الدعوى رقم 18 لسنة 40 قضائية "تنازع" جلسة 9/ 5/ 2020
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت التاسع من مايو سنة 2020، الموافق السادس عشر من رمضان سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبد الجواد شبل وطارق عبدالعليم أبو العطا نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 18 لسنة 40 قضائية "تنازع".
المقامة من
ســـمير محمد كامــــــل محمــد
ضد
1- وزيـر التربيـة والتعليــــــــم
2- وكيل وزارة التربية والتعليم
الإجراءات
بتاريخ الثالث والعشرين من مايو سنة 2018، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بأولوية تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري الصادر في الدعوى رقم 4324 لسنة 16 قضائية، بجلسة 16/3/2010، على حكم محكمة بندر ثان أسيوط، الصادر في الإشكال رقم 73 لسنة 2014، بجلسة 26/1/2015، واستئنافه رقم 97 لسنة 2015 مدنى مستأنف أسيوط.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الاعتداد بالحكم الصادر من محكمة بندر أسيوط ثان، المؤيد استئنافيًّا، دون حكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 7/3/2020، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة 4/4/2020، ثم قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن مديرية التربية والتعليم بأسيوط، كانت قد استأجرت من المدعى العقار ملكه، الكائن برقم (15) شارع ممتاز بقسم ثان أسيوط، لاستعماله مخزنًا للكتب الدراسية. وبمناسبة صدور قرار رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 2/4/1997، المتضمن إلزام الجهات والأجهزة الحكومية والهيئات التابعة لها برد الوحدات التى تشغلها بالإيجار إلى أصحابها في غضون خمسة أعوام، وبعد فوات تلك المدة، تقدم المدعى بطلب لمديرية التربية والتعليم لرد عقاره، إلا إنها رفضت، فأقام الدعوى رقم 4324 لسنة 16 قضائية، أمام محكمة القضاء الإدارى بأسيوط، طلبًا للحكم بإلغاء القرار السلبى بامتناع الجهة الإدارية عن تسليمه العقار ملكه، وبجلسة 16/3/2010، حكمت المحكمة بإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار. وقد أقامت الجهة الإدارية إشكالاً في تنفيذ هذا الحكم، قيد برقم 14134 لسنة 25 قضائية، أمام المحكمة ذاتها، وبجلسة 17/11/2014، حكمت المحكمة برفض الإشكال. ومن ناحية أخرى، أقامت الجهة الإدارية إشكالاً آخر، قيد برقم 73 لسنة 2014، أمام محكمة بندر ثان أسيوط، طلبًا للحكم أصليًّا: بوقف تنفيذ حكم محكمة القضاء الإدارى، الصادر في الدعوى رقم 4324 لسنة 16 قضائية – السالف البيان – لاستحالة تنفيذه لصدوره منعدمًا من محكمة غير مختصة ولائيًّا بإصداره، واحتياطيًّا: بوقف تنفيذ الحكم المستشكل فيه، لحين الفصل في الدعوى رقم 1590 لسنة 2014 مدنى كلى أسيوط، المقامة طلبًا للحكم بعدم الاعتداد بالحكم المراد تنفيذه. وعلى سبيل الاحتياط: بوقف تنفيذ الحكم المستشكل فيه لحين الفصل في الطعن المقام عليه أمام المحكمة الإدارية برقم 20125 لسنة 56 قضائية عليا. وبجلسة 26/1/2015، حكمت المحكمة بقبول الإشكال شكلاً، وفى الموضوع بوقف تنفيذ الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بأسيوط، في الدعوى رقم 4324 لسنة 16 قضائية، بجلسة 16/3/2010. لم يصادف هذا القضاء قبول المدعى، فطعن عليه بالاستئناف رقم 97 لسنة 2015 مدنى مستأنف، أمام محكمة أسيوط الابتدائية، وبجلسة 29/3/2015، حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً، وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. وقد ارتأى المدعى وجود تناقض بين الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بأسيوط في الدعوى رقم 4324 لسنة 16 قضائية، والحكم الصادر من محكمة بندر ثان أسيوط في الإشكال رقم 73 لسنة 2014، واستئنافه رقم 97 لسنة 2015 مدنى مستأنف أسيوط، يستوجب تدخل المحكمة الدستورية العليا لحسمه، فأقام دعواه المعروضة.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنها بما لها من هيمنة على الدعوى، هى التي تعطيها وصفها الحق وتكييفها القانوني الصحيح، وذلك على ضوء طلبات رافعها، متقصية في سبيل ذلك فحوى طلباته، مُستظهرة حقيقة مراميها وأبعادها دون التقيد بحرفية ألفاظها ومبانيها. ومن ثم، فإن ما يحقق للمدعى مبتغاه من دعواه المعروضة، هو فض التناقض القائم بين حكمي جهة القضاء الإداري، وحكمي جهة القضاء العادي، السالف الإشارة إليها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مناط قبول طلب الفصل في التناقض بين حكمين نهائيين، طبقًا للبند "ثالثًا" من المادة (25) من قانون المحكمة الدستورية العليا، الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن يكون النزاع بشأن حكمين نهائيين، صادرين من جهتين قضائيتين مختلفتين، تعامدا على محل واحد، وكانا حاسمين لموضوع الخصومة، ومتناقضين بحيث يتعذر تنفيذهما معًا، بما مفاده أن إعمال هذه المحكمة لولايتها في مجال التناقض المدعى به بين حكمين نهائيين يتعذر تنفيذهما معًا، يقتضيها أن تتحقق أولاً من وحدة موضوعهما، ثم تناقض قضاءيهما بتهادمهما معًا فيما فصلا فيه من جوانب الموضوع، فإذا قام الدليل لديها على وقوع هذا التناقض، كان عليها عندئذ أن تفصل فيما إذا كان تنفيذهما معًا متعذرًا، وهـو ما يعنى أن بحثها في تعذر تنفيذ هذيـن الحكمين، يفترض تناقضهما، ولا يقوم هذا التناقض – بداهة – إن كان موضوعهما مختلفًا. متى كان ذلك، وكان البين من مطالعة الأحكام التي تشكل حدى النزاع، ممثلة في حكم محكمة القضاء الإداري بأسيوط، الصادر في الدعوى رقم 4324 لسنة 16 قضائية، والإشكال المقام عليه رقم 14134 لسنة 25 قضائية من جهة، وحكم محكمة بندر ثان أسيوط، الصادر في الإشكال رقم 73 لسنة 2014، المؤيد بحكم محكمة أسيوط الابتدائية، في الدعوى رقم 97 لسنة 2015 مدنى مستأنف أسيوط، من جهة أخرى، أنها أحكام نهائية واجبة التنفيذ، صدرت من جهتي قضاء مختلفتين، وحسمت جانبًا من جوانب النزاع، وهو المسألة الأولية المتعلقة بالاختصاص الولائي بالفصل في المنازعات المتعلقة بإيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين الناشئة عن قرارات إدارية. وكانت أحكام جهتى القضاء الإداري والعادي، قد تناقضت فيما ذهبت إليه من حسم لهذه المسألة، إذ نحا حكما جهة القضاء الإداري منحى توسيد ولاية نظر أمر هذا النزاع لمحاكم مجلس الدولة، بحسبانه ناتجًا عن قرار إداري سلبى، ومضيًّا، من بعد، في نظر الدعوى، والفصل في موضوعها. في حين أنكر حكما جهة القضاء العادي على محاكم مجلس الدولة هذا الاختصاص، وانتهيا، بالبناء على ذلك، إلى القضاء بوقف تنفيذ الحكم الموضوعي الصادر من محكمة القضاء الإداري بأسيوط، ومن ثم تكون أحكام جهتي القضاء الإداري والعادي المشار إليها قد تعامدت في هذا الخصوص على المحل ذاته، وتناقضت فيما قضت به بحيث يتعذر تنفيذها معًا، مما تغدو معه الدعوى المعروضة، من حيث شرائط قبولها، جديرة بالقبول.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة، قد جرى على أن المفاضلة التى تُجريها المحكمة بين الحكمين النهائيين المتناقضين، لتحدد على ضوئها أيهما أحق بالاعتداد به عند التنفيذ، إنما يتم على أساس ما قرره المشرع من قواعد لتوزيع الولاية بين جهات القضاء المختلفة.
وحيث إن المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن المنازعات المتعلقة بإيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين – على ما نصت عليه المادة (5) من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، تختص بها المحاكم العادية دون غيرها، بالنظر إلى أن هذه المنازعة تتعلق بجوهر حق الملكية، وهى بهذه المثابة أدخل إلى اختصاص القضاء العادي صاحب الولاية العامة في نظر المنازعات الناشئة عن روابط القانون الخاص طبقًا لأحكام المادة (15) من قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1972، حتى لو نشأت هذه المنازعات من تدخلات من جهة الإدارة، في صورة قرارات اكتملت لها مقومات القرارات الإدارية. لما كان ذلك، وكان الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بأسيوط، في الدعوى رقم 4324 لسنة 16 قضائية، قد قضى بإلغاء القرار السلبى بامتناع الجهة الإدارية عن تسليم العقار السالف البيان إلى المدعى، تأسيسًا على مخالفة جهة الإدارة لقرار رئيس مجلس الوزراء الصادر بتاريخ 2/4/1997، الذى عيَّن الحالات التي يجب على جهة الإدارة القيام برد الوحدات التي تستأجرها إلى مالكيها، حال كون هذه المنازعة تُعد من قبيل المنازعات المتعلقة بإيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين، مما تختص بها محاكم جهة القضاء العادي، دون غيرها، الأمر الذى يكون معه الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في هذا الشأن – ومن بعده الحكم الصادر منها في الإشكال الخاص بهذا الحكم – قد صدرا من محكمة غير مختصة، ومن ثم يتعين عدم الاعتداد بهما.
وحيث إن المادة (190) من الدستور تنص على أن "مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل في المنازعات الإدارية، ومنازعات التنفيذ المتعلقة بجميع أحكامه....."، فإن مؤدى ذلك، أن الدستور قد عقد لمجلس الدولة دون غيره، الاختصاص بنظر سائر منازعات التنفيذ المتعلقة بجميع أحكامه، ليصير صاحب الاختصاص الأصيل والوحيد في هذا الشأن. لما كان ذلك، وكان الحكم الصادر في الدعوى رقم 73 لسنة 2014 إشكالات بندر ثان أسيوط، والمؤيد استئنافيًّا بالحكم الصادر في الاستئناف رقم 97 لسنة 2015 مدنى مستأنف أسيوط، قد خالف هذا النظر، وفصل في منازعة تنفيذ، متعلقة بحكم صادر من محكمة القضاء الإداري، فإنهما يكونان قد انتحلا اختصاصًا ممتنعًا عليهما دستورًا، حريَّان بعدم الاعتداد بهما.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم الاعتداد بكل من الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بأسيوط، بجلسة 16/3/2010، في الدعوى رقم 4324 لسنة 16 قضائية، والحكم الصادر منها بجلسة 17/11/2014، في الدعوى رقم 14134 لسنة 25 قضائية، وكذلك الحكم الصادر من محكمة بندر ثاني أسيوط، بجلسة 26/1/2015، في الدعوى رقم 73 لسنة 2014 إشكالات بندر ثان أسيوط، والمؤيد بالحكم الصـادر من محكمة أسيوط الابتدائيـــــة بجلسة 29/3/2015، في الاستئناف رقم 97 لسنة 2015 مدنى مستأنف أسيوط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق