الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 8 يوليو 2023

الطعن 111 لسنة 8 ق جلسة 27 / 11 / 1966 إدارية عليا مكتب فني 12 ج 1 ق 30 ص 305

جلسة 27 من نوفمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ مصطفى كامل إسماعيل نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبى والدكتور أحمد ثابت عويضه وسليمان محمود جاد ومحمد فهمي طاهر المستشارين.

------------------

(30)

القضية رقم 111 لسنة 8 القضائية

(أ) موظف. "نقل". تعليم عام. 

القانون رقم 213 لسنة 1956 في شأن التعليم الابتدائي والقانون 55 لسنة 1957 بشأن التعليم الإعدادي - سلطة وزير التربية والتعليم طبقاً لأحكامها في تنظيم خطة الدراسة وتوزيع المواد في سني الدراسة والمناهج الدراسية - تتضمن بحكم اللزوم سلطته في توزيع القائمين بمهمة التدريس.
(ب) اختصاص. "اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري". نقل مكاني. 

نقل مدرس من المدارس الإعدادية إلى المرحلة الابتدائية للزيادة عن الحاجة ووفقاً لقاعدة تنظيمية عامة مجردة - ثبوت عدم مغايرة الوظيفة المنقول منها عن الوظيفة المنقول إليها من حيث شروط التعيين وكونها لا تقل عنها في الدرجة والمرتب - يعتبر نقلاً مكانياً ويخرج عن اختصاص القضاء الإداري.

----------------
1 - يتضح من استعراض أحكام القانونين رقمي 213 لسنة 1956 في شأن التعليم الابتدائي، 55 لسنة 1957 في شأن تنظيم التعليم الإعدادي العام، أنهما خولا وزير التربية والتعليم أن ينظم بقرارات منه خطة الدراسة، وكيفية توزيع المواد في سني الدراسة، وعدد الدروس المخصصة لكل منها، والمناهج الدراسية على ألا يقل عدد الدروس عن العدد الذي نص عليه في هذين القانونين. وقد أشارت المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 55 لسنة 1957 إلى أن المشروع المقترح لم يحدد خطة الدراسة تحديداً نهائياً، وإنما أخذ في الاعتبار أن الخطة تخضع للتجريب والتقويم في ضوء ما تسفر عنه التجربة وفي ضوء الاتجاهات والأهداف التربوية.
وإن سلطة وضع هذه المواد والخطط والمناهج الدراسية تتضمن حتماً وبحكم اللزوم سلطة توزيع القائمين بمهمة التدريس وتقدير ملاءمة هذا التوزيع بالنسبة إلى مختلف مراحل التعليم في ضوء ما تسفر عنه حاجة مرفق التعليم، وما يقتضيه تحقيق الأغراض العليا التي استهدفها المشرع من إصدار القانونين آنفي الذكر.
2 - إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري لا يشمل الطعن في القرارات الصادرة بنقل الموظف ما دامت لا تحمل في طياتها قرارات أخرى مقنعة مما يختص بنظرها القضاء الإداري كالنقل إلى وظيفة تختلف عن الوظيفة الأولى في طبيعتها أو في شروط التعيين فيها أو كجزاء تأديبي.
وإذا كان نقل المدعي من المدارس الإعدادية إلى المرحلة الابتدائية نتيجة الزيادة عن الحاجة في عدد مدرسي اللغة الإنجليزية بالتعليم الإعدادي وأنها احتفظت في مرحلة التعليم الإعدادي بمن يحمل مؤهلاً أعلى ومن تزيد كفايته على كفاية المنقولين إلى التعليم الابتدائي وذلك وفقاً للقاعدة التنظيمية العامة المجردة التي وضعتها في هذا الخصوص والتي أملتها عليها اعتبارات الصالح العام وضرورات حسن سير مرفق التعليم وأن قرار التسويات الصادر من السيد وزير التربية والتعليم اعتبر مؤهل المدعي صالحاً للتعليم الإعدادي والابتدائي على حد سواء، ومن ثم فإن نقل المدعي إلى وظيفة لا تغاير وظيفته الأولى من حيث شروط التعيين كما لا تقل عنها من حيث الدرجة أو المرتب، لا يعدو أن يكون نقلاً مكانياً اقتضته مصلحة العمل، ولا ينطوي على تعيين جديد أو تأديب مما يدخل في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري النظر فيه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 217 لسنة 8 القضائية ضد وزارة التربية والتعليم بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم في أول فبراير سنة 1961 طلب فيها "الحكم بإلغاء القرار الذي نشرته الصحف الصادرة في يوم 4 من سبتمبر سنة 1960 والمتضمن نقل الطالب من وظيفة مدرس في التعليم الإعدادي إلى وظيفة مدرس في التعليم الابتدائي، مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الوزارة مصروفات الدعوى ومقابل أتعاب المحاماة".
وقال شرحاً لدعواه إنه حصل على دبلوم معهد المعلمين الابتدائي الخاص وعين فور حصوله على هذا المؤهل في وظائف تدريس اللغة الإنجليزية بمدارس التعليم الابتدائي القديم وهو التعليم الذي تحول فيما بعد إلى التعليم الإعدادي. وعندما أنشئ التعليم الإعدادي نقل إليه مع زملائه خريجي معاهد المعلمين الابتدائية الخاصة، واستمر في عمله يؤديه بكفاية تشهد بها تقديرات المفتشين. وبينما ينتظر دوره في الترقية إلى وظيفة مدرس أول اللغة الإنجليزية في التعليم الإعدادي، إذ به يفاجأ بحركة تنقلات تنشرها الصحف الصادرة في يوم 4 من سبتمبر سنة 1960 تضمنت نقله من وظيفة مدرس بالمدارس الإعدادية إلى وظيفة مدرس بالمدارس الابتدائية وهي المدارس الإلزامية السابقة على سنة 1953 وقد انطوى هذا النقل على تنزيل في الوظيفة لأن التعليم الإعدادي أعلى مستوى من التعليم الابتدائي، كما أن مناهج التدريس في هذا التعليم لا تشمل مادة اللغة الإنجليزية وإنما تقوم على ما يعرف بمدرس الفصل الذي يتولى تدريس جميع مواد الدراسة المقررة على الفصل من لغة عربية إلى دين إسلامي إلى رياضة إلى علوم اجتماعية. وقد تظلم إدارياً من قرار النقل هذا إلى السيد وزير التربية والتعليم في 4 من أكتوبر سنة 1960 ومضت المدة المقررة للتظلم دون أن تجيب عنه الوزارة.
وقد أجابت الوزارة المدعى عليها عن الدعوى بأن التعليم الإعدادي كان مثقلاً بزيادة في عدد مدرسي اللغة الإنجليزية قدرها 246 مدرساً. وقد أعد التفتيش كشوفاً بالمدرسين متبعاً فيها سلماً تصاعدياً بالنسبة للتقديرات الفنية مبتدئاً بالأدنى في كل منطقة حتى وصل إلى تقدير المدعي وهو 80% بحكم ما اقتضاه الأمر من وجوب استبعاد العدد الزائد عن حاجة منطقته طبقاً لميزانيتها. وقد استأنس التفتيش في إعداد الكشوف المذكورة بقرار التسويات الصادر من اللجنة العليا للتدريس الذي جاء في البند الثالث منه أن مؤهل - دبلوم المعاهد المعلمين والمعلمات الخاصة - هو من المؤهلات التي يمكن الاستعانة بحملتها في تدريس اللغة الإنجليزية في المرحلة الإعدادية فقط، على أن ينظم للحاصلين على هذا الدبلوم برنامجاً تجديدياً خاصاً، أي أن الاستعانة بحملة هذا المؤهل مع البرنامج التجديدي أمر جوازي لا يخول لحامله التمسك بالبقاء في الإعدادي مع وجود المدرسين الزائدين عن الحاجة واتجاه الوزارة إلى تدعيم تدريس هذه المادة في الإعدادي بالمؤهلات العليا التربوية. وقد قدمت إدارة قضايا الحكومة صورة من الأمر التنفيذي رقم 307 الصادر في 20 من أغسطس سنة 1960 بنقل المدعي من المدارس الإعدادية إلى المدارس الابتدائية.
وبجلسة 29 من أكتوبر سنة 1961 قضت المحكمة الإدارية بإلغاء القرار الوزاري رقم 307 الصادر في 20 أغسطس سنة 1960 فيما تضمنه من نقل المدعي من مرحلة التعليم الإعدادي إلى مرحلة التعليم الابتدائي، وإلزام الوزارة بالمصروفات ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة. وأقامت قضاءها على أن وظيفة مدرس بالمدارس الإعدادية هي بحسب وضعها في مدارج وظائف وزارة التربية والتعليم أعلى مرتبة من وظيفة مدرس بالمدارس الابتدائية التي نقل إليها المدعي بالقرار المطعون فيه، وأن هذا النقل ينطوي - والحالة هذه - على تنزيل من الوظيفة مخالف للقانون، وكذا على إهدار للمراكز القانونية الذاتية التي اكتسبها الموظف، وهو ما لا يجوز إلا بقانون.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون، ذلك أن نقل المدعي وأمثاله إلى التعليم الابتدائي في ذات الدرجة وبذات المرتب إنما هو نقل مكاني مما لا يختص به مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري وقد تغيت به الوزارة وجه الصالح العام باعتبار أن مراعاة مستوى الكفاية لكل نوع من أنواع التعليم المختلفة، ووضع كل في مكانه الملائم من أهم ما يتطلبه حسن سير العمل بمرفق التعليم، وهذا النقل على الصورة التي تم بها لا يختص القضاء الإداري بنظر الطعن بطلب إلغاء القرار الصادر به. أما من ناحية الموضوعية فإن النقل محل الطعن قد حقق الصالح العام، ولم يترتب عليه تغيير في الدرجة أو المرتب، بإنقاص أيهما، بل أنه تم في ظل قانون إدماج ميزانية الوزارة الذي أيد مشروعيته وبذلك صدر سليماً مطابقاً للقانون.
ومن حيث إنه يتضح من استعراض أحكام القانونين رقمي 213 لسنة 1956 في شأن التعليم الابتدائي، 55 لسنة 1957 في شأن تنظيم التعليم الإعدادي العام، أنهما خولا وزير التربية والتعليم أن ينظم بقرارات منه خطة الدراسة، وكيفية توزيع المواد في سني الدراسة، وعدد الدروس المخصصة لكل منها. والمناهج الدراسية، على ألا يقل عدد الدروس عن العدد الذي نص عليه في هذين القانونين. وقد أشارت المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 55 لسنة 1957 إلى أن المشروع المقترح لم يحدد خطة الدراسة تحديداً نهائياً، وإنما أخذ في الاعتبار أن الخطة تخضع للتجريب والتقويم في ضوء ما تسفر عنه التجربة، وفي ضوء الاتجاهات القومية والأهداف التربوية.
ومن حيث إن سلطة وضع هذه المواد والخطط والمناهج الدراسية تتضمن حتماً وبحكم اللزوم سلطة توزيع القائمين بمهمة التدريس وتقدير ملاءمة هذا التوزيع بالنسبة إلى مختلف مراحل التعليم في ضوء ما تسفر عنه حاجة مرفق التعليم، وما يقتضيه تحقيق الأغراض العليا التي استهدفها المشرع من إصدار القانونين آنفي الذكر.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري لا يشمل الطعن في القرارات الصادرة بنقل الموظف ما دامت لا تحمل في طياتها قرارات أخرى مقنعة مما يختص بنظرها القضاء الإداري كالنقل إلى وظيفة تختلف عن الوظيفة الأولى في طبيعتها أو في شروط التعيين فيها أو كجزاء تأديبي.
ومن حيث إن الثابت من أوراق الدعوى أن الوزارة قررت نقل المدعي من المدارس الإعدادية إلى المرحلة الابتدائية نتيجة الزيادة عن الحاجة في عدد مدرسي اللغة الإنجليزية بالتعليم الإعدادي وأنها احتفظت في مرحلة التعليم الإعدادي بمن يحمل مؤهلاً أعلى ومن تزيد كفايته على كفاية المنقولين إلى التعليم الابتدائي وذلك وفقاً للقاعدة التنظيمية العامة المجردة التي وضعتها في هذا الخصوص والتي أملتها عليها اعتبارات الصالح العام وضرورات حسن سير مرفق التعليم وأن قرار التسويات الصادر من السيد وزير التربية والتعليم اعتبر مؤهل المدعي صالحاً للتعليم الإعدادي والابتدائي على حد سواء، ومن ثم فإن نقل المدعي إلى وظيفة لا تغاير وظيفته الأولى من حيث شروط التعيين كما لا تقل عنها من حيث الدرجة أو المرتب، لا يعدوا أن يكون نقلاً مكانياً اقتضته مصلحة العمل، ولا ينطوي على تعيين جديد أو تأديب مما يدخل في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري النظر فيه. بل إنه لا يخرج في الواقع من الأمر عن أن يكون توزيعاً للعمل بين مدرسي التعليم الإعدادي ومدرسي التعليم الابتدائي بوزارة التربية والتعليم في ضوء ما فرضه القانونان الصادران بتنظيم التعليم الابتدائي والإعدادي من أوضاع وملاءمات وقد راعت الوزارة في إجرائه وجه المصلحة العامة وحسن سير العمل بمرفق التعليم وسارت في ذلك على أسس منضبطة دون المساس بمركز المدعي بما يجعله بهذه المثابة من الإطلاقات المتروكة لمحض تقدير الجهة الإدارية وترخصها حسبما تراه متفقاً مع الصالح العام - ما دام قرارها خلا من إساءة استعمال السلطة - ويخرجه بالتالي من الخضوع لرقابة مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري. ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ أخذ بغير هذا النظر يكون قد خالف القانون وجانب الصواب في تطبيقه وتأويله، مما يتعين معه - والحالة هذه - القضاء بإلغائه وبعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى، مع إلزام المدعي بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.

الطعن 73 لسنة 8 ق جلسة 27 / 11 / 1966 إدارية عليا مكتب فني 12 ج 1 ق 29 ص 300

جلسة 27 من نوفمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ مصطفى كامل إسماعيل نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبى والدكتور أحمد ثابت عويضه وسليمان محمود جاد ومحمد فهمي طاهر المستشارين.

---------------

(29)

القضية رقم 73 لسنة 8 القضائية

(أ) دعوى. "دعوى الإلغاء. ميعاد الستين يوماً". 

صدور حكم بأحقية صاحب الشأن في الدرجة الثامنة - صيرورته نهائياً - تظلم صاحب الشأن من القرار الصادر بالترقية إلى الدرجة السابعة بعد مضي أكثر من ستين يوماً من تاريخ صيرورة الحكم نهائياً - لا أثر له في قطع الميعاد.
(ب) دعوى. "دعوى الإلغاء. ميعاد الستين يوماً". نشرة مصلحية. موظف "ترقية".
تضمن النشرة المصلحية لأسماء من رقوا وبيانها أن حركة الترقيات قد قامت على أساس الأقدمية - اعتبار النشر قد تم بصورة كافية للتعريف بالقرار وعناصره الجوهرية.

----------------
1 - متى ثبت أن المدعي قد صدر حكم لصالحه من المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم في الدعوى رقم 138 لسنة 6 القضائية بجلسة 22 من إبريل سنة 1959 بأحقيته في الدرجة الثامنة اعتباراً من 25 من يونيه سنة 1946 وأنه تظلم إدارياً من القرار المطعون فيه في 27 من فبراير سنة 1960 أي بعد مضي أكثر من ستين يوماً - وهو الميعاد المقرر للتظلم أو الطعن بالإلغاء - من تاريخ صيرورة هذا الحكم نهائياً واستقرار مركزه القانوني به، وبذلك يكون تظلمه الحاصل بعد الميعاد غير ذي أثر في قطع هذا الميعاد، وبالمثل تكون دعواه التي أقامها بعد ذلك بطلب إلغاء القرار المطعون فيه، الذي أصبح حصيناً من الإلغاء واستقرت به المراكز القانونية التي اكتسبها أربابها بمقتضاه بفوات مواعيد الطعن فيه.
2 - متى ثبت أن النشرة قد تضمنت أسماء من رقوا وبينت أن حركة الترقيات للدرجة السابعة الفنية قد قامت على أساس الأقدمية المطلقة، ومن ثم فإن النشر على هذا النحو يكون قد تم بصورة كافية للتعريف بالقرار وعناصره ومحتوياته الجوهرية بما يتيح للمدعي تحديد موقفه إزاء هذا القرار من حيث ارتضاؤه أو الطعن فيه بعد أن تحدد مركزه الوظيفي واستقر بصيرورة الحكم الصادر لصالحه نهائياً.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أن المدعي قدم إلى لجنة المساعدة القضائية في 25 من مايو سنة 1960 طلب إعفاء من رسوم الدعوى الحالية وافقت عليه اللجنة في 6 من ديسمبر سنة 1960 فأقام بناء عليه الدعوى رقم 146 لسنة 8 القضائية ضد وزارة التربية والتعليم أمام المحكمة الإدارية لهذه الوزارة بصحيفة أودعها قلم كتاب المحكمة في 21 من ديسمبر سنة 1960 طالباً فيها الحكم بإلغاء القرار رقم 235 الصادر في 27 من نوفمبر سنة 1958 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة السابعة الفنية اعتباراً من 23 من أكتوبر سنة 1958 مع ما يترتب على ذلك من آثار، وبجلسة 28 من أكتوبر سنة 1961 أجابته المحكمة إلى طلبه بحكمها المطعون فيه، وبنت قضاءها فيما يتعلق بقبول الدعوى على أن القرار المطعون فيه لم يعلن إلى المدعي وأنه لا اعتداد بما ذهبت إليه الوزارة من أن القرار المذكور قد نشر في النشرة رقم 80 الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1958 ما دام لم يثبت من الأوراق أن الوزارة قد قامت بتوزيع هذه النشرة على نحو منضبط على الجهات المعنية ومن بينها الجهة التي يعمل بها المدعي فضلاً عن أنه حتى باقتراض حصول ذلك فإن النشرة لم تشتمل على القرار المطعون فيه ولم تتضمن العناصر الأساسية المكونة له إذ اكتفت الوزارة فيما بسرد أسماء المرقين دون أن تبين أسس الترقية وقالت المحكمة عن الموضوع إن القرار المطعون فيه مخالف للقانون بتخطية المدعي في الترقية إلى الدرجة السابعة، إذ شمل من هم أحدث منه في الأقدمية، وأنه لا حجة فيما ذهبت إليه الوزارة من أن المدعي كان في الدرجة التاسعة عند إصدار هذا القرار إذ من المقرر أن الأحكام القضائية كاشفة ومقررة للمراكز القانونية وليست منشئة لها، ولا يضار المدعي من تراخي الوزارة في تسوية حالته على النحو القانوني السليم.
ومن حيث إن طعن الحكومة يقوم على أن المشرع في القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة قد اعتد بالنشرات التي تصدرها المصالح كوسيلة من وسائل الإخبار بالقرار الإداري، ورتب عليها ذات الأثر الذي رتبه على النشر في الجريدة الرسمية أو إعلان صاحب الشأن بالقرار، وقد نشر القرار المطعون فيه بنشرة الوزارة نصف الشهرية بالعدد رقم 80 الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1958 الذي ورد إلى المدرسة التي يعمل بها المدعي في يناير سنة 1959، ولما كان قد صدر للمذكور حكم بجلسة 22 من إبريل سنة 1959 في الدعوى رقم 138 لسنة 6 القضائية بأحقيته للدرجة الثامنة اعتباراً من 25 من يونيه سنة 1946 فإن مواعيد الطعن تبدأ من تاريخ صدور هذا الحكم الذي تحدد به مركزه القانوني بما يمكنه من الطعن على القرار المشار إليه، إلا أنه لم يتظلم من هذا القرار إلا في 27 من فبراير سنة 1960، وبذلك يكون قد فوت على نفسه الميعاد المقرر بالإلغاء.
ومن حيث إن المادة 22 من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة تنص على أن ميعاد رفع الدعوى إلى المحكمة فيما يتعلق بطلبات الإلغاء ستون يوماً من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه في الجريدة الرسمية أو في النشرات التي تصدرها المصالح أو إعلان صاحبة الشأن به ومفاد ذلك أن المشرع قد جعل مناط بدء سريان ميعاد رفع الدعوى إلى المحكمة هو واقعة نشر القرار المطعون فيه أو إعلان صاحب الشأن به، وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن النشر يجرى عادة بالنسبة إلى القرارات التنظيمية العامة أو اللائحية، والإعلان بالنسبة إلى القرارات الفردية، إلا أنه يقوم مقام الإعلان - في صدد هذه القرارات الأخيرة - علم صاحب الشأن بها بأية وسيلة من وسائل الإخبار بما يحقق الغاية من الإعلان، ولو لم يقع هذا الإعلان بالفعل، ويثبت هذا العلم من أية واقعة أو قرينة تفيد حصوله دون التقيد في ذلك بوسيلة إثبات معينة، وللقضاء الإداري التحقق من قيام أو عدم قيام هذه القرينة أو تلك الواقعة وتقدير الأثر المترتب عليها من حيث كفاية العلم أو قصوره، وذلك حسبما تستبينه المحكمة من أوراق الدعوى وظروف الحال، فلا تأخذ بهذا العلم إلا إذا توفر اقتناعها بقيام الدليل عليه، كما لا تقف عند إنكار صاحب المصلحة له، حتى لا تهدر المصلحة العامة المبتغاة من تحصين القرارات الإدارية، ولا تزعزع استقرار المراكز القانونية الذاتية التي اكتسبها أربابها بمقتضى هذه القرارات.
ومن حيث إن الثابت من كتاب منطقة المنصورة التعليمية المؤرخ 30 من مارس سنة 1961 (والمقدم للمحكمة ضمن حافظة مستندات الحكومة) أن النشرة النصف شهرية الصادر بها العدد رقم 80 في 16 من ديسمبر سنة 1958 وقد وصلت إلى مدرسة ميت سلسيل الإعدادية التي كان يعمل بها المدعي في شهر يناير سنة 1959 بالكتاب رقم 21 المؤرخ 12 من مارس سنة 1961 وبالاطلاع على هذه النشرة يتبين أنها تضمنت حركة الترقيات التي أجرتها الوزارة بالقرار رقم 235 المؤرخ 27 من نوفمبر سنة 1958 وهو القرار المطعون فيه.
ومن حيث إن المدعي لم يقدم الدليل على عكس ما تقرره الوزارة من أن القرار المطعون فيه قد نشر بالنشرة المشار إليها في 16 من ديسمبر سنة 1958 وأن هذه النشرة وردت إلى المدرسة التي كان يعمل بها في شهر يناير سنة 1959 بما كفل علمه بهذه الواقعة التي يبدأ منها جريان ميعاد رفع الدعوى، والثابت أن المدعي قد صدر حكم لصالحه من المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم في الدعوى رقم 138 لسنة 6 القضائية بجلسة 22 من إبريل سنة 1959 بأحقيته في الدرجة الثامنة اعتباراً من 25 من يونيه سنة 1946 وأنه تظلم إدارياً من القرار المطعون فيه في 27 من فبراير سنة 1960 أي بعد مضي أكثر من ستين يوماً - وهو الميعاد المقرر للتظلم أو للطعن بالإلغاء - من تاريخ صيرورة هذا الحكم نهائياً واستقرار مركزه القانوني به، وبذلك يكون تظلمه الحاصل بعد الميعاد غير ذي أثر في قطع هذا الميعاد، وبالمثل تكون دعواه التي أقامها بعد ذلك بطلب إلغاء القرار المطعون فيه، الذي أصبح حصيناً من الإلغاء واستقرت به المراكز القانونية التي اكتسبها أربابها بمقتضاه بفوات مواعيد الطعن فيه، تكون دعواه هذه مرفوعة بعد الميعاد إذ أنه تقدم إلى لجنة المساعدة القضائية بطلب إعفائه من رسوم الدعوى الحالية في 25 من مايو سنة 1960، فأجابته إلى طلبه في 6 من ديسمبر سنة 1960، وبناء عليه أقام دعواه بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة الإدارية في 21 من ديسمبر سنة 1960، ومن ثم يكون قد فوت على نفسه المواعيد القانونية التي كان يجب عليه مراعاتها منذ أن أصبح الحكم الصادر لصالحه نهائياً واستقر بموجبه مركزه الوظيفي، وتكون دعواه مرفوعة بعد الميعاد وغير مقبولة شكلاً، ولا يغير من ذلك زعمه أن النشرة آنفة الذكر لم تتضمن القرار المطعون فيه ولا الأسس التي قامت عليها الترقية المطعون فيها، مما تعذر عليه معه تحديد موقفه حيال هذا القرار - ذلك أن النشرة قد تضمنت أسماء من رقوا وبينت أن حركة الترقيات للدرجة السابعة الفنية قد قامت على أساس الأقدمية المطلقة، ومن ثم فإن النشر على هذا النحو يكون قد تم بصورة كافية للتعريف بالقرار وعناصره ومحتوياته الجوهرية بما يتيح للمدعي تحديد موقفه إزاء هذا القرار من حيث ارتضاؤه أو الطعن فيه بعد أن تحدد مركزه الوظيفي واستقر بصيرورة الحكم الصادر لصالحه نهائياً.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه، إذ ذهب غير هذا المذهب، يكون قد جانب الصواب، ويتعين الحكم بإلغائه، وبعدم قبول الدعوى، مع إلزام المدعي بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبعدم قبول الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.

الطعن 1646 لسنة 10 ق جلسة 26 / 11 / 1966 إدارية عليا مكتب فني 12 ج 1 ق 28 ص 295

جلسة 26 من نوفمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعبد الستار عبد الباقي آدم ومحمد طاهر عبد الحميد وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.

-----------------

(28)

القضية رقم 1464 لسنة 10 القضائية

(أ) دعوى. "الإجراءات السابقة على رفعها. التظلم". 

ينتج التظلم أثره متى وصل علم الجهة الإدارية التي أصدرت القرار أو الهيئات الرئاسية به في الميعاد القانوني. أثر ذلك. الاعتداد بتظلم قدم إلى النيابة الإدارية ما دام أنها قد أحالته إلى جهة الاختصاص في الميعاد القانوني.
(ب) عامل. "عامل عرضي". "انتهاء الخدمة". عامل مؤقت.
العامل العرضي لا يفيد من أحكام القرار الجمهوري رقم 218 لسنة 1960 بشأن العمال المؤقتين والموسميين - مثال للعمل العرضي.

----------------
1 - أن العبارة بالتظلم إلى الجهة الإدارية مصدرة القرار أو إلى الهيئات الرئاسية وهي اتصال علمها به حتى يتسنى لها فحصه وإصدار قرارها فيه إما بالقبول أو بالرفض ومن ثم فإن التظلم الذي قدمه المدعي ينتج في هذا الصدد أثره المطلوب لأنه وإن كان قد قدم إلى النيابة الإدارية إلا أنها أحالته فوراً إلى الهيئة العامة للبريد فاتصل علمها به في الميعاد القانوني.
2 - متى كان الثابت من الأوراق أنه لم يصدر أي قرار بتعيين المدعي في مكتب البريد المنوه عنه ولم يقدم أية مسوغات لهذا التعيين بل كان يعهد إليه السيد رئيس المكتب بالمساعدة في أعمال ذلك المكتب في أثناء غياب أحد موظفيه وعلى ذلك فإن عمله لم يكن له صفة الاستقرار بل كان عملاً عرضياً يتوقف قيامه وبقاؤه على غياب أحد عمال المكتب وينتهي بحضور ذلك العامل ومن ثم فلا تثريب على رئيس المكتب إذا استغنى عن مساعدته في أعمال المكتب بسبب عودة من كان غائباً من عماله ولا يعتبر استغناؤه هذا فصلاً من خدمة مؤقتة حتى يتناول هذا الفصل الحظر المنصوص عليه بالقرار الجمهوري رقم 218 لسنة 1960 بشأن العمال المؤقتين والعمال الموسميين الذي ينص في مادته الأولى على أنه "يحظر على الوزارات والمصالح الحكومية والهيئات والمؤسسات العامة فصل أي عامل موسمي أو مؤقت إلا بالطريق التأديبي" إذ أن المدعي يعتبر حسبما تقدم عاملاً عرضياً لا مؤقتاً ولا موسمياً ومن ثم فإنه لا يفيد من أحكام القرار الجمهوري سالف الذكر.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن المدعي أقام الدعوى رقم 130 لسنة 11 قضائية بصحيفة أودعها سكرتيرية المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات في 8 من ديسمبر سنة 1963 طالباً الحكم بإلغاء قرار فصله من الخدمة وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وقال شرحاً لدعواه - أنه فصل من الخدمة في 13 من يونيه سنة 1963 بالمخالفة لنص المادة الأولى من قرار السيد رئيس الجمهورية رقم 218 لسنة 1960 في شأن العمال المؤقتين والعمال الموسميين التي تقضي بأن يحظر على الوزارات والمصالح الحكومية والهيئات والمؤسسات العامة فصل أي عامل مؤقت أو موسمي إلا بالطريق التأديبي ثم قال المدعي أنه من العمال المؤقتين ومع ذلك فصلته الهيئة العامة للبريد عن غير الطريق التأديبي فتظلم ثم قدم طلب المعافاة رقم 20 لسنة 11 القضائية معافاة وفي 30 من نوفمبر سنة 1963 صدر القرار بقبول طلبه.
ردت الهيئة العامة للبريد على الدعوى بأن المدعي كان يلحق بمكتب بريد الروضة بمحافظة المنيا بمعرفة رئيس المكتب في حالة الحاجة إليه في فترات متقطعة بسبب غياب أو ندب أو فصل أحد موظفي المكتب ويستغنى عنه بعد انتهاء العمل وهو من العمال العرضيين الذين لا يصدر قرار بتعيينهم من السلطة المختصة بالتعيين ولا يقدمون مسوغات تعيين وليس لهم ملفات خدمة وبالتالي لا يصدر قرار بفصلهم ولا يسري عليهم قرار السيد رئيس الجمهورية رقم 218 لسنة 1960 لأنه لا يسري على من يلحقون بأعمال لمدة شهرين فأقل. ثم ذكرت الهيئة أن المدعي لم يصدر قرار بفصله حيث إنه استغنى عن خدماته لاستكمال عدد الموظفين بالمكتب. وقد تظلم من ذلك ثم رفع هذه الدعوى. وقدمت الهيئة ملف الشكاوى المقدمة منه وكشفاً بالفترات التي اشتغلها.
قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الدعوى انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء قرار فصل المدعي من الخدمة وإخراج وزارة الشئون الاجتماعية من الدعوى بلا مصاريف وإلزام الهيئة العامة للبريد بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة استناداً إلى أن عمل المدعي وإن كان مؤقتاً إلا أنه مستقر نسبياً وأن فصله قد تم بالمخالفة لأحكام القرار الجمهوري رقم 218 لسنة 1960.
عقبت الحكومة على تقرير هيئة المفوضين بمذكرة دفعت فيها بعدم قبول الدعوى شكلاً لعدم تظلم المدعي تظلماً قانونياً قبل رفع الدعوى وطلبت احتياطياً رفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة واستندت في ذلك إلى ما جاء بردها على الدعوى وأضافت إليه أنه يبين من الاطلاع على الكشف الذي قدمته أن أطول فترة قضاها المدعي في العمل لا تجاوز الشهرين الأمر الذي يؤكد عرضية الأعمال التي كان يقوم بها.
وبجلسة 9 من يونيه سنة 1964 قضت المحكمة الإدارية بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء قرار فصل المدعي من الخدمة وإخراج وزارة الشئون الاجتماعية من الدعوى بلا مصاريف وإلزام الهيئة العامة للبريد بالمصروفات ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة. وأقامت قضاءها - بقبول الدعوى شكلاً - وعلى أن المدعي فصل من الخدمة في 12 من يونيه سنة 1963 فتقدم بتظلم إلى النيابة الإدارية إلى إحالته إلى الهيئة العامة للبريد فاتصل علمها به في 17 من ذات الشهر وليس في الأوراق ما يفيد استجابتها له. وأنه لما كان قد تقدم في 3 من أكتوبر سنة 1963 بطلب معافاته من رسوم الدعوى وصدر قرار الإعفاء في 30 من نوفمبر سنة 1963 وأقام دعواه في 8 من ديسمبر سنة 1963 فتكون الدعوى قد أقيمت في المواعيد المقررة قانوناً أما عن الموضوع فقد أقامت المحكمة قضاءها على أن خدمة المدعي بدأت منتظمة في أول مارس سنة 1961 واستغرقت شهرين حتى 30 من إبريل سنة 1961 ثم اقتصرت الهيئة بعد ذلك على تشغيل المدعي في النصف الأول من كل شهر ثم إخلائه من العمل في نصفه الآخر حتى فصلته في 12 من يونيه سنة 1963 حين قررت فصله وأن الإدارة قد استهدفت من ذلك حرمانه من الإفادة من أحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 218 لسنة 1960.. وأن فصل المدعي قد تم بالمخالفة لأحكام هذا القرار لأنه لا يبين من الأوراق أنه كان معيناً لمدة محددة وانقضت أو أنه كان معيناً لعمل انتهى أو نفذ الاعتماد المرهون به.
وقد طلبت الحكومة في هذا الحكم بصحيفة أودعتها سكرتيرية هذه المحكمة في 8 من أغسطس سنة 1964 طالبة الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بعدم قبول دعوى المطعون عليه شكلاً ومن باب الاحتياط رفضها موضوعاً مع إلزامه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة واستندت في ذلك إلى نفس الأسباب التي استندت إليها في ردها على الدعوى وفي المذكرة المقدمة منها فيها.
عقبت هيئة مفوضي الدولة على الطعن تقرير بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات واستندت في ذلك إلى نفس الأسباب التي بنت الحكومة عليها طعنها.
ومن حيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى فقد أصاب الحكم المطعون فيه وجه الحق في قضائه برفض هذا الدفع للأسباب التي استند إليها والتي تأخذ بها هذه المحكمة وتضيف إليها - أن العبرة بالتظلم إلى الجهة الإدارية مصدرة القرار أو إلى الهيئات الرئيسية هي اتصال علمها به حتى يتسنى لها فحصه وإصدار قرارها فيه إما بالقبول أو بالرفض. ومتى كان الثابت أن التظلم الذي قدمه المدعي ينتج في هذا الصدد أثره المطلوب لأنه وإن كان قد قدم إلى النيابة الإدارية إلا أنها أحالته فوراً إلى الهيئة العامة للبريد فاتصل علمها به في الميعاد القانوني ولكنها لم تستجب إليه مما حدا بالمدعى إلى أن يتقدم بطلب إعفائه من رسوم الدعوى في الميعاد القانوني وصدر قرار معافاته في 30 من نوفمبر سنة 1963 ثم أقام دعواه في 8 من ديسمبر سنة 1963 ومن ثم تكون الدعوى قد أقيمت في الميعاد القانوني ويكون الدفع بعدم قبولها على غير أساس سليم من القانون.
ومن حيث إنه عن الموضوع فإن الثابت من الأوراق أنه لم يصدر أي قرار بتعيين المدعي في مكتب البريد المنوه عنه ولم يقدم أية مسوغات لهذا التعيين بل كان يعهد إليه السيد رئيس المكتب بالمساعدة في أعمال ذلك المكتب في أثناء غياب أحد موظفيه وعلى ذلك فإن عمله لم يكن له صفة الاستقرار بل كان عملاً عرضياً يتوقف قيامه وبقاؤه على غياب أحد عمال المكتب وينتهي بحضور ذلك العامل ومن ثم فلا تثريب على رئيس المكتب إذ استغنى عن مساعدته في أعمال المكتب بسبب عودة من كان غائباً من عماله ولا يعتبر استغناؤه هذا فصلاً من خدمة مؤقتة حتى بتناول هذا الفصل الحظر المنصوص عليه بالقرار الجمهوري رقم 218 لسنة 1960 بشأن العمال المؤقتين والعمال الموسميين الذي ينص في مادته الأولى على أن "يحظر على الوزارات والمصالح الحكومية والهيئات والمؤسسات العامة فصل أي عامل موسمي أو مؤقت إلا بالطريق التأديبي" إذ أن المدعي يعتبر حسبما تقدم عاملاً عرضياً لا مؤقتاً ولا موسمياً ومن ثم فإنه لا يفيد من أحكام القرار الجمهوري سالف الذكر وتكون دعواه لذلك على غير أساس سليم من القانون حقيقة بالرفض. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى خلاف هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إنه لما تقدم يتعين القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلغاء قرار فصل المدعي والحكم برفض دعواه مع إلزامه بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.

الطعن 1362 لسنة 10 ق جلسة 26 / 11 / 1966 إدارية عليا مكتب فني 12 ج 1 ق 27 ص 282

جلسة 26 من نوفمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى ومحمد طاهر عبد الحميد ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.

-------------------

(27)

القضية رقم 1362 لسنة 10 القضائية

(أ) أموال عامة "الانتفاع بها". ترخيص. عقد إداري.
اختلاف الترخيص للأفراد بالانتفاع بجزء من المال العام في مداه وفيما يخوله لهم من حقوق على المال العام بحسب ما إذا كان الانتفاع عادياً أم غير عادي - متى يعد الانتفاع عادياً ومتى يعد غير عادي - مثال لكل منهما وبيان سلطة الإدارة بشأنه - اصطباغ الترخيص بصبغة العقد الإداري في حالة إعداد المال العام بطبيعته لينتفع به الأفراد انتفاعاً خاصاً بصفة مستقرة وبشروط معينة وخضوعه للشروط الواردة فيه وللقواعد القانونية التي تنظم هذا النوع من الانتفاع - بقاء الحق في الانتفاع بالمال العام قائماً في هذه الحالة للمدة المحددة للترخيص أو للمدة التي يظل فيها المال مخصصاً للنفع العام في حالة عدم تحديد مدة للترخيص.
(ب) جبانة. ترخيص. عقد إداري.
التراخيص الخاصة بشغل مساحات محدودة من أراضي الجبانات لإقامة مدافن أو أحواش عليها - موقف القضاء والفقه في فرنسا منها - تمتعها في مصر بطابع من الثبات والاستقرار لا يزحزحه إلا إنهاء تخصيص المكان للدفن.
(جـ) قرار إداري "عيب الانحراف". جباية.
انعدام السبب المعقول المبرر للقرار الإداري وانطواء تصرف الإدارة على تمييز بعض الناس على حساب البعض الآخر دون مسوغ مقنع وأساس من الصالح العام - صورة من صور مشوبة القرار الإداري بالانحراف - مثال.

------------------
1 - أن الترخيص للأفراد بالانتفاع بجزء من المال العام يختلف في مداه وفيما يخوله للأفراد من حقوق على المال العام بحسب ما إذا كان هذا الانتفاع عادياً أو غير عادي ويكون الانتفاع عادياً إذا كان متفقاً مع الغرض الأصلي الذي خصص المال من أجله كما هو الشأن بالنسبة إلى أراضي الجبانات وأراضي الأسواق العامة وما يخصص من شاطئ البحر لإقامة الكبائن والشاليهات ويكون الانتفاع غير عادي إذا لم يكن متفقاً مع الغرض الأصلي الذي خصص له المال العام كالترخيص بشغل الطريق العام بالأدوات والمهمات والأكشاك ففي الانتفاع غير العادي يكون الترخيص للأفراد باستعمال جزء من المال العام من قبيل الأعمال الإدارية المبينة على مجرد التسامح ويكون الاختصاص بمنحه عادة لجهات الشرطة وتتمتع الإدارة بالنسبة إلى هذا النوع من الانتفاع بسلطة تقديرية واسعة فيكون لها إلغاء الترخيص في أي وقت بحسب ما تراه متفقاً مع المصلحة العامة، باعتبار أن المال لم يخصص في الأصل لمثل هذا النوع من الانتفاع وأن الترخيص باستعماله على خلاف هذا الأصل عارض موقوت بطبيعته ومن ثم قابلاً للإلغاء أو التعديل في أي وقت لداعي المصلحة العامة. أما إذا كان المال قد أعد بطبيعته لينتفع به الأفراد انتفاعاً خاصاً بصفة مستقرة وبشروط معينة فإن الترخيص به يتم من الجهة الإدارية المنوط بها الإشراف على المال العام ويصطبغ الترخيص في هذه الحالة بصبغة العقد الإداري وتحكمه الشروط الواردة فيه والقواعد القانونية التي تنظم هذا النوع من الانتفاع وهي ترتب للمنتفع على المال العام حقوقاً تختلف في مداها وقوتها بحسب طبيعة الانتفاع وطبيعة المال المقررة عليه على أنها في جملتها تتسم بطابع من الاستقرار في نطاق المدة المحددة في الترخيص أما إذا لم تكن ثمة مدة محددة فإن هذه الحقوق تبقى ما بقى المال مخصصاً للنفع العام وبشرط أن يقوم المنتفع بالوفاء بالالتزامات الملقاة على عاتقه وتلتزم الإدارة باحترام حقوق المرخص له في الانتفاع فلاً يسوغ لها إلغاء الترخيص كلياً أو جزئياً طالما كان المنتفع قائماً بتنفيذ التزاماته وذلك ما لم تقم اعتبارات متعلقة بالمصلحة العامة تقتضي إنهاء تخصيص المال لهذا النوع من الانتفاع ودون إخلال بما للجهة الإدارية من حقوق في اتخاذ الإجراءات التي تكفل صيانة الأمن والنظام ولو تعارض ذلك مع مصلحة المنتفعين وجلي أن ترتيب هذه الحقوق لصالح المنتفعين بالنسبة إلى هذا النوع من الانتفاع مرده إلى أن الانتفاع في هذه الحالة يكون متفقاً مع ما خصص له المال العام فيتحقق النفع العام عن طريق تحقق النفع الخاص.
2 - من التراخيص التي يرى القضاء والفقه في فرنسا أن لها صفة العقود الإدارية وتتسم بطابع الاستقرار التراخيص الخاصة بشغل مساحات محدودة من أراضي الجبانات لإقامة مدافن أو أحواش عليها. ويذهب القضاء الفرنسي إلى أن حق المرخص له في الانتفاع بجزء من أراضي الجبانات حق عيني عقاري موضوعه الانتفاع بالجزء المخصص في الأغراض المحددة في التراخيص بمراعاة أن رغبة الأسرة هي أن يستقر موتاهم في المكان الذي خصص لهم.
والترخيص بمثل هذا النوع من الانتفاع في مصر يرتبط باعتبارات ومعتقدات دينية وأعراف مقدسة عميقة الجذور في نفوس الكافة منذ فجر التاريخ باعتبار أن القبر هو مثوى المرء بعد مماته وداره التي يواري فيها بعد انتهاء رحلته الدنيوية ومزار ذويه وعارفيه في المناسبات الدينية المختلفة كذلك فإن أفراد الأسرة الواحدة حريصون بحكم التقاليد على أن يضم قبورهم على تعاقب الأجيال مكان واحد. كل ذلك أضفى على التراخيص بشغل أراضي الجبانات في مصر منذ وجدت طابعاً من الثبات والاستقرار لا يزحزحه إلا إنهاء تخصيص المكان للدفن وقلما يتم ذلك إلا فيما يتعلق بالجبانات التي بطل الدفن فيها ودرست معالمها.
3 - أن الملابسات التي اكتشفت إصدار القرار محل الطعن تفصح بجلاء عن أن الإدارة تذرعت بالادعاء بإخلال المطعون ضده ورفاقه بالتزاماتهم بالبناء والتسوير بقصد الاستيلاء على الجانب الأكبر من القطعة المخصصة لهم لتوزيعها على آخرين غيرهم بمقولة أن في ذلك تحقيقاً لمصلحة عامة هي تفريج أزمة المقابر وذلك حجة داحضة فالثابت أن الجبانة غصت بالمساحات التي سبق تخصيصها للمنتفعين ولم يعد فيها متسع لمساحات أخرى وأن المساحات التي سبق أن خصصت روعي في تخصيصها حاجة المنتفعين بها وليس في اقتطاع أجزاء من القطع التي خصصت لأربعة ممن سبق الترخيص لهم ما يعتبر حلاً للأزمة التي صورتها المحافظة ولا إجراء عاماً يدعو إليه الصالح العام ويجعل الناس أمامه سواسية في التضحيات والمنافع فإذا أضيف أن الاتجاه إلى اقتطاع هذه الأجزاء لم يكن وليد بحث جدي لتفريج هذه المشكلة سواء فيما يتعلق باحتياجات المقتطع منهم من جهة أو كفاية الأجزاء القليلة المقتطعة في سد حاجة المواطنين الذين قيل أن طلباتهم انهالت للحصول على مساحات بأرض الجبانة من جهة أخرى وإذا روعي أيضاً أن المحافظة لم تلق بالاً إلى ما اقترح من تخصيص قطعة أرض لإقامة جبانة جديدة تفي بحاجة المنتفعين، دل ذلك في مجموعة على انعدام السبب المعقول المبرر للقرار والمؤدي إلى صحة النتيجة التي انتهى إليها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص - على ما يبين من أوراق الطعن - في أن المدعي أقام دعواه أمام محكمة القضاء الإداري هيئة العقود الإدارية وطلبات التعويض بصحيفة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 29 من يونيه سنة 1963 طالباً بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار رقم 103 لسنة 1963 سالف الذكر فيما يتعلق بحقوق الطالب وفي الموضوع بإلغاء القرار وما يترتب على ذلك من آثار مع حفظ حقوق الطالب عما لحقه من أضرار وإلزام المدعى عليه المصروفات وأتعاب المحاماة. "وقال المدعي شرحاً لدعواه أنه أخطر من رئيس لجنة الجبانات بالإسكندرية في 30 من إبريل 1963 بصدور قرار السيد محافظ الإسكندرية رقم 103 لسنة 1963 بالاستيلاء على جزء كبير من الأرض التي سبق أن خصصتها له لجنة الجبانات بجبانة المنارة بموجب شهادة صادرة من اللجنة في 13/ 8/ 1944 ولم يحدد تاريخاً لانتهاء هذه المنفعة مما يفيد صراحة انصراف إرادة الطرفين إلى جعل هذه المنفعة مؤبدة غير موقوتة بميعاد معين. وأضاف أن محكمة القضاء الإداري قد استقرت على أن تمليك المنفعة يعتبر عقداً إدارياً وليس ترخيصاً وأن سلطة الإدارة في تعديل العقود الإدارية مناطها احتياجات المرافق العامة ويشترط لذلك أن تكون قد استجدت بعد إبرام العقد ظروف تبرر هذا التعديل وأن سلطة التعديل لا تتناول جميع شروط العقد وإنما تقتصر على تلك المتعلقة بتسيير المرفق العام ومن ثم فإن الإدارة لا تملك تعديل شروط العقد الأخرى لا سيما تلك المتعلقة بمحل العقد نفسه وأنه لما كان الاستيلاء على هذه الأرض يتضمن تعديلاً لشروط العقد فيما يتعلق بمحله كما أنها لم تستهدف الصالح العام إذ أنها أنما تقتطع هذه الأجزاء من الطالب بقصد توزيعها على أشخاص معينين بالذات وأنه ليس في أحكام القوانين واللوائح ما يخول السيد المحافظ الاستيلاء على أي جزء من المرافق الخصوصية وبذلك يكون القرار المشار إليه مشوباً بعيب الانحراف وإساءة استعمال السلطة والمخالفة للقانون فضلاً عن إخلاله بالعقد الإداري إخلالاً يجعله متجاوزاً الحدود التي يجوز في مجالها تعديل العقود الإدارية وأضاف المدعي أنه كان قد قدم رسماً للبلدية لبناء مرفق على الأرض المستولى عليها وتم اعتماده بالفعل في 26 من نوفمبر سنة 1962 وأنه كان قد شرع في تسوير الأرض وبسطها تمهيداً لإقامة المبنى. ومضى المدعي قائلاً أنه فيما يتعلق بالناحية الموضوعية ما كان يليق بجهة الإدارة أن تتصدى للمرافق والقبور بالاستيلاء عليها على النحو المذكور لما ينطوي عليه ذلك من إساءة بالغة بالشعائر الدينية.
ومن حيث إن محافظة الإسكندرية لم تعقب على الدعوى اكتفاء بدفاعها في الدعوى رقم 1591 لسنة 17 القضائية التي أقيمت من السيد/ محمد صادق محمود في شأن إلغاء القرار ذاته والذي يتحصل في أن المدعي وآخرين سبق أن حصلوا على قطع أرض بجبانة المنارة لإقامة مقابر عليها مقابل انتفاع معين وحدث أن تلقت الإدارة الصحية بالمحافظة في العامين الأخيرين العديد من طلبات المواطنين للحصول على أجزاء في تلك الجبانة لإقامة مرافق عليها إلا أنه تبين للإدارة أن جميع الأراضي المعدة لهذا الغرض قد نفدت وأن هناك مساحات كبيرة سبق الترخيص بها لبعض المواطنين ومنهم المدعي فلم يقوموا بالبناء عليها أو تسويرها وتركوها خالية حتى أصبحت مستودعاً للقاذورات فقامت المحافظة بعد استطلاع رأي المستشار القانوني بإصدار القرار المطعون فيه متضمناً النص على تعديل التراخيص السابق منحها لخمسة أشخاص من بينهم المدعي واختصت كلاً منهم بجزء من الأرض واستولت هي على الباقي بالطريق الإداري لتوزيعه على المواطنين الذين لا يجدون أماكن لدفن موتاهم وزادت المحافظة أن أرض الجبانات من الأموال العامة التي لا يجوز التصرف فيها بالبيع أو الشراء وأن دفن الموتى بالجبانات من المرافق العامة لاتصاله الوثيق بالشئون الشرعية والصحية وأنه من أجل ذلك تدخل المشرع فنظم هذا المرفق تنظيماً عاماً بتشريعات متعاقبة وأنه بالنسبة لمدينة الإسكندرية فإن لائحة الجبانات الصادر بها قرار القومسيون الطبي في 6 فبراير سنة 1911 ما زال معمولاً بها فيما عدا نص المادة الأولى الذي جرى تعديله سنة 1957 تعديلاً مؤداه إحلال الإدارة الصحية بالمحافظة محل لجنة الجبانات في تنفيذ أحكام اللائحة وأن المادة 2 من اللائحة قد نصت على أن كل من أراد الحصول على قطعة أرض في أية جبانة ليبنى فيها قبراً أو أكثر أو مرفقاً خصوصياً فعليه أن يقدم بذلك طلباً مبيناً فيه اسمه ولقبه ومحل إقامته والمسطح الذي يريد الحصول عليه وموقعه وعليه مقابل المصروفات التي تقوم بها اللجنة دفع مبلغ معين عن كل متر بحسب ما تقرره اللجنة ولا تعطي الرخصة إلا بعد المعاينة وتحصيل المبلغ المطلوب ما لم يكن الطالب فقيراً وتستطرد المحافظة إلى القول بأنه إذا تعاقد أحد الأفراد مع جهة الإدارة فإن هذا التعاقد لا يتضمن تمليكاً لهذه الأرض لكنه بحسب التكييف الذي انتهت إليه المحكمة الإدارية العليا يعتبر تخصيصاً للمال العام لانتفاع شخصي بعينه ولا يعني ذلك الحد من حرية الإدارة فيما رخصت فيها وتعديله لدواعي المصلحة العامة ذلك أن العقد الذي محله الانتفاع بمال عام هو بطبيعته من العقود التي تخضع لأحكام القانون العام لأنها توافق طبيعة المال العام ومتى كان العقد إدارياً فإن من حق الجهة الإدارية إنهاء تلك العلاقة بناء على سلطتها التقديرية طالما كان ذلك متفقاً مع وجه المصلحة العامة وعلى ذلك فإنها رأت لمقتضيات المصلحة العامة قصر بعض العقود المبرمة مع المدعي وآخرين على أجزاء مما سبق الترخيص لهم به حتى تتيح الفرصة لآخرين للحصول على قطع لإقامة مدافن خاصة لهم خصوصاً وأن المدعي ترك الأرض المرخص له بها دون انتفاع لمدة طويلة ولم يقم بتسويرها مما جعلها مستودعاً للقمامة.
وبجلسة 24 من مايو سنة 1964 قضت محكمة القضاء الإداري بإلغاء القرار رقم 103 لسنة 1963 الصادر من محافظ الإسكندرية وأقامت قضاءها على أن مركز المدعي الناشئ من قرار لجنة الجبانات الإسلامية ليس من المراكز القانونية التي تستعصي على التعديل بل أن من حق جهة الإدارة أن تعدله إذا اقتضى الصالح العام ذلك التعديل لأن الأرض التي اختص بها المدعي كانت وما تزال مالاً عاماً مخصصاً لمنفعة عامة وأن مقطع النزاع في الدعوى هو ما إذا كان القرار المطعون فيه قد صدر لمصلحة عامة تبرره أم أن الباعث عليه كان يستهدف مصالح خالصة وأنه لا وجه لما تنعاه المحافظة على المدعي من أنه لم يقم بتسوير قطعة الأرض التي سبق الترخيص له بها أو البناء عليها ذلك لأن اللائحة جاءت خلواً من أي نص يلزم بالتسوير أو بالبناء خلال مدة معينة بل أن الأمر على العكس من ذلك فإن البند الثالث من المادة 16 من اللائحة تتضمن نصاً صريحاً بإبقاء أراضي المرافق الخاصة دون تسوير كما أنه لا يمكن أن يلام المدعي من عدم انتفاعه بقطعة الأرض المذكورة زهاء عشرين عاماً كذلك فإنه لا وجه لما تذرعت به المحافظة من أن لوالد المدعي مرفقاً كبيراً يقع خلف تلك الأرض لأن المدعي إنما طلب الانتفاع بقطعة الأرض لنفسه ولعائلته وإذا كان لهذا الاعتبار وزن ما فقد كان للجنة الجبانات أن ترفض منحه قطعة الأرض من مبدأ الأمر وعندما تقدم بطلبه وخلصت المحكمة إلى أن المدعي يكون قد تصرف وفقاً للائحة التي كانت ولا زالت سارية المفعول وليس في الأوراق ما يشير إلى أن جهة الإدارة طلبت من المدعي أن يقوم بتسوير هذه الأرض أو إقامة المرافق عليها وأنه امتنع أو تأخر وأنه ترتيباً على ذلك لا يكون ثمة ما يؤخذ على المدعي من مخالفة لا من ناحية اللائحة ولا من ناحية شروط الترخيص وأن المحكمة لا ترى فيما ساقته المحافظة لتبرير إصدار القرار المطعون فيه ما يمكن أن يقوم سبباً صحيحاً من الناحية القانونية بوصف أن ما أقدمت عليه من سلخ الجزء الأكبر من الأرض المرخص بها للمدعي كمرفق له ولأفراد عائلته أن هذا الفعل كان يستهدف المصلحة العامة لأن المساحات المستقطعة بالقرار المطعون لا يمكن أن تعتبر حلاً لمواجهة طلبات المواطنين بمنحهم أراضي لدفن موتاهم الذين يتزايد عددهم بتزايد عدد السكان الأمر الذي يظهر هذا القرار على حقيقة أمره وهو انحرافه من استهداف الصالح العام وإهداره للمركز القانوني للمدعي ولباقي المنتفعين الخمسة الآخرين الأمر الذي يجعله حقيقاً بالإلغاء".
ومن حيث إن الطاعنة قد نعت على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون وقالت في طعنها أن سلطة الإدارة في التعديل أو إلغاء العقد الإداري لا تفقد عند حد ما دام متفقاً مع مقتضيات الصالح العام وكل ما للمتعاقد هو أن يكون له الحق في فسخ العقد أو التعويض دون أن يتعدى ذلك إلى إجبار الجهة الإدارية على العدول عن التعديل الذي اقتضاه الصالح العام واحتياجات المرفق وأنه ليس صحيحاً أن التعديل الذي أجرته الإدارة كان يهدف إلى تحقيق أغراض خاصة وأنه لا يغير من هذا النظر أن تكون أشخاص المنتفعين قد تحددت عند إجراء التعديل في العقد موضوع الدعوى لأن أشخاصهم إنما تتحدد حتماً بالطلب الذي يتقدم كل منهم به إلى جهة الإدارة بالترخيص له في الانتفاع.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قدمت تقريراً بالرأي القانوني ذهبت فيه إلى أن المحافظة كانت في حاجة ماسة إلى أكبر قدر ممكن من المساحات الخالية بأرض جبانة المنارة لتتمكن من مجابهة الطلبات العديدة التي تلقتها من المواطنين مؤخراً لإقامة مرافق عليها بعد أن أسفر البحث عن استغراق جميع مساحة أرض الجبانة المذكورة بالتراخيص السابقة وأنها أخذت في البحث عن حل لهذه الأزمة فولت وجهها شطر التراخيص السابقة التي تفيض عن حاجة أصحابها واجتزأت من بعضها قطعاً لتتمكن من النهوض بأعبائها إزاء الطلبات التي انهالت عليها وأنه وإن كان يجوز استعمال السلطة المخولة بلائحة الجبانات لإلغاء التراخيص القائمة في حالة حدوث مخالفة تقتضي إلغاء الترخيص، إلا أنه يجوز أيضاً وفي نفس الوقت إلغاء هذه التراخيص أو تعديلها لأسباب تتعلق بظروف المرفق المذكور أو بالسياسة العامة التي يخضع لها والتي تخضع لسنة التطور والتغيير بحيث يترتب على تغيير السياسة العامة للخدمة العامة أن يصبح الترخيص الذي كان صالحاً لترتيب آثاره في الماضي غير قادر على مجاراة الظروف التي استجدت بالمرفق في الحاضر. وأنه سواء أكان الحل الذي انتهت إليه المحافظة يفي بجميع طلبات المواطنين أو يقصر عن الوفاء بجميع هذه الطلبات فإن ذلك لا يعني أن المحافظة كانت تسعى لغير الأغراض التي أنشئ مرفق الدفن من أجلها أو يصم قرارها بعيب الانحراف عن الصالح العام إذ العبرة بما قصدت إليه الإدارة أصلاً لا بما تمخضت عنه آثار تصرفها وأن ما ورد بمذكرة المحافظة ورددته في صحيفة الطعن من أن المدعي لم يستعمل قطعة الأرض التي سبق الترخيص له بها منذ عام 1944 وتركها دون تسوير، فإن ذلك لم يكن هو السبب الحقيقي لإصدار القرار المطعون فيه ولا يعدو أن يكون ذلك وصفاً لحال القطع التي يمكن أن ينالها التعديل المقترح وبياناً بأن هذا التعديل لن يمس رفات الموتى ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ اعتبر تلك البيانات التي أوردتها المحافظة في معرض دفاعها من قبيل الأسباب التي قام عليها قرارها يكون قد أخطأ في تحصيل الوقائع وتحديد مضمون ما انصرفت إليه إرادة الجهة الإدارية حسب ظروف الدعوى والملابسات التي صاحبت صدور القرار المطعون فيه. وانتهى التقرير إلى أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله مما يتعين معه الحكم بإلغائه والقضاء برفض الدعوى.
ومن حيث إنه يبين من استظهار الأوراق التي احتواها ملف الجهة الإدارية أن التفكير في الاستيلاء على أجزاء من القطع التي خصصت للمطعون ضد وأربعة آخرين بجبانة المنارة قد بدأ برسالة بعثت بها الإدارة الصحية إلى إدارة الشئون القانونية في 29 من إبريل سنة 1962 ضمنتها أن لجنة الجبانات قد منحت قطع أراضي بجبانة المنارة لبعض الأفراد لإقامة مدافن خاصة عليها لهم ولأسرهم وأنهم لم يقوموا ببنائها أو تسويرها حتى الآن وأنه لما كانت الجبانة قد ضاقت ولم تعد تتسع لإقامة مدافن خاصة أو قبور وأنه نظراً لوجود طلبات كثيرة بطلب الحصول على قطع أراضي الجبانة فإنه يستطلع الرأي فيما إذا كان للجنة الجبانات أن تلغي حق الانتفاع لمن سبق الترخيص لهم ولم يقوموا بالبناء أو التسوير وفي مذكرة تالية مؤرخة 26 مايو سنة 1962 كتبت الإدارة الصحية إلى الإدارة القانونية رداً على ما طلبت الأخيرة موافاتها به بشأن وجود أحكام تنظيمية خاصة بتسوير الأراضي داخل الجبانة بأن المادة 22 من اللائحة الداخلية للجبانات الإسلامية تنص على أن تخصص باقي الأرض لذوي اليسار الذين يريدون أن تكون لهم مدافن خاصة مسورة أو غير مسورة وقد عقبت الشئون القانونية على هذه الرسالة بمذكرة مرفقة بالملف مؤرخة 26 من مايو سنة 1962 بعدم جواز إلغاء حق الانتفاع الممنوح لهؤلاء الأشخاص استناداً إلى أنهم لم يقوموا بتسويرها أو بنائها إلى الآن. وفي 29 من أغسطس سنة 1962 كتبت الإدارة الصحية إلى الشئون القانونية مذكرة تردد فيها ما سبق أن ضمنته مذكرتها المؤرخة 29 من إبريل سنة 1962 وأضافت إليها أن المساحات التي سبق منحها لبعض الأشخاص هي مساحات كبيرة في حين أن اللجنة راعت في منح ما كان قد تبقى بأرض الجبانة أن يكون المنح بمساحات صغيرة لا تجاوز 35 ذراعاً مربعاً وأنها تستطلع الرأي فيما إذ كان يجوز للجنة أن تنتقص أجزاء من هذه المساحات الكبيرة لتفريج الأزمة خصوصاً وأن بعض من منحوا أراضي يتاجرون فيها أو يتنازلون عن حق انتفاعهم بها لآخرين بأثمان مرتفعة وقد ردت الشئون القانونية بمذكرة مؤرخة 25 من أكتوبر سنة 1962 انتهت فيها إلى عدم أحقية المحافظة في استعادة أجزاء من قطع الأراضي التي سبق الترخيص بها وقد أشر على هذه المذكرة بأن هناك طلبات كثيرة لا يمكن التغاضي عنها وهي أمور لها أهميتها فإما أن يستعجل إنشاء جبانة جديدة أو ما ترونه سيادتكم. وأعقب ذلك كتاب من الإدارة الصحية إلى الإدارة الهندسية لمعاينة الجبانة والإفادة عما يكمن اتخاذه لإيجاد أراض يمكن إعطاء حق نفعيتها للمواطنين حتى يمكن العرض على السيد المحافظ بشأن طلب تقدم به أحد المواطنين وأعدت الإدارة الهندسية تقريراً نفت فيه وجود أراضي فضاء بالجبانة وذكرت أنه توجد قطعة أرض مشغولة بمقابر الجنود الهنود المسلمين وأخرى بموتى المستشفيات المجهولين وأنه يمكن الاتفاق على ترخيص مساحة محددة لكل من الطائفتين والاستعانة بالباقي لتوزيعه على الطالبين. وفي 21 من نوفمبر سنة 1962 كتبت الإدارة الطبية إلى السيد المستشار القانوني للمحافظة كتاباً رددت فيه ما سبق أن ضمنته كتابها إلى إدارة الشئون القانونية وقد رد السيد المستشار بكتابه المؤرخ 27 من نوفمبر سنة 1962 الذي انتهى فيه إلى أنه يبين من كتابكم المشار إليه أن بعض الأفراد قد سبق الترخيص لهم بمساحات كبيرة في جبانة المنارة وأنهم لم يقوموا ببنائها أو تسويرها وأنه على هدى ما تقدم من البيانات والقواعد القانونية يجوز للإدارة الصحية إنهاء عقود التراخيص التي من هذا القبيل وإعطاء المرخص لهم بذلك والاستيلاء على الأراضي المرخص بها بالطريق الإداري وذلك نظراً لما تقتضيه المصلحة العامة واحتياجات المرفق من استمرار عمليات الدفن في تلك الأراضي المعطلة واستناداً إلى هذه المذكرة أعد القرار المطعون فيه وعرض على السيد المحافظ الذي اعتمده في 19 من مارس سنة 1962 وقد أشير في ديباجته إلى ما جاء في مذكرة المستشار القانوني المؤرخة 25 من أكتوبر سنة 1962 من أن الترخيص للأفراد بالانتفاع بجزء من المال العام يختلف في مداه وفيما يخوله للأفراد من حقوق على المال العام بحسب ما إذا كان هذا الانتفاع عادياً أو غير عادي. ويكون الانتفاع عادياً إذا كان متفقاً مع الغرض الأصلي الذي خصص المال من أجله كما هو الشأن بالنسبة إلى أراضي الجبانات أراضي الأسواق العامة وما يخصص من شاطئ البحر لإقامة الكبائن والشاليهات ويكون الانتفاع غير عادي إذا لم يكن متفقاً مع الغرض الأصلي الذي خصص له المال العام كالترخيص بشغل الطريق العام للأدوات والمهمات والأكشاك ففي الانتفاع غير العادي يكون الترخيص للأفراد باستعمال جزء من المال العام من قبيل الأعمال الإدارية المبنية على مجرد التسامح ويكون الاختصاص بمنحه عادة لجهات الشرطة وتتمتع الإدارة بالنسبة إلى هذا النوع من الانتفاع بسلطة تقديرية واسعة فيكون لها إلغاء الترخيص في أي وقت بحسب ما تراه متفقاً مع المصلحة العامة، باعتبار أن المال لم يخصص في الأصل لمثل هذا النوع من الانتفاع وأن الترخيص باستعماله على خلاف هذا أصل عارض وموقوت بطبيعته ومن ثم يكون قابلاً للإلغاء أو التعديل في أي وقت لداعي المصلحة العامة. أما إذا كان المال قد أعد بطبيعته لينتفع به الأفراد انتفاعاً خاصاً بصفة مستمرة وبشروط معينة فإن الترخيص به يتم من الجهة الإدارية المنوط بها الإشراف على المال العام ويصطبغ الترخيص في هذه الحالة بصبغة العقد الإداري وتحكمه الشروط الواردة فيه والقواعد القانونية التي تنظم هذا النوع من الانتفاع وهي ترتب للمنتفع على المال العام حقوقاً تختلف في مداها وقوتها بحسب طبيعة الانتفاع وطبيعة المال المقرر عليه على أنها في جملتها تتسم بطابع من الاستقرار في نطاق المدة المحددة في الترخيص أما إذا لم تكن ثمة مدة محددة فإن هذه الحقوق تبقى ما بقى المال مخصصاً للنفع العام وبشرط أن يقوم المنتفع بالوفاء بالالتزامات الملقاة على عاتقه وتلتزم الإدارة باحترام حقوق المرخص له في الانتفاع فلاً يسوغ لها إلغاء الترخيص كلياً أو جزئياً طالما كان المنتفع قائماً بتنفيذ التزاماته وذلك ما لم تقم اعتبارات متعلقة بالمصلحة العامة تقتضي إنهاء تخصيص المال لهذا النوع من انتفاع ودون إخلال بما للجهة الإدارية من حق في اتخاذ الإجراءات التي تكفل صيانة الأمن والنظام ولو تعارض ذلك مع مصلحة المنتفعين وجلي أن ترتيب هذه الحقوق لصالح المنتفعين بالنسبة إلى هذا النوع من الانتفاع مرده إلى أن الانتفاع في هذه الحالة متفق مع ما خصص له المال العام فيتحقق النفع العام عن طريق تحقق النفع الخاص.
ومن حيث إن من التراخيص التي يرى القضاء والفقه في فرنسا أن لها صفة العقود الإدارية وتتسم بطابع الاستقرار التراخيص الخاصة بشغل مساحات محدودة من أراضي الجبانات لإقامة مدافن أو أحواش عليها. ويذهب القضاء الفرنسي إلى أن حق المرخص له في الانتفاع بجزء من أراضي الجبانات حق عيني عقاري موضوعه الانتفاع بالجزء المخصص في الأغراض المحددة في الترخيص بمراعاة أن رغبة الأسرة هي أن يستقر موتاهم في المكان الذي خصص لهم.
ومن حيث إن شأن الترخيص بمثل هذا النوع من الانتفاع في مصر يرتبط باعتبارات ومعتقدات دينية وأعراف مقدسة عميقة الجذور في نفوس الكافة منذ فجر التاريخ باعتبار أن القبر هو مثوى المرء بعد مماته وداره التي يواري فيها بعد انتهاء رحلته الدنيوية ومزار ذويه وعارفيه في المناسبات الدينية المختلفة كذلك فإن أفراد الأسرة الواحدة حريصون بحكم التقاليد على أن يضم قبورهم على تعاقب الأجيال مكان واحد. كل ذلك أضفى على التراخيص بشغل أراضي الجبانات في مصر منذ وجدت طابعاً من الثبات والاستقرار لا يزحزحه إلا انتهاء تخصيص المكان للدفن وقلما يتم ذلك إلا فيما يتعلق بالجبانات التي بطل الدفن فيها ودرست معالمها.
ومن حيث إنه يتبين من الاطلاع على القرار رقم 103 لسنة 1963 الصادر من السيد محافظ الإسكندرية بالاستيلاء على جانب من الأرض المخصصة للمطعون ضده بأرض جبانة المنارة أن القرار بني على مذكرة السيد المستشار القانوني المؤرخة 27 من نوفمبر 1963 التي أجملت أسباب القرار في تراخي المطعون ضده في القيام بالبناء والتسوير مما يشكل على حد قول المذكرة تعطيلاً لمرفق الدفن على حين أن أشخاصاً آخرين يرغبون في الحصول على قطع من الأرض بهذه الجبانة الأمر الذي يقتضي إلغاء الترخيص ومنح المنفعة لطالبيها.
ومن حيث إنه ليس في لائحة الجبانات الصادرة في 6 من فبراير سنة 1911 والسارية على واقعة الطعن ولا في شهادة الانتفاع الصادرة لصالح المطعون ضده من لجنة الجبانات ما يلزم المنتفع بالبناء أو التسوير خلال أجل معين بل أن اللائحة قد تضمنت نصاً صريحاً يحظر التسوير إلا بإذن من اللجنة كذلك فإن القول بأن التأخر في إقامة المدفن الخاص على أرض الجبانة يشكل تعطيلاً لمرفق دفن الموتى هو مما لا يجوز في العقل قبوله، فأرض الله واسعة وإقامة المدافن ميسور في أي مكان آخر يخصص لهذا الغرض وبناء المدافن الخاصة لا يمكن أن يعد في حد ذاته تسييراً لمرفق دفن الموتى وعادات الناس قد جرت من قديم على عدم إقامة المدافن إلا عند الشعور بدنو الأجل.
ومن حيث إنه وأن تكن الإدارة غير ملزمة ببيان أسباب قرارها إلا حيث يوجب القانون عليها ذلك إلا أنها متى ذكرت أسباباً لقرارها فإن هذه الأسباب تكون خاضعة لرقابة القضاء الإداري لتعرف مدى صحتها من الوجهة الواقعية ومن جهة مطابقتها أحكام القانون نصاً وروحاً فإذا استبان أنها غير صحيحة كان القرار معيباً.
ومن حيث إنه متى كان ذلك وكان ممتنعاً قانوناً على الجهة الإدارية إلغاء الترخيص بشغل جزء من أرض الجبانة كلياً أو جزئياً إلا في حالة إخلال المنتفع بالتزاماته أو إنهاء تخصيص الجبانة للدفن. وكان الثابت أن المطعون ضده لم يخل بشيء من التزاماته التي يفرضها الترخيص أو اللائحة فإن القرار الصادر بإلغاء الترخيص في جزء منه استناداً إلى هذه الأسباب يكون مخالفاً للقانون.
ومن حيث إنه من جهة أخرى فإن الملابسات التي اكتنفت إصدار القرار محل الطعن تفصح بجلاء عن أن الإدارة تذرعت بالادعاء بإخلال المطعون ضده ورفاقه بالتزاماتهم بالبناء والتسوير بقصد الاستيلاء على الجانب الأكبر من القطع المخصصة لها لتوزيعها على آخرين غيرهم بمقولة أن في ذلك تحقيقاً لمصلحة عامة هي تفريج أزمة المقابر وتلك حجة داحضة فالثابت أن الجبانة قد غصت بالمساحات التي سبق تخصيصها للمنتفعين ولم يعد فيها متسع لمساحات أخرى وأن المساحات التي سبق أن خصصت روعي في تخصيصها حاجة المنتفعين بها وليس في اقتطاع أجزاء من القطع التي خصصت لأربعة ممن سبق الترخيص لهم ما يعتبر حلاً للأزمة التي صورتها المحافظة ولا إجراء عاماً يدعو إليه الصالح العام ويجعل الناس أمامه سواسية في التضحيات والمنافع فإذا أضيف أن الاتجاه إلى اقتطاع هذه الأجزاء لم يكن وليد بحث جدي لتفريج هذه المشكلة سواء فيما يتعلق باحتياجات المقتطع منهم من جهة أو كفاية الأجزاء القليلة المقتطعة في سد حاجة المواطنين الذين قيل أن طلباتهم انهالت للحصول على مساحات بأرض الجبانة من جهة أخرى وإذا روعي أيضاً أن المحافظة لم تلق بالاً إلى ما اقترح من تخصيص قطعة أرض لإقامة جبانة جديدة تفي بحاجة المنتفعين، دل ذلك في مجموعه على انعدام السبب المعقول المبرر للقرار والمؤدي إلى صحة النتيجة التي انتهى إليها وعلى أن الإدارة قد انطوى تصرفها على تمييز بعض الناس على حساب البعض الآخر ودون مسوغ مقنع وأساس من الصالح العام مما يجعل القرار مشوباً بالانحراف حقيقاً بالإلغاء.
ومن حيث إنه لما تقدم فإن الحكم المطعون فيه يكون على حق فيما انتهى إليه من إلغاء القرار رقم 103 لسنة 1963 الصادر من السيد محافظ الإسكندرية ويكون الطعن غير قائم على أساس سليم من القانون.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت محافظة الإسكندرية بالمصروفات.

الطعن 1162 لسنة 9 ق جلسة 26 / 11 / 1966 إدارية عليا مكتب فني 12 ج 1 ق 26 ص 274

جلسة 26 من نوفمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى ومحمد طاهر عبد الحميد ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.

-----------------

(26)

القضية رقم 1162 لسنة 9 القضائية

(أ) موظف. "نهاية الخدمة. استقالة تيسيرية".
طلب ترك الخدمة وفق أحكام القرار بقانون رقم 120 لسنة 1960 المقدم من الموظف المقيد على درجة شخصية - التزام جهة الإدارة وجوباً بالاستجابة متى توافرت فيه الشروط القانونية - لا يقدح في ذلك أن يكون القرار الصادر بترقية المدعي بصفة شخصية قد صدر بعد إحالته إلى المعاش لبلوغه السن القانونية ما دام أن هذه الترقية نافذة قبل طلبه الانتفاع بأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960.
(ب) موظف. "معاش. منازعة فيه".
إصرار المدعي على تسوية حالته طبقاً لأحكام القرار بقانون رقم 120 لسنة 1960 بعد أن تكشف وضعه عن أحقيته للترقية إلى الدرجة الرابعة بصفة شخصية قبل تاريخ إحالته إلى المعاش لبلوغ السن القانونية - منازعته في ذلك إنما تنصب أساساً على مقدار المعاش المستحق له - تقيدها بالميعاد المنصوص عليه في المادة 44 من القرار بقانون رقم 394 لسنة 1956 بشأن المعاشات والتأمينات الاجتماعية.

------------------
1 - أن سلطة جهة الإدارة إزاء طلب ترك الخدمة المقدم من الموظف المقيد على درجة شخصية سلطة غير تقديرية وأن الإدارة تلتزم وجوباً الاستجابة لهذا الطلب متى توافرت فيه الشروط التي استلزمها القانون وأنه متى كان الثابت أن المدعي تنطبق عليه وقت تقديم طلبه الشروط الواردة في المادة الأولى من القرار بالقانون رقم 120 لسنة 1960 المعمول به اعتباراً من 3/ 4/ 1960 فإنه ينتفع لزاماً بالتيسيرات الواردة بهذا القرار بقانون ولا يقدح في ذلك أن قرار ترقيته إلى الدرجة الرابعة صدر بتاريخ 30/ 10/ 1960 أي بعد إحالته إلى المعاش إذ أن هذه الترقية التي تمت بصفة شخصية كانت نافذة اعتباراً من مارس 1960 أي قبل تقديم المدعي طلب الانتفاع بالقانون رقم 120 لسنة 1960.
2 - إن إصرار المدعي على تسوية حالته طبقاً لأحكام القرار بقانون رقم 120 لسنة 1960 لا يخرج في نطاق الملابسات التي أحاطت به عن كونه منازعة في المعاش المستحق له إذ هو يهدف بطلبه إلى تسوية معاشه بضم مدة سنتين إلى مدة خدمته المحسوبة فيه وإلى منحه علاوتين من علاوات درجته وما يترتب على ذلك من آثار وليس من شك في أن منازعته هذه إنما تنصب أساساً على مقدار المعاش المستحق له وتنطوي من جانبه على الرغبة الجادة السافرة في طلب تعديل وزيادة مقداره استناداً إلى استحقاقه للانتفاع بأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 بعد إذ تكشف وضعه عن أحقيته للترقية إلى الدرجة الرابعة بصفة شخصية قبل تاريخ إحالته إلى المعاش. وأن قضاء هذه المحكمة جرى في تطبيق حكم المادة السادسة من قانون المعاشات رقم 37 لسنة 1929 التي تعتبر المادة 44 من القانون رقم 394 لسنة 1956 ترديداً لها على أن كل دعوى يراد بها أو بواسطتها تعديل مقدار المعاش الذي تم قيده أو المكافأة التي تم صرفها لا يجوز قبولها بعد مضي الميعاد المذكور أمام أية محكمة كانت ولأي سبب كان وتحت أية حجة كانت. وهذا النص من الإطلاق والشمول بحيث تندرج فيه منازعته في المعاش أصلاً ومقداراً مهما كان سببها ومناطها وذلك حتى يستقر الوضع بالنسبة للموظف والحكومة على السواء.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أن المدعي أقام الدعوى رقم 1296 لسنة 9 القضائية أمام المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات والسكك الحديدية بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة بتاريخ 9/ 7/ 1962 طالباً الحكم بأحقيته في تسوية حالته طبقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 بمنحه علاوتين من علاوات درجته وضم سنتين إلى مدة خدمته في المعاش مع ما يترتب على ذلك من آثار وقال شرحاً لدعواه أنه تقدم في 29/ 3/ 1960 بطلب لتسوية حالته طبقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 إلا أن الإدارة لم تفصل في هذا الطلب واستطرد قائلاً أنه يبين من المذكرة الإيضاحية للقانون سالف الذكر أن المشرع قصد معالجة حالة الموظفين المنسيين المرقيين على درجات شخصية والتخلص من هذه الدرجات بإباحة لمن يبلغ سن الخامسة والخمسين ويشغل درجة شخصية طلب ترك الخدمة طبقاً لأحكامه دون أن يكون للإدارة سلطة تقديرية في شأن قبول هذا الطلب أو رفضه أما الموظفون الشاغلون للدرجات الفعلية فقد ترك للإدارة سلطة البت في طلباتهم الاستفادة من القانون في ضوء المصلحة العامة.
ومضى المدعي يقول أنه لا وجه للقول بأنه وقد كان الباقي من مدة خدمته أقل من سنة ولم يكن يستحق فيها علاوات دورية فما كان يجوز تطبيق أحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 على حالته بقبول استقالته طبقاً لأحكامه ومنحه علاوتين وضم سنتين إلى مدة خدمته لأن في ذلك إضافة أعباء على الخزانة لم تكن لو استمر في الخدمة إلى أن يبلغ سن الستين لا وجه لهذا القول طالما أن هدف المشرع هو تعويض أمثاله من قدامى الموظفين. وأضاف المدعي أن طلبه اعتزال الخدمة يعتبر مقبولاً بقوة القانون ذلك أنه تقدم به في 29/ 3/ 1960 ولم ترد عليه الإدارة بالقبول أو الرفض وبذلك ينطبق عليه نص المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1950 التي تقضي بأن يتعين الفصل في الطلب خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمه وإلا اعتبرت الاستقالة مقبولة.
وقد دفعت الإدارة الدعوى قائلة أنه بتاريخ 29/ 3/ 1960 تقدم المدعي بطلب تطبيق القانون رقم 120 لسنة 1960 على حالته وقد أحيل المدعي إلى المعاش في 10/ 4/ 1960 أي قبل انتهاء الفترة التي يجوز خلالها للمدير العام قبول أو رفض الطلب وهي مدة شهر وأضافت أن قبول الطلب أو رفضه مما يدخل في سلطة الإدارة التقديرية التي لا يقيدها إلا لمصلحة العامة وقد رفضت الهيئة الطلب في 24/ 4/ 1960 أي في الميعاد المحدد قانوناً لذلك.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الدعوى انتهت فيه إلى الرأي بالحكم بصفة أصلية بعدم قبولها شكلاً باعتبارها من دعاوى الإلغاء ولأن المدعي لم يتظلم من قرار رفض طلبه واحتياطياً برفض الدعوى إذا ما كيفت على أنها من دعاوى التسوية مع إلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة في كلتا الحالتين.
وبجلسة 4/ 6/ 1963 أصدرت المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات حكمها برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها وفي الموضوع بأحقية المدعي في تسوية حالته بالتطبيق لأحكام القرار بقانون رقم 120 لسنة 1960 مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الهيئة المدعى عليها المصروفات ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة.
وأقامت المحكمة قضاءها على ما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 222 لسنة 8 القضائية عليا بجلسة 23/ 3/ 1963 من أن سلطة الجهة الإدارية بالنسبة لطلبات ترك الخدمة المقدمة من الموظفين للإفادة من أحكام القرار بقانون رقم 120 لسنة 1960 ليست سلطة تقديرية تترخص بمقتضاها في قبولها أو رفضها، وأن هذا القانون جعل اعتزال الخدمة وفقاً لأحكامه رخصة مباحة للموظف يستعملها بمشيئته متى تحققت فيه شروطها فإذا اختار وتقدم بطلبه التزمت الإدارة بإجابته إليه ومن ثم فإن المنازعة في شأنها تعتبر من دعاوى التسويات وبالتالي لا تتقيد بالمواعيد والإجراءات المقررة قانوناً بالنسبة لدعاوى الإلغاء وانتهت المحكمة من ذلك إلى الحكم برفض الدفع بعدم قبول الدعوى.
أما عن الموضوع فقد استندت المحكمة إلى ما ثبت لها من الأوراق من أن المدعي من مواليد 11/ 4/ 1900 وأنه التحق بالخدمة في 19/ 11/ 1919 وأحيل إلى المعاش في الدرجة الخامسة الأصلية اعتباراً من 1/ 4/ 1960 بالقرار رقم 44 الصادر في 18/ 1/ 1960، وأنه تقدم في 29/ 3/ 1960 إلى السيد رئيس أقسام حركة بحري طنطا لإحالته إلى المعاش بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 فرفع طلبه بتوصية من رؤسائه لإجابته إليه حيث لا يوجد مانع من ذلك وعرض الموضوع بتاريخ 16/ 4/ 1960 على المدير العام بمذكرة انتهت إلى أنه طالما لم يصدر قرار بانتفاع المدعي بهذا القانون قبل انتهاء خدمته في 10/ 4/ 1960 فإن المدعي لا يكون محقاً في طلبه فحفظ الطلب واستطردت المحكمة إلى القول بأنه يبين مما تقدم أن كافة الشروط المنصوص عليها في المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960 قد توافرت في حق المدعي وقت تقديم طلب اعتزال الخدمة بالتطبيق لأحكام القانون المذكور ولا مقنع في القول بأن المدة الباقية لإحالته إلى المعاش كانت تقل عن عام أو أنه ما دام لم يصدر قرار من جهة الإدارة بقبول انتفاع المدعي بهذا القانون قبل انتهاء خدمته في 10/ 4/ 1960 فإنه لا يكون محقاً في طلبه وذلك لأن رفض الطلب على هذا الوجه لا يقوم على سند من القانون إذ لا يسوغ الأخذ بقاعدة تنظيمية أدنى من القاعدة التشريعية التي صدر بها القانون للحد من إطلاق حكم نص المادة الأولى منه فيما يتعلق بالمدة الباقية للموظف لبلوغه سن الإحالة إلى المعاش بإضافة قيد لم يورده المشرع ذاته وأن المدعي وقد توافرت بالنسبة له كافة الشروط المنصوص عليها في القانون وقت تقديم الطلب لذلك يكون محقاً في طلبه.
وبتاريخ 4/ 8/ 1963 أودعت إدارة قضاياً الحكومة نيابة عن الهيئة العامة للسكك الحديدية قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن في هذا الحكم قيد بجدول طعون المحكمة الإدارية العليا برقم 1162 لسنة 9 القضائية طالبة للأسباب الواردة في التقرير الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى واحتياطياً برفضها مع إلزام المطعون ضده المصروفات في أية حال ومقابل أتعاب المحاماة.
وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون ضده بتاريخ 2/ 9/ 1963
واستندت الإدارة في طعنها إلى مخالفة الحكم للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله وبيان ذلك:
(1) فيما يتعلق بشكل الدعوى فقد أخطأ الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدفع بعدم قبول الدعوى تأسيساً على أنها دعوى تسوية لا تتقيد بالمواعيد والإجراءات المحددة قانوناً لدعاوى الإلغاء والصحيح أن الدعوى دعوى إلغاء للقرار الصادر في 24/ 4/ 1960 برفض طلب المدعي ترك الخدمة المقدم في 9/ 3/ 1960 وخاصة أن المدعي من أصحاب الدرجات الأصلية التي تترخص الجهة الإدارية في قبول طلبهم أو رفضه وقد صدر هذا القرار خلال الثلاثين يوماً المقررة للبت فيه وفقاً لما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا في هذا الشأن لذلك كان يتعين على المدعي اتباع الإجراءات والتزام المواعيد المقررة قانوناً بالنسبة لدعاوى الإلغاء ولما كان المدعي لم يتظلم من قرار الرفض بل أقام دعواه مباشرة وبعد فوات المواعيد المقررة قانوناً لرفعها لذلك تكون دعواه غير مقبولة وإذ قضى الحكم المطعون فيه بقبولها يكون قد أخطأ في تطبيق القانون. يضاف إلى ذلك أن المطعون ضده أحيل إلى المعاش في 10/ 4/ 1960 وربط معاشه وتسلم سركي المعاش الخاص به قبل رفع الدعوى بأكثر من عام لذلك فإن المنازعة المماثلة بوصفها منازعة في المعاش المستحق للمطعون ضده إذا ما رفعت بعد مضي الأجل المنصوص عليه قانوناً وهو سنة تكون غير مقبولة.
(2) بالنسبة للموضوع فقد اعتد الحكم المطعون ضده بالطلب المقدم من المدعي في 29/ 3/ 1960 للإفادة من أحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 مع أن هذا الطلب قد قدم قبل العمل بهذا القانون ابتداء من تاريخ نشره في 13/ 4/ 1960 - وبالتالي فإن طلب المدعي يكون عديم الأثر قانوناً يضاف إلى ذلك أن المطعون ضده قدم الطلب في 29/ 3/ 1960 بينما كان قد صدر بتاريخ 18/ 1/ 1960 قرار بإنهاء خدمته لبلوغه السن القانونية في 10/ 4/ 1960 وبديهي أن هذا الطلب يخضع لتقدير الإدارة لأنه كان يشغل درجة أصلية. ولما كان المطعون ضده قد انتهت مدة خدمته في 10/ 4/ 1960 لبلوغه سن الإحالة إلى المعاش وكان انتهاء الخدمة قبل انتهاء الأجل الذي يجوز فيه للإدارة أن تقبل أو ترفض طلبه لذلك فإن هذا الطلب يكون غير ذي موضوع لا أثر له قانوناً إذ لا ينتج أثره في إنهاء الخدمة وفقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 إلا بصدور قرار صريح بقبوله خلال الثلاثين يوماً المقررة للبت فيه وإذ لم ترد الإدارة وانتهت خدمة المدعي بحكم قانون آخر (قانون الإحالة إلى المعاش لبلوغ السن القانونية) لذلك لا يكون محقاً في طلب الاستفادة من أحكام القانون رقم 120 لسنة 1960.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المدعي من مواليد 11/ 4/ 1900 والتحق بالخدمة في 19/ 10/ 1919 وبتاريخ 30/ 10/ 1960 صدر القرار الوزارة رقم 76 بترقيته "بصفة شخصية" إلى الدرجة الرابعة (420/ 540 ج) لقضائه أكثر من إحدى وثلاثين سنة في أربع درجات متتالية وذلك اعتباراً من شهر مارس سنة 1960 مع منحه اعتباراً من اليوم الأول من شهر إبريل سنة 1960 العلاوة المترتبة على هذه الترقية.
ومن حيث إن المدعي كان قد تقدم قبل القرار الصادر بهذه الترقية بطلب تسلمته الإدارة بتاريخ 2/ 4/ 1960 وطلب فيه ترك الخدمة اعتباراً من 3/ 4/ 1960 وتسوية حالته بالتطبيق للقانون رقم 120 لسنة 1960 ولم تفصل الإدارة في هذا الطلب فرفع دعواه بتاريخ 9/ 10/ 1963 طالباً الحكم بأحقيته في هذه التسوية.
ومن حيث إنه يبين من استقراء أحكام القرار بقانون رقم 120 لسنة 1960 والمذكرة الإيضاحية المرافقة له أن المشرع قد استهدف أساساً إباحة طلب ترك الخدمة بالشروط والأوضاع المنصوص عليها في المادة الأولى من القرار بقانون لمن بلغ من الموظفين الشاغلين لدرجات شخصية سن الخامسة والخمسين أو يبلغها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ نفاذه.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن سلطة جهة الإدارة إزاء طلب ترك الخدمة المقدم من الموظف المقيد على درجة شخصية سلطة غير تقديرية وأن الإدارة تلتزم وجوباً الاستجابة لهذا الطلب متى توافرت فيه الشروط التي استلزمها القانون وأنه متى كان الثابت أن المدعي تنطبق عليه وقت تقديم طلبه الشروط الواردة في المادة الأولى من القرار بقانون رقم 120 لسنة 1960 المعمول به اعتباراً من 3/ 4/ 1960 فإنه ينتفع لزاماً بالتيسيرات الواردة بهذا القرار بقانون ولا يقدح في ذلك أن قرار ترقيته إلى الدرجة الرابعة صدر بتاريخ 30/ 10/ 1960 أي بعد إحالته إلى المعاش إذ أن هذه الترقية التي تمت بصفة شخصية كانت نافذة اعتباراً من مارس سنة 1960 أي قبل تقديم المدعي طلب الانتفاع بالقانون رقم 120 لسنة 1960.
ومن حيث إنه إذا كان الأمر كذلك فإن هذه المحكمة تلاحظ أن إصرار المدعي على تسوية حالته طبقاً لأحكام القرار بقانون رقم 120 لسنة 1960 لا يخرج في نطاق الملابسات التي أحاطت به عن كونه منازعة في المعاش المستحق له إذ هو يهدف بطلبه إلى تسوية معاشه بضم مدة سنتين إلى مدة خدمته المحسوبة فيه وإلى منحه علاوتين من علاوات درجته وما يترتب على ذلك من آثار، وليس من شك في أن منازعته هذه إنما تنصب أساساً على مقدار المعاش المستحق له وتنطوي من جانبه على الرغبة الجادة السافرة في طلب تعديل وزيادة مقداره استناداً إلى استحقاقه الانتفاع بأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 بعد إذ تكشف وضعه عن أحقيته للترقية إلى الدرجة الرابعة بصفة شخصية قبل تاريخ إحالته إلى المعاش.
ومن حيث إن المادة 44 من القرار بقانون رقم 394 لسنة 1956 بشأن المعاشات والتأمينات الاجتماعية الذي يعامل به المدعي قد نصت على أنه "لا يجوز لمصلحة صناديق التأمين والمعاشات ولا لصاحب الشأن المنازعة في قيمة المعاش أو المكافأة بعد مضي سنة واحدة من تاريخ تسليم بطاقة المعاش أو صرف المكافأة".
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة جرى في تطبيق المادة السادسة من قانون المعاشات رقم 37 لسنة 1929 التي تعتبر المادة 44 من القانون رقم 394 لسنة 1956 ترديداً لها على أن كل دعوى يراد بها أو بواسطتها تعديل مقدار المعاش الذي تم قيده أو المكافأة التي تم صرفها لا يجوز قبولها بعد مضي الميعاد المذكور أمام أية محكمة كانت ولأي سبب كان وتحت أية حجة كانت. وهذا النص من الإطلاق والشمول بحيث تندرج فيه منازعته في المعاش أصلاً ومقداراً مهما كان سببها ومناطها وذلك حتى يستقر الوضع بالنسبة للموظف والحكومة على السواء.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المدعي أحيل إلى المعاش اعتباراً من 10/ 4/ 1960 وذلك بمقتضى القرار رقم 144 الصادر بتاريخ 18/ 1/ 1960 وجاء في طلبه المحفوظ بملف خدمته والمقدم منه بتاريخ 8/ 10/ 1960 والذي كان يطلب فيه إعادة إلحاقه بعمل يمكنه من صرف الفرق بين مرتبه الذي كان يتقاضاه قبل إحالته إلى المعاش وبين المعاش الذي يصرف له ومقداره (عشرون جنيها شهرياً) مما يفيد أن معاشه كان قد ربط قبل ذلك وأنه تسلم السركي الخاص بالمعاش في تاريخ سابق على تقديم الطلب المشار إليه في 8 أكتوبر سنة 1960.
ومن حيث إنه متى كان ذلك وكان المدعي قام أقام دعواه الحالية بتاريخ 9/ 7/ 1962 فإن الدعوى تكون مقامة بعد الميعاد المقرر بالمادة 44 من القرار بقانون رقم 394 لسنة 1956 مما يتعين معه الحكم برفضها.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.

الطعن 1200 لسنة 8 ق جلسة 26 / 11 / 1966 إدارية عليا مكتب فني 12 ج 1 ق 25 ص 269

جلسة 26 من نوفمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخاري ومحمد طاهر عبد الحميد ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.

-------------------

(25)

القضية رقم 1200 لسنة 8 القضائية

موظف. "مدة خدمة سابقة". "تعيين". 

اشتراط عدم سابقة اشتغال المرشح بأية وظيفة حكومية عند الإعلان عند شغل إحدى الوظائف - إخفاء الموظف سابقة اشتغاله بقصد التحلل من هذا القيد - لا يحول دون إعمال القواعد الخاصة بضم مدد الخدمة في شأنه متى توافرت شروط الإفادة منها.

-----------------
إن صح أن واقعة إخفاء المدعي سابقة اشتغاله بالتدريس عندما تقدم بطلب للتعيين في إحدى وظائف التدريس التي أعلن عنها الأزهر بقصد التحلل من القيد الذي ضمنه الجامع الأزهر إعلانه عن شغل هذه الوظائف حين اشترط عدم سابقة اشتغال المرشح بأية وظيفة حكومية. إن صح أن هذا الفعل له أثر في وضع المدعي بالأزهر فإن هذا الأثر بحكم اتصال ذلك الشرط بقرار التعيين إنما ينعكس فقط على هذا القرار الذي تعلق به وهو قرار التعيين باعتبار أن المدعي قد أخل بأحد شروطه أما وقد أبقى الجامع الأزهر على المدعي مدرساً به ولم يمس قرار التعيين رغم اكتشافه عدم صدق المدعي فيما أثبته من عدم سابقة اشتغاله بأية وظيفة فإنه بات محتماً عليه بعد أن غدا المدعي من عداد موظفيه أن يطبق في شأنه القواعد التي تحكم العلاقة الوظيفية بين الأزهر وموظفيه شأنه في ذلك شأن باقي الموظفين ذلك أن هذه القواعد وحدها هي التي تقرر للموظفين حقوقهم وهي التي تفرض في مقابل ذلك التزامات عليهم في حدود ما تمليه وتنظمه فلاً يملك الأزهر أن يخرج عليها ويفرق في مجال تطبيقها بين موظف وآخر أو أن يطبقها على البعض ويرفض تطبيقها على البعض الآخر لما في ذلك من إخلال بالمساواة الواجبة في المعاملة بين ذوي المراكز المتماثلة ولما فيه من إهدار للقواعد التي تحكم تلك العلاقة الوظيفية وعلى ذلك لم يعد هناك مناص من إعمال القواعد الخاصة بضم مدد الخدمة في شأن المدعي متى توافرت له شروط الإفادة منها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن في أن المدعي أقام الدعوى رقم 1259 لسنة 13 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعها سكرتيرية تلك المحكمة في 29 من أغسطس سنة 1959 ذكر فيها أنه بعد أن حصل على الشهادة العالمية من كلية الشريعة سنة 1950 عمل بالتدريس بالمدرسة الهاشمية وهي إحدى المدارس الحرة الخاضعة لتفتيش وزارة التربية والتعليم وذلك في المدة من 20/ 11/ 1950 إلى 1/ 6/ 1951 وفي عام 1951 حصل على شهادة العالمية مع إجازة التدريس وعين بمدرسة الشوربجي الابتدائية الأميرية بكوم حمادة في الدرجة السادسة بالكادر الفني العالي من 12/ 11/ 1951 حتى 27/ 11/ 1954 حيث عين مدرساً في الأزهر بمعهد سوهاج في الدرجة السادسة بالكادر الفني العالي واستناداً إلى قرار السيد رئيس الجمهورية رقم 159 لسنة 1958 بشأن حساب مدد العمل السابقة في تقدير الدرجة والمرتب وأقدمية الدرجة تقدم إلى مشيخة الأزهر بطلب مدعم بكافة المستندات ملتمساً ضم مدد خدمته السابقة بالمدرستين آنفتي الذكر غير أن الأزهر ومع أنه ضم تلك المدد لزملاء للطالب رفض أن يضم له مدة خدمته السابقة دون ما يبرر ذلك قانوناً لذلك أقام الدعوى الراهنة طالباً في ختام عريضتها الحكم بضم مدة خدمته السابقة بالتعليم الحر والأميري من 20/ 11/ 1950 إلى 1/ 6/ 1951 ومن 12/ 11/ 1951 إلى 24/ 11/ 1954 إلى مدة خدمته في الأزهر بحيث ترجع أقدميته في الدرجة السادسة إلى 20/ 11/ 1950 وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام المدعى عليه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة قد رد الجامع الأزهر على الدعوى بأنه في عام 1954 أعلن حاجته إلى شغل وظائف التدريس الخالية به لمدرسي العلوم الدينية والعربية من بين الحاصلين على شهادة العالمية مع إجازة التدريس واشترط في الإعلان أن يكون المتقدم غير موظف ولم يسبق له التوظف في أية وظيفة وتقدم المدعي بطلب للتعيين في إحدى هذه الوظائف ولم يوضح في طلبه أن له مدة خدمة سابقة وفي 3/ 2/ 1955 صدر القرار رقم 93 متضمناً تعيين المدعي مدرساً للعلوم الدينية والعربية من الدرجة السادسة بالكادر الفني العالي وذلك بعد استيفاء جميع مسوغات التعيين ومنها إقرار بأنه غير موظف ولم يسبق له التوظف في أية وظيفة وأنه إذا ظهر خلاف ذلك فلمشيخة الأزهر الحق في فصله نهائياً طبقاً لمضمون الإعلان الصادر في هذا الشأن فلما تقدم المدعي بطلب لضم مدة خدمته السابقة استطلع الأزهر رأي ديوان الموظفين في هذا الطلب مع سابقة إقرار الموظف بعدم وجود مدة خدمة سابقة له وكان أن أفاد الديوان بأنه ما دام المدعي قد تقدم بإقرار عند تعيينه بالجامع الأزهر بأنه غير موظف وأنه إذا ظهر خلاف ذلك فللمشيخة الحق في فصله نهائياً فيعتبر هذا تدليساً من جانبه يحول دون الانتفاع بقرارات ضم مدد الخدمة السابقة. وبجلسة 27 من نوفمبر سنة 1961 - أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها في الدعوى قاضياً برفضها وإلزام المدعي بالمصروفات وأقامت المحكمة قضاءها على أن مطالبة المدعي بضم مدة خدمة سابقة له بعد أن أثبت في طلب التعيين أنه ليست له مدة خدمة سابقة أمر لا يعتد به ولا يؤبه له ولا وجه للتحدي بأن العلاقة بين الحكومة والموظف علاقة تنظيمية وليس من شأن لإرادة أي من الطرفين فيها، ذلك أن هذا لا يمكن إعماله إلا إذا خلت الأوضاع من الغش أما حيث وجد الغش فإنه يفسد كل شيء الأمر الذي لا يجعل للمدعي أي حق في طلب ضم المدة السابقة بل وعلى النقيض فإنه ما كان ينبغي أن يأتي هذا ممن ينسب إلى الدين بأكبر نسب سواء من ناحية المؤهلات الحاصل عليها أو من ناحية قيامه بتدريس تعاليمه وهي التي لا تسمح بمثل ما كان منه بل تقضي بأن المسلمين عند شروطهم إلا شرطاً حلل حراماً أو حرم حلالاً وبأن كل من يسعى في نقض ما تم على يديه فسعيه مردود عليه، وتأسيساً على ذلك كله انتهت المحكمة إلى أن دعوى المدعي تكون بهذه المثابة خليقة بالرفض وقد طعن المدعي في هذا الحكم طالباً إلغاءه والقضاء له بالطلبات وأقام طعنه على أن ما أثبته المدعي في طلب التعيين من عدم وجود سابقة خدمة له ليس من قبيل الغش الذي يفسد كل شيء لأن سابقة الخدمة ليست من موانع التوظف المتعارف عليها وإنما هي شرط تحكمي، وهو إن صح اعتباره غشاً فهو إن أفسد فإنما يفسد قرار التعيين ولا يمكن أن يمتد إلى طلب ضم مدة الخدمة الذي يستمد الحق فيه من القانون. هذا إلى أن الأزهر ضم مدة الخدمة السابقة لزملاء المدعي الذين كتبوا مثل هذا الإقرار الذي يستند إليه في عدم إجابته إلى طلبه ضم مدة الخدمة.
ومن حيث إنه أن صح أن واقعة إخفاء المدعي سابقة اشتغاله بالتدريس عندما تقدم بطلب للتعيين في إحدى وظائف التدريس التي أعلن عنها الأزهر بقصد التحلل من القيد الذي ضمنه الجامع الأزهر إعلانه عن شغل هذه الوظائف حين اشترط عدم سابقة اشتغال المرشح بأية وظيفة حكومية إن صح أن هذا الفصل له أثر في وضع المدعي بالأزهر فإن هذا الأثر بحكم اتصال ذلك الشرط بقرار التعيين إنما ينعكس فقط على هذا القرار الذي تعلق به وهو قرار التعيين باعتبار أن المدعي قد أخل بأحد شروطه أما وقد أبقى الجامع الأزهر على المدعي مدرساً به ولم يمس قرار التعيين رغم اكتشافه عدم صدق المدعي مما أثبته من عدم سابقة اشتغاله بأية وظيفة فإنه بات محتماً عليه بعد أن غدا المدعي من عداد موظفيه أن يطبق في شأنه القواعد التي تحكم العلاقة الوظيفية بين الأزهر وموظفيه شأنه في ذلك شأن باقي الموظفين ذلك أن هذه القواعد وحدها هي التي تقرر للموظفين حقوقهم وهي التي تفرض في مقابل ذلك التزامات عليهم في حدود ما تمليه وتنظمه فلاً يملك الأزهر أن يخرج عليها ويفرق في مجال تطبيقها بين موظف وآخر وأن يطبقها على البعض ويرفض تطبيقها على البعض الآخر لما في ذلك من اختلال بالمساواة الواجبة في المعاملة بين ذوي المراكز المتماثلة ولما فيه من إهدار للقواعد التي تحكم تلك العلاقة الوظيفية وعلى ذلك لم يعد هناك مناص من إعمال القواعد الخاصة بضم مدد الخدمة في شأن المدعي متى توافرت له شروط الإفادة منها وإذن - فمتى تحقق الجامع الأزهر من توافر هذه الشروط وجب عليه نزولاً على حكم القانون أن يقرر الحق المستمد منها لصاحب الشأن ومتى كان ذلك فإنه يتعين البحث في مدى استحقاق المدعي لضم مدد خدمته السابقة طبقاً للقواعد القانونية الصادرة في هذا الخصوص.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى المدة الأولى التي قضاها مدرساً بالتعليم الحر من 20/ 11/ 1950 إلى 31/ 5/ 1951 فإنه للإفادة من قرار 5/ 3/ 1945 الخاص بضم مدد الخدمة في التعليم الحر يشترط وفقاً لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة أن يكون التحاق الموظف بخدمة وزارة التربية والتعليم قد تم عن طريق النقل إليها من التعليم الحر مباشرة فإذا كان الثابت أن المدعي ترك التعليم الحر في 1/ 6/ 1951 والتحق بخدمة وزارة التربية والتعليم عن طريق التعيين إبتداءاً اعتباراً من 12/ 11/ 1951 - فإنه على مقتضي المبدأ المشار إليه لا يستفيد من قرار مجلس الوزراء آنف الذكر ويتعين لذلك القضاء برفض طلبه ضم هذه المدة.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى المدة الثانية وهي التي أمضاها المدعي مدرساً بوزارة التربية والتعليم خلال الفترة من 12/ 11/ 1951 إلى 26/ 11/ 1954 فإنه يتبين من الاطلاع على قرار رئيس الجمهورية العربية المتحدة رقم 159 لسنة 1958 في شأن حساب مدد العمل السابقة في تقدير الدرجة والمرتب وأقدمية الدرجة وهو القرار الذي يستند إليه المدعي في طلب ضم هذه المدة أنه نص في المادة الثانية منه على حساب مدد العمل السابقة التي تقضى في الحكومة كاملة متى كانت قد قضيت في درجة معادلة للدرجة التي يعاد تعيين الموظف فيها وفي نفس الكادر وواضح مما تقدم بيانه في معرض تحصيل الوقائع أن المدعي قد توافرت له مقومات هذا الشرط إذ أنه كان يشغل خلال الفترة المشار إليها وظيفة من الدرجة السادسة بالكادر الفني العالي وهي - ذات الدرجة ونفس الكادر الذي أعيد تعيينه بالأزهر فيهما فمن ثم وقد تقدم المدعي بطلب الضم خلال الميعاد المقرر بهذا القرار فإنه يكون محقاً في طلب ضم هذه المدة طبقاً للقرار المذكور وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ويتعين لذلك إلغاؤه والقضاء باستحقاق المدعي لضم تلك المدة ورفض ما عدا ذلك من طلبات وإلزام الجامع الأزهر بالمصروفات المناسبة.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وباستحقاق المدعي لضم مدة خدمته بوزارة التربية والتعليم من 12 من نوفمبر سنة 1951 إلى 26 من نوفمبر سنة 1954 في حساب أقدميته بالدرجة السادسة بالأزهر وما يترتب على ذلك من آثار بالتطبيق لقرار رئيس الجمهورية رقم 159 لسنة 1958 وألزمت الجامع الأزهر بالمصروفات المناسبة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.

الطعن 234 لسنة 9 ق جلسة 20 / 11 / 1966 إدارية عليا مكتب فني 12 ج 1 ق 24 ص 260

جلسة 20 من نوفمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ مصطفى كامل إسماعيل نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبي وأحمد البحراوي وأحمد ثابت عويضة ومحمد فهمي طاهر المستشارين.

-------------------

(24)

القضية رقم 234 لسنة 9 القضائية

( أ) دعوى. "دعوى الإلغاء. ميعاد الستين يوماً".
عدم سريانه في مواجهة من لم يعلم بواقعة جوهرية لا يمكنه تبين حقيقة مركزه إلا نتيجة العلم بها - انفتاح الميعاد في مواجهته من تاريخ العلم بها - مثال.
(ب) وكيل وزارة دائم "اختصاص". 

المرسوم بقانون رقم 137 لسنة 1952 بشأن وكلاء الوزارة الدائمين لا يمنع من احتفاظ الوزير ببعض اختصاصاته - أساس ذلك.
(جـ) قرار إداري. "نهائيته". 

لا يكفي لتوفر صفة النهائية للقرار الإداري أن يكون صادراً ممن يملك إصداره - يلزم بالإضافة إلى ذلك أن يقصد مصدره تحقيق أثره القانوني فوراً ومباشرة دون وجود سلطة إدارية للتعقيب عليه.

------------------
1 - متى كان الثابت أنه لم يقم في الأوراق وعلى الأخص في محضر التحقيق الذي أجرته النيابة الإدارية دليل على علم المدعي بواقعة موافقة وكيل الوزارة على نقله من الكادر الفني العالي إلى الكادر الإداري في 11 من فبراير سنة 1956 وهي التي يتخذها سنداً للنص على القرارين المطعون فيهما فيما تضمناه من تخطيه في الترقية إلى الدرجتين الرابعة والثالثة الإداريتين وذلك قبل تقديم تظلمه في 20 من سبتمبر سنة 1960. ومن ثم فإن ميعاد الطعن في هذين القرارين لا ينفتح في مواجهة المدعي الأمن هذا التاريخ وحده بوصفه التاريخ الذي تبين فيه حقيقة مركزه القانوني في الانتماء إلى الكادر الإداري والذي يطوع له بهذه المثابة الطعن في القرارين المذكورين وذلك بقطع النظر عن مدى علمه اليقيني بصدورهما سواء لسابقة نشرهما في النشرة الشهرية الخاصة بالوزارة فور صدورهما أو لما تتيحه له طبيعة عمله من الاطلاع عليهما وعلى غيرهما من القرارات الصادرة في شئون الموظفين.
2 - ولئن كانت موافقة وكيل الوزارة هذه على طلب المدعي نقله إلى إحدى الدرجات الإدارية الخالية قد اتخذت سمة القرار الإداري لصدورهما منه بوصفه وكيل الوزارة الدائم الذي يمارس اختصاصات الوزير بالاستناد إلى المادة التاسعة من المرسوم بقانون رقم 137 لسنة 1952. بشأن نظام وكلاء الوزراء الدائمين إلا أن هذه الموافقة من ناحية أخرى لم تتوافر لها الصفة النهائية ذلك أن العمل بالوزارة قد جرى على أن نقل الموظفين من كادر إلى آخر أمر يقتضي عرضه دائماً على الوزير حسبما أكد ذلك مدير عام الشئون المالية والإدارية بالوزارة في تحقيقات النيابة الإدارية على ما سلف البيان. وليس في احتفاظ الوزير لبعض اختصاصاته لممارستها بنفسه - وهو صاحب الولاية والحق الأصيل في هذه الاختصاصات - خروج على أحكام المرسوم بقانون رقم 137 لسنة 1952 المشار إليه أو تعارض مع نصوصه.
3 - ليس يكفي لتوفر صفة النهائية للقرار الإداري أن يكون صادراً من صاحب اختصاص بإصداره بل ينبغي أن يقصد مصدره الذي يملك إصداره تحقيق أثره القانوني فوراً ومباشرة بمجرد صدوره وإلا تكون ثمة سلطة إدارية للتعقيب عليه، وإلا كان بمثابة اقتراح أو إبداء رأي لا يترتب عليه الأثر القانوني للقرار الإداري النهائي.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - يتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 82 لسنة 16 القضائية ضد وزارة الزراعة بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري "هيئة التعيينات والترقيات" في 25 من أكتوبر سنة 1961 بعد أن صدر لصالحه قرار من لجنة المساعدة القضائية في 24 من أكتوبر سنة 1961 بقبول طلب الإعفاء من المرسوم المقدم إليها منه في 16 من يناير سنة 1961 والمقيد بجدولها تحت رقم 115 لسنة 15 القضائية. وطلب المدعي في صحيفة دعواه الحكم "بإلغاء القرار الوزاري رقم 1025 لسنة 1958 بالترقية للدرجة الرابعة الإدارية، 321 لسنة 1960 بالترقية للدرجة الثالثة فيما تضمناه من تخطيه في الترقية إلى الدرجتين المشار إليهما اعتباراً من 27 من فبراير سنة 1958، 31 من يوليه سنة 1960 مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الوزارة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة" وقال شرحاً لدعواه أنه في 11 من فبراير سنة 1956 أصدر وكيل وزارة الزراعة الدائم قراراً بنقله إلى الكادر الإداري. وقد صدر هذا القرار صحيحاً بالتطبيق للمادتين الثامنة والتاسعة من المرسوم بقانون رقم 137 لسنة 1952 بشأن نظام وكلاء الوزارة الدائمين. ومن ثم فهو يعتبر قائماً وواجب النفاذ من وقت صدوره. ولما علم بهذا القرار في سبتمبر سنة 1960 وعلم أيضاً بأن الوزارة أجرت حركة ترقيات بالأمر رقم 1025 لسنة 1958 الصادر في 6 من مارس سنة 1958 إلى الدرجة الرابعة الإدارية وكذا حركة ترقيات أخرى بالقرار رقم 311 لسنة 1960 الصادر في 21 من أغسطس سنة 1960 إلى الدرجة الثالثة الإدارية اشتملتا على ترقية من يلونه في أقدمية الدرجة الخامسة الإدارية فقد تظلم من هذين القرارين طالباً إلغاءهما في 20 من سبتمبر سنة 1960. وبجلسة 13 من ديسمبر سنة 1962 حكمت محكمة القضاء الإداري "هيئة الترقيات والتعيينات" بإلغاء القرار رقم 1025 لسنة 1958 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الرابعة الإدارية مع ما يترتب على ذلك من آثار وبإلغاء القرار رقم 321 لسنة 1960 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الثالثة الإدارية مع ما يترتب على ذلك من آثار. وألزمت الحكومة بالمصروفات وأقامت قضاءها على أن موافقة وكيل الوزارة على نقل المدعي إلى إحدى الدرجات الخامسة الإدارية بقسم المستخدمين بالوزارة يعتبر قراراً إدارياً نهائياً صادراً بناء على السلطة المخولة لمصدره بمقتضى المرسوم بقانون رقم 137 لسنة 1952 الذي يملك إصداره دون حاجة إلى موافقة الوزير على النقل، ومن ثم يتعين ترتيب جميع الآثار القانونية على هذا القرار من تاريخ صدوره واعتبار المدعي من موظفي الكادر الإداري من ذلك التاريخ وإذ صدر القرار رقم 1025 لسنة 1958 في 9 من مارس سنة 1958 متضمناً ترقية من هم أحدث من المدعي في الدرجة الخامسة إلى الدرجة الرابعة الإدارية، فإن هذا القرار يكون قد صدر مخالفاً للقانون متعيناً إلغاءه وكذلك الحال بالنسبة إلى القرار الوزاري رقم 321 لسنة 1960 الصادر في 21 من أغسطس سنة 1960 بالترقية إلى الدرجة الثالثة الإدارية.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله، إذ قضى بقبول الدعوى شكلاً، ذلك أن القرارين المطعون فيهما قد نشرا في النشرة الشهرية الخاصة بالوزارة فور صدورهما فضلاً عن أن طبيعة عمل المطعون عليه وهو مفتش بقسم التظلمات الإدارية تجعله يطلع على هذه القرارات وأمثالها أولاً بأول، كما ثبت علمه من قبل بالقرار المقول بأنه تضمن نقله إلى الكادر الإداري من التحقيق الذي أجرته النيابة الإدارية في هذا الصدد كذلك أخطأ الحكم إذ قضي في الموضوع بأحقية المطعون عليه في طلباته، ذلك أن موافقة وكيل الوزارة على الرغم من عدم استيفائها للإجراءات الشكلية، قد نصت على نقل المذكور إلى وظيفة إدارية ولم تتضمن نقله إلى درجة إدارية، وبذلك يكون الحكم قد خلط بين الوظيفة والدرجة مع أن كلاً منهما يختلف عن الآخر في طبيعته ولا تلازم بينهما. وكذلك شاب الحكم قصور في التسبيب إذا لم يتعرض لما أثارته الحكومة من دفاع في هذا الشأن.
( أ ) عن الدفع بعدم قبول الدعوى:
من حيث إن مبنى الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد المبدى من الحكومة في تقرير الطعن أن القرارين المطعون فيهما وقد نشرا في النشرة الشهرية الخاصة بوزارة الزراعة فور صدورها فضلاً عن أن طبيعة عمل المدعي - وهو مفتش بقسم التظلمات الإدارية - تجعله مطلعاً على قرارات الترقية أولاً بأول، كما ثبت عمله من قبل بالقرار الذي يزعم أنه نقله إلى الكادر الإداري من التحقيق الذي أجرته النيابة الإدارية إذ استدل المذكور لتحديد علمه بهذا القرار بأقوال المرحوم محمود عيد وكيل مراقبة المستخدمين السابق.
(1) متى كان الثابت أنه لم يقم في الأوراق وعلى الأخص في محضر التحقيق الذي أجرته النيابة الإدارية دليل على علم المدعي بواقعة موافقة وكيل الوزارة على نقله من الكادر الفني العالي إلى الكادر الإداري في 11 من فبراير سنة 1956 وهي التي يتخذها سنداً للنعي على القرارين المطعون فيهما فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجتين الرابعة والثالثة الإداريتين وذلك قبل تقديم تظلمه في 20 من سبتمبر سنة 1960. ومن ثم فإن ميعاد الطعن في هذين القرارين لا ينفتح في مواجهة المدعي إلا من هذا التاريخ وحده بوصفه التاريخ الذي تبين فيه حقيقة مركزه القانوني في الانتماء إلى الكادر الإداري والذي يطوع له بهذه المثابة الطعن في القرارين المذكورين وذلك بقطع النظر عن مدى علمه اليقيني بصدورهما سواء لسابقة نشرهما في النشرة الشهرية الخاصة بالوزارة فور صدورهما أو لما تتيحه له طبيعة عمله من الاطلاع عليهما وعلى غيرهما من القرارات الصادرة في شئون الموظفين. وإذ تظلم المدعي من هذين القرارين في 20 من سبتمبر سنة 1960 وتقدم بطلب إلى لجنة المساعدة القضائية لإعفائه من رسوم الدعوى يطلب إلغائهما في 16 من يناير سنة 1961 ثم بعد قبول طلبه في 24 من أكتوبر سنة 1961 أقام دعواه بإيداع صحيفتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 25 من أكتوبر سنة 1961 فإن الدعوى تكون قد استوفت أوضاعها الشكلية وفقاً لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة في شأن أثر طلب المساعدة القضائية - القاطع لميعاد رفع دعوى الإلغاء، ويكون الدفع المبدى من الحكومة غير قائم على أساس سليم من القانون متعيناً الحكم برفضه وبقبول الدعوى.
(ب) عن الموضوع:
من حيث عن موضوع الدعوى أنه يبين مما سلف بيانه أن مقطع النزاع فيها ينحصر في بيان ما إذا كانت موافقة وكيل الوزارة بوصفه الوكيل الدائم على نقل المدعي على إحدى الوظائف الإدارية الخالية بالديوان العام وهي المدونة في 11 من فبراير سنة 1956 وعلى مذكرة قسم المستخدمين، تعتبر قراراً إدارياً نهائياً صادراً ممن يملكه بما يكسب المدعي مركزاً قانونياً ينخرط به في سلك الكادر الإداري وتنشئ له الحق في مزاحمة الإداريين من أهل هذا السلك المرقيين بالأقدمية بالقرارين المطعون فيهما حسبما يذهب المذكور إلى ذلك أم أن هذه الموافقة بحسب مفهوم عبارتها وفي ضوء الملابسات التي اكتنفتها قد انصبت فحسب على نقل المدعي إلى وظيفة إدارية دون الدرجة الإدارية ومن ثم يبقى مركزه القانوني محصوراً في نطاق الكادر الفني العالي بما لا يسوغ من تطلعه إلى الترقيات التي تمت إلى الدرجات الإدارية بالقرارين المشار إليهما حسبما تصر على ذلك الوزارة المدعى عليها.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الأوراق أن المدعي التحق بخدمة وزارة الزراعة بعد حصوله على ليسانس الحقوق سنة 1947 في الدرجة السادسة الفنية وفي نوفمبر سنة 1950 طلب قيده بجدول النظراء بوزارة العدل وبمجلس الدولة، ثم رقي إلى الدرجة الخامسة الفنية اعتباراً من 18 من يونيه سنة 1953 وفي 28 من ديسمبر سنة 1955 قدم طلباً إلى السيد وزير الزراعة التمس فيه الموافقة على نقله على إحدى الدرجات الخامسة الإدارية العالية الخالية بالوزارة. وفي 7 من فبراير سنة 1956 تقدم مدير قسم المستخدمين بالوزارة بمذكرة في شأن هذا الطلب استهلها بالإشارة إلى وجود درجات خامسة إدارية خالية، وإلى كتاب ديوان الموظفين رقم 32 لسنة 1954 في شأن جواز النقل من الكادر العالي إلى الكادر الإداري وبالعكس والمتضمن أن مثل هذا النقل جائز في حدود المادة 47 من قانون الموظفين سواء أكان مكانياً أو ندباً على أنه في الحالة الأولى يكون حق الإدارة مطلقاً وفي الحالة الثانية يجب أن يكون بسبب مرده إلى المصلحة العامة مما يقضي التحرر في إجرائه إلا في الحالات التي تقتضيها المصلحة العامة أو بموافقة الموظف. وانتهى رئيس قسم المستخدمين في مذكرته إلى أنه نظراً لوجود طلبات مماثلة فأخذا بالأحوط ومنعاً لأية شكوى مستقبلاً يوصى بإحالة مثل هذه الطلبات إلى قسم التفتيش الإداري لبحث طبيعة عمل أصحابها وما إذا كانت تتفق وطبيعة العمل الإداري لتنفيذ شروط الكادر الإداري "على أن تبحث الدرجات التي تتخلف في مثل هذه الحالات لمراعاة نقلها إلى الجهات التي بها نقص في الأيدي العاملة. وفي 8 من فبراير سنة 1956 أشر مدير الشئون المالية والإدارية بالوزارة على هذه المذكرة بأنه يرى الموافقة على نقل المدعي على إحدى الوظائف الخالية بالديوان العام مع إلحاقه بقسم المستخدمين ليتولى بحث وإعداد مكونات الوزارة الخاصة بالدعاوى التي ترفع من الموظفين. وفي 11 من فبراير سنة 1956 وافق وكيل الوزارة على هذا الرأي. وفي 30 من يونيه سنة 1959 رقي المدعي إلى الدرجة الرابعة الفنية العالية بيد أن المذكور تظلم في 20 من سبتمبر سنة 1960 إلى السيد وزير الزراعة مبدياً أنه علم بأن الوزارة سبق أن أصدرت قراراً في 11 من فبراير سنة 1956 بنقله إلى الكادر الإداري وأنها أصدرت بعد ذلك حركة ترقيات إلى الدرجتين الرابعة والثالثة الإداريتين بتخطي إياه في الترقية إلى هاتين الدرجتين. وفي 18 من أكتوبر سنة 1960 أحال وكيل الوزارة التظلم المشار إليه مع ملف خدمته إلى النيابة الإدارية للتحقيق فيما شاب طريقة حفظ الأوراق التي يستند إليها المتظلم. وبسؤال مدير عام الشئون المالية والإدارية صاحب الاقتراح بالموافقة على نقل المدعي إلى إحدى الوظائف الإدارية الحالية بالديوان العام بالوزارة بناء على تأشيرته المؤرخة 8 من فبراير سنة 1956 قرر أنه أراد تدعيم قسم المستخدمين بموظف قانوني لبحث الشكاوى والتظلمات الإدارية وباتصاله بمدير الشئون القانونية وقتذاك وافق على نقل المدعي الذي تقدم فعلاً بطلب أرسل إلى قسم المستخدمين الذي أعد مذكرة عرضت عليه فأشر بعرضها على وكيل الوزارة للموافقة، ثم قام مدير الشئون القانونية بعرضها على وكيل الوزارة وحصل على موافقته إلا أنه بعد فترة قليلة حضر إليه المذكور وأخبره أن المدعي لا يوافق على النقل إلا إذ كان علاوة على عمله بقسم الشئون القانونية حتى يكون من النظراء، فلم يوافق على هذا الطلب وكلف مدير الشئون القانونية عرض الأمر ثانية على وكيل الوزارة للعلم وحفظ الطلب وسلمه المذكرة الخاصة بهذا الموضوع التي لا يدري عنها بعد ذلك شيئاً. وبسؤاله عن الإجراءات المتبعة عادة في مثل هذه الحالة بعد موافقة وكيل الوزارة أبدى أن مثل هذه الحالات التي تتضمن نقل موظفي فني قانوني إلى الكادر الإداري كانت تعرض على الوزير ثم ترسل للمستخدمين لإجراء اللازم نحو تنفيذ إصدار أمر النقل ونشره "الصحيفة رقم 16 من محضر التحقيق ورقم 5 من مذكرة نتيجة التحقيق". وبسؤال المدعي في التحقيق قرر أنه تقدم بطلب نقله إلى الكادر الإداري بناء على طلب مدير الشئون القانونية وقتذاك الذي تولى أمره إلا أنه أخبره عقب ذلك بفترة وجيزة أنه لم يوافق على نقله لأن الوزارة رأت أن يكون النقل إلى قسم المستخدمين بينما هو يرغب في بقائه معه، فاعتبر الموضوع منتهياً عند هذا الحد "الصحيفتان رقما 20، 21 من محضر التحقيق".
ومن حيث إنه يخلص مما سلف إيراده أنه رؤى الاستعانة بالمدعي للعمل بقسم المستخدمين بالوزارة، فأوعز إليه بتقديم طلب لنقله على إحدى درجات الكادر الإداري الخالية وأبدى قسم المستخدمين أنه توجد درجات إدارية خالية موصياً بإحالة الطلب إلى التفتيش الإداري لبحث مدى توفر شروط الكادر الإداري في صاحب الطلب، إلا أن مدير عام الشئون المالية والإدارية اقترح الموافقة على نقل الطالب إلى إحدى الوظائف الخالية ووافق وكيل الوزارة على ذلك في 11 من فبراير سنة 1956.
ومن حيث إنه ولئن كانت موافقة وكيل الوزارة هذه على طلب المدعي نقله إلى إحدى الدرجات الإدارية الخالية قد اتخذت سمة القرار الإداري لصدورها منه بوصفه وكيل الوزارة الدائم الذي يمارس اختصاصات الوزير بالاستناد إلى المادة التاسعة من المرسوم بقانون رقم 137 لسنة 1952 بشأن نظام وكلاء الوزارة الدائمين إلا أن هذه الموافقة من ناحية أخرى لم تتوافر لها الصفة النهائية ذلك أن العمل بالوزارة قد جرى على أن نقل الموظفين من كادر إلى كادر أمر يقتضي عرضه دائماً على الوزير حسبما أكد ذلك مدير عام الشئون المالية بالوزارة في تحقيقات النيابة الإدارية على ما سلف البيان. وليس في احتفاظ الوزير لبعض اختصاصاته لممارستها بنفسه - وهو صاحب الولاية والحق الأصيل في هذه الاختصاصات - خروج على أحكام المرسوم بقانون رقم 137 لسنة 1952 المشار إليه أو تعارض مع نصوصه.
هذا إلى أن موافقة وكيل الوزارة الدائم سالفة الذكر إنما صدرت في ظل العمل بالمادة 28 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة التي تقضي بأن تختص لجان شئون الموظفين بالنظر في نقل الموظفين لغاية الدرجة الأولى وفي ترقياتهم. ومن ثم فإن وكيل الوزارة الدائم ممارساً سلطات الوزير لم يقصد أن يتحقق لموافقته على نقل المدعي إلى إحدى الدرجات الإدارية الخالية أثرها القانوني قبل عرض هذا النقل على لجنة شئون الموظفين صاحبة الاختصاص بداءه في إبداء الرأي في نقل الموظفين لغاية الدرجة الأولى مكانياً كان النقل أو نوعياً وفي الحدود التي رسمها القانون. ومن ثم فلاً يلحق هذه الموافقة وصف النهائية بمجرد صدورها.
ليس يكفي لتوفر صفة النهائية للقرار الإداري أن يكون صادراً من صاحب اختصاص بإصداره بل ينبغي أن يقصد مصدره الذي يملك إصداره تحقيقاً من أثر القانوني فوراً ومباشراً بمجرد صدوره، وألا تكون له سلطة إدارية للتعقيب عليه، وإلا كان بمثابة اقتراح أو إبداء رأي لا يترتب عليه الأثر القانوني للقرار الإداري النهائي.
وتأسيساً على ذلك فإن موافقة وكيل الوزارة على نقل المدعي إلى الكادر الإداري تكون قد ظلت معطلة عن التنفيذ ولم تستكمل مقومات القرار الإداري النهائي سواء أكان المرد في ذلك إلى عدول المدعي أن طلب نقله لرغبته في الاستمرار بالعمل بإدارة الشئون القانونية بالوزارة حتى لا يفقد حقه في القيد بجدول النظراء للموظفين الفنيين بوزارة العدل وبمجلس الدولة أم إلى رغبة مدير الشئون القانونية وقتذاك في الاحتفاظ به عاملاً بالإدارة المذكورة حسبما كشف عن ذلك أقوال مدير عام الشئون المالية والإدارية وأقوال المدعي ذاته في تحقيقات النيابة الإدارية السابق الإشارة إليها وأية ذلك أنه رقي إلى الدرجة الرابعة الفنية العالية في 30 من يونيه سنة 1959 أي بعد نيف وثلاث سنوات من تاريخ هذه الموافقة.
ومن حيث إنه وقد ثبت أن المدعي لم يصدر قرار إداري نهائي بنقله إلى الكادر الإداري بل استمر شاغلاً لإحدى درجات الكادر الفني العالي فإنه لا يكون ثمة تخط قد أصابه في الترقية بالأقدمية إلى الدرجتين الرابعة والثالثة الإداريتين، ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلغاء القرارين رقمي 1025 لسنة 1958 و321 لسنة 1960 فيما تضمناه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجتين الرابعة والثالثة الإداريتين مع ما يترتب على ذلك من آثار قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله ويتعين - والحالة هذه - القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى موضوعاً مع إلزام المدعي بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها وبرفضها موضوعاً، وألزمت المدعي بالمصروفات.

الطعن 235 لسنة 7 ق جلسة 20 / 11 / 1966 إدارية عليا مكتب فني 12 ج 1 ق 23 ص 254

جلسة 20 من نوفمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ مصطفى كامل إسماعيل نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبي وأحمد علي البحراوي والدكتور أحمد ثابت عويضة وسليمان محمود جاد المستشارين.

------------------

(23)

القضية رقم 235 لسنة 7 القضائية

(أ) موظف. "نهاية الخدمة. استقالة". 

الاستقالة طبقاً للأصول العامة للوظيفة - لا تنتج بذاتها أثرها القانوني في فصم رابطة التوظف - ترتب هذا الأثر - يتوقف على القرار الصادر من الجهة الإدارية بقبولها صراحة أو على مضي المدة التي تعتبر بصدها مقبولة حكماً - سريان هذا الحكم على عمال المرافق العامة كافة.
(ب) موظف "استقالة". مكافأة ترك الخدمة. سكك حديدية. 

وفاة الموظف في ذات اليوم الذي عبر فيه عن رغبته في التخلي عن الخدمة المنصوص عليه في المادة التاسعة من القواعد المنظمة للمكافآت المستحقة للعاملين بالهيئة العامة للسكك الحديدية المقررة بالمنشور (أ) المصدق عليه من مجلس إدارتها في 13/ 4/ 1964 وقبل أن تقبل منه هذه الاستقالة - تحديد المكافأة المستحقة له على أساس أنه توفي وهو في الخدمة - صحيح لا تثريب عليه.

--------------------
1 - أن الاستقالة طبقاً للأصول العامة للوظيفة وللحكمة التي قام عليها تنظيمها لضمان دوام حسن سير المرافق العامة بانتظام واطراد لا تنتج بذاتها أثرها القانوني في فصم رابطة التوظف، وإنما يتوقف حدوث هذا الأثر المنهي للخدمة على القرار الصادر من الجهة الإدارية المختصة بقبولها صراحة أو على المدة التي تعتبر بعدها مقبولة حكماً، كما أن مقدم الاستقالة يجب عليه أن يستمر في عمله إلى أن يبلغ إليه قرار قبول الاستقالة أو إلى أن ينقضي الميعاد المقرر لاعتبارها مقبولة، فإرادته المنفردة - وهو في علاقته بالإدارة في مركز قانوني أي تنظيمي عام تحكمه القوانين واللوائح لا في مركز تعاقدي - لا تكفي وحدها لترتيب أثر ذاتي فوري على تقديم الاستقالة بمجرد تحقق هذه الواقعة. ويصدق هذا الأصل في عمال المرافق العامة كافة وإن خلت القواعد المنظمة لعلاقتهم بهذه المرافق من نص مردد له.
2 - متى كان الثابت من أوراق الدعوى أن مورث المدعي قدم استقالته إلى الهيئة العامة للسكك الحديدية في أول مايو سنة 1954 ثم وافته المنية في اليوم ذاته، ولم تكن الهيئة قد قبلت هذه الاستقالة بعد ومن ثم فإن الجهة الإدارية، إذ حددت المكافأة المستحقة له على أساس أنه توفي في الخدمة، تكون قد طبقت القانون تطبيقاً صحيحاً.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إنه يتبين من الأوراق أن الحكم المطعون فيه صدر بجلسة 11 من نوفمبر سنة 1959 وأن الطاعن تقدم إلى لجنة المساعدة القضائية بهذه المحكمة يطلب إعفائه من الرسوم القضائية المستحقة على هذا الطعن في 7 من يناير سنة 1960، أي في خلال الميعاد المقرر قانوناً، وقد صدر قرار اللجنة في طلب المساعدة القضائية رقم 14 لسنة 6 بإعفائه من هذه الرسوم بجلسة 18 من سبتمبر سنة 1960 فتقدم بطعنه هذا إلى قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا خلال الستين يوماً التالية بإيداع عريضته في 14 من نوفمبر سنة 1960. ومن ثم يكون الطعن مقبولاً شكلاً ومستوفياً لأوضاعه وفقاً لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة في شأن أثر المساعدة القضائية القاطع لميعاد رفع الطعن أمامها.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 202 لسنة 6 القضائية ضد الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات في 28 من ديسمبر سنة 1958 بموجب قرار من لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة المذكورة بإعفائه من الرسوم القضائية صادر في 11 من أكتوبر سنة 1958، طلب فيها الحكم باستحقاق الورثة الشرعيين للمرحوم سيد أحمد سالم أوسطى نجارين سابقاً بورشة عموم هندسة السكة والأشغال بالعباسية في صرف المكافأة المستحقة عن مدة خدمته كاملة وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية وما يترتب على ذلك من آثار بإلزام الهيئة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال شرحاً لدعواه أن والده التحق بخدمة الهيئة وظل يتدرج حتى وصل إلى درجة أوسطى نجارين بورشة عموم الهندسة بالعباسية ثم مرض مرضاً أقعده عن العمل فتقدم في أول مايو سنة 1954 بطلب اعتزال الخدمة مع حفظ حقه في صرف المكافأة المستحقة له عن مدة خدمته حتى أول مايو سنة 1954 إلا أنه توفي مساء اليوم ذاته فاعتبرته الهيئة متوفياً أثناء الخدمة - وعلى هذا أعطت الورثة ثلاثة أرباع المكافأة، ولم تمنحهم المكافأة كاملة باعتبار مورثهم قد اعتزل الخدمة فعلاً مع أن حق التخلي عن الخدمة بإرادة العامل المنفردة مع صرف المكافأة بتمامها هو حق مستمد من نص المادة التاسعة من لائحة مكافآت السكة الحديد.
وقد أجابت الهيئة عن الدعوى بأن مورث المدعي توفي في أول مايو سنة 1954 في الساعة الحادية عشرة مساء، وذلك كنص شهادة الوفاة الصادرة من مكتب صحة العدوية قسم بولاق المقيدة برقم 773 في 2 من مايو سنة 1954 وكان قد ورد للهيئة طلب من المذكور صباح يوم أول مايو سنة 1954 يبدي فيه رغبته في إعفائه من الخدمة نظراً لسوء حالته الصحية وقد أرسل هذا الطلب في 6 من مايو سنة 1954 إلى القسم الطبي الذي قرر الموافقة على مد الأجازة المرضية الممنوحة للطالب حتى أول مايو سنة 1954 تاريخ وفاته مع عدم الموافقة على طلب التشريك وفقاً للتعليمات المالية.
وبجلسة 11 من نوفمبر سنة 1959 قضت المحكمة الإدارية برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات وأقامت قضاءها على أن المنشور حرف "أ" الخاصة بمكافآت مصلحة سكك حديد وتلغرافات وتليفونات الحكومة هو الذي يحكم تسوية مكافأة مورث المدعي عن مدة خدمته. وطبقاً لأحكامه يحرم العامل من المكافأة عند الاستقالة فيما عدا حالتين أولاهما تأدية الخدمة العسكرية، وثانيهما الاستقالة بسبب كبر السن ببلوغ الخامسة والخمسين. وهذه الاستقالة الأخيرة لا تتم بإرادة العامل المنفردة بل يجب موافقة الجهة الإدارية عليها. ومن ثم فإن مورث المدعي كان في خدمة الهيئة وقت وفاته على الرغم من طلبه التخلي عن الخدمة ما دامت الهيئة لم تكن قد قبلت استقالته بعد، ويكون صرف المكافأة على هذا الأساس صحيحاً مطابقاً لأحكام القانون.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خالف حكم المادة التاسعة من لائحة المكافآت المصلحية التي نصت على أنه "يجوز لكل مستخدم تنطبق عليه الشروط المتقدمة للتخلي عن العمل بسبب كبر السن إذا بلغ عمره 55 سنة" وقد توفرت هذه الشروط في مورث المدعي، ولم يكن يحول دون تطبيق هذه المادة في حقه سوى صدور تعبير حاسم من جانبه برغبته في التخلي، وقد صدر منه هذا التعبير فعلاً، ولا تملك الجهة الإدارية التعقيب على إرادة العامل في التخلي عن العمل. ومن ثم فلا محل لتطبيق القواعد العامة في الاستقالة المنصوص عليها في قانون نظام الدولة رقم 210 لسنة 1951 ذلك لأن أحكام هذا القانون إنما تنصرف إلى الموظفين الدائمين الذين يخضعون لأحكامه دون من عداهم. كذلك خالف الحكم كتاب وزارة المالية الدوري رقم 234/ 9/ 20 الصادر في 30 من إبريل سنة 1933 في شأن مكافأة المستخدمين الخارجين عن الهيئة الذين يطلبون اعتزال الخدمة لمرضهم ثم يتوفون قبل الكشف عليهم طبياً وهو الذي انتهى إلى اعتبارهم قد تركوا الخدمة لعدم اللياقة الطبية ثم وافتهم المنية بعد ذلك وقضى في هذه الحالة بأن تعتبر المكافأة تركة تصرف لورثتهم الشرعيين.
ومن حيث إن الطاعن قد عدل طلباته في محضر جلسة 23 من أكتوبر سنة 1966 وقصرها على طلب الحكم بنصيبه في المكافأة المستحقة لمورثة قبل وفاته على الأساس المتقدم طبقاً لقواعد مكافأة عمال مصلحة السكة الحديد وتلغرافات وتليفونات الحكومة وهو تعديل يبرره أنه لا صفة له - اتفاقاً أو قانوناً - في إقامة الدعوى نيابة عن باقي الورثة للمطالبة بحق لهم.
ومن حيث إن القواعد المنظمة للمكافآت المستحقة للعاملين بالهيئة العامة للسكك الحديدية قد وردت في المنشور حرف "أ" الذي صدق عليه من المجلس الأعلى للسكك الحديدية بجلسته المنعقدة في 13 من إبريل سنة 1940. وقد تضمن هذا المنشور شروط استحقاق المكافآت، وأسباب سقوط الحق فيها، وجعل الاستقالة سبباً لسقوط حق العامل في هذه المكافأة، إلا إذا كانت الاستقالة لأداء الخدمة العسكرية أو بسبب كبر السن فنص في المادة الخامسة منه على أن "كل مستخدم تنطبق عليه الشروط المتقدمة لا يستحق مكافأة إذا قدم استقالته، فيما عدا الحالة المنصوص عليها في المادة التاسعة، أو كان مصري الجنسية واضطر للاستقالة لتأدية الخدمة العسكرية في الجيش المصري" كما نص في مادته التاسعة على أنه "يجوز لكل مستخدم تنطبق عليه الشروط المتقدمة التخلي عن الخدمة بسبب كبر السن إذا بلغ عمره 55 سنة. وتجب إقالته حتماً عند بلوغ الخامسة والستين إلا إذا صرح له مدير المصلحة بناء على طلبه وبموافقة المجلس الأعلى بالبقاء في الخدمة مدة معينة. ولا يجوز بحال من الأحوال أن يبقى في الخدمة بعد بلوغه سن السبعين".
ومن حيث إنه يتضح من صريح هذه النصوص أن التخلي عن الخدمة المشار إليه في المادة التاسعة إن هو في حقيقة معناه الاستقالة من الخدمة بتعبير آخر. وغني عن البيان أن الاستقالة طبقاً للأصول العامة للوظيفة وللحكمة التي قام عليها تنظيمها لضمان دوام حسن سير المرافق العامة بانتظام واضطراد لا تنتج بذاتها أثرها القانوني في فصم رابطة التوظف، وإنما يتوقف حدوث هذا الأثر المنهي للخدمة على القرار الصادر من الجهة الإدارية المختصة بقبولها صراحة أو على مضي المدة التي تعتبر بعدها مقبولة حكماً كما أن مقدم الاستقالة يجب عليه أن يستمر في عمله إلى أن يبلغ إليه قرار قبول استقالة أو إلى أن ينقضي الميعاد المقرر لاعتبارها مقبولة فإرادته المنفردة - وهو في علاقته بالإدارة في مركز قانوني أي تنظيمي عام تحكمه القوانين واللوائح لا في مركز تعاقدي - لا تكفي وحدها لترتيب أثر ذاتي فوري على تقديم الاستقالة بمجرد تحقيق هذه الواقعة. ويصدق هذا الأصل على عمال المرافق العامة كافة وإن خلت القواعد المنظمة لعلاقتهم بهذه المرافق من نص مردد له.
ولم تتضمن المادة التاسعة من المنشور حرف "أ" آنف الذكر أي تعبير أو معنى يمكن أن ينصرف إلى قصد مخالفة هذا الأصل الذي لا ينال من سلامته ومن وجوب إعمال حكمه ما ورد في كتاب وزارة المالية الدوري رقم 234/ 9/ 20 الصادر في 30 من إبريل سنة 1933 من اعتبار من يطلب اعتزال الخدمة لمرضه ثم يتوفى قبل الكشف عليه - أنه ترك الخدمة قبل الوفاة لانتفاء الحاجة به.
ومن حيث إن الثابت من أوراق الدعوى أن مورث المدعي قدم استقالته إلى الهيئة العامة للسكك الحديدية في يوم أول مايو سنة 1954 ثم وافته المنية في اليوم ذاته، ولم تكن الهيئة قد قبلت الاستقالة بعد ومن ثم فإن الجهة الإدارية، إذ حددت المكافأة المستحقة له على أساس أنه توفي وهو في الخدمة، تكون قد طبقت القانون تطبيقاً صحيحاً.
ويكون الحكم المطعون فيه قد صادف الصواب إذ قضى برفض الدعوى مما يتعين معه القضاء برفض الطعن لعدم قيامه على أساس سليم من القانون، مع إلزام المدعي بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً، وألزمت المدعي بالمصروفات.