جلسة 7 من نوفمبر سنة 2015
الطعون أرقام 22284 و22297 و22307 و22308 لسنة 58 القضائية (عليا)
(الدائرة الرابعة)
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ لبيب حليم لبيب نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ أحمد إبراهيم زكي الدسوقي، وسعيد عبد الستار محمد سليمان، ود. رضا محمد عثمان دسوقي، ود. عبد الجيد مسعد عبد الجليل. نواب رئيس مجلس الدولة
---------------
(أ) موظف:
تأديب– مناط قيام المسئولية التأديبية أن يسند إلى الموظف على سبيل اليقين فعل إيجابي أو سلبي، يعد مساهمة منه في وقوع المخالفة الإدارية، فإذا انتفى المأخذ الإداري على سلوك الموظف العام، واستبان أنه لم يقع منه ما يشكل مخالفة تستوجب المؤاخذة والعقاب، وجب القضاء ببراءته.
)ب) موظف:
تأديب– ركن السبب في القرار التأديبي- المسئولية التأديبية شأنها شأن المسئولية الجنائية مسئولية شخصية عن واقعة محددة- يجب أن يقوم القرار التأديبي على سبب يبرره، بحيث يقوم على حالة واقعية أو قانونية تسوغ تدخل جهة الإدارة بتوقيع الجزاء- رقابة القضاء لصحة الحالة الواقعية أو القانونية، تجد حدها الطبيعي في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهت إليها جهة الإدارة مستخلصة استخلاصا سائغا من أصول تنتجها ماديا وقانونا، فإذا كانت منتزعة من غير أصول، أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها، أو كان تكييف الوقائع على فرض وجودها غير صحيح، كان القرار فاقدا لركن السبب، ووقع مخالفا للقانون
- المادة رقم (95) من دستور 2014.
)ج) موظف:
تأديب– المسئولية التأديبية – تعيين الموظف في وظيفة لا تتناسب مع مؤهله لا ينفي مسئوليته عن المخالفات التى يرتكبها، فمادام أن قيامه بمهام تلك الوظيفة قد جاء بمحض اختياره، ولم يفرض عليه جبرا، فعليه أن يتحمل تبعاتها ومسئولياتها.
)د) موظف:
تأديب– المخالفات التأديبية– قيام الموظف برد المبالغ التي قام باختلاسها لا ينفي واقعة الاختلاس، ولا يزيل آثارها الجسيمة على المال العام، بل يتعين أخذ مرتكبها بالشدة، لاسيما إذا كان سداد المبلغ لم يتم في تاريخ سابق على اكتشاف الواقعة، بل في تاريخ لاحق.
)هـ) موظف:
تأديب– الجزاء التأديبي– نطاق تطبيق النص التأديبي من حيث الزمان- إذا وقعت الجريمة التأديبية في ظل قانون يحدد عقوبات معينة، ثم تغير القانون بعد وقوع المخالفة وقبل الفصل في الدعوى التأديبية، فإن السلطة التأديبية تكون مقيدة بالقوانين النافذة وقت ممارسة اختصاصها بالتأديب، ولا تستطيع أن توقع إلا العقوبات النافذة وقت استعمال اختصاصها، بغض النظر عن العقوبات التي كانت قائمة وقت ارتكاب المخالفة- أساس ذلك أن الموظف العام يشغل مركزا نظاميا، ويخضع للقوانين الجديدة- الأحكام أو القرارات الصادرة بالعقاب يحكم على شرعيتها على وفق القوانين النافذة وقت صدورها.
- المادة رقم (225) من دستور 2014.
- المواد أرقام (2) و(4) إصدار، و(64) من قانون الخدمة المدنية، الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 18 لسنة 2015، الذي لم يقره مجلس النواب بقراره رقم 1 لسنة 2016.
)و) موظف:
تأديب- الطعن في الأحكام التأديبية- متى ثبت أن المحكمة التأديبية قد استخلصت النتيجة التي انتهت إليها استخلاصا سائغا من أصول تنتجها ماديا وقانونيا، مفصلة إياها على نحو كاف لتبرير مذهبها فيما انتهت إليه، مستخلصة الدليل وما انتهت إليه من نتيجة استخلاصا سائغا يكفي لحمل أسباب الإدانة محمل الصحة، وكانت هذه الأسباب بدورها وبحق أسبابا سائغة تسوغ ما انتهى إليه الحكم، بحيث يستقيم مع إدانة المطعون ضده، وكذا مجازاته على ما اقترفه من الإثم؛ فإنه لا يكون هناك مجال للتعقيب على حكمها.
)ز) دعوى:
الطعن في الأحكام- الحكم الذي يقوم به سبب من أسباب الطعن يخضع الفصل فيه للقانون النافذ وقت الفصل فيه، فمتى قامت بالحكم حالة تجعله قابلا للإلغاء، فإن محكمة الطعن ملزمة بإعمال أحكام القانون المطبق وقت الفصل في الطعن.
------------
الوقائع
في يوم الأربعاء الموافق 20/6/2012 أودع المستشار/... نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية نيابة عن الطاعن (رئيس هيئة النيابة الإدارية) قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن، قيد بجدولها العام برقم 22284 لسنة 58 القضائية (عليا)، طعنا على حكم المحكمة التأديبية بالشرقية في الدعوى رقم 139 لسنة 1ق. الصادر بجلسة 23/4/2012، ضد المطعون ضدهم/ ...، ...، ...، ...، فيما قضى به من براءة الأول والثاني مما هو منسوب إليهما، وبمعاقبة الثالث والرابع بخصم أجر شهر من راتبهما.
وطلب الطاعن -للأسباب الواردة بتقرير الطعن- الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، ومعاقبة المطعون ضدهم بالعقوبة المناسبة لما اقترفوه من جرم.
- وفي يوم الخميس الموافق 21/6/2012 أودع الأستاذ/... المحامي المقبول للمرافعة أمام المحكمة الإدارية العليا، بصفته وكيلا عن الطاعن/...، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن، قيد بجدولها برقم 22297 لسنة 58 القضائية (عليا)، طعنا على حكم المحكمة التأديبية بالشرقية المشار إليه، فيما قضى به من معاقبته بالإحالة على المعاش.
وطلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير الطعن- الحكم بقبول الطعن شكلا، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء ببراءته مما هو منسوب إليه، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
- وفي التاريخ نفسه أودع الأستاذ/...، المحامي المقبول للمرافعة أمام المحكمة الإدارية العليا، بصفته وكيلا عن الطاعن/... قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن، قيد بجدولها برقم 22307 لسنة 58 القضائية (عليا)، طعنا على الحكم نفسه المشار إليه فيما قضى به من معاقبته بخصم شهر من راتبه.
وطلب الطاعن -للأسباب الواردة بتقرير الطعن- الحكم بقبول الطعن شكلا، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء ببراءته مما هو منسوب إليه، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
- وفي التاريخ نفسه أودع الأستاذ/...، المحامي المقبول للمرافعة أمام المحكمة الإدارية العليا، بصفته وكيلا عن الطاعن/...، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن، قيد بجدولها برقم 22308 لسنة 58 القضائية (عليا)، طعنا على الحكم نفسه المشار إليه فيما قضى به من معاقبته بخصم شهر من راتبه.
وطلب الطاعن -للأسباب الواردة بتقرير الطعن- الحكم بقبول الطعن شكلا، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء ببراءته مما هو منسوب إليه، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني في الطعون الأربعة على النحو الثابت بالأوراق.
ونظرت الدائرة الرابعة (فحص) بالمحكمة الإدارية العليا الطعون، ثم قررت ضمها ليصدر فيها حكم واحد، وإحالتها إلى هذه المحكمة لنظرها بجلسة 7/11/2015، وفيها قررت إصدار الحكم فيها آخر الجلسة، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
-------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق والمستندات وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
وحيث إن الطعون استوفت أوضاعها الشكلية المقررة قانونا، فمن ثم تكون مقبولة شكلا.
وحيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل -حسبما يبين من الأوراق- في أنه بتاريخ 20/3/2006 أقامت النيابة الإدارية الدعوى رقم 139 لسنة 1ق –ابتداء- أمام المحكمة التأديبية بالإسماعيلية، متضمنة ملف تحقيقاتها في القضية رقم 44 لسنة 2005، نيابة الزقازيق أول، وطلبت في ختامها محاكمة الطاعنين وآخرين تأديبيا لما نسب إليهم بتقرير الاتهام وبمقتضى مواد الإحالة الواردة به، لأن الطاعنين:
1ـ ...، بوصفه مندوب صرف إدارة أوقاف الزقازيق شرق سابقا، وحاليا مسئول الأمن بإدارة أوقاف غرب بالدرجة الثانية.
2ـ ...، بوصفه مدير حسابات أوقاف الشرقية سابقا، وحاليا مدير حسابات الإدارة الصحية بالزقازيق، بالدرجة الأولى.
3ـ ...، بوصفه مدير حسابات أوقاف الشرقية، بالدرجة الأولى.
4ـ ... ، بوصفه وكيل حسابات بمديرية أوقاف الشرقية، بالدرجة الثالثة.
5ـ ...، بوصفه مدير حسابات بمديرية أوقاف الشرقية سابقا، وحاليا كبير باحثين بالمديرية المالية، بدرجة كبير باحثين.
6ـ ...، بوصفه كاتبا بإدارة أوقاف شرق سابقا، وحاليا صراف بالإدارة نفسها بالدرجة الثالثة.
7ـ ...، بوصفه مسئول الحفظ بحسابات مديرية أوقاف الشرقية سابقا، وحاليا بإدارة أوقاف شرق، بالدرجة الأولى.
لأنهم خلال الفترة من مارس 2002 وحتى يناير 2004 بدائرة عملهم بمديرية أوقاف الشرقية والمديرية المالية بالشرقية، وبوصفهم السابق، وبدائرة محل عملهم المشار إليه، خرجوا على مقتضى الواجب الوظيفي، ولم يؤدوا العمل المنوط بهم بدقة، وخالفوا القواعد المالية والتعليمات، وأتوا ما من شأنه المساس بمصلحة مالية للدولة، وذلك بأن:
الأول: اختلس لنفسه مبلغا مقداره (105115.31 جنيها) من المبالغ المنصرفة حوافز ومرتبات عهدته، بما فيه فوائد التأخير، وذلك عن طريق التلاعب في كشوف الصرف الخاصة بها.
من الثاني وحتى الخامس: أهملوا في الإشراف على أعمال موظفي الوحدة الحسابية بالمديرية مما ترتب عليه اختلاس مبلغ (105115.31 جنيها)، شامل فوائد التأخير بإدارة أوقاف شرق.
السادس والسابع: أهملا في مراجعة استمارات الصرف بإدارة شرق الزقازيق مما ترتب عليه وجود كشوف صرف حوافز مدون بها أسماء وهمية غير مدرجة بسجلات الماهيات بالإدارة، بالإضافة إلى وجود زيادة في إجمالي بعض كشوف الصرف والكشوف الإجمالية لصرف الحوافز والمرتبات، مما أدى إلى اختلاس المال العام.
وارتأت النيابة الإدارية أن المحالين (الطاعنين) قد ارتكبوا المخالفات الإدارية المنصوص عليها في المواد 76/1 و77/3 و78/1 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978.
وطلبت محاكمتهم تأديبيا طبقا للنصوص المشار إليها عاليه، وبالمادتين 80 و82 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة المشار إليه، والمادة 14 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية، المعدل بالقانونين رقمي 171 لسنة 1981 و12 لسنة 1989، والمادتين (15/أولا) و(19/1) من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 وتعديلاته.
وتدوولت الدعوى أمام المحكمة التأديبية بالإسماعيلية على النحو الثابت بمحاضر جلساتها، ثم قررت إحالتها إلى المحكمة التأديبية بالشرقية للاختصاص، وبجلسة 23/4/2012 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه، وشيدت قضاءها ببراءة المطعون ضدهم/...، ...، ...،... على عدم ثبوت المخالفات المنسوبة إليهم ثبوتا يقينيا، كما شيدت حكمها بمعاقبة الطاعنين/...، ...، ...، على ثبوت المخالفات المنسوبة إليهم ثبوتا يقينيا على النحو الثابت بالأوراق وتحقيقات النيابة الإدارية في القضية رقم 44 لسنة 2005، وشهادة الشهود، وهو ما يشكل في حقهم ذنبا إداريا يستوجب العقاب والمساءلة.
وإذ لم يرتض الطاعنون هذا الحكم فقد أقاموا طعونهم، ناعين عليه صدوره بالمخالفة للقانون وقصوره في التسبيب، والغلو في تقدير الجزاء، والإخلال بحق الدفاع، وذلك للأسباب الآتية:
(أولا) بالنسبة للطعن رقم 22284 لسنة 58 القضائية (عليا): نعى الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه ومخالفة الثابت بالأوراق والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال؛ وذلك لأنه لم يناقش أدلة الثبوت قبل المطعون ضدهم، والتي تؤكد ثبوت المخالفات المنسوبة إليهم ثبوتا يقينيا، هذا فضلا عن أن تاريخ بلوغ المطعون ضده/... السن القانونية للإحالة على المعاش هو يوم 11/1/2011، وتاريخ صدور الحكم المطعون فيه هو 23/4/2012، ورغم ذلك تم مجازاته بخصم شهر من راتبه، دون إعمال نص المادة 88/3 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، التي تقرر الغرامة وليس الخصم من الراتب.
(ثانيا) بالنسبة للطعن رقم 22297 لسنة 58 القضائية (عليا): نعى الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه والغلو في تقدير الجزاء؛ وذلك لأن طبيعة اختصاصات الطاعن لا تجيز له تحرير كشوف أو التوقيع عليها أو مراجعتها، ويقتصر دوره فقط على تسلم تلك الكشوف مبينا بها أسماء المستحقين والمبالغ المستحقة لكل منهم بعد مراجعتها من المختصين، ومن ثم تنتفي مسئوليته عن وجود أي أخطاء وردت بها، وأنه لا توجد أسماء وهمية بتلك الكشوف، وأن جميع من وردت أسماؤهم بتلك الكشوف قاموا بالصرف فعلا. كما نعى الطاعن على الحكم المطعون فيه الغلو في توقيع الجزاء، لاسيما وأن الأوراق قد خلت تماما من وجود دليل مادي على ثبوت المخالفة في حقه، اكتفاء بشهادة الشهود، والتي جاءت بعيدة عن الواقع.
(ثالثا) بالنسبة للطعن رقم 22307 لسنة 58 القضائية (عليا): نعى الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه، وذلك لأن الجهة الإدارية قامت بتعيين الطاعن بالوحدة الحسابية بمديرية أوقاف الشرقية، رغم أن مؤهله ليسانس أصول الدين من جامعة الأزهر، وأن الوظيفة التي عين عليها تحتاج إلى مؤهل تجاري يتناسب معها، فهو لا يعلم عن مهام هذه الوظيفة شيئا، ولم تقم الجهة الإدارية بتدريبه على مهامها.
(رابعا) بالنسبة للطعن رقم 22308 لسنة 58 القضائية (عليا): نعى الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه؛ وذلك لأنه من قام بإبلاغ مدير مديرية أوقاف الشرقية بواقعة الاختلاس قبل اكتشافها، وكان سببا في رد المبالغ المختلسة إلى جهة الإدارة، فضلا عن أنه لم يرتكب أي جرم يستوجب معاقبته.
- وحيث إنه عن الطعن الأول رقم 22284 لسنة 58 القضائية (عليا) فيما يتعلق بالمطعون ضدهم...، ...، ...: فإن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أنه متى ثبت أن المحكمة التأديبية قد استخلصت النتيجة التي انتهت إليها استخلاصا سائغا من أصول تنتجها ماديا وقانونيا، فإنه لا يكون هناك مجال للتعقيب عليها.
وحيث إن الثابت من الأوراق والتحقيقات أن المخالفات المنسوبة إلى المطعون ضدهم هي أنهم لم يؤدوا العمل المنوط بهم بدقة وأمانة، وخالفوا القواعد والأحكام المالية، بما من شأنه الإضرار بمصلحة مالية للدولة بأن أهمل المطعون ضدهما:... و... في الإشراف على أعمال موظفي الوحدة الحسابية بالمديرية، مما ترتب عليه اختلاس مبلغ (105115.31 جنيها)، شاملا فوائد التأخير، بإدارة أوقاف شرق، وبالنسبة للمطعون ضده...: أهمل في مراجعة استمارات الصرف بإدارة شرق الزقازيق مما ترتب عليه وجود كشوف صرف حوافز مدون بها أسماء وهمية غير مدرجة بسجلات الماهيات بالإدارة، بالإضافة إلى وجود زيادة في إجمالي بعض كشوف الصرف والكشوف الإجمالية لصرف الحوافز والمرتبات، مما أدى إلى اختلاس المال العام؛ فإن هذه المخالفات غير ثابتة في حقهم ثبوتا يقينيا من واقع ما كشفت عنه الأوراق والتحقيقات، وما تأكد بشهادة الشهود، وهو ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه، الذي بنى اقتناعه ببراءة المطعون ضدهم على أسباب مستخلصة استخلاصا سائغا من أصول ثابتة بالأوراق، مفصلا إياها على نحو كاف لتبرير مذهبه فيما انتهى إليه من براءة المطعون ضدهم، ومن ثم فإن النعي عليه بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله يكون في غير محله جديرا بالرفض.
- وحيث إنه عن الطعن الأول رقم 22284 لسنة 58 القضائية (عليا) فيما يتعلق بالمطعون ضده:... فإن المادة رقم (95) من الدستور الحالي تنص على أن: "العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون".
وتنص المادة رقم (225) منه على أن: "تنشر القوانين في الجريدة الرسمية خلال خمسة عشر يوما من تاريخ إصدارها، ويُعمل بها بعد ثلاثين يوما من اليوم التالي لتاريخ نشرها، إلا إذا حددت لذلك ميعادا آخر. ولا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها، ومع ذلك يجوز في غير المواد الجنائية والضريبية، النص في القانون على خلاف ذلك، بموافقة أغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب".
وحيث إن المقرر أنه إذا وقعت الجريمة التأديبية في ظل قانون يحدد عقوبات معينة، ثم تغير القانون بعد وقوع المخالفة وقبل الفصل فيها، فإن السلطة التأديبية مقيدة بالقوانين النافذة وقت ممارسة اختصاصها بالتأديب، فهي لا تستطيع أن توقع إلا العقوبات النافذة وقت استعمال اختصاصها، بغض النظر عن العقوبات التي كانت قائمة وقت ارتكاب المخالفة؛ تفريعا على أن الموظف يشغل مركزا نظاميا، ويخضع للقوانين الجديدة، ومن ثم فإن الأحكام أو القرارات الصادرة بالعقاب يحكم على شرعيتها على وفق القوانين السارية وقت صدورها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أن الحكم الذي يقوم به سبب من أسباب الطعن يخضع الفصل فيه للقانون النافذ وقت الفصل فيه أمام المحكمة الإدارية العليا. (حكمها في الطعن رقم 30336 لسنة 55 القضائية عليا، بجلسة 26/7/2015).
وحيث إن قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 (الذي وقعت في ظله المخالفة التأديبية) قد ألغي بمقتضى قانون الخدمة المدنية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 18 لسنة 2015 الذي تضمن في المادة الثانية من مواد إصداره النص على إلغاء قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، وإلغاء كل حكم يخالف أحكام القانون المرافق، ونص في المادة الرابعة من مواد الإصدار على أن ينشر هذا القرار بقانون في الجريدة الرسمية، ويعمل به اعتبارا من اليوم التالي لتاريخ نشره، وقد صدر برئاسة الجمهورية في 21 من جمادى الأولى سنة 1436هـ، الموافق 12 من مارس سنة 2015، وكان قانون الخدمة المدنية الصادر بالقرار بقانون رقم 18 لسنة 2015 قد نص في المادة (64) منه على أنه: "لا يمنع انتهاء خدمة الموظف لأي سبب من الأسباب عدا الوفاة من محاكمته تأديبيا إذا كان قد بدئ في التحقيق قبل انتهاء مدة خدمته.
ويجوز في المخالفات التي يترتب عليها ضياع حق من حقوق الخزانة العامة للدولة إقامة الدعوى التأديبية ولو لم يكن قد بدئ في التحقيق قبل انتهاء الخدمة، وذلك لمدة خمس سنوات من تاريخ انتهائها.
ويجوز أن يوقع على من انتهت خدمته غرامة لا تجاوز عشرة أضعاف أجره الوظيفي الذي كان يتقاضاه في الشهر عند انتهاء الخدمة. واستثناء من أحكام قانون التأمين الاجتماعي المشار إليه، تستوفى الغرامة المشار إليها بالفقرة السابقة من المعاش بما لا يجاوز ربعه، أو بطريق الحجز الإداري".
وحيث إنه تطبيقا لما تقدم، ولما كان الحكم المطعون فيه قد صدر بتاريخ 23/4/2012، واستخلص إدانة المطعون ضده السيد/... عن المخالفة المنسوبة إليه، وبنى اقتناعه على أسباب استخلصها من أصول ثابتة في الأوراق والتحقيقات، مفصلا إياها على نحو كاف لتبرير مذهبه فيما انتهى إليه، وقد استخلص الدليل وما انتهى إليه من نتيجة استخلاصا سائغا يكفي لحمل أسباب الإدانة محمل الصحة، وكانت هذه الأسباب بدورها وبحق أسبابا سائغة تسوغ ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه، بحيث يستقيم مع إدانة المطعون ضده، وكذا مجازاته على ما اقترفه من الإثم، فمن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد صدر متفقا وحكم القانون فيما يتعلق بثبوت الاتهام المسند إليه، بيد أنه إزاء صدور قرار إنهاء خدمة المطعون ضده اعتبارا من 11/1/2011، أي في تاريخ سابق على صدور الحكم المطعون فيه، مما كان يقتضي مجازاته تأديبيا على النحو الموضح تفصيلا بالمادة (88) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، ومن ثم كان يتعين على المحكمة التأديبية بالشرقية مجازاته بإحدى العقوبات المشار إليها بالفقرة الأخيرة من المادة (88) من هذا القانون، وبناء على ذلك، فإنه متى قامت بالحكم حالة تجعله قابلا للإلغاء، فإن المحكمة ملزمة بإعمال أحكام قانون الخدمة المدنية، الصادر بالقرار بقانون رقم 18 لسنة 2015، وتطبيق نص المادة (64) منه، التي حلت محل المادة (88) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة المشار إليه، لتنزل العقوبة على الطاعن، والتي تقدرها هذه المحكمة لتكون بتغريمه ضعف أجره الوظيفي الذي كان يتقاضاه في الشهر عند انتهاء خدمته، ومن ثم يتعين إلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاة المطعون ضده بخصم أجر شهر من راتبه، ليكون بتغريمه ضعف أجره الوظيفي الذي كان يتقاضاه في الشهر عند انتهاء خدمته.
وحيث إنه عن الطعن الثاني رقم 22297 لسنة 58 القضائية (عليا):
وحيث إنه عن المخالفة المنسوبة إلى الطاعن (...) والتي تتمثل في أنه اختلس لنفسه مبلغا مقداره (105115.31 جنيها) من المبالغ المنصرفة حوافز ومرتبات عهدته، بما فيها فوائد التأخير، وذلك عن طريق التلاعب في كشوف الصرف الخاصة بها، فإن الثابت من الأوراق والتحقيقات أن تلك المخالفة ثابتة في حقه ثبوتا يقينيا لا ريب فيه، على نحو ما استخلصه الحكم المطعون فيه، الذي بنى اقتناعه على أسباب استخلصها من أصول ثابتة بالأوراق والتحقيقات، مفصلا إياها على نحو كافٍ لتبرير مذهبه فيما انتهى إليه، وقد استخلص الدليل وما انتهى إليه من نتيجة استخلاصا سائغا تكفي لحمل أسباب الإدانة محمل الصحة، وكانت هذه الأسباب بدورها وبحق أسبابا سائغة تسوغ ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه، بحيث يستقيم مع إدانة المطعون ضده، وكذا مجازاته على ما اقترفه من الإثم، وقد جاءت تلك العقوبة متناسبة مع المخالفة المسندة إليه دون غلو، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد صدر متفقا وحكم القانون، ويكون النعي عليه في غير محله، جديرا بالرفض.
دون أن ينال مما تقدم، سداد المبلغ المختلس إلى جهة الإدارة على نحو ما ورد بكتابها الموجه إلى رئيس هيئة قضايا الدولة بالإسماعيلية، المودع ضمن حافظة المستندات المقدمة أمام المحكمة التأديبية بجلسة 17/4/2008، فذلك لا ينفي واقعة الاختلاس ولا يزيل آثارها الجسيمة على المال العام، ومن ثم يتعين أخذ مرتكبها بالشدة، لاسيما وأن سداد المبلغ لم يتم في تاريخ سابق على اكتشاف الواقعة، بل في تاريخ لاحق، بما مؤداه أنه لو لم يتم اكتشاف الواقعة لاستباح الطاعن المال العام واستمر في هذا المسلك الآثم، ومن ثم فإن وجوده يضر بالمرفق العام أضرارا يتعذر تداركه.
وحيث إنه عن الطعن الثالث رقم 22307 لسنة 58 القضائية (عليا):
وحيث إنه عن المخالفة المنسوبة إلى الطاعن (...) والتي تتمثل في إهماله في مراجعة استمارات الصرف بإدارة شرق الزقازيق، مما ترتب عليه وجود كشوف صرف حوافز مدون بها أسماء وهمية غير مدرجة بسجلات الماهيات بالإدارة، بالإضافة إلى وجود زيادة في إجمالي بعض كشوف الصرف والكشوف الإجمالية لصرف الحوافز والمرتبات، مما أدى إلى اختلاس المال العام، فإن الثابت من الأوراق والتحقيقات أن تلك المخالفة ثابتة في حقه ثبوتا يقينيا لا ريب فيه، على نحو ما استخلصه الحكم المطعون فيه، الذي بنى اقتناعه على أسباب استخلصها من أصول ثابتة بالأوراق والتحقيقات، مفصلا إياها على نحو كاف لتبرير مذهبه فيما انتهى إليه، وقد استخلص الدليل وما انتهى إليه من نتيجة استخلاصا سائغا يكفي لحمل أسباب الإدانة محمل الصحة، وكانت هذه الأسباب بدورها وبحق أسبابا سائغة تسوغ ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه، بحيث يستقيم مع إدانة المطعون ضده، وكذا مجازاته على ما اقترفه من الإثم، وقد جاءت تلك العقوبة متناسبة مع المخالفة المنسوبة إليه دون غلو، فمن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد صدر متفقا وحكم القانون, ويكون النعي عليه في غير محله جديرا بالرفض.
دون أن ينال مما تقدم ما ذكره الطاعن بأن مؤهله هو ليسانس أصول الدين من جامعة الأزهر، وأن الوظيفة التي عين عليها تحتاج إلى مؤهل تجاري يتناسب معها وأنه لا يعلم عن مهامها شيئا، وأن الجهة الإدارية لم تقم بتدريبه على مهامها؛ فذلك مردود عليه بأن قيامه بمهام تلك الوظيفة قد جاء بمحض اختياره ولم يفرض عليه جبرا، ومن ثم يتحمل تبعاتها ومسئولياتها، لاسيما وأنه كان بمقدوره الاستمرار في العمل بالخدمات الدينية كإمام مسجد.
وحيث إنه عن الطعن الرابع رقم 22308 لسنة 58 القضائية (عليا):
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن القرار التأديبي يجب أن يقوم على سبب يبرره، بحيث يقوم على حالة واقعية أو قانونية تسوغ تدخل جهة الإدارة بتوقيع الجزاء، وأن رقابة القضاء لصحة الحالة الواقعية أو القانونية، تجد حدها الطبيعي في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهت إليها جهة الإدارة مستخلصة استخلاصا سائغا من أصول تنتجها ماديا وقانونا، فإذا كانت منتزعة من غير أصول، أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها، أو كان تكييف الوقائع على فرض وجودها غير صحيح، كان القرار فاقدا لركن السبب، ووقع مخالفا للقانون، ومن ناحية أخرى فإن المسئولية التأديبية شأنها شأن المسئولية الجنائية مسئولية شخصية عن واقعة محددة، ويتعين أن يثبت يقينا ارتكاب العامل للمخالفة المنسوبة إليه ليتسنى توقيع الجزاء التأديبي المناسب، فمناط المسئولية التأديبية أن يسند إلى العامل على سبيل اليقين فعل إيجابي أو سلبي يعد مساهمة منه في وقوع المخالفة الإدارية، فإذا انتفى المأخذ الإداري على سلوك العامل، واستبان أنه لم يقع منه ما يُشكل مخالفة تستوجب المؤاخذة والعقاب، وجب القضاء ببراءته، ويصبح القرار الصادر بمجازاته في هذه الحالة فاقدا للسبب المبرر له قانونا.
وحيث إنه هديا بما تقدم، ولما كانت المخالفة المنسوبة إلى الطاعن (...) والمتمثلة في إهماله في مراجعة استمارات الصرف بإدارة شرق الزقازيق، مما ترتب عليه وجود كشوف صرف حوافز مدون بها أسماء وهمية غير مدرجة بسجلات الماهيات بالإدارة، بالإضافة إلى وجود زيادة في إجمالي بعض كشوف الصرف والكشوف الإجمالية لصرف الحوافز والمرتبات، مما أدى إلى اختلاس المال العام، ولما كان الثابت بشهادة/...، المفتش المالي والإداري بالمديرية المالية بالشرقية، أن الطاعن بوصفه وكيل الحسابات بمديرية أوقاف الشرقية، وزميله...، مدير الحسابات بالمديرية، هما من اكتشفا واقعة الاختلاس، وقاما بتقديم مذكرة إلى مدير مديرية أوقاف الشرقية بتاريخ 20/3/2004 متضمنة تلك المخالفات، وطلبا تشكيل لجنة لفحصها، وهو ما تم بالفعل، ونتج عنه استرداد الجهة الإدارية جميع الأموال المختلسة، فإن المخالفة المنسوبة إلى الطاعن تكون غير ثابتة في حقه، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه رغم ذلك إلى ثبوت هذه المخالفة في حقه، فإنه يكون غير قائم على سبب يبرره، وتكون النتيجة التي انتهى إليها منتزعة من أصول لا تنتجها، ومن ثم تنتفي المخالفة المنسوبة إلى الطاعن؛ لأنه لم يقع منه ما يشكل مخالفة تستوجب مجازاته تأديبيا، وإذ صدر الحكم المطعون فيه على خلاف ذلك، فإنه يكون قد صدر مخالفا لصحيح حكم القانون، ويكون جديرا بالإلغاء، وهو ما يتعين معه القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا ببراءة الطاعن مما نسب إليه، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعون أرقام 22284 و22297 و22307 و22308 لسنة 58 القضائية (عليا) شكلا، وفي الموضوع:
(أولا) بالنسبة للطعن رقم 22284 لسنة 58 القضائية (عليا): بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاة المطعون ضده/... بخصم أجر شهر من راتبه، وبتغريمه ضعف أجره الوظيفي الذي كان يتقاضاه في الشهر عند انتهاء خدمته، ورفض الطعن موضوعا بالنسبة لباقي المطعون ضدهم.
(ثانيا) بالنسبة للطعن رقم 22308 لسنة 58 القضائية (عليا): بإغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاة الطاعن/... بخصم أجر شهر من راتبه، وببراءته مما نسب إليه.
(ثالثا) بالنسبة للطعنين رقمي 22297 و22307 لسنة 58 القضائية (عليا) برفضهما موضوعا.