الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 24 يوليو 2020

الطعن 12494 لسنة 59 ق جلسة 12 / 12 / 1989 مكتب فني 40 ق 192 ص 1196


جلسة 12 من ديسمبر سنة 1989
برئاسة السيد المستشار/ محمود البارودي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمود رضوان نائب رئيس المحكمة وصلاح عطية وحسن عشيش ورضوان عبد العليم.
--------------------
(192)
الطعن رقم 12494 لسنة 59 القضائية

 (1)قتل عمد. جريمة "أركانها". قصد جنائي. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
قصد القتل أمر خفي. استخلاص توافره. موضوعي.
(2) حكم "ما لا يعيبه" "تسبيبه. تسبيب غير معيب". ارتباط. عقوبة "تطبيقها".
اعتبار الحكم الجرائم التي قارفها المتهم ارتكبت لغرض واحد ومعاقبته بعقوبة الجريمة المقررة لأشدها إعمالاً للمادة 32 عقوبات. لا ينال منه عدم ذكر تلك المادة أو تعيين الجريمة ذات العقوبة الأشد.
(3) نقض "المصلحة في الطعن" "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". قتل عمد. سبق إصرار. 
المصلحة. شرط لازم في كل طعن.
مثال لانتفاء المصلحة في الطعن.
 (4)إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
العبرة في المحاكمات الجنائية باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه.
 (5)إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
تساند الأدلة. لا يلزم أن ينبئ كل دليل ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى. يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها.
 (6)إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً ودالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها. كفاية أن يكون مؤدياً إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة.
الجدل الموضوعي. لا يقبل إثارته أمام النقض.
 (7)إثبات "اعتراف". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إكراه. اعتراف. دفوع "الدفع ببطلان الاعتراف". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير صحة الاعتراف وقيمته في الإثبات. موضوعي.
تقدير محكمة الموضوع. عدم صحة ادعاء المتهم بأن اعترافه كان وليد إكراه. لا معقب عليها. ما دامت تقيمه على أسباب سائغة.
مثال.
 (8)إثبات "شهود" "خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تطابق أقوال الشاهد أو اعتراف المتهم مع مضمون الدليل الفني. ليس بلازم. كفاية أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني. تناقضاً يستعصى على الملائمة والتوفيق.
 (9)إثبات "شهود" "خبرة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "ما لا يعيبه" "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم إيراد الحكم لدفاع الطاعن بوجود تناقض بين الدليلين القولي والفني. لا يعيبه علة ذلك؟
 (10)حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
ليس للطاعن أن ينعى على المحكمة قعودها عن القيام بإجراء لم يطلب منها أو الرد على دفاع لم يثر أمامها.
مثال.

---------------
1 - من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك - بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذه النية موكل إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وما دام الحكم قد دلل على قيام هذه النية تدليلاً سائغاً فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد.
2 - لما كان الحكم المطعون فيه قد اعتبر الجرائم التي قارفها الطاعن والمستوجبة لعقابه قد ارتكبت لغرض واحد وأعمل في حقه المادة 32 من قانون العقوبات فقضى عليه بعقوبة واحدة هي المقررة لأشد تلك الجرائم فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً، ولا ينال من سلامته إغفاله ذكر تلك المادة أو إغفاله تعيين الجريمة الأشد.
3 - من المقرر أن المصلحة شرط لازم في كل طعن، فإذا انتفت لا يكون الطعن مقبولاً، وكان لا مصلحة للطاعن فيما يثيره في شأن استبعاد الحكم ظرفي سبق الإصرار والترصد ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل.
4 - العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع قاض الموضوع بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته.
5 - من المقرر أنه لا يشترط أن تكون الأدلة التي يعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
6 - من المقرر أنه لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج بما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات، ولما كان الحكم المطعون فيه قد اقتنع من أقوال شهود الإثبات والوقائع التي ثبتت لديه والقرائن التي استخلصها أن الطاعن قد قتل المجني عليها فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه من النعي لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في شأن تصوير وقوع الحادث وحق محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى واستنباط معتقدها من الأدلة المطروحة عليها - والتي لا يجادل الطاعن في أن لها أصلها من الأوراق وإطراح ما رأت الالتفات عنه مما لا تقبل مصادرتها فيه والخوض في مناقشته أمام محكمة النقض.
7 - لما كان الحكم قد رد على ما أثاره المدافع عن الطاعن من بطلان الاعتراف في قوله: "وحيث إنه عن اعتراف المتهم وما أثاره الدفاع من أنه جاء وليد إكراه فهو دفاع خال من دليل عليه والمحكمة تلتفت عنه خاصة أن المتهم سرد تفصيل الواقعة وهو بإرادة حرة وجاء تصويره لها بما يتفق وماديات الجريمة وبما لا يخالف ما جاء على لسان المجني عليها وما جاء بتقرير الطب الشرعي عن الإصابات التي لحقت بالمجني عليهما، ومن ثم فإن المحكمة تطمئن على سلامة اعتراف المتهم الذي جاء عن إرادة حرة واعية وجاء نصاً في اقتراف الجريمة". ولما كان الاعتراف في المواد الجنائية من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولها أن تأخذ به متى اطمأنت إلى سلامته ومطابقته للحقيقة والواقع، كما أن لها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه بغير معقب عليها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة وكان الحكم المطعون فيه على ما سلف بيانه - قد خلص في منطق سائغ وتدليل مقبول إلى إطراح الدفع ببطلان اعتراف المحكوم عليه لصدوره تحت تأثير الإكراه وأفصح عن اطمئنانه إلى صحة هذا الاعتراف ومطابقته للحقيقة والواقع فإنه يكون قد برئ من أية شائبة في هذا الخصوص.
8 - من المقرر أنه ليس بلازم أن تتطابق أقوال الشاهد - أو اعترافات المتهم - ومضمون الدليل الفني على الحقيقة التي وصلت إليها المحكمة بجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع جوهر الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق.
9 - من المقرر أنه ليس بلازم أن يورد الحكم ما أثاره الدفاع عن الطاعن من وجود تناقض بين الدليلين ما دام ما أورده في مدوناته يتضمن الرد على ذلك الدفاع، إذ المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد عليها على استقلال طالما أن الرد يستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، ومن ثم يضحى ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص ولا محل له.
10 - لما كان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن لم يطلب من المحكمة ضم تقرير تحليل السكين المضبوط لاستجلاء ما إذا كان قد استعمل في الحادث أم لا، فليس له من بعد أن ينعى على المحكمة قعودها عن القيام بإجراء لم يطلبه منها أو الرد على دفاع لم يثر أمامها، ومن ثم يكون النعي في هذا المنحى في غير محله.


الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: أولاً: قتل....... عمداً مع سبق الإصرار بأن عقد العزم وبيت النية على قتلها وأعد لذلك آلة حادة (سكين) وتوجه إليها في مسكنها وما أن ظفر بها حتى انهال عليها طعناً بالأداة سالفة الذكر فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها. وقد اقترنت هذه الجناية بجناية أخرى هي أنه في المكان والزمان سالفي الذكر شرع في قتل...... عمداً مع سبق الإصرار بأن عقد العزم وبيت النية على قتلها وأعد لذلك السكين سالف الذكر وما أن ظفر بها حتى انهال عليها طعناً بتلك السكين كما حاول حنقها بيديه فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الطب الشرعي وقد أوقف أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو مداركتها بالعلاج. ثانياً: وضع النار عمداً في مبنى مسكون بأن سكب مادة بترولية (كيروسين) على منقولات شقة المجني عليها سالفة الذكر وأشعل النار فيها فأتت على جانب منها وأحرقته على النحو المبين بالأوراق. وأحالته إلى محكمة جنايات الجيزة لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعى والد المجني عليها الأولى مدنياً قبل المتهم بمبلغ عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض. والمحكمة المذكورة قررت في...... وبإجماع الآراء إحالة أوراق الدعوى إلى فضيلة مفتي الجمهورية لأخذ رأيه وحددت جلسة...... للنطق بالحكم. وبالجلسة المحددة قضت المحكمة حضورياً بإجماع الآراء - عملاً بالمواد 13، 45، 46/ 1، 230، 231، 234، 252 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 32 من ذات القانون بمعاقبة المتهم بالإعدام شنقاً.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض وقيد الطعن بجدول محكمة النقض برقم..... كما عرضت النيابة العامة القضية مشفوعة بمذكرة برأيها وهذه المحكمة قضت بجلسة...... بقبول عرض النيابة العامة للقضية وبقبول طعن المحكوم عليه شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة جنايات الجيزة لتحكم فيها من جديد هيئة أخرى. ومحكمة الإعادة - بهيئة أخرى - قضت حضورياً في...... عملاً بالمواد 45، 46/ 1، 234، 252 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 17 من ذات القانون بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة، وإحالة الدعوى المدنية إلى محكمة الجيزة الابتدائية لنظرها بعد أن استبعدت ركني سبق الإصرار والترصد.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض (للمرة الثانية)... إلخ.


المحكمة
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجناية القتل العمد المقترن بجناية شروع فيه وبجناية الحريق العمد قد شابه القصور والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ذلك بأنه دلل على توافر نية القتل بما لا يسوغ سنداً لقيامها، كما أعمل في حق الطاعن حكم المادة 32 من قانون العقوبات وأوقع عليه عقوبة الجريمة الأشد دون أن يفصح عن هذه الجريمة أو يشير إلى تلك المادة. يضاف إلى ذلك أن الحكم استبعد ظرف سبق الإصرار ولم يورد الأسباب التي دعته إلى ذلك. كما أشار إلى استبعاد ظرف الترصد على الرغم من أن التهمة التي رفعت بها الدعوى لم تكن مقرونة به. هذا إلى أن الحكم استخلص دون سند من أقوال الشهود أن الطاعن اعتدى على المجني عليها.... ورتب على ذلك إدانته على الرغم من أن أحداً لم يشاهد واقعة الاعتداء عليها. هذا بالإضافة إلى أن المدافع عن الطاعن دفع ببطلان الاعتراف المعزو إلى الطاعن لكونه وليد إكراه وقع عليه بيد أن الحكم رد على الدفع بما لا يصلح رداً. كما التفت الحكم عما أثاره من تناقض الاعتراف مع التقرير الفني إذ ثبت خلو أظافر الطاعن من أية آثار لمادة بترولية. وأخيراً التفتت المحكمة عن إجابة الدفاع إلى طلب ضم تقرير فحص السكين المضبوطة لاستجلاء ما إذا كان قد استعمل في الحادث من عدمه، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال الشهود واعتراف المتهم ومما ثبت من تقريري الصفة التشريحية والمعمل الجنائي وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لنية القتل وأثبت توافرها في حق الطاعن في قوله "وحيث إن المتهم استعمل آلة تحدث القتل بطبيعتها وطعن بها المجني عليها...... وظل يطعنها قاصداً من ذلك إزهاق روحها ولم يتركها إلا بعد أن سقطت أرضاً وانفجرت الدماء من بطنها وتشير مظاهر الواقعة إلى أنه قصد إزهاق روح المذكورة وكذلك الأمر بالنسبة لشقيقتها..... فقد طعنها بالسكين ولما هربت إلى الحمام لتحتمي به لاحقها وعاجلها بالطعن بالسكين ولم يتركها إلا بعد أن تصنعت الموت فاعتقد أنها زهقت الروح ثم أشعل النار في الشقة حتى تتلاشى معالم جريمته بعد أن تأكد من موتها الأمر الذي يقطع بأن نية المتهم انصرفت عمداً إلى إزهاق روح المجني عليها. حيث إن المتهم حين قصد إزهاق روح المجني عليها..... ولما فرغ منها تفرغ إلى إزهاق روح......". وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك - بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذه النية موكل إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية. وما دام الحكم قد دلل على قيام هذه النية تدليلاً سائغاً فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتبر الجرائم التي قارفها الطاعن والمستوجبة لعقابه قد ارتكب لغرض واحد وأعمل في حقه المادة 32 من قانون العقوبات فقضى عليه بعقوبة واحدة هي المقررة لأشد تلك الجرائم فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً، ولا ينال من سلامته إغفاله ذكر تلك المادة أو إغفاله تعيين الجريمة الأشد. لما كان ذلك وكان من المقرر أن المصلحة شرط لازم في كل طعن، فإذا انتفت لا يكون الطعن مقبولاً، وكان لا مصلحة للطاعن فيما يثيره في شأن استبعاد الحكم ظرفي سبق الإصرار والترصد ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكانت العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته. ولا يشترط أن تكون الأدلة التي يعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، كما لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج بما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات، ولما كان الحكم المطعون فيه قد اقتنع من أقوال شهود الإثبات والوقائع التي ثبتت لديه والقرائن التي استخلصها أن الطاعن قد قتل المجني عليها فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه من النعي لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في شأن تصوير وقوع الحادث وحق محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى واستنباط معتقدها من الأدلة المطروحة عليها والتي لا يجادل الطاعن في أن لها أصلها من الأوراق وإطراح ما رأت الالتفات عنه مما لا تقبل مصادرتها فيه والخوض في مناقشته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم قد رد على ما أثاره المدافع عن الطاعن من بطلان الاعتراف في قوله: "وحيث إنه عن اعتراف المتهم وما أثاره الدفاع من أنه جاء وليد إكراه فهو دفاع خال من دليل عليه والمحكمة تلتفت عنه خاصة أن المتهم سرد تفصيل الواقعة وهو بإرادة حرة وجاء تصويره لها بما يتفق وماديات الجريمة وبما لا يخالف ما جاء على لسان المجني عليها...... وما جاء بتقرير الطب الشرعي عن الإصابات التي لحقت بالمجني عليهما ومن ثم فإن المحكمة تطمئن إلى سلامة اعتراف المتهم الذي جاء عن إرادة حرة واعية وجاء نصاً في اقتراف الجريمة". ولما كان الاعتراف في المواد الجنائية من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولها أن تأخذ به متى اطمأنت إلى سلامته ومطابقته للحقيقة والواقع، كما أن لها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه بغير معقب عليها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة، وكان الحكم المطعون فيه - على ما سلف بيانه - قد خلص في منطق سائغ وتدليل مقبول إلى إطراح الدفع ببطلان اعتراف المحكوم عليه لصدوره تحت تأثير الإكراه وأفصح عن اطمئنانه إلى صحة هذا الاعتراف ومطابقته للحقيقة والواقع، فإنه يكون قد برئ من أية شائبة في هذا الخصوص. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه ليس بلازم أن تتطابق أقوال الشاهد - أو اعترافات المتهم - ومضمون الدليل الفني على الحقيقة التي وصلت إليها المحكمة بجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع جوهر الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، ولما كانت أقوال الطاعن كما أوردها الحكم - والتي لا ينازع الطاعن في أن لها سندها من الأوراق - لا تتعارض بل تتلاءم مع ما نقله عن التقرير الفني، وكان الحكم قد خلا مما يظاهر دعوى الخلاف بين الدليلين القولي والفني، وكان ليس بلازم أن يورد الحكم ما أثاره الدفاع عن الطاعن من وجود تناقض بين الدليلين ما دام ما أورده في مدوناته يتضمن الرد على ذلك الدفاع، إذ المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد عليها على استقلال طالما أن الرد يستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ومن ثم يضحى ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص ولا محل له. لما كان ذلك، وكان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن لم يطلب من المحكمة ضم تقرير تحليل السكين المضبوط لاستجلاء ما إذا كان قد استعمل في الحادث أم لا، فليس له من بعد أن ينعى على المحكمة قعودها عن القيام بإجراء لم يطلبه منها أو الرد على دفاع لم يثر أمامها، ومن ثم يكون النعي في هذا المنحى في غير محله. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق