جلسة 8 فبراير سنة 1940
برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.
------------------
(29)
القضية رقم 81 سنة 9 القضائية
وكيل:
(أ) تقدير الموكل أجر وكيله بعد إتمام العمل. التحدّي بالمادة 514 مدني في هذه الصورة. لا يجوز.
(ب) إقرار الموكل بمديونيته للمحامي بمبلغ معين مقابل أتعابه في الدعوى. صدوره بعد انتهاء عمل المحامي والحكم في الدعوى. تحرير المحامي ورقة في تاريخ الإقرار تعهد فيها بالمرافعة عنه في قضية أخرى بلا أجر تقديراً لوفاء موكله له. اعتبارهما اتفاقاً واحداً. خطأ. هما مختلفان. أوّلهما إقرار بدين واجب الأداء في الحال، والثاني تبرع. التحدّي بالمادة 514 مدني في هذه الحالة. لا يصح.
(المادة 514 مدني)
الوقائع
تتلخص وقائع هذه الدعوى - بحسب ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه والمذكرات والمستندات المقدمة لهذه المحكمة وكانت تحت نظر محكمة الاستئناف - في أن المطعون ضدّه الأوّل اتفق مع الطاعن بعقد تاريخه 4 من يونيه سنة 1935 على أن يستمر فيما عهد به إليه من قبل من السير في كافة الإجراءات الشرعية والقانونية الخاصة بقضية النزاع على تركة إبراهيم محمد الغربي المنظورة أمام القضاء الشرعي، وإعداد الدفاع ضدّ مدعي البنوّة لذلك المتوفى أمام المحكمة العليا كما أعده أمام محكمة أول درجة إلى أن يصير الحكم برفض دعواه نهائياً، ثم المطالبة بكافة الطرق الشرعية كانت أو إدارية بحق المطعون ضدّه المذكور في تلك التركة إلى أن يثبت حقه فيها نهائياً ويستولي على هذا الحق. وفي نظير هذا العمل الذي قام ويقوم به الطاعن قبل المطعون ضدّه الأوّل أن يدفع للطاعن مبلغ 2000 جنيه كأتعاب غير قابلة للطعن أو المعارضة. وفي 15 من فبراير سنة 1937 انضمت المطعون ضدّها الثانية إلى الاتفاق المذكور والتزمت بما فيه متضامنة مع المطعون ضدّه الأوّل بصفتها وارثة معه لأخيها إبراهيم الغربي.
قام الطاعن بمباشرة ما وكل فيه عن المطعون ضدّهما حتى قضى نهائياً من المحكمة الشرعية في 29 من مارس سنة 1938 بوراثتهما لإبراهيم الغربي.
وفي 28 من مايو سنة 1938 صدر من المطعون ضدّهما إقرار بدين وتنازل صيغ بالعبارات الآتية:
"نحن الموقعين على هذا محمد جمال محمد محمود عامر الغربي الشهير بجمال ومبروكة محمد محمود عامر الغربي ورثة شقيقنا إبراهيم محمد محمود عامر الغربي الشهير بإبراهيم الغربي نقرّ ونعترف بأننا مدينون على وجه التضامن والتكافل بيننا لحضرة الأستاذ عبد الفتاح صابر المحامي الشرعي بمبلغ 2000 جنيه مصري قيمة ما اتفقنا عل أن يكون أتعاب حضرته في القضية التي رفعها وترافع فيها وقام بإجراءاتها أمام محكمة مصر الابتدائية الشرعية المقيدة برقم 22 كلي سنة 36 - 1937 ضدّ وزارة المالية لإثبات وراثتنا لمورّثنا إبراهيم محمد محمود عامر الغربي المذكور والتي حكم فيها نهائياً بتاريخ 29 مارس سنة 1938 من المحكمة العليا الشرعية. وسداداً لهذا المبلغ قد تنازلنا لحضرته بما يوازيه مما هو مستحق لنا قبل وزارة المالية (مصلحة الأملاك) من تركة مورثنا المذكور سواء فيما يتعلق بأصلها أو فيما ينتج من إيرادها. ولحضرته أن يقبض مبلغ 2000 جنيه مصري المشار إليه مباشرة من وزارة المالية دون توقف على رضائنا أو حضورنا فقد أصبح حقاً من حقوقه. ونصرح من الآن لوزارة المالية بصرف هذا المبلغ لحضرته دون قيد ولا شرط ودون أن تكون مسئولة عن صرفه بأي وجه من الوجوه. ولحضرته أيضاً أن يتنازل عن المبلغ المذكور أو يحوّله بكافة شروطه لمن يشاء دون توقف على إذننا ورضائنا وتحرّر هذا إقراراً منا بالمديونية المشار إليها وبالتنازل المذكور وللعمل بموجبه قانوناً".
وفي الوقت نفسه كتبت بذيل الاتفاق الأول المحرر في 4 من يونيه سنة 1935 العبارة الآتية: "المبلغ المتفق عليه في هذا العقد وقدره 2000 جنيه صار حقاً للطرف الأوّل (الطاعن) وقد قرّر الطرف الثاني (المطعون ضدّهما الاثنين معاً) بتنازلهما عن هذا المبلغ باعتباره صار من حق حضرة الطرف الأوّل عما يخصهما بمقداره في تركة مورّثهما إبراهيم محمد الغربي للحكم في القضية نهائياً. وقد تصدّق على إقرارهما وتنازلهما بتاريخ 28 من مايو سنة 1938 أمام كاتب تصديقات محكمة الموسكي الأهلية بمحضر تصديقات رقم 1661 سنة 1938 تصديقات المحكمة المذكورة وأصبح هذا العقد لاغياً اكتفاء بالتنازل المصدق عليه".
وفي نفس ذلك اليوم أيضاً صدر من الطاعن للمطعون ضدّهما إقرار نصه كما يلي مأخوذاً عن الحكم المطعون فيه:
"اليوم تحرّر عقد إقرار وتنازل من محمد جمال محمد محمود عامر الغربي والست مبروكة محمد محمود عامر الغربي بمبلغ 2000 جنيه قيمة أتعابنا في القضية السابق الفصل فيها لمصلحتهما نهائياً وكان هذا وفاء منهما لعقد الاتفاق المحرر في 4 من يونيه سنة 1935 ونظير هذا الوفاء من جانبهما أتعهد بأنني أقوم بالمرافعة عنهما والدفاع لمصلحتهما في القضية المرفوعة عليهما من المدعو محمد إبراهيم المنظورة أمام محكمة مصر الابتدائية الشرعية ومؤجلة لجلسة 31 من مايو سنة 1938 وأقرّر بأنني أقوم بذلك دون أجر أطلبه من موكليّ المذكورين في مقابل وفائهما معي في تنفيذ العقد السالف ذكره. وتقديراً لثقتهما بي هذه الثقة التي حالت دون سماع كلام المتقولين عليّ بشأن القضية السالفة الذكر ومقدار أتعابي فيها على أن أسير في الدفاع عنهما في القضية المذكورة لحين الفصل نهائياً أمام محكمة أول درجة والعليا فيما إذا لو استأنف المدّعي في الدعوى المذكورة".
قام الطاعن بمباشرة هذه القضية الجديدة إلى أن حكم فيها نهائياً لمصلحة المطعون ضدّهما في 24 من إبريل سنة 1939 بتأييد الحكم الابتدائي القاضي بعدم سماع دعوى محمد إبراهيم.
أراد الطاعن بعد ذلك أن يحصل على دينه من وزارة المالية فتعرّض له المطعون ضدّهما وعارضا في استيفائه إياه فاضطر إلى أن يرفع ضدّهما في 25 من مارس سنة 1939 الدعوى رقم 815 سنة 1939 كلي مصر واختصم فيها وزارة المالية وطلب الحكم له بإلزام المطعون ضدّهما بأن يدفعا له مبلغ 2000 جنيه وإلزام وزارة المالية بصرف هذا المبلغ وما يلحق به مما هو تحت يدها لحساب المطعون ضدهما. وفي جلسة 16 من مايو سنة 1939 قضت محكمة مصر بإلزام المطعون ضدهما متضامنين بأن يدفعا للطاعن 2000 جنيه والمصاريف و500 قرش أتعاباً للمحاماة وألزمت وزارة المالية بصرف هذا المبلغ مما هو في حيازتها لحساب المطعون ضدّهما وشملت الحكم بالنفاذ بلا كفالة.
استأنف المطعون ضدّهما ذلك الحكم أمام محكمة استئناف مصر طالبين الحكم بإلغاء وصف النفاذ المعجل وإيقاف تنفيذ الحكم المذكور وفي الموضوع بإلغائه وإلزام المستأنف عليه الأوّل (الطاعن) بالمصاريف والأتعاب عن الدرجتين.
ومحكمة استئناف مصر قضت في 25 من يونيه سنة 1939 بتعديل الحكم المستأنف وجعل المبلغ المحكوم به 600 جنيه بدلاً من 2000 جنيه مع المصاريف المناسبة عن الدرجتين و500 قرش مقابل أتعاب المحاماة وتأييد الحكم فيما عدا ذلك.
لم يعلن هذا الحكم، ولكن حضرة الأستاذ أحمد رشدي المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن قرّر في 2 من سبتمبر سنة 1939 بقلم كتاب هذه المحكمة بالطعن فيه بطريق النقض والإبرام للأسباب التي بينها في تقريره الذي أعلن إلى المطعون ضدهما في 7 من سبتمبر سنة 1939... إلخ.
المحكمة
وحيث إن الطاعن يبني طعنه على ما يأتي:
(أوّلاً) أن محكمة الاستئناف قد أخطأت في تطبيق أحكام القانون إذ اعتبرت أن لها حق التدخل في تعديل الأجر المتفق عليه بين الطرفين ناسية أن هذا الأجر قد قدّر بإقرار جديد صادر من المطعون ضدّهما في 28 من مايو سنة 1938 بعد انتهاء العمل المعهود به إلى الطاعن أقرّ فيه المطعون ضدهما أنهما مدينان للطاعن في مبلغ 2000 جنيه.
(ثانيا) أن محكمة الاستئناف قد فاتها أن إقرار 28 من مايو سنة 1938 قد تضمن استبدالاً للدين المحرّر به عقد الاتفاق الأوّل المحرّر في 4 من يونيه سنة 1935 وأن لا صلة لهذا الدين الجديد بما تعهد به الطاعن من القيام بالدفاع عن المطعون ضدّهما في قضية أخرى بلا مقابل.
(ثالثاً) أن محكمة الاستئناف قد مسخت سندات الدعوى مسخاً ظاهراً بأن وصلت بين الإقرار بالدين وبين العهد المأخوذ على الطاعن وجعلتهما اتفاقاً واحداً مع صراحة العبارات الواردة فيهما ورغم التفاوت الظاهر بين ما ثبت في كل منهما.
(رابعاً) أن محكمة الاستئناف قد قصرت في تسبيب حكمها عندما عرضت لتقدير أجر الطاعن فهي لم تبين العناصر التي اعتمدت عليها في هذا التقدير وساقته جزافاً ولم يكن تحت نظرها من أوراق الدعوى ما يمكنها من تقدير الأجر تقديراً صحيحاً مطابقاً للواقع.
تلك هي الأسباب التي يستند إليها الطاعن في طعنه.
وحيث إن محكمة الاستئناف بعد أن أثبتت نص الإقرار الصادر من الطاعن بنت تدخلها في تقدير أتعابه من جديد على الفقرات الآتية:
"ومن حيث إن المحكمة ترى من عبارات هذا التعهد، ومع ملاحظة أن الدعوى الشرعية المشار إليها في هذا التعهد إن هي إلا حلقة من حلقات النزاع في الاستحقاق في ميراث إبراهيم الغربي - ترى المحكمة من ذلك أن هذا التعهد والإقرار بالأتعاب الصادرين في وقت واحد هما في الحقيقة اتفاق واحد ومكملان لبعضهما ويعتبران اتفاقاً واحداً، أي أن الأتعاب التي اتفق عليها بإقرار 28 من مايو سنة 1938 هي أتعاب عن القضية التي حكم فيها وما لم يحكم فيه أمام المحكمة الشرعية خاصاً بالمنازعة في الميراث، لأن الفصل في الدعوى الأولى لا ينهي المنازعة في الميراث من جميع نواحيها".
"ومن حيث إنه لما تقدّم لا يكون العمل الذي تعهد به المستأنف عليه (الطاعن) قد انتهى وقت تحرير الإقرار المذكور ولا يجب اعتباره أنه انتهى إلا بعد الفصل في القضية الثانية التي لم يحكم فيها إلا أخيراً... ولهذا تكون هذه الأتعاب محل نظر المحكمة وتقديرها رغماً من هذا الاتفاق طبقاً للمادة 514 من القانون المدني. أما ما جاء بالإقرار بأن الأتعاب المقدّرة فيه هي عن القضية الأولى، وما جاء في التعهد الثاني بأن المستأنف عليه يقوم بالمرافعة والدفاع في القضية من غير أجر، فإن هذا الذي حصل، وكتابة تعهدين منفصلين عن بعضهما، كل ذلك مسائل ظاهرية مقصودة لا يمكن أن تخفي الحقيقة التي أرادها المتعاقدان في الإقرار والتعهد وهي التي سبق بيانها".
وحيث إن الطاعن ينعى على محكمة الاستئناف في الوجه الثالث من وجوه طعنه ما عبّر عنه بقوله: "إنها تلمست مخرجاً لها لتصل إلى حقها في التقدير فمسخت سندات الدعوى مسخاً ظاهراً بأن وصلت بين الإقرار بالدين وبين العهد المأخوذ على الطاعن وجعلتهما اتفاقاً واحداً مع صراحة العبارات الواردة فيهما ورغم التفاوت البين في الإقرار بالدين وبين العهد المأخوذ على الطاعن".
وحيث إن هذه المحكمة ترى أن محكمة الاستئناف قد أخطأت في تكييف هذين الإقرارين بأن اعتبرتهما اتفاقاً واحداً ومكملين الواحد للآخر حالة كونهما في الحقيقة إقرارين مختلفين لا تربطهما أية علاقة قانونية كما يبين ذلك في وضوح تام من نصوصهما الصريحة المبينة في صدر هذا الحكم.
وحيث إن الظاهر في هذه النصوص الذي لا يحتمل تأويلاً ولا تفسيراً هو أن المطعون ضدّهما قد اعتبرا نفسيهما بالإقرار الصادر منهما بعد الفصل نهائياً في القضية مدينين بدين غير متنازع فيه واجب الأداء في الحال وقابل للتحويل وأن يوفي ذلك الدين مما لهما تحت يد وزارة المالية بدون أية معارضة منهما، وأن الطاعن قد تبرع من جانبه بالمرافعة والمدافعة عن المطعون ضدّهما بلا أجر في قضية أخرى غير التي سوّى أمر الأتعاب فيها، وكان هذا التبرع مقابل وفائهما بعهدهما له وثقتهما به، فلا يصح - والأمر على هذه الحال - اعتبار هذين الإقرارين مكوّنين لاتفاق واحد مع انعدام ما يربط أيهما بالآخر إلى حدّ أن الإقرار الثاني الصادر من الطاعن لم يتضمن أي نص على جعل سداد مبلغ الـ 2000 جنيه مرتبطاً بوفاء الطاعن بما قبل أن يقوم به أو مرتبطاً بنجاحه فيه.
وحيث إن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من اعتبار هذين الإقرارين اتفاقاً واحداً على أجر معين عن عمل لم ينته بعد هو أمر لا سند له من أوراق الدعوى وفيه مسخ لهما وتغيير لكيانهما القانوني مما ترتب عليه تكييفهما تكييفاً قانونياً خاطئاً.
وحيث إن الطاعن ينعى على محكمة الاستئناف في الوجه الأوّل من طعنه أنها أسست حكمها على هذا التكييف الخاطئ فأحلت لنفسها حق تعديل أجره عملاً بحكم المادة 514 من القانون المدني وهي لا تملك ذلك بعد أن قبل المطعون ضدّهما دفع مبلغ الـ 2000 جنيه على أثر الحكم نهائياً لمصلحتهما في الدعوى.
وحيث إن حكم المادة 514 من القانون المدني لا ينسحب إلا على الاتفاقات التي تحصل قبل أداء الوكيل العمل الذي عهد به إليه كما أبانت ذلك هذه المحكمة في حكم سابق لها (حكم 25 من إبريل سنة 1935 في الطعن رقم 95 سنة 4 قضائية).
وحيث إنه متى كان ثابتاً بإقرار المطعون ضدّهما أن أجر الطاعن قد قدّر من جديد باتفاق لاحق لانتهاء العمل الذي وكل فيه فليس من محل للتحدّي بالمادة 514 من القانون المدني، وتكون محكمة الاستئناف قد أخطأت في تطبيقها، وهو خطأ قد انساقت إليه بخطئها الأوّل في تكييف الإقرارين تكييفاً غير صحيح قانوناً.
وحيث إن هذا الخطأ المزدوج الذي يعيب الحكم المطعون فيه من ناحية تطبيق القانون يقتضي نقضه بغير حاجة لبحث وجهي الطعن الآخرين.
وحيث إن الدعوى صالحة للحكم في موضوعها.
وحيث إن الحكم الابتدائي الصادر من محكمة مصر الابتدائية بتاريخ 16 من مايو سنة 1939 في القضية رقم 815 كلي مصر سنة 1939 قد أصاب فيما قضى به من إلزام المطعون ضدّهما بالمبلغ الذي تعهدا بدفعه للطاعن بمقتضى اتفاق 28 من مايو سنة 1938 إذ أن هذا الإلزام هو النتيجة المحتمة للتكييف الصحيح الذي ارتأته هذه المحكمة تصحيحاً للتكييف الخاطئ الذي ذهب إليه الحكم المطعون فيه وانساق به إلى الخطأ في التعرّض لتعديل قيمة الأتعاب على ما سبق بيانه في أسباب نقض ذلك الحكم.
(1) يراجع في هذا المعنى الحكم الصادر في القضية رقم 95 سنة 4 القضائية بجلسة 25 من إبريل سنة 1935 المنشور بالجزء الأوّل من مجموعة القواعد القانونية في المواد المدنية برقم 257 ص 745.