الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 30 يناير 2022

الطعن ١١٣٧٣ لسنة ٨٨ ق جلسة ٨ / 2 / ٢٠٢١

باسم الشعب
محكمة النقض
دائرة الاثنين ( ب ) الجنائية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المؤلفة برئاسة السيد القاضي/ وليد حسن حمزة نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ وائل شوقي وهاني مختار المليجي نائبي رئيس المحكمة وعمرو أبو السعود وتامر عابدين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) المصلحة في الطعن.
لا مصلحة للطاعن في النعي بشأن ما ورد بتقرير المعمل الكيماوي من خلو السرنجة المضبوطة من مخدر. متى أثبت وجود آثار لمخدر الهيروين في عينة البول المأخوذة منه.

(٢) نقض " التقرير بالطعن وإيداع الأسباب ".
التقرير بالطعن في الميعاد وعدم إيداع الأسباب في الميعاد. مؤداه ؟

(٣) حكم " بيانات حكم الإدانة ".
بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة. وإيراد مؤدى الأدلة. لا قصور. أساس ذلك ؟
مثال

(٤) جريمة " أركانها ". تلبس. قبض. تفتيش. محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل ".
التلبس تبيح لمأمور الضبط القضائي القبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه وأن يفتشه
تقدير توافر حالة التلبس أو عدم توافرها. موضوعي. مادامت النتيجة التي انتهت إليها تتفق منطقيًا مع المقدمات والوقائع التي أثبتتها في حكمها.

(٥) حكم " تسبيبه. تسبيب غير معيب ".
استخلاص الحكم في منطق سليم توافر حالة التلبس في حق الطاعن. لا قصور
مثال

(٦) نقض " أسباب الطعن. ما لا يقبل منها ".
إثارة أساس جديد للدفع لأول مرة أمام محكمة النقض. غير مجد.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
١- لما كان لا مصلحة للطاعن فيما يثيره بشأن ما ورد بتقرير المعمل الكيماوي من خلو السرنجة المضبوطة من ثمة مخدر، مادام وصف التهمة التي دين بها يبقى سليماً لما أثبته تقرير المعمل الكيماوي من وجود آثار لمخدر الهيروين في عينة البول المأخوذة من الطاعن، ومن ثم يكون منعی الطاعن في هذا الشأن غير سديد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" الـوقـائـــع "

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخر في قضية الجناية رقم .... لسنة ۲۰۱۷ قسم شبين القناطر ( والمقيدة بالجدول الكلي برقم .... لسنة ۲۰۱۷) بوصف أنهم وآخر سبق الحكم عليه في يوم ٢٤من مارس سنة ٢٠١٧ بدائرة قسم شبين القناطر- محافظة القليوبية:

١- أحرزوا بقصد التعاطي جواهر مخدرًا "هيروين، حشيش، ترامادول" في غير الأحوال المصرح بها قانونًا.

وأحالتهم إلى محكمة جنايات بنها لمعاقبتها طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.

والمحكمة المذكورة قضت حضوريا في ٢٢ من يناير سنة ٢٠١٨ وعملاً بالمواد ۱، ۲، ۳۷/ ١، ٢، ٤٢ / ١ من القانون ۱۸۲ لسنة ١٩٦٠ المعدل والبند رقم (۲) من القسم الأول من الجدول رقم (١) والبندین رقمي (٥٦، ١٥٢) من القسم الثاني من الجدول رقم (۱) الملحقين بالقانون مع إعمال المادة ۳۲ من قانون العقوبات بمعاقبتهما بالسجن المشدد لمدة ثلاث سنوات وتغريم كلًا منهم عشرة آلاف جنيه ومصادرة المخدرة المضبوط.

فقرر المحكوم عليهما الثاني والثالث بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض في ٧، ١٥ فبراير سنة ٢٠١٨، وأودعت مذكرة بأسباب الطعن عن المحكوم عليه الثاني في ٢١ من مارس سنة من السنة ذاتها موقع عليها من الأستاذ / .... المحامي.

وبجلسة اليوم سمعت المحكمة المرافعة على ما هو مبــين بمحضـــر الجلسة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المحكمـــــــــــــــة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة وبعد المداولة.

أولًا: عن الطعن المقدم من الطاعن / .... :

من حيث إن الطاعن وان قرر بالطعن بالنقض في الميعاد، إلا أنه لم يودع أسبابًا لطعنه، ومن ثم يتعين عدم قبوله طعنه شكلًا.

ثانيًا: عن الطعن المقدم من الطاعن / .... :

من حيث إن الطعن قد استوفي الشكل المقرر في القانون

ومن حيث ينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه، أنه إذ دانه بجريمة إحراز جواهر الهيروين والحشيش والترامادول المخدرة بقصد التعاطي، قد شابه القصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال، وران عليه البطلان ذلك بأنه أطرح بما لا يسوغ دفعه ببطلان القبض والتفتيش لانتفاء حالة التلبس، ودانه الحكم رغم ما أثبته تقرير المعمل الكيماوي من خلو السرنجات المضبوطة من ثمة مخدر، وضرب صفحًا عن دفعه ببطلان استجوابه بتحقيقات النيابة العامة لعدم حضور محام معه، كل ذلك، يعيب الحكم ويستوجب نقضه.

وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان القبض والتفتيش لانتفاء حالة التلبس، واطرحه تأسيسًا على أن ضابط الواقعة قد انتقل لمكان تواجد المتهمين بالقرب من خطوط السكك الحديدية بدائرة المركز في ساعة متأخرة من الليل - بعد أن أبلغه مصدره السرى بتعاطيهم للمواد المخدرة - وأبصرهم يتعاطون المواد المخدرة وبيد كل منهم سرنجة طبية بها آثار دماء يحقن بها نفسه ومن ثم أصبح أمام جريمة متلبسًا بها تبيح له ضبط المتهمين. لما كان ذلك، وكان التلبس على ما يبين من نص المادة ۳۰ من قانون الإجراءات الجنائية صفة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها، وأن حالة التلبس بالجناية تبيح لمأمور الضبط القضائي طبقاً لمادتين ٣٤، ٤٦ من قانون الإجراءات الجنائية أن يقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه وأن يفتشه، وتقدير توافر حالة التلبس أو عدم توافرها هو من الأمور الموضوعية البحتة التي توكل بداءة لرجل الضبط القضائي على أن يكون تقديره خاضعًا لرقابة سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع وفق الوقائع المعروضة عليها بغير معقب مادامت النتيجة التي انتهت إليها تتفق منطقيًا مع المقدمات والوقائع التي أثبتتها في حكمها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص في منطق سلیم ما انتاب رجل الضبط من ريب وظن بشأن جلوس الطاعن وآخرين على خطوط السكك الحديدية في ساعة متأخرة من الليل يتعاطون المواد المخدرة - بعد أن أخبره المصدر السري بذلك - وبيد كل منهم سرنجة طبية بها آثار دماء يحقن بها نفسه، فإن مثل هذه الأمارات تبيح استيقاف الطاعن للكشف عن حقيقة هذا الوضع، كما يحق له القبض عليه – ولو لم يتبين كنه المادة المخدرة - ومن ثم فإن ما انتهى إليه الحكم فيما تقدم سائغ ويتوافر به حالة التبس بجريمة تعاطي مخدر الهيروين، ويكون ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك، وكان لا مصلحة للطاعن فيما يثيره بشأن ما ورد بتقرير المعمل الكيماوي من خلو السرنجة المضبوطة من ثمة مخدر مادام وصف التهمة التي دين بها يبقى سليمًا لما أثبته تقرير المعمل الكيماوي من وجود آثار لمخدر الهيروين في عينة البول المأخوذة من الطاعن ومن ثم يكون منعی الطاعن في هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك، وكان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يثير شيئًا عما ينعاه في أسباب طعنه، من بطلان استجوابه بتحقيقات النيابة العامة لعدم حضور محام معه، فليس له من بعد أن يثير هذه الأمور لأول مرة أمام محكمة النقض.، فضلًا عن أن الحكم المطعون فيه لم يعول في الإدانة على دليل مستمد من استجوابه في تحقيقات النيابة العامة. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين لذلك رفضه موضوعًا.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة : بعدم قبول الطعن المقدم من الطاعن/ .... وقبول الطعن المقدم من الطاعن .... شكلًا وفي الموضوع برفضه.

القضية 1 لسنة 13 ق جلسة 15/ 5 / 1993 دستورية عليا مكتب فني 5 ج 2 طلبات أعضاء ق 2 ص 407

جلسة 15 مايو سنة 1993

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله - أعضاء،

وحضور السيد المستشار/ محمد خيرى طه عبد المطلب - رئيس هيئة المفوضين،

وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد - أمين السر.

-------------------

قاعدة رقم (2)

الطلب رقم 1 لسنة 13 قضائية "طلبات أعضاء"

(1) دعوى. "تكييفها. مثال".
المحكمة الدستورية العليا بما لها من هيمنة على الدعوى هي التي تعطيها وصفها الحق وتكييفها القانوني الصحيح. مثال: المنازعة حول مقدار المكافآت التي يدعى الطالب استحقاقها عن ندبه وليس لها شأن بأصل الحق فيها، أو صلة بمصدره هي في حقيقة مرماها مطالبة بإجراء تسوية تستمد من القانون مصدرها المباشر وليست من قبيل دعاوى الإلغاء.
(2) قانون. "قانون المحكمة الدستورية العليا. هيئة المفوضين: ندب - مكافأة الندب".
قانون المحكمة الدستورية العليا حرص على تعيين السلطة المختصة بإصدار قرار الندب للعمل بهيئة المفوضين والشروط الإجرائية اللازمة لصدوره. خلو نصوصه من قاعدة ملزمة بتحديد مكافأة الندب، أثر ذلك: ترخص المحكمة في تقديرها بمراعاة الأعمال التي يؤديها المنتدبون وأوضاع ميزانيتها. القواعد التي تتقرر في هذا الشأن: طبيعتها: قواعد عرفية إدارية ملزمة.
(3) ندب - "أنواعه. التمييز في المعاملة المالية بين المنتدبين بسحب نوع الندب أساس ذلك".
الندب قد يكون طوال الوقت، وقد يكون لبعض الوقت. أحقية المنتدب لمكافأة في الحالة الثانية وحدها، أساس هذه التفرقة إعفاء المنتدب طوال الوقت من أعباء وظيفته الأصلية وانحصار جهده في العمل الذي ندب إليه، على خلاف المنتدب لبعض الوقت إذ يعتبر العمل المندوب له مضافا لأعباء الوظيفة الأصلية.
(4) ندب. "إنهاؤه".
حق المحكمة في العدول عن ندب عضو من جهته الأصلية للعمل بهيئة المفوضين بها، يقابله أن الندب لا يكون إلا بموافقته كما لا يعتبر الندب مانعا من إنهاء المنتدب له قبل اكتمال مدته إذا قدر أن ذلك أكفل لمصلحته وأصون لحقوقه المالية.

----------------
1 - إن المحكمة الدستورية العليا بما لها من هيمنة على الدعوى هي التي تعطيها وصفها الحق وتكييفها القانوني الصحيح، متقصية في سبيل ذلك طلبات المدعى فيها، غير مقيدة بالمعنى الحرفي لألفاظها وعباراتها، مستظهرة حقيقة مراميها وأبعادها. وإذ كانت المنازعة الماثلة تدور حول مقدار المكافأة التي يدعى الطالب استحقاقها عن ندبه، ولا شأن لها بأصل الحق فيها، وليس لها من صلة بمصدره من الناحية القانونية، فإنها لا تعتبر في تكييفها القانوني الصحيح من قبيل دعاوى الإلغاء التي يتقيد رافعها بالميعاد المنصوص عليه في المادة 85 من قانون السلطة القضائية، بل هي في حقيقة مرماها مطالبة بإجراء تسوية تستمد من القانون مصدرها المباشر.
2 - إن قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 قد نص في مادته الثانية والعشرين على أنه "يجوز بقرار من رئيس المحكمة ندب أعضاء من الهيئات القضائية للعمل بهيئة المفوضين بها ممن تنطبق عليهم أحكام الفقرة السابقة، وذلك بعد أخذ رأى الجمعية العامة، وطبقا للإجراءات المنصوص عليها في قانون الهيئة التي ينتمون إليها" ويستفاد من هذا النص، أن قانون هذه المحكمة - مؤيدا بما جرى عليه العمل في الهيئات القضائية - وإن حرص على تعيين السلطة التي يدخل إصدار قرار الندب في اختصاصها وكذلك الشروط الإجرائية اللازمة لصدوره، إلا أن النصوص التي تضمنها قانون المحكمة، خلت جميعها من أية قاعدة ملزمة تتحدد المكافأة - في مقدارها - على ضوئها. ولازم ذلك أن لهذه المحكمة السلطة الكاملة التي تقرر بها المكافأة التي يستحقها المنتدبون إليها بمراعاة الأعمال التي يؤدونها لديها، ونطاق أعبائها، وما يبذلونه من جهد في إنجازها، وأوضاع ميزانيتها. وترخصها في ذلك لا يعدو أن يكون التزاما من جانبها بقاعدة عرفية إدارية تستقل بموجبها في تقرير مكافأة المنتدبين إليها، وعلى تقدير أن القواعد العرفية الإدارية تنزل منزلة النصوص ذاتها، وتأخذ حكمها ولا تجوز مخالفتها.
3 - من المقرر أن ندب عضو من جهته الأصلية للعمل بهيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا مرهون بموافقته التي يوازيها حق الجهة التي يندب إليها في أن تعدل عن ندبه وأن تقرر إنهاءه قبل اكتمال مدته، وكان رئيس هذه المحكمة إذ قرر لأول مرة - وخلافا لما كان قد جرى عليه من قبل من قيام المنتدبين طوال الوقت بأداء أعمالهم في الهيئة دون مقابل - مكافأة للطالب عن ندبه إليها طوال الوقت مقدارها خمسة وسبعون جنيها شهريا، وكان تقرير المكافأة على هذا النحو واقعا في حدود سلطته التقديرية، ومعززا بواقعة أن ندبه طوال الوقت بهيئة المفوضين، لازمها إعفاؤه خلال مدة ندبه من أعباء وظيفته الأصلية، وانحصار جهده في العمل الذي ندب إليه، في حين يعتبر هذا العمل مضافا إلى أعباء الوظيفة الأصلية بالنسبة إلى من يندبون لبعض الوقت، وهى تفرقة تقوم بها فواصل التمييز بين صورتين من صور الندب، وتقتضى المغايرة بينهما من مقدار المكافأة على أساس من الحق والعدل. ولا محل بالتالي لأن تعامل هاتان الصورتان معاملة قانونية متكافئة، ذلك أن التمييز بينهما - في مجال مقدار المكافأة - يستند إلى أسس موضوعية تعتبر بذاتها نافية لشبهة التحكم في التقدير، نابذة مجانبته للصالح العام.
4 - ما قرره الطالب من أن المكافأة التي قدرها رئيس المحكمة على النحو المتقدم بيانه، أقل مما تقرر لأقرانه الذين ندبوا للعمل في جهات أخرى، وأن ندبه للعمل بهيئة المفوضين أدى إلى حرمانه مما كان يمكن أن يتقاضاه منها لو أنه ندب إليها إضافة إلى عمله الأصلي أو استقلالا عنه، مردود بأن المكافأة التي يقدرها رئيس المحكمة لمن يندبون للعمل بهيئة المفوضين لها ضوابطها النابعة من طبيعة العمل فيها وما رصد من اعتمادات مالية لمقابلة جهود المنتدبين إليها. كذلك فإن ندب القاضي مؤقتا للعمل بأعمال قضائية أو قانونية غير عمله أو بالإضافة إلى عمله، لا يكون إلا بموافقته، ولا يعتبر ندبه في أية جهة لمدة معينة، مانعا من إنهائه لها قبل اكتمالها والعودة إلى جهته الأصلية إذا قدر أن ذلك أكفل لمصلحته وأصون للحقوق المالية التي يتوقعها من ندبه للعمل في جهة غير هيئة المفوضين. وهو ما قام الدليل على نقيضه، إذ ظل الطالب قائما بالعمل طوال الوقت بهذه الهيئة - ودون ما اعتراض من جانبه - إلى أن قرر مجلس القضاء الأعلى إنهاء هذا الندب في 16 أكتوبر سنة 1989.


الإجراءات

بتاريخ 22 من أغسطس سنة 1991 أودع السيد المستشار ...... هذا الطلب قلم كتاب المحكمة طالبا الحكم بإلزام المدعى عليهم بأن يؤدوا إليه مكافأة مقابل ندبه طوال الوقت بهيئة المفوضين بالمحكمة بنسبة 100% من راتبه الأساسي خلال الفترة من أول ديسمبر سنة 1985 حتى 16 أكتوبر سنة 1989.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصليا بعدم قبول الطلب لرفعه بعد الميعاد، واحتياطيا برفضه.
وبعد تحضير الطلب، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظر الطلب على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيه بجلسة 9 مارس سنة 1993. وبذات الجلسة قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الطلب وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطالب أقام أمام المحكمة الدستورية العليا الطلب رقم 1 لسنة 13 قضائية "طلبات أعضاء". وقال شرحا له أنه ندب للعمل بهيئة المفوضين بهذه المحكمة طوال الوقت اعتباراً من 1 ديسمبر 1985 إبان شغله وظيفة مستشار بمحكمة استئناف القاهرة. وقد منح مكافأة شهرية مقابل هذا الندب مقدارها خمسة وسبعون جنيها إلى أن قرر مجلس القضاء الأعلى بتاريخ 16 أكتوبر سنة 1989 إنهاء ندبه لهيئة المفوضين طوال الوقت، مع الموافقة على أن يكون ندبه لها لبعض الوقت. وأنه ظل طوال فترة ندبه بالهيئة يطالب بمساواته بزملائه المنتدبين طوال الوقت بمكتب المدعى الاشتراكي، والذين كانوا يتقاضون مكافأة مقدارها 200% من رواتبهم الأساسية، وأنه إذ تقدم إلى السيد الأستاذ المستشار رئيس المحكمة مطالبا بمستحقاته لديها، ولم يتلق ردا على طلبه، فقد أقام طلبه الماثل.
ومن حيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الطلب تأسيسا على أن الطلب الماثل هو في حقيقته طعن على قرار السيد المستشار رئيس المحكمة بتقرير مكافأة للطالب مقدارها خمسة وسبعون جنيها شهريا، وأنه طبقا لنص المادة 85 من قانون السلطة القضائية، يتعين أن يرفع الطلب خلال ثلاثين يوما من تاريخ نشر القرار المطعون فيه في الجريدة الرسمية أو إعلان صاحب الشأن به أو عمله به علما يقينيا، وأنه ترتيبا على ذلك، كان يتعين عليه أن يقيم طلبه الماثل خلال ثلاثين يوما من تاريخ علمه بقرار منحه المكافأة علما يقينا في 1 ديسمبر سنة 1985. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى إذ كان الطالب قد طلب في 6 يناير سنة 1991 من السيد المستشار رئيس المحكمة تقرير مكافأة شهرية عن ندبه بواقع 100% من راتبه الأساسي، وكان عدم تلقيه ردا على طلبه يعتبر بمثابة قرار سلبى بالامتناع عن تقرير المكافأة التي طلبها، فقد كان يتعين عليه أن يقيم طلبه بإلغاء هذا القرار خلال الثلاثين يوما التالية لانقضاء ثلاثين يوما على تاريخ تقديم طلبه، وإذ كان الطالب قد أغفل التقيد بالميعاد المحدد لدعوى الإلغاء سواء بالنسبة لقرار منح المكافأة أم بالنسبة إلى قرار الامتناع عن تقريرها في الحدود التي طلبها، فإن طلبه في الحالتين يكون غير مقبول شكلا.
وحيث إنه هذا الدفع مردود بأن المحكمة بما لها من هيمنة على الدعوى هي التي تعطيها وصفها الحق وتكييفها القانوني الصحيح، متقصية في سبيل ذلك طلبات المدعى فيها، غير مقيدة بالمعنى الحرفي لألفاظها وعباراتها، مستظهرة حقيقة مراميها وأبعادها. وإذ كانت المنازعة الماثلة تدور حول مقدار المكافأة التي يدعى الطالب استحقاقها عن ندبه، ولا شأن لها بأصل الحق فيها، وليس لها من صلة بمصدره من الناحية القانونية، فإنها لا تعتبر في تكييفها القانوني الصحيح من قبيل دعاوى الإلغاء التي يتقيد رافعها بالميعاد المنصوص عليه في المادة 85 من قانون السلطة القضائية، بل هي في حقيقة مرماها مطالبة بإجراء تسوية تستمد من القانون مصدرها المباشر.
وحيث إن قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 قد نص في مادته الثانية والعشرين على أنه "يجوز بقرار من رئيس المحكمة ندب أعضاء من الهيئات القضائية للعمل بهيئة المفوضين بها ممن تنطبق عليهم أحكام الفقرة السابقة، وذلك بعد أخذ رأى الجمعية العامة، وطبقا للإجراءات المنصوص عليها في قانون الهيئة التي ينتمون إليها".
وحيث إنه يستفاد من هذا النص، أن قانون هذه المحكمة - مؤيدا بما جرى عليه العمل في الهيئات القضائية - وإن حرص على تعيين السلطة التي يدخل إصدار قرار الندب في اختصاصها وكذلك الشروط الإجرائية اللازمة لصدوره، إلا أن النصوص التي تضمنها قانون المحكمة، خلت جميعها من أية قاعدة ملزمة تتحدد المكافأة - في مقدارها - على ضوئها. ولازم ذلك أن لهذه المحكمة السلطة الكاملة التي تقرر بها المكافأة التي يستحقها المنتدبون إليها بمراعاة الأعمال التي يؤدونها لديها، ونطاق أعبائها، وما يبذلونه من جهد في إنجازها، وأوضاع ميزانيتها. وترخصها في ذلك لا يعدو أن يكون التزاما من جانبها بقاعدة عرفية إدارية تستقل بموجبها في تقرير مكافأة المنتدبين إليها، وعلى تقدير أن القواعد العرفية الإدارية تنزل منزلة النصوص القانونية ذاتها، وتأخذ حكمها ولا تجوز مخالفتها.
وحيث إن من المقرر أن ندب عضو من جهته الأصلية للعمل بهيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا مرهون بموافقته التي يوازيها حق الجهة التي يندب إليها في أن تعدل عن ندبه، وأن تقرر إنهاءه قبل اكتمال مدته، وكان رئيس هذه المحكمة إذ قرر لأول مرة - وخلافا لما كان العمل قد جرى عليه من قبل من قيام المنتدبين طوال الوقت بأداء أعمال في الهيئة دون مقابل - مكافأة للطالب عن ندبه إليها طوال الوقت مقدارها خمسة وسبعون جنيها شهريا، وكان تقرير المكافأة على هذا النحو واقعا في حدود سلطته التقريرية، ومعززا بواقعة أن ندبه طوال الوقت بهيئة المفوضين، لازمها إعفاؤه خلال مدة ندبه من أعباء وظيفته الأصلية، وانحصار جهده في العمل الذي ندب إليه، في حين يعتبر هذا العمل مضافا إلى أعباء الوظيفة الأصلية بالنسبة إلى من يندبون لبعض الوقت، وهى تفرقة تقيم بذاتها فواصل التمييز بين صورتين من صور الندب، وتقتضى المغايرة بينهما من مقدار المكافأة على أساس من الحق والعدل. ولا محل بالتالي لأن تعامل هاتان الصورتان معاملة قانونية متكافئة، ذلك أن التمييز بينهما - في مجال مقدار المكافأة - يستند إلى أسس موضوعية تعتبر بذاتها نافية لشبهة التحكم في التقدير، نابذة مجانبته للصالح العام.
وحيث إن ما قرره الطالب من أن المكافأة التي قدرها رئيس المحكمة على النحو المتقدم بيانه، أقل مما تقرر لأقرانه الذين ندبوا للعمل في جهات أخرى، وإن ندبه للعمل بهيئة المفوضين أدى إلى حرمانه مما كان يمكن أن يتقاضاه منها لو أنه ندب إليها إضافة إلى عمله الأصلي واستقلالا عنه، مردود بأن المكافأة التي يقدرها رئيس المحكمة لمن يندبون للعمل بهيئة المفوضين لها ضوابطها النابعة من طبيعة العمل فيها وما رصد من اعتمادات مالية لمقابلة جهود المنتدبين إليها. كذلك فإن ندب القاضي مؤقتا للعمل بأعمال قضائية أو قانونية غير عمله أو بالإضافة إلى عمله، لا يكون إلا بموافقته ولا يعتبر ندبه في أية جهة لمدة معينة، مانعا من إنهائه لها قبل اكتمالها والعودة إلى جهته الأصلية إذا قدر أن ذلك أكفل لمصلحته وأصون للحقوق المالية التي يتوقعها من ندبه للعمل في جهة غير هيئة المفوضين، وهو ما قام الدليل على نقيضه، إذ ظل الطالب قائما بالعمل طوال الوقت بهذه الهيئة - ودون ما اعتراض من جانبه - إلى أن قرر مجلس القضاء الأعلى إنهاء هذا الندب في 16 أكتوبر سنة 1989.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطلب شكلا، ورفضه موضوعا.

القضية 2 لسنة 12 ق جلسة 15/ 5 / 1993 دستورية عليا مكتب فني 5 ج 2 طلبات أعضاء ق 1 ص 393

جلسة 15 مايو سنة 1993

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين/ الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله - أعضاء،

وحضور السيد المستشار/ محمد خيرى طه عبد المطلب - رئيس هيئة المفوضين،

وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد - أمين السر.

---------------

قاعدة رقم (1)

الطلب رقم 2 لسنة 12 قضائية "طلبات أعضاء"

(1) طلب. "تكييفه".
طلب بطلان قرار رئيس الجمهورية رقم 357 لسنة 1990 وذلك فيما تضمنه من إغفال اسم الطالب ضمن المستشارين المعينين بالمحكمة الدستورية العليا وبمراعاة أقدميته. تكييفه: طلب بإلغاء قرار إداري فيما تضمنه من إغفال تعيين الطالب عضوا بهذه المحكمة.
(2) دعوى الإلغاء. "المصلحة فيها".
المصلحة في دعوى الإلغاء: توافرها متى كان الطالب في حالة قانونية خاصة بالنسبة إلى القرار المطعون فيه من شأنها أن تجعل هذا القرار مؤثرا تأثيرا مباشرا في مصلحته الشخصية المباشرة.
(3) دعوى الإلغاء. "الصفة فيها".
طالب الإلغاء هو الأصيل في الخصومة الناشئة عن هذه الدعوى، وهو يباشرها للحصول على المنفعة التي يقرها القانون من ورائها.
(4) هيئة المفوضين. "تقريرها في الدعوى: طبيعته: أحد عناصر البحث في الدعوى: أثره".
لا أثر للادعاء ببطلان تقرير الهيئة بمقوله ممالأتها لرئيسها عند إعداده، إذ لا تعتبر الهيئة من قبيل قضاء الحكم وليس من شأن تقاريرها أن تؤثر في العقيدة التي تطمئن إليها المحكمة فيما تفصل فيه.
(5) محكمة دستورية عليا. "تعيين".
عضو المحكمة. خضوع تعيينه لنوعين من الشروط أولهما مستمد من القانون مباشرة، وثانيهما مرجعه إلى السلطة التقديرية للجمعية العامة للمحكمة.
(6) المحكمة الدستورية العليا - "الجمعية العامة للمحكمة - سلطتها في الاختيار".
اختيار الجمعية العامة للمحكمة لعضو جديد. مقتضاه: التثبت من توافر شروط التعيين في المرشح فضلا عن كافة ما تقدره من عناصر واقعية تبلورها طبيعة الوظيفة التي يتولاها عضو المحكمة.
(7) قانون - "قانون المحكمة الدستورية العليا - المجلس الأعلى للهيئات القضائية - سلطته في المفاضلة بين مرشحين لشغل وظيفة عضو المحكمة".
المجلس الأعلى للهيئات القضائية لا يباشر السلطة المخولة له في مجال المفاضلة بين المرشحين لوظيفة عضو المحكمة الدستورية العليا - طبقا للمادة الخامسة من قانونها - إلا إذا اختار رئيس المحكمة غير العضو الذي رشحته جمعيتها العامة. اتفاق الجمعية العامة ورئيس المحكمة على مرشح معين مؤداه: لا اختصاص للمجلس الأعلى للهيئات القضائية بإجراء المفاضلة ولا إلزام على الرئيس بعرض مرشحين اثنين لكل وظيفة خالية على المجلس الأعلى للهيئات القضائية.
(8) الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا "عناصر التقدير التي تعتمد عليها في اختيار المرشحين"
الخبرة السابقة المكتسبة من العمل بهيئة المفوضين وكذا الأقدمية الأسبق لأحد المتزاحمين على وظيفة "عضو المحكمة الدستورية العليا" ليستا من عناصر الأفضلية التي تفيد لزوما أن المرشح لشغل هذه الوظيفة أجدر من غيره ممن تتوافر فيهم العناصر الواقعية التي تعتمد عليها الجمعية العامة في المفاضلة التي تجريها بين المرشحين.
(9) قرار إداري: "أركانه".
الأصل في القرارات الإدارية هو صدورها عن جهة الاختصاص بها مستوفية أوضاعها الشكلية مطابقة في محلها للقانون وأنها بريئة في بواعثها وأهدافها من كل مطعن عليها.
(10) قرار إداري "عيب إساءة استعمال السلطة: إثباته".
عيب إساءة استعمال السلطة: عيب قصدي يتعين أن يقوم الدليل عليه من عيون الأوراق.
(11) دستور - "مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص: وظيفة".
إعمال مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص مرده إلى التماثل في الشروط الموضوعية التي يقتضيها الصالح العام، والتي على ضوئها يتحدد الأحق والأجدر بالوظيفة التي يجرى التزاحم عليها.
(12) قرار إداري - "التعويض عنه".
انتفاء مسئولية جهة الإدارة عن قراراتها المشروعة أيا ما كانت النتائج المترتبة عليها أو الأضرار التي ألحقتها.

-----------------
1 ، 2 ، 3 - إن الطلب الماثل لا يعدو في تكييفه القانوني الصحيح أن يكون طلبا بإلغاء قرار إداري، هو قرار رئيس الجمهورية رقم 357 لسنة 1990 فيما تضمنه من إغفال تعيين الطالب عضوا بالمحكمة الدستورية العليا. ولا يلزم لقبول دعوى الإلغاء أن يكون المدعى ذا حق أخل به القرار المطعون فيه، بل يكفى أن تكون له مصلحة شخصية مباشرة - مادية أو أدبية - في طلب إلغائه وذلك بأن يكون في حالة قانونية خاصة بالنسبة إلى القرار المطعون فيه من شأنها أن تجعل هذا القرار مؤثرا تأثيرا مباشرا في مصلحته تلك. متى كان ما تقدم، وكان البين من أوراق الدعوى الماثلة أنه إثر إبداء الطالب رغبته في التعيين عضوا بالمحكمة الدستورية العليا، عرض ملف خدمته - بعد طلبه من وزارة العدل - مع ملفات آخرين لتكون تحت نظر الجمعية العامة للمحكمة في مجال الموازنة التي تجريها بين الأسماء المعروضة عليها لاتخاذ قرار بشأنها، فإن مصلحته الشخصية المباشرة في الطعن على ما تضمنه القرار المطعون فيه من إغفال تعيينه - وهو القرار الذي انبنى على ترشيح الجمعية العامة للمحكمة ورأى المجلس الأعلى للهيئات القضائية - تكون قائمة. كما أن صفته في إقامة الطلب الماثل لا نزاع فيها، إذ هو الأصيل في هذه الخصومة، والفائدة المرجوة منها تعود إليه، وهو يباشرها للحصول على المنفعة التي يقرها القانون من ورائها.
4 - إذ دفع الطالب ببطلان تقرير هيئة المفوضين في الطلب الماثل بمقولة ممالأتها لرئيس هذه الهيئة الذي كان قد أنبأ زملاءه فيها - وبتاريخ 28 يوليو 1990 بأن الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا قد انتوت ترشيحه عضوا بها، وهى واقعة يشهد بصحتها - على حد قوله - أعضاء هيئة المفوضين، وكان القول ببطلان تقرير هيئة المفوضين تأسيسا على قالة ممالأة الهيئة لرئيسها عند إعداد تقريرها، مردود بأن ولاية هيئة المفوضين مختلفة في طبيعتها ومداها عن ولاية الفصل في الخصومة. ولا يعتبر أعضاؤها بالتالي مخاطبين بالنصوص التي تحدد الأحوال التي يعتبر فيها القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعا من سماعها. هذا فضلا عن أن التقارير التي تعدها الهيئة - فيما يعرض عليها من مسائل - لا تعتبر من قبيل قضاء الحكم، وليس من شأنها أن يؤثر في العقيدة التي تطمئن إليها المحكمة فيما تفصل فيه، أو أن توجهها وجهة بذاتها، أو تقيدها فيما تخلص إليه وإنما مرد الأمر إلى قناعتها هي على ضوء ما تراه كاشفا عن حكم الدستور والقانون. وليس لجهة بالتالي أن تبدل ما تراه حقا، أو أن تؤثر في اتجاهها، أو أن تفرض عليها تصورا يناقض مفهومها للحقائق الموضوعية والحلول القانونية التي تستخلصها بنفسها، وإنما كلمتها هي القول الفصل والحقيقة الراجحة التي يقوم عليها قضاؤها، عائدة - في منابتها واتصال حلقاتها - إليها. والتقارير التي تعدها هيئة المفوضين، لا تعدو أن تكون أحد عناصر بحثها، بل هي تنحيها إذا بدا لها افتقارها إلى الدعامة التي تحملها.
5 ، 6 - إن التعيين في وظيفة عضو بالمحكمة الدستورية العليا مرده إلى اجتماع نوعين من الشروط، أولهما: شروط تتصل بالضوابط القانونية التي تتطلبها المادة الرابعة من قانون المحكمة الدستورية العليا لتعيين عضو جديد بها، وجميعها شروط مصدرها المباشر نص القانون، ولا يجوز الانتقاص منها ولو في بعض جوانبها. وليس للجمعية العامة للمحكمة أن تترخص في تقديرها. بل عليها إعمالها بالكيفية التي ضبطها بها المشرع باعتبار أن سلطتها في شأنها مقيدة. ثانيهما: شروط تدور حول عناصر واقعية جامعها طبيعة الولاية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا في مجالاتها المختلفة، وقيامها بوجه خاص بمهمة إرساء الشرعية الدستورية على صعيد النصوص التشريعية جميعها ومكانتها الرفيعة التي دل عليها موقعها من التنظيم القضائي في جمهورية مصر العربية. وهو ما حدا بالدستور إلى أن يفردها بفصل خاص يعزلها عن السلطة القضائية بتنظيماتها المختلفة، ويبين جوهر أحكامها التي لا يجوز التغيير فيها إلا بتعديل الدستور ذاته، بما مؤداه أن اختيار الجمعية العامة لعضو جديد، يقتضيها - بالإضافة إلى تثبتها من توافر الشروط التي يتطلبها قانون المحكمة لتعيينه فيها - أن تدخل في اعتبارها مجموعة من العناصر الواقعية التي تترخص في تقريرها، تقتضيها وتبلورها طبيعة الوظيفة التي يتولاها عضو المحكمة، وخطورة المهام المرتبطة بها، واتصالها بوجه خاص بالرقابة القضائية على الدستورية التي تتبوأ مرتبة الصدارة من الشرعية في مدارجها المختلفة. ولازم ذلك أن يقاس تعيين كل عضو جديد بموازين دقيقة تمثل الأهلية في نطاقها درجاتها العليا باعتبار أن مناطها هو القدرة على مواجهة أعباء وظيفة بعينها، والاضطلاع بمسئوليتها في دائرة تتصادم المصالح فيها بصورة حادة، وتكون مقابلتها ببعض والموازنة بينها أمرا محتوما تغليبا لخضوع الدولة للقانون، والتزامها بروحه وفحواه. وفى هذا الإطار تتحدد للصلاحية الموضوعية معاييرها، وتتحراها الجمعية العامة بلوغا لغاية الأمر فيها، غير مقيدة بعنصر معين دون غيره، وهي تنزلها المكانة التي تستحقها لارتباطها بطبيعة العمل في المحكمة الدستورية العليا، واتصالها الأعمق بمتطلباته. متى كان ذلك، وكان لا نزاع في أن الشروط القانونية التي تتطلبها المادة الرابعة من قانون المحكمة فيمن يعين عضوا بها متوافرة في حق الطالب باعتبارها مفترضا أوليا لنظر طلبه، وكان ليس ثمة دليل يؤيد صحة ما ادعاه من تطرق الخلل إلى قرار الجمعية العامة باستبعاده، بمقولة أن هذا القرار كان غير منبنٍ على فحصها الموضوعي لأهلية المتزاحمين على الوظيفة، بل كان معدا من قبل، ويعكس رغبتها في تعيين رئيس هيئة المفوضين عضوا جديدا بالمحكمة، وكان ما تتوخاه الجمعية العامة حقا هو ألا يكون بين مرشحيها من يعد غير صالح للنهوض بمهام هذه الوظيفة، مجانبا لمتطلباتها، غير أهل لتحمل تبعاتها، فان قالة مخالفة القرار المطعون فيه للقانون، لا يكون لها محل.
7 - إذ نص قانون المحكمة الدستورية العليا في مادته الخامسة على أن يكون تعيين عضو المحكمة بقرار من رئيس الجمهورية بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للهيئات القضائية من بين اثنين ترشح أحدهما الجمعية العامة للمحكمة ويرشح الآخر رئيس المحكمة، فقد دل بذلك على أن المجلس الأعلى للهيئات القضائية لا يباشر السلطة المخولة له قانونا في مجال المفاضلة بين مرشحين معروضين عليه، إلا إذا اختار رئيس المحكمة غير العضو الذي رشحته جمعيتها العامة. ولا محاجة في القول ببطلان القرار المطعون فيه ترتيبا على أنه كان يتعين على رئيس المحكمة أن يعرض على هذا المجلس مرشحين اثنين لكل وظيفة خالية، ولو كان من رشحته الجمعية العامة لشغلها مقبولا منه، إذ لو صح ذلك - وهو غير صحيح - لكان عليه أن يعارض الجمعية العامة دوما منحيا اختيارها، ولو قام على أسس موضوعية لها معينها، وهو ما لا يتصور أن يكون المشرع قد قصد إليه.
8 - إن العمل في هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا مستقل في طبيعته وخصائصه عن الرسالة التي تقوم عليها هذه المحكمة في مجال ممارستها لاختصاصاتها المحددة بالدستور وبقانون إنشائها، ذلك أن هيئة المفوضين تعكس في التقارير التي تقدمها إلى المحكمة وجهة نظر قانونية مجردة، وهى وجهة تدخلها المحكمة في اعتبارها مضيفة إليها طبيعة المصالح التي تتنازع فيما بينها في شأن الموضوع المعروض عليها، ووزن كان منها، ودرجة تناقضها وإمكان التوفيق بينها، وما يقتضيه ترجيح إحداها - تغليبا لموجباتها - من حلول. كما أن الأقدمية الأسبق - بفرض توافرها - لا تستغرق العناصر التي تدخلها الجمعية العامة في اعتبارها في مجال مفاضلتها بين المرشحين المعروضة أسماؤهم عليها. وليس لها في ذاتها قوام يرجحها على عناصر أخرى أكثر أهمية منها. هذا بالإضافة إلى أنه عند التزاحم على وظيفة لها خصائصها الذاتية - كتلك المتعلقة بالتعيين في المحكمة الدستورية العليا - فإن الأقدمية الأسبق في الجهة الأصلية لأحد المتزاحمين عليها، لا تفيد لزوما أنه أفضل من غيره ممن تتوافر فيهم العناصر الواقعية التي تعتمد عليها الجمعية العامة في المفاضلة التي تجريها بين المرشحين، باعتبار أن هذه العناصر وثيقة الصلة بطبيعة العمل في المحكمة، وخطورة المهام المرتبطة بولايتها، وما يقتضيه تصريفها من المرونة والموضوعية والقدرة على ابتكار الحلول الواقعية.
9 ، 10 - الأصل في القرارات الإدارية هو صدورها عن جهة الاختصاص بها مستوفية أوضاعها الشكلية مطابقة في محلها للقانون، وأنها بريئة في بواعثها وأهدافها من كل مطعن عليها. والنعي عليها بإساءة استعمال السلطة، مؤداه انحرافها عن المصلحة العامة وتنكبها لمتطلباتها، وانقطاع صلتها بها، أو مجاوزتها لأغراض بذاتها رصدها المشرع عليها. متى كان ذلك، وكان عيب إساءة استعمال السلطة ينال من الغاية التي توختها جهة الإدارة في مجال إصدار القرار المطعون فيه، فإنه يعد عيبا قصديا، ولا يفترض بالتالي. وإنما يتعين أن يقوم الدليل عليه من وقائع محددة لها معينها من عيون الأوراق ذاتها، وهو ما تخلف في الطلب الماثل.
11 - لئن نص الدستور على تكافؤ الفرص في المادة الثامنة منه، وكفل الحماية القانونية المتكافئة بين المواطنين في مادته الأربعين، إلا أن إعمال هذين المبدأين كليهما مرده إلى التماثل في الشروط الموضوعية التي يقتضيها الصالح العام، والتي على ضوئها يتحدد الأحق والأجدر بالوظيفة التي يجرى التزاحم عليها. إذ كان ذلك، وكانت العناصر التي اعتمد عليها الطالب في تقرير أفضليته في الظفر بالوظيفة التي كان يأمل التعيين فيها، لا تعد من أوجه التمايز التي يتفوق بها على السيدين العضوين الذين صدر بتعيينهما القرار المطعون فيه، وكان تقرير الجمعية العامة توافر عناصر شغل الوظيفة في هذين العضوين من دونه، هو مما تترخص فيه على ضوء ما يكون نابعا من طبيعة هذه الوظيفة وخصائصها على ما تقدم، فإن قالة مخالفة القرار المطعون فيه للمادة الثامنة، والمادة الأربعين من الدستور، لا يكون لها محل.
12 - من المقرر أنه لا مسئولية على الجهة مصدرة القرار إلا إذا كان غير مشروع، وذلك بأن كان مشوبا بأحد العيوب المنصوص عليها في المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972، فإن بريئا منها، فإن مسئولية الجهة التي أصدرته - وأيا ما كانت النتائج المترتبة عليه أو الأضرار التي ألحقها - تكون منتفية تبعا لانتفاء ركن الخطأ، ومن ثم يكون طلب التعويض المقدم من الطالب حريا بالرفض.


الإجراءات

بتاريخ 13 أكتوبر سنة 1990 أودع السيد الأستاذ المستشار ...... هذا الطلب قلم كتاب المحكمة طالبا الحكم بقبوله شكلا وفى الموضوع ببطلان قرار رئيس الجمهورية رقم 357 لسنة 1990 وذلك فيما تضمنه من إغفال اسم الطالب ضمن المستشارين المعينين بالمحكمة وبمراعاة أقدميته. وبتاريخ 25 ديسمبر سنة 1990 عدل الطالب من طلباته مضيفا إليها طلب إلزام المدعى عليهم بأن يؤدوا إليه متضامنين جنيها واحدا على سبيل التعويض المؤقت.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصليا بعدم قبول طلب الإلغاء واحتياطيا برفض طلبي الإلغاء والتعويض.
وأودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظر الطلبان على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيهما بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الأوراق - تتحصل في أن الطالب كان قد أقام أمام المحكمة الدستورية العليا الطلب رقم 2 لسنة 12 قضائية "طلبات أعضاء"، وقال شرحاً له أنه ندب للعمل بهيئة المفوضين بهذه المحكمة طوال الوقت اعتباراً من أول ديسمبر سنة 1985 حتى 30 يونيه سنة 1989 ولبعض الوقت اعتباراً من 1 يوليه 1989 حتى 30 يونيه سنة 1990، وقد باشر خلال مدة ندبه تحضير الدعاوى التي عهد إليه بها على تعدد موضوعاتها وتباين مناحي الاجتهاد فيها، وكان يتوخى من ندبه أنه يعين عضوا بالمحكمة أسوة بما جرى عليه العمل من تعيين أقرانه بهيئة المفوضين بها بعد ندبهم من مجلس الدولة إلى هذه الهيئة، وأنه أثناء فترة ندبه، رقى في الجهة القضائية التي ندب منها إلى وظيفة قضائية تعادل وظيفة رئيس هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا ووظيفة عضو بهذه المحكمة، وكان من المفترض أن يعين في إحدى وظائفها الخالية لاسيما بعد أن تقدم بمذكرة طلب فيها ذلك، إلا أنه فوجئ بقرار يصدر عن جمعيتها العامة بجلستها المعقودة في 28 يوليه سنة 1990 يتضمن ترشيحها لاثنين آخرين هما السيدان المستشاران ....... وقد عرض أمر هذا الترشيح على المجلس الأعلى للهيئات القضائية فأقره في 29 يوليه سنة 1990 ثم صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 357 لسنة 1990 - وهو القرار المطعون فيه - بتعيينهما عضوين بالمحكمة الدستورية العليا. وبتاريخ 25 ديسمبر سنة 1990 عدل الطالب من طلباته مضيفا إليها طلبه إلزام المدعى عليهم بأن يؤدوا إليه متضامنين جنيها واحدا على سبيل التعويض المؤقت تأسيسا على أن القرار المطعون فيه - إذ أغفل تعيينه - فإنه يكون قد عرض بكرامته، وبكفاءته العلمية، وبصلاحيته، والحق به كذلك أضرارا مادية.
ومن حيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول طلب إلغاء القرار المطعون فيه بمقولة انتفاء شرطي المصلحة والصفة بالنسبة إلى مقدمه تأسيساً على أن ندبه للعمل بهيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا لا يكسبه الحق في التعيين عضواً بها.
وحيث إن هذا الدفع غير سديد، ذلك أن الطلب الماثل لا يعدو في تكييفه القانوني الصحيح أن يكون طلباً بإلغاء قرار إداري هو قرار رئيس الجمهورية رقم 357 لسنة 1990 فيما تضمنه من إغفال تعيينه عضواً بالمحكمة الدستورية العلي، متى كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يلزم لقبول دعوى الإلغاء أن يكون المدعى ذا حق أخل به القرار المطعون فيه، بل يكفى أن تكون له مصلحة شخصية مباشرة في طلب إلغائه سواء كانت هذه المصلحة مادية أم أدبية، وذلك بأن يكون في حالة قانونية خاصة بالنسبة إلى القرار المطعون فيه من شأنها أن تجعل هذا القرار مؤثرا تأثيرا مباشرا في مصلحته تلك. متى كان ما تقدم، وكان البين من أوراق الدعوى الماثلة أنه أثر إبداء الطالب رغبته في التعيين عضواً بالمحكمة الدستورية العليا، عرض ملف خدمته - بعد طلبه من وزارة العدل - مع ملفات آخرين لتكون تحت نظر الجمعية العامة في مجال الموازنة التي تجريها بين الأسماء المعروضة عليها لاتخاذ قرار بشأنها، فإن مصلحته الشخصية المباشرة في الطعن على ما تضمنه القرار المطعون فيه من إغفال تعيينه - وهو القرار الذي انبنى على ترشيح الجمعية العامة للمحكمة ورأى المجلس الأعلى للهيئات القضائية - تكون قائمة. كما أن صفته في إقامة الطلب الماثل لا نزاع فيها، إذ هو الأصيل في هذه الخصومة، والفائدة المرجوة منها تعود إليه. وهو يباشرها للحصول على المنفعة التي يقرها القانون من ورائها.
وحيث إن الطالب دفع ببطلان التقرير الذي أعدته هيئة المفوضين في الطلب الماثل بمقولة أن السيد المستشار ..... - وقد كان رئيس الهيئة - قد أخطر زملاءه في 28 يولية سنة 1990 بانعقاد عزم الجمعية العامة على تعيينه بما مؤداه أن قرارها من معد من قبل، وقد طلب أن يستشهد بأعضاء الهيئة على صحة هذه الواقعة، كما نعى على تقرير الهيئة بطلانه بقولة أنه صدر عنها ممالأة منها لرئيسها.
وحيث إن هذا الدفع غير سديد، ذلك أن بطلان تقرير الهيئة بالمعنى الذي قصد إليه الطاعن، مردود أولاً بأن ولاية الهيئة مختلفة في طبيعتها ومداها عن ولاية الفصل في الخصومة، ولا يعتبر أعضاؤها بالتالي مخاطبين بالنصوص التي تحدد الأحوال التي يعتبر فيها القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها. ومردود ثانياً بأن التقارير التي تعدها الهيئة - فيما يعرض عليها من مسائل - لا تعتبر من قبيل قضاء الحكم، وليس من شأنها أن تؤثر في العقيدة التي تطمئن إليها المحكمة فيما تفصل فيه، أو أن توجهها وجهة بذاتها، أو تقيدها فيما تخلص إليه. وإنما مرد الأمر إلى قناعتها هي على ضوء ما تراه كاشفاً عن حكم الدستور والقانون. وليس لجهة بالتالي أن تبدل ما تراه حقاً، أو أن تؤثر في اتجاههما، أو أن تفرض عليها تصورا يناقض مفهومها للحقائق الموضوعية والحلول القانونية التي تستخلصها بنفسها. وإنما كلمتها هي القول الفصل، والحقيقة الراجحة التي يقوم عليها قضاؤها، عائدة - في منابتها واتصال حلقاتها - إليها. والتقارير التي تعدها هيئة المفوضين بها لا تعدو أن تكون أحد عناصر بحثها، بل هي تنحيها إذا بدأ لها افتقارها إلى الدعامة التي تحملها.
وحيث إن الطالب ينعى على القرار المطعون فيه مخالفته للقانون، قولاً منه بأن قرار الجمعية العامة للمحكمة - بالنسبة إلى من ترشحهم للتعيين فيها - ليس عملاً قضائياً متمتعاً بالحصانة ضد إلغائه والتعويض عنه، بل هو قرار إداري، وأنه ولئن كان قانون المحكمة لم يفصل القواعد التي يتعين على الجمعية العامة أن تلتزمها عند مباشرتها لهذا الاختصاص، إلا أنها مقيدة في عملها بالموضوعية، وباستهدافها المصلحة العامة، فليس في القانون ثمة سلطة بغير قيود، هذا بالإضافة إلى أن القرار المطعون فيه تسبقه مراحل مختلفة تمهد السبيل إلى صدوره، تتمثل في ترشيح الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا، وما يقره المجلس الأعلى للهيئات القضائية، وبطلان أية مرحلة منها يصم القرار المطعون فيه بالبطلان، وقد كان انعقاد الجمعية العامة في 28/ 7/ 1990 صوريا وباطلاً بإفصاحها قبل انعقادها عن انعقاد عزمها واتجاه إرادتها إلى ترشيح غيره، هو السيد المستشار/ ......، ودون أن تفاضل بينه وبين المتزاحمين معه وفقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 5 من قانون المحكمة الدستورية العليا، ومن ثم يكون القرار المطعون فيه - وقد انبنى على ترشيح الجمعية العامة - باطلاً لتطرق الخلل إلى إحدى حلقاته.
وحيث إن هذا النعى مردود أولاً بأن التعيين في وظيفة عضو بالمحكمة الدستورية العليا مرده إلى اجتماع نوعين من الشروط، أولهما: شروط تتصل بالضوابط القانونية التي تتطلبها المادة الرابعة من قانون المحكمة الدستورية العليا لتعيين عضو جديد بها، وجميعها شروط مصدرها المباشر نص القانون. ولا يجوز الانتقاص منها ولو في بعض جوانبها. وليس للجمعية العامة للمحكمة أن تترخص في تقديره، بل عليها إعمالها بالكيفية التي ضبطها بها المشرع باعتبار أن سلطتها في شأنها مقيدة. وثانيهما: شروط تدور حول عناصر واقعية جامعها طبيعة الولاية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا في مجالاتها المختلفة، وقيامها بوجه خاص بمهمة إرساء الشرعية الدستورية على صعيد النصوص التشريعية جميعه، ومكانتها الرفيعة التي دل عليها موقعها من التنظيم القضائي في جمهورية مصر العربية. وهو ما حدا بالدستور إلى أن يفردها بفصل خاص يعزلها عن السلطة القضائية بتنظيماتها المختلفة، ويبين جوهر أحكامها التي لا يجوز التغيير فيها إلا بتعديل الدستور ذاته، بما مؤداه أن اختيار الجمعية العامة لعضو جديد، يقتضيها - بالإضافة إلى تثبتها من توافر الشروط التي يتطلبها قانون المحكمة لتعيينه فيها - أن تدخل في اعتبارها مجموعة من العناصر الواقعية التي تترخص في تقديرها، تقتضيها وتبلورها طبيعة الوظيفة التي يتولاها عضو المحكمة، وخطورة المهام المرتبطة بها، واتصالها بوجه خاص بالرقابة القضائية على الدستورية التي تتبوأ مرتبة الصدارة من الشرعية في مدارجها المختلفة. ولازم ذلك أن يقاس تعيين عضو جديد بموازين دقيقة تمثل الأهلية في نطاقها درجاتها العليا باعتبار أن مناطها هو القدرة على مواجهة أعباء وظيفة بعينها والاضطلاع بمسئوليتها في دائرة تتصادم المصالح فيها بصورة حادة، وتكون مقابلتها ببعض والموازنة بينها أمراً محتوماً تغليا لخضوع الدولة للقانون، والتزاما بروحه وفحواه. وفى هذا الإطار تتحدد للصلاحية الموضوعية معاييرها، وتتحراها الجمعية العامة بلوغاً لغاية الأمر فيها، غير مقيدة بعنصر معين دون غيره، وهى تنزلها المكانة التي تستحقها لارتباطها بطبيعة العمل في المحكمة، واتصالها الأعمق بمتطلباته. متى كان ذلك، وكان لا نزاع في أن الشروط القانونية التي تتطلبها المادة الرابعة من قانون المحكمة فيمن يعين عضواً بها متوافرة في حق الطالب باعتبارها مفترضاً أوليا لنظر طلبه، وكان ليس ثمة دليل يؤيد صحة ما ادعاه من تطرق الخلل إلى قرار الجمعية العامة باستبعاده، بمقولة أن هذا القرار كان غير منبن على فحصها الموضوعي لأهلية المتزاحمين على الوظيفة، بل كان معداً من قبل، ويعكس رغبتها في تعين رئيس هيئة المفوضين عضواً جديداً بالمحكمة، وكان ما تتوخاه الجمعية العامة حقا هو ألا يكون من بين مرشحيها من يعد غير صالح للنهوض بمهام هذه الوظيفة، مجانباً متطلباتها، غير أهل لتحمل تبعاتها، فإن قالة مخالفة القرار المطعون فيه للقانون، لا يكون لها محل، ومردود ثانياً: بأنه إذ نص قانون المحكمة الدستورية العليا في مادته الخامسة على أن يكون تعيين عضو المحكمة، بقرار من رئيس الجمهورية بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للهيئات القضائية من بين اثنين ترشح أحدهما الجمعية العامة للمحكمة ويرشح الآخر رئيس المحكمة، فقد دل بذلك على أن المجلس الأعلى للهيئات القضائية لا يباشر السلطة المخولة له قانوناً في مجال المفاضلة بين مرشحين المعروضين عليه، إلا إذا اختار رئيس المحكمة غير العضو الذي رشحته جمعيتها العامة. ولا محاجة في القول ببطلان القرار المطعون فيه ترتيباً على أنه كان يتعين على رئيس المحكمة أن يعرض على هذا المجلس مرشحين اثنين لكل وظيفة خالية، ولو كان من رشحته الجمعية العامة لشغلها مقبولاً منه، إذ لو صح ذلك - وهو غير صحيح - لكل عليه أن يعارض الجمعية العامة دوماً منحياً اختيارها، ولو قام على أسس موضوعية لها معينها، وهو ما لا يتصور أن يكون المشرع قد قصد إليه.
وحيث إن الطالب ينعى على القرار المطعون فيه انطواءه على عيب إساءة استعمال السلطة، وإخلاله بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، بمقولة أنه أقدم من السيدين العضوين اللذين صدر بتعيينهما هذا القرار، وخبرته في مجال الرقابة الدستورية لا تتوافر لأحدهما، وقد استمدها من ندبه للعمل بهيئة المفوضين آماداً طويلة قدم خلالها أبحاثاً وتقارير عديدة. ولكن الجمعية العامة - استجابة من جانبها لدوافعها الشخصية - عزلته عن وظيفة هو مؤهل لها، وتشهد بذلك تقارير كفايته ونزاهته واستقامته، وهو ما يدل على إساءتها استعمال السلطة المخولة لها.
وحيث إن هذا النعي مردود أولاً بأن العمل في هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا مستقل في طبيعته وخصائصه عن الرسالة التي تقوم عليها هذه المحكمة في مجال ممارستها لاختصاصاتها المحددة بالدستور وبقانون إنشائها، ذلك أن هيئة المفوضين تعكس في التقارير التي تقدمها إلى المحكمة وجهة نظر قانونية مجردة، وهى وجهة تدخلها المحكمة في اعتبارها مضيفة إليها طبيعة المصالح التي تتنازع فيما بينها في شأن الموضوع المعروض عليها، ووزن كل منها، ودرجة تناقضها وإمكان التوفيق بينها، وما يقتضيه ترجيح إحداها - تغليباً لموجباتها - من حلول. ومردود ثانياً: بأن الأقدمية الأسبق - بفرض توافرها - لا تستغرق العناصر التي تدخلها الجمعية العامة في اعتبارها في مجال مفاضلتها بين المرشحين المعروضة أسماؤهم عليها. وليس لها في ذاتها قوام يرجحها على عناصر أخرى أكثر أهمية منها. هذا بالإضافة إلى أنه عند التزاحم على وظيفة لها خصائصها الذاتية - كتلك المتعلقة بالتعيين في المحكمة الدستورية العليا - فإن الأقدمية الأسبق في الجهة الأصلية لأحد المتزاحمين عليها، لا تفيد لزوما أنه أفضل من غيره ممن تتوافر فيهم العناصر الواقعية التي تعتمد عليها الجمعية العامة في المفاضلة التي تجريها بين المرشحين، باعتبار أن هذه العناصر وثيقة الصلة بطبيعة العمل في المحكمة، وخطورة المهام المرتبطة بولايتها، وما يقتضيه تصريفها من المرونة والموضوعية والقدرة على ابتكار الحلول الواقعية. مردود ثالثاً: بأن الأصل في القرارات الإدارية هو صدورها عن جهة الاختصاص بها مستوفية أوضاعها الشكلية مطابقة في محلها للقانون، وأنها بريئة في بواعثها وأهدافها من كل مطعن عليها. والنعى عليها بإساءة استعمال السلطة، مؤداه انحرافها عن المصلحة العامة وتنكبها لمتطلباتها، وانقطاع صلتها بها، أو مجاوزتها لأغراض بذاتها رصدها المشرع عليها. متى كان ذلك، وكان عيب إساءه استعمال السلطة ينال من الغاية التي توختها جهة الإدارة في مجال إصدار القرار المطعون فيه، فإنه يعد عيباً قصدياً، ولا يفترض بالتالي. وإنما يتعين أن يقوم الدليل عليه من وقائع محددة لها معينها من عيون الأوراق ذاتها، وهو ما تخلف في الطلب الماثل. ومردود رابعاً: بأن الدستور قد نص على تكافؤ الفرص في المادة الثامنة منه، وكفل الحماية القانونية المتكافئة بين المواطنين في مادته الأربعين، إلا أن إعمال هذين المبدأين كليهما مرده إلى التماثل في الشروط الموضوعية التي يقتضيها الصالح العام، والتي على ضوئها يتحدد الأحق والأجدر بالوظيفة التي يجرى التزاحم عليه، إذ كان ذلك، وكانت العناصر التي اعتمد عليها الطالب في تقرير أفضليته في الظفر بالوظيفة التي كان يأمل التعيين فيها، لا تعد من أوجه التمايز التي يتفوق بها على السيدين العضوين الذين صدر بتعيينهما القرار المطعون فيه، وكان تقرير الجمعية العامة توافر عناصر شغل الوظيفة في هذين العضوين من دونه، هو مما تترخص فيه على ضوء ما يكون نابعاً من طبيعة هذه الوظيفة وخصائصها على ما تقدم، فإن قالة مخالفة القرار المطعون فيه للمادة الثامنة، والمادة الأربعين من الدستور، لا يكون لها محل.
وحيث إن من المقرر أنه لا مسئولية على الجهة مصدرة القرار إلا إذا كان غير مشروع، وذلك بأن كان مشوبا بأحد العيوب المنصوص عليها في المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972، فإن كان بريئا منها، فإن مسئولية الجهة التي أصدرته - وأيا ما كانت النتائج المترتبة عليه أو الأضرار التي ألحقها - تكون منتفية تبعاً لانتفاء ركن الخطأ. متى كان ذلك، فإن طلب التعويض المقدم من الطالب حريا بالرفض.
وحيث إن القرار المطعون عليه لا يناقض حكم الدستور أو القانون من أوجه أخرى.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطلبين شكلا، ورفضهما موضوعا.

الطعن 48582 لسنة 85 ق جلسة 22 / 2 / 2017 مكتب فني 68 ق 24 ص 175

جلسة 22 من فبراير سنة 2016
برئاسة السيد القاضي / د. عبد الرحمن هيكل نـائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / أبو بكر البسيوني ، محسن البكري وعلى سليمان نواب رئيس المحكمة ومحمد أبو السعود .
------------

(24)

الطعن رقم 48582 لسنة 85 القضائية

(1) سلاح . ذخائر . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .

بيان الحكم واقعة الدعوى واستعراض الأدلة على نحو كافٍ يحقق حكم القانون . لا قصور .

مثال لتسبيب سائغ لحكم صادر بالإدانة بجريمتي إحراز سلاح ناري وذخائر بدون ترخيص .

(2) إجراءات " إجراءات التحقيق " . تلبس . دفوع " الدفع ببطلان القبض والتفتيش " .

الأعمال الإجرائية تجري على حكم الظاهر . عدم بطلانها نزولاً من بعد على ما ينكشف من أمر الواقع .

ابتناء الإجراء على اختصاص تبيَّن من بعد انتفائه وإن تراخى كشفه . لا بطلان . ما دام أنه كان منعقداً حسب الظاهر حال اتخاذه.

اعتبار التلبس بالجريمة وصفاً يلحق المظاهر الخارجية بما ينبئ عن ارتكابها بصرف النظر عمَّا يسفر عنه التحقيق بقيامها من عدمه.

انتقال ضابط الواقعة لتنفيذ حكم صادر بجنحة ضد الطاعن ومشاهدته متلبساً بجريمة إحراز سلاح ناري . القبض عليه وتفتيشه . لا بطلان . وإن تبيَّن من بعد أن الحكم كان غيابياً ولم يُعلن به . النعي بشأن ذلك . غير مقبول .

(3) إثبات " شهود " . محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " " سلطتها في تقدير أقوال الشهود".

استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى . موضوعي . ما دام سائغاً .

وزن أقوال الشهود وتقديرها . موضوعي .          

        أخذ محكمة الموضوع بشهادة شاهد . مفاده ؟

انفراد الضابط بالشهادة . لا ينال من سلامة أقواله وكفايتها كدليل في الدعوى .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- لمَّا كان الحُكم المطعون فيه بيَّن واقعة الدعوى في قوله : " أنه بتاريخ .... حال قيام النقيب " .... – معاون مباحث مركز .... " بحملة تنفيذ أحكام ومعه قوة من الشرطة السريين للتنفيذ على المُتَهم " .... " المحكوم عليه بالقضية رقم .... جُنح .... بأن توجّه إلى مسكنه ، وآنذاك أبصره خارج المسكن بشارع جانبي ، وبيده سلاح ناري " بندقية خرطوش " فضبطه ، وعثر بداخلها على طلقة خرطوش ، وبمُواجهته أقرَّ بإحرازها بقصد الدفاع عن النفس . وثبت بتقرير قسم الأدلة الجنائية أن البندقية المضبوطة " بندقية خرطوش " صناعة أجنبية ، كاملة الأجزاء ، وصالحة الاستعمال ، والطلقة المضبوطة صالحة الاستعمال ، وتُستخدم على السلاح سالف الذكر . وثبت بشهادة الجدول أن المُتَهم محكوم عليه غيابياً بالحبس شهر وكفالة 20 جنيه والمصاريف في القضية رقم .... جُنح .... " ، وكَان يبين مما سطَّره الحُكم – فيما تَقدَّم – أنه بَيَّن واقعة الدعوى بما تَتَوافر به كَافة العناصر القانونية لجريمتي إحراز سلاح ناري غير مُششخن ، وذخيرته بغير ترخيص اللَّتين دان الطاعن بهما ، وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تُؤدي إلى ما رَتَّبه عليها استمدها من أقوال شاهد الإثبات ، وما ثبت من تقرير قسم الأدلة الجنائية ، وشهادة الجدول ، مُورداً مُؤداها بطريقة وافية تَكفي للتدليل على ثبوت الصورة التي اقتنعت بها المحكمة واستقرت في وجدانها ، وجاء استعراض المحكمة لتلك الواقعة ، وهذه الأدلة ، على نحو يَدل على أنها محَّصتها التَمحيص الكَافي وألمَّت بها إلماماً شاملاً ، يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، مما يكون معه منعى الطاعن بأن الحُكم شابه القصور ، وعدم بيان واقعة الدعوى ، ومُؤدى أدلتها لا محل له .

2- من المقرَّر أن الأصل في الأعمال الإجرائية أنها تجرى على حُكم الظاهر ، وهي لا تبطل - من بعد - نزولاً على ما قد ينكشف من أمر الواقع . وقد أعمل الشارع هذا الأصل ، ورَتَّب أحكامه ، ومن شواهده أنه اعتبر التلبس بالجريمة وفقاً للمادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية وصفاً يلحق المظاهر الخارجية التي تنبئ عن ارتكاب المُتَهم لجريمة بصرف النظر عمَّا يسفر عنه التحقيق من قيام الجريمة أو عدم قيامها ، وكذلك الحال إذا ما بنى الإجراء على اختصاص انعقدت له بحسب الظاهر – حال اتخاذه – مقومات صحته ، فلا يدركه البُطلان - من بعد - إذا استبان انتفاء هذا الاختصاص ، وإن تراخى كشفه ، وكَان البيّن من مدونات الحُكم المطعون فيه أن ضابط الواقعة قد انتقل لضبط الطاعن المحكوم عليه بالقضية رقم .... جُنح .... باعتباره من رجال الشرطة المنوط بهم تنفيذ الأحكام ، ولم يثبت لديه قيام المحكوم عليه بالطعن في الحُكم بطريق الطعن المُناسب ، فأبصره خارج مسكنه بشارع جانبي ، وبيده سلاح ناري " بندقية خرطوش " فضبطه ، وعثر بداخلها على طلقة خرطوش ، وبمُواجهته أقرَّ بإحرازها بقصد الدفاع عن النفس . لمَّا كَان ذلك ، وكَان أمر بُطلان تفتيش الطاعن ، وبُطلان الدليل المُستمد من ذلك التفتيش لكون هذا الحُكم غيابياً ، ولم يُعلن بعد للمحكوم عليه – الطاعن – لم يكن تحت بصر الضابط مُجري تنفيذ الحُكم ، وهو أمر لم يتكشف إلا بعد ضبط الطاعن مُتلبساً بالسلاح الناري والذخيرة المضبوطين ، ومن ثم فإن القبض يكون صحيحاً ، ويضحى منعى الطاعن في هذا الخصوص غير قويم . هذا فضلاً عن أن المحكمة قد عرضت لِمَا يثيره الطاعن في هذا الشأن ، وأطرحته في منطق سائغ .

3- من المُقرَّر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يُؤدي إليه اقتناعها ، وأن تطرح ما يُخالفها من صور أُخرى ما دام استخلاصها سائغاً مُستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وكَان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يُؤدون فيها الشهادة متروكاً لتقدير محكمة الموضوع ، ومتى أخذت بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وكَان انفراد الضابط بالشهادة لا ينال من سلامة أقواله وكفايتها كدليل في الدعوى ، وإذ كَانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شاهد الإثبات ، وصحة تصويره للواقعة ، فإن ما يثيره الطاعن من مُنازعة في صورة الواقعة ، والقول بعدم معقوليتها حسبما جاء بأقواله لا يكون له محل .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الوقائـع

اتهمت النيـابـة العامة الطاعن بأنه : 1- أحرز بغير ترخيص سلاحاً نارياً غير مُششخناً " بندقية خرطوش " .

2- أحرز ذخيرة " طلقة " مما تُستعمل على السلاح موضوع الاتهام السابق دون أن يكون مُرخصاً له في حيازتها أو إحرازها .

وأحالته إلى محكمة جنايات .... لمُحَاكمته وفقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .       والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 1/1 ، 6 ، 26/1،4 ، 30/1 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المُعدَّل بالقوانين أرقام 26 لسنة 1978 ، 165 لسنة 1981 ، 6 لسنة 2012 ، والجدول رقم 2 المُرفق بالقانون الأول ، مع إعمال نص المادة 32 /2 من قانون العقوبات ، بمُعَاقبته بالسجن لمُدة ثلاث سنوات ، وتَغريمه مبلغ خمسمائة جُنيه عمَّا أُسند إليه ، ومُصَادرة السلاح الناري المضبوط .

فطعن المحكوم عليه في هذا الحُكم بطريق النقض .... إلخ .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المحكمـة

  ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحُكم المطعون فيه – بمُذكرتي أسبابه – أنه إذ دانه بجريمتي إحراز سلاح ناري غير مُششخن ، وذخيرته بغير ترخيص ، قد شابه القصور في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، والخطأ في تطبيق القانون ، ذلك بأنه لم يُورد بياناً كَافياً للواقعة المستوجبة للعقوبة ، ومُؤدى أدلة ثبوتها ، واطرح بما لا يسوغه دفعه ببُطلان القبض والتفتيش لانعدام مُبرّراته تأسيساً على أن الحُكم الصَادر ضده لم يَكُن واجب التنفيذ ، وأشاح عن دفاع الطاعن القائم على مُنازعته في صورة الواقعة ، وعدم معقولية تصويرها من قِبَل الضابط الذي انفرد بالشهادة ، وحجب أفراد القوة المُرافقة له . وهو ما يعيب الحُكم ويستوجب نقضه .

ومن حيث إن الحُكم المطعون فيه بيَّن واقعة الدعوى في قوله : " أنه بتاريخ .... حال قيام النقيب " .... – معاون مباحث مركز .... " بحملة تنفيذ أحكام ومعه قوة من الشرطة السريين للتنفيذ على المُتَهم " .... " المحكوم عليه بالقضية رقم .... جُنح .... بأن توجّه إلى مسكنه ، وآنذاك أبصره خارج المسكن بشارع جانبي ، وبيده سلاح ناري " بندقية خرطوش " فضبطه ، وعثر بداخلها على طلقة خرطوش ، وبمُواجهته أقرَّ بإحرازها بقصد الدفاع عن النفس . وثبت بتقرير قسم الأدلة الجنائية أن البندقية المضبوطة " بندقية خرطوش " صناعة أجنبية ، كاملة الأجزاء ، وصالحة الاستعمال ، والطلقة المضبوطة صالحة الاستعمال ، وتُستخدم على السلاح سالف الذكر . وثبت بشهادة الجدول أن المُتَهم محكوم عليه غيابياً بالحبس شهر وكفالة 20 جنيه والمصاريف في القضية رقم .... جُنح .... " ، وكَان يبين مما سطَّره الحُكم – فيما تَقدَّم – أنه بَيَّن واقعة الدعوى بما تَتَوافر به كَافة العناصر القانونية لجريمتي إحراز سلاح ناري غير مُششخن ، وذخيرته بغير ترخيص اللَّتين دان الطاعن بهما ، وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تُؤدي إلى ما رَتَّبه عليها استمدها من أقوال شاهد الإثبات ، وما ثبت من تقرير قسم الأدلة الجنائية ، وشهادة الجدول ، مُورداً مُؤداها بطريقة وافية تَكفي للتدليل على ثبوت الصورة التي اقتنعت بها المحكمة واستقرت في وجدانها ، وجاء استعراض المحكمة لتلك الواقعة ، وهذه الأدلة ، على نحو يَدل على أنها محَّصتها التَمحيص الكَافي وألمَّت بها إلماماً شاملاً ، يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، مما يكون معه منعى الطاعن بأن الحُكم شابه القصور ، وعدم بيان واقعة الدعوى ، ومُؤدى أدلتها لا محل له . لمَّا كَان ذلك ، وكَان الأصل في الأعمال الإجرائية أنها تجرى على حُكم الظاهر ، وهي لا تبطل – من بعد – نزولاً على ما قد ينكشف من أمر الواقع . وقد أعمل الشارع هذا الأصل ، ورَتَّب أحكامه ، ومن شواهده أنه اعتبر التلبس بالجريمة وفقاً للمادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية وصفاً يلحق المظاهر الخارجية التي تنبئ عن ارتكاب المُتَهم لجريمة بصرف النظر عمَّا يسفر عنه التحقيق من قيام الجريمة أو عدم قيامها ، وكذلك الحال إذا ما بنى الإجراء على اختصاص انعقدت له بحسب الظاهر – حال اتخاذه – مقومات صحته ، فلا يدركه البُطلان - من بعد - إذا استبان انتفاء هذا الاختصاص ، وإن تراخى كشفه ، وكَان البيّن من مدونات الحُكم المطعون فيه أن ضابط الواقعة قد انتقل لضبط الطاعن المحكوم عليه بالقضية رقم .... جُنح .... باعتباره من رجال الشرطة المنوط بهم تنفيذ الأحكام ، ولم يثبت لديه قيام المحكوم عليه بالطعن في الحُكم بطريق الطعن المُناسب ، فأبصره خارج مسكنه بشارع جانبي ، وبيده سلاح ناري " بندقية خرطوش " فضبطه ، وعثر بداخلها على طلقة خرطوش ، وبمُواجهته أقرَّ بإحرازها بقصد الدفاع عن النفس . لمَّا كَان ذلك ، وكَان أمر بُطلان تفتيش الطاعن ، وبُطلان الدليل المُستمد من ذلك التفتيش لكون هذا الحُكم غيابياً ، ولم يُعلن بعد للمحكوم عليه – الطاعن – لم يكن تحت بصر الضابط مُجري تنفيذ الحُكم ، وهو أمر لم يتكشف إلا بعد ضبط الطاعن مُتلبساً بالسلاح الناري والذخيرة المضبوطين ، ومن ثم فإن القبض يكون صحيحاً ، ويضحى منعى الطاعن في هذا الخصوص غير قويم . هذا فضلاً عن أن المحكمة قد عرضت لِمَا يثيره الطاعن في هذا الشأن ، وأطرحته في منطق سائغ . لمَّا كَان ذلك ، وكَان من المُقرَّر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يُؤدي إليه اقتناعها ، وأن تطرح ما يُخالفها من صور أُخرى ما دام استخلاصها سائغاً مُستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وكَان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يُؤدون فيها الشهادة متروكاً لتقدير محكمة الموضوع ، ومتى أخذت بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وكَان انفراد الضابط بالشهادة لا ينال من سلامة أقواله وكفايتها كدليل في الدعوى ، وإذ كَانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شاهد الإثبات ، وصحة تصويره للواقعة ، فإن ما يثيره الطاعن من مُنازعة في صورة الواقعة ، والقول بعدم معقوليتها حسبما جاء بأقواله لا يكون له محل . لمَّا كَان ما تَقدَّم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ، مُتعيّناً رفضه موضوعاً .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ