جلسة 18 من ديسمبر سنة 1972
برياسة السيد المستشار/
حسين سعد سامح وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم الديواني، ومصطفى الأسيوطي، وعبد
الحميد الشربيني. وحسن المغربي.
------------
(315)
الطعن رقم 1035 لسنة 42
القضائية
(أ، ب) ضرب. إثبات.
"بوجه عام". "خبرة". إجراءات المحاكمة. دفاع. "الإخلال
بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
"ما لا يعيبه في نطاق التدليل". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير
الدليل". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
(أ) الضرب بقبضة اليد على
العين. إمكان حدوثه ممن يقف أمام المجني عليه أو إلى جواره. سلطة محكمة الموضوع في
استخلاص ذلك دون حاجة إلى الاستعانة بخبير. عدم جواز النعي على المحكمة عدم
إجرائها تحقيقاً لم يطلب منها أو عدم الرد على دفاع ظاهر الفساد.
(ب) حق محكمة الموضوع في
الجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره. عدم جواز مجادلتها في ذلك.
(ج، د، هـ) إثبات.
"بوجه عام". "شهود". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير
الدليل". ضرب. "أحدث عاهة". عاهة مستديمة نقض. "أسباب الطعن.
ما لا يقبل منها". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم.
"تسبيبه. تسبيب غير معيب". "ما لا يعيبه في نطاق التدليل".
(ج) وزن أقوال الشهود
وتقديرها والتعويل عليها مهما وجه إليها من مطاعن. موضوعي. تناقض الشاهد أو تضاربه
في أقواله. لا يعيب الحكم. ما دام قد استخلص الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً
سائغاً لا تناقض فيه.
اعتماد المحكمة. في
قضائها بالإدانة. على شهادة المجني عليه. سائغ. ما دام الطاعن لا يجادل في أن ما
حصله الحكم منها له أصل في الأوراق.
(د) استخلاص الصورة
الصحيحة لواقعة الدعوى و إطراح ما يخالفها من صور أخرى من سلطة محكمة الموضوع.
(هـ) الدفاع الموضوعي لا
يستأهل من المحكمة رداً مستقلاً. كفاية إيراد الحكم أدلة الثبوت السائغة التي
اعتمد عليها. رداً عليه.
----------
1 - إنه من البداهة أن
الضرب بقبضة اليد على العين يمكن أن يحدث من ضارب يقف أمام المجني عليه أو يقف
بجانبه على السواء، مما لا يحتاج في تقريره أو استنباطه إلى خبرة فنية خاصة يتعين
على القاضي الالتجاء إليها. ولما كان الدفاع عن الطاعن لم يطلب سماع الطبيب الشرعي
لتحقيق ما يدعيه بخلاف ذلك فليس له أن يعيب على المحكمة سكوتها عن إجابته إلى طلب
لم يبده أو الرد على دفاع ظاهر الفساد.
2 - من المقرر أن لمحكمة
الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت
ذلك عندها وأكدته لديها، ولما كانت المحكمة مع اعتمادها في حكمها على ما أورده
التقرير الطبي الشرعي قد انتهت في تدليل سائغ إلى أن إصابة المجني عليه حصلت من
الضرب بقبضة اليد على الوجه الذي شهد به هذا الأخير، وكان فيما أورده الحكم فيما
تقدم ما يتضمن الرد على دفاع الطاعن الخاص بكيفية حصول إصابة المجني عليه، فلا محل
لما يثيره في هذا الخصوص الذي فصلت فيه المحكمة في حدود سلطتها التقديرية، مما لا
يصح مصادرتها في عقيدتها بشأنه.
3 - إن وزن أقوال الشاهد
وتقدير الظروف التي يؤدي فيها شهادته وتعويل القضاء على قوله مهما وجه إليه من
مطاعن وحام حوله من الشبهات، كل هذا مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي
تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه دون رقابة لمحكمة النقض عليها - كما أنه من
المقرر أن تناقض الشاهد أو تضاربه في أقواله لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد
استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه. ولما كان الطاعن
لا يجادل في أن ما حصله الحكم عند إيراده لأقوال المجني عليه له أصله الثابت في
الأوراق، فلا جناح على المحكمة إن هي اعتمدت على شهادة المجني عليه في قضائها
بالإدانة بعد أن أفصحت عن اطمئنانها إلى شهادته وأنها كانت على بينة بالظروف التي
أحاطت بشهادته.
4 - من حق محكمة الموضوع
أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة
الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى
ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في
الأوراق.
5 - إن ما ينعاه الطاعن
في خصوص التفات الحكم عما أثاره في دفاعه عن علة اتهام المجني عليه له، مردود بأنه
لا يعدو أن يكون دفاعاً متعلقاً بموضوع الدعوى، مما لا تلتزم المحكمة بمتابعة
المتهم فيه والرد عليه على استقلال، إذ الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة
التي أوردها الحكم.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة
الطاعن وآخر بأنهما في يوم 13 من أكتوبر سنة 1968 بدائرة مركز الشهداء محافظة
المنوفية - المتهم الأول (الطاعن) أحدث عمداً بـ... إصابات وجهه الموصوفة
بالتقريرين الطبيين الابتدائي والشرعي والتي تخلف لديه من إحداها عاهة مستديمة
يستحيل برؤها هي فقد إبصار عينه اليمني مما يقلل من كفاءته على العمل بنحو 25 %.
المتهم الثاني - أحدث عمداً بالمجني عليه سالف الذكر باقي إصاباته المبينة
بالتقرير الطبي والتي أعجزته عن أشغاله الشخصية مدة لا تزيد على العشرين يوماً.
وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما طبقاً لمواد
الإحالة. فقرر ذلك بتاريخ 29 ديسمبر سنة 1969 وادعي المجني عليه مدنياً قبل المتهمين
متضامنين بمبلغ ستمائة جنيه على سبيل التعويض. ومحكمة جنايات شبين الكوم قضت في
الدعوى حضورياً بتاريخ 19 من أكتوبر سنة 1971 عملاً بالمادة 240/ 1 من قانون
العقوبات مع تطبيق المواد 50 و55/ 1 و56/1 و17 من نفس القانون بمعاقبة الأول
بالحبس مع الشغل مدة سنة واحدة وأمرت بإيقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ
من تاريخ النطق به. ومعاقبة المتهم الثاني بتغريمه خمسة جنيهات، وإلزامهما
متضامنين أن يدفعا للمدعي بالحق المدني مبلغ مائتين وخمسين جنيهاً والمصاريف
المدنية المناسبة ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من
الطلبات. فطعن المحكوم عليه الأول في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
حيث إن مبني الطعن هو أن
الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة إحداث عاهة مستديمة قد شابه الفساد في
الاستدلال والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه عول على أقوال المجني
عليه على الرغم من التناقض البين في أقواله والتفت عن دفاع الطاعن المؤسس على أن
اتهامه كان يقصد الكيد له لنزاع بينه وبين المجني عليه وأن إصابة الأخير قد حدثت
نتيجة سقوطه من دابته على الأرض الأمر الذي أثبت التقرير الطبي الشرعي احتمال
حدوثه طبقاً لهذا التصوير. وقد عول الحكم في إدانة الطاعن على ذلك التقرير مع أنه
لم يقطع بأن إصابة المجني عليه حدثت من اعتداء الطاعن عليه هذا فضلاً عن أن
المحكمة لم تستدع الطبيب الشرعي لمناقشته في وجه الخلاف بين ما قرره المجني عليه
من أنه كان يقف بجوار الطاعن وقت إصابته وما ورد بتقريره من أن إصابة المجني عليه
لا تحدث إلا إذا كان المتهم يقف أمامه، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون
فيه بين واقعة الدعوى بما مؤداه أنه في صباح يوم الحادث حصل نزاع بين الطاعن وآخر
والمجني عليه.... لخلاف على امتداد إيجار أرض زراعية ولما حضر الدلال وأجري قياس
أرض النزاع لم يوافق الطرفان على مقاسه وتبع ذلك اعتداء المتهم على المجني عليه
بأنه ضربه بقبضه يده على عينه اليمني فأحدث به الإصابات التي تخلفت لديه من جرائها
عاهة مستديمة. وساق الحكم في التدليل على ثبوت واقعة إحداث العاهة على هذه الصورة
أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها مستمدة مما شهد به المجني عليه من
أنه أثناء قياس الأرض بمعرفة دلال المساحة ضربة الطاعن بقبضة يده على عينه اليمني
وأحدث به الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي، وما ثبت من التقرير الطبي
الشرعي من أن الحالة المشاهدة بالعين اليمني للمجني عليه إصابة حدثت من المصادمة
بجسم صلب راض وأنه يجوز حصولها من اصطدام العين بإصبع المتهم وقد أدت تلك الإصابة
إلى فقد إبصار العين بما يعتبر عاهة مستديمة تقدر بحوالي 25 % لما كان ذلك وكان من
المقرر أن وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدي فيها شهادته وتعويل القضاء
على قوله مهما وجه إليه من مطاعن وحام حوله من الشبهات كل هذا مرجعه إلى محكمة
الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه دون رقابة
لمحكمة النقض عليها، وكان من المقرر أيضاً أن تناقض الشاهد أو تضاربه في أقواله لا
يعيب الحكم مادامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً لا
تناقض فيه، وكان الطاعن لا يجادل في أن ما حصله الحكم عند إيراده لأقوال المجني
عليه له أصله الثابت في الأوراق فلا جناح على المحكمة إن هي اعتمدت على شهادة
المجني عليه في قضائها بالإدانة بعد أن أفصحت عن اطمئنانها إلى شهادته وأنها كانت
على بينة بالظروف التي أحاطت بشهادته، ومن ثم يكون ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن
في غير محله. لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعن في خصوص التفات الحكم عما أثاره
في دفاعه عن علة اتهام المجني عليه له مردوداً بأنه لا يعدو أن يكون دفاعاً متعلقاً
بموضوع الدعوى مما لا تلتزم المحكمة بمتابعة المتهم فيه والرد عليه على استقلال،
إذ الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم، وكان من المقرر
أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها
على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح
ما يخالفها من صور أخري ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل
والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم
يجزم به الخبير في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها،
وكانت المحكمة مع اعتمادها في حكمها على ما أورده التقرير الطبي الشرعي قد انتهت
في تدليل سائغ إلى أن إصابة المجني عليه حصلت من الضرب بقبضة اليد على الوجه الذي
شهد به هذا الأخير. لما كان ذلك، وكان فيما أورده الحكم فيما تقدم ما يتضمن الرد
على دفاع الطاعن الذي ردده في طعنه خاصاً بكيفية حصول إصابة المجني عليه فلا محل
لما يثيره في هذا الخصوص الذي فصلت فيه المحكمة في حدود سلطتها التقديرية مما لا
يصح مصادرتها في عقيدتها بشأنه. لما كان ذلك، وكان من البداهة أن الضرب بقبضة اليد
على العين يمكن أن يحدث من ضارب يقف أمام المجني عليه أو يقف بجانبه على السواء
مما لا يحتاج في تقريره أو استنباطه إلى خبرة فنية خاصة يتعين على القاضي الالتجاء
إليها، وكان الدفاع عن الطاعن لم يطلب سماع الطبيب الشرعي لتحقيق ما يدعيه بخلاف
ذلك، فليس له أن يعيب على المحكمة سكوتها عن إجابته إلى طلب لم يبده أو الرد على
دفاع ظاهر الفساد، وكان ما حصله الحكم من أقوال المجني عليه والتقرير الطبي الشرعي
مما يتلاءم به فحوي الدليلين بغير تناقض. لما كان ما تقدم, فإن الطعن برمته يكون
على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.