الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 6 أبريل 2023

الطعن 18 لسنة 10 ق جلسة 13 / 6 / 1940 مج عمر المدنية ج 3 ق 68 ص 245

جلسة 13 يونيه سنة 1940

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

-----------------

(68)
القضية رقم 18 سنة 10 القضائية

مسئولية. 

قانون إصابات العمل. مقاول من الباطن. يعتبر في هذا القانون صاحب عمل. ارتفاع مسئولية المقاول من الباطن قبل العامل المصاب للقرابة واحتمال العول. ارتفاع مسئولية المقاول الأصلي. أساس مسئولية المقاول الأصلي اعتباره ضامناً للمقاول من الباطن.
(قانون إصابات العمل رقم 64 لسنة 1936)

----------------
إن المقاول من الباطن يعتبر في القانون رقم 64 لسنة 1936 الخاص بإصابات العمل من أصحاب العمل. وإذن فعلاقة المقاول من الباطن بالعامل المصاب إذا كان من أعضاء أسرته الذين قد يلزم بأن يعولهم لا تخضع لأحكام هذا القانون بمقتضى المادة الثانية منه، وبالتالي لا تخضع لهذه الأحكام علاقة المقاول الأصلي بذلك العامل. إذ القانون في هذه الحالة لا يجعل المقاول الأصلي مسئولاً إلا على اعتباره مجرّد ضامن للمقاول من الباطن. وبناء على ذلك فإنه كلما كانت المسئولية عن المقاول من الباطن منتفية للقرابة فإن مسئولية المقاول الأصلي تكون لا محل لها.


الوقائع

تتلخص وقائع هذه الدعوى - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه وسائر المستندات المقدّمة من طرفي الخصومة وكانت من قبل تحت نظر محكمة الاستئناف - في أن محمود مصطفى الصباغ أفندي أراد أن يكمل بناء منزله ببور سعيد بإقامة دورين فيه فاتفق مع عباس العزازي إبراهيم المقاول (أوّل المطعون ضدّهما) بتاريخ 10 من أغسطس سنة 1937 على أن يقوم له بهذا العمل، واتفق هذا الأخير بدوره مع حامد محمد عاشور مقاول أعمال البياض على أن يتولى هذا العمل في بناء الدورين، وحرّر عقد بينهما ذكر في البند الثالث منه أن حامد محمد عاشور مسئول عن سلامة العمال وصيانتهم من أي خطر، وليس على عباس أقل مسئولية في ذلك. ولما بوشرت أعمال البياض استخدم حامد محمد عاشور أخاه محمد محمد عاشور عاملاً مع سائر العمال فحدث أنه في مساء 11 من نوفمبر سنة 1937 سقط عن سقالة فتوفى على الأثر من إصابته بتهتك في المخ وكسر منخسف بعظام الجمجمة. وضبطت واقعة لهذا الحادث قيدت تحت رقم 10 عوارض سنة 1938 قسم ثاني بور سعيد أثبت في محضرها أن سبب وفاة محمد محمد عاشور هو سقوطه عن سقالة بأن زلت قدمه من ارتفاع نحو 12 متراً. وفي 14 من مارس سنة 1938 رفع الطاعن الأوّل عن نفسه، وبصفته ولياً طبيعياً على أولاده القصر حنفي وحسنة وكاملة وفتحية، والطاعنة الثانية الدعوى رقم 160 كلي الزقازيق سنة 1938 على المطعون ضدّهما وعلى محمود مصطفى الصباغ أفندي أمام محكمة الزقازيق الابتدائية طالبين إلزامهم متضامنين بأن يدفعوا لهما ثلثمائة جنيه والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة والأمر بالنفاذ العاجل، وذكرا في صحيفة تلك الدعوى أن ولدهما محمد محمد عاشور استخدمه المقاولان في بناء بمنزل محمود مصطفى الصباغ أفندي، وفي 11 من نوفمبر سنة 1937 سقط عن سقالة من علو شاهق بسبب عدم ربطها وتوفى في الحال، ولهذا فإنهما يطلبان الحكم بالمبلغ المتقدّم ذكره تعويضاً عما لحقهما من الضرر بوفاته. نظرت المحكمة وفي 26 من ديسمبر سنة 1938 حكمت حضورياً بعدم قبولها بالنسبة لفتحية إحدى المدّعيات وقبولها بالنسبة لباقي المدّعين وبإخراج محمود مصطفى الصباغ أفندي منها بغير مصاريف ثم بإلزام المطعون ضدّهما متضامنين بأن يدفعا للمدعين عدا فتحية 108 جنيهات والمصاريف المناسبة ومائتي قرش أتعاباً للمحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.
استأنف المطعون ضدّه الأوّل هذا الحكم بصحيفة أعلنها لخصومه في 16 و18 من مايو سنة 1939 طالباً فيها للأسباب التي أوردها قبول استئنافه شكلاً وفي الموضوع إلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى الطاعنين وإلزامهما بالمصاريف وأتعاب المحاماة عن الدرجتين ومن باب الاحتياط الكلي إلزام حامد محمد عاشور المطعون ضدّه الثاني بما عساه يحكم به عليه هو مع المصاريف وأتعاب المحاماة عن الدرجتين. حُضّر هذا الاستئناف وأحيل إلى المرافعة بجلسة 15 من نوفمبر سنة 1939 فرفع محامي الطاعنين في تلك الجلسة استئنافاً فرعياً طلب فيه تعديل الحكم المستأنف إلى 113 جنيهاً بدلاً من 108 جنيهات المحكوم بها، وقد طلب محامي المستأنف أصلياً القضاء بطلباته الواردة في صحيفة استئنافه، وطلب ثاني المطعون ضدّهما تأييد الحكم المستأنف. وفي 20 من ديسمبر سنة 1939 حكمت المحكمة حضورياً بقبول الاستئنافين شكلاً وفي موضوع الاستئناف الأصلي بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المستأنف ضدّهما الأوّل والثانية (الطاعنين) قبل المستأنف (المطعون ضدّه الأوّل) وألزمتهما بمصاريف الدرجتين وأربعمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة عنهما وفي موضوع الاستئناف الفرعي برفضه وإلزام رافعيه بمصاريفه.
أعلن هذا الحكم للطاعنين في 22 من فبراير سنة 1940 فطعن فيه وكيلهما بطريق النقض في 9 من مارس سنة 1940 بتقرير أعلن للمطعون ضدّهما في 12 منه إلخ.


المحكمة

وبما أن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تفسير وتطبيق المادة الثانية فقرة "هـ" وفي تفسير المادة الخامسة من القانون رقم 64 لسنة 1936 الخاص بإصابات العمل، كما أخطأ أيضاً في استناده إلى عقد الاتفاق المبرم بين المطعون ضدّهما مع وجود شرط باطل فيه لا يتفق مع قانون إصابات العمل.
وفي بيان ذلك يقول الطاعنان إن محكمة الاستئناف قد اعتبرت المقاول من الباطن صاحب عمل في حين أن المادة الخامسة من قانون إصابات العمل قد وردت فيها عبارة: "إذا كلف بتنفيذ العمل مقاول من الباطن" وهي عبارة تشعر بأن ذلك القانون يفرّق في التسمية وفي المعنى بين صاحب العمل وبين المقاول من الباطن. وما كان إذن من الصواب ما ذهبت إليه تلك المحكمة من تطبيق المادة الثانية فقرة "هـ" من هذا القانون على المطعون ضدّه الثاني، لا سيما وأن عقد الاتفاق المحرّر بينه وبين المطعون ضدّه الأوّل قد نص على أن هذا هو الملزم بتقديم أدوات العمل من مون وعدد وأخشاب وسقايل وغيرها، وكل ما التزم به المطعون ضدّه الثاني هو أن يشتغل مع بعض العمال بأيديهم. ولم يكن من الصواب أيضاً قول المحكمة إن المطعون ضدّه الثاني كان من الملزمين بأن يعول أخاه محمد محمد عاشور المتوفى خلافاً لما هو ثابت من الشهادة الإدارية المقدّمة.
أما وجه مخالفة الحكم للمادة الخامسة من قانون إصابات العمل فترجع إلى أن الحكم المطعون فيه أسس المسئولية التي يمكن أن تقع على المطعون ضدّه الأوّل على أنه ضامن للمقاول من الباطن مع أن الواقع أن مسئولية المطعون ضدّه الأوّل قائمة في كل الحالات باعتباره صاحب العمل، ولم يكن الغرض في المادة الخامسة من القانون حين أشركت المقاول من الباطن في المسئولية مع صاحب العمل إلا زيادة الضمان للعامل، ولهذا جاء في آخر تلك المادة ما نصه: "فإذا استعمل العامل حقه ضدّ صاحب العمل الأصلي جاز لهذا الأخير أن يرجع على المقاول من الباطن ليسترد منه ما دفعه".
أما خطأ الحكم في الاستناد إلى عقد الاتفاق المبرم بين المطعون ضدّهما فيقول عنه الطاعنان إنه خطأ ظاهر إذ لا يمكن قانوناً لصاحب العمل الأصلي أن يخلي مسئوليته المنصوص عنها في القانون بما يضعه من شروط في عقده مع المقاول من الباطن.
وبما أن مثار ما جاء له الطاعنان في تقرير طعنهما وفي مذكرتهما هو ما أورده الحكم المطعون فيه فيما يأتي:
"وحيث إنه ثابت من محضر ضبط الواقعة في القضية رقم 10 سنة 1938 عوارض قسم ثاني بور سعيد أن المتوفى سقط من على السقالة بأن يكون زلت قدماه فوقع على الأرض بارتفاع 12 متراً تقريباً ولم يثبت من ذلك التحقيق وجود أي إهمال أو تقصير من المقاول يترتب عليه أية مسئولية".
"وحيث إنه يجب البحث فيما إذا كان القانون الخاص بشأن إصابات العمال ينطبق على مثل هذه الحالة".
"وحيث إن هذه الدعوى رفعت في 14 من مارس سنة 1938 أي في خلال الستة شهور التالية للوفاة طبقاً للمادة العاشرة من القانون المذكور".
"وحيث إن المادة الثانية من هذا القانون تنص في الفقرة "هـ" منها على أن هذا القانون لا يسري على أعضاء أسرة صاحب العمل الذين قد يلزم بأن يعولهم، وتقضي المادة الخامسة منه بأنه إذا كلف بتنفيذ العمل مقاول من الباطن حق للعامل أن يطالب بالتعويض كلاً من المقاول من الباطن وصاحب العمل الأصلي على أساس الأجر الذي يدفعه الأوّل للعامل. فإذا استعمل العامل حقه ضد صاحب العمل الأصلي جاز لهذا الأخير أن يرجع على المقاول من الباطن ليستردّ منه ما دفعه".
"وحيث إنه يستخلص من أحكام المادتين المذكورتين أن قانون إصابات العمال لا ينطبق على أعضاء أسرة رب العمل الذي قد يلزم بأن يعولهم، وأنه إذا طولب صاحب العمل الأصلي بالتعويض جاز له أن يطالب المقاول من الباطن (وهو صاحب عمل أيضاً) برد ما دفعه".
"وحيث إنه بتطبيق تلك القواعد على هذه الدعوى المطروحة أمام هذه المحكمة يتبين أن هذا القانون لا يسري على حامد محمد عاشور المستأنف ضدّه الثالث لأن المتوفى كان عاملاً عنده وفي الوقت نفسه هو أخ له وبهذه الحالة الأخيرة من أعضاء أسرته الذين قد يلزم بأن يعولهم".
"وحيث إنه متى امتنع إمكان تطبيق قانون العمل بالنسبة للمقاول من الباطن وهو المستأنف ضدّه الثالث فلا يمكن تطبيقه بالنسبة للمقاول الأصلي وهو المستأنف لأن أساس مسئولية الأخير كما هو مفهوم من نص المادة الخامسة هو ضمانه للمقاول من الباطن، فمتى ارتفعت المسئولية في هذه الحالة عن المسئول الأصلي وهو المقاول من الباطن ارتفعت بالتالي عن الضامن وهو المستأنف".
"وحيث إنه مما يزيد في تأييد هذا الرأي بالنسبة للدعوى الحالية ما هو ثابت في عقد الاتفاق بين المستأنف والمستأنف ضدّه الثالث من أن الأخير هو المسئول عن سلامة العمال وصيانتهم من أي خطر وليس على المستأنف أقل مسئولية أو ملزومية بشيء".
"وحيث إنه لذلك كله ترى المحكمة أن المستأنف غير مسئول عن أي تعويض على أساس المسئولية التقصيرية أو على أساس قانون إصابات العمل. ولذلك يتعين إلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى قبله".
هذا ما ذكرته محكمة الاستئناف تأييداً لوجهة نظرها.
وبما أن مناط كل ما جاء به الطاعنان في طعنهما هو ذهابهما في تفسير نص المادة الثانية فقرة "هـ" والمادة الخامسة من قانون إصابات العمل رقم 64 لسنة 1936 الصادر في 14 من سبتمبر سنة 1936 مذهباً يتعارض مع ما فسرت به محكمة الاستئناف هذين النصين.
وبما أن عبارة الفقرة "هـ" من المادة الثانية هي "أعضاء أسرة صاحب العمل الذين قد يلزم بأن يعولهم".
أما عبارة المادة الخامسة فإنها كما يلي: "إذا كلف بتنفيذ العمل مقاول من الباطن حق للعامل أن يطالب بالتعويض كلاً من المقاول من الباطن وصاحب العمل الأصلي على أساس الأجر الذي يدفعه الأوّل للعامل. فإذا استعمل العامل حقه ضدّ صاحب العمل الأصلي جاز لهذا الأخير أي يرجع على المقاول من الباطن ليسترد منه ما دفعه، على أن صاحب العمل الأصلي يصبح غير مسئول مطلقاً إذا وقع الحادث في الأمكنة الخارجة عن إشرافه".
وبما أن الذي يؤخذ من نص الفقرة "هـ" من المادة الثانية أن المقاول من الباطن قد اعتبره الشارع صاحب عمل. وقد تأيد ذلك بما استخلصته بحق محكمة الاستئناف من فحوى المادة الخامسة من القانون، إذ لا شبهة في أن النص على أن لصاحب العمل أن يسترد من المقاول من الباطن ما قد يكون ألزم بدفعه للعامل الذي اختار مقاضاته، ولم يقاض المقاول من الباطن - لا شبهة في أن هذا النص بصيغته التي ورد بها يقطع بأن المشرع قد اعتبر صاحب العمل مجرّد ضامن لا مديناً للعامل.
أما ما يقوله الطاعنان في مذكرتهما من أن الشارع قد تفادى النص على رجوع صاحب العمل بما يعادل فقط نصيب المقاول من الباطن في المسئولية اعتماداً على ما قد يكون صاحب العمل حمّل مقاوله من الباطن المسئولية بأكملها قبل العامل - هذا القول غير سائغ، ولا يعقل أن يكون الشارع قد لاحظ تنسيق نصوصه وفق ما يتخيل من اتفاقات يبرمها أصحاب العمل مع مقاوليهم بشأن توزيع المسئولية بينهم.
كذلك لا يلتفت إلى تشبيه الطاعنين صاحب العمل بشركات التأمين فإنه قياس لا يتسق مع البحث المعروض.
وبما أنه يبين مما تقدّم أن صاحب العمل لا يمكن أن يكون في أحكام قانون إصابات العمل سوى ضامن للمقاول من باطنه الذي يعتبر المدين الأصلي للعامل، وأن حقوق وواجبات صاحب العمل هي حقوق الضامن وواجباته، وقد قصد واضع القانون من النص على ذلك مصلحة العمال الذين سنّ هذا التشريع لهم. ومتى كانت الحال على هذا الاعتبار فإن سقوط الدين عن المدين للعلة التي ذكرها الحكم، وهي القرابة واحتمال أن يعول المدين العامل، تسقط معه مسئولية الضامن.
أما ما قاله الطاعنان من أن المقاول من الباطن وإن كان أخاً للعامل المتوفى فإنه محجوب عن إرثه بوجود والدهما حياً، ومتى امتنع الإرث امتنع احتمال العول - هذا القول مردود بأن نص المادة الثانية فقرة "هـ" من قانون إصابات العمل، قد ذكرت امتناع المسئولية لمجرّد احتمال العول، ولا شك في أن الاحتمال في الدعوى المعروضة قائم ووجوه تحققه كثيرة.
وبما أنه متى تقرر أن لا مسئولية على المطعون ضدّه الثاني بناء على نص القانون أصبح من نافلة القول نعي الطاعنين على الحكم المطعون فيه خطأه في الاستناد إلى العقد المبرم بين المطعون ضدّهما مع وجود شرط باطل فيه رفع مسئولية أوّلهما على غير ما ألزمه القانون. إذ مسئوليته كضامن تزول حتماً برفع مسئولية المطعون ضدّه الثاني كمدين بسبب احتمال عوله أخاه المتوفى.

الطعن 15 لسنة 10 ق جلسة 6 / 6 / 1940 مج عمر المدنية ج 3 ق 66 ص 231

جلسة 6 يونيه سنة 1940

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

---------------

(66)
القضية رقم 15 سنة 10 القضائية

محكمة الموضوع. 

سلطتها في تفسير المحرّرات. حدّها. متى تتدخل محكمة النقض؟ صورة مسألة. إقرار.
(المواد 90 و93 و138 مدني)

------------------
إن تفسير الاتفاقات والمحرّرات لتعرّف حقيقة القصد منها من سلطة محكمة الموضوع ولا رقابة لمحكمة النقض عليها فيه ما لم يكن في التفسير خروج عما تحتمله عبارات الاتفاق أو تشويه لحقيقة معناها. ولئن كان للمحكمة بهذه السلطة المخوّلة لها أن تعدل عن المعنى الظاهر لصيغ المحرّرات إلا أنه يتعين عليها في هذه الحالة أن تبين في حكمها الأسباب التي أقنعتها بأن المعنى الذي أخذت به هو هو المقصود. فإذا اتضح من هذا البيان أنها قد اعتمدت على اعتبارات مقبولة مؤدية عقلاً إلى ما ارتأته فلا شأن لمحكمة النقض معها.
وإذن فإذا كانت عبارات الإقرار المختلف على تفسيره صريحة في أن والد المقرّ وهب لابنه الآخر (الطاعن) مبلغاً من المال ليكون مهراً لزواجه، وأن هذا التبرع قد ستر في عقد صادر من الوالد لولديه (الطاعن والمطعون ضدّه وهو المقرّ) ببيع منزل إذ استبقى الوالد من الثمن قدر المبلغ الذي وهبه ليتقاضاه الموهوب له، فاعتبرت المحكمة أن التبرع هنا لم يكن صادراً من الوالد وإنما هو صادر من الابن المقرّ، وكان سندها في ذلك أن صيغة الإقرار ظاهر منها أنه تبرع من المقرّ، في حين أن هذه الصيغة صريحة في أن الوالد هو الذي صدر منه التبرع، فإن انحرافها عن هذا المعنى الظاهر إلى المعنى الذي قالت به يعتبر منها تشويهاً للإقرار مستوجباً لنقض حكمها.


الوقائع

تتحصل وقائع هذا الطعن - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه والحكم الابتدائي وسائر المستندات التي أيد بها طرفا الخصومة دفاعهما - في أن والد الطاعن والمطعون ضدّه باع لهما منزله الكائن بقسم الجمالية بعقد مصدّق عليه من محكمة الوايلي الجزئية في 22 من ديسمبر سنة 1925 ومسجل بمحكمة مصر المختلطة في 9 يناير سنة 1926 تحت رقم 119 بثمن مقداره 800 جنيه مصري. وقد ذكر في ذلك العقد أن البائع قبض جميع الثمن. وفي 17 من مايو سنة 1926 حرر بين الأخوين إقرار ثابت التاريخ في 10 من يناير سنة 1927 نص فيه على ما يأتي:
"300 جنيه ثلاثمائة جنيه مصري لا غير.
"قد حصل الاتفاق والتراضي فيما بيننا نحن عبد الرحمن عبد الجوّاد المصري ومحمود عبد الجوّاد المصري على أن المبلغ المرقوم أعلاه وقدره ثلاثمائة جنيه مصري يخصم من ثمن المنزل المباع لنا نحن الاثنين من المرحوم والدنا الكائن بقصر الشوق بحارة عليّ الدين تبع قسم الجمالية مناصفة بيننا عند مبيع المنزل المذكور. ويصير خصم هذا المبلغ من ثمن المنزل المذكور عند بيعه من حق أخي محمود عبد الجوّاد المصري أفندي خاصة. وهذا المبلغ قد تبرع به المرحوم والدنا إلى محمود أفندي ليكون مهراً لزواجه، وأن يتقاضاه من ثمن المنزل المذكور عند مبيعه لأحد الطرفين أو للغير. وما يتبقى بعد خصم هذا المبلغ عاليه من ثمن المنزل المذكور يكون الباقي من حق الطرفين بالمناصفة، وعند مبيع ذلك المنزل يكون برضاء الطرفين. وليس لي الحق في الرجوع في ذلك حتى إذا ما لو رجعت أكون ملزماً بدفع ما يخصني في هذا المبلغ وقدره ثلثمائة جنيه مصري وهو مبلغ 150 مائة وخمسين جنيهاً، وإذا تأخرت عن الدفع بعد البيع مباشرة فيكون لأخي محمود أفندي الحق في اتخاذ الطرق القانونية ضدّي، وتحرّر هذا للعمل بموجبه عند اللزوم. تحريراً في 17 من مايو سنة 1926 المقرّ عبد الرحمن عبد الجوّاد المصري".
وفي 2 من يوليه سنة 1927 باع الطاعن وأخوه المنزل إلى الشيخ محمد عبد الخالق بعقد تمهيدي، وحوّل الطاعن إلى المشتري إقرار 17 من مايو سنة 1926 المأخوذ على المطعون ضدّه، ولما رفض هذا الوفاء بما فيه رفع الشيخ محمد عبد الخالق على الطاعن الدعوى رقم 698 سنة 1928 أمام محكمة الوايلي الجزئية يطالبه فيها بقيمة الإقرار، وأدخل المطعون ضدّه ضامناً في تلك الدعوى فدفع هذا بعدم اختصاص المحكمة لتجاوز النصاب وقضت المحكمة بذلك في دعوى الضمان وألزمت الطاعن في الدعوى الأصلية بمبلغ 150 جنيهاً للشيخ محمد عبد الخالق.
فرفع الطاعن الدعوى الحالية أمام محكمة سوهاج الابتدائية على المطعون ضدّه بصحيفة أعلنها إليه في أوّل يونيه سنة 1938 وقيدها تحت رقم 200 كلي سنة 1939 قال فيها إنه وأخاه المطعون ضدّه اشتريا من والدهما منزلاً وتبقى من ثمنه ثلثمائة جنيه لم يقبضه البائع وإن كان ذكر في العقد أن جميع الثمن قد قبض، وقد تنازل الوالد البائع عن هذا الباقي له (للطاعن) وحوّل عليه المطعون ضدّه لكي يدفع نصفه إليه، وأيد المطعون ضدّه التزامه هذا بإقرار حرره على نفسه في 17 من مايو سنة 1926 تعهد فيه بأنه عند بيع المنزل يختص الطاعن دونه بثلثمائة جنيه من ثمنه. ولما بيع المنزل بعقد تمهيدي للشيخ محمد عبد الخالق نكل المطعون ضدّه عن عهده ولم يدفع للشيخ محمد عبد الخالق قيمة التعهد فطالب الشيخ محمد عبد الخالق المذكور الطاعن به وقضى له عليه بمبلغ 150 جنيهاً، ولهذا فإنه يطلب بدوره الحكم بهذا المبلغ على المطعون ضدّه مستنداً إلى ورقة 17 من مايو المتقدّم ذكرها.
نظرت محكمة سوهاج هذه الدعوى فدفعها المطعون ضدّه بعدم الاختصاص لقلة النصاب وفي الموضوع طلب رفضها لبطلان سند 17 من مايو سنة 1926.
وفي 24 من يناير سنة 1939 حكمت المحكمة برفض الدفع الفرعي وباختصاص المحكمة بنظر الدعوى وفي موضوعها بإلزام المطعون ضدّه بأن يدفع للطاعن 150 جنيهاً والمصاريف و150 قرشاً أتعاب محاماة وشملت الحكم بالنفاذ المعجل.
استأنف المطعون ضدّه هذا الحكم أمام محكمة استئناف أسيوط بصحيفة أعلنها لخصمه في 16 من مارس سنة 1939 وقيدها تحت رقم 66 سنة 14 قضائية طالباً قبول استئنافه شكلاً وفي الموضوع إلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى.
وفي 16 من ديسمبر سنة 1939 حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المستأنف عليه (الطاعن) وإلزامه بالمصاريف عن الدرجتين ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة.
أعلن هذا الحكم للطاعن في أوّل فبراير سنة 1940 فطعن فيه وكيله بطريق النقض في 29 من ذلك الشهر بتقرير أعلن للمطعون ضدّه في 3 من مارس سنة 1940 إلخ.


المحكمة

وبما أن مبنى الطعن وجهان: يتلخص أوّلهما في أن الحكم المطعون فيه قد مسخ وشوّه المستند موضوع الدعوى وهو ورقة 17 من مايو سنة 1926 التي أقرّ فيها المطعون ضدّه بأن والد الطرفين قد تبرع للطاعن بثلثمائة جنيه والتزم بخصمها له من ثمن منزلهما في حالة مبيعه، وإن لم يفعل فإنه يسدّد لأخيه الطاعن مائة وخمسين جنيهاً. ويقول الطاعن إنه مع صراحة عبارة هذا الإقرار فإن الحكم المطعون فيه قد اعتبره تبرعاً من المطعون ضدّه للطاعن لا من والدهما، ورتب على هذا الاعتبار الخاطئ أن الإقرار هبة بمنقول لم يتم قبضها، وفي هذا مسخ للمستند يبطل الحكم. ويتلخص الوجه الثاني في أن الحكم المطعون فيه بعد أن مسخ عقد 17 من مايو سنة 1926 أخطأ في تطبيق القانون بشأنه إذ كيفه بأنه عن هبة بمنقول لا تتم إلا بعقد رسمي أو بالقبض، ولما كان لا هذا ولا ذاك قد وقع فهي هبة باطلة لا وجود لها. ويقول الطاعن إن التطبيق الصحيح للقانون يقتضي اعتبار التعهد التزاماً من الوارث بتنفيذ تبرع من المورّث وهو التزام لا يجوز البتة الرجوع فيه.
وبما أن قضاء محكمة أوّل درجة بنفاذ التعهد المتنازع بشأنه قد بني على الأسباب الآتية:
"وحيث إنه عن الموضوع فإن الثابت من عقد 17 من مايو سنة 1926 أنه حصل الاتفاق بين المدّعي والمدّعى عليه بأن يختص أوّلهما بمبلغ الـ 300 جنيه الباقية عليهما من ثمن المنزل لمن تصرف إليهما بالبيع وهو والدهما، وأن هذا كان بمثابة هبة من الوالد للمدّعي ليكون مهراً لزواجه. وبالعبارة الأخيرة من العقد التزام صريح من المدّعى عليه بأن يدفع نصيبه في هذا المبلغ وقدره 150 جنيهاً لأخيه المدّعي، وعلى ظهر هذا العقد تحويل من المدّعي إلى الشيخ محمد عبد الخالق بما يفيد أن المدّعي قبض منه هذا المبلغ".
"وحيث إن المدّعى عليه قد بنى دفاعه على أن هذا المبلغ كان بمثابة تبرع منه هو لأخيه، وأن الهبة بهذه الكيفية لا تصح ولا تجوز قانوناً طبقاً لنص المادة 48 مدني".
"وحيث إن تكييف الأمر بهذا الوضع إنما هو مغالطة من المدّعى عليه لأن الهبة لم تكن منه بل من الوالد. وظاهر من العقد المبرم بين الطرفين أن التزامه بدفع مبلغ 150 جنيهاً كان صريحاً لا يقبل شكاً ولا تأويلاً".
"وحيث إنه ثبت بعد ذلك أن المدّعى عليه لم يقبل خصم مبلغ الـ 150 جنيهاً من نصيبه في ثمن المنزل مما اضطر المشتري إلى الرجوع على المدّعي بهذا المبلغ وصدر الحكم به فعلاً".
"وحيث إنه لكل ما تقدّم تكون دعوى المدّعي صحيحة ويتعين الحكم له بطلباته".
أما قضاء محكمة ثاني درجة بإلغاء ذلك الحكم فقد بني على ما يأتي:
"وحيث إن المستأنف يرتكن في استئنافه إلى عدّة أسباب تتلخص في أن الإقرار المؤرّخ في 17 من مايو سنة 1926 هو عبارة عن تبرع بمبلغ 150 جنيهاً من المستأنف إلى المستأنف عليه وأنه هبة في منقول لم يتم قبضه فتكون الهبة باطلة لعدم حصولها بعقد رسمي".
"وحيث إن المستأنف عليه قد ردّ على ذلك في مذكرته ومرافعته بالجلسة بأن مبلغ الـ 150 جنيهاً الذي تعهد المستأنف بدفعه إليه إنما هو حوالة من الأب إلى المستأنف فتكون الهبة صحيحة لأنها قد وضعت في صيغة عقد آخر وهو عقد الحوالة".
"وحيث إنه لا عقد البيع الصادر من الوالد إلى ولديه طرفي الخصومة ولا ورقة التبرع الصادرة من ذلك الوالد قد قدّم أيهما للمحكمة حتى يمكن تقدير قيمة كل منهما قانوناً، ولم يقدّم في الدعوى سوى الإقرار الصادر في 17 من مايو سنة 1926 الموقع عليه من المستأنف (عبد الرحمن عبد الجوّاد المصري)".
"وحيث إن صيغة هذا الإقرار ظاهر منها أنه تبرع من المستأنف إلى المستأنف عليه بمبلغ الـ 150 جنيهاً المرفوعة به الدعوى وهي ليست بعقد رسمي، ولما كان التبرع على هذه الصورة إن هو إلا هبة في منقول لم يتم قبضها فهي باطلة قانوناً طبقاً للمادتين 48 و49 من القانون المدني".
"وحيث إنه بناء على ما تقدّم يكون الحكم المستأنف على غير صواب وواجباً إلغاؤه".
هذا ما ركزت فيه كل من المحكمتين نظرها فيما ذهبت إليه.
وبما أنه مما يلفت النظر بادي الرأي أن محكمة الاستئناف لم تذكر في تمحيصها دفاع طرفي الخصومة إلا ما نوّهت به من أنه لم يقدّم لها عقد بيع المنزل الصادر للأخوين من والدهما ولا ورقة التبرع حتى يمكن تقدير هذين المستندين، وأنه لم يقدّم سوى إقرار 17 من مايو سنة 1926. وبعد ذلك وثبت إلى الجزم بأن صيغة هذا الإقرار ظاهر منها أنه تبرع من المستأنف (المطعون ضده) إلى المستأنف عليه (الطاعن) بمبلغ 150 جنيهاً المرفوعة به الدعوى ولم تقل بعد ذلك إلا عبارة "وهي ليست بعقد رسمي، ولما كان التبرع على هذه الصورة إن هو إلا هبة في منقول لم يتم قبضها فهي باطلة طبقاً للمادتين 48 و49 من القانون المدني".
في هذا الأداء المبتور اجتمع كل ما كان على محكمة الموضوع أن تكشف عنه في جلاء من فهمها للواقع في الدعوى أخذاً من المستندات المقدّمة ومن تكييفها ذلك الواقع التكييف القانوني الصحيح. ولما كان فهم الواقع في الدعوى من مستنداتها وإن كان من عمل محكمة الموضوع ولا رقابة عليها فيه من محكمة النقض إلا أن ذلك محدود بأن لا تتحيف محكمة الموضوع في تفسير تلك المستندات وتناقض بما تذهب إليه في تفهم معناها نصوصها الصريحة فتشوّه المعنى المتبادر وتأتي بمعنى جديد. أللهم إلا إذا كانت تلك المستندات قد اختلف على المعنى الذي تؤدّيه وبدا للمحكمة نظر فيها تراه أوفى بمقصد العاقدين، فعندئذ يكون لها أن تعدل عن المدلول الظاهر لصيغتها ولكن بشرط لا محيص عنه وهو أن تبين في حكمها لم عدلت عن هذا المعنى الظاهر إلى خلافه مما اقتنعت به، وتعلل هذا العدول باعتبارات مقبولة يستسيغها العقل. وقد سبق لهذه المحكمة تقرير هذا النظر في عدّة أحكام أصدرتها.
وبما أنه في الدعوى الحالية قد سارت محكمة الاستئناف في حكمها المطعون فيه سيرة أخرى. فهي قد تغاضت عما ورد صراحة في ورقة 17 من مايو سنة 1926 بأن والد الطرفين تبرع بمبلغ الثلثمائة جنيه للطاعن، وذهبت إلى عكس ذلك قائلة إن المتبرع هو المطعون ضدّه، ولم تعلل هذا العدول عن المعنى الجليّ الواضح بشيء سوى قولها إن صيغة الإقرار ظاهر منها أنه تبرع من المطعون ضدّه - قالت المحكمة ذلك مع أن الظاهر هو على النقيض مما قالت، ثم هي نوّهت في شيء من الاهتمام بقصور المتخاصمين عن تقديم عقد البيع الصادر لهما من والدهما، وكذلك ورقة التبرع حتى كان يتيسر لها تقديرهما، مع أن إقرار 17 من مايو سنة 1926 المقدّم فيه كل ما كان يهم المحكمة أن تلم به بشأن التبرع من الوالد وباعثه، وهو تدبير مهر زوجة الطاعن، وكيف أنه ترتب من قيمته في ذمة المطعون ضدّه مبلغ مائة وخمسين جنيهاً تعهد المذكور بسدادها لأخيه بمجرد بيع المنزل من جديد لأي كان بطريقة خصم الثلثمائة جنيه من مجموع الثمن الذي يباع به وتجنيبها قبل كل شيء لحساب الطاعن ثم اقتسام الباقي مناصفة بين الأخوين، وإذا لم يتم ذلك فيكون سداد المائة والخمسين جنيهاً من المطعون ضدّه مباشرة للطاعن.
وبما أن هذا العدول من محكمة الموضوع عن المعنى الجلي للمستند القاطع في الدعوى إلى معنى آخر غير ظاهر لا يستقيم إطلاقاً مع سائر ما ورد فيه، ولا يتسق مع ملابسات الدعوى من أية ناحية، إنما هو تشويه لذلك المستند سرى أثره إلى التكييف القانوني الذي كيف به فوقع الخطأ فيه، إذ حتمت المحكمة أن التبرع، وقد حصّلت خطأ أنه من المطعون ضدّه لا من والده، هو تبرع باطل إذ هو هبة في منقول لم يتم قبضها. وهي بلا ريب لو كانت حصّلت الواقع على حقيقته لكان للأمر وجهة أخرى في نظرها.
وبما أن التشويه الذي حصل في المستند القاطع في الدعوى والخطأ في تطبيق القانون الذي نجم عنه يقتضي نقض الحكم المطعون فيه.
وبما أن الدعوى صالحة للحكم في موضوعها من المستندات المقدّمة فيها ومن دفاع طرفي الخصومة فقد أدلى كل منهما بكل ما يمكن أن يؤيد به دفاعه.
وبما أنه وقد تبين مما سبق ذكره في أسباب هذا الحكم وفي أسباب الحكم الابتدائي الذي أصدرته محكمة سوهاج في الدعوى بتاريخ 24 من يناير سنة 1939 أن والد الخصمين وهب للطاعن مبلغ ثلثمائة جنيه سترها في عقد البيع الذي أصدره لولديه في 25 من ديسمبر سنة 1922 عن منزله الكائن بحي الجمالية بأن أقرّ في ذلك العقد بأن جميع الثمن قد تسدّد له مع أنه كان باقياً على ولديه المشتريين ثلثمائة الجنيه المذكورة. ولما كان مفاد هذا الإقرار أمرين: (الأوّل) أن الطاعن قد أعفى تنفيذاً للهبة المستورة من سداد نصف هذا المبلغ لأبيه. (الثاني) أن النصف الآخر قد أصبح له في ذمة أخيه المطعون ضدّه بطريق الحوالة من الوالد إلى ولده الطاعن على المدين المطعون ضدّه الذي قبل تلك الحوالة والتزم بأن يوفي الدين على الطريقة التي دوّنها في إقرار 17 من مايو سنة 1926. وبهذا الإقرار قد توارى كل ما يتعلق بالهبة إلا ما اتصل بعلة تحوّل نصف قيمتها للطاعن في ذمة المطعون ضدّه، وكان مظهر ذلك التزام هذا لأخيه بأن يدفع له مائة وخمسين جنيهاً، حالما يباع منزلهما ويتوافر لديه هذا المبلغ، من ثمن نصيبه فيه وهو النصف، وذلك بتجنيب ثلثمائة جنيه من أصل الثمن على ذمة الطاعن، أو يدفعها إليه مباشرة. ولا يمكن أن يقال إن هذا الالتزام هو تبرع من المطعون ضدّه حتى تثار قواعد القانون في هبة المنقول، فإن موضوعه لم يكن قط من مال المذكور. ولا يهم في الأمر أنه كان أصلاً من حق الوالد، أي من ماله، وأن هذا الوالد تبرع به للطاعن، فقد انقطعت من جهة صلة التبرع بالالتزام الجديد على ما سبق بيانه، ومن جهة أخرى فإن التبرع وقت حصوله من الوالد كان هبة جائزة نافذة لسترها في صورة عقد بيع المنزل الحاصل في 22 من ديسمبر سنة 1925 على ما تشهد به ظروف الدعوى ويدل عليه الإقرار الصادر من نفس المطعون ضدّه المنازع.

الطعن 13 لسنة 10 ق جلسة 6 / 6 / 1940 مج عمر المدنية ج 3 ق 65 ص 231

جلسة 6 يونيه سنة 1940

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

-----------------

(65)
القضية رقم 13 سنة 10 القضائية

موظف. 

ترقيته. ليست حقاً مكتسباً له. المرجع في الترقية. إلى السلطة المختصة بذلك. محاسبة هذه السلطة عن ذلك أمام القضاء. لا تجوز.

---------------
إن ترقية الموظف ليست حقاً مكتسباً له بل هي إنما ترجع إلى ما تراه السلطة المختصة من كفاية الموظف وجدارته مع مراعاة المصلحة العامة، وذلك لا يصح أن يكون محل مناقشة أو محاسبة أمام القضاء إذ القانون قد اختص به السلطة المهيمنة على الموظف دون غيرها.

الطعن 17 لسنة 10 ق جلسة 30 / 5 / 1940 مج عمر المدنية ج 3 ق 64 ص 227

جلسة 30 مايو سنة 1940

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

-----------------

(64)
القضية رقم 17 سنة 10 القضائية

إثبات. 

إقرار موصوف غير قابل للتجزئة. وجوب الأخذ به كله أو تركه كله. عدم تسليم المدعي بالقيد الوارد في الإقرار واستناده إلى باقي ما ورد فيه. لا يجوز. يجب عليه إثبات دعواه من طريق آخر. مثال. صاحب بناء. مهندس.
(المادة 233 مدني)

----------------
إذا كان مفهوم الإقرار الصادر من المدعى عليه (صاحب البناء) أنه اشترط عدم دفع أجر عن الرسوم التي يقوم بها المدعي (مهندس) إلا إذا قبلها هو وأجرى البناء على أساسها، فإنه يكون من الإقرارات الموصوفة التي لا تقبل التجزئة متعيناً الأخذ به كله أو تركه كله. فإذا كان المدعي لا يسلم بالقيد الوارد في الإقرار فلا يقبل منه أن يستند إلى الإقرار فيما عدا هذا القيد، بل يكون عليه أن يثبت دعواه من طريق آخر، لأن تجزئة الإقرار والأخذ بشق منه وإلزام المدعى عليه بدفع الأجر مع إطّراح القيد الوارد فيه مخالف لقواعد الإثبات.


الوقائع

تتحصل وقائع هذه الدعوى - كما يبين من الحكم المطعون فيه والأوراق الأخرى المقدّمة لهذه المحكمة والتي كانت من قبل تحت نظر محكمة الموضوع - في أن الطاعن رغب في بناء عمارة كبيرة له فكلف خمسة من المهندسين المعماريين بتقديم رسوم لها. ولما علم المطعون ضدّه الأوّل بخبر هذا العمل قابل ابن الطاعن وهو المطعون ضدّه الثاني وأبدى له الرغبة في دخول تلك المسابقة مع المهندسين الآخرين فأبلغ والده (الطاعن) هذه الرغبة فارتاح لها. وعلى إثر ذلك قام المطعون ضدّه الأوّل بعمل عدّة رسومات عرضها على الطاعن فلم يجدها مطابقة لما يريد أن يكون عليه البناء ورفض العمل بها واختار رسوماً قام بها أحد المهندسين الآخرين. ولما كان الطاعن لم يدفع للمطعون ضدّه الأوّل أجراً على ما قام به من عمل فقد رفع هذه الدعوى أمام محكمة مصر الابتدائية ضدّ الطاعن والمطعون ضدّهما الثاني والثالث وقيدت بجدولها برقم 767 سنة 1938 كلي طلب فيها الحكم بإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا له مبلغ 1500 جنيه كأجر له على عمله الذي لم يقبل.
نظرت محكمة مصر هذه الدعوى ثم قرّرت بجلسة 29 من أكتوبر سنة 1938 استجواب المدّعى عليهم فيما رأت استيضاحه وتم ذلك ثم قضت في 24 من ديسمبر سنة 1938 برفض دعوى المطعون ضدّه الأوّل مع إلزامه بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. فاستأنف هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر فقضت فيه تلك المحكمة بتاريخ 17 من ديسمبر سنة 1939 بإلغاء الحكم المستأنف وبإلزام الطاعن بأن يدفع له مبلغ 120 جنيهاً مع مصاريف الدرجتين وألف قرش مقابل أتعاب المحاماة.
أعلن هذا الحكم للطاعن في 6 من فبراير سنة 1940 فطعن فيه بطريق النقض في 4 من مارس سنة 1940 بتقرير أعلنه إلى المطعون ضدّهم في 14 و16 من ذلك الشهر إلخ.


المحكمة

وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أمرين: (أوّلهما) أنه أخطأ في تطبيق أحكام القانون إذ جزأ إقراره القضائي في الدعوى وجعل عليه عبء إثبات أن المطعون ضدّه الأوّل لا يستحق قبله شيئاً مقابل أتعابه في عمل رسوم العمارة. (وثانيهما) أنه قصر في الردّ على أسباب الحكم الابتدائي القاضي برفض دعوى المطعون ضدّه الأوّل تلك الأسباب المبنية على أقوال الخصوم في محضر الاستجواب وعلى أوراق الدعوى.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بنى مسئولية الطاعن عن مقابل الأتعاب الذي قضى بإلزامه على الأسباب الآتية:
"ومن حيث إن المستأنف عليه (الطاعن) لا ينازع في قيام المستأنف (المطعون ضدّه الأوّل) بإجراء رسومات لبناء عمارته وتقديمها إليه لكنه ادعى أنه ما قبل من المستأنف أن يعمل رسومات لبناء عمارته إلا على شرط أن لا يكون له أجر عليها إلا إذا قبلها وأجرى البناء على مقتضاها. وقال إنه عمل مسابقة لإجراء تصميم لبناء عمارته بين أربعة من المهندسين على هذا الشرط، وقدّم من كل منهم خطاباً مؤيداً لذلك بالحافظة رقم 5 دوسيه ابتدائي، وادعى أن المستأنف عرض أن يدخل المسابقة معهم على هذا الشرط فقبل عرضه".
"وحيث إن المستأنف ينكر قبوله هذا الشرط وينكر علمه به فيتعين على المستأنف عليه الأوّل أن يثبت ذلك قبله كما أثبته قبل غيره من المهندسين بإقرارات كتابية منهم، وهذا ما لم يفعله، ولا ترى المحكمة أن إقرارات المهندسين الآخرين حجة على المستأنف بقبوله هذا الشرط، ولا تعتبر دليلاً ضدّه، خصوصاً ولم تجر العادة بعمل مسابقات بين المهندسين لبناء عمارة كبيرة كعمارة المستأنف عليه الأوّل إلا إذا وضعت لها قائمة شروط مفصلة لما يطلبه صاحب العمارة من بيانات واشتراطات يتقيد هو بها كما تكون ملزمة لمن يدخل في هذه المسابقة، وهذا ما لم يحصل في هذه الدعوى. ويعزز ذلك دعوى المستأنف بعدم صحة دعوى المستأنف عليه المذكور، فيكون للمستأنف الحق في أتعابه عن الرسوم التي عملها قبل المستأنف عليه الأوّل حتى مع عدم أخذه بهذه الرسومات فعلاً".
تلك هي الأسباب التي بنت عليها محكمة الاستئناف حكمها.
وحيث إن إقرار الطاعن الذي أوردته محكمة الاستئناف هو إقرار موصوف (aveu qualifié) غير قابل للتجزئة إذ قد تضمن اشتراطه عدم دفع أجر عن الرسوم التي لا يقبلها.
وحيث إن محكمة الاستئناف بتجزئتها إقرار الطاعن بلا وجه حق، ومؤاخذته بقبوله دفع الأجر، وإطّراحها الشرط الجوهري المقرون به، قد قلبت قواعد الإثبات وجعلت المدّعى عليه هو المكلف بإثبات علم المطعون ضدّه الأوّل بهذا الشرط وقبوله العمل به ثم فندت ما قدّمه الطاعن من أدلة دفعاً للدعوى.
وحيث إنه متى كان إقرار الطاعن غير قابل للتجزئة فيكون من المتحتم الأخذ به كله أو تركه كله. ولما كان المطعون ضدّه لا يريد الأخذ بإقرار الطاعن كاملاً فيجب عليه أن يقدّم الدليل القانوني على صحة دعواه لا أن يكتفي بدحض الدليل المقدّم من خصمه لنفيها.
وحيث إنه متى استبان خطأ الحكم المطعون فيه في تطبيق أحكام القانون يتعين نقضه وإعادة الدعوى لمحكمة الاستئناف لتفصل في موضوعها دائرة أخرى على مقتضى الرأي القانوني الذي سبق إيضاحه. ولا محل إذن لبحث وجه الطعن الآخر الخاص بقصور التسبيب.

الطعن 9 لسنة 10 ق جلسة 23 / 5 / 1940 مج عمر المدنية ج 3 ق 63 ص 216

جلسة 23 مايو سنة 1940

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعبد الفتاح السيد بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

------------------

(63)
القضية رقم 9 سنة 10 القضائية

(أ) نقض وإبرام. 

تقرير الطعن. أسماء الخصوم وصفاتهم ومحال إقامتهم. تبيانها في التقرير. الغرض منه.
(المادة 15 من قانون محكمة النقض)
(ب) ملكية. 

ملكية أرض. تشمل ما فوقها وما تحتها. سند الملكية.
(المادة 11 من القانون المدني)

-----------------
1 - إن الغرض الذي رمى إليه الشارع مما أورده في المادة 15 من قانون محكمة النقض عن ذكر البيانات العامة المتعلقة بأسماء الخصوم وصفاتهم ومحال إقامتهم في تقرير الطعن إنما هو إعلام ذوي الشأن بمن رفع الطعن من خصومهم في الدعوى وصفته ومحله علماً كافياً. فكل تبيان من شأنه أن يفي بذلك يتحقق به الغرض. وإذن فإذا كان الوارد في تقرير الطعن أن فلاناً نائب قسم القضايا الأهلية بالنيابة عن وزارة الأشغال العمومية هو الذي قرّر بالطعن، وكان إعلان التقرير إلى المطعون ضدّه مصدّرة صيغته بأنه بناء على طلب وزير الأشغال المتخذ له محلاً مختاراً بقسم القضايا الأهلية بشارع كذا رقم كذا، فلا يكون هذا التقرير باطلاً.
2 - إن كل من تملك أرضاً صار مالكاً لكل ما فوقها وما تحتها إلا إذا ظهر من سند الملكية أنها لا تتضمن ذلك.


الوقائع

تتحصل وقائع هذه الدعوى - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه ومن الأوراق والمستندات المقدّمة لهذه المحكمة والتي كانت من قبل مقدّمة من طرفي الخصومة لمحكمة الموضوع - فيما يأتي:
نزعت وزارة الأشغال ملكية جزء من ربع بشارع الحمزاوي للمنفعة العامّة لتوسيع شارع الأزهر واتفقت مع واضع اليد عليه الظاهر وهو أحمد سامي السمني أفندي (المطعون ضدّه) على الثمن ومقداره 1690 جنيهاً أودعته بخزانة محكمة مصر بمقتضى محضر إيداع اشترطت لقبضه شروطاً. ولما لم يتمكن أحمد سامي السمني أفندي من صرفه بسبب هذه الشروط رفع دعوى على وزارة الأشغال وعلى باشكاتب محكمة مصر طلب فيها الحكم بصرف المبلغ المودع على ذمته وبإلزام وزارة الأشغال بفوائد هذا المبلغ لغاية الصرف وبأن تدفع له أيضاً مبلغ 30 جنيهاً شهرياً ابتداء من 23 من يناير سنة 1927 وهو قيمة ريع باقي ملكه لغاية يوم تسليم المبلغ إليه مع المصاريف والأتعاب. وقد انتهت هذه الدعوى بحكم أصدرته محكمة استئناف مصر في 10 من يناير سنة 1928 (في الاستئناف رقم 950 سنة 44 قضائية) قضت فيه بأحقية أحمد سامي السمني أفندي في صرف مبلغ 1690 جنيهاً المودع بخزينة محكمة مصر بعد أن يقدّم للوزارة شهادة من المحكمة المختلطة عن العقار المنزوعة ملكيته دالة على خلوه من جميع الحقوق والتسجيلات. وتنفيذاً لهذا الحكم حرّرت الحكومة مع أحمد سامي السمني أفندي عقد البيع المؤرّخ في 23 من فبراير سنة 1928 والمسجل في 16 من أكتوبر سنة 1928.
اشترى بعد ذلك أحمد سامي السمني أفندي عقاراً آخر قال إنه ابتاعه ليكون مدخلاً للباقي من الربع بعد نزع الملكية، وطلب رخصة لبناء هذا المدخل الجديد، فرفضت الوزارة طلبه وتبين له أنها استصدرت مرسوماً آخر بتوسيع شارع الأزهر من 20 متراً إلى 26 متراً فأخذت من الربع 34 متراً زيادة على الـ 149 متراً و32 سنتيمتراً التي نزعت ملكيتها.
لهذا رفع عليها الدعوى رقم 1084 سنة 1930 كلي أمام محكمة مصر الابتدائية طلب فيها الحكم بإلزامها بمبلغ 746 جنيهاً و28 مليماً ثمن الزيادة مع مبلغ 480 جنيهاً قيمة ريعها لغاية مايو سنة 1930 وما يستجد من الريع بواقع الشهر عشرة جنيهات وبإلزامها كذلك بأن تدفع له 270 جنيهاً تعويضاً عن عدم انتفاعه ببناء باقي ملكه بسبب رفض الوزارة إعطاءه رخصة البناء لغاية مايو سنة 1930 وما يستجد بواقع الشهر 30 جنيهاً لغاية تسليمه الرخصة.
نظرت المحكمة هذه الدعوى ثم ندبت خبيراً يقول أحمد سامي السمني أفندي إنه تبين من تقريره أن الذي دخل في الشارع زيادة على المقدار المنزوعة ملكيته هو 35 متراً و85 سنتيمتراً، وأن الوزارة أخذت من المدخل الجديد الذي اشتراه 2 متر و17 سنتيمتراً فأصبح لا ينتفع به. ولذا عدّل طلباته وطلب الحكم من باب أصلي بإلزام الوزارة بأن تدفع له 2450 جنيهاً ثمن الـ 111 متراً و73 سنتيمتراً الباقية بعد المنزوعة ملكيته و40 جنيهاً قيمة ريعها شهرياً من 2 من يونيه سنة 1926 لغاية السداد. ومن باب الاحتياط إلزامها بأن تدفع له 1486 جنيهاً و630 مليماً ثمن الـ 35 متراً و85 سنتيمتراً والـ 2 متر و17 سنتيمتراً و480 جنيهاً قيمة ريع ذلك المقدار لغاية مايو سنة 1930 مع ما يستجد بواقع عشرة جنيهات شهرياً لغاية يوم السداد ومبلغ 270 جنيهاً تعويضاً عن عدم انتفاعه ببناء باقي الملك لرفضها إعطاءه رخصة البناء لغاية مايو سنة 1930 مع ما يستجد بواقع الشهر 30 جنيهاً لغاية تسليمها إليه تلك الرخصة.
والمحكمة بعد أن ندبت خبيراً آخر باشر مأموريته وقدّم تقريره، وبعد أن انتقلت لمحل النزاع قضت بتاريخ 21 من مايو سنة 1934 بإلزام وزارة الأشغال العمومية بأن تدفع إلى أحمد سامي السمني أفندي: (أوّلاً) 116 جنيهاً و908 مليمات ثمن 12 متراً و14 سنتيمتراً ومبلغ 23 جنيهاً و816 مليماً ريع هذا المقدار عن المدّة الموضحة بأسباب الحكم. (ثانياً) 400 جنيه مقابل عدم انتفاعه بباقي ملكه بعد نزع الملكية في المدّة الموضحة بأسباب الحكم.
استأنف أحمد سامي السمني أفندي هذا الحكم كما استأنفته الوزارة فقضت محكمة استئناف مصر في 14 من فبراير سنة 1935 بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة لما تبين من أن العقار المنزوعة ملكيته وقف.
طعن أحمد سامي السمني أفندي في هذا الحكم بطريق النقض ولكن محكمة النقض والإبرام رفضت طعنه.
فرفع بتاريخ 6 من فبراير سنة 1936 أمام محكمة مصر الابتدائية الدعوى الحالية رقم 478 سنة 1936 كلي على وزارة الأشغال العمومية طالباً الحكم بإلزامها بأن تدفع له بصفته الشخصية وبصفته ناظر وقف السمني من باب أصلي مبلغ 2452 جنيهاً ثمن 111 متراً و73 سنتيمتراً وهو المقدار الباقي بعد المنزوعة ملكيته مقابل استيلائها عليها ومبلغ 40 جنيهاً شهرياً قيمة ريعها من 2 من يونيه سنة 1926 لغاية السداد والمصاريف وأتعاب المحاماة بحكم مشمول بالنفاذ وبلا كفالة، ومن باب الاحتياط إلزامها بأن تدفع له 1486 جنيهاً و630 مليماً ثمن 35 متراً و85 سنتيمتراً التي أدخلتها في الشارع وثمن 2 متر و17 سنتيمتراً التي أدخلتها فيه من المدخل الجديد بما في ذلك تعويض عدم صلاحيتها للانتفاع، ومبلغ 480 جنيهاً قيمة ريع هذه المقادير لغاية مايو سنة 1930 مع ما يستجدّ بواقع الشهر عشرة جنيهات لغاية السداد، وبمبلغ 270 جنيهاً مقابل عدم انتفاعه بالباقي من العقار بعد ذلك لعدم إعطائها إياه رخصة ببنائه لغاية مايو سنة 1930 ولعدم هدمها مباني لها به مع ما يستجدّ بواقع الشهر 30 جنيهاً لحين تسليمه رخصة بالبناء وهدم مالها من مبانٍ وإلزامها بالمصاريف وأتعاب المحاماة بحكم مشمول بالنفاذ بلا كفالة مع حفظ سائر الحقوق.
وبتاريخ 28 من فبراير سنة 1937 قضت محكمة مصر الابتدائية بتعيين خبير لأداء ما يأتي:
(أوّلاً) بيان ما إذا كانت مصلحة التنظيم قد أدخلت في شارع الأزهر الجديد من الوقف نظارة المدّعي أكثر من المقدار الذي نزعت ملكيته والمبين بالصورة الرسمية من عقد البيع الصادر من المدًّعي إلى مصلحة التنظيم ومصدّق عليه من قلم كتاب محكمة مصر في 23 من فبراير سنة 1928 ومسجل في 16 من أكتوبر سنة 1928 ومقدار تلك الزيادة إن كانت وموقعها وطول أبعادها بالدقة.
(ثانياً) ما إذا كانت أرض المدخل وبير السلم لها ركوب خاص مستقل عن ركوب المباني العلوية التي نزعت ملكيتها ومقدارها 149 متراً و32 سنتيمتراً أو لا، وهل السلم كان ينتهي عند سطح الدور الأوّل من الربع وهو ابتداء الركوب أو لا، وهل مسطح مباني المدخل وبير السلم بالطبقة الأرضية تندمج عند تقدير مساحة المقدار المنزوع ملكيته ضمن مساحة أعيان العلو مع بيان الأسباب.
(ثالثاً) هل يوجد خطأ من مصلحة التنظيم في تضريب المساحة التي نزعت ملكيتها ومقداره؟
(رابعاً) مقدار ما أخذ من الوقف أكثر مما نزعت ملكيته وحصل بيعه ناتجاً عن انحراف خط التنظيم.
(خامساً) تحقيق ما ورد في دفاع الوزارة...... إلخ.
وبعد أن باشر الخبير مأموريته وقدّم تقريره قضت المحكمة حضورياً في 4 من ديسمبر سنة 1938 بإلزام وزارة الأشغال بأن تدفع إلى أحمد سامي السمني أفندي بصفته مبلغ 37 جنيهاً و518 مليماً والفوائد بواقع 5% سنوياً ابتداء من 23 من فبراير سنة 1928 لغاية السداد والمصاريف المناسبة لذلك ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.
استأنف أحمد سامي السمني أفندي هذا الحكم بتاريخ 23 من يناير سنة 1939 أمام محكمة استئناف مصر وقيدت صحيفته برقم 293 سنة 56 قضائية طالباً قبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع الحكم بالطلبات الواردة بصحيفة افتتاح الدعوى مع المصاريف وأتعاب المحاماة عن الدرجتين.
ورفعت وزارة الأشغال استئنافاً فرعياً بمذكرتها المقدّمة لجلسة أوّل أكتوبر سنة 1939 تحضير وقيد استئنافها برقم 101 سنة 57 قضائية وطلبت فيه الحكم برفض الاستئناف الأصلي وقبول استئنافها وإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى بالنسبة لمبلغ 37 جنيهاً و518 مليماً، واحتياطياً إيداع هذا المبلغ خزانة المحكمة الشرعية لذمة الوقف وإلزام المستأنف أصلياً بمصاريف الدرجتين وأتعاب المحاماة.
وبتاريخ 30 من نوفمبر سنة 1939 حكمت محكمة الاستئناف بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الموضوع:
(أولاً) بإلغاء الحكم المستأنف بالنسبة لطلب ثمن العلوّ عن 15 متراً و12 سنتيمتراً وإلزام وزارة الأشغال بأن تدفع لأحمد سامي السمني أفندي ثمنه ومقداره 145 جنيهاً و813 مليماً وفوائده بواقع 5% سنوياً ابتداء من 23 من فبراير سنة 1928 لغاية السداد.
(ثانياً) فيما يختص بالمبلغ المحكوم به ابتدائياً ومقداره 37 جنيهاً و518 مليماً بتعديل الحكم المستأنف وإلزام وزارة الأشغال بإيداعه بخزانة محكمة مصر الشرعية مع فوائده بواقع 5% سنوياً ابتداء من 23 من فبراير سنة 1928 لغاية تاريخ الإيداع على ذمة وقف المرحوم الشيخ أحمد السمني.
(ثالثاً) بإلزام وزارة الأشغال بالمصاريف المناسبة عما حكم به أوّلاً وثانياً عن الدرجتين.
(رابعاً) برفض ما عدا ذلك من طلبات الطرفين وتأييد الحكم المستأنف بشأنها. أعلن هذا الحكم في 28 من يناير سنة 1940 وقد قرّرت وزارة الأشغال العمومية في 10 من فبراير سنة 1940 الطعن فيه بطريق النقض وأعلنت تقريرها للمطعون ضدّه في 15 منه إلخ.


المحكمة

من حيث إن المطعون ضدّه دفع ببطلان التقرير بالطعن لخلوّه من اسم من يمثل وزارة الأشغال وصفته ومحل إقامته ومحل تلك الوزارة ومحل إقامة مقرّر الطعن الذي قال إنه نائب قسم القضايا ومحل قسم القضايا هذا.
ومن حيث إن غرض الشارع بشأن ما جاء في المادة 15 من قانون إنشاء محكمة النقض والإبرام من ذكر البيانات العامة المتعلقة بأسماء الخصوم وصفاتهم ومحال إقامتهم في تقرير الطعن هو إعلام ذوي الشأن برافع الطعن وصفته ومحله علماً تاماً، فكل بيان يؤدّي إلى هذه الغاية يتحقق به غرض الشارع وينتفي معه البطلان. ولما كان الثابت بتقرير الطعن أن الأستاذ عبد الرحيم غنيم نائب قسم القضايا الأهلية بالنيابة عن وزارة الأشغال العمومية مدّعى عليها أصلاً ومستأنف عليها ومستأنفة فرعياً هو الذي قرّر بالطعن بطريق النقض والإبرام ضد أحمد سامي السمني أفندي بصفته الشخصية وبصفته ناظر وقف المرحوم والده الشيخ أحمد السمني مدع أصلاً ومستأنف عليه فرعياً فإن هذا البيان يتحقق به التعريف اللازم، لا سيما وأن المطعون ضدّه سبق أن أعلن في 28 من يناير سنة 1940 وزارة الأشغال بالحكم المطعون فيه بمحلها المختار بشارع القصر العيني رقم 93 بمصر، وأن تقرير الطعن أعلن إليه مصدّراً بأنه بناء على طلب وزير الأشغال المتخذ له محلاً مختاراً بقسم القضايا الأهلية بشارع القصر العيني رقم 93 بمصر. وإذن فدفعه ببطلان التقرير لا أساس له على الإطلاق ويجب رفضه. ومن حيث إن الطعن رفع صحيحاً في ميعاده عن حكم قابل له وقد استوفيت الإجراءات القانونية فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن الطاعنة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله، وأن به قصوراً في التسبيب مبطلاً له. وفي تفصيل ذلك تقول إن أوجه الطعن المقدّمة منها تنصب على أمرين:
الأمر الأوّل - قيمة العلو الخاص بالمدخل والسلم الذي مساحته 15 متراً و12 سنتيمتراً والتي قدّرها الحكم المطعون فيه بمبلغ 145 جنيهاً و813 مليماً مع فوائدها القانونية من 23 من فبراير سنة 1928.
الأمر الثاني - قيمة مساحة الـ 3 أمتار و90 سنتيمتراً المقول إنها دخلت في الشارع بسبب انحراف خط التنظيم والمقدّرة بمبلغ 37 جنيهاً و518 مليماً وفوائدها القانونية منذ 23 من فبراير سنة 1928.
أما عن الأمر الأوّل فتبدي الطاعنة ما يأتي:
(أوّلاً) أن الحكم المطعون فيه قد خالف القاعدة القانونية التي تقضي بأن ملكية الأرض تشمل ما فوقها إلا إذا نص القانون أو الاتفاق على خلاف ذلك. ولما كانت وزارة الأشغال اشترت من المطعون ضدّه أرض المدخل وبناءه وسلم الربع ومساحتها 15 متراً و12 سنتيمتراً ودفعت إليه ثمنها، كما يستدل على ذلك من عقد البيع المؤرّخ في 23 من فبراير سنة 1928 ومن حكم محكمة الاستئناف الصادر بتاريخ 10 من يناير سنة 1928، فليس للبائع إذن حق في المطالبة بزيادة الثمن نظير العلوّ الذي فوق الأرض لأن العلوّ يدخل قانوناً في الصفقة المبيعة منه.
(ثانياً) أن الوزارة دفعت مطالبة المطعون ضدّه بثمن العلوّ بأنه سقط بالتقادم وفقاً للمادة 296 من القانون المدني التي تقضي بأن حق البائع في طلب تكملة الثمن يسقط بالسكوت عليه سنة واحدة من تاريخ العقد، وكان دفعها بناء على ما ثبت من تقرير الخبير الذي ندبته محكمة أوّل درجة من أن ذلك العلوّ يدخل في حدود المساحة الكلية للمباني العلوية التي باعها المطعون ضدّه والتي قدّرت في عقد البيع سالف الذكر بـ 149 متراً و32 سنتيمتراً. وقد أخذ الحكم الابتدائي بهذا الدفع، ولكن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلغاء الحكم الابتدائي بالنسبة لثمن علوّ المدخل قد خالف حكم المادة 296 المتقدّم ذكرها من غير أن يبين أسباب هذه المخالفة ومن غير أن يردّ على ما جاء بالحكم الابتدائي.
(ثالثاً) أنه على فرض أن المطعون ضدّه له حق في المطالبة بثمن العلو وأن حقه لم يسقط بالتقادم فقد أخطأ الحكم المطعون فيه لأنه قضى للمطعون ضدّه شخصياً بالثمن وكان يتعين القضاء بإيداعه في خزانة المحكمة الشرعية على ذمة الوقف أسوة بمبلغ الـ 37 جنيهاً و518 مليماً الذي قضى بإيداعه بخزانة المحكمة الشرعية. هذا فيما يتعلق بالأمر الأوّل. وأما فيما يتعلق بالأمر الثاني فتقول الطاعنة إن الحكم المطعون فيه أيد الحكم الابتدائي في قضائه للمطعون ضدّه بثمن 3 أمتار و90 سنتيمتراً على اعتبار أنها دخلت من الوقف في شارع الأزهر بسبب انحراف وقع في تطبيق خط التنظيم. ولما كانت هذه المساحة وهمية نتيجة فرق في عملية التطبيق فإن الوزارة أثبتت أمام محكمة أوّل درجة وأمام محكمة الاستئناف عدم منازعتها للمطعون ضدّه فيها، فما كان يصح إذن إلزامها بدفع ثمنها، ويكون الحكم بذلك قد قضى للمطعون ضدّه بثمن عقار لا زال مملوكاً له وملّك الوزارة عقاراً لا تريد امتلاكه. وتضيف الطاعنة إلى ما تقدّم أن الحكم المطعون فيه أيد الحكم الابتدائي في قضائه على الوزارة بفوائد مبلغ 37 جنيهاً و518 مليماً بواقع 5% من 23 من فبراير سنة 1928 كما أنه قضى عليها بالفوائد عن مبلغ 145 جنيهاً و813 مليماً عن نفس المدّة من غير أن يسبب قضاءه في الحالتين فجاء بذلك باطلاً.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أورد ما يأتي عما أثارته الطاعنة بشأن قيمة المساحة المتخلفة عن انحراف خط التنظيم.
"ومن حيث إن وزارة الأشغال طلبت باستئنافها الفرعي أصلياً الحكم بإلغاء الحكم المستأنف واحتياطياً بإيداع المبلغ المحكوم به في خزانة المحكمة الشرعية على ذمة الوقف. وبنت طلبها الأوّل على أساس أن محكمة أوّل درجة أغفلت دفاع الوزارة بشأن 3 أمتار و90 سنتيمتراً الذي أدخل ضمن الشارع......... ومن حيث إنه بالنسبة لما طلبته الوزارة من إيداع المبلغ بخزانة المحكمة الشرعية على ذمة الوقف فإن هذه المحكمة ترى إجابتها إلى ما طلبته". وجاء به أيضاً بصدد مطالبة أحمد سامي السمني أفندي بثمن 2 متر و17 سنتيمتراً: "ومن حيث إنه بالنسبة للمترين وسبعة عشر سنتيمتراً فإنه لا محل للبحث فيه لأن المحكمة عندما عينت خبيراً في الدعوى طلبت إليه الاطلاع على كل المستندات المقدّمة من الخصوم لبيان مقدار العجز في الملك فأثبت الخبراء على تفاوتهم مقدار العجز وكان أقصاه 3 أمتار و90 سنتيمتراً وهو ما حكمت المحكمة بثمنه للمستأنف. وغنى عن البيان أن هذا المقدار يشمل كل عجز في العين التي نزعت ملكية بعضها وإن تعدّدت عقود ملكيتها". ثم جاء في آخر ذلك الحكم الفقرة الآتية:
"وحيث إن الحكم المستأنف فيما قضى به خلافاً لما تقدّم يكون في محله للأسباب الواردة به ويتعين لذلك تأييده". أما الحكم الابتدائي فقد ورد به ما يأتي:
"وحيث إنه عن مقدار الـ 3 أمتار و90 سنتيمتراً التي أخذتها الحكومة زيادة عما اشترته فإن المحكمة ترى "أن المدعي محق في طلب ثمنها وتقدّر المحكمة له الثمن باعتبار 962 قرشاً للمتر الواحد حسب عقد الاتفاق فيكون المجموع 37 جنيهاً و518 مليماً مع فوائد هذا المبلغ باعتبار 5% سنوياً من تاريخ العقد لغاية السداد وذلك مقابل عدم انتفاعه بهذا الجزء".
ومن حيث إنه يستفاد من هذه الأسباب أن محكمة الموضوع قد اطمأنت من الأدلة القائمة في الدعوى إلى أن المقدار الذي يطالب المطعون ضدّه بثمنه إنما انتقل من ملكه ودخل فعلاً في الشارع فلا محل إذن لما تثيره الطاعنة بأوجه الطعن خاصاً بهذا الأمر.
ومن حيث إن ما تنعاه الطاعنة على الحكم من ناحية عدم بيانه أسباباً لقضائه بالفوائد القانونية من يوم 23 من فبراير سنة 1928 مردود بأن الحكم الابتدائي الذي أخذ الحكم المطعون فيه بأسبابه فيما يتعلق بذلك ذكر أن هذه الفوائد هي مقابل انتفاع الطاعنة بالأرض. وفي هذا بيان كافٍ لسبب الحكم بالفوائد. فيتعين إذن رفض الطعن عما جاء في التقرير عن الأمر الثاني.
ومن حيث إن ما تنعاه الطاعنة فيما يتعلق بالأمر الأوّل الخاص بعلو المدخل والسلم قد تناولته الفقرات الآتية من الحكم المطعون فيه:
"ومن حيث إنه بالنسبة لحق السفل والعلو على 15 متراً و12 سنتيمتراً فإنه تبين للمحكمة من الاطلاع على عقد البيع بين الطرفين أن حق العلو المتفق عليه بين الطرفين خاص بـ 149 متراً و32 سنتيمتراً وهو الذي قدّر له الثمن. أما مبلغ المائتين وخمسين جنيهاً فهو ثمن المدخل ومبانيه لا يدخل في ذلك حق العلو.
ومن حيث إنه لذلك يتعين الحكم لأحمد السمني أفندي بقيمة العلو على المدخل ومساحته 15 متراً و12 سنتيمتراً على أساس الثمن المقدّر بالقدر السابق وهو مبلغ 145 جنيهاً و813 مليماً مع فوائده بواقع 5% سنوياً ابتداء من 23 من فبراير سنة 1928 لغاية السداد".
هذا ما ذكره الحكم المطعون فيه عن حق العلو في المدخل والسلم.
ومن حيث إنه من المقرّر قانوناً أن كل من ملك أرضاً صار مالكاً ما فوقها وما تحتها أيضاً إلا إذا ظهر من سند الملكية أنها لا تتضمن كل ذلك. ولما كانت الحكومة قد اشترت أرض المدخل موضوع النزاع فقد أصبحت بمقتضى ذلك مالكة لها سطحاً وعلواً. ولا يوجد في عقد شرائها المحرّر في 23 من فبراير سنة 1928 ما يحدّ من ملكيتها، بل على العكس من ذلك فإن هذا العقد يؤيد امتلاكها أرض المدخل بما فوقها. فقد جاء فيه ما يأتي:
"(أولاً) باع الطرف الأوّل (أحمد سامي السمني أفندي) إلى الطرف الثاني (الحكومة المصرية) الذي قبل مشتري العقار الموضحة حدوده في الجدول أعلاه وهو عبارة عن أرض مدخل ربع القائم على دكاكين مملوكة للغير وسلم موصل إليه بمسطح 15 متراً و12 سنتيمتراً وجزء من مباني الربع وما يخصها من حق الركوب والبقاء والقرار بمسطح 149 متراً و32 سنتيمتراً وباقي مباني الربع مع ترك حق البقاء والقرار الخاص بها للبائع الوارد العقار المذكور في جريدة عوائد الأملاك المبنية باسم الشيخ أحمد السمني".
"(ثانياً) هذا البيع نظير مبلغ 1690 جنيهاً لا غير، منها مبلغ 1440 جنيهاً نظير ثمن أرض المدخل والسلم وثمن جميع مباني الربع و250 جنيهاً نظير تعويض للبائع ليقوم بمعرفته وبدون دخل للحكومة بإيجاد مدخل وسلم للجزء الباقي له من الربع وهذا المبلغ هو قيمة ما قضت به محكمة استئناف مصر الأهلية ثمناً للعقار المشار إليه في القضية الاستئنافية رقم 950 سنة 44 قضائية، ويدخل في مبلغ الـ 1690 جنيهاً المذكور كل تعويض مهما كان نوعه وبصفة خاصة التعويض مقابل الحرمان من الانتفاع بالعقار من تاريخ تسليمه لغاية الدفع. ويقرّر الطرف الأوّل باستلامه اليوم وقت التوقيع على العقد مبلغ 1960 جنيهاً من خزانة محكمة مصر الابتدائية الأهلية وليس له أي حق من الآن في مطالبة الحكومة في هذا الشأن بأي شيء آخر ولأي سبب كان وتحت أية حجة كانت...".
هذا ما جاء في العقد. وهو صريح في أن نية العاقدين هي نقل ملكية المدخل إلى الحكومة بكل ما تشمله هذه الملكية من مدى، وأن الثمن قدّر ودفع على هذا الأساس. ولذلك يكون الحكم المطعون فيه، وقد ألغى الحكم الصادر من محكمة أوّل درجة فيما قضى به من رفض طلب المطعون ضدّه الحكم له بثمن العلو، قد أخطأ في تطبيق قانون العقد المبرم بين طرفي الخصومة، وهذا يقتضي نقضه نقضاً جزئياً فيما يتعلق بهذه النقطة.
ومن حيث إن هذا النقض يحتم صرف النظر عما جاء في أوجه الطعن عن ضرورة إيداع ثمن العلو بخزانة المحكمة الشرعية وكذلك عن سقوط حق المطالبة فيه بالتقادم إذ أن بحث ذلك أصبح غير مجد.
ومن حيث إن الدعوى صالحة للحكم في موضوعها عما تناوله النقض الجزئي.
ومن حيث إن الأسباب الواردة في الحكم الابتدائي مضافاً إليها الأسباب التي تقدّم بيانها تقتضي تأييد الحكم الابتدائي فيما يتعلق بقضائه رفض الحكم بثمن العلو.

الطعن 5 لسنة 10 ق جلسة 23 / 5 / 1940 مج عمر المدنية ج 3 ق 62 ص 210

جلسة 23 مايو سنة 1940

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعبد الفتاح السيد بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

---------------

(62)
القضية رقم 5 سنة 10 القضائية

(أ) هبة. 

سند دين يستر تبرعاً من والد إلى ولده. إضافة القبض فيه إلى أجل. اشتراط عدم جواز حوالة السند. اعتباره وصية. غير صحيح. تكييفه. هبة في صورة إقرار بدين.
(ب) هبة موصوفة بعقد آخر. 

انتقال ملكية الموهوب بمجرّد الإيجاب والقبول. اشتراط الواهب تأجيل التسليم. لا تأثير له في صحة انعقاد الهبة.
(المادة 48 مدني)

-----------------
1 - إذا كان المسلم به من الخصوم أن السند موضوع الدعوى الصادر من والد إلى ولده إنما يستر تبرعاً، ولم يكن الخلاف إلا على وصف التبرع فيه هل هو منجز فيكون هبة نافذة أم مضاف إلى ما بعد الموت فيكون وصية لوارث موقوفاً نفاذها على إجازة بقية الورثة، ثم قالت المحكمة بأنه وصية لإضافة القبض فيه إلى أجل في حين أن المقرّ كان له وقت الإقرار مبلغ من المال في أحد المصارف يسمح له بتنجيز التبرع منه وأن المتبرع له كان معوزاً، ثم لاشتراط عدم جواز حوالة السند وسكوت المتبرع له عن المطالبة به حتى توفى والده، فهذا التكييف غير صحيح، لأن هذا التصرف إنما هو عقد هبة في صورة إقرار بدين مستكمل لجميع الشروط فهو صحيح ونافذ.
2 - الهبة متى كانت موصوفة بعقد آخر فإن الملكية تنتقل بها بمجرّد الإيجاب والقبول. ويكون للموهوب له أن يطلب تسلم الموهوب بناء على ما له من حق الملك فيه إذا كان لم يسلم إليه من قبل. والهبة إذا كان مشروطاً فيها تأجيل التسليم فإن ذلك لا يبطلها ولا تأثير له في صحة انعقادها.


الوقائع

تتحصل وقائع هذه الدعوى - كما يبين من الحكم المطعون فيه ومن الأوراق الأخرى التي كانت تحت نظر محكمة الموضوع - في أن المرحوم أبادير جرجس ميخائيل مورّث طرفي الخصومة أعطى ولده الطاعن إقراراً بدين تاريخه 30 من أكتوبر سنة 1930 نصه كما يلي: "أقرًّ واعترف أنا الواضع اسمي بخطي فيه أدناه أبادير جرجس ميخائيل من إسنا ومقيم بمصر أنه عليّ وفي ذمتي إلى ولدي حليم أبادير مبلغ وقدره مائة ألف قرش صاغ ميري عبارة عن ألف جنيه مصري قيمة عشرين ورقة بنكنوت فيه خمسين جنيهاً وملزوم أسدّدها إليه بعد مضي خمس سنوات تمضي من تاريخه أدناه. والقيمة وصلتني منه نقدية. ولا يجوز تحويل هذا الدين لشخص آخر خلافه. وقد تحرّر هذا للعمل والمعاملة بموجبه عند اللزوم المقرّ بما فيه - كاتبه أبادير جرجس".
توفى هذا المورّث بعد حلول أجل السداد بسنتين تقريباً فطالب الطاعن سائر الورثة بسداد نصيبهم في الدين مما خصهم في التركة فلم يدفع منهم غير أحدهم أنيس أبادير أفندي. فرفع الطاعن ضدّ باقي الورثة وهم المطعون ضدّهم والست ماتيلدة أبادير الدعوى رقم 967 سنة 1938 كلي مصر طالبهم فيها بدفع مبلغ 650 جنيهاً مع فوائده القانونية بسعر 5% سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية لحين السداد. وفي أثناء سير تلك الدعوى تنازل عن مخاصمة الست ماتيلدة وخصم حصتها معدّلاً طلباته قبل باقي المدّعى عليهم وهم المطعون ضدّهم إلى مبلغ 562 جنيهاً و500 مليم. وفي 6 من فبراير سنة 1939 حكمت محكمة مصر بإلزام هؤلاء بأن يدفعوا للطاعن من تركة مورّثهم الخواجة أبادير جرجس مبلغ 562 جنيهاً و500 مليم والمصاريف المناسبة وفوائد هذا المبلغ بواقع 5% من يوم المطالبة للسداد و300 قرش مقابل أتعاب المحاماة وشملت الحكم بالنفاذ العاجل وبلا كفالة. استأنف المطعون ضدّهم هذا الحكم وطلبوا إلغاءه ورفض دعوى الطاعن مع إلزامه بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين. ومحكمة استئناف مصر قضت في 26 من نوفمبر سنة 1939 بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى الطاعن مع إلزامه بالمصاريف عن الدرجتين و1000 قرش مقابل أتعاب المحاماة للمطعون ضدّهم.
أعلن هذا الحكم إلى الطاعن في 28 من ديسمبر سنة 1939 فطعن فيه بطريق النقض في 25 من يناير سنة 1940 بتقرير أعلنه إلى المطعون ضدّهم في 30 من ذلك الشهر إلخ.


المحكمة

وحيث إن الطاعن ينعى على محكمة الاستئناف مخالفتها للقانون وخطأها في تطبيقه بأن اعتبرت الإقرار الصادر له من والده ساتراً لوصية لم يجزها باقي الورثة فهي باطلة، وإنه بفرض أن ذلك الإقرار يستر هبة فإن تلك الهبة لم تكن منجزة فهي هبة باطلة أيضاً. وذلك جميعاً طبقاً لحكم الشريعة الإسلامية.
ويقول الطاعن في بيان ذلك إن الإقرار الصادر له من والده هو إقرار بدين حقيقي، وإنه بفرض أنه يستر تبرعاً فإن ذلك التبرع كان هبة منجزة صحيحة طبقاً لأحكام القانون المدني الواجب تطبيقه في هذه الدعوى، وإنه مع التسليم جدلاً بأن الإقرار يستر وصية فإنها تنفذ من مال التركة بدون حاجة إلى إجازة باقي الورثة عملاً بأحكام قانون الأحوال الشخصية الذي كان يخضع له الموصي وهو شريعة الأقباط الأرثوذكس.
وحيث إنه بالرجوع إلى ذلك الحكم يبين أنه بعد إثباته أن الطرفين متفقان على أن الإقرار الصادر من والد الطاعن في 30 من أكتوبر سنة 1930 يستر تبرعاً، ومختلفان في تكييف هذا التبرع. فالطاعن يقول إنه هبة منجزة نافذة والمطعون ضدّهم يقولون إنه وصية لوارث لا تنفذ بغير إجازة الورثة. بعد أن أثبت الحكم ذلك قرّر أن نية الوالد المتبرع كانت منصرفة إلى الوصية معللاً نظره هذا بالاعتبارات الآتية:
"من حيث إن الوالد أضاف تبرعه إلى أجل طويل رغم ما ثبت من أنه كان يحتفظ حوالي تاريخ التبرع بمبلغ في أحد المصارف يسمح له بتنجيزه، وما ثبت من عوزة ولده وقصر يده عما هو في حاجة ماسة إليه للإنفاق على زوجته وأولاده ومن اعتماده - طوال ذلك الأجل وبعد انقضائه - على معونة والده يقدّمها إليه في تقتير وحرص شديد بعد إلحاح متكرر من ولده وزوجته".
"ومن حيث إن المتبرع اشترط في السند عدم جواز تحويله حتى إذا ما فكر ولده في المطالبة بقيمته بعد حلول الأجل وجد نفسه مضطرّاً لمواجهة والد في مكنته إذا شاء أن يحرمه مما يأمل أن يرثه عنه كله أو بعضه بتصرف من التصرفات التي لا يمكن الوارث الطعن فيها. وقد أمسك المستأنف عليه بالفعل عن المطالبة بالسند بعد حلول أجله زهاء سنتين حتى توفى والده".
"ومن حيث إن ما سبق يكشف عن نية الوالد وانصرافها عن التنجيز إلى الإضافة للموت".
"ومن حيث إنه عدا ما تقدّم ففي مسودة الخطاب المحرّر في 13 من مايو سنة 1933 بخط غير منكور للمتبرع تهديد بسحب المنحة التي ميز بها المستأنف عليه عن بقية إخوته. وعدول الأب عن تبرع صدر منه لابنه لا يمكن إذا كان هبة منجزة أما الرجوع في الوصية فجائز في كل الأحوال مما يؤيد أن نية المتبرع انعقدت على الإيصاء".
"ومن حيث إن الوصية لوارث لا تنفذ في حق بقية الورثة ما لم يجيزوها وذلك سواء كان الموصي مسلماً أو غير مسلم. وقد أنكر المستأنفون الوصية الصادرة للمستأنف عليه فتبطل بالنسبة لهم".
"ومن حيث إنه حتى لو استبعدنا عن المورّث نية الإيصاء فإن هبته مضافة لأجل، وهذا يخل بركن التنجيز الذي يتطلبه الشرع الإسلامي لوقوع الهبة صحيحة".
"ومن حيث إن الشارع المدني في باب الهبة اقتصر على بضعة أحكام تتعلق بشكل العقد وكيفية انعقادها اقتبسها من الشريعة الإسلامية مع بعض التعديل دون أن يعني بالنص على أركان انعقاد الهبة وشرائط صحتها وإمكان الرجوع فيها وأحواله وما إلى ذلك مما يتعلق بأصل الهبة، فدل ذلك على رغبته في إخضاعها لقواعد الشريعة التي اختارها مصدراً لما اقتبسه من الأحكام".
"ومن حيث إن إفراغ الهبة في إحدى الصور التي اشترطتها المادتان 48 و49 مدني لصحة عقدها شكلاً لا يغنى عن وجوب توافر كافة أركانها وشرائطها الموضوعية".
تلك هي الأسباب التي بني عليها الحكم المطعون فيه لتدعيم وجهة نظره في تكييف الإقرار المتنازع بشأنه بأنه وصية أو هبة غير منجزة، وأن التصرف على كلا الاعتبارين باطل.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقرّ على "أنه وإن كان لمحكمة الموضوع السلطة الكاملة في تفسير العقود المختلف على معناها بحسب ما تراه أقرب إلى نية المتعاقدين مستعينة في ذلك بجميع وقائع الدعوى وظروفها إلا أنه إذا أدّى بها هذا التفسير إلى إعطاء العقد وصفاً قانونياً خاطئاً فإن حكمه يكون خاضعاً لرقابة محكمة النقض التي يجب عليها في هذه الحالة تصحيح ما وقع من الخطأ". وأنه "لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في تفسير صيغ العقود والشروط والقيود المختلف عليها بما تراه أوفى بمقصود المتعاقدين مستعينة في ذلك بجميع ظروف الدعوى وملابساتها، ولها بهذه السلطة أن تعدل عن المدلول الظاهر لهذه الصيغ المختلف على معناها إلى خلافه بشرط أن تبين في أسباب حكمها لم عدلت عنه، وكيف أفادت تلك الصيغ المعنى الذي اقتنعت به ورجحت أنه مقصود العاقدين، بحيث يتضح من هذا البيان أنها قد أخذت في تفسيرها باعتبارات مقبولة يصح عقلاً استخلاص ما استخلصته منها".
وحيث إنه في الدعوى الحالية قد عدلت محكمة الاستئناف، بناء على اتفاق طرفي الخصومة، عن المدلول الظاهر للإقرار وهو أنه سند بدين، ثم جعلت تتحسس نية المقرّ الحقيقية من الاعتبارات القائمة في الدعوى لتتعرف كنه التبرع الذي يستره إقراره.
وحيث إن الاعتبارات التي بررت بها محكمة الموضوع قطعها بأن نية المورّث كانت الإيصاء بقيمة السند ليست في الواقع على المنزلة التي أنزلتها، وهي لا ترجح الاعتبارات الأخرى المتوافرة في الدعوى والتي تنفي بتاتاً تلك النية. فقد سلم والد الطاعن إليه سند الدين، وفسح له بذلك سبيل مطالبته بقيمته عند حلول الأجل المسمى فيه. وإذا كان الطاعن لم يقم بتلك المطالبة فإن تحرّى الباعث على سكوته والتنويه بأنه خشية الحرمان من الميراث أو المعونة لا يمكن بحال أن يمس صفة الدين ولا الالتزام بالوفاء. كذلك النص على أن السند غير قابل للتحويل ليس له هذا الأثر إذ أنه نص جاء عبثاً ما دام أن السداد مشروط لنفس الطاعن لا لإذنه وأمره.
أما ما استطردت إليه محكمة الاستئناف بقولها إنه مع استبعاد نية الإيصاء عن المورّث فإن تصرفه يكون هبة غير منجزة فهي باطلة طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية - هذا الاستطراد لا يلتفت إليه إذ البحث فيما إذا كانت شروط الهبة قد استوفيت طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية أو لم تستوف لا محل له إطلاقاً فإن الرجوع إلى قانون الأحوال الشخصية بشأن الهبة إنما يكون عند سكوت القانون المدني عن تبيان حكمه فيها. والحال هنا على غير ذلك فقد أوضحت المادة 48 من ذلك القانون الحكم اللازم تطبيقه في الدعوى الحالية وهو أنه متى كانت الهبة موصوفة بعقد آخر فإن الملكية تنتقل فيها بمجرّد الإيجاب والقبول بدون حاجة إلى تسليم فعلي. وانتقال الملكية يترتب عليه حتماً المطالبة بالتسليم، وليس هناك ما يمنع قانوناً من تأجيل التسليم إلى أجل مسمى إذا رغب الواهب في ذلك.
وحيث إنه متى استبان أن محكمة الموضوع قد أخطأت في التكييف القانوني للإقرار إذ اعتبرته وصية أو هبة غير منجزة باطلة فيتعين نقض الحكم المطعون فيه بغير حاجة لبحث المسائل القانونية الأخرى التي أثارها الطاعن.
وحيث إن الدعوى صالحة للحكم في موضوعها.
وحيث إن مدلول الإقرار وظروف الدعوى والاعتبارات التي أتى بها الحكم الابتدائي الصادر فيها - كل هؤلاء تجزم بأن والد الطاعن أراد أن يهبه في حياته ألف جنيه فمنحه هذه الهبة في صورة إقرار بدين استكملت فيه جميع شروط العقد الساتر.
وحيث إنه لما سبق بيانه تكون هذه الهبة قد استوفيت شرائطها الشكلية والموضوعية طبقاً لأحكام القانون فهي صحيحة نافذة.
وحيث إنه يتعين لما تقدّم تأييد الحكم الابتدائي الصادر من محكمة مصر الابتدائية في 6 من فبراير سنة 1939 في الدعوى رقم 967 سنة 1938 كلي.

الطعن 7 لسنة 10 ق جلسة 16 / 5 / 1940 مج عمر المدنية ج 3 ق 61 ص 209

جلسة 16 مايو سنة 1940

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعلي حيدر حجازي بك وحسن زكي محمد بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

----------------

(61)
القضية رقم 7 سنة 10 القضائية

قوة الشيء المحكوم فيه. 

حكم انتهائي في مواجهة ممثل خصم. متى يسري في حق الخصم نفسه؟ تجاوز الممثل حدود السلطة المخوّلة له. لا يسري الحكم. قيم. عقده اتفاقاً عن محجوره. الاشتراط في هذا الاتفاق على اختصاص محكمة جزئية معينة بالفصل نهائياً في كل نزاع بشأنه. تجاوز لحدود سلطته. حكم صادر بناء على هذا الاتفاق. لا يلتزم به المحجور عليه. قيم جديد. إعلان هذا الحكم إليه. لا أثر له. المخاصمة باسم محجوره في هذا الاتفاق بدعوى جديدة. لا مانع.
(المادة 232 مدني)

----------------
الأحكام الانتهائية الصادرة في مواجهة ممثل الخصم لا تسري على نفس الخصم إلا في حدود نيابة الممثل والسلطة المخوّلة له. وإذن فالقيم إذا عقد اتفاقاً عن محجوره. واشترط فيه التقاضي في كل نزاع بشأنه أمام محكمة جزئية بعينها تفصل فيه نهائياً، فإنه يكون متجاوزاً في ذلك حدود سلطته بتنازله عن حق محجوره في نظر النزاع أمام المحكمة المختصة بالفصل فيه جزئية كانت أو كلية حسب القانون، وفي نظره أمام جميع درجات التقاضي، ذلك التنازل الذي لا يملكه القيم إلا بإذن من المجلس الحسبي لما فيه من الإضرار بالمحجور عليه، قياساً على الصلح الذي أوجب القانون صراحة في المادة 21 من قانون المجالس الحسبية الإذن به، وما ذلك إلا لما فيه من التنازل عن بعض الحقوق.
وإذن فالحكم الذي يبنى على هذا الاتفاق لا يلتزم به المحجور عليه بل يعتبر أنه صدر على شخص القيم مجرّداً عن صفته، وإعلانه إلى القيم الجديد لا يترتب عليه أي أثر على الإطلاق. فهو لا يمنعه من أن يخاصم باسم محجوره بدعوى أخرى.

الطعن 10 لسنة 10 ق جلسة 9 / 5 / 1940 مج عمر المدنية ج 3 ق 60 ص 205

جلسة 9 مايو سنة 1940

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

-------------------

(60)
القضية رقم 10 سنة 10 القضائية

دعوى الملك. 

دعوى اليد. عدم الجمع بينهما. متى يكون؟ عند حصول التعرّض قبل رفع دعوى الملك. حصوله بعد رفعها. لا مانع في هذه الحالة من الجمع بين الدعويين. 

(المادة 29 مرافعات)

-----------------
إن حظر الجمع بين دعوى الملك ودعوى اليد لا يكون إلا في الأحوال التي يعتبر فيها رافع دعوى الملك متنازلاً عن دعوى اليد الأمر الذي لا يمكن أن يصدق إلا إذا كان التعرّض في وضع اليد قد حصل قبل أن ترفع دعوى الملك. أما إذا كان قد حصل بعد رفعها فإنه لا مانع يمنع مدّعي الملكية من أن يلحق بدعواه دعوى اليد.


الوقائع

تتحصل وقائع هذه الدعوى - كما يبين من الحكم المطعون فيه ومن الأوراق والمستندات المقدّمة لهذه المحكمة وكانت من قبل تحت نظر محكمة الموضوع - في أن محمود محمد الفقي زوج المطعون ضدّها كان قد اشترى من شركة السيكورتاه "ذي يونيون أندروك" 15 فداناً و4 أسهم بعقد عرفي لم يسجل، ثم باعها إلى مورّث الطاعنين بعقد عرفي تاريخه 10 من ديسمبر سنة 1932 لم يسجل أيضاً، واستلم مورث الطاعنين الأرض وجعل ينتفع بها نفاذاً لعقد مشتراه. بعد ذلك قام نزاع بينه وبين زوج المطعون ضدّها بشأن تنفيذ مورّث الطاعنين لتعهداته الواردة في عقد البيع، وترتب على هذا النزاع أن رفع زوج المطعون ضدّها عليه عدّة دعاوى بعضها باسمه وبعضها باسم المطعون ضدّها فشل فيها جميعاً. ثم لجأ إلى شركة السيكورتاه "ذي يونيون أندروك" المالكة أصلاً للأرض واستصدر منها عقداً رسمياً حرّر بمحكمة إسكندرية المختلطة في 15 من يونيه سنة 1935 وسجل في 10 من أغسطس سنة 1935 ببيع الأرض المتنازع عليها لزوجته.
علم مورّث الطاعنين بتصرف الشركة فبادر في 5 من فبراير سنة 1936 برفع دعوى أمام محكمة المنصورة المختلطة ضدّها وضدّ المطعون ضدّها وزوجها طلب فيها ثبوت ملكيته للأرض وإلغاء عقد البيع الصادر بشأنها من الشركة إلى المطعون ضدّها.
وفي 12 من سبتمبر سنة 1936 نفذت المطعون ضدّها عقد البيع الرسمي بتسلم الأرض تسلماً فعلياً في غيبة مورّث الطاعنين الذي عندما علم بالأمر تعرّض بالقوّة للمطعون ضدّها في وضع يدها وأحيل من أجل ذلك إلى المحاكمة الجنائية. ثم رفع في 10 من أكتوبر سنة 1936 الدعوى رقم 1791 سنة 1936 أمام محكمة شربين الجزئية ضدّ المطعون ضدّها وطلب الحكم له بمنع تعرّضها له في وضع يده على الأرض وإلزامها بتسليمها إليه. وقد توفى مورّث الطاعنين أثناء نظر تلك الدعوى وحل ورثته وهم الطاعنون محله فيها.
وفي 10 من أكتوبر سنة 1938 قضت محكمة شربين برفض الدفع المقدّم من المطعون ضدّها بعدم اختصاص المحاكم الأهلية وفي الموضوع بمنع تعرّضها للطاعنين في الأرض وتسليمها لهم مع إلزامها بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
استأنفت المطعون ضدّها حكم محكمة شربين أمام محكمة المنصورة الابتدائية وطلبت القضاء بإلغاء الحكم المستأنف وعدم اختصاص المحاكم الأهلية بنظر الدعوى وفي الموضوع بإيقافها لحين الفصل في النزاع المطروح أمام المحكمة المختلطة أو إلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى الطاعنين مع إلزامهم بالمصاريف وأتعاب المحاماة.
وفي 30 من إبريل سنة 1939 حكمت محكمة المنصورة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وسقوط حق الطاعنين في رفع الدعوى مع إلزامهم بالمصاريف.
لم يعلن هذا الحكم للطاعنين فطعنوا فيه أخيراً بطريق النقض في 15 من فبراير سنة 1940 وقد أعلنوا تقريرهم إلى المطعون ضدّها في 24 من ذلك الشهر... إلخ.


المحكمة

وحيث إن الطاعنين يبنون طعنهم على وجهين: (الأوّل) مخالفة الحكم المطعون فيه لما نصت عليه المادة 29 من قانون المرافعات، (الثاني) قصوره في التسبيب. ويقولون في بيان الوجه الأوّل إن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في اعتبار دعوى النزاع في الملك التي رفعها مورّث الطاعنين مانعة من رفع دعوى منع التعرّض بمقولة عدم جواز الجمع بين دعوى الملك ودعوى وضع اليد. ويقولون في بيان الوجه الثاني إن الحكم المطعون فيه لم يبين الأسباب التي حملته على مخالفة صريح نص المادة 29 من قانون المرافعات.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بني على السببين الآتيين:
"وحيث إنه ثابت من العريضة المعلنة للمستأنفة (المطعون ضدّها) في هذه القضية أن مورّث المستأنف عليهم (الطاعنين) رفع دعوى أمام المحكمة المختلطة ضدّ المستأنفة وزوجها محمود محمد الفقي وشركة السيكورتاه الإنجليزية يطلب فيها تثبيت عقد البيع الصادر له من زوج المستأنفة وبطلان عقد البيع الصادر من الشركة للمستأنفة وهذه القضية لا زالت منظورة منذ سنة 1936".
"وحيث إنه بمقتضى المادة 29 مرافعات لا يجوز الجمع بين دعوى اليد ودعوى الملك، وإنه بناء على هذه القاعدة القانونية يكون حق المستأنف عليهم ساقطاً في دعوى إعادة وضع اليد ما دام قد سبق لمورّثهم أن رفع دعوى الملك أمام المحاكم المختلطة ومن ثم يتعين إلغاء الحكم المستأنف".
هذا ما بني عليه الحكم المطعون فيه.
وحيث إن المادة 29 من قانون المرافعات لم تنص على عدم الجمع بين دعوى اليد ودعوى الملك إطلاقاً كما قال الحكم المطعون فيه ولكنها تنص على أنه "ليس للخصم الذي يتطلب وضع يده على العقار وضعاً قانونياً أن يطلب أيضاً الحكم بثبوت الملك له فإذا فعل ذلك سقط حقه في طلب وضع اليد". وهذا النص الجلي لا يحتمل التأويل الذي ذهب إليه الحكم المطعون فيه ذلك التأويل الذي يعتبر تقوّلاً على الشارع بما لم يقله من حرمان المالك من الدفاع عن وضع يده إذا ما حصل التعرّض له فيه أثناء نظر دعوى النزاع في الملك المرفوعة وقت قيام وضع يده.
وحيث إن القول بحرمان المالك الحائز لما يملك من حماية وضع يده إذا طالب بثبوت الملك له - هذا القول يؤدّي إلى نتائج يتنزه الشارع عن إقرارها. ومن هذه النتائج تحريض المنازع في الملك على انتهاز فرصة مطالبة خصمه بثبوت الملك له ويبادر إلى رفع يد ذلك الخصم عن العين المتنازع عليها ثم لا يكون لهذا الاعتداء الصارخ من دافع.
وحيث إن الحرمان من الجمع بين دعوى الملك وبين دعوى اليد لا يكون إلا حيث يعتبر المطالب بثبوت الملك متنازلاً عن حقه في طلب وضع اليد، وهذا الاعتبار لا يقوم إلا إذا كان التعرّض في وضع اليد قد حصل قبل الدخول في دعوى الملك. وليس من المعقول أن يعتبر الشخص متنازلاً عن حقه في طلب وضع اليد في وقت تكون فيه يده ثابتة على العين ولم يتعرّض له فيها أحد، وبعبارة أخرى في وقت لم يولد فيه حق طلب منع التعرّض أو إعادة وضع اليد.
وحيث إنه مما يصح ذكره في شأن هذه المسألة أن قانون المرافعات الفرنسي يقول في المادة 25:
"Le possessoire et le pétitoire ne seront jamais cumulés".
ويقول في المادة 26:
"Le demandeur au pétitoire ne sera plus recevable à agir" "au possessoire".
ورغما من اختلاف عبارات هذين النصين اختلافاً كبيراً عن عبارة نص المادة 29 من قانون المرافعات الأهلي، فإن الفقه الفرنسي وقضاء محكمة النقض الفرنسية مجمعان على أنه إذا رفعت دعوى الملك في وقت لم يكن قد حصل فيه تعرّض في وضع اليد فليس هناك ما يمنع قانوناً من رفع دعوى وضع اليد متى حصل التعرّض بعد ذلك.
وحيث إن الثابت في هذه الدعوى، كما سبق البيان في الوقائع، هو أن منازعة المطعون ضدّها في وضع يد الطاعنين لم تحصل إلا عند تنفيذ عقد البيع الرسمي بالتسليم في 12 من سبتمبر سنة 1936 بعد رفع دعوى ثبوت الملك في 5 من فبراير سنة 1936. وليس بصحيح قانوناً ما تدعيه المطعون ضدّها من أن صدور البيع إليها من شركة السيكورتاه في 15 من يونيه سنة 1925 يعتبر في ذاته تعرّضاً في وضع اليد.
وحيث إنه لما تقدّم يكون من حق مورّث الطاعنين أن يرفع دعوى منع التعرّض والتسليم بعد رفعه دعوى ثبوت الملك، ويكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ فهم قصد الشارع من عبارة المادة 29 مرافعات ويتعين إذن نقضه.
وحيث عن المحكمة لا ترى محلاً للكلام في الوجه الثاني ما دام أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تعرّف الوجه الصحيح للقانون.
وحيث إن الدعوى صالحة للحكم في موضوعها بما توافر فيها من المستندات.
وحيث إن الحكم الابتدائي الصادر من محكمة شربين الجزئية في 10 من أكتوبر سنة 1938 قد أصاب وجه الحق فيما قضى به للأسباب التي بني عليها فيتعين تأييده.

الطعن 6 لسنة 10 ق جلسة 9 / 5 / 1940 مج عمر المدنية ج 3 ق 59 ص 204

جلسة 9 مايو سنة 1940

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

--------------

(59)
القضية رقم 6 سنة 10 القضائية

وقف. 

استبدال. قائمة مزاد استبدال الأطيان الموقوفة. الشروط الواردة بها. التكييف القانوني لنصوص هذه القائمة. بيع معلق على شرط واقف لا فاسخ. نفاذ البيع من وقت رسوّ المزاد لا من وقت توقيع الصيغة الشرعية. 

(المادة 238 مدني)

----------------
إن ما تضمنته قائمة مزاد استبدال الأطيان الموقوفة من أن من يرسو عليه المزاد لا يستحق في الريع إلا إذا وافقت المحكمة الشرعية على الاستبدال، وأنه إلى أن يتم ذلك لا مسئولية على وزارة الأوقاف في شيء يتعلق بالعقار الذي يكون في هذه الحالة تحت يدها ولها حق تأجيره واستغلال ريعه، وأن الراسي عليه المزاد ملزم باحترام عقود التأجير الصادرة منها ولو كان ذلك قبل تاريخ توقيع الصيغة الشرعية بيوم واحد - ما تضمنته القائمة من ذلك لا يسوّغ القول باعتبار هذا التعاقد بيعاً معلقاً على شرط فاسخ. وذلك لأن إجازة الاستبدال من المحكمة الشرعية، ثم توقيع صيغته منها ليست شرطاً فاسخاً وإنما هي شرط واقف، ولو أن النتيجة بالنسبة لموضوع النزاع لا تختلف بتخلف الشرط إن اعتبر فاسخاً أو بتحققه إن كان واقفاً، فإنه في كلتا الحالتين يكون البيع نافذاً من وقت رسوّ المزاد لا من وقت توقيع الصيغة الشرعية.

الطعن 49 لسنة 9 ق جلسة 9 / 5 / 1940 مج عمر المدنية ج 3 ق 58 ص 192

جلسة 9 مايو سنة 1940

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

-----------------

(58)
القضية رقم 49 سنة 9 القضائية (1)

(أ) قوة الشيء المحكوم فيه. 

حكم جنائي. حجيته أمام المحكمة المدنية. مداها. علتها. حكم في جريمة الاعتياد على الإقراض بفوائد ربوية. التزام القاضي المدني به من جهة ما أثبته من سعر الفائدة ومن وقائع الإقراض. 

(المادة 19 من قانون تحقيق الجنايات المختلطة الصادر في 31 يوليه سنة 1937 والمادة 232 مدني)
(ب) صلح مصدّق عليه. 

اتفاق. ليست له حجية الشيء المحكوم فيه.
(المادة 68 مرافعات والمادتان 232 و532 مدني)
(جـ) فوائد ربوية. 

الاتفاق على فوائد زائدة على الحدّ القانوني. بطلانه فيما زاد على الحدّ. بطلان مطلق. إجازة هذا الاتفاق صراحة. لا تصح. استبدال دين آخر به أو إقراره بصلح. لا يصح. استرداد ما دفع زائداً. جوازه. حكم المادة 145 مدني. عام.
(المواد 125 و145 و478 مدني - قانون العقوبات)
(د) فوائد. مبدأ استحقاقها. 

المطالبة الرسمية. مقرض بفوائد زائدة على الحدّ. إلزامه برد ما قبضه زائداً على استحقاقه وبفوائده من تاريخ القبض. لا مخالفة في ذلك للقانون.
(المادتان 124 و146 من القانون المدني)

----------------
1 - الحكم الصادر في الدعوى الجنائية يجب أن تكون له حجية المحكوم فيه أمام المحكمة المدنية بالنسبة لما يقتضي الفصل في تلك الدعوى بيانه فيه حسب القانون متى كان مناط الدعوى المدنية ذات الفعل الذي تناوله هذا الحكم. وليست العلة في ذلك اتحاد الخصوم والموضوع والسبب في الدعويين، وإنما هي في الواقع توافر الضمانات المختلفة التي قرّرها الشارع في الدعاوى الجنائية ابتغاء الوصول إلى الحقيقة فيها لارتباطها بالأرواح والحرّيات - الأمر الذي تتأثر به مصلحة الجماعة لا مصلحة الأفراد مما يقتضي أن تكون الأحكام الجنائية محل ثقة على الإطلاق، وأن تبقى آثارها نافذة على الدوام. وهذا يستلزم حتماً ألا تكون هذه الأحكام معرّضة في أي وقت لإعادة النظر في الموضوع الذي صدرت فيه حتى لا يجرّ ذلك إلى تخطئتها من جانب أية جهة من جهات القضاء. وإذ كان تفادي التعارض على الوجه المتقدّم هو العلة في تقرير حجية الحكم الجنائي في الدعوى المدنية المتعلق موضوعها به فإن جريمة الإقراض بالربا لا تختلف في هذا الصدد عن غيرها من الجرائم لتوافر هذه العلة فيها هي أيضاً.
فالحكم الجنائي الصادر على المتهم في جريمة الاعتياد على الإقراض بفوائد ربوية يكون ملزماً للقاضي المدني فيما أثبته خاصاً بسعر الفائدة التي حصل الإقراض بها، لأن مقدار الفائدة عنصر أساسي في هذه الجريمة، وإذا أبيح للقاضي المدني إعادة النظر فيه لجاز أن يؤدّي ذلك إلى وجود التناقض بين الحكمين: المدني والجنائي في أمر هو من مستلزمات الإدانة. وكذلك يكون ملزماً له فيما أثبته عن وقائع الإقراض لتعلق هذه الوقائع أيضاً - مهما كان عددها - بالإدانة، إذ القانون لم ينص على عدد المرّات التي تكوّن الاعتياد الأمر الذي يستوجب أن تكون التهمة التي حصل العقاب عليها متضمنة جميع الأفعال الداخلة في الجريمة حتى وقت المحاكمة.
2 - إن نص المادة 68 مرافعات المنظمة للإجراءات التي تتبع في التصديق على الصلح قد أوجبت أن يحرّر القاضي محضراً بما وقع الاتفاق عليه، وبعد تلاوة هذا المحضر يضع كل من الخصوم إمضاء أو ختمه عليه، ويكون هذا المحضر في قوّة سند واجب التنفيذ، ويسلم الكاتب صورة منه بالكيفية والأوضاع المقرّرة للأحكام. وإذن فالقاضي وهو يصدّق على الصلح لا يكون قائماً بوظيفة الفصل في خصومة، لأن مهمته إنما تكون مقصورة على إثبات ما حصل أمامه من الاتفاق. وإذن فهذا الاتفاق لا يعدو أن يكون عقداً ليست له حجية الشيء المحكوم فيه وإن كان يعطي شكل الأحكام عند إثباته.
3 - إن كل اتفاق على فائدة تزيد على الحدّ الجائز الاتفاق عليه قانوناً يكون باطلاً فيما زاد على هذا الحدّ. وهذا البطلان مطلق لأن سببه مخالفة القانون والنظام العام، ولذلك لا تصح إجازته ولو صراحة، ومن باب أولى لا تصح إجازته ضمناً باستبدال دين آخر به أو بإقراره بصلح ولو كان أمام القاضي. وكل ما دفع زائداً على الفوائد الجائز الاتفاق عليها يجوز، بمقتضى المادة 145 من القانون المدني، المطالبة بردّه، فإن حكم هذه المادة عام غير مقصور على الأحوال التي يكون الدفع فيها واقعاً عن غلط.
4 - الأصل أن الفوائد لا تكون مستحقة إلا من يوم المطالبة الرسمية. لكن المادة 146 من القانون المدني قد نصت - خلافاً لهذا الأصل - على إلزام من يأخذ مبلغاً، وهو عالم بعدم استحقاقه إياه، بفوائده من يوم تسلمه له. وإذن فلا مخالفة للقانون في القضاء بإلزام المقرض بالربا الفاحش بفوائد المبالغ المحكوم عليه بردّها محسوبة من تاريخ قبضها.


الوقائع

تتلخص وقائع هذا الطعن - على ما يؤخذ من الحكم الابتدائي والحكم المطعون فيه وسائر المستندات المقدّمة وكانت من قبل تحت نظر محكمة الموضوع - في أن النيابة العمومية اتهمت محمد زكي أفندي في الدعوى رقم 2503 جنح السيدة سنة 1931 بأنه في المدّة من سنة 1920 إلى سنة 1931 بالقاهرة والواسطى اعتاد على إقراض نقود بفائدة تزيد على الحدّ الأقصى الممكن الاتفاق عليه قانوناً لعدّة أشخاص من بينهم الست أكيلة إسماعيل (المطعون ضدّها) إذ أقرضها في 18 من يناير سنة 1923 مبلغ 65 جنيهاً، وفي 5 من إبريل سنة 1923 مبلغ 56 جنيهاً، وفي 5 من مايو سنة 1923 مبلغ 24 جنيهاً وفي وفي وفي إلخ.
وجميع هذه المبالغ بفائدة 100% سنوياًً. وقد طلبت النيابة عقاب ذلك المتهم بالمادة 294 فقرة 2 و3 من قانون العقوبات. وفي أثناء التحقيق دخلت المطعون ضدّها مدّعية بحق مدني وطلبت الحكم لها مؤقتاً بمبلغ قرش واحد على سبيل التعويض مع حفظ حقها فيما تستحقه قبل المتهم. كما ادّعى بعض المقترضين الآخرين بحق مدني بعد تقديم القضية للجلسة.
دفع المتهم الدعوى بدفوع من بينها: (1) عدم قبول المدّعين بالحق المدني في دعاوى الاعتياد على الإقراض. (2) عدم قبول الدعاوى المدنية المقدّمة من المدّعين بالحق المدني لقيام محاضر صلح وأحكام نهائية تنصب على موضوعها. (3) بطلان إجراءات التحقيق التي تمت في القضية أمام النيابة العمومية. (4) عدم جواز سماع الشهود لإثبات وقائع الاعتياد على الإقراض بفوائد غير قانونية.
وفي 9 من مايو سنة 1933 حكمت محكمة السيدة زينب برفض تلك الدفوع وبحبس المتهم سنة واحدة مع الشغل وكفالة مائة جنيه لوقف التنفيذ وتغريمه 100 جنيه وألزمته بأن يدفع للمطعون ضدّها القرش الذي طلبته على سبيل التعويض. وقد ذكرت المحكمة في حكمها أن التهمة بالصورة التي رفعت بها الدعوى العمومية على المتهم وفيها بيان القروض الخاصة بالمطعون ضدّها وفوائدها قد ثبتت لديها بالأدلة التي فصّلتها.
استأنف المتهم والنيابة العمومية ذلك الحكم أمام محكمة مصر الابتدائية بالاستئناف رقم 11559 سنة 1933 فقضت تلك المحكمة في 2 من مايو سنة 1934 (أوّلاً) بالنسبة للدعاوى المدنية بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم قبولها بانية حكمها على ما يأتي:
"ليس ثمة شك في أن الإقراض بالفوائد أمر يقرّه القانون الوضعي غير أنه وضع حدّاً لا يجوز أن تتعدّاه تلك الفوائد. وهذا من الوجهة المدنية البحت. أما فيما يتعلق بالقانون الجنائي فإن الأمر لا يزال عند حدّ الإباحة لا عقوبة عليه إذا تجاوزت الفائدة الحدّ الأقصى الذي أجازه المشرع إلا إذا اتخذ المقرض لنفسه عادة الإقراض متعدّياً تلك النسبة التي حدّدها القانون. فالمشرع إذن لا يعاقب على الإقراض في ذاته بفائدة فاحشة، وإنما يوجب العقوبة إذا تكررت هذه العملية من المقرض بحيث يصبح عادة. وبعبارة أخرى فإن الاعتياد هو الذي يكوّن الركن الأساسي الذي تستند إليه عملية الإقراض بالربا الفاحش كجريمة يعاقب القانون عليها وهو - كما تقول بحق محكمة النقض والإبرام المصرية بأحكامها الصادرة في 30 من يناير سنة 1930 وفي 4 من ديسمبر سنة 1930 و22 من فبراير سنة 1931 - وصف خلقي يعزى إلى شخص المقرض إثر مقارفته للفعل الأخير الذي يتحقق به ركن الاعتياد، وأنه لا شأن للمدّعين بالحق المدني ولا لغيرهم من المقترضين، ولو تعدّد على الواحد منهم فعل الإقراض فيطلب تبعاً تعويضاً عن ضرر أصابه من الجريمة، وأنه لا يمكن أن يتصّور وجود ضرر مباشر من عملية الإقراض بالربا الفاحش على المقترضين من شأنه أن يجيز قبول أحدهم مدّعياً بحق مدني مطالباً بتعويض عن هذا الضرر استناداً إلى نص المادة 54 تحقيق جنايات. ذلك لأنه إن أمكن تصّور ضرر يعود على المقترض فأساسه عملية القرض التي لا عقاب عليها في ذاتها والتي قد يكون للمجني عليه فيها الحق في العودة إلى مناقشتها من جديد أمام المحكمة المدنية المختصة مطالباً بالفرق بين الفوائد التي دفعها فعلاً وتلك التي أباحها المشرع لا الاعتياد الذي هو مناط العقاب في جريمة الربا الفاحش". (ثانياً) بالنسبة للدعوى العمومية: (1) فيما يتعلق بالدفوع الفرعية المقدّمة لمحكمة أوّل درجة عدا ما يمس الدعاوى المدنية بتأييد الحكم المستأنف. (2) فيما يتعلق بموضوع الدعوى بتعديل الحكم المستأنف وحبس المتهم سنتين مع الشغل. وقد أخذت المحكمة الاستئنافية بأسباب الحكم الابتدائي فيما يتعلق بثبوت التهمة ومقدار الفائدة. وبتاريخ 4 من فبراير سنة 1935 رفعت المطعون ضدّها أمام محكمة مصر الابتدائية الدعوى رقم 509 كلي سنة 1935 وذكرت في صحيفتها أن الطاعن تعامل معها منذ سنة 1914 حتى سنة 1931 وأخذ يقرضها مبالغ بفائدة تربو على 100% وضيق عليها الخناق ببعض حجوز على أملاكها واستحقاقها في الوقف حتى تضطر إلى الالتجاء إليه وإلى قبول سعر الفوائد الذي يقتضيه منها. وقد قدّم الطاعن من أجل هذا للمحاكمة الجنائية بعد إجراء تحقيق معه، وانتهت المحاكمة بتوقيع العقاب عليه في قضية الجنحة المستأنفة رقم 11559 سنة 1933. وقد بلغ مجموع ما استولى عليه منها بلا وجه حق ما يزيد على 10000 جنيه وهو ما ترفع هذه الدعوى مطالبة به وبمبلغ 2000 جنيه على سبيل التعويض مقابل احتجازه هذا المبلغ مع المصاريف والأتعاب والنفاذ بغير كفالة. وفي 19 من نوفمبر سنة 1935 بجلسة التحضير قرّرت المحكمة وقف نظر الدعوى حتى يفصل في النقض المرفوع عن الحكم الجنائي. وبإعلان تاريخه أوّل فبراير سنة 1936 عجلت بعد أن حكم برفض الطعن في الدعوى الجنائية.
وفي 31 من مايو سنة 1933 قضت محكمة مصر الابتدائية بإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون ضدّها 10000 جنيه والمصاريف المناسبة و300 قرش مقابل أتعاب المحاماة وبرفض ما عدا ذلك من الطلبات. فاستأنفت المطعون ضدّها هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر وقيد استئنافها بجدولها برقم 751 سنة 54 قضائية طالبة تعديله وإلزام الطاعن بأن يدفع لها مبلغ 12000 جنيه مع المصاريف والأتعاب عن الدرجتين.
واستأنفه الطاعن أيضاً بالاستئناف رقم 844 سنة 54 قضائية طالباً إلغاءه ورفض دعوى المطعون ضدّها مع إلزامها بمصاريف الدرجتين والأتعاب وحفظ جميع الحقوق من أي نوع كان.
وفي 19 من ديسمبر سنة 1937 قرّرت محكمة استئناف مصر ضم الاستئنافين الواحد للآخر.
وفي 13 من إبريل سنة 1939 قضت بقبولهما شكلاً وفي الموضوع:
(أوّلاً) في الاستئناف المرفوع من محمد زكي الطوبجي أفندي بتعديل الحكم المستأنف وإلزامه بأن يدفع للست أكيلة إسماعيل مبلغ 6442 جنيهاً و267 مليماً مع المصاريف المناسبة عن الدرجتين و300 قرش مقابل أتعاب المحاماة عن الدرجة الأولى.
(ثانياً) في الاستئناف المرفوع من الست أكيلة برفضه وإلزامها بمصاريف استئنافها مع المقاصة في أتعاب المحاماة عن الدرجة الثانية.
أعلن هذا الحكم للطاعن في 28 من مايو سنة 1939 فطعن فيه بطريق النقض في 22 من يونيه سنة 1939 بتقرير أعلن للمطعون ضدّها في 26 من ذلك الشهر إلخ.


المحكمة

ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه معيب من ناحيتين:
(الأولى) خطؤه في تطبيق القانون وفي تأويله.
(الثانية) قصوره في بحث الدفوع التي قدّمها قصوراً يبطله.
وفي بيان هذين الوجهين يقول الطاعن:
(أوّلاً) إن المحكمة استندت إلى الحكم الجنائي الصادر استئنافياً من محكمة مصر الابتدائية في 2 من مايو سنة 1934 بإدانته في جريمة الاعتياد على الإقراض بفوائد فاحشة على اعتبار أن هذا الحكم له قوة الشيء المقضى به، وأنه ملزم للقضاء المدني، مع أن الأحكام الجنائية ليس لها في القانون المصري حجية أمام المحاكم المدنية. على أنه لو صح جدلاً وكان للأحكام الجنائية حجية تلزم المحاكم المدنية فإن ذلك لا ينصرف إلى جرائم الاعتياد على الإقراض بفوائد ربوية لعدم وجود أية صلة فيها بين الجريمة وبين المقترضين. وحتى لو صح القول بما يخالف ذلك فإن حجية الحكم الجنائي في هذه الجرائم أمام القاضي المدني يجب أن يتحقق لقيامها: (1) ألا يكون الحق المدّعى به قد صفى نهائياً بحكم أو بصلح قبل القضاء جنائياً. (2) ألا تتعدّى هذه الحجية بحال نطاق الدعوى العمومية ونطاق مجرّد العناصر التي يتطلبها القانون لتوافر الجريمة، وهي في دعوى الربا الفاحش تنحصر في عادة الإقراض بفائدة تزيد على الحدّ المسموح به قانوناً. ويعلق الطاعن على ذلك بأن الحكم المطعون فيه لم يرد على الأمر الأوّل بأكثر من قوله: "إن ما يدعيه المستأنف من وجود أحكام مدنية ومحاضر صلح مصدّق عليها من المحاكم عن مبالغ يدّعي أن الست أكيلة اقترضتها منه فإن ذلك على فرض وجوده لا يمنع المحاكم من النظر والمناقشة إذا ثبت أن بعض تلك الأحكام قد صدرت وهي تستر فوائد ربوية. وقد صدر حكم محكمة الجنح المستأنفة بتاريخ 2 من مايو سنة 1934 في قضية النيابة العمومية رقم 11559 على محمد زكي أفندي لأنه أقرض من ضمن من أقرضهم بفوائد ربوية الست أكيلة وكان مجموع الفوائد الربوية 100%". وهذا من المحكمة خطأ في القانون لأن الأحكام النهائية السابقة، ومثلها عقود الصلح والمحاسبة المصدّق عليها، حجة قاطعة مانعة فيما انطوت عليه من إلزام، وأن حجيتها تبقى قائمة ولو استند الطعن المقدّم عليها إلى أسباب تتعلق بالنظام العام.
وكذلك فيما يتعلق بالأمر الثاني فإن الحكم لم يصب في ردّه عليه، لأنه بعد أن قرّر القاعدة الصحيحة بقوله: "وحيث إن هذه القاعدة قاعدة تأثر المدني بالجنائي لا يمكن الأخذ بها على إطلاقها إلا فيما هو واجب لتكوين الجريمة وما هو لازم لتوافر أركانها" - بعد أن قرّر ذلك أخطأ عندما راح يطبق هذه القاعدة على الدعوى إذ قال: "ولما كان من أركان جريمة الاعتياد على إقراض نقود بفائدة تزيد على الحدّ الأقصى الممكن الاتفاق عليه أن تبحث المحكمة الجنائية عن وجود فوائد ربوية، والبحث عن وجود تلك الفوائد يستلزم البحث في معرفة سعرها حتى ينكشف أمامها الأمر وتقضي في الموضوع عن يقين. ولذلك كان بحث محكمة الجنح في سعر الفوائد التي أقرضها محمد زكي الطوبجي أفندي إلى الست أكيلة إنما هو بحث ضروري لأنه من مقوّمات عناصر الجريمة وتوافر أركانها، لأن الحكم الجنائي لا يمكن أن يستقيم بدون تقرير وجود فوائد ربوية، وذلك لا يتأتى إلا بعد معرفة سعر الفوائد. وعلى ذلك يكون الحكم الجنائي عن الفوائد الربوية وسعرها مقيداً للمحكمة المدنية، وليس للمستأنف أن يطلب إعادة النظر في ذلك". ويقول الطاعن إن وجه الخطأ في هذا التطبيق الذي ذهبت إليه المحكمة أن الحكم في الجريمة لم يكن يستلزم إلا البحث في شيئين: (الأوّل) أن المتهم أقرض مرتين على الأقل. (والثاني) أن الفائدة كانت تزيد في كل مرة على 9%. أما هل كانت الفائدة 20% أو 30% أو 200% فلا يهم الناحية الجنائية إلا في معرض تقدير العقوبة، وما تقرّره المحكمة الجنائية توصلاً إلى هذا التقدير لا يقيد القضاء المدني. وقد عرض الحكم بالفعل لثلاثة قروض، فحص كل قرض منها على حدة، وقال باحتواء ثلاثتها على ربا بلغ 100%، وبهذا تحققت كفاية الدعوى العمومية، وكان مجرّد تزيد من القضاء الجنائي بعد ذلك أن ينتقل من هذا التخصيص إلى التعميم فيقرّر أن جميع معاملات الطاعن مع المطعون ضدّها كانت تنطوي على إقراض بفائدة مقدارها 100%.
(ثانياً) إن القانون المصري لا يبيح لمن دفع الفوائد الربوية حق استردادها. والقول بأن المادة 145 مدني تجيز هذا الاسترداد هو خطأ في تفسير القانون. كما أن القول بأن الاتفاق على سداد الفوائد الربوية يخالف النظام العام هو بعينه المانع من حق الاسترداد فلا يمكن أن يعتبر علة لحق الردّ.
(ثالثاً) إن المحكمة قد أضافت فوائد بواقع المائة تسعة عن المبالغ التي قالت إنها مستحقة الرد وقالت باستحقاق هذه الفوائد من تاريخ سداد هذه المبالغ. وهذا الذي ذهبت إليه المحكمة مخالف للقانون، لأن الفوائد لا تستحق إلا في حالة الاتفاق عليها، وإذا حكم بها القاضي لا تبدأ إلا من تاريخ الطلب الرسمي.
هذا هو مبنى الطعن المقدّم.
ومن حيث إنه ليس من شك في أن الحكم الصادر في الدعوى الجنائية يجب أن تكون له حجية في الدعوى المدنية التي مناطها ذات الفعل الذي تناوله هذا الحكم، وذلك - لا على أساس اتحاد الخصوم والموضوع والسبب بين الدعويين - بل على أساس ما قرّره الشارع من الضمانات المختلفة ابتغاء الوصول إلى الحقيقة في الدعاوى الجنائية لارتباطها بالحرّيات والأرواح مما تتأثر به مصلحة الجماعة لا مصلحة مجرّد فرد من أفرادها. وهذا يقتضي أن تكون هذه الأحكام محل ثقة مطلقة، وأن يكون لها آثار دائمة بحيث لا تصبح معرّضة في كل وقت إلى الخوض في موضوعها من المحاكم المدنية تعرّضاً قد يؤدّي إلى التناقض في الأحكام. ولقد قرّر الشارع المصري هذا النظر في المادة 19 من قانون تحقيق الجنايات المختلط الصادر في 31 من يوليه سنة 1937، وسبق لهذه المحكمة أن قرّرته أيضاً بتاريخ 12 من يناير سنة 1939 بحكمها الصادر في الطعن رقم 34 سنة 8 قضائية. ولهذا فإن الحكم المطعون فيه إذ ذهب إلى أن الدعوى المدنية تتأثر حتماً بالحكم الجنائي وتخضع له لم يقل شططاً وإن كان أوجز فيما قال.
ومن حيث إنه متى كان تفادي التناقض في الأحكام هو العلة في تقرير حجية الحكم الجنائي في الدعوى المدنية المتعلقة به فمن غير المقبول استثناء جرائم الاعتياد على الإقراض بالربا من هذه القاعدة ما دامت العلة متوافرة فيها كما هي في سائر الجرائم.
ومن حيث إنه عن الأحكام المدنية التي يقول الطاعن إنها صدرت في موضوع المبالغ المطالب بها قبل أن يرفع الأمر إلى المحكمة المدنية، وإنه قد صفى بها الحق المدّعى به فلا يجوز للمحكمة المدنية أن تنظر في موضوعها مرة أخرى - هذا القول مردود بأن الظاهر من الأوراق المقدّمة في الدعوى أن تلك الأحكام ليست إلا محاضر صلح مصدقاً عليها من المحكمة المدنية فلا تعتبر أحكاماً بالمعنى القانوني. يؤيد هذا النظر ما هو واضح من نص المادة 68 من قانون المرافعات التي نظمت الإجراءات التي تتبع في شأن التصديق على الصلح، إذ أنها أوجبت على القاضي أن يحرّر محضراً بما وقع الاتفاق عليه، وبعد تلاوته يضع كل من الخصوم إمضاءه أو ختمه عليه، ويكون ذلك المحضر في قوّة سند واجب التنفيذ، ثم يسلم الكاتب صورة منه بالكيفية والأوضاع المقرّرة فيما يتعلق بالأحكام. فالقاضي عند التصديق على الصلح لا يقوم إذن بوظيفة الفصل في خصومة، وإنما هو يثبت ما حصل الاتفاق عليه أمامه. وإذا كان الاتفاق قد اتخذ شكل الأحكام فإن هذا لا ينفي عنه أنه عقد ولا يجعل له حجية الشيء المحكوم فيه.
أما ما يثيره الطاعن من التمسك بحجية الأحكام المدنية السابقة فلا محل لبحثه هنا بعد أن ثبت على ما تقدّم بيانه أن ليس بيده سوى محاضر صلح مصدّق عليها.
ومن حيث إنه ما دام القانون إنما قصد بالتزام القاضي المدني بالحكم الجنائي تفادي تعارض الأحكام بما يؤثر في جوهر الحكم الجنائي ويشكك في صحة قضائه بالإدانة أو بالبراءة، فإن القاضي المدني يقيده من الحكم الجنائي كل الوقائع التي تكون لازمة لتأسيس الإدانة أو البراءة.
وقد سبق لهذه المحكمة أن أخذت بهذا النظر في حكمها الصادر بتاريخ 12 من يناير سنة 1939 السابق الإشارة إليه، إذ بعد أن قرّرت حجية الحكم الجنائي أمام المحكمة المدنية قالت إن القاعدة الصحيحة أن هذه الحجية تقوم كلما فصل الحكم الجنائي فصلاً شاملاً ولازماً: (1) في تحقيق وقوع الفعل الذي يكوّن الأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية. (2) في الوصف القانوني لهذا الفعل. (3) في إدانة المتهم بارتكاب الفعل أو عدم إدانته. فمتى فصلت المحكمة الجنائية في هذه الأمور جميعاً أصبح باب بحثها مغلقاً أمام المحكمة المدنية، وتعين على تلك المحاكم أن تعتبرها ثابتة وتسير في بحث الحقوق المترتبة عليها على هذا الأساس بحيث يكون حكمها متناسقاً مع الحكم الجنائي السابق صدروه. وقد أوضح الشارع هذه القاعدة في المادة 19 من قانون تحقيق الجنايات المختلط التي سبق ذكرها أيضاً إذ جاء فيها:
"إذا استلزم الفصل في دعوى مرفوعة أمام محكمة مدنية أو تجارية معرفة ما إذا كانت هناك جريمة قد ارتكبت، وإذا كانت قد وقعت من شخص معين، يجب على تلك المحكمة أن تفصل في المنازعات المتعلقة بذلك طبقاً لما قضى به نهائياً من المحكمة الجنائية التي فصلت في الدعوى ولو كانت قد طبقت قواعد الإثبات الخاصة بالمواد الجنائية".
"ويوقف الفصل في الدعوى المدنية إذا رفعت الدعوى الجنائية قبل الفصل فيها نهائياً".
ومن حيث إن مؤدّى كل ذلك أنه في جريمة الاعتياد على الإقراض بفوائد ربوية يكون الحكم الجنائي ملزماً للقاضي المدني فيما يتعلق بسعر الفائدة الذي أثبت في ذلك الحكم أن المقرض اقتضاه لأن مقدار الفائدة عنصر أساسي في الجريمة. وإلا لو أجيز للقاضي المدني إعادة النظر في هذا السعر لترتب على ذلك احتمال وجود التناقض بين الحكمين. هذا من جهة ومن جهة أخرى لما كان القانون لم يبين عدد المرات التي يتكوّن منها الاعتياد، وكان الواجب أن تتضمن التهمة جميع الأفعال التي تدخل في تكوين الجريمة إلى وقت المحاكمة، فإن الحكم الجنائي يجب أن يكون حجة بشأن جميع وقائع الإقراض التي أثبتها على المتهم.
وإذن فالحكم المطعون فيه، وقد اعتبر الحكم الجنائي حجة عن جميع القروض التي شملتها الإدانة وأيضاً عن مقدار الفوائد المقول بأن المتهم كان يقرض بها زائداً على الحدّ المقرّر قانوناً يكون قد أصاب في الأمرين كما أصاب في إطّراح محاضر الصلح الموثقة وعدم التقيد بها.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بجوار أو عدم جواز استرداد الفوائد الربوية المدفوعة فإن كل اتفاق على فوائد تزيد على الحد الجائز الاتفاق عليه قانوناً باطل فيما زاد على هذا الحدّ. فقد بين الشارع في المادتين 125 و478 من القانون المدني الفوائد التي يجوز الاتفاق عليها. وقال في المادة 125 من ذلك القانون إنه "لا يجوز أصلاً الاتفاق على فوائد أزيد من تسعة في المائة (8% بمقتضى القانون رقم 20 لسنة 1938) سنوياً". وجعل من الإقراض بفوائد تزيد على هذا الحدّ جريمة بالشروط الواردة في قانون العقوبات. وهذا جميعاً يتحتم معه القول ببطلان مثل هذه الاتفاقات، وبأنه بطلان مطلق يرجع لمخالفة القانون ومخالفة النظام العام، فلا تصح إجازته صراحة أو دلالة، باستبدال دين آخر به، أو بإقراره بصلح موثق أمام القاضي أو غير موثق.
ومن حيث إنه يجوز بمقتضى المادة 145 من القانون المدني المطالبة برد ما دفع زائداً على الفوائد الجائز الاتفاق عليها، إذ أن المادة قرّرت في عبارة عامة أن "من أخذ شيئاً بغير استحقاق وجب عليه ردّه" وليس فيها ما يفيد قصر حكمها على الأحوال التي يقع فيها الدفع عن غلط، فلا موجب إذن للأخذ بما يقول به الطاعن من أن حكمها لا يتناول إلا حالة الغلط هذه.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بخطأ الحكم في احتساب فوائد المبالغ المقبوضة بغير حق، فإن الحكم المطعون فيه إذ ألزم الطاعن بفوائد المبالغ التي قضى عليه بردها، وإذ حاسبه على استحقاق هذه الفوائد من تاريخ تسلمه تلك المبالغ لم يخالف القانون في شيء، فإن المستفاد من المادة 146 من القانون المدني أن من يأخذ مبلغاً وهو عالم بعدم استحقاقه له يلزم بفوائد هذا المبلغ من يوم تسلمه إياه. وذلك استثناء من الحكم العام الوارد بالمادة 124 من أن الفوائد لا تستحق إلا من يوم المطالبة الرسمية. أما ما ذهب إليه الحكم من تقدير الفوائد بواقع المائة تسعة وإن كان خطأ إذ هذا السعر لا يكون إلا عند الاتفاق عليه وفقاً للمادة 125 من القانون المدني، فإن الطاعن لم يعترض على الحكم من هذه الناحية. وقد استوضحت المحكمة في الجلسة من وكيليه عما يقصدانه بالعبارة الواردة في آخر تقرير الطعن بشأن الحكم بالفوائد فقرّرا في صراحة أنهما إنما أرادا بها الاعتراض على الحكم المطعون فيه لقضائه بالفوائد من تاريخ دفع القروض بدلاً من تاريخ المطالبة الرسمية، ولم يشيرا بشيء إلى سعر الفائدة، فليس إذن من سبيل بعد هذا التصريح من وكيلي الطاعن لمعالجة خطأ الحكم المطعون فيه من ناحية مقدار الفائدة عن المبالغ المقضي بردّها.


(1) القواعد التي قرّرتها المحكمة في حكمها الصادر في هذه القضية قد تقرّرت أيضاً في الحكم الصادر في القضية رقم 73 سنة 9 بهذه الجلسة.

الطعن 2 لسنة 10 ق جلسة 2 / 5 / 1940 مج عمر المدنية ج 3 ق 57 ص 191

جلسة 2 مايو سنة 1940

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

------------------

(57)
القضية رقم 2 سنة 10 القضائية

نقض وإبرام. 

حكم برفض دفع فرعي لعدم وجود صفة للمدّعي في طلب الحساب. تعديل المدّعي طلباته إلى الحكم بإلزام ناظر الوقف بدفع مبلغ معين. الحكم بإيقاف الدعوى لغموض شرط الواقف حتى يصدر بتفسيره حكم من المحكمة الشرعية. الطعن في هذا الحكم بدعوى مخالفته للحكم السابق برفض الدفع الفرعي. لا يجوز. اختلاف الموضوع. 

(المادة 11 من قانون محكمة النقض)

----------------
إذا رفعت الدعوى لمطالبة ناظر الوقف بتقديم الحساب فدفع بأنه لا صفة للمدّعي في الطلب، وحكم برفض هذا الدفع وبإلزام الناظر بتقديم الحساب، فاستأنف هذا الحكم، وبعد أن حكمت محكمة الاستئناف بالتأييد عدّل المدّعي طلباته في الدعوى أمام محكمة الدرجة الأولى بأن طالب الناظر بأن يدفع له مبلغاً معيناً، وبعد أن سارت المحكمة الابتدائية في نظر موضوع دعوى الحساب عاد إلى تعديل طلباته مرة أخرى فرفع مقدار المبلغ المطلوب الحكم به، ثم قضت هذه المحكمة بإيقاف الدعوى لأن شرط الواقف به غموض لدرجة تستدعي صدور حكم مفسر له من المحكمة الشرعية فاستأنف هذا الحكم، فإن الحكم الاستئنافي الصادر بتأييد حكم الإيقاف لا يصح الطعن فيه بمقولة إنه جاء على خلاف الحكم السابق صدوره برفض الدفع الفرعي بشأن صفة المدّعي في طلب الحساب. وذلك لاختلاف الموضوع، فإن المحكمة وهي تصدر كل حكم من الأحكام الأولى إنما كانت تبحث شرط الواقف القائم بشأنه النزاع من ناحية معينة هي ما إذا كان هو يلزم الناظر بتقديم حساب للمدّعي أو لا يلزمه، ثم لما تحوّلت الدعوى إلى مطالبة الناظر بدفع مبلغ معين كانت تبحث هذا الشرط من ناحية أخرى هي هل هو فيه ما يدل على استحقاق المدّعي قبض المبلغ المدّعى به أو لا.