جلسة 23 من يونيه سنة 1960
برياسة السيد محمود عياد
المستشار، وبحضور السادة: الحسيني العوضي، ومحسن العباس، وعبد السلام بلبع، ومحمود
القاضي المستشارين.
----------------
(68)
الطعن رقم 425 سنة 25
القضائية
(أ) خبير "رأي
الخبير".
الاستعانة بكبير الأطباء
الشرعيين للاستنارة برأيه في أمر محل خلاف بين الأطباء لا يعد تنحياً من المحكمة
عن وظيفتها. رأيه وغيره خاضع لتقديرها.
(ب) محكمة الموضوع. مرض
موت. حكم "عيوب التدليل" "القصور" "ما لا يعد كذلك".
سلطتها في تقدير أن
المورث لم يكن مسلوب الإرادة ولا مريضاً مرض الموت وقت صدور التصرف. ما استخلصته
لا يخالف الوقائع الثابتة ويتضمن الرد الكافي على ما أثاره الطاعن. النعي بالقصور.
في غير محله.
(ج) محكمة الموضوع.
صورية. وصية. حكم "عيوب التدليل" "القصور" "ما لا يعد
كذلك".
تقديرها بسلطتها
الموضوعية أن عقد البيع الصادر من المورث لابنه جدي لا صورية فيه. ردها على دفاع
الطاعن واعتبارها لأسباب سائغة أن نية المتعاقدين قد انصرفت إلى تمليك الابن
الأطيان موضوع التصرف في الحال وإن تراخى تسليمها إلى ما بعد الوفاء بالثمن. النعي
بالقصور. في غير محله.
---------------
1 - إذ ا كان الأمر محل
خلاف كبير بين الأطباء فإن استعانة المحكمة بكبير الأطباء الشرعيين للاستنارة
برأيه لا يعد تنحياً منها عن وظيفتها - بل هو من إطلاقاتها وهذا الرأي وغيره يخضع
في النهاية لتقديرها.
2 - إذا كانت المحكمة قد
استخلصت في حدود سلطتها الموضوعية في التقدير أن المورث لم يكن مسلوب الإرادة ولا
مريضاً مرض الموت وقت صدور التصرف ولذلك فإنه يأخذ حكم تصرف السليم، وكان ما
استخلصته في هذا الشأن لا يخالف الوقائع الثابتة التي استندت إليها وتضمنت الرد
الكافي على ما أثاره الطاعنون، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بالخطأ في القانون
والقصور يكون في غير محله.
3 - إذا كانت المحكمة في
حكمها المطعون فيه بعد أن استظهرت أقوال الشهود إثباتاً ونفياً، واستعرضت شروط
التعاقد - قدرت بسلطتها الموضوعية أن العقد جدي لا صورية فيه ورأت أن الادعاء بذلك
لا تسمح به ظروف التعاقد ولا مركز الطرفين، ثم استطردت إلى دفاع الطاعنين المتضمن
عدم مقدرة الابن على الشراء وأن العقد غير منجز بسبب عدم وضع يد المشتري وأنه وصية
عملاً بالمادة 917 مدني - فردت عليه واعتبرت للأسباب السائغة التي أوردتها أن نية
المتعاقدين قد انصرفت إلى تمليك الابن الأطيان موضوع التصرف في الحال وإن تراخى
تسليمها إلى ما بعد الوفاء بالثمن، فإن النعي على حكمها المطعون فيه بالقصور
وبمخالفة القانون يكون على غير أساس.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق
وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى
أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - حسبما
يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أنه على أثر وفاة المرحوم
محمد بك فهمي الريدى في 27/ 9/ 1947 أقام ولده الدكتور أحمد فتحي الريدى المطعون
عليه الثاني الدعوى 92 سنة 1948 كلي مصر على باقي الورثة من طاعنين ومطعون عليهم
بطلب الحكم بإثبات صحة التعاقد المؤرخ 5 مارس سنة 1941 الصادر إليه من والده ببيع
35 فدان وقد أحيلت هذه الدعوى إلى محكمة المنيا الكلية برقم 339 سنة 1948 كلي
لنظرها مع الدعوى 239 سنة 1948 مدني كلي المنيا التي رفعها الطاعنون ضد المطعون
عليهم الثلاثة الأول بطلب تعيين حارس قضائي على التركة وتثبيت ملكيتهم إلى
أنصبائهم الشرعية وهي 10 ط من 24 ط في الأطيان الزراعية ومقدارها 148 ف والمنزل
الكائن ببني مزار والمنقولات وكافة أعيان التركة وكف منازعة المطعون عليهم والتسليم
وبطلان عقد 5 مارس سنة 1941 موضوع دعوى صحة التعاقد والعقدين المؤرخين 17 مايو سنة
1947، 3 يونيه سنة 1947 المسجلين لصالح المطعون عليه الثالث والحكم لهم بنصيبهم في
ثمن المنقولات وبمبلغ 1137 جنيهاً نصيبهم في الريع من تاريخ وفاة المورث حتى آخر
مايو سنة 1948 - وقد ضمت الدعويان وتمسك الدكتور فتحي المطعون عليه الثاني في هذا
النزاع بالعقد الصادر له من والده في 5 مارس سنة 1941 متضمناً بيع 35 ف إليه كما
تمسك أنور المطعون عليه الثالث بعقدي بيع صادرين له من المورث عن المنزل وعن 65 ف
في 17 مايو، 3 يونيه سنة 1947. وطعن المدعون على عقد الدكتور فتحي بالصورية
لتحريره بمناسبة زواجه ورغبة في إظهاره بمظهر المالك أمام عروسه وأسرتها لا بقصد
تمليكه هذه الأطيان فعلاً ودللوا على ذلك ببخس الثمن وتوقيع والد العروس وشقيقها
شاهدين ومعاصرة العقدة لتاريخ الزواج وضآلة جعل المشتري إذ كان والده يدفع له
أقساط سيارة اشتراها. كما طعنوا على عقدي أنور بالبطلان المطلق لمرض البائع وفقدان
إدراكه وانعدام رضائه منهما وفي العقد الصادر منه أيضاً إلى أنور بتأجير 85 ف عن
المدة من يوليه سنة 1947 إلى يوليه سنة 1949، وقدموا للتدليل على المرض شهادات
طبية عن شلل نصفي وذبحة صدرية وتصلب في الشرايين وأن التصديق على هذه العقود قد تم
بطريق الانتقال إلى منزل البائع. وقد أصدرت المحكمة الابتدائية حكمها بصفة مستعجلة
بتعيين المطعون عليه الأخير حارساً وتمهيداً بإحالة الدعوى إلى التحقيق. وتأيد هذا
الحكم استئنافياً وبعد إجراء التحقيق قدم المدعون تقريراً استشارياً من الدكتور
عبد العزيز حلمي عن الشهادات الطبية المقدمة في الدعوى وما قرره شهود المدعين
وتأثير الأمراض التي كان يعانيها المورث على القوى العقلية وسلطان الإرادة كما قدم
المدعى عليهم (المطعون عليهم) تقريراً طبياً مناقضاً. وأصدرت المحكمة الابتدائية
حكماً تمهيدياً آخر بندب كبير الأطباء الشرعيين للاطلاع على هذه التقارير وبيان
مدى ما ينال إرادة المريض من ضعف جزئي أو كلي. وقدم هذا الأخير تقريره متفقاً مع
التقرير الاستشاري المقدم من الطعون عليهم ومتضمناً أن ما جاء بأوراق الدعوى لا
يشير إلى أن المورث كان مصاباً بالعته الشيخوخي أو علامات تصلب أوعية المخ بالذات.
وقد أصدرت المحكمة الابتدائية حكمها في 24 من مارس سنة 1953: أولاً - في الدعوى
339 سنة 48 بإثبات صحة التعاقد المؤرخ 5 من مارس سنة 1941 الصادر من محمد بك فهمي
الريدى للدكتور أحمد فهمي الريدى متضمناً بيع 35 فداناً بثمن قدره 3500 جنيهاً.
ثانياً - في الدعوى 239 سنة 48 بتثبيت ملكية الطاعنين الثلاثة إلى أنصبتهم الشرعية
في 49 فداناً و12 قيراطاً و18 سهماً وكف المنازعة والتسليم ورفضت ما عدا ذلك من
الطلبات. استأنف الطاعنون هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة واستندوا إلى أن
الحكم المستأنف قد أخطأ في الواقع وفي القانون. فمن حيث الواقع قد أسقط الحكم بعض
الوقائع التي أسفر عنها التحقيق ولم يستوعب أقوال الشهود تماماً فانحرف في النتيجة
التي انتهى إليها. ومن حيث القانون قد أخطأ في تكييف عقد 5/ 3/ 1941 الذي لم تتجه
نية الطرفين إلى جعله سنداً للتمليك وكان على المحكمة الابتدائية أن لم تقض بهذا
أن تنتهي على الأقل إلى اعتبار التصرف مضافاً إلى ما بعد الموت يأخذ حكم الوصية
وهو ما جرى عليه القضاء من قبل وسجلته المادة 917 مدني جديد. أما العقود التي يتمسك
بها أنور فقد صدرت في وقت اشتدت فيه على المورث وطأة المرض ومات على أثر صدورها
بأربعة شهور فإذا لم تكن إرادته وقتها قد انعدمت فهي عقود صادرة على الأقل في مرض
الموت وتأخذ حكم الوصية. وقد استأنف الطاعنون في الوقت نفسه الحكم التمهيدي الصادر
بندب كبير الأطباء الشرعيين طالبين استبعاد تقريره وقيد الاستئناف برقم 421 سنة 70
ق - وأصدرت محكمة الاستئناف حكمها في 13 من إبريل سنة 1954
بإلغاء الحكم المستأنف
بالنسبة لبعض المنقولات والمواشي وبتسليم نصيب المستأنفين (الطاعنين) فيها عيناً
أو نقداً وقدره 479 جنيهاً وبرفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف في خصوص الأطيان
والعقارات وباقي المنقولات مع إلزام المستأنفين بالمصروفات - وقد طعن الطاعنون في
هذا الحكم بطريق النقض وذلك بتقرير في قلم الكتاب بتاريخ 10 من أغسطس سنة 1955
وعرض الطعن علي دائرة فحص الطعون فأصدرت قرارها في 19 يناير سنة 1960 بإحالة الطعن
إلى الدائرة المدنية. وفي الجلسة المحددة أخيراً لنظره صممت النيابة العامة على
مذكرتها المتضمنة طلب رفض الطعن.
وحيث إن الطعن بني على
ثلاثة أسباب اشتمل كل منها على وجوه متعددة.
وحيث إن أول ما ينعى به
الطاعنون أن الحكم المطعون فيه قد صور الوقائع على غير صورتها الحقيقية المستمدة
من الأوراق وذلك فيما قرره من أن ما شهد به أصدقاء طرفي النزاع لا يعدو أن يكون
حديثاً عن صلح لم يتم في حين أن أساس مفاوضات الصلح هو إهدار العقود بسبب الظروف
التي صدرت فيها.
وحيث إن هذا النعي مردود
بما جاء بأسباب الحكم المطعون فيه من "أن أحداً من الشهود لم يشهد واقعة
تحرير العقد المؤرخ 5/ 3/ 1941 الصادر للدكتور أحمد فتحي الريدى وإنما جاءت
شهادتهم منصبة على ما قاموا به من مساع في إتمام الصلح وما كان يعرض من جانبهم
لإجرائه. وقد كانت المفاوضات الخاصة بذلك تجرى مع الدكتور شفيق على أساس العروض
التي تقدم بها هؤلاء الوسطاء ولم ينته الصلح إلى نتيجة ولم يثبت أن الدكتور فتحي
ارتضى التنازل من عقده بل يؤخذ من مجموع أقوال الشهود أن سبب إخفاق الصلح يرجع إلى
تمسك الدكتور فتحي بالعقد الصادر من والده". ويبين من هذا أن محكمة الموضوع قد
استخلصت من أقوال الشهود أن إهدار العقود لم يكن معروضاً من الطرفين كأساس للصلح
بل عرضه الطاعن الثاني ورفضه المطعون عليهم فلا صحة لما ينعاه الطاعنون في هذا
الشأن.
وحيث إن السبب الثاني
يتحصل في بطلان الإجراءات التي انتهت بصدور الحكم المطعون فيه من عدة أوجه نعى الطاعنون
في أولها على المحكمة الابتدائية إخلالها بحقوق الدفاع إذ رفضت التصريح للطاعن
الثاني باستخراج شهادة من وزارة الصحة تفيد عدم التصريح لأطباء الامتياز بفتح
عيادة.
وحيث إن النعي بما ورد في
هذا الوجه غير مقبول لأن الطاعنين لم يقدموا ما يفيد تمسكهم به لدى محكمة
الاستئناف. فلا تجوز إثارته لأول مرة أمام هذه المحكمة.
وحيث إن الطاعنين ينعون
كذلك في هذا السبب بطلان الحكم لأنه أيد الحكم الابتدائي وأقره على تنحي المحكمة
عن وظيفتها لكبير الأطباء الشرعيين الذي ندبته ليرجح بين التقريرين الاستشاريين مع
اتفاقهما في القول بأن مرجع الحكم على حالة المورث المرضية ومدى تأثيرها على
إرادته إنما يكون بما صدر عنه من تصرفات - وذلك من عمل المحكمة - فإذا تخلت
المحكمة عن الحكم على هذه التصرفات إلى كبير الأطباء الشرعيين فإنها تكون قد جرت
وراء رأي الطب الشرعي في أمر قانوني مما يجعل حكمها مشوباً بالبطلان، كما أن
المحكمة قد نصت في منطوق حكمها التمهيدي على إرسال أوراق معينة حددتها إلى كبير
الأطباء الشرعيين فجاء تقريره ناقص الأسس التي كان يتعين أن تكون تحت نظره لأن
اطلاعه قد اقتصر على محضر تحقيق 6/ 9/ 1949 مع أن هناك محضرين آخرين من محاضر التحقيق
سمعت فيهما شهود أدلوا بوقائع خاصة بالحالة المرضية وضعف الإرادة لدى المورث وما
كان عليه من إغماء وهلوسة على الباخرة حتى توفى بمجرد وصوله إلى المدينة محمولاً
على السيارة وكذلك لم يفصل الحكم المطعون فيه في استئناف الحكم التمهيدي الصادر في
26/ 2/ 1952 بندب كبير الأطباء الشرعيين إذ خلا منطوقه من بيان الرأي في هذا
الاستئناف من حيث قبوله أو رفضه شكلاً أو موضوعاً مقتصراً في منطوقه على الفصل في
استئناف الحكم الموضوعي ولا يغني عن ذلك تلك العبارات العابرة التي ذكرها عن إرسال
أوراق ناقصة إلى كبير الأطباء الشرعيين.
وحيث إن هذه الوجوه بجميع
أجزائها مردودة أولاً - بأنه يبين من صورة التقرير الاستشاري المقدم من الدكتور
عبد العزيز حلمي أنه بعد أن سرد الأمراض التي كان يعانيها المورث ذكر أن هذه
الأمراض لها تأثير على القوى العقلية كسرعة الانفعال واضطراب الذاكرة والتفكير وعدم
الاكتراث ويفقد المرضى بها اهتمامهم العادي بإدارة شئونهم ويقل أو ينعدم سلطان
المرضى على ضبط عواطفهم وتحصل تخيلات وهلوسة وأن المرضى المتقدمين في السن الضعفاء
من أمثال المورث يخشون ممن يقومون بأمرهم ويديرون شئونهم وخدمتهم فينفذون رغباتهم
دون مقاومة ويصبح من السهل التأثير عليهم فينقادون إلى أي تصرف يطلب منهم بسبب أن
إرادتهم تصبح مقيدة، ويبين من صورة التقرير الاستشاري المقدم من الدكتورين عمارة
وبهمان - أن ما ذكر من أعراض نقلاً عن بعض الكتب لا يحصل إلا في الأحوال النادرة
التي تتضاعف فيها الشيخوخة بالعته ومثل هذه الأعراض لا تحصل عادة كلها في حالة
واحدة بل قد يحصل بعضها في مريض والبعض الآخر في مريض آخر ولذلك لا يمكن القطع
بحالة المريض العقلية إلا بفحصه وقد دلت أقوال الشهود وتقارير الأطباء على أن
المورث حتى وفاته لم تظهر عليه أعراض العته الشيخوخي أو علامات تصلب أوعية المخ
بالذات فلا حالة أوعية الجسم ولا ارتفاع الضغط دليل قطعي على تصلب أوعية المخ
وإنما يدل على ذلك تصرفات وأخلاق المريض نفسه وأصر الدكتور عبد العزيز حلمي على
رأيه السابق في ملحق تقريره - وقد رأت المحكمة الابتدائية إزاء هذا الخلاف القائم
بين الأطباء استطلاع رأي كبير الأطباء الشرعيين فأصدرت حكمها بندبه للاطلاع على
التقارير المشار إليها والشهادات الطبية ومحضر التحقيق المؤرخ 6 من سبتمبر سنة
1949 وبيان ما إذا كان من الممكن فنياً ودون الكشف على المريض معرفة تأثير هذه
الأمراض التي قيل إن المورث قد أصيب بها على قواه العقلية وعلى إدراكه لما حوله
وللتصرفات التي يطلب إليها الموافقة عليها وبيان مدى ما ينال إرادة المريض من ضعف
كلي أو جزئي بسببها، لما كان ذلك وكان الأمر كما سبق بيانه محل خلال كبير من
الأطباء فإن استعانة المحكمة بكبير الأطباء الشرعيين للاستنارة برأيه لا يعد
تنحياً منها من وظيفتها بل هو من إطلاقاتها وهذا الرأي وغيره يخضع في النهاية
لتقدير المحكمة.
ومردودة ثانياً: بما
أورده الحكم في أسبابه من عدم أخذه بالطعون التي أثارها المستأنفون في خصوص الحكم
التمهيدي مما يفيد أن المحكمة قضت بتأييد ذلك الحكم وإن لم يرد بهذا القضاء نص في
منطوق حكمها. ومردودة أخيراً: بأنه يبين من الاطلاع على تقريري الدكتور عبد العزيز
حلمي المقدمة صورتاهما بملف الطعن واللذين كانا تحت نظر كبير الأطباء الشرعيين
أنهما قد اشتملا على ما تضمنته محاضر التحقيق جميعها وعلى ذلك يكون النعي بعدم إرسال
محضري التحقيق المشار إليهما في سبب النعي غير منتج.
وحيث إن باقي وجوه الطعن
تتعلق بالطعن على عقد 5/ 3/ 1941 الصادر من المورث إلى ولده الدكتور فتحي وعلى
العقود الأخرى الصادرة منه في سنة 1947 إلى ولده أنور المطعون عليه الثالث. ويتحصل
النعي بالنسبة للعقد الأول في أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون إذا
اعتبر هذا العقد هبة في صورة بيع وأنه لذلك يكون عقداً صحيحاً ولو لم يدفع فيه ثمن
- مع أن وقائع الدعوى تقطع بصوريته صورية مطلقة إذ أريد به إظهار المطعون عليه
الثاني بمظهر المالك، كما أن عقد الهبة الذي يأخذ شكل البيع الصحيح هو الذي يكون
منجزاً فيتخلى فيه البائع أو الواهب عن العين ويسلمها إلى المشتري أو الموهوب له.
أما إذا تبين أن المالك
ظل واضعاً يده على العين بأي طريقة مدى حياته فلا يكون عقد البيع بهذه الصورة هبة
صحيحة في صورة عقد بيع وإنما يكون وصية على أحسن الفروض بالنسبة للمطعون عليه
الثاني لأن وضع يد المورث أمر ثابت من نص البند السادس من العقد كما هو ثابت على
وجه اليقين من تصرف المورث بتأجير هذه الأرض إلى المطعون عليه الثالث بمقتضى عقد
28 من يوليه سنة 1947، هذا إلى أن الحكم أخطأ فيما قرره من أن المادة 917 مدني لا
يسري حكمها على الماضي لأن هذه المادة ليست بحكم مستحدث في القانون بل هي تقنين
لما استقر عليه القضاء في هذا الشأن. كما تناولت أوجه النعي تعييب الحكم بالقصور
لإيراده وقائع تخالف الثابت في الأوراق. ذلك أن الحكم الابتدائي قد جاء به أن ما
قرره أغلب شهود المدعين عن صورية عقد 5 من مارس سنة 1941 إنما كان نقلاً عن الطاعن
الثاني بعد وفاة المورث وأن أحداً لم يشهد واقعة تحرير هذا العقد وأن الطاعنين
عجزوا عن إثبات الواقعة التي قصد الحكم التمهيدي إلى إثباتها. وهذا يخالف ما شهد
به الأستاذ رجائي العشماوي وعبد الحميد صيام وكذلك قول الحكم المطعون فيه أن عقده
5/ 3/ 1941 كان محل احترام من جانب المورث مع أن أجزاء من القدر المبيع دخلت في
عقود بيع أخرى عدل عن السيرة فيها كما أن جميع القدر المبيع داخل في عقد الإيجار
الصادر من المورث إلى المطعون عليه الثالث في يوليه سنة 1947 - كذلك قال الحكم
الابتدائي الذي أحال عليه الحكم المطعون فيه أن الدكتور فتحي تخرج سنة 1928 وكانت
له عيادات تدر عليه أموالاً طائلة مع أن الثابت من المستندات أنه تخرج سنة 1933 -
وكان في سنة 1941 طبيب امتياز بإقراره في عقد زواجه وكان وقتئذ يطلب معونات مالية
من والده بخطابات مقدمة في الدعوى - كما تمثل قصور الحكم في إغفاله الرد على ما
أثاره الطاعنون في سبيل التدليل على صورية عقد 5 من مارس سنة 1941 فقد تمسكوا في
دفاعهم بأن توقيع والد العروس وشقيقها على ذلك العقد لم يكن له من مبرر إلا
الاستيثاق من صدور العقد مما يؤيد أن الغاية منه هي إظهار الدكتور فتحي بمظهر
المالك فحسب ولذلك لم يدفع فيه ثمن - بل لقد كان المورث يدفع أقساط السيارة لولده
على ضآلتها.
وحيث إن هذا النعي مردود
بأن المحكمة في حكمها المطعون فيه بعد أن استظهرت أقوال الشهود إثباتاً ونفياً،
وبعد أن استعرضت شروط التعاقد وما فيها من تفصيل قدرت سلطتها الموضوعية أن العقد
جدي لا صورية فيه ورأت أن الادعاء بصورية هذا العقد معناه تدبير مؤامرة بين الوالد
وولده لإدخال الغش على أصهاره وإظهار الزوج بمظهر المالك الصوري حتى يتم الزواج
وهو ما لا تسمح به ظروف التعاقد ولا مركز الطرفين ثم استطردت المحكمة إلى دفاع
الطاعنين المتضمن عدم مقدرة الدكتور فتحي على الشراء وأن غير منجز بسبب عدم وضع يد
المشتري وإنما هو وصية عملاً بالمادة 17 من القانون المدني الجديد فردت على ذلك
بقولها "وإن جاز القول بأن الدكتور فتحي لم يدفع ثمناً - فإن العقد يصبح
بالبداهة هبة أفرغت في قالب بيع جدي منجز استوفى شرائطه القانونية وصدرت من المورث
لأحد ورثته في حال صحته فهي هبة صحيحة ولا يقدح في ذلك أن يتراخى المشتري في تسجل
العقد..." "وحيث إنه فيما يختص بوضع يد البائع على العين المبيعة
فالثابت من الاطلاع على عقد البيع أن البائع شرط وضع يده على العين حتى سداد
المبلغ الباقي من الثمن ومثل هذا الشرط جائز قانوناً وليس من شأنه أن يقلب عقد
البيع إلى وصية - ولا محل لتطبيق المادة 917 من القانون المدني الجديد إذ أنه
فضلاً عن أن هذا النص مستحدث في القانون الجديد فإن مجال تطبيقها أن يحتفظ المورث
في تصرفه لأحد الورثة بحيازة العين التي تصرف منها مدى حياته. وهذا غير قائم في
الدعوى وحق الدكتور فتحي في وضع يده مشروط بسداد الثمن فمرجع الأمر فيه إلى والده
البائع وفرق بين الحالين" - وهذا الذي قرره الحكم المطعون فيه يفيد أن محكمة
الموضوع اعتبرت للأسباب السائغة التي أوردتها أن نية المتعاقدين قد انصرفت إلى
تمليك المطعون عليه الثاني الأطيان موضوع التصرف في الحال - وإن تراخى تسليمها إلى
ما بعد الوفاء بباقي الثمن - لما كان ذلك وكانت التصرفات التي يدعي الطاعنون في
أوجه النعي بصدورها من المورث لا تتعارض مع ما انتهى إليه الحكم من تحصيل قصد
المتعاقدين وقت حصول التصرف على ما سبق بيانه فإن النعي على الحكم بالقصور
وبمخالفته القانون يكون على غير أساس.
وحيث إنه بالنسبة لما قضى
به الحكم من صحة التصرفات الصادرة من المورث إلى ولده أنور المطعون عليه الثالث
فقد نعى الطاعنون بالخطأ في القانون والقصور بتصويره وقائع خاطئة تخالف الثابت في
الأوراق هي أن المورث ذهب لأداء فريضة الحج في حالة صحية جيدة وإنه لم يكن مريضاً
مرض موت ولم يكن مسلوب الإرادة مع إن الثابت أنه سافر لأداء فريضة الحج محمولاً
وأصيب بهلوسة وغيبوبة ونزل من الباخرة محمولاً في سيارة فتوفى أثر وصوله إلى
المدينة واستند الطاعنون في التدليل على أن المورث كان مسلوب الإرادة ومريضاً مرض
الموت إلى شهادة عدد من الشهود ليسوا محل تجريح وإلى تقريرين من الدكتور عبد
العزيز حلمي ولم يعرض الحكم إلى أقوال هؤلاء الشهود وأطرح دفاع الطاعنين ووقف عند
شهادة الدكتور العيادي تاركاً غيرها مع أن شهادة الطبيب تحكمها المادة 207 مرافعات
على أن شهادة لا تنفي حالة المورث المرضية ولا تنتج في واقعة تسلط إرادة ولده أنور
عليه.
وحيث إن هذا النعي مردود
بأن المحكمة قد عولت على ما قرره الطبيب المعالج الدكتور العيادي وعلى ما اعتمدته
من تقارير الأطباء فقررت أولاً أن الطبيب المعالج شهد بأنه كان يتولى علاج المورث
في السنوات الخمس السابقة على الوفاة وكان يشكو مرض السكر وضغط الدم وأصيب بشلل في
الوجه وشفي منه وحوالي سنة 1945 أصيب بشلل في العين وشفي منه وفي سنة 1946 أصيب
بشلل نصفي يساوي واستمر معه أربعة شهور وشفي منها أيضاً فكان يستطيع المشي والسلام
والكلام ولما زاره آخر مرة في مايو سنة 1947 شكا له من السكر والضغط ولم يلحظ عليه
مرضاً آخر وقد وقف المورث وسلم عليه بيده اليمنى وكان قد شفي وقتئذ من الشلل وكانت
حالة التصلب التي يشكو منها عادية لمن في مثل سنه. ثم قررت المحكمة أن مثل هذا
المرض إذا زادت مدته على سنة لا يعتبر مرض موت إلا إذا اشتدت وطأته وهو لا يعتبر
كذلك إلا في شدته الطائرة وأن ما تعرض له المورث من مضاعفات كان قد زال وقت صدور
التصرفات إلى المطعون عليه الثالث مستندة في ذلك إلى شهادة الطبيب المعالج وإلى
شهود النفي وخلصت إلى أن المورث لم يكن صاحب فراش ولم يكن مرضه بمعجز له عن السفر
بل كان في حالة صحية وعقلية تسمح له بالسفر، ثم استطردت إلى القول بأنه لو كان
الأمر كما يصور الطاعنون لما سمح له أولاده ومنهم طبيبان ومحام بالقيام بتلك
الرحلة التي تعجز القادرين وتبهظ الأصحاء وإن الثابت من الأوراق أن وفاة المورث
كانت بسبب ضربة شمس ولم يكن لمرضه أي علاقة بالوفاة - وردت المحكمة على القول بأن
المورث كان في حالة صحية تعدم إرادته ومتأثراً بتسلط من يلازمه فقررت أنها أخذاً
بما جاء بتقرير قسم الطب الشرعي وبما جاء بتقرير الدكتورين عماره وبهمان - لا ترى
في تصرفات المورث ما يدل على أعراض لضعف أو مرض عقلي بل هداه تفكيره السليم
ومجاراة للوسط الذي يعيش فيه أن يخص ابنه الذي يتولى زراعة أطيانه بجزء من الأطيان
وبالمنزل حتى يضمن له الاستقرار في البلد الذي تقع به أطيانه - ويبين من هذا أن
المحكمة قد استخلصت في حدود سلطتها الموضوعية في التقدير أن المورث لم يكن مسلوب
الإرادة ولا مريضاً مرض الموت وقت صدور هذه التصرفات ولذلك فإنها تأخذ حكم تصرفات
السليم وما استخلصته المحكمة في هذا الشأن لا يخالف الوقائع الثابتة التي استند
إليها الحكم ويتضمن الرد الكافي على ما أثاره الطاعنون ومن ثم يكون هذا النعي في
غير محله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق