جلسة 10 من ديسمبر سنة 2019
برئاسة السيد القاضي/ نبيل عمران نائب رئيس المحكمة وعضوية السـادة القضاة/ محمود التركاوى، د. مصطفى سالمان، صـلاح عصمت ود. محمد رجاء نواب رئيس المحكمة .
----------------
(152)
الطعن رقم 7917 لسنة 81 القضائية
(1) نقل " النقل البحرى : مسئولية الناقل البحرى " .
جريان العرف التجاري على إعفاء الناقل البحري عن التعويض عن عجز رسائل الحبوب المشحونة بنسبة 1% ـ علة ذلك ـ قضاء الحكم المطعون فيه برفض دعوى التعويض عن العجز رغم ثبوت تجاوز هذه النسبة ـ تناقض وخطأ ومخالفة للثابت بالأوراق ـ
(2) معاهدات " اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحرى للبضائع (قواعد هامبورج) " .
التصديق على الاتفاقيات الدولية من مجلس الشعب ونشرها بالجريدة الرسمية ـ أثره ـ معاملتها معاملة القانون ـ م 151 دستور 1971 ـ " مثال بشأن تصديق رئيس الجمهورية على اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحرى للبضائع عام 1978 الموقعة فى هامبورج والمعروفة بقواعد هامبورج وتطبيقها على عقود النقل البحرى واستبعاد ق 8 لسنة 1990 بشأن التجارة البحرية ـ
(4،3) نقل " نقل بحرى : اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحرى للبضائع (قواعد هامبورج) " .
(3) اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحرى للبضائع عام 1978 المعروفة باسم قواعد هامبورج . نطاق تطبيقها . سريانها على سندات الشحن الصادرة استنادًا إلى مشارطات الإيجار بشرط تظهير السند من صاحب البضاعة مستأجر السفينة . علة ذلك .
(4) اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحرى للبضائع عام 1978 المعروفة باسم قواعد هامبورج . معايير تعويض الضرر الناتج عن هلاك البضائع أو تلفها . التزام القاضى بحد أقصى من حقوق السحب الخاصة لا يجوز تجاوزه إلا باتفاق الطرفين ويجوز النزول عن هذا الحد إلى ما يكافئ الضرر من واقع الدعوى . علة ذلك . المادتان 26،6 قواعد هامبورج ـ
(5) نقل " نقل بحرى : التأمين البحري " .
التأمين البحرى . حلول المؤمن محل المؤمن له فى حدود التعويض الذى دفعه ـ م 371 ق 8 لسنة 1990 ـ
(6) قضاه " استناد القاضى في الحكم إلى العلم العام " .
الحكم استناداً إلى العلم الخاص غير جائز. جواز استناد القاضى إلى علمه العام . الاعتداد بالبيانات والأرقام المنشورة على شبكة الإنترنت بالمواقع الرسمية للاتفاقيات الدولية الموقعة فى إطار منظمة الأمم المتحدة، بما فى ذلك المنظمات أو الوكالات المتخصصة المرتبطة بمنظومة الأمم المتحدة كصندوق النقد الدولى و المعتمدة على تدقيق المعلومات وتحديثها على نحو دائم. من قبيل العلم العام الذى لا يحتاج إلى دليل على قيامه . مثال .
(7) معاهدات " اتفاق المؤتمر النقدي والمالي للأمم المتحدة (بريتون وودز) " .
جمهورية مصر العربية عضو بصندوق النقد الدولى . ق 122 لسنة 1945 بالموافقة على اتفاقية بريتون وودز . متاح للكافة الاطلاع على الموقع الرسمى الإلكترونى لصندوق النقد الدولى بالشبكة العالمية للإنترنت لمعرفة قيمة العملة الوطنية لأى دولة طرف فى اتفاقيـة الأمم المتحدة للنقل البحـرى للبضائع عام 1978 وعضو فى صندوق النقد الدولى مقومة بوحدات حقوق السحب الخاصة وفقًا لطريقة التقويم التى يطبقها صندوق النقد الدولى .
(8) نقل " نقل بحري : اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحرى للبضائع (قواعد هامبورج) " .
وجوب استنزال مقدار العجز المتعارف عليه بواقع 1% من وزن البضاعة وإلزام الناقل بما جاوز تلك النسبة من عجز بالبضاعة المشحونة . مقتضى توافر شروط تطبيق اتفاقية قواعد هامبورج 1978 وجوب إعمالها بتخفيض التعويض بما لا يجاوز الحد الأقصى المنصوص عليه بالاتفاقية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- استقر القضاء على إعفاء الناقل من المسئولية عن التعويض عن العجز الذى يلحق البضاعة المشحونة أثناء الرحلة البحرية تأسيسًا على أنها من الحبوب التى تتعرض للنقص فـى وزنها بسبب جفافها خلال الرحلة البحرية أو نتيجة استعمال الأنابيب والشفاطات أثناء الشحن والتفريغ، وعلى أن العرف قد جرى من قديم على قبول العجز، لهذا السبب، فى حدود نسبة 1% من أوزان تلك الرسائل. لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن الشركة المطعون ضدها وكيلة الناقل قامت بعملية تفريغ البضاعة المستوردة من السفينة والبالغ مقدارها 896‚22199 طنًا، وثبت وجود عجز فى تلك البضاعة بعد التفريغ مقداره 056‚423 طنًا، فى حين أن نسبة العجز بواقع 1% من وزن البضاعة التى جرى العرف التجارى التسامح بشأنها تكون فى حدود 221,998 طن، فتكون نسبة الزيادة فوق السماح بمقدار 058‚201 طنًا، وهو مقدار العجز الذى يتعين تعويض مالك البضاعة عنه، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى تأسيسًا على ما انتهى إليه الخبير المنتدب فى الاستئناف من أن العرف التجارى المسموح به هو 2% من وزن البضاعة، على الرغم من أن الثابت من مدونات الحكم هو أن الخبير ترك تقدير نسبة العجز المتعارف عليه للمحكمة، فإنه يكون قد شابه التناقض ومخالفة الثابت بالأوراق مما جره إلى مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه.
2- مفاد النص فى المادة 151 من دستور 1971 – القائم وقت انضمام جمهورية مصر العربية لاتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحرى للبضائع عام 1978 الموقعة فى هامبورج - أنه بمجرد التصديق على المعاهدات من مجلس الشعب ونشرها بالجريدة الرسمية تعامل المعاهدة معاملة القانون فينصرف إليها ما ينصرف على القانون من جهة تحديد الالتزامات التى يحكمها من حيث مداها وتحديد الآثار المترتبة عليها، وكان الثابت من قرار رئيس الجمهورية رقم 104 لسنة 1979 والمنشور فى الجريدة الرسمية بالعدد 15 بتاريخ 11/4/1991 أنه وافق على اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحرى للبضائع عام 1978 الموقعة فى هامبورج، والمعروفة باسم قواعد هامبورج Hamburg Rules والتى حلت محل المعاهدة الدولية الخاصة بتوحيد بعض القواعد المتعلقة بسندات الشحن (بروكسل 1924) "قواعد لاهاى" والبروتوكولات الملحقة بها "قواعد لاهاى – فيسبى" The Hague–Visby Rules. ثم صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 1 لسنة 1992 والمنشور بالجريدة الرسمية فى العدد 25 بتاريخ 18/6/1992 باستدراك الأخطاء المادية فى تلك الاتفاقية، وقد دخلت الاتفاقية حيز النفاذ الفعلى -وفقًا للمادة 30 منها- اعتبارًا من الأول من نوفمبر 1992. واعتبارًا من هذا التاريخ الأخير تُعامل نصوص هذه الاتفاقية فى جمهورية مصر العربية معاملة القانون. ومؤدى ذلك أن أحكام هذه الاتفاقية وحدها هى التى تطبق على عقود النقل البحرى متى توافرت أحوال تطبيقها المبينة فيها، وهو ما يؤدى دائمًا إلى استبعاد تطبيق أحكام القانون رقم 8 لسنة 1990 بشأن التجارة البحرية ما لم تناط بأحكامه مسألة لم تتناولها الاتفاقية. أما إذا طُبقت الاتفاقية على مشارطات الإيجار بموجب اتفاق طرفيها، مؤجر السفينة ومستأجرها، فإن أحكامها تسرى على المشارطة بوصفها أحكامًا تعاقدية.
3- إذ بينت المادة الثانية من قواعد هامبورج المعنونة (نطاق التطبيق)، فى فِقرتها الأولى حالات محددة لسريان اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحرى للبضائع. وأوضحت فى فِقرتها الثانية سريان هذه الأحكام بغض النظر عن جنسية أى طرف من أطراف عقد النقل البحرى. وقطعت الفِقرة الثالثة بعدم سريان الاتفاقية على مشارطات الإيجار charter-partyالتى تصدر عندما يتعلق الأمر بتأجير سفينة كاملة أو جزء كبير منها. وإنما تسرى على سندات الشحن bill of lading التى تصدر استنادًا إلى مشارطات الإيجار وذلك حال تظهير السند من صاحب البضاعة مستأجر السفينة ومنذ اللحظة التى يغدو فيها سند الشحن، وليست المشارطة، هو الحاكم لعلاقة الناقل بحامل السند المظهر إليه، باعتبار أن الاتفاقية أبرمت أساسًا لحماية الشاحنين دون مستأجرى السفن، لأن الأخيرين هم فى العادة من الجهات التجارية الكبرى التى تتمتع بحرية واسعة فى مناقشة شروط الإيجار مع مجهزى السفن، وهو ما لا يتحقق بالنسبة للشاحنين بموجب سند الشحن حيث تٌفرض عليهم شروط النقل من جانب شركات الملاحة التى تتمتع فى العادة بمراكز تفاوضية قوية.
4- نصت المادة السادسة من الاتفاقية (اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحرى للبضائع عام 1978 الموقعة فى هامبورج، والمعروفة باسم قواعد هامبورج Hamburg Rules) على أنه "1- (أ) تُحدد مسئولية الناقل وفقًا لأحكام المادة 5 عن الخسارة الناتجة عن هلاك البضائع أو تلفها بمبلغ 835 وحدة حسابية عن كل طرد أو وحدة شحن أخرى أو 2,5 وحدة حسابية عن كل كيلو جرام من الوزن القائم للبضائع يَهلك أو يَتلف، أيهما أكبر. (ب) ... (ج) ... 2-... 3- يُقصد بالوحدة الحسابية، الوحدة المنصوص عليها فى المادة 26. 4– يجوز بالاتفاق بين الناقل والشاحن تعيين حدود للمسئولية تتجاوز الحدود المنصوص عليها فى الفقرة 1"، ونصت المادة 26 من الاتفاقية على أن "الوحدة الحسابية المشار إليها فى المادة 6 من هذه الاتفاقية هى حق السحب الخاص كما يحدده صندوق النقد الدولى. وتحول المبالغ المشار إليها فى المادة 6 إلى العملة الوطنية، تبعًا لقيمة هذه العملة فى تاريخ الحكم أو فى التاريخ الذى تتفق عليه الأطراف. وبالنسبة لكل دولة متعاقدة تكون عضوًا فى صندوق النقد الدولى تحسب قيمة عملتها الوطنية بالقياس إلى حق السحب الخاص، وفقًا لطريقة التقويم التى يُطبقها صندوق النقد الدولى والتى تكون سارية فى ذلك التاريخ على عملياته ومعاملاته"، يدل على أن الاتفاقية قد حددت معايير لتعويض الضرر الناتج عن هلاك البضائع أو تلفها لتحقيق التوازن بين مصالح طائفتى الشاحنين والناقلين، وذلك بحد أقصى من حقوق السحب الخاصة لا يجوز للقاضى تجاوزه إلا إذا وجد اتفاق بين طرفى عقد النقل البحرى، وله من واقع الدعوى النزول عن هذا الحد إلى ما يكافئ الضرر ولا يزيد عنه حتى لا يُثرى الشاحن بلا سبب على حساب الناقل.
5- تنص المادة 371 من القانون رقم 8 لسنة 1990 بشأن التجارة البحرية، والواردة بالباب الخامس "التأمين البحرى"، على أنه "يحل المؤمن محل المؤمن لـه فى جميع حقوقه التى نشأت بمناسبة الأضرار التى يشملها التأمين فى حدود التعويض الذى دفعه".
6- المقرر أنه ولئن كان لا يجوز للقاضى أن يحكم بعلمه الخاص إلا أنه غير ممنوع من الحكم بالعِلم العام. هذا ويعد من قبيل العلم العام الذى لا يحتاج إلى دليل على قيامه جريان العادة على الاعتداد بالبيانات والأرقام المنشورة على شبكة الإنترنت بالمواقع الرسمية للاتفاقيات الدولية الموقعة فى إطار منظمة الأمم المتحدة، بما فى ذلك المنظمات أو الوكالات المتخصصة المرتبطة بمنظومة الأمم المتحدة كصندوق النقد الدولى، باعتبارها مواقع متخصصة فى الاتفاقيات المعنية بها، وتعتمد على التدقيق والتحديث الدائم للمعلومات.
7- إذ كانت جمهورية مصر العربية عضوًا بصندوق النقد الدولى بموجب القانون رقم 122 لسنة 1945 بشأن الموافقة على الاتفاق الموقع عليه فى 22/7/1944 والخاص بالمؤتمر النقدى والمالى للأمم المتحدة المنعقد فى "بريتون وودز". وكان من المتاح للكافة - من خلال الموقع الرسمى الإلكتروني لصندوق النقد الدولي بالشبكة العالمية للإنترنت - الاطلاع على قيمة العملة الوطنية لأى دولة طرف فى اتفاقيـة الأمم المتحدة للنقل البحـرى للبضائع عام 1978 وعضـو فى صنــدوق النقــد الدولـى مقومــة بوحـدات حقــوق السحب الخاصـة Special Drawing Rights (SDR)، وفقًا لطريقة التقويم التى يطبقها صندوق النقد الدولى، حيث تتحدد قيمة كل حق سحب خاص وفق سلة من خمس عملات رئيسية.
8- لئن كان الحكم الابتدائى قد انتهى صحيحًا إلى مسئولية الشركة المطعون ضدها عن العجز الموجود بالشِحنة وألزمها بالمبلغ المحكوم به والذى أوفته شركة التأمين الطاعنة لمالك البضاعة، إلا أن الثابت من تقرير الخبير المنتدب فى الدعوى أن إجمالى العجز مقداره 056‚423 طن وقد قدر الخبير قيمته بمبلغ إجمالى 95/174,919 جنيه وهو ما اتخذته محكمة أول درجة عمادًا لقضائها، فإنه باستنزال مقدار العجز المتعارف عليه، بواقع 1% من وزن البضاعة مقداره 998‚221 طن بقيمة 99/91,788 جنيه، يكون مقدار العجز الذى لحق بالبضاعة المشحونة مجاوزًا نسبة ١٪ من البضاعة 058‚201 طن بقيمة 96/83,130 جنيه وهو ما يُسأل الناقل عنه فقط. ولما كان البين من الأوراق ومدونات الحكم المطعون فيه أن شركة ... استوردت شِحنة النزاع التى تم شحنها من ميناء جالفستون بالولايات المتحدة الأمريكية بموجب سند شحن خال من أى تحفظات، واضطلعت الشركة المطعون ضدها –وكيلة الناقل- بتفريغ تلك الشِحنة بميناء الدخيلة بجمهورية مصر العربية، وإذ خلت الأوراق من وجود مشارطة إيجار للسفينة أو جزء منها بين طرفى الخصومة استند إليها سند الشحن محل النزاع، ولم ينازع أى منهما فى ذلك، فإن سند الشحن محل النزاع يخضع للاتفاقية (اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحرى للبضائع عام 1978 المعروفة باسم قواعد هامبورج )، باعتبار أن ميناءى الشحن والتفريغ يقعان فى دولتين متعاقدتين. ولما كان الحد الأقصى للتعويض وفق الأسس والضوابط التى وضعتها، بواقع 2,5 وحدة حق سحب خاص عن كل كيلو جرام، تحول للعملة الوطنية وفقًا لطريقة التقويم التى يُطبقها صندوق النقد الدولى والتى تكون سارية وقت الحكم فى الدعوى على عملياته ومعاملاته، وكانت قيمة الوحدة الواحدة من حقوق السحب الخاصة فى يوم صدور الحكم المستأنف 26/5/2005 هى 1,48 دولار أمريكى طبقًا لما هو منشور بالموقع الرسمى الإلكترونى لصندوق النقد الدولى، فإن كل كيلو جرام يستحق عنه تعويضًا مقداره 3,71 دولار كحد أقصى، ومن ثم فإن هذه المحكمة ترى فى القضاء بمبلغ 96/83,130 جنيه ما يكافئ الضرر الذى لحق بالشاحن ولا يجاوز، فى ذات الوقت، الحد الأقصى المنصوص عليه بالاتفاقية المشار إليها، فيتعين تعديل الحكم المستأنف بتخفيض المبلغ المحكوم به إلى مبلغ 96/83,130 جنيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد القاضى المقرر، والمرافعة والمداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع -على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق- تتحصل فى أن الشركة الطاعنة أقامت الدعوى التى صار قيدها برقم ... لسنة 2001 تجارى كلى الإسكندرية على الشركة المطعون ضدها بطلب الحكم – وفقًا لطلباتها الختامية – بإلزام الأخيرة أن تؤدى لـها مبلغ 58/156,557 جنيه وفوائده القانونية، وبيانًا لذلك قالت إن الشركة المطعون ضدها – وكيلة الناقل- قامت بتفريغ شِحنة القمح البالغ مقدارها 90/22,199 طنًا بميناء الدخيلة بالإسكندرية، وعلى إثر وجود عجز بتلك الشِحنة بعد التفريغ مقداره 423,056 طنًا، قامت شركة التأمين الطاعنة بسداد المبلغ المطالب به للشركة المستوردة، وأحالت الأخيرة لها حقها قبل الشركة المطعون ضدها، فكانت الدعوى. ندبت المحكمة خبيرًا فى الدعوى وبعد أن أودع تقريره حكمت بتاريخ 26/5/2005 بالطلبات. استأنفت الشركة المطعون ضدها هذا الحكم بالاستئناف رقم ... لسنة 61ق الإسكندرية، وندبت المحكمة خبيرًا آخر وبعد أن أودع تقريره قضت بتاريخ 16/3/2011 بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى. طعنت الشركة الطاعنة فى هذا الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأى برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة فى غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين تنعَى بهما الشركة الطاعنة على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والفساد فى الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق، ذلك أنه انتهى إلى وجود عرف يعفى الناقل من المسئولية عن العجز عن شِحنة النزاع فى حدود نسبة 2% دون أن يبين دليله على قيام ذلك العرف، فضلًا عن أن الصورة الضوئية الصادرة من شهادة غرفة الملاحة بالإسكندرية والتى جحدتها كانت تفيد أن العرف استقر على قبول العجز فى حدود نسبة 1% من أوزان تلك الرسائل، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي فى أساسه سديد، ذلك أن القضاء قد استقر على إعفاء الناقل من المسئولية عن التعويض عن العجز الذى يلحق البضاعة المشحونة أثناء الرحلة البحرية تأسيسًا على أنها من الحبوب التى تتعرض للنقص فـى وزنها بسبب جفافها خلال الرحلة البحرية أو نتيجة استعمال الأنابيب والشفاطات أثناء الشحن والتفريغ، وعلى أن العرف قد جرى من قديم على قبول العجز، لهذا السبب، فى حدود نسبة 1% من أوزان تلك الرسائل. لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن الشركة المطعون ضدها وكيلة الناقل قامت بعملية تفريغ البضاعة المستوردة من السفينة والبالغ مقدارها 896‚22199 طنًا، وثبت وجود عجز فى تلك البضاعة بعد التفريغ مقداره 056‚423 طنًا، فى حين أن نسبة العجز بواقع 1% من وزن البضاعة التى جرى العرف التجارى التسامح بشأنها تكون فى حدود 221,998 طن، فتكون نسبة الزيادة فوق السماح بمقدار 058‚201 طنًا، وهو مقدار العجز الذى يتعين تعويض مالك البضاعة عنه، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى تأسيسًا على ما انتهى إليه الخبير المنتدب فى الاستئناف من أن العرف التجارى المسموح به هو 2% من وزن البضاعة، على الرغم من أن الثابت من مدونات الحكم هو أن الخبير ترك تقدير نسبة العجز المتعارف عليه للمحكمة، فإنه يكون قد شابه التناقض ومخالفة الثابت بالأوراق مما جره إلى مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه بما يوجب نقضه.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، وكان النص فى المادة 151 من دستور 1971 – القائم وقت انضمام جمهورية مصر العربية لاتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحرى للبضائع عام 1978 الموقعة فى هامبورج - على أن "رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات ويبلغها مجلس الشعب مشفوعة بما يناسب من البيان وتكون لها قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقًا للأوضاع المقررة" مُفاده أنه بمجرد التصديق على المعاهدات من مجلس الشعب ونشرها بالجريدة الرسمية تعامل المعاهدة معاملة القانون فينصرف إليها ما ينصرف على القانون من جهة تحديد الالتزامات التى يحكمها من حيث مداها وتحديد الآثار المترتبة عليها، وكان الثابت من قرار رئيس الجمهورية رقم 104 لسنة 1979 والمنشور فى الجريدة الرسمية بالعدد 15 بتاريخ 11/4/1991 أنه وافق على اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحرى للبضائع عام 1978 الموقعة فى هامبورج، والمعروفة باسم قواعد هامبورج Hamburg Rules والتى حلت محل المعاهدة الدولية الخاصة بتوحيد بعض القواعد المتعلقة بسندات الشحن (بروكسل 1924) "قواعد لاهاى" والبروتوكولات الملحقة بها "قواعد لاهاى – فيسبى" The Hague–Visby Rules. ثم صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 1 لسنة 1992 والمنشور بالجريدة الرسمية فى العدد 25 بتاريخ 18/6/1992 باستدراك الأخطاء المادية فى تلك الاتفاقية، وقد دخلت الاتفاقية حيز النفاذ الفعلى -وفقًا للمادة 30 منها- اعتبارًا من الأول من نوفمبر 1992. واعتبارًا من هذا التاريخ الأخير تُعامل نصوص هذه الاتفاقية فى جمهورية مصر العربية معاملة القانون. ومؤدى ذلك أن أحكام هذه الاتفاقية وحدها هى التى تطبق على عقود النقل البحرى متى توافرت أحوال تطبيقها المبينة فيها، وهو ما يؤدى دائمًا إلى استبعاد تطبيق أحكام القانون رقم 8 لسنة 1990 بشأن التجارة البحرية ما لم تناط بأحكامه مسألة لم تتناولها الاتفاقية. أما إذا طُبقت الاتفاقية على مشارطات الإيجار بموجب اتفاق طرفيها، مؤجر السفينة ومستأجرها، فإن أحكامها تسرى على المشارطة بوصفها أحكامًا تعاقدية. وقد بينت المادة الثانية من قواعد هامبورج المعنونة (نطاق التطبيق)، فى فِقرتها الأولى حالات محددة لسريان اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحرى للبضائع. وأوضحت فى فِقرتها الثانية سريان هذه الأحكام بغض النظر عن جنسية أى طرف من أطراف عقد النقل البحرى. وقطعت الفِقرة الثالثة بعدم سريان الاتفاقية على مشارطات الإيجار charter-partyالتى تصدر عندما يتعلق الأمر بتأجير سفينة كاملة أو جزء كبير منها. وإنما تسرى على سندات الشحن bill of lading التى تصدر استنادًا إلى مشارطات الإيجار وذلك حال تظهير السند من صاحب البضاعة مستأجر السفينة ومنذ اللحظة التى يغدو فيها سند الشحن، وليست المشارطة، هو الحاكم لعلاقة الناقل بحامل السند المظهر إليه، باعتبار أن الاتفاقية أبرمت أساسًا لحماية الشاحنين دون مستأجرى السفن، لأن الأخيرين هم فى العادة من الجهات التجارية الكبرى التى تتمتع بحرية واسعة فى مناقشة شروط الإيجار مع مجهزى السفن، وهو ما لا يتحقق بالنسبة للشاحنين بموجب سند الشحن حيث تٌفرض عليهم شروط النقل من جانب شركات الملاحة التى تتمتع فى العادة بمراكز تفاوضية قوية. وكانت المادة السادسة من الاتفاقية المشار إليها قد نصت على أنه "1- (أ) تُحدد مسئولية الناقل وفقًا لأحكام المادة 5 عن الخسارة الناتجة عن هلاك البضائع أو تلفها بمبلغ 835 وحدة حسابية عن كل طرد أو وحدة شحن أخرى أو 2,5 وحدة حسابية عن كل كيلو جرام من الوزن القائم للبضائع يَهلك أو يَتلف، أيهما أكبر. (ب) ... (ج) ... 2- ... 3- يُقصد بالوحدة الحسابية، الوحدة المنصوص عليها فى المادة 26. 4– يجوز بالاتفاق بين الناقل والشاحن تعيين حدود للمسئولية تتجاوز الحدود المنصوص عليها فى الفقرة 1"، ونصت المادة 26 من الاتفاقية على أن "الوحدة الحسابية المشار إليها فى المادة 6 من هذه الاتفاقية هى حق السحب الخاص كما يحدده صندوق النقد الدولى. وتحول المبالغ المشار إليها فى المادة 6 إلى العملة الوطنية، تبعًا لقيمة هذه العملة فى تاريخ الحكم أو فى التاريخ الذى تتفق عليه الأطراف. وبالنسبة لكل دولة متعاقدة تكون عضوًا فى صندوق النقد الدولى تحسب قيمة عملتها الوطنية بالقياس إلى حق السحب الخاص، وفقًا لطريقة التقويم التى يُطبقها صندوق النقد الدولى والتى تكون سارية فى ذلك التاريخ على عملياته ومعاملاته"، يدل على أن الاتفاقية قد حددت معايير لتعويض الضرر الناتج عن هلاك البضائع أو تلفها لتحقيق التوازن بين مصالح طائفتى الشاحنين والناقلين، وذلك بحد أقصى من حقوق السحب الخاصة لا يجوز للقاضى تجاوزه إلا إذا وجد اتفاق بين طرفى عقد النقل البحرى، وله من واقع الدعوى النزول عن هذا الحد إلى ما يكافئ الضرر ولا يزيد عنه حتى لا يُثرى الشاحن بلا سبب على حساب الناقل. وكانت المادة 371 من القانون رقم 8 لسنة 1990 بشأن التجارة البحرية، والواردة بالباب الخامس "التأمين البحرى"، تنص على أنه "يحل المؤمن محل المؤمن لـه فى جميع حقوقه التى نشأت بمناسبة الأضرار التى يشملها التأمين فى حدود التعويض الذى دفعه". وكان من المقرر أنه ولئن كان لا يجوز للقاضى أن يحكم بعلمه الخاص إلا أنه غير ممنوع من الحكم بالعِلم العام. هذا ويعد من قبيل العلم العام الذى لا يحتاج إلى دليل على قيامه جريان العادة على الاعتداد بالبيانات والأرقام المنشورة على شبكة الإنترنت بالمواقع الرسمية للاتفاقيات الدولية الموقعة فى إطار منظمة الأمم المتحدة، بما فى ذلك المنظمات أو الوكالات المتخصصة المرتبطة بمنظومة الأمم المتحدة كصندوق النقد الدولى، باعتبارها مواقع متخصصة فى الاتفاقيات المعنية بها، وتعتمد على التدقيق والتحديث الدائم للمعلومات. لما كان ذلك، وكانت جمهورية مصر العربية عضوًا بصندوق النقد الدولى بموجب القانون رقم 122 لسنة 1945 بشأن الموافقة على الاتفاق الموقع عليه فى 22/7/1944 والخاص بالمؤتمر النقدى والمالى للأمم المتحدة المنعقد فى "بريتون وودز". وكان من المتاح للكافة - من خلال الموقع الرسمى الإلكترونـى لصندوق النقد الدولى بالشبكة العالمية للإنترنت - الاطلاع على قيمة العملة الوطنية لأى دولة طرف فى اتفاقيـة الأمم المتحدة للنقل البحـرى للبضائع عام 1978 وعضـو فى صنــدوق النقــد الدولـى مقومــة بوحـدات حقــوق السحب الخاصـة Special Drawing Rights (SDR)، وفقًا لطريقة التقويم التى يطبقها صندوق النقد الدولى، حيث تتحدد قيمة كل حق سحب خاص وفق سلة من خمس عملات رئيسية. لما كان ذلك، ولئن كان الحكم الابتدائى قد انتهى صحيحًا إلى مسئولية الشركة المطعون ضدها عن العجز الموجود بالشِحنة وألزمها بالمبلغ المحكوم به والذى أوفته شركة التأمين الطاعنة لمالك البضاعة، إلا أن الثابت من تقرير الخبير المنتدب فى الدعوى أن إجمالى العجز مقداره 056‚423 طن وقد قدر الخبير قيمته بمبلغ إجمالى 95/174,919 جنيه وهو ما اتخذته محكمة أول درجة عمادًا لقضائها، فإنه باستنزال مقدار العجز المتعارف عليه، بواقع 1% من وزن البضاعة مقداره 998‚221 طن بقيمة 99/91,788 جنيه، يكون مقدار العجز الذى لحق بالبضاعة المشحونة مجاوزًا نسبة ١٪ من البضاعة 058‚201 طن بقيمة 96/83,130 جنيه وهو ما يُسأل الناقل عنه فقط. ولما كان البين من الأوراق ومدونات الحكم المطعون فيه أن شركة .... استوردت شِحنة النزاع التى تم شحنها من ميناء جالفستون بالولايات المتحدة الأمريكية بموجب سند شحن خال من أى تحفظات، واضطلعت الشركة المطعون ضدها –وكيلة الناقل- بتفريغ تلك الشحنة بميناء الدخيلة بجمهورية مصر العربية، وإذ خلت الأوراق من وجود مشارطة إيجار للسفينة أو جزء منها بين طرفى الخصومة استند إليها سند الشحن محل النزاع، ولم ينازع أى منهما فى ذلك، فإن سند الشحن محل النزاع يخضع للاتفاقية المشار إليها، باعتبار أن ميناءى الشحن والتفريغ يقعان فى دولتين متعاقدتين. ولما كان الحد الأقصى للتعويض وفق الأسس والضوابط التى وضعتها، بواقع 2,5 وحدة حق سحب خاص عن كل كيلو جرام، تحول للعملة الوطنية وفقًا لطريقة التقويم التى يُطبقها صندوق النقد الدولى والتى تكون سارية وقت الحكم فى الدعوى على عملياته ومعاملاته، وكانت قيمة الوحدة الواحدة من حقوق السحب الخاصة فى يوم صدور الحكم المستأنف 26/5/2005 هى 1,48 دولار أمريكى طبقًا لما هو منشور بالموقع الرسمى الإلكتروني لصندوق النقد الدولى، فإن كل كيلو جرام يستحق عنه تعويضًا مقداره 3,71 دولار كحد أقصى، ومن ثم فإن هذه المحكمة ترى فى القضاء بمبلغ 96/83,130 جنيه ما يكافئ الضرر الذى لحق بالشاحن ولا يجاوز، فى ذات الوقت، الحد الأقصى المنصوص عليه بالاتفاقية المشار إليها، فيتعين تعديل الحكم المستأنف بتخفيض المبلغ المحكوم به إلى مبلغ 96/83,130 جنيه والتأييد فيما عدا ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ