تصفية الحراسات

ضد

أحمد محمد البنا

--------------

الإجراءات

 بتاريخ التاسع من أكتوبر سنة 2022، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم، بصفة مستعجلة: بوقف تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر بجلسة 26/3/2022، في الطعنين رقمي 33214 لسنة 56 قضائية "عليا"، و21232 لسنة 59 قضائية "عليا". وفي الموضوع: بعدم الاعتداد بهذا الحكم، والاعتداد بحكم محكمة استئناف الإسماعيلية "مأمورية بورسعيد" الصادر بجلسة 28/2/2022، في الاستئناف رقم 222 لسنة 55 قضائية.

 وقدمت هيئة قضايا الدولة عن المدعي، مذكرة صممت فيها على الطلبات.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 7/12/2024، وفيها قدم المدعى عليه حافظة مستندات طويت على صورة ضوئية من الحكم الصادر من محكمة النقض في الطعن رقم 9409 لسنة 92 قضائية، ومذكرة طلب في ختامها الحكم بعدم قبول الدعوى، وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

---------------

المحكمة

 بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعي أقام أمام محكمة بورسعيد الابتدائية الدعوى رقم 226 لسنة 2009 مدني كلي، ضد المدعى عليه، طالبًا الحكم بتقديم كشف حساب عن كامل إيرادات العقار محل التداعي عن المدة من عام 1994 إلى عام 2007. وبإلزامه أن يؤدي إليه مبلغًا مقداره 42504 جنيهات، نصيبه في إيرادات العقار عن الفترة المشار إليها، والفوائد القانونية بواقع 4٪ من تاريخ المطالبة حتى تاريخ السداد، على سند من القول بأنه بمقتضى الأمر العسكري رقم 5 لسنة 1956 خضع نصف عقار التداعي لتدابير الحراسة المملوك لكل من: ماري أشميدت ورولان جبران - فرنسيان - بالميراث عن والديهما، والنصف الآخر من العقار يملكه المدعى عليه بموجب عقد مسجل، وإذ طالبه المدعي بأداء الريع المشار إليه، باعتباره القائم على إدارة العقار، فلم يمتثل؛ فأقام دعواه. ادعى المدعى عليه فرعيًّا، طالبًا إلغاء الحجز الإداري الموقع على ممتلكاته، واعتباره كأن لم يكن، والحكم ببراءة ذمته من أية ديون، وعدم التعرض له في ملكية العقار. قضت المحكمة برفض الدعويين الأصلية والفرعية بحالتيهما. استأنف المدعي الحكم أمام محكمة استئناف الإسماعيلية "مأمورية بورسعيد" بالاستئناف رقم 222 لسنة 55 قضائية، كما أقام المدعى عليه استئنافًا فرعيًّا. وبجلسة 28/2/2022، قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف في شقه الأول، والقضاء مجددًا بإلزام المدعى عليه مبلغًا مقداره 133741,47 جنيهًا، قيمة ريع العقار خلال فترة المطالبة من 17/4/1994 إلى 31/12/2019، والتأييد فيما عدا ذلك. طعن المدعي على ذلك الحكم أمام محكمة النقض بالطعن رقم 9409 لسنة 92 قضائية. وبجلسة 10/6/2024، نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه، وأحالت الطعن إلى محكمة استئناف الإسماعيلية "مأمورية بورسعيد".

ومن ناحية أخرى، كان المدعى عليه قد أقام الدعوى رقم 37526 لسنة 64 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري – الدائرة السابعة – بطلب الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار الصادر عن جهاز تصفية الحراسات فيما تضمنه من بيع حصة قدرها 12 قيراطًا من 24 قيراطًا مشاعًا في العقار محل التداعي بالمزاد العلني، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها: غل يد جهاز تصفية الحراسات عن ذلك العقار، وعدم تعرضه للمدعى عليه فيما يملكه، والانتفاع به. حكمت المحكمة في الطلب العاجل بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار. طعن المدعي على الحكم بالطعن رقم 33214 لسنة 56 قضائية "عليا" أمام المحكمة الإدارية العليا. وأقام المدعى عليه الدعوى رقم 17769 لسنة 65 قضائية، أمام محكمة القضاء الإداري ضد المدعي وآخرين، بطلب الحكم بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه فيما تضمنه من خضوع نصف العقار الذي يملكه للحراسة، وما ارتبط بذلك من قرارات، أخصها امتناع الشهر العقاري عن شهر عقود البيع التي تثبت ملكية المدعى عليه لنصف العقار، مع ما يترتب على ذلك من آثار. قضت محكمة القضاء الإداري بإلغاء القرارين المطعون فيهما مع ما يترتب على ذلك من آثار. طعن المدعي على الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن رقم 21232 لسنة 59 قضائية "عليا". ضمت المحكمة الطعنين السالفين، وقضت بجلسة 26/3/2022، برفضهما.

وإذ ارتأى المدعي أن الحكمين السالفي الذكر قد صدرا عن جهتين قضائيتين مختلفتين، وتناقضا موضوعًا، على نحو يتعذر تنفيذهما معًا؛ فأقام الدعوى المعروضة، طالبًا الحكم بعدم الاعتداد بالحكم الصادر في الطعنين رقمي 33214 لسنة 56 قضائية "عليا" و21232 لسنة 59 قضائية "عليا"، والاعتداد بالحكم الصادر من محكمة استئناف الإسماعيلية "مأمورية بورسعيد" في الدعوى رقم 222 لسنة 55 قضائية.

وحيث إن مناط قبول طلب الفصل في النزاع الذى يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين وفقًا للبند "ثالثًا" من المادة (25) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 أن يكون أحد الحكمين صادرًا من إحدى جهات القضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائي، والآخر صادرًا من جهة قضائية أخرى منها، وأن يكونا قد حسما النزاع في موضوعه، وتناقضا بحيث يتعذر تنفيذهما معًا، مما مؤداه أن النزاع الذي يقوم بسبب تناقض الأحكام النهائية، وتنعقد لهذه المحكمة ولاية الفصل فيه، هو ذلك الذي يكون بين أحكام صادرة من أكثر من جهة من جهات القضاء، أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي، فإذا ما آل أمر الادعاء بالتناقض إلى حد واحد؛ خرج الفصل فيه عن ولاية المحكمة الدستورية العليا.

متى كان ما تقدم، وكان حكم محكمة استئناف الإسماعيلية "مأمورية بورسعيد" الصادر بجلسة 28/2/2022، في الاستئناف رقم 222 لسنة 55 قضائية – أحد حدي التناقض المدعى به – قد أُلغي بقضاء محكمة النقض الصادر بجلسة 10/6/2024، في الطعن رقم 9409 لسنة 92 قضائية، الذي قضى بنقض الحكم المطعون فيه، وإحالة القضية إلى محكمة استئناف الإسماعيلية " مأمورية بورسعيد"؛ ومن ثم فإن هذا الحد من حدي التناقض يكون قد زال، ولم يعد له من أثر قانوني في مجال التنفيذ، الذي لم يبق فيه سوى حد واحد، هو الحكم الصادر من جهة القضاء الإداري المار ذكره، مما ينتفي معه مناط قبول الدعوى المعروضة، ولزامه القضاء بعدم قبول الدعوى.

وحيث إنه عن الطلب العاجل بوقف تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا السالف الإشارة إليه، فإنه يُعد فرعًا من أصل النزاع المعروض، وإذ انتهت المحكمة فيما تقدم إلى عدم قبول الدعوى، فإن مباشرة رئيس المحكمة الدستورية العليا اختصاص البت في هذا الطلب؛ إعمالًا لنص المادة (32) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، يكون قد بات غير ذي موضوع.

فلهذه الأسباب

 حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى.

الدعوى 32 لسنة 42 ق دستورية عليا " منازعة تنفيذ " جلسة 8 / 2 / 2025

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثامن من فبراير سنة 2025م، الموافق التاسع من شعبان سنة 1446ه.

برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبد العزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبد الجواد شبل وطارق عبد العليم أبو العطا وصلاح محمد الرويني ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 32 لسنة 42 قضائية "منازعة تنفيذ"

المقامة من

حسن عبد المنعم حسن السيد

ضد

1- رئيس مجلس الوزراء

2- رئيس مجلس النواب

3- وزير العدل

4- غادة دكروري توفيق عبد الجليل

-------------

الإجراءات

 بتاريخ الثالث عشر من ديسمبر سنة 2020، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم، بصفة مستعجلة: بوقف تنفيذ حكم محكمة جنح عين شمس في الدعوى رقم 10800 لسنة 2013 جنح عين شمس، المؤيد بحكم محكمة جنح مستأنف شرق القاهرة في الاستئناف رقم 8076 لسنة 2014، وحكم محكمة استئناف القاهرة -دائرة طعون نقض الجنح – في الطعن رقم 37629 لسنة 85 قضائية، وفي الموضوع: بعدم الاعتداد بتلك الأحكام، والاستمرار في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في الدعوى رقم 56 لسنة 32 قضائية "دستورية".

 وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.

 وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

 ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 5/6/2021، وقررت المحكمة إعادتها إلى هيئة المفوضين لاستكمال التحضير، فأودعت تقريرًا تكميليًّا بالرأي، وأعيد نظر الدعوى بجلسة 7/12/2024، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

---------------

المحكمة

 بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

 حيث إن الوقائع تتحصل –على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- في أن المدعى عليها الرابعة أقامت بطريق الادعاء المباشر أمام محكمة جنح عين شمس الجنحة رقم 10800 لسنة 2013، ضد المدعي، وآخر؛ لأنهما بتاريخ 15/3/2013، ارتكبا في حقها أفعالًا تشكل جريمة القذف، بأن أسندا إليها في محضر قسم شرطة عين شمس الرقيم 3437 لسنة 2013، عبارات تعد سبًّا وقذفًا وبلاغًا كاذبًا، وطلبت عقابهما بالمواد (171 و179 و181 و182 و303 و306 و307) من قانون العقوبات. قضت المحكمة حضوريًّا بمعاقبة كل منهما بغرامة قدرها خمسة آلاف جنيه والتعويض المدني المؤقت. لم يرتض المدعي الحكم وطعن عليه أمام محكمة جنح مستأنف شرق القاهرة، بالاستئناف رقم 8076 لسنة 2014. وبجلسة 17/11/2014، قضت المحكمة غيابيًّا برفضه، وتأييد الحكم المستأنف. عارض المدعي في الحكم. وبجلسة 29/1/2015، قضت المحكمة بعدم جواز نظر المعارضة الاستئنافية، استنادًا إلى نص الفقرة الأولى من المادة (398) من قانون الإجراءات الجنائية المستبدل بها القانون رقم 74 لسنة 2007، التي لا تُجيز المعارضة إلا في الجنح المعاقب عليها بعقوبة مقيدة للحرية، دون المعاقب عليها بعقوبة الغرامة. طعن المدعي على ذلك القضاء أمام محكمة استئناف القاهرة - دائرة طعون نقض الجنح - بالطعن رقم 37629 لسنة 85 قضائية، التي قررت بجلسة 9/11/2017 - في غرفة مشورة- عدم جواز الطعن بالنقض، مستندة في ذلك إلى نص المادة (30) من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959، الذي استثنى الجنح المعاقب عليها بعقوبة الغرامة التي لا تجاوز عشرين ألف جنيه من طريق الطعن بالنقض. وإذ ارتأى المدعي أن حكم محكمة استئناف القاهرة "دائرة طعون نقض الجنح" الصادر بجلسة 9/11/2017، المار ذكره، يُعد عقبة في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 5/3/2016، في الدعوى رقم 56 لسنة 32 قضائية "دستورية"، بقالة إنه لم يُعمل الأثر الرجعي لحكم المحكمة الدستورية العليا المار ذكره، الذي يوجب - حسبما ارتأى - تجاوز العائق المقرر في المادة (30) من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض السالف البيان؛ فأقام الدعوى المعروضة.

 وحيث إن منازعة التنفيذ - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – قوامها أن يكون التنفيذ قد اعترضته عوائق تحول قانونًا بمضمونها أو أبعادها دون اكتمال مداه، وتعطل أو تقيد اتصال حلقاته وتضاممها، بما يعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان؛ ومن ثم تكون عوائق التنفيذ القانونية هي ذاتها موضوع منازعة التنفيذ أو محلها، التي تتوخى في ختام مطافها إنهاء الآثار المصاحبة لتلك العوائق، أو الناشئة عنها، أو المترتبة عليها، ولا يكون ذلك إلا بإسقاط مسبباتها وإعدام وجودها، لضمان العودة بالتنفيذ إلى حالته السابقة على نشوئها. وكلما كان التنفيذ متعلقًا بحكم صدر بعدم دستورية نص تشريعي، فإن حقيقة مضمونه، ونطاق القواعد القانونية التي يضمها، والآثار المتولدة عنها في سياقها، وعلى ضوء الصلة الحتمية التي تقوم بينها، هي التي تحدد جميعها شكل التنفيذ وصورته الإجمالية، وما يكون لازمًا لضمان فعاليته. بيد أن تدخل المحكمة الدستورية العليا - وفقًا لنص المادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 - لهدم عوائق التنفيذ التي تعترض أحكامها، وتنال من جريان آثارها في مواجهة الأشخاص الاعتباريين والطبيعيين جميعهم دون تمييز، بلوغًا للغاية المبتغاة منها في تأمين حقوق الأفراد وصون حرياتهم، يفترض ثلاثة أمور، أولها: أن تكون هذه العوائق - سواء بطبيعتها أو بالنظر إلى نتائجها – ولو كانت تشريعًا أو حكمًا قضائيًّا أو قرارًا إداريًّا أو عملًا ماديًّا، حائلة دون تنفيذ أحكامها أو مقيدة لنطاقها. ثانيها: أن يكون إسنادها إلى تلك الأحكام وربطها منطقيًّا بها ممكنًا، فإذا لم تكن لها بها من صلة، فإن خصومة التنفيذ لا تقوم بتلك العوائق، بل تعتبر غريبة عنها، منافية لحقيقتها وموضوعها. ثالثها: أن منازعة التنفيذ لا تعد طريقًا للطعن في الأحكام القضائية، وهو ما لا تمتد إليه ولاية هذه المحكمة.

 وحيث إن المحكمة الدستورية العليا سبق أن قضت بجلسة الخامس من مارس سنة 2016، في الدعوى رقم 56 لسنة 32 قضائية "دستورية" بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (398) من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950، المعدل بالقانون رقم74 لسنة 2007، فيما تضمنه من قصر قبول المعارضة في الأحكام الغيابية الصادرة في الجنح على تلك المعاقب عليها بعقوبة مقيدة للحرية، دون المعاقب عليها بعقوبة الغرامة، ونُشر الحكم في الجريدة الرسمية بالعدد 10 (مكرر) في 14/3/2016.

 وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن قانونها - ضمانًا لصون الحرية الشخصية التي كفلها الدستور، واعتبرها من الحقوق الطبيعية التي

لا يجوز الإخلال بها عدوانًا - قد نص في المادة (49) منه على أنه إذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقًا بنص جنائي فإن أحكام الإدانة الصادرة استنادًا إليه تُعتبر كأن لم تكن. وهو ما يعنى سقوطها بكل آثارها ولو صار الطعن فيها ممتنعًا، لتفارقها قوة الأمر المقضي التي قارنتها، وتلك هي الرجعية الكاملة التي أثبتها قانون المحكمة الدستورية العليا لأحكامها الصادرة بإبطال النصوص الجنائية، وهي – بعد – رجعية لا قيد عليها، ولا عاصم منها، بل يكون أثرها جارفًا لكل عائق على خلافها، ولو كان حكمًا باتًّا.

 وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى - كذلك - على أن التفسير المنطقي السديد لما ورد بالمذكرة الإيضاحية لقانون هذه المحكمة، وتقرير اللجنة التشريعية بمجلس الشعب المنعقدة بتاريخ 16/7/1979، بشأن إعمال الأثر الرجعى للحكم الصادر منها بعدم دستورية نص جنائي على الحكم الصادر بالإدانة، واعتباره كأن لم يكن، ولو كان باتًّا، ينسحب إلى الأحكام التي تزيل وصف التجريم أو تضيّق من مجاله، باعتباره وضعًا تأباه العدالة إذا ما أسقط الحكم هذا الوصف عن الأفعال التي ارتكبها المتهم، أو عن طريق تعديل تكييفها، أو بتغيير بنيان بعض عناصرها، بما يمحو عقوبتها كلية أو يجعلها أقل وطأة، ليسري أثر هذا الحكم في شأن الأحكام السابقة على صدوره، ولو كانت باتة، طبقًا لما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية وتقرير اللجنة التشريعية لقانون المحكمة الدستورية العليا المشار إليه، من امتداد هذا الأثر كذلك إلى الأحكام المنظمة للإجراءات الجنائية.

وحيث إن مناط إعمال حكم الفقرة الأخيرة من المادة (49) من قانون هذه المحكمة المشار إليه، أن يكون النص الجنائي المقضي بعدم دستوريته قد ترتب عليه إدانة المحكوم عليه، أو أفضى إلى إدانته بأية صورة كانت، على أنه في الأحوال التي يكون فيها النص الجنائي المقضي بعدم دستوريته من بين مواد الاتهام، التي لم يطبقها حكم الإدانة، أو إذا كوَّن الفعل الواحد جرائم متعددة، ولم تكن عقوبة النص المقضي بعدم دستوريته هى الأشد، أو التي يخارج فيها النص– كلية – أركان التجريم أو العقوبات بأنواعها المقررة للجريمة التي تساند إليها حكم الإدانة، أو تنبت الرابطة – مطلقًا – بين ذلك النص وأدلة الإثبات التي يعول عليها حكم الإدانة، ففي أي من هذه الأحوال، فإن الصلة بين حكم الإدانة البات والنص المقضي بعدم دستوريته تغدو منتفية.

 متي كان ذلك، وكان حكم محكمة جنح مستأنف عين شمس الصادر بجلسة 29/1/2015، في الاستئناف المقيد برقم 8076 لسنة 2014، القاضي بعدم جواز المعارضة، لا صلة له بإدانة المدعي، بحكم محكمة جنح عين شمس الصادر في الجنحة رقم 10800 لسنة 2013، ولم يتساند البتة إلى نص الفقرة الأولى من المادة (398) من قانون الإجراءات الجنائية المقضي بعدم دستوريته بحكم هذه المحكمة المشار إليه؛ ومن ثم لا يُعد عقبة في تنفيذه، ويغدو طلب عدم الاعتداد بذلك الحكم مفتقدًا سنده، الأمر الذي يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى في هذا الشق منها.

 وحيث إن قرار محكمة استئناف القاهرة - دائرة نقض الجنح - الصادر بجلسة 9/11/2017، في غرفة مشورة، في الطعن رقم 37629 لسنة 85 قضائية، بعدم جواز الطعن بالنقض، المصور عقبة في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 5/3/2016، في الدعوى رقم 56 لسنة 32 قضائية "دستورية"، أقام قضاءه على سند من أن نص المادة (30) من قانون حالات وإجراءات الطعن بالنقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959، المستبدلة بالقانون رقم 74 لسنة 2007، قد أوجب لنظر الطعن أن تكون الجنحة معاقبًا عليها بعقوبة الغرامة التي تزيد عن عشرين ألف جنيه، وهي عقوبة لا نص عليها في الجريمة المؤثمة بالمادة (303) من قانون العقوبات، بما يحول دون نظر ذلك الطعن، والتعرض إلى موضوعه؛ الأمر الذي يكون معه هذا القرار منبت الصلة بحكم المحكمة الدستورية العليا المار ذكره، ولا يُعد عائقًا يحول دون تنفيذه؛ ومن ثم تقضي المحكمة بعدم قبول الدعوى برمتها.

 وحيث إنه عن طلب وقف التنفيذ، فإنه يعد فرعًا من أصل النزاع في الدعوى المعروضة، وإذ انتهت المحكمة -فيما تقدم- إلى القضاء بعدم قبول الدعوى، فإن قيامها بمباشرة اختصاص البت في هذا الطلب – طبقًا لنص المادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 – يكون قد صار غير ذي موضوع.

فلهذه الأسباب

 حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وألزمت المدعي المصروفات.

الدعوى 82 لسنة 33 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 8 / 2 / 2025

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثامن من فبراير سنة 2025م، الموافق التاسع من شعبان سنة 1446ه.

برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة

وعضوية السادة المستشارين: الدكتور طارق عبد الجواد شبل وطارق عبد العليم أبو العطا وخالد أحمد رأفت دسوقي وعلاء الدين أحمد السيد والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز وصلاح محمد الرويني نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري ل ةرئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 82 لسنة 33 قضائية "دستورية"

المقامة من

عبد الناصر محمد سيد متولي

ضد

1- رئيس مجلس الوزراء

2- رئيس مجلس الشعب (النواب حاليًّا)

3- وزير الاستثمار

4- رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للتأمين

5- رئيس مجلس إدارة شركة مصر للتأمين المدمج بها شركة الشرق للتأمين

--------------

الإجراءات

 بتاريخ الثلاثين من أبريل سنة 2011، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية المادتين (8 و9) من قانون التأمين الإجباري عن المسئولية المدنية الناشئة عن حوادث مركبات النقل السريع داخل جمهورية مصر العربية الصادر بالقانون رقم 72 لسنة 2007، فيما تضمنتاه من تحديد مقدار مبلغ التأمين في حالات العجز الجزئي المستديم بمقدار نسبة العجز، وقصر الالتزام بالتعويض فيما يجاوز مبلغ التأمين على المتسبب في الحادث والمسئول عن الحقوق المدنية دون شركة التأمين.

 وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.

 وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

 ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قدمت الشركة المدعى عليها الخامسة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها، وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

-------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

 حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن المدعي أقام أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية الدعوى رقم 4455 لسنة 2010 تعويضات كلي، ضد الشركة المدعى عليها الخامسة، طالبًا الحكم بإلزامها أن تؤدي إليه مبلغًا مقداره مائتا ألف جنيه، تعويضًا عن الأضرار المادية والأدبية، على سند من أنه بتاريخ 13/9/2008، تسبب قائد سيارة خاصة في إصابته، وحركت النيابة العامة عن هذه الواقعة الجنحة المقيدة برقم 18800 لسنة 2008 مصر القديمة، التي حُكم فيها بانقضاء الدعوى الجنائية صلحًا، وإلزام قائد السيارة بتعويض مدني مؤقت مقداره 51 جنيهًا، فأقام المدعي دعواه طلبًا للتعويض النهائي مستندًا إلى نص المادتين (163 و178) من القانون المدني ونصوص قانون التأمين الإجباري عن المسئولية المدنية الناشئة عن حوادث مركبات النقل السريع الصادر بالقانون رقم 72 لسنة 2007. وبجلسة 15/9/2010، ندبت المحكمة مصلحة الطب الشرعي لتوقيع الكشف الطبي على المدعي، فأودع تقريرًا انتهى فيه إلى أن إصابة المدعي أصبحت ذات صفة نهائية وقد خَلَّفَتْ لديه نسبة عجز قدرها 75٪. وبجلسة 2/11/2010، دفع المدعي بعدم دستورية المادتين (8 و9) من قانون التأمين الإجباري عن المسئولية المدنية الناشئة عن حوادث مركبات النقل السريع، المار ذكره. وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت بإقامة الدعوى الدستورية؛ فأقام الدعوى المعروضة.

وحيث إن المادة (8) من قانون التأمين الإجباري عن المسئولية المدنية الناشئة عن حوادث مركبات النقل السريع داخل جمهورية مصر العربية الصادر بالقانون رقم 72 لسنة 2007، تنص على أن " تؤدي شركة التأمين مبلغ التأمين المحدد عن الحوادث المشار إليها في المادة (1) من هذا القانون إلى المستحق أو ورثته وذلك دون الحاجة إلى اللجوء للقضاء في هذا الخصوص.

ويكون مبلغ التأمين الذي تؤديه شركة التأمين قدره أربعون ألف جنيه في حالات الوفاة أو العجز الكلي المستديم ويحدد مقدار مبلغ التأمين في حالات العجز الجزئي المستديم بمقدار نسبة العجز .......، على أن يصرف مبلغ التأمين في مدة لا تجاوز شهرًا من تاريخ إبلاغ شركة التأمين بوقوع الحادث".

وتنص المادة (9) من القانون ذاته على أن" للمضرور أو ورثته اتخاذ الإجراءات القضائية قِبل المتسبب عن الحادث والمسئول عن الحقوق المدنية للمطالبة بما يجاوز مبلغ التأمين".

وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المصلحة الشخصية المباشرة تعد شرطًا لقبول الدعوى الدستورية، ومناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، المطروحة على محكمة الموضوع.

وحيث إن هذه المحكمة بما لها من هيمنة على الدعوى، هى التي تعطيها وصفها الحق وتكييفها القانوني الصحيح، متقصية في ذلك طلبات الخصوم، مستظهرة حقيقة مراميها وأبعادها دون التقيد بالألفاظ التي استخدمها الخصوم، ما دامت لا تخرج عن وقائع الدعوى.

متى كان ما تقدم، وكانت رحى النزاع الموضوعي تدور حول طلب المدعي إلزام الشركة المدعى عليها الخامسة، المؤمن لديها تأمينًا إجباريًّا على السيارة مرتكبة الحادث، بأن تؤدي إليه تعويضًا نهائيًّا يكافئ الأضرار التي ترتبت على إصابته بعجز جزئي- لا عجز كلي – مستديم، دون التقيد بمقدار مبلغ التأمين المنصرف إليه، الذي تحدد بنسبة العجز إلى مبلغ أربعين ألف جنيه، المقرر في حالات الوفاة أو العجز الكلي المستديم، وجواز اختصامه لهذه الشركة لإلزامها بأن تؤدي إليه تعويضًا نهائيًّا يجاوز ما تم صرفه إليه وفق الضوابط السابقة، دون قصر اتخاذ الإجراءات القضائية للمطالبة بما يجاوز مبلغ التأمين المذكور على المتسبب عن الحادث والمسئول عن الحقوق المدنية وحدهما؛ ومن ثم تتحقق للمدعي مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن على دستورية نص المادتين (8 و9) من قانون التأمين الإجباري عن المسئولية المدنية الناشئة عن حوادث مركبات النقل السريع داخل جمهورية مصر العربية الصادر بالقانون رقم 72 لسنة 2007، لما للقضاء في دستوريتهما من أثر مباشر وانعكاس أكيد على الطلبات في الدعوى الموضوعية وقضاء محكمة الموضوع فيها. ويتحدد نطاق الدعوى المعروضة فيما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة (8) من القانون المشار إليه من أنه "ويحدد مقدار مبلغ التأمين في حالات العجز الجزئي المستديم بمقدار نسبة العجز". وما تضمنته المادة (9) من القانون ذاته من قصر حق المضرور في الرجوع بالتعويض النهائي، فيما يجاوز مبلغ التأمين المنصوص عليه في المادة السابقة، على المتسبب في الحادث والمسئول عن الحقوق المدنية، دون شركة التأمين المؤمن لديها تأمينًا إجباريًّا، وذلك في مجال انطباقها على حالة العجز الجزئي المستديم.

ولا ينال من توافر المصلحة الشخصية المباشرة في هذه الدعوى سبق قضاء المحكمة الدستورية العليا في شأن المادتين (8 و9) من القانون المار ذكره، وذلك بحكمها الصادر بجلسة 2/7/2022، في الدعوى رقم 56 لسنة 35 قضائية "دستورية"، الذي قضى برفض الدعوى، إذ إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في الدعوى الدستورية يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التي كانت مثارًا للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلًا حاسمًا بقضائها، أما النصوص التي لم تكن مطروحة على المحكمة ولم تفصل فيها فلا تمتد إليها تلك الحجية. متى كان ذلك، وكان قضاء هذه المحكمة السالف البيان، قد اقتصر نطاقه على نص المادتين (8 و9) من قانون التأمين الإجباري عن المسئولية المدنية الناشئة عن حوادث مركبات النقل السريع داخل جمهورية مصر العربية الصادر بالقانون رقم 72 لسنة 2007، وذلك في مجال انطباقهما على حالتي الوفاة والعجز الكلي المستديم، فإن حجية هذا الحكم لا تمتد لتشمل حالة العجز الجزئي المستديم، ويضحى دفع الشركة المدعى عليها الخامسة بعدم قبول الدعوى لسابقة الفصل فيها قائمًا على غير أساس، متعينًا الالتفات عنه.

 ولا ينال مما تقدم – أيضًا - إلغاء القانون رقم 72 لسنة 2007 المشار إليه، بمقتضى نص المادة الثانية من القانون رقم 155 لسنة 2024 بإصدار قانون التأمين الموحد، إذ إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن إلغاء النص التشريعي لا يحول دون النظر والفصل في دستوريته، ذلك أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية أنها تسري على الوقائع التي تتم في ظلها، أي خلال الفترة من تاريخ العمل بها حتى تاريخ إلغائها، فإذا ألغيت هذه القاعدة وحلت محلها قاعدة قانونية أخرى، فإن القاعدة الجديدة تسري من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من القاعدتين القانونيتين؛ ومن ثم فإن المراكز القانونية التي نشأت وترتبت آثارها في ظل أي من القانونين - القديم والجديد - تخضع لحكمه، فما نشأ منها وترتبت آثاره في ظل القانون القديم - كما هو الحال في الدعوى المعروضة - يظل خاضعًا له، وما نشأ من مراكز قانونية وترتبت آثاره في ظل القانون الجديد يخضع لهذا القانون وحده؛ ومن ثم فإن المصلحة في الدعوى المعروضة تظل متحققة بالنسبة للنصين المطعون فيهما، في حدود نطاقهما المتقدم.

 وحيث إن المدعي ينعى على النصين المطعون فيهما – في النطاق المحدد سلفًا – أنهما ناقضا قواعد من النظام العام في شأن المسئولية المدنية المنصوص عليها بالمواد (170 و221 و222) من القانون المدني، وخالفا مبادئ الشريعة الإسلامية، والتفتا عن كفالة التضامن الاجتماعي، باعتباره الغاية النهائية من إقرار نظام التأمين الإجباري، وأخلَّا بمبدأ المساواة بين المصابين المخاطبين بأحكامهما، وغيرهم من المصابين في الحوادث التي لا تغطى المسئولية المدنية الناشئة عنها بأحكام التأمين الإجباري، وأهدرا الحق في التقاضي بعدم جواز مخاصمة شركات التأمين الإجباري فيما يجاوز مبلغ التأمين، وذلك بالمخالفة للمواد (2 و7 و40 و68) من دستور سنة 1971، المقابلة للمواد (2 و4 و8 و53 و97) من الدستور الحالي.

 وحيث إنه عن النعي بمخالفة النصين المطعون فيهما قواعد النظام العام في شأن المسئولية المدنية الواردة بنصوص المواد (170 و221 و222) من القانون المدني، فإن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مناط اختصاصها بالفصل في دستورية القوانين واللوائح أن يكون أساس الطعن هو مخالفة التشريع لنص في الدستور، ولا شأن لها بالتعارض بين نصين تشريعيين جمعهما قانون واحد أو تفرقا بين قانونين مختلفين، ما لم يكن هذا التعارض منطويًا بذاته على مخالفة دستورية؛ ومن ثم فإن النعي الذي أثاره المدعي في هذا الخصوص – أيًّا كان الرأي في قيام هذا التعارض – لا يعدو أن يكون نعيًا بمخالفة قانونٍ قانونًا آخر، وهو ما لا تمتد إليه ولاية هذه المحكمة، مما يتعين معه الالتفات عن هذا النعي.

 وحيث إن الرقابة على مدى مطابقة النصوص التشريعية – أيًّا كان تاريخ العمل بها – للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، لكون هذه الرقابة إنما تستهدف أصلًا – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهها المدعي إلى النصين المطعون فيهما تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور، من حيث محتواها الموضوعي؛ ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على دستورية النصين المطعون فيهما من خلال أحكام الدستور القائم الصادر سنة 2014.

 وحيث إنه عن النعي بمخالفة النصين المطعون فيهما مبادئ الشريعة الإسلامية، فهو مردود بأن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن النص في المادة الثانية من الدستور على أن "مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع" يدل على أن الدستور أوردها ليفرض بمقتضاها قيدًا على السلطة التشريعية فيما تقره من النصوص القانونية بألا تناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها معًا، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي يمتنع الاجتهاد فيها، لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية ثوابتها التي لا تحتمل تأويلًا أو تبديلًا، أما الأحكام غير القطعية في ثبوتها أو في دلالتها، أو فيهما معًا، فإن باب الاجتهاد يتسع فيها لمواجهة تغير الزمان والمكان، وتطور الحياة وتنوع مصالح العباد، وهو اجتهاد وإن كان جائزًا أو مندوبًا من أهل الفقه، فهو في ذلك أوجب وأولى لولي الأمر؛ ليواجه ما تقتضيه مصلحة الجماعة درءًا لمفسدة، أو جلبًا لمنفعة، أو درءًا وجلبًا للأمرين معًا. إذ كان ذلك، وكان الأصل في العقود هو الإباحة، وليس في الشريعة الغراء ما يوجب حصر العقود في أنواع معينة، بل كان للناس ولولي الأمر أن يأووا إلى أنواع جديدة من العقود، إذا كانت الحاجة والمصلحة في زمانهم تدعوهم إليها، متى استوفت شرائطها العامة. فالشريعة - على المتفق عليه من أقوال الفقهاء - تستجيب دومًا لحاجات ومصالح الإنسان، وهو حال التأمين بأنواعه المختلفة، لكونه من المعاملات المستحدثة التي لم يرد بشأنها نص شرعي يحرمها، فقد خضع التعامل به لاجتهادات العلماء وآرائهم المستنبطة من بعض النصوص في عمومها، كقوله تعالى "وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" الآية (2) سورة المائدة، وقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" رواه البخاري، وليبقى عقد التأمين خاضعًا للحكم قطعي الثبوت في شأن العقود كافة، وهو النص القرآني الكريم " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ" الآية (1) سورة المائدة، الذي اختلف الفقهاء اختلافًا كبيرًا فيما هو مقصود بالعقد في تفسير الآية الكريمة، ونضحت كتب المفسرين بهذا الاختلاف، الذي كشف عن ظنية دلالة النص بالرغم من قطعية ثبوته، ورجح الفقهاء أن النص قد تضمن أمرًا بتنفيذ العقود قاطبة وإنفاذ آثارها، وهو يشمل العقود المالية التي اتفق الفقهاء على أن إرادة المتعاقدين فيها لها سلطان ما دامت لا تخالف أمرًا مقررًا بنص قطعي في ثبوته ودلالته. وعلى ذلك، فإن شرعية عقد التأمين كانت محلًّا لاختلاف الفقهاء، فقد وجد من بين علماء المسلمين من أجازوه وأباحوه، بعد أن أصبح التأمين بكل أنواعه ضرورة اجتماعية تحتمها ظروف الحياة، ولا يمكن الاستغناء عنه، وأن قوامه التكافل والتضامن والتعاون في رفع ما يصيب الأفراد أو الهيئات من أضرار الحوادث والكوارث، وهو ما أخذت به دار الإفتاء المصرية بفتواها رقم (33) بتاريخ 5/10/2011. ومن ثم فقد بات الأخذ بنظام التأمين الإجباري عن المسئولية المدنية الناشئة عن حوادث مركبات النقل السريع، الذي تناوله بالتنظيم القانون المشتمل على النصين المطعون فيهما مبررًا شرعًا، لمواجهة مصلحة الجماعة، وتحقيق التكافل والتضامن والتعاون بين أفرادها، ولا يناقض في ذلك حكمًا شرعيًّا قطعي الثبوت والدلالة في الشريعة الإسلامية؛ ومن ثم لا مخالفة فيه لأحكام المادة (2) من الدستور.

وحيث إن الدستور قد حرص في المادة (4) منه على كفالة العدل، باعتباره أساسًا لبناء المجتمع، وصيانة وحدته الوطنية، وكانت العدالة في غاياتها – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – لا تنفصل علاقتها بالقانون باعتباره أداة تحقيقها، فلا يكون القانون منصفًا إلا إذا كان كافلًا لأهدافها، فإذا زاغ ببصره عنها، وأهدر القيم الأصيلة التي تحتضنها، كان مُنهيًا للتوافق في مجال تنفيذه، ومسقطًا كل قيمة لوجوده، ومستوجبًا تغييره أو إلغاءه.

وحيث إن الدساتير المصرية على تعاقبها قد حرصت على النص على التضامن الاجتماعي، باعتباره ركيزة أساسية لبناء المجتمع، وواحدًا من الضمانات الجوهرية التي ينبغي أن يتمتع بها كل أفراده، وأن ما نص عليه الدستور في المادة (8) من قيام المجتمع على أساس من التضامن الاجتماعي يعني وحدة الجماعة في بنيانها، وتداخل مصالحها لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، وترابط أفرادها فيما بينهم، ليكون بعضهم لبعض ظهيرًا، لا يتناحرون طمعًا، وهم بذلك شركاء في مسئوليتهم عن حماية تلك المصالح، ولا يملكون التنصل منها أو التخلي عنها، وليس لفريق منهم أن يتقدم على غيره انتهازًا، ولا أن ينال قدرًا من الحقوق يكون بها – عدوانًا – أكثر علوًّا، وإنما تتضافر جهودهم وتتوافق توجهاتهم، لتكون لهم الفرص ذاتها التي تقيم لمجتمعاتهم بنيانها الحق، وتتهيأ معها تلك الحماية التي ينبغي أن يلوذ بها ضعفاؤهم، ليجدوا في كنفها الأمن والاستقرار. وكان الدستور قد اتخذ من تحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التضامن الاجتماعي أحد ركائزه الأساسية، قاصدًا من ذلك - على ما أفصحت عنه المادة (8) منه - ضمان الحياة الكريمة لجميع المواطنين، وقد ناط الدستور بالقانون تنظيم القواعد التي تحقق هذا الهدف.

وحيث إن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون- وبقدر تعلقه بالحدود التي تباشر فيها هذه المحكمة ولايتها- مؤداه: ألا تقر السلطة التشريعية أو تصدر السلطة التنفيذية – في حدود صلاحياتها التي ناطها الدستور بها - تشريعًا يخل بالحماية القانونية المتكافئة للحقوق جميعها، سواءً في ذلك تلك التي نص عليها الدستور، أو التي كفلها المشرع؛ ومن ثم كان هذا المبدأ عاصمًا من النصوص القانونية التي يقيم بها المشرع تمييزًا غير مبرر تتنافر به المراكز القانونية التي تتوافق عناصرها، فلا تكون وحدة بنيانها مدخلًا لوحدة تنظيمها، بل تكون القاعدة القانونية التي تحكمها إما مجاوزة باتساعها أوضاع هذه المراكز أو قاصرة بمداها عن استيعابها. وكان الدستور الحالي قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأي سبب، إلا أن ذلك لا يعني – وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة – أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية، ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادتين (4 و53) المشار إليهما، بما مؤداه أن التمييز المنهي عنه بموجبهما هو ذلك الذي يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم. فإذا كان النص المطعون فيه – بما ينطوي عليه من تمييز – مصادمًا لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقيًّا ربطه بها أو اعتباره مدخلًا إليها؛ فإن التمييز يكون تحكميًّا، وغير مستند إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.

كما جرى قضاء هذه المحكمة على أن مبدأ المساواة أمام القانون لا يعني معاملة المواطنين جميعًا وفق قواعد موحدة؛ ذلك أن التنظيم التشريعي قد ينطوي على تقسيم أو تصنيف أو تمييز، سواء من خلال الأعباء التي يلقيها على البعض أو من خلال المزايا التي يمنحها لفئة دون غيرها، إلا أن مناط دستورية هذا التنظيم ألا تنفصل النصوص التي ينظم بها المشرع موضوعًا معينًا عن أهدافها؛ ليكون اتصال الأغراض التي توخى تحقيقها بالوسائل التي لجأ إليها منطقيًّا، وليس واهنًا أو منتحلاً، بما يخل بالأسس التي يقوم عليها التمييز المبرر دستوريًّا.

وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في تنظيمه لحق التقاضي - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنها سلطة تقديرية، جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم، لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنًا ، وليس من قيد على مباشرة المشرع لهذه السلطة إلا أن يكون الدستور ذاته قد فرض في شأن مباشرتها ضوابط محددة تعتبر تخومًا لها ينبغي التزامها، وفي إطار قيامه بهذا التنظيم لا يتقيد المشرع باتباع أشكال جامدة لا يريم عنها، تفرغ قوالبها في صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز له أن يغاير فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها، على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التي يباشر الحق في التقاضي في نطاقها، وبما لا يصل إلى إهداره، ليظل هذا التنظيم مرنًا، فلا يكون إفراطًا يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافًا بها عن أهدافها، ولا تفريطًا مجافيًا لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قوامًا؛ التزامًا بمقاصدها، باعتبارها شكلًا للحماية القضائية للحق في صورتها الأكثر اعتدالًا.

 متى كان ما تقدم، وكان المشرع – في إطار سلطته التقديرية في تنظيم الحقوق – قد وضع تنظيمًا للتأمين الإجباري عن المسئولية المدنية الناشئة عن حوادث مركبات النقل السريع بالقانون رقم 72 لسنة 2007 – السالف البيان – يوجب التأمين عن هذه المسئولية عند ترخيص مركبات النقل السريع، طبقًا لأحكام قانون المرور، تحقيقًا لمصلحة عامة ومشروعة، ولقد استحدث ذلك التنظيم أحكامًا مغايرة لمواجهة المثالب التي أظهرها تطبيق القانون رقم 652 لسنة 1955 – على ما أوضحته الأعمال التحضيرية للقانون – من بطء إجراءات التقاضي، وتعقد الإجراءات واستغلال الوسطاء للمضرورين، فضلًا عن التربص حتى صدور حكم نهائي يقضي للمضرور أو ورثته بالتعويض، مع ثبات أقساط التأمين، مما ألحق خسائر فادحة بشركات التأمين المملوكة للدولة، أثرت على اقتصاديات تشغيلها، والاتزان المالي لها، وعزوف شركات التأمين الخاصة عن الدخول في هذا المجال، وما ترتب على ذلك من إعاقة التنمية الاقتصادية للدولة؛ مما حدا بالمشرع إلى إعادة تنظيم هذه المسئولية بفلسفة جديدة، مستهدفًا تكريس مبدأ إلزام شركات التأمين بتغطية قدر محدد من المسئولية المدنية، والمخاطر الناتجة عن حوادث مركبات النقل السريع عند تحقق الخطر المؤمن منه، وردت أحكامها في المادة (8) من القانون السالف الذكر، على سبيل الحصر، منها الإصابة بعجز جزئي مستديم، وبمقتضاها تلتزم شركة التأمين بأن تؤدي - في مدة لا تجاوز شهرًا من تاريخ إبلاغها بوقوع الحادث - للمستحق مبلغًا يحدد مقدراه في حالة العجز الجزئي المستديم، بمقدار نسبة العجز من مبلغ مقطوع مقداره أربعون ألف جنيه، بغض النظر عن الضرر من حيث مداه وتناسبه مع مبلغ التأمين، دون حاجة لإثبات المسئولية الشخصية أو المفترضة لقائد المركبة أو للمسئول عن الحقوق المدنية، وذلك كله دون إخلال بحق المضرور في الرجوع على المتسبب في الحادث والمسئول عن الحقوق المدنية، طبقًا للقواعد العامة الحاكمة للمسئولية التقصيرية، ومسئولية المتبوع عن أعمال تابعة، ومسئولية حارس الأشياء المقررة في القانون المدني، بما يجاوز مبلغ التأمين المشار إليه، للحصول على التعويض الجابر للضرر، بما مؤداه أن مبلغ التأمين الذي يؤدى إلى المضرور من حادث المركبة السريعة طبقًا لأحكام المادة (8) من قانون التأمين الإجباري عن المسئولية المدنية الناشئة عن حوادث مركبات النقل السريع داخل جمهورية مصر العربية -السالف البيان- يغاير في سبب استحقاقه مبلغ التعويض الجابر للأضرار الناشئة عن الحادث ذاته، ذلك أن القانون هو مصدر الالتزام بمبلغ التأمين الإجباري، حال أن العمل غير المشروع -بكافة صوره- هو مصدر الالتزام بالتعويض، على ما توجبه نصوص القانون المدني ذات الصلة. ومن ثم غدا مبررًا، من وجهة موضوعية، قصر مخاصمة المضرور في دعوى التعويض عن المسئولية المدنية الناشئة عن حوادث مركبات النقل السريع للمتسبب في الحادث والمسئول عن الحقوق المدنية – بحسب الأحوال – للمطالبة بما يجاوز مبلغ التأمين، على ما يجري به نص المادة (9) من القانون ذاته، مراعاة لاختلاف الالتزامين، أطرافًا، وسببًا، وموضوعًا، على ما سلف بيانه.

 وحيث إنه لما كان ما تقدم، فإن النصين المطعون عليهما – محددين نطاقًا على النحو المار ذكره – لا يكونان مخالفين للمواد (2 و4 و8 و53 و97) من دستور سنة 2014، ولا يتعارضان مع أحكام الدستور من أوجه أخرى؛ الأمر الذي يتعين معه القضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

 حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.