الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 1 سبتمبر 2022

الطعن 392 لسنة 37 ق جلسة 19 / 4 / 1992 إدارية عليا مكتب فني 37 ج 1 أحزاب ق 4 ص 82

جلسة 19 من إبريل سنة 1992

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ إسماعيل عبد الحميد إبراهيم وعادل محمود زكي فرغلي وفريد نزيه تناغو وأحمد عبد العزيز أبو العزم - نواب رئيس مجلس الدولة. وحضور السادة الأساتذة: د/ طارق علي حسن - أستاذ الأمراض الباطنة ورئيس قسم الغدد الصماء بطب الأزهر. والسفير/ عمران الشافعي - السفير بالمعاش. والمهندس/ عبد الغني حسن السيد - رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للأشغال العامة. ومحي الدين صقر الشعراني - رئيس الشركة المصرية الفرنسية لمنتجات الطاقة المتجددة. وحسن محمد شبانة - مستشار الدكتور وزير التموين. من الشخصيات العامة.

------------------

(4)
الطعن رقم 392 لسنة 37 القضائية  (1)

أحزاب سياسية - شروط تأسيسها - التميز والتحديد.
المادة الرابعة من القانون رقم 40 لسنة 1977 بشأن نظام الأحزاب السياسية أوردت الشروط الواجب توافرها لتأسيس أي حزب سياسي - يتعين أن يتوافر: التميز الظاهر: ويتحقق ذلك إذا توافر للحزب طالب التأسيس خطة مستقبلة تأخذ بين الجماعة طبقاً لإمكانياتها الواقعية لتحقيق مطالبها الملحة والعامة وفقاً لما تتوجه إليه مطالبها سواء بتكثيف وحشد هذه الإمكانيات أو ترشيد استخدامها أو ابتداع الوسائل الممكنة لتكريسها وتهيئتها لتحقيق أهداف الحزب بما يحقق آمال الجماهير ومطالبها - التحديد: يتعين أن تكون برامج وأساليب الحزب محددة بمعنى أن تؤدي بطريقة منطقية ومعقولة إلى النتائج التي انتهت إليها ولا تتعارض إمكانية تحقيقها بصفة حتمية وظاهرة وقاطعة مع الناحية العلمية والفنية أو مع الغايات التي تستهدف تحقيقها - مؤدى ذلك: أن تكون برامج الحزب المخصصة لتحقيق أهدافه تضع خطة منطقية ومتميزة عما ورد في باقي الأحزاب الأخرى من خطط وبرامج على نحو يمكن معه استجلاء سمات الشخصية الحزبية ومنطلقاتها الفكرية المتميزة في معالجة مشاكل المواطنين - نتيجة ذلك: توافر مقومات الحزب السياسي - إذا كان الحزب مفتقراً أصلاً إلى تحديد هذه الخطط والبرامج - نتيجة ذلك: افتقاد الحزب لشرط التميز الظاهر الذي عناه الشارع في المادة الرابعة من القانون رقم 40 لسنة 1977 المشار إليه - مؤدى ذلك: يمتنع على الحزب مشروعية اللحاق بالأحزاب السياسية القائمة - أساس ذلك: عدم جدوى الحزب من الناحية السياسية والحزبية لفقدانه الأسس اللازمة لإضافة جديد إلى الحياة السياسية والدستورية والحزبية للبلاد - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأربعاء الموافق 2 يناير سنة 1990 أودع الأستاذ محمد أبو الفضل الجيزاوي المحامي بصفته وكيلاً عن السيد/........ وإلى عن نفسه وبصفته وكيلاً عن طالبي تأسيس الحزب الاشتراكي المصري قلم كتاب المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 392 لسنة 37 ق ضد السيد رئيس لجنة شئون الأحزاب السياسية، وذلك في القرار الصادر من اللجنة بجلسة 4/ 12/ 1990 بالاعتراض على تأسيس حزب سياسي باسم الحزب الاشتراكي المصري.
وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير طعنه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه واعتباره كأن لم يكن مع ما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام المطعون ضده بصفته بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقدم الأستاذ المستشار إسماعيل بريك مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني لهيئة مفوضي الدولة في الطعن ارتأى فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من لجنة شئون الأحزاب السياسية بتاريخ 4/ 12/ 1990 بالاعتراض على تأسيس الحزب الاشتراكي المصري وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات.
وقد عين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة المشكلة تطبيقاً لحكم المادة (8) من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية جلسة 9 مارس سنة 1991 حتى تم نظره بالجلسة المذكورة والجلسات التالية على النحو المبين بمحاضر الجلسات حتى تقرر حجزه للنطق بالحكم لجلسة 8/ 3/ 1992 وبالجلسة المذكورة تقرر مد أجل النطق بالحكم لجلسة 22/ 3/ 1992 ثم إلى 29/ 3/ 1992 ثم أعيد الطعن للمرافعة لتغيير التشكيل وبناء على طلب هيئة قضايا الدولة لتقديم دفاع هام حيث حجز لجلسة 12/ 4/ 1992 وتقدمت هيئة قضايا الدولة مرة أخرى في 15/ 4/ 1992 بمذكرة ذكرت فيها مجموع دفاعها السابق فضلاً عن ما عرضته من ضرورة أن تكون البرامج المقدمة من أي حزب مختلفة ومتباينة عن غيرها من الحلول التي تبناها باقي الأحزاب الأخرى وأن تكون هذه الحلول واضحة محددة على نحو يمكن معه تطبيقها عملياً وهذين الشرطين لا يتوافران في الحزب تحت التأسيس محل هذا الطعن فبرامجه ليست متميزة وهو يقوم على أماني وتصورات وأن تقرير هيئة مفوضي الدولة يخلط بين الهدف والوسيلة حيث ذهب تقرير المفوض إلى أنه يكفي أن يورد برنامج الحزب مبادئ عامة (أهداف) تاركاً التفاصيل وهي (الوسائل والحلول) لمرحلة مقبلة أي أنه من المتصور في تقرير هيئة مفوضي الدولة المودع بالطعن أن يخلو برنامج الحزب من تحديد الحلول العملية لمشاكل المجتمع في كافة المجالات عند تقديمه إذ من الممكن أن توضع هذه الحلول فيما بعد وهذا يتعارض مع ما اشترطه قانون الأحزاب من ضرورة انطواء برنامج الحزب على الأهداف والوسائل معاً ولا يخل ذلك من إمكانية تعديل هذه الأساليب مستقبلاً بما يتلاءم مع التغيرات المستمرة في ظروف التطبيق - كذلك يتعارض برنامج الحزب فما ذهب إليه من أخذه بنظام الحكم المحلي لتحقيق اللامركزية مع الدستور المصري الذي يأخذ في المادة (161) فيه بمبدأ الإدارة المحلية وليس بمبدأ الحكم المحلي الذي تبناه الحزب وأضافت المذكرة أنه لم يتسن الاطلاع على أسباب الحكم الصادر من هذا المحكمة بشأن حزب الشعب الديمقراطي للوقوف على ما أرساه الحكم من مبادئ مع الأهمية المتميزة للحكم في دعاوى طعون الأحزاب لما لها من تأثير على تشكيل الحياة السياسية والنيابية بالبلاد بل ويتعداه إلى سائر المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية وغيرها مما يتعين لإتاحة فرصة كاملة للدفاع للقيام بواجبه للحق والتاريخ وفيها صدر الحكم بعد أن أودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث عن طلب إعادة فتح باب المرافعة في هذا الطعن فإن سنده أهمية الأنزعه الخاصة بنشوء الأحزاب السياسية وتأسيسها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد وحاجة الدفاع عن لجنة شئون الأحزاب السياسية إلى إتاحة الفرصة لأداء واجباته في إيضاح وجه نظرها وأسانيدها.... إلخ.
ومن حيث إن المشرع قد راعى في أحكام قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977 هذه الطبيعة الهامة والخطيرة للمنازعات في تأسيس الأحزاب السياسية فنظم لجنة يقدم إليها المؤسسون طلبات التأسيس لدراستها وفحصها والتحقق من توفر الشروط التي يقتضيها القانون وأجاز أيضاً في ذات الوقت للمؤسسين باعتبارهم يرغبون مباشرة حق من الحقوق العامة الدستورية والأساسية للمصريين - يتمثل في تأسيس الأحزاب السياسية أن يطعنوا في قرار لجنة الأحزاب السياسية أمام هذه المحكمة بتشكيلها المتميز الذي راعى فيه المشرع طبيعة هذا النزاع وخطورته وقد نص صراحة في المادة (8) من القانون المذكور على أن تفصل المحكمة في الطعون خلال أربعة أشهر على الأكثر من تاريخ إيداع عريضته، كما نص المشرع كذلك رعاية لطبيعة هذا الحق العام للمصريين وأهميته السياسية والدستورية على أن يتمتع الحزب بالشخصية الاعتبارية ويمارس نشاطه الحزبي والسياسي منذ انقضائه الفترة المحددة للاعتراض عليه دون أن يتم إخطار المؤسسين بذلك بقرار مسبب أو من تاريخ صدور الحكم بوقف أو إلغاء القرار الصادر من لجنة شئون الأحزاب السياسية بالاعتراض على تأسيس الحزب.
ومقتضى ذلك أن المشرع يهدف بوضوح إلى ضرورة حسم المنازعات المتعلقة بتأسيس الأحزاب لكي لا يتأخر قيام أي حزب تتوفر فيه الشروط المقررة في أحكام الدستور والقانون بدون مبرر معقول.
ومن حيث إن الثابت أن الطعن الماثل قد انقضى عليه منذ إقامته في 2/ 1/ 1990 عدة سنوات وقد بدأ نظره منذ أكثر من عام أمام هذه المحكمة وتقرر فتح باب المرافعة بعد حجزه للحكم وقد أتيحت للطرفين الفرصة الكاملة لتقديم ما يشاؤون من دفع ودفاع - وقد انطوى طلب فتح باب المرافعة الأخير على تكرار لما سبق إبداؤه من دفاع يتعلق بعدم تميز برنامج الحزب تحت التأسيس وعدم تحديده وسائله وأساليبه ومخالفة مبدأ نظام الحكم المحلي لأحكام الدستور التي تقوم على الإدارة المحلية - ومن ثم فإن طلب فتح باب المرافعة المقدم من لجنة شئون الأحزاب السياسية في 15/ 4/ 1992 يكون بلا سند أو مبرر قانوني مقبول مما يتعين معه طرحه والالتفات عنه.
ومن حيث إن عناصر هذا الطعن تتحصل - حسبما يتضح من الأوراق - في أنه بتاريخ 31/ 7/ 1990 وجه الطاعن - عن نفسه وبصفته وكيلاً عن طالبي تأسيس الحزب الاشتراكي المصري إخطاراً كتابياً إلى المطعون ضده بطلب الموافقة على تأسيس الحزب المذكور، وأرفق بطلبه قائمتين بأسماء الأعضاء المؤسسين البالغ عددهم (153) عضواً منهم (101) من العمال والفلاحين، (52) عضواً من الفئات مصدق رسمياً على توقيعاتهم جميعاً، كما أرفق بطلبه برنامج الحزب مشتملاً على مبادئه، وأهدافه وبرامجه وأساليبه التي يراها محققه لأهدافه فضلاً عن لائحة نظامه الداخلي وقد عرض الإخطار بالطلب على لجنة شئون الأحزاب السياسية بجلسة 13/ 8/ 1990، وبجلسة 4/ 12/ 1990 أصدرت اللجنة قرارها المطعون فيه متضمناً الاعتراض على الطلب المقدم من الطاعن بتأسيس حزب سياسي باسم الحزب الاشتراكي المصري لعدم توافر - الشروط التي يتطلبها قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977 والقوانين المعدلة له وأقامت قرارها على أن برنامج الحزب يفتقد شرطي التميز والتحديد الذين أوجبهما القانون لقيام أي حزب سياسي.
وفي مجال الشرط الأول قررت اللجنة أن التميز الظاهر الذي اشترطه القانون في الأحزاب السياسية هو المغايرة الانفرادية بمعنى أن يكون للحزب في برامجه وسياساته وأساليبه ما ينفرد به لا يشاركه فيه كله أو بعضه حزب أخر، الأمر الذي لا يحققه، اقتباس الحزب لأجزاء من برامج وسياسات وأساليب أحزاب أخرى، ولا يسوغ القول بتحققه بمجرد عدم التطابق في هذه الأمور مع أي حزب على حدة، كما أن التميز لا يتحقق إذا كانت البرامج والسياسات والأساليب مجرد عموميات تضمنها عبارات إنشائية فضفاضة وذلك كله حسبما تكشف المناقشات التي دارت في مجلس الشعب عند نظر القانون رقم 40 لسنة 1977 وما أوردته المحكمة الدستورية في أسباب حكمها في الدعوى رقم (44) - لسنة 7 من أن المقصود بالمبادئ والمقومات والأهداف التي يلتزم بها الحزب هو الأيدولوجيات المشتركة التي يجمع عليها المؤسسون ويتخذونها أساساً لحركة الحزب وممارسته لنشاطه، وأضافت اللجنة أن القانون اشترط التميز لضمان أن يكون التعدد الحزبي جدياً، وأن ما أوضحه الحزب من أن برنامجه يتميز عن الأحزاب الأخرى بأمور سبعة فإنها أمور لا تحقق شرط التميز المطلوب وذلك على النحو التالي:
أولاً: بالنسبة لما دعا إليه الحزب في شأن تحقيق اللامركزية فهو أمر يوفره قانون الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979 وتعديلاته، أما ما يطالب به الحزب من انتخاب المحافظين ورؤساء الوحدات المحلية فتلك مسألة فرعية ومرحلية تحكمها ظروف المجتمع، ولا تميز في برنامج الحزب عند المطالبة بها.
ثانياً: وبالنسبة لما دعا إليه الحزب من إنشاء قضاء شعبي فهو تضمنته المادة (170) من الدستور بنصها على أن يسهم الشعب في إقامة العدالة... وقد طبقت حكومة الحزب الوطني هذا النص باشتراك شخصيات عامة في محكمة القيم ومحكمة الأحزاب.
ثالثاً: وأما عن إنتاج رغيف كامل المصرية بالاستغناء عن استيراد القمح بإنشاء بنك القمح فقد تضمنت أغلب الأحزاب دراسات في شأن زيادة القمح بينما لم يقدم الحزب الماثل أي تصور عن كيفية الوصول إلى هذه الغاية.
رابعاً: أما ما يدعو إليه الحزب تحت التأسيس من سيطرة الدولة على المصارف من خلال البنك المركزي فإن هذا أمر قائم بمقتضى القانون رقم 120 لسنة 1975 بشأن البنك المركزي والجهاز المصرفي والقانون رقم 50 لسنة 1984 في شأن أحكام قانون البنوك والائتمان.
خامساً: وبالنسبة لما قدمه الحزب من ضرورة الحد من سياسة البناء من أجل التمليك وقصرها في المجتمعات الجديدة على الحكومة وحدها فإن برامج الأحزاب الأخرى قد تضمنت تصورات أوسع للسياسة السكانية.
سادساً: أما المطالبة بألا تمارس النقابات والأندية والمؤسسات الاجتماعية العمل السياسي إلا عن طريق الأحزاب السياسية الشرعية، فقد أوجبتها المادة (56) من الدستور ولم يقل أحد بأن تكون الأندية أو النقابات مرتعاً للعمل السياسي.
سابعاً: أن ما يدعو إليه الحزب من عدم استغلال الدين في السياسة فهو أمر تنادي به الدولة كلها ويؤيده الجميع ولا يكسب البرنامج أي جديد يتميز به على الأحزاب الأخرى.
كما أن ما يدعو إليه الحزب من أن يكون نظام الحكم في الدولة برلماني قائم على التعددية الحزبية فهو أمر واقع يؤكده النظام الحالي القائم على التعددية الحزبية، هذا فضلاً عن أن ما قرره طالبوا تأسيس الحزب في برنامجه من أن الحل الاشتراكي للمشكلة الاقتصادية أمر حتمي تفرضه ظروف الواقع، وما يدعو إليه الحزب من رفع مستوى المستشفيات الحكومية وأن تكون التجارة الخارجية تحت الإشراف الكامل للشعب، وأن يختص القطاع العام بنسبة 75% وأن تكون الملكية التعاونية بين من يمكنهم إدخال الميكنة الزراعية الجديدة وأن تكون الملكية الفردية لمن يزرع الأرض بنفسه، ولا يجوز التأجير لمن ليست الزراعة حرفته الوحيدة فكلها عبارات فضفاضة تفتقد إلى التحديد والثبات وبذلك يكون برنامج الحزب قد افتقد شرطين أساسيين من شروط قيامه هو التميز والتحديد.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن القرار المطعون فيه قد قام على غير أساس سليم من القانون خليقاً بالإلغاء وذلك للأسباب الآتية:
أولاً: أن الأصل في الدستور هو الحرية في إنشاء الأحزاب والانتماء إليها، إذ أن الإنسان لا يستطيع أن يمارس دوره في النقد والتوجيه والرقابة في المجتمع إلا من خلال الجماعة التي ينتمي إليها بفكره الحر ومن ثم كانت ضرورة الأحزاب التي تمثل المعارضة المستمرة في النظام الديمقراطي، ومن ثم فلا يجوز الادعاء بأن ما ورد في برامج الحزب هي أمور واردة في برامج الأحزاب الأخرى كالحزب الوطني الديمقراطي وحزب الأحرار وحزب التجمع إذ أن هذه الأحزاب جاءت في قيامها مخالفة لنصوص الدستور وما أجمع عليه في استفتاء 15/ 5/ 1974 من أنه ارتضى لنفسه نظام تحالف قوى الشعب العاملة إطاراً لحياته السياسية، لأن هذه الأحزاب ولدت بمقتضى قرار رئيس الجمهورية في 11 نوفمبر سنة 1976 ومن ثم تكون هذه الأحزاب الثلاثة قد ولدت منعدمة ولا يجوز المقارنة بها.
ثانياً: أنه من الضروري والطبيعي أن يتفق كل الأحزاب السياسية القائم منها وطالب التأسيس حول أمور غير مسموح دستورياً أو قانونياً الاختلاف حولها، ومن ثم فإن التمايز يكون محظوراً في غير هذه الأمور، والقانون لم يشترط التميز في الغاية أو المبادئ والأهداف لأنها في عموميتها قد تتطابق وجوباً، وإنما التمايز المشروط هو التمايز في برنامج الحزب وسياساته وأساليبه في تحقيق هذا البرنامج تمايزاً ظاهراً، وأن الثابت أن برنامج الحزب يتميز عن الأحزاب الأخرى فيما دعا إليه من تحقيق اللامركزية في إدارة شئون البلاد من خلال حكم يباشر فيه المواطنون إدارة شئونهم بأنفسهم، وإنشاء قضاء شعبي في الأحياء السكنية لفض المنازعات وإجراء المصالحات وتوفير رغيف مصري 100% للخروج من نطاق التبعية الاقتصادية، وإلغاء سياسة البناء من أجل التمليك، يضاف إلى ذلك التميز الظاهر في النظام الداخلي من النزول بالتشكيلات حتى مسئول الشارع ومسئول العمارة وتشكيل حكومة ظل، وتشكيل لجان الأحزاب على مستوى المناطق والأقاليم.
ثالثاً: أن التحديد الذي تتطلبه لجنة الأحزاب أمر لا يتسنى تحقيقه عملاً، إذ كيف يمكن لأي حزب أن يضع برنامجاً تفصيلياً محدداً تحديداً قاطعاً وهو خارج الحكم، كما لم يقل حزب آخر بإنشاء بنك للقمح، وأن ما جاء ببرامج الأحزاب الأخرى بشأن السياسة السكانية هو عبارة عن تصورات غير محددة بعكس ما جاء في البرنامج من الدعوة إلى إلغاء سياسة البناء من أجل التمليك وإلغاء التأجير المفروش حماية للقيم والأخلاق.
ومن حيث إن هذه المحكمة بتشكيلها المتميز الذي حددته المادة 8 من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية المعدل بالقانونين رقمي 144 لسنة 1980، 124 لسنة 1983 إنما تلتزم في أعمال رقابتها على القرار الصادر من لجنة شئون الأحزاب بالاعتراض على تأسيس الحزب بأحكام الدستور والقانون، ويقتضي ذلك ابتداء تحديد دور هذه اللجنة في أداء مهمتها الواردة بالقانون والإمكانيات التي أتيحت لها في بسط رقابتها القانونية على برامج الأحزاب تحت التأسيس وذلك في ضوء أحكام مواد الدستور والمبادئ الدستورية العامة التي يتعين فهم وتفسر أحكامه في ظلها والأهداف والغايات القومية التي تسعى إلى تحقيقها، فقد أكدت وثيقة إعلان الدستور على أن جماهير شعب مصر هي التي قبلت وأعلنت ومنحت لنفسها الدستور، وقد انعقد عزمها على بذل كل الجهد لتحقق (أولاً) السلام القائم على العدل بحسبان أن التقدم السياسي والاجتماعي لكل الشعوب لا يمكن أن يتم إلا بحرية الشعوب وبإرادتها المستقلة (ثانياً) أن الوحدة العربية هي أمل الأمة العربية باعتبارها نداء تاريخ ودعوة مستقبل (ثالثاً) التطوير المستمر للحياة في الوطن إيماناً بأن التقدم لا يحدث تلقائياً أو بالوقوف عند إطلاقه الشعارات وإنما قوته الدافعة لتحقيقه في إطلاق جميع الإمكانيات والملكات الخلاقة والمبدعة للشعب (رابعاً) حرية الإنسان المصري عن إدراك بأن حرية الإنسان وعزته هي الشعاع الذي هدى ووجه مسيرة التطور الذي قطعته الإنسانية نحو مثلها العليا وأن كرامة الفرد انعكاس لكرامة الوطن، وأن سيادة القانون ليست ضماناً مطلوباً وحسب لحرية الفرد ولكنها الأساس الوحيد لمشروعية السلطة، ولا يمكن تفسير تلك المبادئ التي تضمنتها مقدمة الدستور الذي أقره الشعب في استفتاء عام تفسيراً سليماً إلا إذا تم استعراض تطور الحياة السياسية في مصر فيما قبل ثورة 23 يوليو 1952 وبعد هذه الثورة ويبين من الدراسة لما قبلها أنه لم يرد في دستور سنة 1882 أي نص إباحة أو حظر تكوين الأحزاب السياسية فهو بحكم نصوصه وظروف إصداره لم يتعرض إلا لنظام عضوية مجلس النواب واختصاصاته الدستورية وبعد الاحتلال البريطاني لمصر في صيف 1882 إلغي الدستور ووضع القانون النظامي على أساس تقرير اللورد دوفرين الذي جعل نظام الحكم المطلق بيد المعتمد البريطاني يمارسه بواسطة الخديوي ولم يتغير هذا الوضع في ظل القانون النظامي الصادر سنة 1913 في ظل الاحتلال، ولم يرد في دستور سنة 1923 أي نص صريح بإباحة تشكيل الأحزاب السياسية أو بتنظيم هذه الأحزاب، وقد ورد النص في هذا الدستور على كفالة حرية الرأي وأن لكل إنسان الإعراب عن فكره بالقول أو بالكتابة أو بالتصوير أو بغير ذلك في حدود القانون (م14) وعلى أن للمصريين حق الاجتماع في هدوء وسكينة غير حاملين سلاحاً (م200) - وعلى أن للمصريين حق تكوين الجمعيات مع حظر الجمعيات السرية أو ذات النظام العسكري وكيفية استعمال هذا الحق يحددها القانون (م31) ويطابق هذا النص ما ورد في دستور 1930 في المادة (21) منه كما أن المادة 14 سالفة الذكر من دستور سنة 1923 بشأن حق الاجتماع للمصريين مطابق لدستور سنة 1939 في المادة (20) منه وقد قامت معظم الأحزاب السياسية في مصر قبل صدور دستور سنة 1923 واستمرت قائمة بعده كما نشأت أحزاب أخرى بعد صدوره دون أن يجادل أحد في أن حق تكوين الجمعيات شامل لها بجميع أنواعها، وبينها الأحزاب السياسية وأنه حق متفرع كذلك عن حرية الاجتماع وحرية إبداء الرأي، وحق الترشيح وحق الانتخاب للمجالس النيابية وهي حقوق قررتها دساتير سنة 1923، سنة 1930، ولم يصدر قانون لتنظيم الأحزاب السياسية بعد صدور الدستور سنة 1923 وقبل قيام ثورة يوليو 1952 ليضع القواعد الكفيلة لتحقيقها لأهدافها السياسية في خدمة الشعب، وبعد أن قامت ثورة 23 يوليو 1952 وأعلنت مبادئها الستة المعروفة وبينها "إتاحة حياة ديمقراطية سليمة" صدر في سبتمبر 1952 المرسوم بقانون رقم 179 لسنة 1952 بتنظيم الأحزاب السياسية وقد استهدف هذا المرسوم إتاحة الفرصة للأحزاب السياسية القائمة لتنظيم نفسها وتطهير صفوفها بما يزيل عيوب تعددها وتفتتها عن غيرها من الأحزاب التي نشأت قبل المرسوم بقانون رقم 179 لسنة 1952 وتأثير ذلك على الوحدة الوطنية وصلابتها مع التقرير في المادة الأولى منه بحرية المصرين في تكوين الأحزاب السياسية والانتماء إليها وفي 17 يناير سنة 1953 أصدر القائد العام للقوات المسلحة بصفته رئيساً لحركة الجيش إعلاناً دستورياً انتهى فيه إلى إعلان فترة انتقال لمدة ثلاث سنوات حتى تتمكن الثورة من "إقامة حكم ديمقراطي دستوري سليم مع حل الأحزاب السياسية اعتباراً من هذا التاريخ ومصادرة جميع أموالها لصالح الشعب، وقد أبان هذا الإعلان الدستوري أن الأساس الذي ذهب إليه في حل الأحزاب السياسية القائمة هو الحفاظ على الوحدة الوطنية في مواجهة الاحتلال الأجنبي ومنع التأثير الأجنبي على الحياة السياسية المصرية الوطنية من خلال التحالف أو الاتصال بين الأحزاب والدول الأجنبية المختلفة - وصدر عقب ذلك المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1953 وقد قام هذا المرسوم بقانون على عدة مبادئ أساسية بينها حظر مباشرة أي نوع من النشاط الحزبي على أعضاء الأحزاب السياسية المنحلة والمنتمين إليها وتحريم تقديم أية مساعدة لهؤلاء الأشخاص في سبيل قيامهم بمثل هذا النشاط (م2) وحظر قيام أية أحزاب سياسية جديدة، مع إلغاء المرسوم بقانون رقم 179 لسنة 1952 بتنظيم الأحزاب السياسية (م6)، وفي 10 من فبراير سنة 1953 صدر إعلان دستوري تضمن المبادئ الأساسية للحكم في المرحلة الانتقالية المؤقتة السابق إعلانها وصدر مرسوم بقانون رقم (36) لسنة 1953 في شأن التدابير المتخذة لحماية حركة 23 يوليو سنة 1952 والنظام القائم عليها وقد قضت أحكامه باعتبار كل تدبير اتخذ خلال سنة من 23 يوليو سنة 1952 - بقصد حماية هذه الحركة والنظام القائم عليها من أعمال السيادة - وإثر إلغاء الأحزاب السياسية أنشأ النظام الحاكم (هيئة التحرير) وكانت طبقاً لنظامها الأساسي "تجميعاً شعبياً ووطنياً هدفه توحيد جهود المواطنين بكافة طوائفهم وفئاتهم ونزعاتهم لتحقيق الهدف الأول من أهداف ثورة 23 يوليو سنة 1952 وهو إجلاء المستعمر الأجنبي عن البلاد، واستمرت هذه الهيئة حتى صدر دستور سنة 1956 الذي تضمن النص في أحكامه الختامية والانتقالية على إنشاء اتحاد قومي يهدف إلى بناء البلاد بناءاً سليماً من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية ومنح هذا الاتحاد الاختصاص في الترشيح لعضوية مجلس الأمة وترك الدستور المذكور تنظيم هذا الاتحاد لقرار يصدره رئيس الجمهورية وبعد صدور الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة خلال الوحدة مع سوريا تضمن نص المادة (72) الذي قضى بأن يكون المواطنون في إقليمي الجمهورية اتحاداً قومياً للعمل على تحقيق الأهداف القومية، وذلك لتحقيق ذات أهداف الاتحاد القومي المصري في الإقليمين وتنظيم أمور هذا الاتحاد بقرار من رئيس الجمهورية، وبعد إعلان الميثاق الوطني سنة 1962 وصدور دستور سنة 1964 نصت المادة (3) منه على أن "الوحدة الوطنية التي يصنعها تحالف قوى الشعب العاملة المختلفة للشعب العامل وهي الفلاحون والعمال والجنود والمثقفون والرأسمالية الوطنية، هي التي تقيم الاتحاد الاشتراكي العربي ليكون السلطة الممثلة للعشب والرافعة لإمكانات الثورة والحارسة على قيم الديمقراطية السليمة".
ثم صدر بيان 30 مارس سنة 1968 بعد هزيمة يوليو سنة 1967 وتضمن أن من أسباب الهزيمة الرئيسية إهدار سيادة القانون وانعدام الديمقراطية في ظل سيطرة مراكز القوى على الاتحاد الاشتراكي العربي، وعلى السلطة في البلاد، ومع تأكيد البيان على صيغة الاتحاد الاشتراكي العربي فقد أرجع المشاكل الناتجة عن وجوده إلى عدم قيامه على الانتخاب الحر من القاعدة إلى القمة".
وبعد أن أعلن في 15 مايو سنة 1976 إزاحة مراكز القوى المتسلطة على الشعب بدأ الإعداد للتصحيح الكامل لمسار ثورة 23 يوليو سنة 1952 بوضع مبدأها السادس وهو إقامة الحياة الديمقراطية السليمة موضع التطبيق والتنفيذ فبدأ الإعداد لوضع دستور دائم للبلاد وإزالة التناقض المصطنع بين الحرية السياسية ومصالح الأغلبية العظمى من الشعب، والذي افتعلته مراكز القوى للانفراد بالسلطة والتحكم في مصير الدولة وتحقيق أطماعها ونزواتها ومصالحها الذاتية، وفتح الطريق أمام الديمقراطية باعتبارها الضمان الوحيد ضد ظهور مراكز القوى وضد الشللية وضد الولاء للفرد أو لمجموعة من قليل من الأفراد وإثر ذلك صدر دستور 1971 القائم بعد موافقة الشعب عليه في الاستفتاء العام في 11 من سبتمبر 1971 متضمناً النص في المادة الثالثة منه على أن "السيادة للشعب وهو مصدر السلطات ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها ويصون الوحدة الوطنية على الوجه المبين في الدستور" ونص في المادة الخامسة على قيام الاتحاد الاشتراكي العربي والمبادئ الأساسية التي أصبحت تنظم وتحكم نشاطه وبينها مبدأ الديمقراطية وأفراد الدستور الباب الثالث للحريات والحقوق والواجبات العامة وتضمن النص في المواد (47)، (48) على حرية الرأي وحرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام ونص في المادة (54) على حق المواطنين في الاجتماعات العامة والمواكب الشعبية ونصت المادة (55) على حق المواطنين في تكوين الجمعيات على الوجه المبين في القانون وحظر في ذات الوقت إنشاء جمعيات يكون نشاطها معادياً لنظام المجتمع أو سرياً أو ذا طابع عسكري".
ثم صدرت بعد ذلك ورقة أكتوبر 1974 التي طرحت في استفتاء شعبي والتي تضمنت الاعتراف بأنه "إذا كانت ثورة يوليو 1952 قد أنجزت الكثير في الحرية الاجتماعية فإنه بكل أمانة لابد أن يسلم أن جانب الحرية السياسية لم يتحقق على الوجه الذي يريده الشعب بل لقد فرضت مراكز القوى وصايتها على الجماهير وتعددت القيود والإجراءات... إلخ"
"إنه لا معنى للحرية السياسية بالنسبة للجائع الذي يضطر لبيع صوته في الانتخابات.. وأيضاً فإنه لا جدوى للقمة العيش إذا فقد الإنسان أهم ما يميزه وهو الحرية السياسية. واليوم بعد انتصار أكتوبر وتأكيد وحدة الصف الوطني وارتفاع المواطنين إلى مستوى المسئولية، لابد أن يؤكد معنى الحرية السياسية جنباً إلى جنب مع الحرية الاجتماعية" وأن الديمقراطية "ليست مجرد نصوص ولكنها ممارسة عملية ويومية وأن الديمقراطية لا تمارس في فراغ بل لابد من إطارات تحدد من خلالها الاتجاهات التي تخص أمور الوطن السياسية والاقتصادية والاجتماعية... إلخ" وأننا نرفض الدعوة إلى تفتيت الوحدة والذي يفرض وصايته على الجماهير ويصادر حرية الشعب من ممارسة حريته السياسية..."
ولقد تضمنت ورقة تطوير الاتحاد الاشتراكي التي قدمها الرئيس الراحل أنور السادات في أغسطس 1974 أن نفي فكرة الحزب الواحد من الاتحاد الاشتراكي العربي لا يمكن أن يتم إلا بالتسليم بتعدد الاتجاهات داخله وأنه يتعين تحرير العضوية بالاتحاد من أن تكون شرطاً لأي منصب ووظيفة من جهة وتحرير فكر العضو إلا من المبادئ الأساسية الستة لثورة 23 يوليو ومواثيقها المتوالية - ثم بعد تشكيل لجنة مستقبل العمل السياسي برئاسة رئيس مجلس الشعب وعضوية عدد من أعضاء من النقابات المهنية والعمالية والتي تدارست الاتجاهات الأساسية للتطوير وأبدت أنها ثلاثة اتجاهات أولها يرى إنشاء منابر ثابتة داخل إطار الاتحاد الاشتراكي والثاني يذهب إلى إنشاء منابر متحركة داخل إطار هذا الاتحاد أما الثالث فيعتبر الاتحاد حزباً سياسياً للثورة يلتزم بمبادئها ومواثيقها ويقوم خارجه أحزاباً أخرى. وبعد تطوير نظام المنابر طالبت اللجنة البرلمانية للرد على بيان الحكومة بمجلس الشعب في تقرير لها في 23 من ديسمبر سنة 1976 بإعداد تشريع للأحزاب السياسية لأنه "قد صار ضرورياً أن يصدر مجلس الشعب قانوناً ينظم قيام الأحزاب وأسلوب إعلانها والضوابط الموضوعية التي تصاحب قيامها "وبناء على ذلك فقد صدر القانون رقم (40) لسنة 1977 بتنظيم الأحزاب السياسية وقد تضمن تقرير اللجنة التشريعية بمجلس الشعب عن الاقتراح بقانون المقدم منها بشأن نظام الأحزاب السياسية والاقتراحات بمشروعات القوانين الأخرى المقدمة من بعض أعضاء مجلس الشعب فيما يتعلق بدستورية قيام الأحزاب السياسية في ظل أحكام الدستور الصادر سنة 1971، وبصفة خاصة أحكام المادة الخامسة منه قبل تعديلها سنة 1980 - والتي كانت تنص على أن "الاتحاد الاشتراكي والتنظيم السياسي الذي يمثل بتنظيماته القائمة على أساس مبدأ الديمقراطية تحالف قوى الشعب العاملة للفلاحين والعمال والجنود والرأسمالية الوطنية وهو أداه هذا التحالف في تعميق قيم الديمقراطية والاشتراكية وفي متابعة العمل الوطني في مختلف مجالاته ودفع هذا العمل الوطني إلى أهدافه المرسومة.
ويؤكد الاتحاد الاشتراكي العربي سلطة تحالف قوى الشعب العاملة عن طريق العمل السياسي الذي تباشره تنظيماته بين الجماهير وفي مختلف الأجهزة التي تضطلع بمسئوليات العمل الوطني.
وبين النظام الأساسي للاتحاد الاشتراكي العربي شروط العضوية فيه وتنظيماته المختلفة وضمان ممارسة نشاطه بالأسلوب الديمقراطي على أن يمثل العمال الفلاحين في هذه التنظيمات بنسبة خمسين في المائة على الأقل" - أوردت اللجنة في تقريرها أن "نص المادة (55) من الدستور المتعلق بحق تكوين الجمعيات وإن كان يقرر المبدأ الدستوري عن حق المصريين في تكوين أي نوع من الجمعيات بما في ذلك الجمعيات السياسية، إلا أنه لا يمكن مباشرة هذا الحق إلا بصدور القانون الذي ينظم
كل نوع من أنواع هذه الجمعيات، وبالنسبة للأحزاب كجمعيات سياسية فإنه يتعين صدور القانون المنظم للأحزاب السياسية، حتى يمكن مباشرة الحق الدستوري الذي تضمنه النص طبقاً للقواعد التي يبينها هذا القانون وأساس ذلك ما يلي:
(أ) أن الحزب السياسي لا يعدو كونه جماعة منظمة أو جمعية منظمة أو تنظيماً لمجموعة من المواطنين يعملون كوحدة سياسية بتجميع الناخبين والحصول على تأييدهم لأهداف وبرامج تتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد، ومن المسلمات في الفقه الدستوري المصري والمقارن ومن استقراء الدساتير المصرية السابقة ودساتير دول العالم على اختلاف نظمها واتجاهاتها السياسية والاجتماعية أن حق تكوين الأحزاب السياسية يعد حقاً من الحقوق الدستورية العامة المتفرعة على حق تكوين الجمعيات أو الجماعات ما دام أن الدستور لا يخص هذا الحق بنوع معين أو محدد منها ولا يحظر بالذات تكوين هذا النوع من الجمعيات السياسية أو يفرض فيه نظام الحزب الواحد كما أنه من المسلمات في هذا الفقه أن حق تكوين الجمعيات ومنها الأحزاب السياسية ينبثق عن الحقوق والحريات العامة التي تقررها الدساتير الديمقراطية بصفة أساسية، وهي حق الانتخاب والترشيح والاستفتاء وحرية إبداء الرأي والعقيدة السياسية بوسائل الإعلام المختلفة باعتبارها حقوقاً حريات حتمية يتعين الاعتراف بها نتيجة التسليم بأن السيادة للشعب وهي كذلك يترتب على التسليم بها حتماً التسليم بحق التجمع السياسي في صورة الأحزاب.
(ب) أن الفقرة الأولى من المادة (55) من الدستور قررت الحق للمصريين في تكوين الأحزاب طبقاً للقانون - وفي ذات الوقت حظرت فقرتها الثانية تكوين الجمعيات ذات النشاط المعادي لنظام المجتمع والجمعيات السرية أو ذات الطابع العسكري، ولم يكن ثمة مبرر للنص في هذه الفقرة الثانية على هذا الحظر لهذا النوع من الجمعيات وهي بالضرورة جمعيات سياسية إلا لو كان تعبير الجمعيات في الفقرة الأولى من النص مقصوداً به كل أنواع الجمعيات بما في ذلك الجمعيات السياسة أي الأحزاب - يؤكد ذلك أن النص الذي عرض في الأعمال التحضرية للدستور للمادة (55) كان يقضي بأن "للمواطنين حق تكوين الجمعيات بقصد تنمية النشاط السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي لقوى الشعب العاملة. والجمعيات السرية محظورة وكذلك الجمعيات التي تسعى بطريق غير مباشر إلى أهداف سياسية عن طريق تشكيلات ذات طابع عسكري" وقد عدلت صياغة النص على النحو الذي ورد بالدستور ولم يطرأ على عبارات النص ما يغير المعنى المقصود بعباراته في فقرتيه الأولى والثانية إذ أن ارتباط هاتين الفقرتين يحتم فهم نص المادة في صياغتها الأخيرة بما يشمل الأحزاب السياسية ولكن ما أضيف إلى الفقرة الأولى من النص على أن ممارسة حق تكوين الجمعيات يكون طبقاً للقانون، هو الذي جعل هذا الحق معلقاً على صدور القوانين التي تنظم الأنواع المختلفة منها وبينها قانون الأحزاب السياسية ويقتضي اشتراط الفقرة الأولى من المادة (55) من الدستور صدور القانون المنظم للأحزاب السياسية لقيامها - أن المشرع الدستوري قد ترك أمر تقدير ملائمة صدور هذا القانون للمشرع العادي فما لم يصدر قانون بنظام الأحزاب السياسية فإنه لا يمكن دستورياً قيام هذه الأحزاب ومن ثم فإن حق المصريين في تكوين الأحزاب يكون مستمداً بصورة صريحة من المادة (55) من الدستور... إلخ.
(جـ) أن العرف الدستوري قد جرى في مصر باستقرار ودون أية شبهة على التسليم بحق المصريين في تكوين الأحزاب السياسية حتى في ظل الدساتير التي صدرت خلال فترة الاحتلال والإدارة الأجنبية للبلاد وعندما صدر مرسوم سنة 1952 بشأن تنظيم الأحزاب السياسية سالف الذكر أصبح لا يمكن مباشرة الحق الدستوري إلا في نطاقه ثم صدر المرسوم رقم 37 لسنة 1953 الذي قرر صراحة حل الأحزاب السياسة القائمة وحظر تشكيل الأحزاب السياسية أو ممارسة أي نشاط حزبي ولم يرد في أي من الدساتير التي صدرت بعد الثورة في السنوات سنة 1956، 1958، سنة 1964، ولا في دستور سنة 1971 - كما سبق القول أي نص على أن الاتحاد الاشتراكي العربي هو التنظيم السياسي الوحيد في البلاد، ولا أي نص على حظر تكون الأحزاب السياسية بل ورد في كل من هذه الدساتير النص على حق المصريين في تكوين الجمعيات طبقاً للقانون الذي يصدر بتنظيمها.
(د) أن العرف التشريعي بعد الثورة سواء قبل سنة 1971 وما بعدها قد جرى على أن الحائل دون قيام الأحزاب ليس حائلاً دستورياً ولكنه قانوني متمثل في:
(أولاً) أحكام المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1952 بشأن حل الأحزاب السياسية.
(ثانياً) عدم صدور قانون تنظيم لهذه الأحزاب باعتبارها نوعاً من الجمعيات التي لا يمكن مباشرة الحق في إنشائها وتكوينها إلا طبقاً للقانون وذلك بعد إلغاء القانون رقم 79 لسنة 1952 بتنظيم الأحزاب.
(ثالثاً) صدور القانون رقم 34 لسنة 1972 بحظر تكوين أية تنظيمات سياسية خارج الاتحاد الاشتراكي العربي والنص لأول مرة صراحة على أنه التنظيم السياسي الوحيد بالبلاد.. إلخ
(هـ) كان ثمة رأي في لجنة نظام الحكم التي كانت مكلفة بإعداد نصوص الدستور الحالي يرى عدم إيراد نص في الدستور عن الاتحاد الاشتراكي ذاته اكتفاء بالنص على حرية المواطنين في تكوين الجمعيات باعتبارها تشمل هذا التنظيم السياسي ذاته ورغم أنه لم يؤخذ بهذا الرأي من غالبية أعضاء اللجنة التي انتهت إلى وضع نص في الدستور عن الاتحاد الاشتراكي (م5) فإن ذلك لم يكن أساسه أن حق تكوين الجمعيات لا يدخل فيها الجمعيات السياسية أي الأحزاب السياسية ولكن لأن ثمة مسائل أساسية وجوهرية تتعلق بالحقوق والحريات العامة للمواطنين وهي الأساس الجوهري لتنظيم وكيان الاتحاد الاشتراكي ذاته لما كان يقوم عليه من التعبير عن تحالف قوى الشعب العاملة والوحدة الوطنية كأساسيين دستوريين للنظام السياسي في البلاد وهي لا يجوز تقريرها على نحو مشروع إلا بنص في الدستور فصدر متضمناً نص المادة (5) منه على النحو سالف الذكر.
(و) أخذ المشرع بهذا النظر الدستوري السديد في المادتين الأولى والثانية من القرار بقانون رقم 2 لسنة 1977 بشأن حماية حرية الوطن والمواطن وقضت المادة الأولى منه بأن حق تكوين الأحزاب مكفول طبقاً لما ينص عليه القانون الخاص بإنشاء الأحزاب حال صدوره من السلطة التشريعية أي أن الحق في إنشاء الأحزاب السياسية معلق بصدور القانون المنظم لها حسبما تستلزم ذلك المادة (55) من الدستور وتنص المادة (2) على أن التنظيمات السرية والتنظيمات المعادية لنظام المجتمع محظورة وهذا الحظر هو ذاته الحظر الوارد في الفقرة (2) من المادة (55) من الدستور فأساس حرية تكوين الأحزاب السياسية إذن في نظر القانون رقم (2) لسنة 1977 والذي وافق عليه الشعب في الاستفتاء هو نص المادة (55) من الدستور التي قررت للمواطنين حق تكوين الجمعيات السرية ماعدا الجمعيات السرية أو المعدالة لنظام المجتمع أو ذات الطابع العسكري وهي ذاتها شاملة للتنظيمات الحزبية المحظورة طبقاً للمادة (2) من القرار بقانون المذكور...... إلخ،"
وبمناسبة افتتاح دور الانعقاد الأول لمجلس الشعب سنة 1979 أعلن رئيس الجمهورية بناء على ما سبق أن تضمنه تقرير لجنة تطوير العمل السياسي قراراً سياسياً بأن تتحول التنظيمات التي كانت قد تكونت كمنابر داخل الاتحاد الاشتراكي العربي إلى أحزاب سياسية بالمعنى الدقيق وفي 3 فبرار سنة 1977 صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 2 لسنة 1977 السالف الإشارة إليه استناداً لحكم المادة (74) من الدستور وبناء على ما سلف ذكره صدر في 2 يوليو سنة 1977 القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية والذي أصبح نافذاً اعتبارا من 7 يوليو سنة 1977 ونص في المادة (30) منه على أن تستمر قائمة التنظيمات الثلاثة الحالية وهي:
1 - حزب مصر العربي الاشتراكي 2 - حزب الأحرار الاشتراكيين 3 -حزب التجمع الوطني التقدمي....
ونصت المادة الأولى منه على أن للمصريين حق تكوين الأحزاب السياسية ولكل مصري الحق في الانتماء لأي حزب سياسي وذلك طبقاً لأحكام هذا القانون، ونصت المادة الثانية على تعريف الحزب السياسي بأنه "كل جماعة منظمة تؤسس طبقاً لأحكام هذا القانون وتقوم على مبادئ وأهداف مشتركة وتعمل بالوسائل السياسية الديمقراطية لتحقيق برامج محددة تتعلق بالشئون الاقتصادية والاجتماعية للدولة وذلك عن طريق المشاركة في مسئوليات الحكم" وحددت المادة الثالثة دور الأحزاب السياسية بالنص على أن "تسهم الأحزاب السياسية التي تؤسس طبقاً لأحكام القانون في تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للوطن على أساس الوحدة الوطنية وتحالف قوى الشعب العاملة والسلام الاجتماعي والاشتراكية الديمقراطية والحفاظ على مكاسب العمال والفلاحين وذلك كله على الوجه المبين بالدستور، وتعمل هذه الأحزاب باعتبارها تنظيمات وطنية وشعبية وديمقراطية على تجميع المواطنين وتمثيلهم سياسياً، وفصل القانون المذكور الأحكام الخاصة بشروط تأسيس الأحزاب السياسية واستمرارها وانقضائها، وأنشأ لجنة خاصة لشئون الأحزاب تقدم إليها طلبات تأسيس الأحزاب، ولها حق الاعتراض عليها بقرار مسبب، إذا كان قيامها يتعارض مع أحكام القانون.
وفي 11 إبريل سنة 1979 نشر قرار رئيس الجمهورية رقم 157 لسنة 1979 بدعوة الناخبين إلى الاستفتاء حيث تضمن الموضوعات المحدد طرحها للاستفتاء الشعبي ومنها ما ورد تحت البند ثانياً الخاص بإعادة تنظيم الدولة على الأسس التالية تدعيماً للديمقراطية 1 - .......... 2 - إطلاق حرية تكوين الأحزاب السياسية..." وبعد موافقة الشعب على ما طرح في الاستفتاء فقد تم تعديل المادة (5) من الدستور على مقتضى نتيجة الاستفتاء الذي تم في 22 مايو 1980 فأصبح نصها يجري على الوجه الآتي:
"النظام السياسي في جمهورية مصر العربية يقوم على أساس تعدد الأحزاب وذلك في إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور وينظم القانون الأحزاب السياسية".
ومن حيث إنه يبين من العرض المتقدم أن أحكام القانون رقم (40) لسنة 1977 قد صدرت في ظل ما قررته أحكام الدساتير المصرية المتعاقبة ومنها دستور سنة 71 من حق المصريين في تكوين الجمعيات بما يشمل الجمعيات السياسية أو الأحزاب - بشرط ألا تكون معادية لنظام المجتمع أو تقوم على تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية، وبناء على الحريات العامة المقررة في هذه الدساتير، ومنها ذات الدستور الحالي والتي تقضي صراحة بحرية الرأي والتعبير بكل وسائل النشر العلنية عن الرأي، وحق الاجتماع والتظاهر وسير المواكب الجماهيرية السلمية في إطار القانون، وفي إطار عدم وجود حظر في الدستور ذاته لوجود تنظيم سياسي أو حزب سياسي بناء على هذا الحق المكفول للمصريين بجانب الاتحاد الاشتراكي الذي لم ينص ذات الدستور على كونه التنظيم السياسي الوحيد دستورياً وأن قيام الأحزاب بناءاً على كونها حق عام للمصريين كان معلقاً على إزالة الحظر القانوني الذي فرض انفراد الاتحاد الاشتراكي بالساحة السياسية، وفور صدور القانون الذي ينظم كيفية قيام الأحزاب كجماعات سياسية إعمالاً لنص المادة (55) من الدستور، وليس في تعديل أحكام الدستور التي أقامت النظام السياسي على أساس تعدد الأحزاب جديد في شأن إطلاق حرية كل من الأحزاب السياسية الانتماء إليها دستورياً بل إن ذلك مجرد تأكيد لهذا الحق الدستوري للمصريين وإن صدرت صريحة هذه الأحكام في تاريخ لاحق على صدور قانون الأحزاب تحقيقاً للإرادة الشعبية التي أفصحت عنها جموع الشعب في الاستفتاء على القانون رقم (2) لسنة 1977 في شأن تعدد الأحزاب السياسية وإطلاق حرية تكوينها، ولا يعدو النص عليها أن تكون تسجيلاً لهذه الإرادة فيما سبق أن أفصحت عنه في الاستفتاء المشار إليه والتي أقرت ضمناً قيام الأحزاب التي كانت قائمة من قبل صدوره منابر وهي "حزب مصر الاشتراكي العربي" الحزب الوطني الديمقراطي "وحزب الأحرار الاشتراكيين" "وحزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي" وفي ضوء هذه الأحكام التي لم يضف إليها تعديل الدستور على الوجه المتقدم ذكره إلا أنه لم يعد ممكناً قانوناً أن يقوم النظام السياسي المصري على نظام الحزب السياسي الواحد، أو التنظيم السياسي الواحد، ولم يعد ممكناً للمشرع العادي أن يحظر قيام الأحزاب أو يجعل حزب واحد بديلاً لها، وبذلك فإن تعدد الأحزاب وحرية تكوينها أو الانتماء إليها يكون هو الأصل العام الدستوري الذي يتلاءم صدقاً وحقاً مع النظام الديمقراطي الذي تأخذ به جمهورية مصر العربية وليس فقط لأن ذلك تنفيذاً لأحكام المادة الخامسة من الدستور بعد تعديلها بل لأن ذلك أصلاً حق متفرع على حق تكوين الجمعيات والحزب السياسي جمعية سياسية وبناء على ما نص عليه الدستور في المادة (47) من حرية الرأي والعقيدة وفي المادة (48) من حرية التعبير في جميع وسائل الإعلام والنشر، وتعد فرعاً من حق المساهمة في الحياة العامة التي نصت عليها المادة (62) في الدستور واعتبرتها واجباً وطنياً ونتيجة طبيعية لحق التظاهر وتسيير المواكب العامة تعبيراً عن الرأي السياسي، بل إن وجود الأحزاب وتعددها يعد في ذاته ضرورة نظام لاتصاله أوثق الصلة بسير المؤسسات الدستورية وطريقة اضطلاعها بالاختصاصات المقررة لها بمقتضى الدستور والقانون فرغم أن قانون الأحزاب السياسية قد صدر قبل تعديل الدستور، والنص صراحة في المادة (5) بعد تعديلها على التعددية الحزبية كأساس للنظام السياسي فإن واضعي القانون المشار إليه أقاموه على أساس أحكام من الدستور بحق وقد ارتكنوا - كما هو ظاهر من تقرير اللجنة التشريعية ومن مذكرته الإيضاحية - إلى النصوص الصريحة التي تقرر الحقوق والحريات العامة المقررة بالدستور ومنها حرية الرأي والعقيدة السياسية وحق الاجتماع وحق تكوين الجمعيات باعتبار أن تكون الأحزاب يعد حقاً دستورياً متفرعاً عنها مترتباً عليها، استناداً إلى النظم الديمقراطية التي تقوم على أساس سليم بقيام الأحزاب السياسية باعتبارها ضرورة واقعية للتعبير عن اختلاف الرأي الذي تحتمه طبيعتها الديمقراطية ولو لم ينص الدستور صراحة على حرية تكوين الأحزاب السياسية وتنظيمها وهذا ما ذهبت إليه كذلك المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 44 لسنة 7 ق.
ومن حيث إن القانون رقم 40 لسنة 1977 في شأن نظام الأحزاب السياسية قد نظم الأحكام الخاصة بشروط تأسيس الأحزاب السياسية واستمرارها وحلها وطريقة وصولها كحزب سياسي إلى الساحة السياسية وذلك بعد تحديد الأسس والمبادئ الأساسية لتنظيم الأحزاب السياسية التي تبناها المشرع حسبما هو ثابت من تقرير اللجنة التشريعية بمجلس الشعب والمذكرة الإيضاحية التي وضعت عن المشروع وباعتبار أن الأحزاب السياسية تعد ركناً جوهرياً لقيام الحياة الديمقراطية الصحيحة وهي هدف أساسي من الأهداف الستة لثورة 23 يوليو سنة 1952 "فوجود الأحزاب المتعددة البرامج والاتجاهات يحقق في الحياة السياسية المزايا الآتية:
(أولاً) تشجيع التجمع الإنساني بكل صوره لتحقيق أهداف مشتركة وبصفة خاصة التجمع السياسي... إلخ.
(ثانياً) إعطاء فرصة للمواطنين لاختيار برامج متعددة لأحزاب متنافسة على تحقيق آمالها... إلخ.
(ثالثاً) الحيلولة دون طغيان الحكومة وتحكمها واستبدادها لخضوعها لرقابة واعية ويقظة من أحزاب المعارضة.
(رابعاً) تحديد المسئولية الأساسية للحكومات المتعاقبة أمام مجلس الشعب حيث تكون كل حكومة مسئولة مسئولية سياسية أمام الشعب والحزب الذي تنتمي إليه عما نفذته من أعمال وسياسات خلال فترة توليها الحكم أمام الشعب، ويكون للشعب تجديد الثقة بالحزب الذي شكلت منه أو عدم تجديدها في الانتخابات العامة على ضوء ما حققته تلك الحكومة من سياسات وما التزمت به من رعاية مصالح الشعب العامة.
(خامساً) حماية السلام الاجتماعي بكفالة الانتقال الشرعي والسلمي بالطريق الديمقراطي للسلطة إلى الحكومة والبرلمان المشكلين من الحزب الذي يحوز ثقة الجماهير.. إلخ. وقد تضمن تقرير اللجنة إنه من المسلم به كثرة العيوب من تعدد الأحزاب السياسية "إذا ما ترك إنشاؤها وممارستها لنشاطها بلا ضوابط ولا قواعد مما يؤدي إلى إضرارها بالحياة الديمقراطية الصحيحة بل وإجهاض هذه الديمقراطية ومن العيوب المسلم بها في هذا الصدد:
(أولاً) التعدد غير الجدي.... إلخ.
(ثانياً) تهديد الوحدة الوطنية.. إلخ".
وقد أورد تقرير اللجنة المبادئ الأساسية الجوهرية التي قام عليها القانون رقم (40) لسنة 1977 والذي صيغت أحكامه تحقيقاً لها منها.
(ثالثاً) مبدأ جدية تكوين الأحزاب السياسية وذكرت اللجنة في تقريرها أن المقصود بذلك أن يكون قيام الحزب جدياً وممثلاً في اتجاه شعبي جدي وواقعي وليس مجرد وجود صوري لا يعبر إلا عن مؤسسيه ودون أن تكون له قاعدة جماهيرية واضحة ودون أن يكون لوجوده إضافة جدية للعمل السياسي، وقد تضمن المشروع الأحكام المتفرعة على هذا المبدأ متمثلة في ما يلي:
1 - ضرورة تميز الحزب تميزاً جوهرياً عن برامج الأحزاب القائمة وقت الإخطار عن تأسيس الحزب... أي أنه لا يشترط التميز في مبادئ وأهداف الحزب وذلك بقصد التيسير في شروط نشوء الأحزاب وذلك اكتفاء بتميز البرامج الخاصة بها لما في التزامها الوطني جميعها من تقيد بالمبادئ والأهداف العامة السالف ذكرها.
(رابعاً) حرية تكوين الأحزاب السياسية ويعني ذلك حرية أية جماعة سياسية منظمة في نطاق الجدية التي راعاها المشرع والشروط التي قررها في تأسيس أي حزب سياسي وأن يتم هذا التأسيس عن طريق الإخطار المقيد وليس عن طريق الترخيص وعدم تقييد نشوء الأحزاب في نصوص المشروع بأي عدد ما دامت يتوفر فيها الشروط الواردة في المشروع وقد تقررت هذه القواعد على النحو التالي في مواده... إلخ وبناء على هذه المبادئ والأسس التي أقامت بناء عليها اللجنة أحكام قانون الأحزاب السياسية فقد نصت المادة الرابعة منه على أنه "يشترط لتكوين أو استمرار أي حزب سياسي ما يلي:-
أولاً: عدم تعارض مقومات الحزب أو مبادئه أو أهدافه أو برامجه أو سياساته أو أساليبه في ممارسة نشاطه مع:
1 - مبادئ الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع. 2 - مبادئ ثورتي 23 يوليو 1952 و 15 مايو سنة 1971. 3 - الحفاظ على الوحدة الوطنية، والسلام الاجتماعي، والنظام الاشتراكي الديمقراطي، والمكاسب الاشتراكية.
ثانياً: تميز برنامج الحزب وسياساته أو أساليبه في تحقيق هذا البرنامج تميزاً ظاهراً عن الأحزاب الأخرى.
ثالثاً: عدم قيام الحزب في مبادئه، أو برامجه، أو في مباشرة نشاطه، أو اختيار قياداته أو أعضائه على أساس يتعارض مع أحكام القانون رقم (33) لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي.
رابعاً: عدم انطواء الحزب على إقامة أي تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية:
خامساً:...... سادساً........ سابعاً....... ثامناً..... تاسعاً.......
ونصت المادة السابعة على أنه "يجب تقديم إخطار كتابي إلى رئيس لجنة شئون الأحزاب السياسية المنصوص عليها في المادة التالية عن تأسيس الحزب موقعاً عليه من خمسين عضواً من أعضائه المؤسسين ومصدقاً رسمياً على توقيعاتهم على أن يكون نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين وترفق بهذا الإخطار جميع المستندات المتعلقة بالحزب".
كما نصت المادة الثامنة على أن "تشكل لجنة شئون الأحزاب السياسية على النحو التالي:
1 - رئيس مجلس الشورى رئيساً 2 - وزير العدل 3 - وزير الداخلية 4 - وزير الدولة لشئون مجلس الشعب 5 - ثلاثة من غير المنتمين إلى أي حزب سياسي أو من بين رؤساء الهيئات القضائية السابقين أو نوابهم أو وكلائهم...
وتختص اللجنة بالنظر في المسائل المنصوص عليها في هذا القانون، وبفحص ودراسة إخطارات تأسيس الأحزاب السياسية طبقاً لأحكامه....
وللجنة في سبيل مباشرة اختصاصاتها طلب المستندات والأوراق والبيانات والإيضاحات التي ترى لزومها من ذوي الشأن في المواعيد التي تحددها لذلك، ولها أن تطلب أية مستندات أو - أوراق أو بيانات أو معلومات من أية جهة رسمية أو عامة، وأن تجري ما تراه من البحوث بنفسها أو - بلجنة فرعية منها وأن تكلف من تراه من الجهات الرسمية بإجراء أي تحقيق أو بحث أو دراسة لازمة للتوصل إلى الحقيقة فيما هو معروض عليها"
ويجب أن يصدر قرار اللجنة بالموافقة على تأسيس الحزب مسبباً بعد سماع الإيضاحات اللازمة من ذوي الشأن".
ومن حيث إن مقتضى ما تقدم من نصوص قانون الأحزاب أن مهمة اللجنة وسلطاتها إزاء الأحزاب المزمع تأسيسها تتحدد في ضوء المبادئ الدستورية والقانونية سالفة البيان التي قررت أن تكوين الأحزاب حق عام للمصريين، ولهم حرية تكوين الأحزاب والانتماء إليها، بحيث جعل الشارع مسئولية كل جماعة في تكوين الحزب السياسي الذي ترتضيه منحصرة في التقدم بإخطار للجنة المذكورة وهي في طريق مرورها الطبيعي إلى ممارسة مهامها على الساحة السياسية، كما جعل مهمة اللجنة منحصرة في بحث أوراق الحزب وهو تحت التأسيس والتأكد من مدى توافر الشروط التي حددها الدستور والتي ورد تفصيلها في القانون في حقه وعليها في هذه الحالة ترك سبيل مسيرته السياسية الطبيعية نحو أهدافه التي حددها برنامجه الذي تتوافر فيه الشروط الواردة في القانون وعلى اللجنة الاعتراض على قيام الحزب قانوناً إذا ما تخلف في حقه شرط أو أكثر من الشروط التي اقتضاها الدستور والقانون، وفي هذه الحالة فإن عليها أن تصدر قرارها مسبباً بعد سماع الإيضاحات اللازمة من ذوي الشأن، وقد حتم المشرع سماع ذوي الشأن حرصاً على تحقيق دفاعهم وإيضاح مواقفهم وتوجيهاتهم أمام اللجنة لتبصيرها بأهداف وأغراض مؤسسي الحزب وبرامجه كما حرص على تسبيب قرار اللجنة باعتبارها تتصرف في إطار سلطة مقيدة بنص الدستور وأحكام القانون في مجال حرية من الحريات وحق من الحقوق العامة للمصريين الذي يعد أحد أركان النظام العام الدستوري والسياسي للبلاد ويخضع ما تقرره اللجنة للرقابة القضائية من هذه المحكمة التي شكلها المشرع بالتشكيل المتميز الذي يكفل لها إعمال هذه الرقابة على مدى سلامة قرار اللجنة ومطابقته لأحكام الدستور والقانون.
ومن حيث إنه قد حرصت نصوص القانون على تأكيد هذا المعنى عندما عبر المشرع في المادة السابعة عن الطلب المقدم بتأسيس الحزب بأنه إخطار أي بلاغ عن نية جماعة منظمة في ممارسة حقوقها الدستورية على الوجه الذي يكفله الدستور والقانون، وعبر عن سلطة اللجنة عند البت في إخطار التأسيس بعبارة الاعتراض على تأسيس الحزب مستبعداً بحق عبارات الموافقة أو الرفض... حريصاً على التأكيد على أن مهمة هذه اللجنة تقف عند حد فحص أوراق الحزب والتحقق من توافر الشروط الواردة في الدستور والقانون أو الاعتراض عليها، وفي هذه الحالة الأخيرة يتعين على اللجنة أن تصدر قرارها بالاعتراض مسبباً، فاللجنة تباشر سلطة مقيدة لا يسمح لها أن تقف حائلاً في سبيل ولوج أي حزب إلى ميدان السياسة، إلا إذا كان لديها من الأسباب الحقيقية والجوهرية وفقاً لما ورد بنص الدستور والقانون بما يبرر - إعلاء للشرعية واحتراماً لأحكام الدستور والمصالح القومية العليا السياسية والديمقراطية الشرعية للأمة - عدم السماح لمؤسسي الحزب بإقامته.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن لجنة الأحزاب السياسة قد أصدرت قرارها المطعون فيه بالاعتراض على الطلب المقدم من الطاعن بصفته بتأسيس حزب سياسي باسم حزب الشعب الديمقراطي وقد أقامت قرارها بالاعتراض على أنه لئن كان الحزب لا يتعارض في مبادئه وأهدافه مع ما أوردته المادة الرابعة من قانون الأحزاب السياسية في بندها الأول من أمور حاكمة، إلا أن ما أورده الحزب في شأن إطارات السياسات العامة لبرنامجه قد تضمن أموراً شتى جاءت كلها في أقوال عامة وعبارات مرسلة، فأصبحت أقرب ما تكون إلى الشعارات منها إلى سياسات محددة، وأن برامج الحزب التي ساقها تماثل كثيراً ما ورد في برامج الأحزاب القائمة وليس فيها من جديد يميزها عن الأحزاب الأخرى مما يفقد الحزب شرط التميز الظاهر، ويجعله مفتقراً إلى التحديد مغرقاً في الخيال والأوهام التي تستعصي على التطبيق العملي الأمر الذي يعد مخالفاً لحكم المادة الثانية من القانون المشار إليه.
ومن حيث إنه من بين الشروط والضوابط التي أوردها القانون رقم (40) لسنة 1977 لتأسيس الأحزاب السياسية أو استمرارها ما ورد بالبند (ثانياً) من المادة الرابعة التي تشترط لتأسيس الحزب أو استمراره "تميز برامج الحزب وسياساته أو أساليبه في تحقيق هذا البرنامج تميزاً ظاهراً عن الأحزاب الأخرى".
ومن حيث إنه لا شك أنه يتعين توافر هذا الشرط في كل حزب ضماناً للجدية التي تمثل مبدأ أساسياً من النظام العام السياسي والدستوري في تطبيق مبدأ تعدد الأحزاب السياسية وفقاً لأحكام الدستور وقانون تنظيم الأحزاب السياسية سالفة الذكر، وحتى يكون للحزب قاعدة جماهيرية حقيقية للعمل السياسي ببرامج وسياسات متميزة عن الأحزاب الأخرى وذلك حتى يكون للتعدد الحزبي جدوى سياسية محققة للصالح القومي بما تحققه من إثراء للعمل الوطني ودعماً للممارسة الديمقراطية تبعاً لاختلاف البرامج والاتجاهات المتعلقة بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمواطنين وتوسيعاً لنطاق المفاضلة بين الأحزاب السياسية أمامهم واختيار أصلح الأحزاب التي تتبنى أصلح الحلول وأنسبها لتحقيق المصالح العامة للشعب.
ومن حيث إن القرار المطعون فيه، وقد أقام اعتراضه على تأسيس الحزب على أساس تخلف شرط التميز الظاهر، ومن ثم فإنه يتعين استناداً إلى أحكامه الدستور وقانون الأحزاب السياسية وأعماله التنفيذية وضع معيار لتحديد هذا التميز الظاهر مانعاً من دخول صور أخرى غيره...
مستبعداً للخلط بين التميز الظاهر عن الأحزاب الأخرى، وبين الاختلاف والتعارض الكامل مع كل منها.
ومن حيث إنه يبين من التطور الدستوري والتشريعي لنظام الأحزاب السياسية في مصر ودور الأحزاب السياسية في ساحة العمل السياسي ومسئوليتها الدستورية والقانونية والسياسية نحو تعميق المفاهيم الديمقراطية ورعاية مصالح الجماهيرية لا باعتبارها حقاً يكفل الدستور والقانون ممارسته فحسب بل باعتباره واجباً وطنياً يتعين عليها القيام به في أكثر المجالات أهمية لاتصاله بمبدأ السيادة الشعبية أن الأحزاب السياسية القائمة منها والتي تطلب التأسيس تلتزم أساساً باحترام المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور والتي نظمها في الباب الثاني منه ممثلة في المقومات الاجتماعية والخلقية الواردة في الفصل الأول، والمقومات الاقتصادية الواردة في الفصل الثاني من الباب المذكور، وتلتزم تلك الأحزاب بألا تتعارض في مقوماتها أو مبادئها، أو أهدافها أو برامجها أو سياستها أو أساليب ممارستها لنشاطها مع مبادئ الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع، ومبادئ ثورتي 23 يوليو، و15 مايو سنة 1971، كما تلتزم بالحفاظ على الوحدة الوطنية، والسلام الاجتماعي، والنظام الاشتراكي الديمقراطي والمكاسب الاشتراكية على النحو المنصوص عليه في القانون رقم (40) لسنة 1977 المشار إليه، ومقتضى ذلك أن الدستور ومن بعده القانون قد تطلبا لزاماً اتفاق الأحزاب القائمة منها والتي تطلب التأسيس في أمور غير مسموح في شأنها بالاختلاف أو التميز دستوراً وقانوناً سواء في المبادئ والمقومات أو في الأساليب والسياسات، ومن ثم فإن دائرة التميز المطلوب كشرط لتأسيس الحزب المزمع قيامه سوف يكون دائماً خارج إطار تلك المبادئ والأهداف، الأمر الذي يؤدي إلى أن التماثل الذي قد يقترب من التطابق مفترض حتماً في تلك المبادئ والأهداف الأساسية التي تقوم عليها الأحزاب، ومع ذلك فإن عدم التميز أو التباين في هذا المجال الوطني والقومي لا يمكن أن يكون حائلاً دون تأسيس أي حزب، كذلك فإن التميز المطلوب قانوناً في حكم الفقرة الثانية من المادة الرابعة المشار إليه لا يمكن أن يكون مقصوداً الانفصال التام في برامج الحزب وأساليبه وسياساته عن برامج وأساليب الأحزاب الأخرى جميعها، فليس في عبارة النص المشار إليه، أو دلالته أو مقتضاه، ما يوحي بأن التميز يجب أن ينظر إليه بالمقارنة بما ورد ببرامج وسياسات الأحزاب الأخرى جميعها، ذلك أن الأخذ بمنطق هذا التفسير إلى منتهاه يفرض قيداً هو أقرب إلى تحريم تكوين أي حزب جديد ومصادرة حقه في ممارسة الحياة السياسية منه إلى تنظيم هذا الحق - كما أن الأخذ بهذا النظر يفرض أن هذه الأحزاب تمثل حزباً أو تنظيماً واحداً بحيث يجب أن يتميز عن الحزب طالب التأسيس، وهو ما يتعارض مع مبدأ التعدد الحزبي الذي يقوم عليه النظام السياسي وفقاً لصريح نص الدستور.
ومن ثم فليس المطلوب في التميز لبرنامج الحزب وسياساته أن يكون هناك تناقض واختلاف وتباين تام وكامل بينه وبين جميع الأحزاب الأخرى، بل إن هذا التميز يظل قائماً ومنتجاً لآثاره القانونية والدستورية ولو وجدت بعض أوجه التشابه بين برامجه أو أساليبه أو اتجاهاته مع الأحزاب الأخرى، فذلك أمر منطقي وطبيعي مرده إلى أن جميع الأحزاب تخضع لحكم عام واحد يمثل جانباً من النظام العام السياسي والدستوري للبلاد يلزمهم جميعاً وفقاً للمبدأ الأساسي لوطنية الأحزاب، بالمقومات الأساسية للمجتمع المصري التي تواضعت عليها الإرادة الشعبية واكتسبتها، وتمسكت بها من خلال تجاربها عبر العصور التي انصهرت في بوتقة التاريخ وكونت لها شخصيتها المصرية المتميزة المتعارف عليها بين الدول فكل حزب - إذا كان مصرياً - لابد أن يحمل على كاهله - وهو يعد برامجه وسياساته - تراث آلاف السنين وتجارب المصريين في صراعهم المستمر في سبيل الحياة وفي سبيل الحرية والتقدم وبناء مجتمع متطور يتمتع بالقوة والرفاهية وهذه التجارب والقيم الناتجة عنها قد أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الشخصية المصرية عند التعامل مع الأحداث والنوازل.... ووضع الحلول اللازمة للمشاكل التي يواجهها المجتمع مما يفرض فوراً وحتمياً عديداً من أوجه الشبه بين جميع الأحزاب المصرية حتى في وضعها للسياسات والبرامج الخاصة بكل منها وتنظيم مباشرة جهدها وقدرتها على مواجهة المشاكل، دون أن ينفي ذلك عن كل حزب شخصيته المتميزة التي تشكل منه إضافة لا تتكرر للحياة السياسية المصرية.
ومن ثم فإن التميز يكمن - صدقاً وحقاً - في تلك المقولات والتعبيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ترد في برامج الحزب وأساليبه وسياساته التي ارتضاها لنفسه ليكون ملامح شخصية حزبية متميزة - وتعبر عن توجه فكري مميز في مواجهة المشاكل العامة واختيار الحلول لها بين البدائل المتعددة في ظروف الحياة الواقعية السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمواطنين المصريين ينفرد به على باقي الأحزاب.. ويعرف به بينها بحيث لا يكون نسخة ثانية مقلدة من البرامج والسياسات التي يتبناها ويتميز بها حزب قائم بالفعل أو صورة مطابقة له، فالمحظور هو التطابق التام بين الحزب تحت التأسيس وأي من الأحزاب القائمة، إذ أن السماح لمثل هذا الحزب الذي يطابق غيره بالظهور على الساحة السياسية لا يشكل أية جدوى أو إضافة جديدة تثري العمل الوطني - وبناء على ما سلف جميعه فإن التميز بهذه المثابة يختلف عن الانفراد وعن الامتياز والأفضلية عن باقي الأحزاب، فالتميز الظاهر وهو مناط ومبرر شرعية وجود حزب جديد - لو توفرت باقي الشروط التي حتم توفرها الدستور والقانون - يعني ظهور ملامح الشخصية المتميزة للحزب تحت التأسيس وتفردها على باقي الأحزاب الأخرى، بينما الإنفراد يعني عدم تماثل أي أمر من أمور الحزب تحت التأسيس مع أي من الأحزاب القائمة وهو أمر يستحيل في ظل الدستور وقانون الأحزاب الحاليين وذلك لأن الأهداف والغايات الأساسية للمجتمع والأسس التي تمثل النظام العام الدستوري المصري يلتزم بها أي حزب وتنعكس بالتالي هذه الوحدة في النظام الجوهري للأسس المبدئية لأي من الأحزاب المصرية على أية برامج أو سياسات تصبها بما يحتم توفر قدر من الشبه أو التماثل في بعض هذه البرامج والسياسات دون بلوغ درجة التطابق أو الشبه والتماثل الكامل أو شبه الكامل الذي يفقد معه الحزب تحت التأسيس شخصيته المميزة، والتميز الظاهر الذي يبرر جدوى وجدية أهدافه وغاياته ويبرر وجوده في الحياة الدستورية والسياسية المصرية - ولما كان الامتياز والأفضلية لحزب على غيره إنما تقوم على مدى قدرة الحزب على تحقيق برامجه وسياسته، وأن ينقل أفكاره من دائرة العقل والشعور إلى ميدان التطبيق الواقعي في حياة أعضائه وغيرهم من المواطنين بأبسط السبل وأيسرها، والامتياز بهذا المعنى يدخل في نطاق الرقابة على الممارسة والأداء ويخرج عن نطاق الرقابة في النشوء المبتدأ الذي يقتصر على توفر الجدية والجدوى من برامج وسياسات الحزب المتميزة ظاهرياً، فالامتياز يدخل في نطاق الرقابة الشعبية التي يكون لها وحدها الحق في المفاضلة بين الأحزاب القائمة لترى أيها أقدر سياسياً وحزبياً وأهدى سبيلاً إلى تحقيق آمالها وأحلامها على أرض الواقع، ومن ثم يخرج عن نطاق الرقابة على تأسيس الحزب السياسي مهمة التأكد من مدى قدرة الحزب طالب التأسيس على الامتياز على غيره في نشاطه وممارسته في الساحة السياسية الحزبية لتحقيق البرامج التي يطرحها بنجاح، فكل برنامج قابل للنجاح أو الفشل بدرجات متباينة، ولا يمكن أن يتأكد ذلك إلا في ساحة العمل والممارسة الحزبية والنضال السياسي - ومن ثم يكفي ليكون الحزب جاداً فيما قدمه من برامج أن تكون جدية ومتميزة وبها عناصر متعددة جديدة، ويتحقق ذلك بأن تكون الأساليب التي أوردها الحزب بحسب الثابت في عيون الأوراق لتحقيق سياسات وبرامج منطقية وممكنه عقلاً ومؤدية بطريقة معقولة وواقعية إلى النتائج التي انتهى إليها ولا يكفي لطرح الثقة بهذه البرامج الادعاء بأنها مغرقة في الخيالات والأوهام، ما دام الحزب قد قدم في الأوراق تصوراً محدداً للخطوات المنطقية والعملية التي يجدها مؤدية لتحقيق برامجه، ما لم يتأكد فنياً وعلى أساس علمي ومنطقي دحض هذه الآراء واستحالة تنفيذها بناء على ما تقرره لجان أو جهات الخبرة على سند علمي وفني سليم تفقد مزاعم الحزب تحت التأسيس وتكشف زيف توقعاته وضحالة أفكاره، ويجعل منه حزباً غير جاد في رعاية مصالح الجماهير مستهيناً بعقلها ومستهزئاً بذكائها، فإذا لم يتوافر للجنة المختصة السند العلمي والفني لعدم معقولية وعدم إمكان تحقيق أفكار أو سياسات وبرامج الحزب تحت التأسيس وجب عليها أن تسمح بمشاركته في حلبة الصراع السياسي حيث الأمر يومئذ مرجعه للشعب حيث يحكم عليه الشعب مع غيره من الأحزاب بفطرته وبذكائه وقدراته السياسية والطبيعية - فيرتفع في ميدان السياسة الوطنية حزب وتنزوي أحزاب أخرى وفق ما يقدمه كل منها بصدق وإيمان لمصر وللمصريين من برامج وأفكار وقدرة على التحقيق والتنفيذ في رعاية مصالح الجماهير وتعميق مفاهيم الديمقراطية، ومن ثم فإن المبادئ الأساسية التي قررتها نصوص الدستور وقانون الأحزاب السياسية تحتم تحقيقاً للنظام العام الدستوري والسياسي والديمقراطي أن لا توصد الأبواب أمام أي حزب تحت التأسيس يكون له تميز ظاهر في برامجه أو سياساته يجعله أهلاً في المشاركة في حل مشاكل الجماهير ورفع المعاناة عنها.
ومن حيث إن المادة (4) من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية المعدلة بالقانونين رقمي 36 لسنة 1979، 144 لسنة 1980 قد تضمنت الشروط التي يلزم توافرها لتأسيس الحزب ابتداء وكذلك لاستمرار بقائه، وقد ثار الخلاف حول مدى توافر الشروط المنصوص عليها بتلك المادة في الحزب طالب التأسيس فيقوم اعتراض اللجنة المشكلة، بالتطبيق لحكم المادة (8) من القانون المشار إليه على تأسيس الحزب على أنه لا تتوافر فيه الشروط المتطلبة في البند ( أ ) من أولاً في المادة (4) من القانون كما أنه مخالف لحكم الفقرات ثانياً وثالثاً وخامساً من المادة (4) المشار إليها، بينما يؤكد وكيل المؤسسين على أن اعتراض اللجنة لا يقوم على أساس صحيح من الواقع أو القانون.
ومن حيث إن القرار المطعون فيه الصادر من لجنة الأحزاب بالاعتراض على تأسيس "الحزب الاشتراكي المصري" قد أقام اعتراضه - طبقاً لما ورد في أسباب القرار - على ما استبان للجنة من أن الحزب قد أورد مبادئه وأهدافه في صورة أفكار عامة دون تحديد أو إيضاح لأسلوبه في العمل على تحقيقها أو وسائل تنفيذها، فضلاً عن أنه أفرغ برنامجه في عبارات مرسلة أقرب ما تكون إلى الشعارات، جاء بعضها تجميع لاقتباسات مسبوقة من برامج الأحزاب السياسية القائمة وبعضها الآخر لا يعدو أن يكون رؤوس موضوعات لأمور قائمة فافتقد البرنامج بذلك شرط التميز الظاهر عن برنامج الأحزاب الأخرى، كما جاء مفتقراً إلى التجديد الواجب توافره في برامج الحزب طبقاً للمفهوم الذي عناه الشارع في البند ثانياً من المادة (4) من القانون رقم 1977 بنظام الأحزاب السياسية.
ومن حيث إنه يتعين الإشارة - ابتداء إلى أن الأحزاب السياسية القائمة منها والتي تطلب التأسيس تلتزم أساساً باحترام المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور طبقاً لحكم المادة (5) منه.
ومن حيث إنه يبين مما سبق أن الدستور ومن بعده القانون رقم 40 لسنة 1977 قد تطلبا حتماً اتفاق الأحزاب القائمة وتلك التي تطلب التأسيس في الأمور القومية العامة غير المسموح في شأنها بالاختلاف "دستورياً وقانونياً" الأمر الذي يضيق معه مجال التميز المتطلب كشرط لتأسيس الحزب، فالتميز الضرورة لا يكون جائزاً إلا في غير تلك الأمور التي تمثل النظام العام الدستوري السياسي والاقتصادي والاجتماعي للوطن مما يعد مجالاً للعمل السياسي المسموح به للأحزاب، ومن ثم فإن التماثل والتطابق مفترض حتماً في المقومات الأساسية التي تقوم عليها الأحزاب، كما أن هذا التطابق مفترض - حتى بالنسبة للبرامج والسياسات - لتقيدها حتماً بالمبادئ والمقومات الأساسية للمجتمع التي أشار إليها الدستور، وأكدتها المادة الرابعة من القانون رقم 40 لسنة 1977، ومن ثم فإن التميز المطلوب في حكم الفقرة (ثانياً) من هذه المادة هو التميز في برنامج الحزب وسياساته أو أساليبه تميزاً ظاهراً عن الأحزاب الأخرى، وبالتالي فإنه وفقاً لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة يتعين التسليم بأن هذا التميز الظاهر يتحقق إذا توفر للحزب طالب التأسيس خطة - مستقبلية تأخذ بين الجماعة - طبقاً لإمكانياتها الواقعية لتحقيق مطالبها الملحة والعامة وفقاً لما تتوجه إليه مطالبها سواء بتكثيف وحشد هذه الإمكانيات أو ترشيد استخدامها أو ابتداع الوسائل الممكنة لتكريسها وتهيئتها لتحقيق أهداف الحزب بما يحقق آمال الجماهير ومطالبها وذلك طبقاً لبرامج وأساليب محددة تؤدي بطريقة منطقية ومعقولة إلى النتائج التي انتهت إليها ولا تتعارض إمكانية تحقيقها بصفة حتمية وظاهرة وقاطعة مع الناحية العلمية والفنية أو مع الغايات التي تستهدف تحقيقها، فإذا كانت برامج الحزب المخصصة لتحقيق أهدافه تضع خطة منطقية ومتميزة عما ورد في باقي الأحزاب الأخرى من خطط وبرامج على نحو يمكن معه استجلاء سمات الشخصية الحزبية ومنطلقاتها الفكرية المتميزة في معالجة مشاكل المواطنين، فقد توافر لها مقومات الحزب السياسي الذي يسوغ له الانطلاق نحو ساحة النضال السياسي ويخرج بذلك من نطاق الرقابة القضائية إلى نطاق الرقابة الشعبية التي تتنافس تحت إشرافها ورقابتها الأحزاب السياسية المختلفة لترى أيها أهدى وأقوم سبيلاً والأكثر جدية وفاعلية إلى تحقيق مصالحها وأهدافها، أما إذا كان الحزب مفتقراً أصلاً إلى تحديد هذه الخطط والبرامج المتميزة من غيره من الأحزاب والتي تحقق بطريقة سائغة ومقبولة أهدافه أو كانت في أغلبيتها ترديداً لما لدى الأحزاب من برامج أو نقلاً لما لأحد الأنظمة السياسية أو الاقتصادية القائمة بالفعل فإن الحزب يكون فاقد لشرط التميز الظاهر بالمفهوم الذي عناه الشارع في المادة الرابعة من قانون الأحزاب وامتنع عليه مشروعية اللحاق بالأحزاب السياسية القائمة في حلبة المنافسة السياسية لعدم جدواه من الناحية السياسية والحزبية لفقدانه الأسس اللازمة لإضافة جديد إلى الحياة السياسية والدستورية والحزبية للبلاد.
ومن حيث إنه بالاطلاع على برنامج الحزب تحت التأسيس المودع بالأوراق يبين أنه قد حرص على إبراز أوجه التميز التي يرى أنه ينفرد بها على غيره من الأحزاب وتتصل فيما يلي:
1 - تحقيق اللامركزية في إدارة شئون البلاد من خلال إيجاد حكم محلي يباشر فيه المواطنون إدارة شئونهم بأنفسهم لتتفرغ الحكومة المركزية لرسم السياسات العامة.
2 - إنشاء القضاء الشعبي في الأحياء السكنية لفض المنازعات وإجراء المصالحات بما يخفف العبء على القضاء ليتفرغ للقضايا الكبيرة ويتحقق العدل السريع لأصحابه.
3 - تحديد هدف استراتيجي قومي لإنتاج رغيف مصري 100% وذلك بإنشاء بنك القمح تشارك في إنشائه الملكيات الكبيرة والصغيرة وجمعيات استصلاح الأراضي.
4 - سيطرة الدولة الكاملة على بنوك القطاع الخاص من خلال البنك المركزي ووضع النظم المالية والمحاسبية التي تمنع تهريب الأموال عن طريق هذه البنوك على نحو ما حدث في شركات توظيف الأموال.
5 - الحد من سياسة البناء من أجل التمليك لخروجه على قدرة الأغلبية من المحتاجين للسكن وقصر البناء من أجل التمليك على الدولة، ومنع التأجير المفروش لحماية القيم والأخلاق والحد من الإرهاب.
6 - حظر ممارسة العلم الحزبي في النقابات العمالية والمهنية ويقتصر دورها على الرعاية الاجتماعية والثقافية لأعضائها.
7 - عدم استغلال الدين في العمل السياسي والحزبي.
ومن حيث إنه يبين من الإيضاحات التي قدمها الحزب شرحاً لها أنها لا تتضمن جديداً يمكن أن يتميز به عن برامج الأحزاب الأخرى، ولا تعدو أن تكون اختياراً لأحد الأنظمة القائمة بالفعل والتي تزخر بها مراجع الأنظمة السياسية، اقتباساً للتجارب التي مرت بها بعض الدول الأخرى، أو تأكيداً لما هو قائم ومعمول به بالفعل من مبادئ وسياسات، فاختيار الحزب لنظام اللامركزية الإدارية - إذا ما أخذ ذلك في إطار ما يبيحه الدستور في هذا الشأن ولو على سبيل الفرض الجدلي لا يقدم جديداً سواء في مصر أو في أغلب الدول الموحدة حيث أثبتت التجربة فساد الأنظمة المركزية، وعدم قدرتها على مسايرة التطور بعد أن تعقدت وظائف الدولة واتسعت رقعتها فإذا ما أضيف إلى ذلك أنه يبين من العرض المقدم لبرنامج الحزب أنه يخلط بين مفهوم اللامركزية الإدارية الذي تحققه الإدارة المحلية السليمة في الدول الموحدة والذي يأخذ به الدستور المصري في المادة (161) منه، وباعتبار مصر أقدم دولة موحدة في تاريخ الإنسان وبين الحكم المحلي الذي يتبع في الدول الاتحادية والتعاهدية بكافة صورها كالولايات المتحدة الأمريكية ودول الكومنولث، ويتضح ذلك من تأكيد برنامج الحزب على ضرورة إقامة حكم محلي حقيقي يتم تنفيذه من خلال انتخابات المحافظين ورؤساء الوحدات المحلية، بحسبان المحافظ هو الرئيس السياسي والحاكم الفعلي للإقليم الذي يتعين اختياره بمعرفة مواطني الإقليم في أن الدعوة إلى الأخذ بهذا النظام يتعارض مع ما أوجبته المادة الرابعة من قانون الأحزاب السياسية من الالتزام بالحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، وما حظره البند سابعاً من عدم جواز قيام الحزب على أساس جغرافي ويشمل ذلك ليس فقط تشكيل الحزب في نطاق جغرافي من إقليم الدولة ولكن دعوته إلى تفتيتها إلى ولايات أو دويلات على أساس جغرافي كذلك.... وهما من الأمور الغير جائز في شأنها الاختلاف أو التمايز بين الأحزاب السياسية باعتبارها من الأركان العامة للنظام العام السياسي والحزبي والدستوري في مصر، ولا يزيل هذه المخالفة وهذا التعارض بين برنامج الحزب في هذا الخصوص وقانون الأحزاب السياسية ما يعرضه الطاعن بصفته من حجج الصلاحية وفوائد هذا النظام لمصر من وجهة نظر مؤسسي الحزب فمصر كدولة موحده منذ آلاف السنين لا يتفق مع كيانها الوطني الواحد الدعوة إلى تجزئتها إلى دويلات أو ولايات... أما الدعوة إلى إنشاء القضاء الشعبي في الأحياء السكنية لفض المنازعات وإجراء المصالحات بين مواطني هذه الأحياء فلا يعدو أن يكون اقتباساً لنظام قائم بالفعل في مصر وفي بعض الدول، وقد نصت عليه المادة (170) من الدستور المصري بالنص على أن يسهم الشعب في إقامة العدالة على الوجه وفي الحدود المبينة في القانون، وإذا كانت القوانين القائمة في مصر قد أوضحت كيفية مساهمة الشعب في إقامة العدالة باشتراك بعض الشخصيات العامة مع أعضاء الهيئات القضائية المتخصصة في بعض القضايا ذات الصبغة السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية المتميزة كالقضايا التي تنظرها محكمة القيم ومحكمة الأحزاب إلا أن الحزب المطلوب قيامه يستهدف انفراد الشخصيات العامة غير المتخصصة بالقضاء في محاكم تعقد على مستوى الأحياء لفض المنازعات، فلم يبين برنامج الحزب أسلوب تولي الشخصيات العامة مهمة الفصل في المنازعات كلها أو بعضها بما لا يتعارض مع أحكام الدستور الذي خص السلطة القضائية وحدها بالفصل في المنازعات وكفل لأعضائها من الضمانات المتعلقة بالاستقلال والحيدة والتأهيل والخبرة ما يمكنهم من أداء رسالتهم في تحقيق العدالة للمواطنين في حيدة واستقلال وبكفاءة، ولا شك أنه يتعارض مع النظام العام القضائي المصري أن يوجد نظام لفض المنازعات لا يشترك فيه رجال السلطة القضائية وينفرد به أفراد عاديين من المواطنين فإذا ما أضيف لذلك أنه لم يبين برنامج الحزب أنواع المنازعات التي يمكن فضها بمعرفة أشخاص لا يتوفر لهم ما تحتمه المبادئ العامة للنظام القضائي المصري وفقاً لأحكام الدستور والقانون وما جرى عليه العرف من الخبرة والحيدة والاستقلال بما يمكنهم من فض المنازعات بما يحقق العدالة وما إذا كانت هي المنازعات التي تنشب فيما بين أبناء الحي أو فيما بينهم وبين السلطات المحلية بالطعن فيما تصدره من قرارات إدارية، حظر الدستور تحصينها من الطعن فيها قضاء، وخص مجلس الدولة وحده بالفصل فيها طبقاً للمادة (172) من الدستور الأمر الذي يجعل من طرح هذه الأفكار مجرد مقترحات تفتقر إلى الشرعية الدستورية والقانونية ولا يتوفر فيها الجدية والتحديد، ولا يمكن اعتبارها برنامجاً متميزاً في حل مشاكل الجماهير.
ومن حيث إنه لا تخرج دعوة الحزب إلى إنتاج رغيف كامل المصرية زراعة وصناعة بما يمكن من الاستغناء نهائياً عن استيراد القمح، عن أن يكون مطلباً جماهيرياً تسعى إلى تحقيقه الأحزاب القائمة، والأحزاب التي تطالب بالتوسع الزراعي أفقياً ورأسيا وزيادة إنتاج القمح على الوجه الذي يغني البلاد عن استيراده وتنادي جميعها وتقدم تخطيطاً وآراء وحلولاً لتحقيق هذه الزيادة في الإنتاج الزراعي وتحقيق الاكتفاء الذاتي في غذاء الشعب وعلى قمته القمح وذلك بينما برنامج الحزب محل الطعن قد اكتفى في بيان كيفية إنتاج رغيف مصري بإنشاء بنك القمح لاستصلاح الأراضي اللازمة لزراعة القمح وإقراض الفلاحين ودون أن يدرك أن تكثيف زراعة القمح بما يحقق أمانيه تتطلب خططاً وجهوداً لاستصلاح الأراضي البور وزيادة الموارد المائية المحدودة والإمكانيات المالية والأيدي العاملة والتنسيق بينها وجذبها وحشدها وتكريسها لإقامة هذا النوع من الزراعة، وهو أمر لم يقم الحزب بدراسته ولم يقدم بأية خطة واضحة منطقية لتحقيق غايته ومطلبه لاسيما وأن بنك الائتمان الزراعي قائم بالفعل ويلقى من الدولة كل دعم ويقدم للمزارعين كل التيسيرات الممكنة، ومع ذلك فلم يتحقق لمصر الاكتفاء الذاتي في هذا المحصول، ولا يكفي لتحقيق هذه الغاية مجرد تغيير تسميته أو إنشاء بنك جديد متخصص باسم محصول القمح ما لم يتم تحديد السبل والوسائل التي تمكن هذا البنك المقترح من تحقيق دعواه بناء على دراسة زراعية واقتصادية سليمة، الأمر الذي يجعل هذه الدعوة مجرد أمنية وتسمية لا تتوفر لها الوسائل والبرامج الواقعية المتميزة لبلوغها.
ومن حيث إنه يدعو الحزب إلى الحد من سياسة البناء من أجل التمليك وقصرها على ما تقوم الحكومة ببنائه في المجتمعات الجديدة فإنه ينطوي على الدعوة إلى حرمان الملاك غير الحكومة من حرية التصرف في أملاكهم الخاصة بما يحمله ذلك من فرض قيود على الملكية الخاصة وتتناقض مع مبادئ الحرية التي ينادي بها الحزب ويتعارض مع حصانة الملكية الخاصة بما تحتمه من حرية المالك في التصرف فيها في إطار وظيفتها الاجتماعية وهذه الوظيفة وإن كانت تجيز دستورياً تنظيم الاستخدام والانتفاع والاستغلال والتصرف في الملكية الخاصة بما يحقق مصالح المجتمع ويرعى احتياجاته الاقتصادية والاجتماعية ويقيد بالتالي في حدود التنظيم الإطلاق التام لحرية المالك في إطار عدم تعارضها مع الصالح العام للمجتمع وتوفير تحقيق الحاجات العامة للشعب بما لا يتعارض مع حسن سير وانتظام المرافق العامة إلا أن ذلك لا يجوز أن يصل إلى حد حرمان المالك من التصرف فيما يملكه وفقاً لما تحققه مصلحته وبما لا يتعارض مع الوظيفة الاجتماعية للملكية في الإطار السالف بيانه، ولما كان ذلك كذلك، ولم يبين برنامج الحزب كيفية حفز وتشجيع المواطنين على الإحجام عن بيع ما يقومون ببنائه من وحدات سكنية وبتأجيرها خالية، ولم يقدم الحزب دراسة عن الشقق المفروشة وما يترتب على إلغائها من امتناع عن الوفاء بحاجات تنشيط السياحة الخارجية والداخلية وغير ذلك من الحاجات المشروعة للمواطنين والأجانب الذين يقيمون لفترة من الوقت في مصر ولم يقدم البدائل الممكنة للوفاء بهذه الاحتياجات في حالة إلغائها وحظر استخدامها كشقق مفروشة حماية للقيم والأخلاق، ولم يعرض الدراسة التي تفيد تحقيق المصلحة العامة اقتصادياً واجتماعياً مما يقترحه من قيود ليس لها مبرر ظاهر أو سند سليم من أحكام الدستور والنظام العام القانوني المصري، بل يبرره بمنع الانحراف الخلقي الذي سببه سلوك الإنسان وليس مقصوراً على هذه الشقق.
ومن حيث إنه لا يخرج ما يدعو إليه الحزب من سيطرة الدولة على المصارف من البنك المصري عن النظام القائم فعلاً طبقاً للقانون رقم (120) لسنة 1975 والقوانين المعدلة له في شأن البنك المركزي المصري والجهاز المصرفي والقانون رقم 50 لسنة 1984 في شأن أحكام قانون البنوك والائتمان على النحو الذي يؤكد إشراف الدولة ورقابتها من خلال البنك المركزي على جميع البنوك العاملة في مصر ولو كانت فروعاً لبنوك أجنبية ولما كان يبين من برنامج الحزب أنه قد يستهدف من ذلك تملك الشعب لكافة المصارف المصرية والأجنبية فتكون جميع البنوك وشركات التأمين في إطار الملكية العامة للشعب (البرنامج ص11) الأمر الذي يعني تأميم البنوك وشركات التأمين الخاصة القائمة وهذا التصور يمثل عودة إلى مرحلة سابقة مر بها الاقتصاد المصري، حيث أن هذا النظام كان قائماً بالفعل، ولم يقدم الحزب جديداً يجعله متميزاً عن غيره ولم يقدم الحزب تصوره عن كيفية أداء هذه البنوك والشركات المؤممة لتحقيق الأهداف المطلوبة في حل مشاكل الجماهير وتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية وحماية الاقتصاد المصري وتطويره لاسيما وأن التجربة التي سبق أن مرت بها البلاد في عهد البنوك والشركات المؤممة كانت لها نتائجها الظاهرة على الاقتصاد المصري في الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الوطن حالياً، الأمر الذي يجعل برنامج الحزب في هذا المجال مفتقراً إلى التميز والتحديد.
أما ما يدعو إليه الحزب من حظر ممارسة العمل السياسي في النقابات والأندية والمؤسسات الاجتماعية فهو أمر تتضمنه بالفعل نصوص الدستور التي تلتزم باحترامها وتنفذها جميع السلطات ويخضع لها جميع المصريين وفقد أكدته القوانين القائمة المنظمة للنقابات المهنية والعمالية والنوادي التي حظرت على أعضائها ممارسة العمل السياسي داخلها وحتمت تكريس جهودها لخدمة أبناء المهنة وتنظيمها.
وقد كانت النقابات في ظل النظام السياسي الشمولي الذي يقوم على تحالف قوى الشعب العاملة تباشر مسئولية الدعم والمشاركة لأعمال التنظيم السياسي الواحد إلا أن ذلك لم يعد سليماً ولا مشروعاً بقيام الأحزاب وإعطاء الحرية في تكوينها والانتماء إليها بل قد حظره المشرع وحرمه القانون رقم (40) لسنة 1977 حيث نصت المادة (23) منه على عقاب كل من انضم إلى تنظيم حزبي غير مشروع ولو كان مستتراً في شكل أو وصف جمعية أو منظمة أو جماعة أياً كانت التسمية أو الوصف الذي يطلق على هذا التنظيم وشدد المشرع العقاب وغلظه إذا كان التنظيم معادياً لنظام المجتمع أو ذا طابع عسكري أو نشأ بالتخابر مع دولة أجنبية أو مع دولة معادية، ولا شك أن الانطواء في منظمة نقابية مهنية أو عمالية أو غيرها من المنظمات والهيئات غير الأحزاب السياسية واستغلال اسمها وحصاناتها وإمكاناتها لمباشرة نشاط حزبي بواسطة جماعة أو منظمة تستهدف الدعوة إلى مبادئ وأفكار وبرامج سياسية ولها طبيعة الاعتياد والاستمرار بما يدخلها في نطاق التعريف الوارد في المادة (2) من قانون الأحزاب السياسية سالف الذكر بوسيلة الانطواء تحت ستار جمعية أو ناد أو هيئة أو منظمة قانونية أخرى غير حزبية يجعل تلك الجماعة حزباً غير مشروع ويحظره الدستور والقانون ويعاقب أفرادها جنائياً فضلاً عن تحقيق مساءلتهم تأديبياً ومدنياً لو توفر مقتضى لذلك، ومن ثم فلا يمكن اعتبار هذا الغرض الذي تقرره وتفرضه أحكام الدستور ونصوص القوانين برنامجاً أو أسلوباً متميزاً في ممارسة العمل السياسي، كما لا يمكن اعتبار مطالبة برنامج الحزب تحت التأسيس بعدم تدخل الدين في السياسة أو تدخل السياسة في الدين أمراً جديداً أو متميزاً عن المبادئ العامة التي نص عليها الدستور في المواد المنظمة لمقومات المجتمع المصري أو الحريات والحقوق العامة للمصريين وهذا ذاته هو ما تؤكده نصوص قانون الأحزاب السياسية التي حظرت تعارض مبادئ الأحزاب مع الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي وعدم جواز قيام مبادئ أي حزب أو برامجه أو عضويته على أساس التفرقة بسبب الدين أو العقيدة وهذه مبادئ وأصول عامة تواضع عليها المجتمع المصري وتواترت عليها كافة الأجيال دون حاجة إلى نصوص قانونية، وقد نصت عليها وأكدتها مواد الدستور والقانون وجميع التنظيمات السياسية والقانونية القائمة.
ومن حيث إن ما قدمه الحزب في المجال الاقتصادي يخلص في إبعاد الهياكل الرئيسية لعملية الإنتاج كالسكك الحديدية والطرق والمواني والمطارات والسدود ووسائل النقل البحري والجوي وغيرها من المرافق العامة عن الملكية الخاصة، والتعاونية وحصرها في نطاق الملكية العامة للشعب كما أوجب أن تكون الصناعات الثقيلة والمتوسطة والصناعات التعدينية داخله في إطار الملكية العامة للشعب وأن تحتفظ الدولة بدور في مجال الصناعات الخفيفة مما يمكنها من توجيه هذه الصناعات لصالح الشعب كما ينبغي أن تكون الأراضي الزراعية في إطار الملكية العامة للدولة والملكية التعاونية بالنسبة لأصحاب الأراضي التي تمكنهم من إدخال الميكنة الزراعية، وحظر الملكية الفردية للأراضي الزراعية إلا لمن يقوم بزراعة الأرض بنفسه بما لا يسمح للعودة إلى الإقطاع، وأن تكون التجارة الخارجية تحت الإشراف الكامل للشعب وأن يختص القطاع العام بنسبة 75% منها على أن يختص القطاع الخاص بالجزء الباقي فضلاً عن عودة المصارف وشركات التأمين إلى إطار الملكية العامة للشعب..
ومن حيث إن مفاد ما تقدم من آراء وأفكار وإن كانت تفتقر إلى بيان الأساليب المؤدية لها فإنها لا تتحقق بالضرورة حتماً إلا بتأميم كل أو بعض المشروعات والعقارات والأراضي المملوكة للأفراد ومصادرتها لصالح الملكية العامة للشعب تحت إدارة الحكومة وحظر النشاط الخاص في مجالات محددة وقصرها عليها ولا يتأتى ذلك إلا بمقتضى إجراءات تشريعية وإدارية تتعارض مع أحكام الدستور ومبادئه وما يكفله للمصريين من حقوق وحريات عامة أهمها حريته في مباشرة النشاط الاقتصادي المشروع والتصرف أو الاحتفاظ بأملاكه الخاصة التي كفل الدستور صيانتها وحظر فرض الحراسة عليها أو مصادرتها إلا استثناء وبقانون أو بأحكام قضائية وبقيود وشروط تكفل حصانة الملكية الخاصة وحرية التعامل بشأنها ولا يسوغ تنظيم أداء وظيفتها الاجتماعية إلا في إطار من هذه الحصانة للملكية الخاصة وفي الحدود التي تقتضيها تلك الغاية الاجتماعية بما لا تسمح بالعودة إلى إحياء الأسس التي قامت عليها أركان وأسس الاستبداد على نحو يعيد عهد الحكم الشمولي الذي تجاوزه النظام العام الدستوري الحالي والذي يقوم على أساس احترام حقوق الفرد وحرياته العامة والخاصة ويبنى النظام السياسي على أساس تعدد الأحزاب السياسية مع صيانة الملكية الخاصة وحمايتها في إطار وظيفتها الاجتماعية وخدمة المقومات الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع المصري.
ومن حيث إنه مما يؤكد ذلك ويظاهره الخطاب الذي توجه به مؤسسو الحزب إلى أبناء الجيل الجديد كمقدمة لبرنامجه الذي حدد فيه أهدافه صراحة بقولهم... أن مؤرخي سنوات الردة عن الثورة حاولوا أن يشوهوا وجهها المضيئ ويخلعوا عنها ثوبها الأبيض بعد أن لطخت مسيرتها ممارسات الانفتاح... ولكن يبقى للثورة أبناؤها الشرفاء الذين حملوا الدفاع عن مكاسب الشعب في كل المواقع (عمال وفلاحين وجنود ومثقفين ورأسمالية وطنية)... أن الذين يطالبون بمبدأ الحرية الاقتصادية وبانسحاب الدولة من الحياة الاقتصادية... هؤلاء فاتهم أن مصر الحديثة قامت في أوائل القرن الماضي على مبدأ التدخل ثم هزمت بمبدأ حرية التجارة، وأن مبدأ الحرية الاقتصادية قد سقط في الغرب قبل الحرب العالمية الثانية... أن الحزب الاشتراكي المصري.. يؤمن أن الانتقال من النظام الاقتصادي الاشتراكي إلى النظام الاقتصادي الرأسمالي الحر.. هو خطر يقتل الفقراء ويغيب سلطة الدولة (ص 401).
ومن حيث إنه يبين من هذه العبارات بوضوح تام التوجيهات التي تعتبر الحرية الاقتصادية نوعاً من الردة عن مبادئ الثورة السليمة، وأن أبناء الثورة من العمال والفلاحين والجنود والرأسمالية الوطنية سوف يحملون في رأي مؤسسي الحزب لواء الدفاع عن مكاسب الشعب، أن الحزب صاغ أفكاره وآماله التي فقدت في غالبيتها العظمى الدراسة الجادة لواقع المجتمع المصري، فانعزلت عن قضاياه توجهاته الحقيقية وقدمت برنامجاً ليس فيه من التميز سوى التعلق بأفكار الحكم الشمولي الذي كان يقوم على أساس التنظيم السياسي الواحد، والذي لفظه الشعب في استفتاء فبراير سنة 1977 على حرية تكوين الأحزاب والانتماء إليها، وصمم على تسجيل هذه الإرادة الشعبية في 22 مايو سنة 1980 بتعديل نص المادة الخامسة من الدستور ليجعل النظام السياسي في جمهورية مصر العربية قائماً على أساس تعدد الأحزاب بعد أن كان قائماً - طبقاً للنص المعدل من الدستور - على الاتحاد الاشتراكي العربي والتنظيم السياسي.. الذي يمثل تحالف قوى الشعب العاملة من الفلاحين والعمال والجنود والمثقفين والرأسمالية الوطنية وهي الأسس التي ما يزال مؤسسوا الحزب متمسكين بها فكراً وصياغة، الأمر الذي أفقدهم السند الشرعي لمطالبتهم بإقامة وتأسيس الحزب.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن المشروعات والأفكار التي عرضها الحزب في برنامجه المودع حافظة مستنداته (ص 4 - 16) لا يعدو أن يكون شعارات حماسية سياسية يتضمن مجموعة من الأفكار والأقوال المرسلة التي لا يتوفر فيها الجدية الواجبة ولا يتحقق من ورائها أية جدوى ظاهرة وتفتقر إلى تحديد وسائل تحقيقها حتى يمكن الحكم على مدى جديتها وجدواها وغيرها، فضلاً عن تعارضها مع أحكام الدستور وتجاوزها لحاجز المشروعية وتناقضها مع أحكام الدستور والقانون وعدم
ملائمتها لظروف العصر أو ارتباطها بالحلول التي تتبناها الأغلبية العظمى من الأمة لقضايا المجتمع.
ومن حيث إنه بناء على ذلك فإنه يفتقر البرنامج المقدم من الحزب محل الطعن إلى ملامح الشخصية الحزبية المتميزة التي تشكل إضافة جادة للعمل السياسي، ومن ثم فإنه يكون غير جدير بالانتماء إلى حلبة النضال السياسي مع باقي الأحزاب القائمة.
ومن حيث إنه بناء على ما سبق جميعه وإذ انتهت لجنة الأحزاب إلى افتقار برنامج الحزب للتحديد والتميز وأصدرت قرارها بالاعتراض على الطلب المقدم من السيد/ عادل عبد الحليم والي بتأسيس الحزب الاشتراكي المصري فإنها تكون قد أصابت الحق فيما انتهت إليه ويكون النعي على قرارها قد قام على غير أساس سليم من القانون خليقاً بالرفض.
ومن حيث إن الطاعن قد خسر طعنه ومن ثم فإنه يلزم بمصروفاته عملاً بنص المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الطاعن بالمصروفات.


 (1) يراجع الطعنان رقمي 777 لسنة 30 ق جلسة 4/ 7/ 1985 مبدأ رقم 207 مج السنة 30 ج2 ص 1416، والطعن رقم 2278 لسنة 31 ق جلسة 21/ 3/ 1987 مبدأ رقم 4 مج السنة 32 ج1 ص 47.

الطعن 2036 لسنة 36 ق جلسة 26 / 10 / 1991 إدارية عليا مكتب فني 37 ج 1 ق 5 ص 129

جلسة 26 من أكتوبر سنة 1991

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ إسماعيل عبد الحميد إبراهيم ومحمد عبد الغني حسن وأحمد شمس الدين خفاجي وفريد نزيه تناغو. - نواب رئيس مجلس الدولة.

-----------------

(5)
الطعن رقم 2036 لسنة 36 القضائية

جامعات - طلبة الجامعة
المادة 80 من اللائحة التنفيذية لقانون الجامعات رقم 49 لسنة 1972 الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 809 لسنة 1975 معدلة بالقرار رقم 278 لسنة 1981.
إخطار الجامعة للطالب برسوبه في خمس مواد وطلبها سداد الرسوم المقررة عن خمس مواد - إعادة إخطاره عند تقدمه للحصول على رقم جلوسه، قبل عقد الامتحان بأسبوعين، بأن المواد التي رسب فيها هي تسعة مواد وليست خمسة - دخوله الامتحان ورسوبه في خمس مواد من التسعة - مسئولية الجامعة لإخلالها إخلالاً جسيما بواجباتها بما ترتب عليه الإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص بينه وبين أقرانه - إذا جاء قرار الفصل متخذاً من قرار الرسوب المنعدم الأثر مستنداً إلى واقعة استنفاذ الطالب لمرات الرسوب سبباً وركيزة فإن قرار الفصل يكون قد صدر مشوباً بعيب المخالفة الجسيمة للقانون - عدم الاعتداد بالقرار أو ترتيب أي أثر له - أساس ذلك: استناد القرار إلى واقعة منعدمة - إلغاء قرار الفصل - يتعين على الجامعة أن تتيح للطالب فرصة امتحان بديلة في المواد التي رسب فيها حقيقة - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 5/ 5/ 1990 أودع الأستاذ/ عبد الله سليم المحامي بالنيابة عن الأستاذ/ عادل عيد المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب هذه المحكمة تقرير الطعن الماثل الذي قيد بجدولها تحت رقم 2036 لسنة 36 ق عليا طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية بجلسة 8/ 3/ 1990 في الدعوى رقم 1463 لسنة 41 القضائية المقامة من الطاعن ضد المطعون ضدهما، والذي قضى برفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - قبول الطعن شكلاً، والحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه مؤقتاً لحين الفصل في الموضوع.
وفي الموضوع بإلغاء ذلك الحكم وإلغاء قرار الفصل المطعون عليه، مع إلزام المطعون ضدهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وقد أعلن الطعن للمطعون ضدهما بتاريخ 16/ 5/ 1990 على النحو الثابت بالأوراق وأودع السيد الأستاذ المستشار مفوض الدولة تقرير هيئة مفوضي الدولة في الطعن الذي ارتأت فيه - للأسباب الواردة به - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بالرفض، وإلزام الطاعن المصروفات وحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 1/ 4/ 1991 وتدوول أمامها على النحو الثابت بمحاضر الجلسات حتى قررت بجلسة 15/ 7/ 1991 إحالة الطعن إلى هذه المحكمة حيث نظرته بجلسة 5/ 10/ 1991 وقررت إصدار الحكم بجلسة اليوم 26/ 10/ 1991 مع التصريح بمذكرات لمن يشاء خلال أسبوع فلم يودع شيء منها وقد أودعت مسودة الحكم المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة، والمداولة قانوناً.
ومن حيث إن طبقاً لأحكام المادة (26) من القانون رقم 49 لسنة 72 بشأن تنظيم الجامعات فإن الجامعة تمثل أمام القضاء وفي مواجهة الغير برئيس الجامعة وليس لعميد أية كلية تابع لها هذه الصفة وبالتالي فإنه حيث اختصم في هذا الطعن رئيس الجامعة فلا محل لاختصام عميد كلية الحقوق حيث لا حق له في تمثيلها قانوناً.
ومن حيث إنه بمراعاة ما سلف بيانه فإن هذا الطعن يكون قد أقيم خلال هذا الميعاد مستوفي لأوضاع الشكل المقررة قانوناً ويتعين الحكم بقبوله شكلاً في مواجهة رئيس جامعة الإسكندرية وحده.
ومن حيث إن وقائع المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أن الطاعن أقام بتاريخ 11/ 5/ 1987 الدعوى رقم 1463 لسنة 41 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية ضد المطعون ضدهما طالباً الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار فصله من كلية الحقوق جامعة الإسكندرية مع ما يترتب على ذلك من آثار، وأبان عن دعواه قائلاً أنه التحق بكلية الحقوق جامعة بيروت وتم تحويله منها إلى كلية الحقوق جامعة الإسكندرية في العام الجامعي 84/ 1985 بالفرقة الثالثة، وأدى امتحان هذه الفرقة في هذا العام إلا أنه رسب في عدد من المواد وكان قد رسب في امتحان هذه الفرقة في العام السابق إبان وجوده بجامعة بيروت، وعليه رخصت له جامعة الإسكندرية في التقدم لامتحان هذه الفرقة مرة ثالثة من الخارج في العام الجامعي 85/ 1986، وقد تقدم لإدارة شئون الطلاب بالكلية لأداء الرسوم المقررة فأفادته بأن المواد التي رسب فيها عددها خمسة مواد وسلمته حافظة رسوم بواقع عشرة جنيهات عن كل مادة قام بتوريدها إلى البنك الأهلي، إلا أنه فوجئ عندما تقدم للحصول على رقم جلوسه - وكان ذلك قبل الامتحان بأسبوعين - بإخطاره بأن المواد التي رسب فيها والمطلوب منه أن يؤدي امتحانها عددها تسعة مواد.
ونظراً لضيق الوقت ودخوله الامتحان دون استعداد فقد رسب في خمسة مواد من التسعة ثم أصدرت الكلية قرارها بفصله لاستنفاذ مرات الرسوب.
وردت الجامعة على الدعوى بحافظتي مستندات ومذكرة طالبت فيها بالحكم بعدم قبولها شكلاً لرفعها بعد الميعاد وعدم قبولها في شقها المستعجل لتخلف ركنيه وعدم قبولها موضوعاً مع إلزام المدعي المصروفات ومقابل الأتعاب.
وبجلسة 5/ 1/ 1989 قضت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية بقبول الدعوى شكلاً وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار، كما قضت بجلسة 8/ 3/ 1990 برفض الدعوى وألزمت المدعي المصروفات.
وأقامت المحكمة قضاؤها في الحكم المطعون فيه على أساس أن الثابت أن المدعي رسب في امتحان الفرقة الثالثة بكلية الحقوق مرتين أولهما إبان وجوده بجامعة بيروت في العام الدراسي 83/ 1984 والثانية بعد تحويله إلى جامعة الإسكندرية في العام الدراسي 84/ 1985 وقد رخص له مجلس الكلية في دخول الامتحان مرة ثالثة من الخارج في العام الدراسي 85/ 86 غير أنه رسب كذلك، وبذلك فإنه يكون قد استنفذ مرات الرسوب المقررة وفقاً لحكم الماد (80) من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972 المعدلة بالقرار الجمهوري رقم 278 لسنة 1981 ويغدو القرار الصادر بفصله لهذا السبب متفقاً مع حكم القانون. وذهبت المحكمة في حكمها المطعون فيه إلى أنه لا حجة فيما أثاره المدعي حول الأخطاء التي وقعت فيها إدارة شئون الطلاب بالكلية في تحديد عدد المواد التي رسب فيها، إذ أنه فضلاً عن أن هذا التعلل لا يستقيم مع طبائع الأمور بالنسبة لطالب مرخص له في دخول الامتحان كفرصة أخيرة يفترض فيه أن يتحرى بنفسه عن حقيقة المواد الراسب فيها، فإن الثابت أنه لم يضع هذا العذر تحت بصر مجلس الكلية كمبرر لعدم دخوله الامتحان إذ أنه افترض سلفاً أن هذا العذر سيرفض من جانب مجلس الكلية، ومن ناحية أخرى فإنه لم يطعن في قرار إعلان النتيجة الذي تم في 11/ 8/ 1986 مما أدي إلى تحصن هذا القرار وما يترتب عليه من استنفاذه لمرات الرسوب المقررة قانوناً.. وخلصت المحكمة من ذلك إلى الحكم المطعون فيه برفض الدعوى.
وحيث إن القضاء برفض الدعوى لم يلقى قبولاً لدى الطاعن فقد أقام طعنه الماثل على سند من أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون لأنه بنى قضاءه على أن الطاعن استنفذ مرات الرسوب المقررة على حين أنه لا ينازع فيما إذا كان قد استنفذ مرات الرسوب من عدمه وإنما يدور نزاعه حول الخطأ الذي وقعت فيه إدارة الكلية إذ حصلت منه رسوم الامتحان عن خمس مواد فقط وليس عن تسع مواد كما ظهر قبل الامتحان بأيام مما أضعف فرصته في الاستعداد للامتحان في تلك المواد المضافة وأدى بالتالي إلى رسوبه، وهذا الخطأ الذي وقعت فيه إدارة الكلية هو واقعة مادية يمكن إثباتها بكافة الطرق المقررة قانوناً، وقد التفت الحكم المطعون فيه عن هذا الدفاع الجوهري. وإنه بخصوص ما جاء بالحكم المطعون فيه من أن الطاعن فوت على نفسه فرصة الطعن في قرار إعلان النتيجة في العام الدراسي 85/ 1986 فيما تضمنه من إعلان رسوبه للمرة الثالثة مما أدى إلى تحصن ذلك القرار، فإن الطاعن لم يعلن بهذا القرار ولم يواجه به إلا حال إعلانه بقرار فصله وبالتالي فإن طعنه في قرار الفصل يتضمن في ذات الوقت طعناً في قرار إعلان رسوبه للمرة الثالثة في العام الدراسي 85/ 1986 وقد أودع الطاعن بجلسة 9/ 5/ 1991 (فحص) مذكرة أوضح فيها أن الكلية قامت بتعديل النتيجة المعلنة وأن القواعد المطبقة في حالة تعديل النتائج بعد إعلانها تقضي بأن يقوم أعضاء الكونترول بتعديل صور النتيجة الأصلية التي تكون بحوزة موظفي شئون الطلاب ويقوم الموظف المختص بشئون الطلاب بإخطار الطالب بتعديل النتيجة - سواء أكان التعديل لصالحه أو ضده - بكتاب مسجل برقم صادر، ولكن محكمة القضاء الإداري غفلت عن بيان أثر إبلاغه بالتعديل - سواء من حيث كيفية الإخطار أو موعده - على النتيجة المتحققة في دور الامتحان التالي على الإبلاغ.
من حيث إنه ولئن نصت المادة (80) من اللائحة التنفيذية لقانون الجماعات (رقم 49 لسنة 1972) الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 809 لسنة 1975 (معدلة بقراره رقم 278 لسنة 1981) على أنه:-
(لا يجوز للطالب أن يبقى بالفرقة أكثر من سنتين، ويجوز لمجلس الكلية الترخيص للطلاب الذين قضوا بفرقتهم سنتين في التقدم إلى الامتحان من الخارج في السنة التالية في المقررات التي رسبوا فيها عدا طلاب الفرقة الإعدادية والفرقة الأولى في الكليات التي ليس بها فرقة إعدادية.
ويجوز لمجلس الكلية علاوة على ما تقدم الترخيص لطلاب السنة النهائية والسنة قبل النهائية بفرصة أخرى للتقدم إلى الامتحان من الخارج...
إذا تخلف الطالب عن دخول الامتحان بعذر قهري يقبله مجلس الكلية فلا يحسب غيابه رسوباً بشرط ألا يزيد التخلف عن فرصتين متتاليتين أو متفرقتين خلال سنوات الدراسة بالكلية ويجوز في حالة الضرورة بقرار من مجلس الجامعة منح فرصة ثالثة للطالب).
ومن حيث إن ما ذهب إليه الطاعن - أنه بعد رسوبه مرتين من الداخل بالفرقة الثالثة قد رخص له مجلس الكلية في الامتحان من الخارج مرة ثالثة في العام الدراسي 85/ 86 فرسب، ولدى توجهه إلى إدارة شئون الطلاب للاستعلام عن الرسوم المقرر أداؤها أفاده الموظف المختص بأن المواد التي رسب فيها عددها خمسة مواد وسلمته تلك الإدارة حافظة رسوم بواقع عشرة جنيهات عن كل مادة من المواد الخمس قام بتوريدها للبنك الأهلي، إلا أنه فوجئ لدى تقدمه للحصول على رقم جلوسه - وكان ذلك قبل الامتحان بأسبوعين - بإدارة شئون الطلاب تخطره بأن المواد التي رسب فيها والمطلوب منه أن يؤدي الامتحان فيها هي تسعة مواد وليست خمسة، فاضطر - لضيق الوقت - لدخول الامتحان فرسب في خمسة مواد من التسعة.
وحيث إن هذا الذي ذهب إليه الطاعن يجد دلائل ثبوته من أوراق الدعوى لم تجحده الجهة الإدارة أو تغاير فيه وإذا كان ذلك، وكان الثابت من حافظة مستندات الجامعة المقدمة أمام محكمة القضاء الإداري بجلسة 31/ 3/ 1988 أن نتيجة امتحان الطاعن بالفرقة الثالثة في نهاية العام الجامعي 85/ 1986 كانت رسوبه وبينما تفصح النتيجة المودعة عن أن رسوب الطاعن كان في ست مواد إذ بالجامعة تارة تخبر الطاعن برسوبه في خمس مواد ثم مرة أخرى تخبره برسوبه في تسعة وبهذا تكون الجامعة قد أخلت إخلالا جسيماً بواجباتها حيال الطاعن بما ترتب عليه إخلالاً بمبدأ تكافؤ الفرص بينه وبين أقرانه على خلاف ما تنص عليه صراحة المادة (8) من الدستور من حتمية كفالة الدولة بجميع أجهزتها وهيئاتها تكافؤ الفرص لجميع المواطنين.
ومن حيث إن الثابت الذي لا جدال فيه أن الطاعن قد قام في ظروف غير طبيعية بتأدية الامتحان في (تسع مواد) ولم تتح له فرصة متكافئة مع أقرانه للاستعداد لأداء الامتحان بعد إخطاره رسمياً قبله بوقت غير كاف وبصورة حاسمة بتلك المواد وذلك بالمخالفة لما تحتمه القواعد اللائحية والتنظيمية العامة التي تجري عليها الجامعة في هذا الشأن، وبالمخالفة للمبادئ الأساسية التي يحتمها حسن إدارة الامتحانات وشئون الطلاب بالجامعات ومن ثم فإنه لا شك يكون استعداد الطاعن في الفترة الوجيزة التي أتاحها إخطار الجامعة المفاجئ له لأداء الامتحان في الأربعة مواد التي أضافتها بعد إخطاره الأول والتي لم يكن يعلم بها من البدأ - استعداد متعزر وأقرب إلى الاستحالة لضيق الفترة بين التاريخ المحدد للامتحان وهذا الإخطار الجديد.
وحيث إنه قد ترتب على ذلك حتماً وفقاً لطبائع الأمور إن كان استعداد الطاعن في المواد الخمس الأخرى التي أخطر بها من قبل قد تأثر تأثيراً بليغاً لما أصابه من اضطراب ناتج بالضرورة من الخوف والقلق والتشويش نتيجة لتلك الظروف التي تسببت فيها الجامعة المطعون ضدها بتصرفاتها المتناقضة والمتضاربة في إخطار الطاعن بالنتيجة وبالتالي فإنه حتى لو كان رسوب الطاعن على فرض الجدل على خلاف الثابت في الأوراق في امتحان العام الجامعي 85/ 86 في تسع مواد فقد تسببت الجامعة بمحض خطئها - فيما أخبرته به في مبدأ الأمر أن رسوبه في خمس مواد فقط، ثم فيما أخطرته به ثانياً لدى توجهه لتسلم رقم الجلوس قبل الامتحان بأسبوعين فقط بأن رسوبه في تسع مواد - فيما شاب حالته النفسية من اضطراب وأصاب ذهنه وأحاط بأعصابه من قلق وخوف وتوتر وتشويش يؤثر بلا شك بحسب الطبيعة الإنسانية في قدراته بصورة بالغة.
ومن حيث إن الجامعة المطعون ضدها لم تقدم طيلة مراحل الطعن سواء أمام محكمة أول درجة أو أمام هذه المحكمة دليل صحة لما يخالف النتيجة المودعة فيها بالأوراق بأن رسوب الطاعن كان في ست مواد وليس في تسعة كما زعمت مؤخراً قبيل الامتحان وفي خمسة كما أبلغت الطاعن أول مرة.
ومن ثم يكون امتحان الطاعن قد جاء في ثلاثة أو أربعة منها على خلاف حقيقة الواقع ويكون قرار الجامعة بإعلان امتحان 86/ 1987 قد شابه في هذا الجزء الذي لا أساس له في الواقع الثابت خطأ جسيم يهوى به إلى درك العدم الذي لا يتحصن معه هذا القرار بمدة الستين يوماً ذلك أنه يستحيل قانوناً ترتيب أثر ذلك على واقعة معدومة وغير موجودة أصلاً فالواقعة التي يبنى عليها القرار الإداري يجب أن تكون موجودة أصلاً وثابتة ليقوم القرار على أساسه الواقعي السليم وإذ جاء قرار الفصل متخذاً من قرار الرسوب المنعدم الأثر المشار إليه مستنداً إلى واقعة استنفاذ الطاعن لمرات الرسوب - سبباً وركيزة فإن قرار الفصل المطعون عليه يكون قد صدر مشوباً بعيب المخالفة الجسيمة للقانون وعدم المشروعية الأمر الذي يوجب عدم الاعتداد به أو ترتيب أثر له غير قائم على أساس من الواقع الصحيح بل مستنداً إلى واقعة منعدمة ومن ثم يكون منهار الأساس ومشوباً.
ولا محاجة فيما ذهبت إليه الجامعة من أن دخول الطاعن للامتحان كان بمحض إرادته وأنه فوت على نفسه فرصة التقدم بعذر مرضي فلا يتصور أن يختلق نتيجة تتضمن زيادة في عدد المواد التي تقرر الجامعة رسوبه فيها ويخطر بها الطاعن في وقت غير مناسب إخلالاً بوظيفة الجامعة ومسئوليتها الإدارية في أداء هذه المسئولية وذلك بالمخالفة للقواعد التنظيمية العامة التي تحكمه وعلى غير أساس سليم من واقع الحال مع إهدار مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص بين الطاعن وزملاءه على خلاف أحكام الدستور والقانون ثم تعتبر الطاعن متقاعساً ومقصراً في حق نفسه لأنه لم يزعم بدوره على خلاف الحقيقة أنه مريض ويتقدم بعذر مرضي للجامعة للحصول على فرصة أخرى على غير سند صحيح من الواقع أو القانون لأن الطاعن لم يكن مريضاً حتى يتمارض ويتقدم بهذا العذر فضلاً عن أنه حتى في تلك الظروف والملابسات ومع ضيق الوقت والمفاجأة التي واجهت الطاعن في وقت غير مناسب فلا تثريب عليه إن هو انصاع إلى الأمر الواقع بصفة مبدأية على النحو الثابت من وقائع الطعن خاصة وإنه يعلم أن ذلك الامتحان قد كان هو الفرصة الأخيرة له.
ومن حيث إن الحكم المطعون عليه قد ذهب إلى خلاف هذا النظر وقضى برفض دعوى الطاعن فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق صحيح حكم القانون مما يتعين معه القضاء بإلغائه وبإلغاء القرار المطعون عليه... ويكون على الجامعة أن تتيح للطاعن فرصة امتحان بديلة في المواد التي رسب فيها حقيقة.
ومن حيث إن الجامعة قد خسرت الطعن ومن ثم فإنه يتعين الحكم بإلزامها بالمصروفات عملاً بالمادة 184 مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً في مواجهة رئيس جامعة الإسكندرية دون غيره، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلغاء القرار المطعون عليه، وألزمت الجامعة المصروفات.

الطعن 15127 لسنة 81 ق جلسة 25 / 6 / 2020

باسم الشعب

محكمـــــة النقـض

الدائرة المدنية والعمالية

ــــــــــــــــــــ

برئاسة السيد المستشار / كمال عبــد النبي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين / أحمد داود ، عـلـى عبــد المنعم محمود عطا و عبــد الباقي مفتاح نواب رئيس المحكمة

بحضور السيد رئيس النيابة / زكى مرسى أبو زهره.

وحضور السيد أمين السر / محمد رجب.

في الجلسة العلنية المنعقدة بمقر المحكمة بدار القضاء العالي بمدينة القاهرة.

في يوم الخميس 4 من ذو القعدة سنة 1441 هـــــ الموافق 25 من يونية سنة 2020 م.

أصدرت الحكم الآتي:

في الطعن المقيد في جدول المحكمة برقم 15127 لسنة 81 ق القضائية.
المرفــــــــــوع مـن
السيد/ رئيس مجلس إدارة بنك التنمية والائتمان الزراعي.
ومقره/ الإدارة العامة للشئون القانونية شارع عثمان محمد – طنطا – محافظة الغربية.
لم يحضر عنه أحد.
ضـــــــــــــــــــد
السيد/ ........... والمقيم/ ......... – بندر زفتى – محافظة الغربية. لم يحضر عنه أحد.

-------------------
الوقائـــع
في يوم 20/8/2011 طُعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف طنطا الصـادر بتاريخ 21/6/2011 في الاستئناف رقــم 80 لسنة 60 ق وذلك بصحيفة طلب فيها الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه.
وفى اليوم نفسه أودع الطاعن مذكرة شارحة وقام قلم الكتاب بضم المفردات.
وفى 19/9/2011 أُعلن المطعون ضده بصحيفة الطعن.
وفى 4/10/2011 أودع المطعون ضده مذكرة بدفاعه طلب فيها رفض الطعن.
ثم أودعت النيابة مذكرتها وطلبت فيها قبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه.
عُرِض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر فحددت لنظره جلسة 14/11/2019 للمرافعة وبذات الجلسة سمعت الدعوى أمام هذه الدائرة على ما هو مبين بمحضر الجلسة حيث صممت النيابة على ما جاء بمذكرتها والمحكمة أرجأت إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.

---------------
المحكمـــة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشـار المقـرر / عبد الباقي مفتاح نائب رئيس المحكمة والمرافعة، وبعد المداولة.
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن المطعون في أن المطعون ضده أقام على الطاعن بنك التنمية والائتمان الزراعي وجه بحرى – الدعوى رقم 107 لسنة 2009 عمال طنطا الابتدائية بطلب الحكم بإلزامه أن يؤدى له المقابل النقدي لرصيد إجازاته عن المدة التي لم يصرفها حتى 31/12/2000 وكذلك عن المدة من 1/1/2006 وحتى تاريخ انتهاء خدمته في 23/2/2008، وقال بياناً لدعواه إنه كان من العاملين بالبنك حتى تاريخ إحالته على المعاش، وامتنع الطاعن عن صرف المقابل النقدي عن المدتين سالفتي البيان فأقام الدعوى. ندبت المحكمة خبيراً، وبعد أن قدم تقريره حكمت بتاريخ 27/12/2009 برفض الدعوى. استأنف المطعون ضده هذا الحكم بالاستئناف رقم 80 لسنة 60 ق أمام محكمة استئناف طنطا، وبتاريخ 21/6/2011 قضت بإلغاء الحكم المستأنف، وبإلزام الطاعن أن يؤدى للمطعون ضده المقابل النقدي عن الستة أيام المتصلة حتى 31/12/2000 وعن عدد 145 يوم من تاريخ 1/1/2001 تاريخ إحالته للمعاش. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدم المطعون ضده مذكرة مقبولة دفع فيها بعدم جواز نظر الطعن، وقدمت النيابة مذكرة أبدت الرأي برفض الدفع المبدى من المطعون ضده وفي الموضوع بنقضه. عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة المشورة فحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من المطعون ضده بعدم جواز الطعن بالنقض فإنه ولئن كان للخصوم وللنيابة وللمحكمة من تلقاء نفسها إثارة الدفع بعدم جواز الطعن بالنقض في الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف إذا كانت قيمة الدعوى لا تجاوز مائة ألف جنيه إعمالاً للمادة 248 من قانون المرافعات باعتبار أن هذا الدفع متعلق بالنظام العام وفى أي وقت إلا أن ذلك مشروط أن تكون عناصر الفصل فيها مستكملة من واقع المستندات المقدمة بملف الطعن تقديماً صحيحاً، فإذا لم تتوافر العناصر الواقعية التي تمكن محكمة النقض من الفصل فيها، فإن الدفع به يعد عارياً من الدليل ويضحى غير مقبول. لما كان ذلك، وكان المطعون ضده لم يحدد قيمة المبلغ المطالب به كمقابل نقدي عن رصيد إجازاته وخلت الأوراق مما يمكن تحديد هذا المبلغ، فإن الدعوى على هذا النحو تكون غير مقدره القيمة ويضحى الدفع على غير أساس.
وحيث عن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى بهما الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال، وفى بيان ذلك، يقول إنه يشترط وفقاً لنص المادة 98 من لائحة نظام العاملين بالبنك الصادرة نفاذاً لأحكام المادة 11 من القانون 117 لسنة 1976 في شأن البنك الرئيسي للتنمية والائتمان الزراعي لحصول العامل على المقابل النقدي لرصيد إجازاته الاعتيادية التي لم يستعملها حتى تاريخ انتهاء خدمته أن يكون حرمانه منها لسبب يرجع لجهة العمل، غير أن الحكم المطعون فيه قضى بإلغاء الحكم المستأنف وبأحقية المطعون ضده في المقابل النقدي عن المدتين المطالب بهما استناداً لأحكام قانون العمل رغم خلو الأوراق من ثمة دليل على أن حرمانه من الإجازة كان لسبب يرجع إلى الطاعن، فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي سديداً ذلك، أن المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أنه لما كان مؤدى نص المادة 11 من القانون رقم 117 لسنة 1976 في شأن البنك الرئيسي للتنمية والائتمان الزراعي أن مجلس إدارة البنك الرئيسي هو السلطة العليا المهيمنة على شئونه وتصريف أموره وله جميع السلطات اللازمة للقيام بالأعمال التي تقتضيها أغراض البنك ومنها
الموافقة على مشروعات اللوائح الداخلية المتعلقة بالشئون المالية والإدارية وإصدار اللوائح المتعلقة بنظام العاملين بالبنك الرئيسي والبنوك التابعة له ومرتباتهم وأجورهم والمكافآت والمزايا والبدلات الخاصة وتحديد بدل السفر لهم في الداخل والخارج وكان مجلس إدارة البنك الرئيسي قد أصدر وبموجب هذه السلطة لائحة بنظام العاملين به وبنوك التنمية والائتمان الزراعي والواجبة التطبيق على واقعة النزاع وقد نصت في المادة 98 منها على أنه يجوز للعامل النزول عن الإجازة الاعتيادية ويتم تسوية رصيد الإجازات أو الأجر المقابل له كل ثلاث سنوات على الأكثر بما يعادل الأجر الأساسي مضافاً إليه العلاوات الخاصة التي كان يتقاضاها والعلاوات الاجتماعية والإضافية وبدل طبيعة العمل الراتب المصرفي وبدل التمثيل دون غيره من المبالغ التي قد يستحقها العامل من الإجازات الاعتيادية التي لم يقم بها طالما أنه لم يحصل عليها لصالح العمل مؤيداً ذلك مستندياً بملف خدمته مع احتفاظ العاملين بما تقرر لهم بشأن البدل النقدي عن رصيد الإجازات حتى 31/12/2000 وبذات القواعد المعمول بها في هذا الشأن. وكان من المقرر أن المدعى هو المكلف قانوناً بإثبات دعواه وتقديم الأدلة التي تؤيد ما يدعيه بما مؤداه انه يقع على عاتق المطعون ضده عبء إثبات أن حرمانه من الإجازة كان راجعاً إلى الطاعن. لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه قد قضى للمطعون ضده بالمقابل النقدي لرصيد إجازاته الاعتيادية عن الفترتين المطالب بالمقابل النقدي عنهما استناداً لأحكام قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 دون أن يعمل أحكام نص المادة 98 من لائحة نظام العاملين بالبنك الطاعن – الواجبة التطبيق – وبقالة إن الطاعن لم يقدم ما يفيد إخطار المطعون ضده بالقيام بإجازاته وامتناعه عن القيام بها وهو ما حجبه عن استظهار ما إذا كان حرمانه من الحصول عليها راجعاً للطاعن من عدمه فإنه يكون قد يكون قد أخطأ في تطبيق القانون، وعابه القصور في التسبيب بما يوجب نقضه.
لــــذلك
نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه، وأحالت القضية إلى محكمة استئناف طنطا، وألزمت المطعون ضده مصروفات الطعن، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة، وأعفته من الرسوم القضائية.

الطعن 3803 لسنة 35 ق جلسة 6 / 6 / 1992 إدارية عليا مكتب فني 37 ج 1 توحيد مبادئ ق 2 ص 22

جلسة 6 من يونيو سنة 1992

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمد المهدي مليحي ومحمد محمود الدكروري ود. عبد المنعم عبد العظيم جيرة ورأفت السيد يوسف ومحمد معروف محمد وإسماعيل عبد الحميد إبراهيم وعبد اللطيف عبد اللطيف الخطيب ومحمد مجدي خليل هارون وعويس عبد الوهاب عويس وأحمد إبراهيم عبد العزيز - نواب مجلس الدولة.

-----------------

(2)
الطعن رقم 3803 لسنة 35 القضائية

دعوى - الحكم في الدعوى - الحكم بعدم الاختصاص والإحالة - مدى التزام محاكم مجلس الدولة بالمادة (110) من قانون المرافعات.
المادة 110 من قانون المرافعات الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968، المادتان 167، 172 من دستور سنة 1971، المادة 15 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972.
استحدث قانون المرافعات بنص المادة (110) حكماً لم يكن مقرراً من قبل وهو وجوب أن تأمر المحكمة بإحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة إذا هي قضت بعدم اختصاصها ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية 
- هذه الإحالة المترتبة على الحكم بعدم الاختصاص الولائي لم تكن المحاكم تملكها من قبل تاريخ العمل بقانون المرافعات 
- إذا قضت جهة القضاء العادي بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وبإحالتها إلى جهة القضاء الإداري فإن محاكم هذه الجهة تلتزم بنظرها أي بالفصل في موضوعها دون أن تعاود بحث مسألة الاختصاص الولائي بها ولو استبان لها أن موضوع الدعوى لا يدخل ضمن ولايتها الفصل فيه طبقاً لمواد القانون المحددة لهذه الولاية والعكس صحيح 
- الحكم بالإحالة ينطوي حتماً على حكم باختصاص المحكمة المحال إليها الدعوى وهو حكم له حجيته أمام جميع المحاكم بحسبانه صادراً من محكمة أناط بها المشرع الولاية في إصداره 
– ليس في التزام المحكمة بنظر الدعوى المحالة إليها ولو لم تكن المحكمة التي قضت بالإحالة أعلى درجة إخلال بقاعدة عدم جواز تسليط قضاء على آخر إلا إذا كان الأول أعلى درجة 
- أساس ذلك: أن المقصود بهذه القاعدة ألا يكون للمحكمة أن تعيد النظر في قضاء صادر من محكمة أخرى إلا إذا كانت الأولى أعلى درجة والفرض أنه ليس للمحكمة المحال إليها الدعوى أي قضاء فيها 
- لا يكون هناك إخلال بقاعدة عدم جواز تسليط قضاء إحدى جهتي القضاء على قضاء الجهة الأخرى ما لم تكن المحكمة المحال إليها محكمة طعن كمحكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا 
– أساس ذلك: مخالفة هذه الإحالة للأوضاع والمواعيد والإجراءات وحالات الطعن المقررة أمام هاتين المحكمتين فضلاً عما قد ينطوي عليه الحكم بعدم الولاية والإحالة لأي من هاتين المحكمتين من إهدار حق التقاضي أمام أكثر من درجة فتضحى غير جائزة 
- محاكم مجلس الدولة وإن كانت لا تندرج في عداد المحاكم المخاطبة بأحكام قانون المرافعات إلا أنها مخاطبة بصريح نص المادة 110 التي أوجبت الإحالة ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية وألزمت المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها 
- تصور المشرع عدم التزام أي من القضاءين بالإحالة الصادرة إليه من الآخر وقيام حالة التنازع السلبي لا يعني البتة أنه قصد عدم سريان حكم المادة 110 مرافعات في الإحالة بين القضاءين وإلا كان الحكم المستحدث كله لغواً والأصل أن المشرع منزه من اللغو 
- غاية الأمر أن هذا التصور يفرضه الواقع لا صحيح أحكام القانون 
- نتيجة ذلك: كان حتماً على المشرع أن يستكمل النظام القضائي بتحديد المحكمة المختصة بالتنازع السلبي على الاختصاص فضلاً عن التنازع الإيجابي 
- ما لم يكن الحكم الصادر بعدم الولاية والإحالة إلى محاكم مجلس الدولة منعدماً يجب أن تلتزم المحكمة المحال إليها الدعوى بالفصل في موضوعها ولو استبان لها أنه لا يندرج في عموم الولاية التي أنيطت بها طبقاً لمواد القانون المحددة لهذه الولاية 
- أساس ذلك: لا اجتهاد مع صراحة النص 
- هذا الالتزام رهين كذلك بعدم وجود محكمة أخرى مختصة خلاف محاكم الجهة القضائية التي صدر الحكم بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى فإن وجدت تعين القضاء مرة أخرى بعدم الاختصاص والإحالة إليها 
- أساس ذلك: حجية الحكم الصادر بعدم الاختصاص والإحالة مقصورة فقط على أسبابه فيمتنع القضاء مرة أخرى بعدم الاختصاص الولائي لاختصاص المحكمة التي أصدرت حكم الإحالة ورهين أيضاً بعدم إلغاء حكم الإحالة من محكمة أعلى إذ به تزول حجيته 
- تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 20 من يوليو 1989 أودع الأستاذ/ محمد يوسف المحامي بالنقض بصفته وكيلاً عن السيد/.......... قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 3803/ 35 القضائية عليا ضد كل من نائب رئيس الوزراء ووزير الحربية والإنتاج الحربي ووزر الداخلية ووزير العدل في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 21/ 5/ 1989 في الدعوى رقم 4404/ 41 ق المقامة من الطاعن ضد المطعون ضدهم والذي قضى بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى وإلزام المدعي المصروفات.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه وباختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى وإعادتها إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها مجدداً، واحتياطياً: الفصل في الدعوى والحكم بطلبات الطاعن الواردة بصحيفة دعواه بعد تعديلها إلى (60.000ج) "ستون ألف جنيه" والطلبات الأخرى وإلزام المطعون ضدهم المصروفات والأتعاب.
وأودع السيد الأستاذ المستشار/ محمد عزت إبراهيم مفوض الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني لهيئة مفوضي الدولة ارتأى فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وباختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى وإعادتها إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وإلزام الجهة الإدارية مصروفات الطعن.
وقد عرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا دائرة منازعات الأفراد والهيئات والتعويضات التي تداولت نظره على النحو المبين بمحاضر الجلسات واستمعت إلى ما رأت لزوم سماعه من ملاحظات ذوي الشأن وبجلسة 3/ 11/ 1990 قررت المحكمة إحالة الطعن إلى هذه الدائرة المشكلة طبقاًَ للمادة (54 مكرراً) من قانون مجلس الدولة للبت فيما إذا كانت محاكم مجلس الدولة تلتزم بالإحالة طبقاً لأحكام المادة 110 من قانون المرافعات من عدمه.
وعينت جلسة 18/ 11/ 1990 لنظر الطعن وأودع السيد الأستاذ المستشار/ علي رضا مفوض الدولة تقريراً تكميلياً مسبباً بالرأي القانوني لهيئة مفوضي الدولة ارتأى في ختامه الحكم بما انتهى إليه التقرير الأول المودع من رأى.
وقد تداول نظره أمامها حيث استمعت إلى ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات وملاحظات في مرافعة ذوي الشأن على النحو المبين بمحاضر الجلسات وقررت إصدار الحكم فيه بجلسة اليوم 23/ 5/ 1992 ثم قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم 6/ 6/ 1992 وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة والمداولة.
ومن حيث إن الإحالة إلى دائرة توحيد المبادئ قد استوفت الأوضاع الشكلية المقررة لنظرها.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراقها - تخلص في أنه بتاريخ 6/ 6/ 1983 أقام السيد/..... الدعوى رقم 6533/ 1963 مدني كلي جنوب القاهرة وطلب في ختام صحيفتها الحكم بإلزام المدعى عليهم على وجه التضامن بأن يدفعوا له مبلغ (ثلاثين ألف جنيه) كتعويض رمزي لما أصابه من أضرار أدبية ومادية والمصاريف، وقال في شرح دعواه أنه بتاريخ 3/ 7/ 1967 أحيل إلى التقاعد بعد ترقيته إلى رتبة لواء طيار، وفي 24/ 8/ 1967 أعتقل وأودع بالقلعة ثم بإدارة أمن المخابرات الحربية حتى أفرج عنه في سبتمبر 1968 ثم أعيد اعتقاله في نوفمبر 1969 ووضع في سجن القناطر ولم يفرج عنه إلا في سبتمبر 1971 رغم إلغاء قرار اعتقاله في غضون عام 1970، وبجلسة 21/ 5/ 1989 حكمت المحكمة بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وبإحالاتها إلى مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري لنظرها. وورد ملف الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري وقيد بجدولها تحت رقم 4404/ 41 ق، وبجلسة 21/ 5/ 1989 أصدرت المحكمة حكمها الطعين القاضي بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وإلزام المدعي المصروفات على أسباب محصلها أنه ولئن كان الثابت أن المدعي قد صدرت قرارات ثلاثة باعتقاله إلا أن الذي لا مرية فيه أنه لا يهدف بدعواه إلى اختصام هذه القرارات بطلب التعويض عنها كتصرفات قانونية صدرت من جهة الإدارة إذ لم يشر في صحيفة الدعوى إلى ما ينبئ عن اتجاه إرادته صراحة أو ضمناً إلى طلب التعويض عن تلك القرارات وإنما يستشف منها أنه إنما يتغيا الحكم له بالتعويض على أساس من الأفعال المادية غير المشروعة التي نسبها إلى تابعي المدعى عليهم يؤيد ذلك ما ورد بمذكرة دفاع الطاعن أمام المحكمة المدنية رداً على الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى بأن المقرر اختصاص القضاء المدني بالفصل في قضايا التعويض عن أضرار نتيجة تعذيب مادي أو نفسي وهو ما عاد يؤكده في صحيفة تعديل الطلبات حيث أشار في سياقها إلى سابقة اعتراضه على الدفع المبدي أمام المحكمة المدنية بعدم الاختصاص الولائي وخلص إلى طلب الحكم له بمبلغ ستون ألف جنيه على سبيل التعويض عما أصابه من أضرار مادية وأدبية عن الأفعال المبينة بأصل صحيفة الدعوى، ومن ثم فإن المنازعة لا تستقيم منازعة إدارية مما ينعقد الاختصاص به لمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بحسبانها لا تعدو أن تكون من قبيل المنازعات المدنية البحتة الأمر الذي يتعين معه الحكم بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى دون إحالتها إلى المحكمة المختصة على موجب صحيح القانون إذ لا جدوى من الإحالة إلى محكمة سبق لها أن عرضت للدعوى بقضاء واستنفدت ولايتها فيها والمدعي وشأنه في سلوك سبيل فض التنازع السلبي.
ومن حيث إن الطعن يقوم على مخالفة الحكم الطعين القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله لأسباب محصلها أن الطاعن أفصح في صحيفة دعواه صراحة وليس ضمناً عن أنه يختصم قرارات اعتقاله كتصرفات قانونية صدرت عن جهة الإدارة، وأن اعتقاله لم يكن له ما يبرره من الواقع والقانون وأنه يمثل اعتداء على حريته التي كفلها الدستور وأنه أصيب بأضرار مادية وأدبية من جراء قرارات اعتقاله والمعاملة غير الإنسانية أثناء فترة اعتقاله هذا فضلاً عن أنه أشار في صحيفة دعواه إلى الفروق المالية التي ضاعت عليه نتيجة إحالته إلى التقاعد ثم اعتقاله ومن ثم ينعقد الاختصاص بنظرها لمحكمة القضاء الإداري.
ومن حيث إن المسألة المطروحة على هذه المحكمة قد حددتها دائرة منازعات الأفراد والهيئات والتعويضات بالمحكمة الإدارية العليا والصادر بجلسة 3/ 11/ 1990 بإحالة الطعن إلى هذه المحكمة للبت في مدى التزام محاكم مجلس الدولة بنظر الدعوى المحالة إليها بحكم صادر بعدم الاختصاص والإحالة من محكمة تابعة لجهة القضاء العادي طبقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 110 من قانون المرافعات المدنية التجارية.
ومن حيث إنه تجدر الإشارة - ابتداء - إلى أن أحكام المحكمة الإدارية العليا الصادرة في شأن تطبيق حكم الفقرة الثانية من المادة 110 من قانون المرافعات المدنية والتجارية تفرقت وجهتين الأولى قضت بأن نص هذه الفقرة بالتزام المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها لا يلزم محاكم مجلس الدولة بالفصل في موضوع الدعوى إذا استبان لها أنها غير مختصة بنظرها طبقاً لمواد القانون المحددة ولايتها، ومن ثم فإن على محاكم مجلس الدولة بالرغم من حكم عدم الاختصاص والإحالة إليها أن تبحث بداءة وقبل الفصل في الموضوع مدى اختصاصها بنظره وفقاً لمواد القانون المحددة لولايتها والإجراءات المطبقة أمامها فإن استبان لها أنها غير مختصة ولائياً بنظره وأن المحكمة التي سبق لها أن قضت بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وبإحالتها إلى محكمة من محاكم مجلس الدولة هي المختصة قانوناً وجب عليها أن تقضي بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى دون إحالتها مرة أخرى إلى المحكمة الأولى بعد إذ استنفدت هذه المحكمة ولايتها بحكمها القطعي الصادر منها في الدعوى بعدم الاختصاص ويقوم هذا الاتجاه على سند مؤداه أن قانون المحكمة العليا الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 1969 قد أناط بها ولاية الفصل في مسائل تنازع الاختصاص السلبي مما مفاده أن المشرع افترض إمكان قيام حالة تنازع الاختصاص السلبي بين القضاءين العادي والإداري في شأن منازعة بعينها (الأحكام الصادرة في الطعون أرقام 513/ 16 ق عليا و23/ 19 ق عليا و1213 و1216 1218/ 18 ق عليا) أما الوجهة الثانية في ذات المسألة فقد قضت بأن نص الفقرة الثانية من المادة 110 المذكورة يلزم محاكم مجلس الدولة بالفصل في موضوع الدعوى التي سبق لإحدى المحاكم العادية أن قضت فيها بعدم اختصاصها ولائياً بنظرها وبإحالتها إلى أي من محاكم مجلس الدولة للاختصاص.
وسند هذا الاتجاه أن المشرع قد استهدف بنص الفقرة الثانية من المادة 110 المذكورة حسم المنازعات ووضع حداً لها حتى لا تتقاذفها أحكام عدم الاختصاص من محكمة إلى أخرى وأنه إزاء صراحة النص المذكور وإطلاقه فإنه يمتنع على المحكمة التي تحال إليها الدعوى بعد الحكم بعدم الاختصاص الولائي الصادر من جهة القضاء العادي أن تعاود البحث في مسألة الاختصاص ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية (الأحكام الصادرة في الطعون أرقام 677/ 31 ق عليا و284/ 25 ق عليا و849 و1034 و1535/ 26 ق عليا و502 و503/ 27 ق عليا).
ومن حيث إن هذه المحكمة في حكمها الصادر بجلسة 27 من إبريل سنة 1986 في الطعن رقم 1845/ 27 ق عليا قد تبنت الاتجاه الأول حيث قضت بعدم التزام محاكم مجلس الدولة بالفصل في الدعاوى المحالة إليها من جهة قضائية أخرى طبقاً للمادة 110 من قانون المرافعات إذا كانت هذه الدعاوى تخرج عن الاختصاص الولائي المحدد قانوناً لمحاكم مجلس الدولة أما في الدعاوى المرفوعة ابتداء أمامها فلها أن تحيلها إلى المحكمة المختصة إذا تبين لها أنها غير مختصة بنظرها وقد شيد هذا القضاء على أسباب محصلها أن قانون المرافعات يسري على المحاكم المحددة في المادة الأولى من قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 46/ 1972 وهي محكمة النقض ومحاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية والجزئية وحيث أوردت كلمة محكمة في نصوص قانون المرافعات كان المقصود بها إحدى هذه المحاكم وهي محاكم القانون الخاص المدنية والتجارية ومحاكم الأحوال الشخصية في حين أن المحاكم الجنائية يسري عليها قانون الإجراءات الجنائية أما محاكم مجلس الدولة فلا تندرج في عداد المحاكم المخاطبة بأحكام قانون المرافعات وعلى ذلك فإن تطبيق أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية على القسم القضائي بمجلس الدولة طبقاً للمادة 3 من قانون المجلس هو تطبيق احتياطي وقانوني مشروط بعدم وجود نص خاص في قانون مجلس الدولة، وعدم تعارض قانون المرافعات مع طبيعة المنازعة الإدارية ونظام المجلس وأوضاعه الخاصة نصاً وروحاً، ومن ثم فلا يجوز أن يؤدي تطبيق أي نص من نصوص قانون المرافعات - كما هو شأن الفقرة الثانية من المادة 110 مرافعات إلى المساس باختصاص المجلس الذي حدده الدستور والقانون، نزولاً على أحكام الدستور ذاته كما لا يجوز إخضاع جهة القضاء الإداري سواء في تحديد اختصاصها أم في موضوع قضائها لجهة قضاء أخرى بالمخالفة لحكم الدستور والقانون وهذا بذاته ما دعا المشرع معه وضع المادة 110 مرافعات بصياغتها الحالية إلى استيفاء أحكام محكمة تنازع الاختصاص فأناطه بالمحكمة العليا ثم بالمحكمة الدستورية العليا وأنه إذا كانت الفقرة الثانية من المادة 110 مرافعات تنص على التزام المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها فهي إنما تخاطب المحاكم التي ينظم قانون المرافعات الإجراءات أمامها وهي المحاكم التي حددها قانون السلطة القضائية دون محاكم مجلس الدولة.
وإذ تمخض تطبيق نص الفقرة الثانية من المادة 110 مرافعات عما يتعارض نصاً وروحاً مع نظام المجلس وأوضاعه الخاصة وطبيعة المنازعة الإدارية وما حدده الدستور والقانون للمجلس من اختصاص فإن حكمها في هذا الخصوص ينأى عن مجال التطبيق أمام محاكم مجلس الدولة حيث يؤدي تطبيقه إلى مخالفة حكم الدستور والقانون بإلزام هذه المحاكم بنظر منازعات تخرج عن اختصاصها.
ومن حيث إن المادة 110 من قانون المرافعات الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 تنص على أنه: "على المحكمة إذا قضت بعدم اختصاصها أن تأمر بإحالة الدعوى بحالتها إلى المحكمة المختصة ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية ويجوز لها عندئذ أن تحكم بغرامة لا تجاوز عشر جنيهات.
وتلتزم المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها".
وبهذا النص استحدث قانون المرافعات حكماً لم يكن مقرراً من قبل ألا وهو وجوب أن تأمر المحكمة بإحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة إذا هي قضت بعدم اختصاصها ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية وهذه الإحالة المترتبة على الحكم بعدم الاختصاص الولائي لم تكن المحاكم تملكها من قبل تاريخ العمل بقانون المرافعات المشار إليه، ذلك أن المادة 135 من قانون المرافعات الملغي كانت تجعل الإحالة جوازية للمحكمة فجعلها نص المادة 110 المشار إليه وجوبية، وجرى القضاء وغالبية الفقه في ظل المادة 135 المذكورة على أن الإحالة المقررة بها - وهي جوازية للمحكمة - لا تكون إلا بين محاكم الجهة القضائية الواحدة فلا يجوز أن تتم إلى محاكم جهة قضائية أخرى كما أنها لا تكون إلا بين محكمتين من طبقة واحدة، ثم صدر القانون رقم 100 لسنة 1962 ونص على تعديل حكم المادة 135 المذكورة فجعل الإحالة وجوبية بين محاكم ذات الجهة القضائية أي دون أن تتعدى الإحالة إلى محاكم جهة قضائية أخرى ونص على أن تلتزم المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها سواء أكانت المحكمة التي قضت بالإحالة من طبقة المحكمة المحال عليها الدعوى أم من طبقة أعلى أو أدنى ثم صدر قانون المرافعات الحالي بالقانون رقم 13 لسنة 1968 ونص في المادة 110 منه على وجوب الإحالة ولو بين جهتي القضاء وعلى أن تلتزم المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها وجاء بالمذكرة الإيضاحية لمشروع القانون تعليقاً على نص هذه المادة أنه قد استحدث المشرع في المادة 110 نصاً مؤداه أن على المحكمة إذا قضت بعدم اختصاصها أن تأمر بإحالة الدعوى بحالتها إلى المحكمة المختصة ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية بعد أن كان القضاء قد استقر في ظل القانون القائم على عدم جواز الإحالة بعد الحكم بعدم الاختصاص، إذا كان ذلك راجعاً إلى سبب متعلق بالوظيفة (أي الولاية) وكان مبنى هذا القضاء فكرة استقلال الجهات القضائية بعضها عن البعض الآخر وهي فكرة لم تعد لها محل بعد تطور القضاء وانحصاره في جهتين تتبعان سيادة واحدة.
وفي مقام عرض أهم ما تضمنه المشروع من مبادئ وأحكام عنيت المذكرة الإيضاحية بترديد العبارة السابقة، وجاء بتقرير اللجنة التشريعية ما يلي "عمد المشروع إلى تنقية النظام القضائي مما علق به من رواسب الماضي وأخصها فكرة استقلال الجهات القضائية بعضها عن البعض الآخر ومقتضاها على ما استقر عليه القضاء من عدم جواز إحالة الدعوى من جهة قضائية إلى جهة أخرى إذا حكمت المحكمة المرفوع إليها الدعوى بعدم اختصاصها لانتفاء الولاية.
وترجع هذه الفكرة إلى العهد الذي كانت فيه ولاية القضاء مقطعة الأوصال تتقاسمها جهات قضائية متعددة بعضها مصري والبعض الآخر غير مصري، ولم يعد لهذه الفكرة محل بعد تطور نظام القضاء وتوحيده في جهتين تتبعان سيادة واحدة هي سيادة الدولة، ولذلك أوجب المشرع على المحكمة إذا قضت بعدم اختصاصها أن تحيل الدعوى بحالتها إلى المحكمة المختصة ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية، وتلتزم المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها.
ومن حيث إن صريح نص المادة 110 من قانون المرافعات المشار إليه ومذكرته الإيضاحية وتقرير اللجنة التشريعية مفاده أنه إذا قضت جهة القضاء العادي بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وبإحالتها إلى جهة القضاء الإداري فإن محاكم هذه الجهة تلتزم بنظرها أي بالفصل في موضوعها دون أن تعاود بحث مسألة الاختصاص الولائي بها ولو استبان لها أن موضوع الدعوى لا يدخل ضمن ولايتها الفصل فيه طبقاً لمواد القانون المحددة لهذه الولاية والعكس صحيح ومن شأن التزام محاكم جهتي القضاء العادي والإداري بحكم هذا النص ولا ريب في وجوب التزامها به القضاء على حالات التنازع السلبي للاختصاص فيما بينهما ويكون نص الفقرة الثانية من المادة 110 مرافعات إذا كان موضوع الدعوى المحالة لا يندرج قانوناً في ولاية المحكمة المحال عليها معدلاً لولايتها في خصوصية موضوع الدعوى المحالة، وهذا طبقاً لصريح نص القانون وهو أيضاً ما يقول به فقه المرافعات في شأنه ولا اجتهاد مع صراحة النص وغني عن البيان أن الحكم في هذه الحالة ليس حكماً بعدم الاختصاص فحسب حتى يقال أنه لا يقيد إلا المحكمة التي أصدرته من حيث قضائها بعدم اختصاصها وإنما هو حكم أيضاً باختصاص المحكمة التي أحيلت إليها الدعوى وذلك بناء على أن القانون ينص على أن المحكمة إذا قضت بعدم اختصاصها فإن عليها أن تأمر بإحالتها إلى "المحكمة المختصة" فالمحكمة تحيل الدعوى بناء على تحديدها للمحكمة المختصة لا تزيداً منها وإنما بمقتضى السلطة التي خولها إياها القانون أي بمقتضى ولايتها بالحكم باختصاص المحكمة المحال إليها بنظر الدعوى المحالة أي أن حكم الإحالة إلى المحكمة المحال إليها الدعوى صدر من محكمة لها الولاية في إصداره فيحوز حجيته أيضاً أمام المحكمة المحال إليها.. وبعبارة أخرى فإن الحكم بالإحالة ينطوي حتماً على حكم باختصاص المحكمة المحال إليها الدعوى وهو حكم له حجيته أمام جميع المحاكم بحسبانه صادراً من محكمة أناط بها المشرع بصريح نص المادة 110 مرافعات الولاية في إصداره وليس في التزام المحكمة بنظر الدعوى المحالة إليها ولو لم تكن المحكمة التي قضت بالإحالة أعلى درجة إخلال بقاعدة عدم جواز تسليط قضاء على آخر إلا إذا كان الأول أعلى درجة لأن المقصود بهذه القاعدة ألا يكون للمحكمة أن تعيد النظر في قضاء صادر من محكمة أخرى إلا إذا كانت الأولى أعلى درجة والفرض أنه ليس للمحكمة المحال إليها الدعوى أي قضاء فيها كذلك ليس فيه إخلال بقاعدة عدم جواز تسليط قضاء إحدى جهتي القضاء على قضاء الجهة الأخرى المنوه عنه ما لم تكن المحكمة المحال إليها محكمة طعن كمحكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا لمخالفة هذه الإحالة للأوضاع والمواعيد والإجراءات وحالات الطعن المقررة أمام هاتين المحكمتين فضلاً عما قد ينطوي عليه الحكم بعدم الولاية والإحالة لأي من هاتين المحكمتين من إهدار حق التقاضي أمام أكثر من درجة، فتضحى غير جائزة، أما التزام من عدا هاتين المحكمتين من محاكم جهتي القضاء العادي والإداري بحكم الإحالة، فهو إعمال لقاعدة حجية الشيء المحكوم فيه ومقتضاها أن للحكم حجيته أمام جميع المحاكم بصرف النظر عن المحكمة التي أصدرته، وبصرف النظر عن المحكمة التي يحتج به أمامها إذ أنه حكم صادر من محكمة لها الولاية وفقاً لأحكام المادة 110 مرافعات في إصداره كما سبق البيان وحيث إنه لا سند أو جدوى في محاولة تخصيص إطلاق عبارة الفقرة الثانية من المادة 110 المذكورة تخلصا مما يترتب على الإحالة من تعديل لولاية محاكم مجلس الدولة في خصوصية الدعوى المحالة إذا كان موضوعها لا يندرج قانوناً في ولايته بالقول بأن محاكم مجلس الدولة لا تندرج في عداد المحاكم المخاطبة بأحكام قانون المرافعات، وبالتالي فهي تلتزم بما يقضي به نص الفقرة الثانية من المادة 110 من التزام المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها ذلك أنه ولئن كان صحيحاً أن محاكم مجلس الدولة لا تندرج في عداد تلك المحاكم إلا أنها مخاطبة بصريح نص المادة 110 المذكورة التي أوجبت الإحالة ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية وألزمت المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها وهو الحكم الذي استحدثه قانون المرافعات الجديد الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 والذي لا مجال لتطبيقه إلا في الإحالة لعدم الاختصاص الولائي أي إلا في الإحالة لمحاكم جهة القضاء الإداري، فلا يسوغ معه القول بأن محاكم مجلس الدولة غير مخاطبة به يؤكد سلامة هذا النظر ما ورد بالمذكرة الإيضاحية وتقرير اللجنة التشريعية عن المادة (110) مرافعات من أن القصد من استحداثه هو القضاء على حالات التنازع السلبي للاختصاص حسبما سبق ذكر ذلك ومن هذا يتأكد أنه لا مجال لتخصيص حكم المادة 110 مرافعات بأي مخصص سواء من النص أم من خارجه، أما القول أن المشرع نفسه صدر عنه مبدأ عدم التزام القضاء الإداري بالإحالة إليه في أمر خارج عن اختصاصه إذ نظم الفصل في تنازع الاختصاص الإيجابي والسلبي على الوجه الذي حدده قانون المحكمة العليا ثم قانون المحكمة الدستورية العليا، وهما صادران بعد المادة 110 في صياغتها الحالية مما يقطع بأن المشرع تصور عدم التزام أي من القضاءين بالإحالة الصادرة إليه من الآخر، مما يؤدي حتماً إلى تنازع الاختصاص السلبي ومما يعني عدم سريان حكم المادة 110 مرافعات في الإحالة بين القضاءين إذ أن القول بوجوب الالتزام الدقيق بالإحالة المقررة بهذه المادة يؤدي حتماً إلى نفس تصور قيام التنازع السلبي هذا القول - في الحقيقة - يدحض نفسه بنفسه، ذلك أن تصور المشرع عدم التزام أي من القضاءين بالإحالة الصادرة إليه من الآخر لا يعني البتة أنه قصد عدم سريان حكم المادة 110 مرافعات في الإحالة بين القضاءين وإلا كان الحكم المستحدث كله لغواً والأصل أن المشرع ينزه عن اللغو، غاية الأمر أن هذا التصور يفرضه الواقع لا صحيح أحكام القانون، ومن ثم فكان حتماً على المشرع أن يستكمل النظام القضائي بتحديد المحكمة المختصة بالتنازع السلبي على الاختصاص فضلاً عن التنازع الإيجابي وبعبارة أخرى فإن قصد المشرع الصريح الواضح في القضاء على حالات التنازع السلبي طبقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 110 مرافعات لا يمنع من قيامها على سبيل الخطأ في تطبيق القانون وتأويله وهي دائماً تكون كذلك كأن يؤول حكم المادة 110 مرافعات تأويلاً خاطئاً أو مغايراً لقصده فينشأ عنه حالات التنازع السلبي على الاختصاص.
ومن ثم فكان حتماً على المشرع سد هذه الثغرة في التنظيم القضائي ومؤدى هذا أنه ليس لقانون المحكمة العليا أو لقانون المحكمة الدستورية العليا أي دلالة في نسخ حكم الفقرة الثانية من المادة 110 مرافعات حسبما أراده المشرع وأخيراً فليس يبقى من حجج الرأي العكسي سوى القول بأن من شأن الالتزام بحكم الإحالة المبني على عدم الاختصاص الولائي أن تفصل محاكم مجلس الدولة في منازعات تخرج عن اختصاصها كما حدده الدستور والقانون كالدعاوى المدنية والتجارية والجنائية والأحوال الشخصية ويتعين بادئ ذي بدء القول بأنه عندما وضع نص المادة (110) من قانون المرافعات كان اختصاص محاكم مجلس الدولة كهيئة قضائية مستقلة غير منصوص عليه في الدستور وقد صدر الدستور الحالي في 11 من سبتمبر 1971 ونص في المادة 172 على أن مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة ويختص بالفصل في المنازعات الإدارية وفي الدعاوى التأديبية ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى وقد نص الدستور في الفصل الخاص بالسلطة القضائية على أنها مستقلة وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر أحكامها وفقاً للقانون ونصت المادة 167 على أن يحدد القانون اختصاصات الهيئات القضائية وقد نصت المادة (15) من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 على أنه فيما عدا المنازعات الإدارية التي تخص مجلس الدولة تختص المحاكم بالفصل في كافة المنازعات والجرائم إلا ما استثنى بنص خاص ومن ثم فإنه إذا تمت إحالة منازعة من تلك المنازعات التي لا تدخل أصلاً في ولاية محاكم مجلس الدولة بالمنازعات الإدارية التي حددها الدستور والقانون وتدخل في ولاية جهات القضاء الأخرى وفقاً لمقتضى أحكام الدستور وقانون السلطة القضائية وقانون المرافعات والإجراءات الجنائية أو غيرها من القوانين فإن هذا الحكم بالإحالة يقوم على مخالفة النظام العام القضائي حسبما حدده الدستور وليس فقط على مخالفة لأحكام القانون المنظم لاختصاص محاكم مجلس الدولة أو أحكام المادة 110 من قانون المرافعات المدنية والتجارية فالأحكام التي تصدر من إحدى محاكم القضاء العادي بعدم ولاية المحكمة بنظر المنازعة وبإحالتها إلى إحدى محاكم مجلس الدولة أحكام لها حجيتها القانونية وإلزامها لمحاكم مجلس الدولة طبقاً للمادة 110 من قانون المرافعات ما دامت هذه الأحكام لا تفقد صفتها وكيانها كأحكام قضائية وهي لا تكون كذلك إلا لو فقدت ركناً أو أكثر من أركانها كأحكام قضائية لو صدرت منعدمة كأحكام فاقدة لأركان وجودها كأحكام قضائية في الحالات المسلم بها فقهاً وقضاءً فسيادة القانون أساس الحكم في الدولة وتخضع الدولة للقانون واستقلال القضاء وحصانته ضمان أساسي لحماية الحقوق والحريات العامة للمواطنين والتقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا (المواد 64، 65، 68 من الدستور) ولا يعتد بأحكام منعدمة تهدر الأسس الجوهرية لنظام سيادة القانون أو للنظام القضائي العام في البلاد.
والواقع من الأمر أن هذه حجة جدلية بحته إذ لم يحدث بالفعل من تاريخ العمل بنص المادة 110 مرافعات منذ عام 1968 حتى الآن أن أحيلت إلى محاكم مجلس الدولة منازعة تجارية أو جنائية أو منازعة أحوال شخصية، إنما انحصر الأمر في مجال بعض المنازعات المدنية وحدها التي يحدث خلاف في تكييف مدى كونها من المنازعات الإدارية التي تتولاها محاكم مجلس الدولة طبقاً لنص المادة (172) من الدستور وأحكام قانون تنظيم المجلس حالياً، ولا ريب في أن ذلك ينطوي حقاً على مخالفة لولاية مجلس الدولة بنظر المنازعات الإدارية والدعاوى التأديبية كما هي محددة بنص المادة 172 من الدستور وبنصوص قانون مجلس الدولة.
ومن حيث إن خلاصة القول في ذلك كله أن مقتضى صريح نص الفقرة الثانية من المادة 110 مرافعات أنه ما لم يكن الحكم الصادر بعدم الولاية والإحالة إلى محاكم مجلس الدولة منعدماً وأن تلتزم المحكمة المحال إليها الدعوى بالفصل في موضوعها ولو استبان لها أنه لا يندرج في عموم الولاية التي أنيطت بها طبقاً لمواد القانون المحددة لهذه الولاية، ولا اجتهاد مع صراحة النص، وهذا الالتزام رهين كذلك - بعدم وجود محكمة أخرى مختصة خلاف محاكم الجهة القضائية التي صدر الحكم بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى فإن وجدت تعين القضاء مرة أخرى بعدم الاختصاص والإحالة إليها – لما هو معلوم من أن حجية الحكم الصادر بعدم الاختصاص والإحالة المذكور مقصورة فقط على أسبابه، فيمتنع القضاء مرة أخرى بعدم الاختصاص الولائي لاختصاص المحكمة التي أصدرت حكم الإحالة ورهين أيضاً بعدم إلغاء حكم الإحالة من محكمة أعلى، إذ به تزول حجيته.
ويتعين في هذا المجال بالنسبة لنقد تشريع نص الفقرة الثانية من المادة 110 مرافعات لا في مجال استظهار حكمها على النحو الذي أراده المشرع وفقاً لما سلف البيان والقول بأن الأصل أنه إذا جاز للمحاكم أن تنتقد تشريع نص ما مستهدفة دعوة المشرع إلى الأخذ بأحسن منه، إلا أنه لا يجوز لها الامتناع عن تطبيقه تحت أية ذريعة فوظيفة المحاكم التي حددها الدستور (م/ 165) هي تطبيق القانون لا تعطيله واستهدافاً لحسن سير العدالة فإنه ومن الإنصاف في هذا الصدد القول بأنه من الأوفق تشريعياً أن يترك حكم الإحالة بين جهتي القضاء ومن حيث مدى التزام المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها للقواعد العامة ومواد الدستور والقانون المحددة لولاية كل جهة قضائية فلا تلتزم بها المحكمة المحال إليها إلا إذا كان موضوع الدعوى المحالة مما يدخل ضمن ولايتها الفصل فيه، احتراماً لقواعد الاختصاص المتعلقة بالولاية وهي دقيقة الصلة بالنظام العام الدستوري والقضائي في البلاد بذات الدرجة المقررة لقاعدة حجية الشيء المحكوم فيه فالإحالة بن جهتي القضاء لم تكن مقرره من قبل تشريع المادة 110 مرافعات ومع هذا فلا مانع تشريعياً من تقريرها كإجراء تأمر به المحكمة إذا هي حكمت بعدم اختصاصها الولائي بنظر الدعوى تيسيراً على المتقاضين وكل تيسير في إجراءات تحقيق العدالة واجب دستوري ووطني محمود باعتبار أن "التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة" كما يقول صدر المادة 68 من الدستور دون أن تلتزم المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها إلا إذا كان موضوعها مما يدخل ضمن ولايتها الفصل فيه احتراماً لمواد القانون المحددة لهذه الولاة وهي وثيقة الصلة بسيادة القانون وبالنظام العام القضائي في البلاد وعدم تغليب رغبة المشرع في القضاء على حالات التنازع السلبي للاختصاص على الشرعية وسيادة القانون والنظام العام.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بالتزام محاكم مجلس الدولة بالفصل في الدعاوى المحالة إليها من جهة قضائية أخرى طبقاً للمادة 110 من قانون المرافعات ولو كانت تخرج عن الاختصاص الولائي المحدد قانوناً لمحاكم مجلس الدولة وأمرت بإحالة الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة الإدارية العليا لتفصل فيه وفقاً لذلك.