جلسة 7 من فبراير سنة 2015
برئاسة السيد القاضي/ سمير فايزي عبد الحميد نائب رئيس المحكمة،
وعضوية السادة القضاة/ عبد الصمد محمد هريدي، محمد مأمون سليمان، صلاح عبد العاطي
أبو رابح ووليد ربيع السعداوي نواب رئيس المحكمة.
--------------
(35)
الطعن رقم 8455 لسنة 81 القضائية
(1) إيجار "القواعد العامة في الإيجار:
خصائص عقد الإيجار".
عقد الإيجار. عقد رضائي. خضوعه لمبدأ سلطان الإرادة في حدود ما فرضه
القانون من قيود.
(2) إيجار "تشريعات إيجار الأماكن:
تعلقها بالنظام العام".
قوانين إيجار الأماكن الاستثنائية. حكمتها ودواعيها. تضمنها بعض
النصوص الآمرة المتعلقة بالنظام العام. أهمها. خضوع عقود الإيجار للأجرة القانونية
وامتدادها تلقائيا لمدة غير محددة وتحديد أسباب الإخلاء على سبيل الحصر.
(3) إيجار "تشريعات إيجار الأماكن:
الأجرة في ظل تشريعات إيجار الأماكن: أحوال الزيادة في الأجرة: الزيادة مقابل
الإصلاحات والتحسينات".
التحسينات التي يضيفها المؤجر إلى العين. جواز الاتفاق على تقويمها
وإضافة ما يقابلها إلى الأجرة القانونية. وجوب إعمال إرادة المتعاقدين ما لم يكن
القصد منها التحايل على القانون.
(4) نظام عام "المسائل المتعلقة بالنظام
العام".
الاتفاق على مخالفة أحكام القانون الآمرة المتعلقة بالنظام العام.
باطل. إثبات هذا التحايل على تلك الأحكام. جوازه بكافة طرق الإثبات القانونية بما
فيها البينة والقرائن.
(5) إثبات "عبء الإثبات".
المدعي في الدعوى. ملزم بإقامة الدليل على ما يدعيه سواء كان مدعيا
أصلا أم مدعيا عليه. م 1 ق الإثبات 25 لسنة 1968.
(6) إيجار "تشريعات إيجار الأماكن:
الأجرة في ظل تشريعات إيجار الأماكن: تعلقها بالنظام العام".
فرض قوانين إيجار الأماكن الاستثنائية فكرة النظام العام حماية
للمستأجرين. ناتجها. تحكمهم في الانتفاع بالعين المؤجرة جيلا بعد جيل بمقابل نقدي
زهيد. عزوف المشرع عن التصدي لتعديل الأجرة في هذه القوانين رغم تحلله منها جزئيا
بق 136 لسنة 1981 ونهائيا بق 96 لسنة 1992، 4 لسنة 1996. أثره. عزوف الملاك عن
ترميمها أو الإقدام على بيعها بثمن بخس أو مشاركة المستأجرين في ثمنها وهو غير
مستساغ.
(7 ، 8) إيجار "تشريعات إيجار الأماكن:
الأجرة في ظل تشريعات إيجار الأماكن: أحوال الزيادة في الأجرة: الزيادة مقابل
الإصلاحات والتحسينات".
(7) التقيد بالأجرة القانونية لتعلقها
بالنظام العام. لا يحرم المؤجر من زيادتها بما يضيفه للعين المؤجرة من تحسينات
ومزايا لم تكن موجودة وقت تقدير الأجرة. توصيل المياه للعين المؤجرة على نفقة
المؤجر بموجب اتفاق لاحق. أثره. وجوب احترامه. شرطه.
(8) استئجار عين النزاع قبل صدور ق 49 لسنة 1977. مفاده. عدم التزام
المالك بتوفير التوصيلات اللازمة لتركيب عداد مياه خاص بكل وحدة من وحدات المبنى
على نفقته ودون أن يحول من تأجيرها. م 35 منه. اتفاق الطاعن والمطعون ضده لاحقا
على قيام الأخير بتوصيل المياه إلى عين النزاع مقابل زيادة الأجرة. عدم اعتباره
تحايلا على الأجرة القانونية. قضاء الحكم المطعون فيه بالإخلاء معتدا بالتكليف
بالوفاء المتضمن المطالبة بهذه الزيادة. صحيح.
------------------
1 - المقرر – في قضاء محكمة النقض - أن عقد الإيجار عقد رضائي يخضع في
قيامه لمبدأ سلطان الإرادة، فيما عدا ما فرضه القانون من أحكام مقيدة لهذه المبدأ،
وفي حدودها، ودون مجاوزة لنطاقها، فهو متى قام صحيحا يلزم عاقديه بما يرد الاتفاق
عليه.
2 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أنه إزاء
اشتداد أزمة المساكن وتفاقمها قد يضطر المستأجر نظرا لحاجته إلى السكن إلى
الموافقة على التعاقد طبقا لشروط مجحفة يفرضها المؤجر، فتدخل المشرع بإصدار قوانين
إيجار الأماكن الاستثنائية المتعاقبة لتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وضمنها
بعض النصوص الآمرة المتعلقة بالنظام العام لإعادة التوازن بين مصلحة المؤجر
والمستأجر، ومن أهم تلك الأحكام خضوع عقود إيجار الأماكن للأجرة القانونية التي
تنص تلك التشريعات على عناصر تقديرها، وامتداد تلك العقود تلقائيا وبحكم القانون
لمدة غير محددة، وتحديد أسباب الإخلاء على سبيل الحصر.
3 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن من حق
المؤجر أن يزيد على الأجرة المحددة قيمة ما يضيفه إلى العين المؤجرة من تحسينات
جديدة ينتفع بها المستأجر، ويعتبر في حكم التحسينات بهذا المعنى كل ميزة جديدة
يوليها المؤجر للمستأجر، فيضاف ما يقابلها بعد تقويمها إلى الأجرة، ومن الواجب
احترام إرادة الطرفين إعلاء لمبدأ سلطان الإرادة ما لم يثبت أن القصد من الاتفاق
هو التحايل على الأحكام الآمرة في القانون، سواء كان مصدر هذا الاتفاق والتراضي في
عقد الإيجار ذاته أو في اتفاق لاحق.
4 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن
الاتفاق على مخالفة أحكام القانون الآمرة المتعلقة بالنظام العام يقع باطلا، ويجوز
إثبات هذا التحايل على تلك الأحكام بكافة طرق الإثبات القانونية بما فيها البينة
والقرائن.
5 - المقرر – في قضاء محكمة النقض – أن مؤدى
نص المادة الأولى من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 أن المدعي هو الملزم بإقامة
الدليل على ما يدعيه سواء أكان مدعيا أصلا في الدعوى أم مدعيا عليه، لأن من يتمسك
بالثابت أصلا لا يكلف بإثباته، أما من يدعي خلاف الظاهر فعليه عبء إثبات ادعائه،
ولا يسوغ قلب عبء الإثبات.
6 - إذ كانت فكرة النظام العام التي فرضتها
قوانين إيجار الأماكن الاستثنائية حماية للمستأجر وكرستها المبادئ التي صدرت في
مجال تطبيقها، وبرغم ما أفرزته من نتائج أقلها تحكم المستأجرين في الانتفاع
بالأماكن المؤجرة لغرض السكنى جيلا بعد جيل بمقابل نقدي زهيد لم تطرأ عليه أي
زيادة منذ ما يزيد على خمسين عاما رغم تضخم سائر الأسعار وزيادة الدخل لكافة طوائف
المجتمع، مما دعا المشرع إلى التحلل من التحكم في تقدير أجرة الأماكن جزئيا ابتداء
بالقانون 136 لسنة 1981 الذي ترك تقدير الأجرة لمالك العقار طبقا للضوابط التي
حددها، وجعل لجنة تقدير الأجرة "جهة طعن" إذا ما رأى المستأجر الالتجاء
إليها، ثم تحول عن التحكم في تقدير الأجرة نهائيا بإصداره القانون رقم 96 لسنة
1992 في شأن الإصلاح الزراعي والقانون رقم 4 لسنة 1996 في شأن إيجار الأماكن
الخالية والمنشأة في ظله، وكان من نتيجة هذا التحول التشريعي أن أصبحت الأجرة في
ظل قواعد القانون المدني مجزية، وظلت أجرة الأماكن الخاضعة لقوانين الإيجار
الاستثنائية مخزية، وهو ما دفع الملاك إلى العزوف عن ترميمها لضآلة عائدها أو
الإقدام على بيعها للغير بثمن بخس أو بمشاركة المستأجرين في ثمنها إذا وافقوا، وإذ
كان المشرع قد عزف عن التصدي لتعديل أجرة الأماكن القديمة المؤجرة لغرض السكنى على
نحو يحقق التوازن بين مصالح طرفي العلاقة الإيجارية لظروف اجتماعية واقتصادية لا
ذنب للملاك فيها، ولم يعد لهم طاقة بتحملها، بما مؤداه أن ثبات أجرة الأماكن
السكنية على ما هي عليه دون زيادة، وتعلق ذلك بالنظام العام لم يعد سائغا، وسيظل
ذلك الوضع قائما ما بقيت قوانين الإيجار الاستثنائية واجبة التطبيق إلى أن يؤذن
بتدخل تشريعي يعيد إلى الثروة العقارية في المباني القديمة اعتبارها.
7 - التقيد بالأجرة القانونية واعتبارها
متعلقة بالنظام العام لا يحرم المؤجر حقه في زيادة الأجرة بقيمة ما يضيفه إلى
العين المؤجرة من تحسينات أو مزايا جديدة لم تكن موجودة في وقت تقدير الأجرة
القانونية، ومن بينها توصيل المياه للعين المؤجرة على نفقته بموجب اتفاق مبرم بينه
وبين المستأجر، فيجب احترام ما تم الاتفاق عليه ما لم يثبت أن هذه الميزة المضافة
كانت موجودة أو كانت هذه الميزة الإضافية قد فرضها المشرع على المؤجر تحقيقا
لمصلحة المستأجر دون أن يخول المؤجر حق تقاضي مقابل إضافي عنها.
8 - إذ كان البين من الواقع المطروح بالأوراق
أن الطاعن استأجر عين النزاع بموجب عقد الإيجار المؤرخ 8/ 6/ 1976 مقابل أجرة
قانونية مقدارها سبعة جنيهات، بما مؤداه أن عين النزاع أنشئت قبل صدور القانون 49
لسنة 1977 الساري تطبيقه من اليوم التالي لنشره في الجريدة الرسمية العدد 36 في 8/
9/ 1977، والذي جرى نص المادة 35 منه على أنه "يلتزم ملاك المباني التي تنشأ
بعد تاريخ العمل بهذا القانون بتوفير التوصيلات اللازمة لتركيب عداد خاص بكل وحدة
من وحدات المبنى بمعرفة المستأجر وعلى نفقته ..." ومن ثم فإنه لم يكن على
المؤجر توفير التوصيلات اللازمة لتركيب عداد مياه لعين النزاع، ولا يوجد في
القانون ما يحول دون تأجير عين النزاع دون أن تكون مزودة بالمياه، كما أن الاتفاق
المبرم بين الطاعن والمطعون ضده في 16/ 12/ 1998 بعد أكثر من 22 سنة من إبرام عقد
الإيجار والمتضمن قيام المطعون ضده توصيل المياه إلى عين النزاع على نفقته مقابل
زيادة الأجرة من سبعة جنيهات إلى عشرين جنيها شهريا قد نفذ في المدة من 1/ 1/ 1999
حتى 1/ 8/ 2009، ولم يطعن عليه الطاعن بأي مطعن، بل أقر به أمام محكمة الاستئناف
مكتفيا بالادعاء أن ذلك الاتفاق قد أبرم تحايلا على الأجرة القانونية دون أن يقدم
دليلا على أن عين النزاع كانت مزودة بالمياه منذ بدء التعاقد في 8/ 6/ 1976، ودون
أن يطلب إثبات التحايل المدعى به بسائر طرق الإثبات، وهو حق له غير أنه مقرر
لمصلحته، وما كان لمحكمة الموضوع أن تجرى تحقيقا لم يطلب منها أو تلفت نظر الطاعن
لمقتضيات دفاعه لعدم تعلق قواعد الإثبات بالنظام العام، فضلا عن أن منازعة
المستأجر بأن الأجرة المتفق عليها بالعقد التكميلي تجاوز الأجرة القانونية لا
تعتبر منازعة جدية، بل يظل المستأجر ملزما بأداء الأجرة التي كان يدفعها كلها بغير
تحفظ لحين الحصول على حكم من القضاء المختص بأنها غير قانونية، ولما كان الطاعن لم
يتوق الإخلاء بالسداد حتى إقفال باب المرافعة في الاستئناف، وإذ قضى الحكم المطعون
فيه بالإخلاء معتدا بالتكليف بالوفاء المؤسس على شرط الاتفاق المؤرخ 16/ 12/ 1998
إعلاء لمبدأ سلطان الإرادة، ولعدم ثبوت التحايل على الأجرة القانونية، ولعدم سداد
كامل الأجرة الواردة بشرط الاتفاق، فإن ما ينعى به الطاعن على الحكم المطعون فيه
في جملته لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا فيما لمحكمة الموضوع سلطة استخلاصه
وتقديره، فلا تقبل إثارته أمام هذه المحكمة عملا بنص المادتين 248، 249 من قانون
المرافعات، ويتعين - لما سلف - رفض الطعن عملا بنص المادة 263/ 3 من ذات القانون.
---------------
الوقائع
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق -
تتحصل في أن المطعون ضده أقام على الطاعن الدعوى رقم ... لسنة 2010 الإسماعيلية
الابتدائية بطلب الحكم بإخلائه من العين المبينة بالصحيفة مع التسليم وبإلزامه
بسداد الأجرة المتأخرة، وقال بيانا لذلك إنه بموجب عقد إيجار مؤرخ 8/ 6/ 1976 استأجر
منه الطاعن شقة النزاع لقاء أجرة شهرية مقدارها سبعة جنيهات، وبتاريخ 16/ 12/ 1998
اتفق مع الطاعن على زيادة القيمة الإيجارية لتصبح عشرين جنيها مقابل توصيل المياه
إلى العقار، ورغم أنه أوفى بالأجرة المتفق عليها خلال المدة من 1/ 1/ 1999 حتى 1/
8/ 2009 إلا أنه امتنع عن الوفاء بالزيادة من شهر سبتمبر 2009 ولمدة خمسة أشهر
بإجمالي مقداره مائة جنيه رغم تكليفه بذلك فأقام الدعوى.
بتاريخ 27/ 5/ 2010 حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى ورفضت إلزام الطاعن
بسداد الأجرة المتأخرة. استأنف المطعون ضده هذا الحكم بالاستئناف رقم ... لسنة 35
ق الإسماعيلية، وبتاريخ 22/ 3/ 2011 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبإخلاء
الطاعن من شقة النزاع والتسليم وإلزامه بأن يؤدي للمطعون ضده مبلغ 234 جنيها باقي
الأجرة. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها
الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة - في غرفة مشورة -
حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
-----------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر
والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن حاصل ما ينعي به الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق
القانون والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك يقول إنه لا يجوز
الاتفاق على مخالفة قواعد تحديد الأجرة القانونية أو أسس احتساب زيادتها، وإنه
تمسك بدفاع حاصله أنه يستأجر عين النزاع بموجب العقد المؤرخ 8/ 6/ 1976 بأجرة
مقدارها سبعة جنيهات شهريا، وأن العقار الكائنة به عين النزاع مزود بالمياه منذ
تاريخ إقامته بها، وأن عقد الاتفاق المؤرخ 16/ 2/ 1998 بزعم إضافة ميزة جديدة هي
توصيل المياه قصد به التحايل على قانون إيجار الأماكن بزيادة الأجرة إلى عشرين
جنيها شهريا، مما يؤكد صورية عقد الاتفاق المشار إليه وبطلان التكليف بالوفاء
لتضمنه المطالبة بأجرة زائدة على الأجرة القانونية، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه
إلى إلغاء الحكم المستأنف والقضاء بإخلاء عين النزاع مستندا إلى عقد الاتفاق سالف
البيان دون أن يعرض لدفاعه إيرادا وردا، فإنه يكون معيبا بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك بأن من المقرر - في قضاء هذه المحكمة
- أن عقد الإيجار عقد رضائي يخضع في قيامه لمبدأ سلطان الإرادة، فيما عدا ما فرضه
القانون من أحكام مقيدة لهذا المبدأ، وفي حدودها، ودون مجاوزة لنطاقها، فهو متى
قام صحيحا يلزم عاقديه بما يرد الاتفاق عليه، إلا أنه إزاء اشتداد أزمة المساكن
وتفاقمها قد يضطر المستأجر نظرا لحاجته إلى السكن إلى الموافقة على التعاقد طبقا
لشروط مجحفة يفرضها المؤجر، فتدخل المشرع بإصدار قوانين إيجار الأماكن الاستثنائية
المتعاقبة لتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وضمنها بعض النصوص الآمرة
المتعلقة بالنظام العام لإعادة التوازن بين مصلحة المؤجر والمستأجر، ومن أهم تلك الأحكام
خضوع عقود إيجار الأماكن للأجرة القانونية التي تنص تلك التشريعات على عناصر
تقديرها وامتداد تلك العقود تلقائيا وبحكم القانون لمدة غير محددة وتحديد أسباب
الإخلاء على سبيل الحصر، غير أنه من المقرر أن من حق المؤجر أن يزيد على الأجرة
المحددة قيمة ما يضيفه إلى العين المؤجرة من تحسينات جديدة ينتفع بها المستأجر،
ويعتبر في حكم التحسينات بهذا المعنى كل ميزة جديدة يوليها المؤجر للمستأجر، فيضاف
ما يقابلها بعد تقويمها إلى الأجرة، ومن الواجب احترام إرادة الطرفين إعلاء لمبدأ
سلطان الإرادة ما لم يثبت أن القصد من الاتفاق هو التحايل على الأحكام الآمرة في
القانون سواء كان مصدر هذا الاتفاق والتراضي في عقد الإيجار ذاته أو في اتفاق
لاحق، ومن المقرر - أيضا - أن الاتفاق على مخالفة أحكام القانون الآمرة المتعلقة
بالنظام العام يقع باطلا، ويجوز إثبات هذا التحايل على تلك الأحكام بكافة طرق
الإثبات القانونية بما فيها البينة والقرائن، وقد وضعت المادة الأولى من قانون
الإثبات رقم 25 لسنة 1968 القاعدة العامة من قواعد الإثبات - وهي غير متعلقة
بالنظام العام - بما نصت عليه من أن "على الدائن إثبات الالتزام وعلى المدين
إثبات التخلص منه" بما مؤداه أن المدعي هو الملزم بإقامة الدليل على ما يدعيه
سواء أكان مدعيا أصلا في الدعوى أم مدعيا عليه، لأن من يتمسك بالثابت أصلا لا يكلف
بإثباته، أما من يدعي خلاف الظاهر فعليه عبء إثبات ادعائه، ولا يسوغ قلب عبء
الإثبات، وإذ كانت فكرة النظام العام التي فرضتها قوانين إيجار الأماكن
الاستثنائية حماية للمستأجر وكرستها المبادئ التي صدرت في مجال تطبيقها، وبرغم ما
أفرزته من نتائج أقلها تحكم المستأجرين في الانتفاع بالأماكن المؤجرة لغرض السكنى
جيلا بعد جيل بمقابل نقدي زهيد لم تطرأ عليه أي زيادة منذ ما يزيد على خمسين عاما رغم
تضخم سائر الأسعار وزيادة الدخل لكافة طوائف المجتمع، مما دعا المشرع إلى التحلل
من التحكم في تقدير أجرة الأماكن جزئيا ابتداء بالقانون 136 لسنة 1981 الذي ترك
تقدير الأجرة لمالك العقار طبقا للضوابط التي حددها، وجعل لجنة تقدير الأجرة
"جهة طعن" إذا ما رأى المستأجر الالتجاء إليها، ثم تحول عن التحكم في
تقدير الأجرة نهائيا بإصداره القانون رقم 96 لسنة 1992 في شأن الإصلاح الزراعي،
والقانون رقم 4 لسنة 1996 في شأن إيجار الأماكن الخالية والمنشأة في ظله، وكان من
نتيجة هذا التحول التشريعي أن أصبحت الأجرة في ظل قواعد القانون المدني مجزية،
وظلت أجرة الأماكن الخاضعة لقوانين الإيجار الاستثنائية مخزية، وهو ما دفع الملاك
إلى العزوف عن ترميمها لضآلة عائدها أو الإقدام على بيعها للغير بثمن بخس أو
بمشاركة المستأجرين في ثمنها إذا وافقوا، وإذ كان المشرع قد عزف عن التصدي لتعديل
أجرة الأماكن القديمة المؤجرة لغرض السكنى على نحو يحقق التوازن بين مصالح طرفي
العلاقة الإيجارية لظروف اجتماعية واقتصادية لا ذنب للملاك فيها، ولم يعد لهم طاقة
بتحملها، بما مؤداه أن ثبات أجرة الأماكن السكنية على ما هي عليه دون زيادة، وتعلق
ذلك بالنظام العام لم يعد سائغا، وسيظل ذلك الوضع قائما ما بقيت قوانين الإيجار
الاستثنائية واجبة التطبيق إلى أن يؤذن بتدخل تشريعي يعيد إلى الثروة العقارية في
المباني القديمة اعتبارها، غير أن التقيد بالأجرة القانونية واعتبارها متعلقة
بالنظام العام لا يحرم المؤجر حقه في زيادة الأجرة بقيمة ما يضيفه إلى العين
المؤجرة من تحسينات أو مزايا جديدة لم تكن موجودة في وقت تقدير الأجرة القانونية،
ومن بينها توصيل المياه للعين المؤجرة على نفقته بموجب اتفاق مبرم بينه وبين
المستأجر، فيجب احترام ما تم الاتفاق عليه ما لم يثبت أن هذه الميزة المضافة كانت موجودة
أو كانت هذه الميزة الإضافية قد فرضها المشرع على المؤجر تحقيقا لمصلحة المستأجر
دون أن يخول المؤجر حق تقاضي مقابل إضافي عنها. لما كان ذلك، وكان البين من الواقع
المطروح بالأوراق أن الطاعن استأجر عين النزاع بموجب عقد الإيجار المؤرخ 8/ 6/
1976 مقابل أجرة قانونية مقدارها سبعة جنيهات، بما مؤداه أن عين النزاع أنشئت قبل
صدور القانون 49 لسنة 1977 الساري تطبيقه من اليوم التالي لنشره في الجريدة
الرسمية العدد 36 في 8/ 9/ 1977، والذي جرى نص المادة 35 منه على أنه "يلتزم
ملاك المباني التي تنشأ بعد تاريخ العمل بهذا القانون بتوفير التوصيلات اللازمة
لتركيب عداد خاص بكل وحدة من وحدات المبنى بمعرفة المستأجر وعلى نفقته ..."
ومن ثم فإنه لم يكن على المؤجر توفير التوصيلات اللازمة لتركيب عداد مياه لعين
النزاع، ولا يوجد في القانون ما يحول دون تأجير عين النزاع دون أن تكون مزودة بالمياه،
كما أن الاتفاق المبرم بين الطاعن والمطعون ضده في 16/ 12/ 1998 بعد أكثر من 22
سنة من إبرام عقد الإيجار والمتضمن قيام المطعون ضده توصيل المياه إلى عين النزاع
على نفقته مقابل زيادة الأجرة من سبعة جنيهات إلى عشرين جنيها شهريا قد نفذ في
المدة من 1/ 1/ 1999 حتى 1/ 8/ 2009، ولم يطعن عليه الطاعن بأي مطعن، بل أقر به
أمام محكمة الاستئناف مكتفيا بالادعاء أن ذلك الاتفاق قد أبرم تحايلا على الأجرة
القانونية دون أن يقدم دليلا على أن عين النزاع كانت مزودة بالمياه منذ بدء
التعاقد في 8/ 6/ 1976، ودون أن يطلب إثبات التحايل المدعى به بسائر طرق الإثبات،
وهو حق له غير أنه مقرر لمصلحته، وما كان لمحكمة الموضوع أن تجري تحقيقا لم يطلب
منها أو تلفت نظر الطاعن لمقتضيات دفاعه لعدم تعلق قواعد الإثبات بالنظام العام،
فضلا عن أن منازعة المستأجر بأن الأجرة المتفق عليها بالعقد التكميلي تجاوز الأجرة
القانونية لا تعتبر منازعة جدية، بل يظل المستأجر ملزما بأداء الأجرة التي كان
يدفعها كلها بغير تحفظ لحين الحصول على حكم من القضاء المختص بأنها غير قانونية،
ولما كان الطاعن لم يتوق الإخلاء بالسداد حتى إقفال باب المرافعة في الاستئناف،
وإذ قضى الحكم المطعون فيه بالإخلاء معتدا بالتكليف بالوفاء المؤسس على شرط
الاتفاق المؤرخ 16/ 12/ 1998 إعلاء لمبدأ سلطان الإرادة، ولعدم ثبوت التحايل على
الأجرة القانونية، ولعدم سداد كامل الأجرة الواردة بشرط الاتفاق، فإن ما ينعي به
الطاعن على الحكم المطعون فيه في جملته لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا فيما لمحكمة
الموضوع سلطة استخلاصه وتقديره، فلا تقبل إثارته أمام هذه المحكمة عملا بنص
المادتين 248، 249 من قانون المرافعات، ويتعين - لما سلف - رفض الطعن عملا بنص
المادة 263/ 3 من ذات القانون.