جلسة 28 ديسمبر سنة 1944
برياسة حضرة محمد زكي علي بك وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد كامل مرسي بك ونجيب مرقس بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك المستشارين.
------------------
(179)
القضية رقم 28 سنة 14 القضائية
اختصاص. أمر إداري. منافع عامة. أموال عامة. نزاع على ملكيتها.
أ - أمر إداري. التعريف به. لم يرد به نص. من وظيفة المحاكم أن تعطيه وصفه القانوني لإمكان معرفة ما إذا كان يستأهل الحصانة المقررة للأوامر الإدارية.
ب - الحصانة المقررة للأمر الإداري. مناطها. كونه صدر في الحدود المرسومة للسلطة التي أصدرته. المحاكم هي السلطة الوحيدة المختصة بالفصل في المنازعات التي تقع بين الأفراد والحكومة بشأن تبعية الأموال للمنافع العامة. الإجراءات العاجلة الاستثنائية المخولة للسلطة الإدارية لحماية الأملاك العامة. لا يصح اتخاذها بالنسبة للأموال التي لا نزاع في كونها عامة أو التي لا يقوم نزاع جدي في صفتها بسبب تخصيصها الظاهر للمنفعة العامة. تبين المحكمة من ظروف الدعوى جدية النزاع في صفة المال موضوع الدعوى. من حقها أن تأمر بوقف تنفيذ الأمر الإداري حتى يفصل قضائياً في ذلك.
(المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية)
----------------
1 - إن الشارع عندما وضع المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية عملاً بمبدأ الفصل بين السلطات لم يعرف الأوامر الإدارية، ولم يبين لها مميزات يهتدي بها في القول بتوافر الشروط اللازمة لها ولحصانتها وصيانتها من تعرض السلطة القضائية لها بتعطيل أو تأويل. وإذن فإن من وظيفة المحاكم أن تعطي الإجراء الإداري وصفه القانوني على هدي حكمة التشريع ومبدأ فصل السلطات وحماية الأفراد وحقوقهم.
2 - إنه من المتفق عليه فقهاً وقضاءً أنه مما يجب توافره لتحقق حصانة الأمر الإداري من التعطيل أو التأويل أن يكون قد صدر في الحدود المرسومة قانوناً للسلطة التي أصدرته، فإذا خرج عن تلك الحدود كان اعتداءً على سلطة أخرى أو عملاً تعسفياً لا تلحقه الحصانة. وعندئذ يكون من حق السلطة القضائية أن تتدخل لحماية مصالح الأفراد مما قد يترتب عليه.
وإذ كانت المحاكم هي السلطة الوحيدة التي تملك حق الفصل في المنازعات التي تقوم بين الأفراد والحكومة بشأن تبعية الأموال المتنازع عليها للمنافع العامة حتى إذا ما تبينت تبعيتها لها أجرت عليها حكم القانون وإلا أقرت ملكية الأفراد لها وأمرت بما يدفع عنها اعتداء السلطة الإدارية، وإذ كانت القوانين واللوائح حين أعطت السلطة الإدارية حق اتخاذ إجراءات عاجلة استثنائية لحماية الأملاك العامة لم تعطها حق الفصل في المنازعات المتعلقة بملكية تلك الأموال مما مفاده أنه لا يصح اتخاذ تلك الإجراءات إلا في شأن الأموال التي لا نزاع في صفتها العامة أو التي لا يمكن أن يقوم نزاع جدي في صفتها بسبب تخصيصها الظاهر للمنفعة العامة، إذ كان هذا وذاك فإنه متى اتضح للمحكمة من أوراق الدعوى وظروفها جدية منازعة الأفراد في صفة المال موضوع الدعوى فيكون من اختصاصها أن تأمر بوقف تنفيذ الأمر الإداري الصادر بناءً على اعتبار المال من الأموال العامة ريثما ينحسم ذلك النزاع نهائياً بالطرق القضائية (1).
الوقائع
تتلخص وقائع هذا الطعن في أن تفتيش ري زفتى حرر في 15 من يونيه سنة 1943 محضر مخالفة ضد المطعون ضده لاعتدائه على جسر ترعة المنصورية بأن أقام مباني على جزء منه. وفي 21 من يونيه سنة 1943 أرسل مفتش ري زفتى إلى مديرية الدقهلية كتاباً يطلب فيه تنبيه المطعون ضده إلى إزالة تلك المباني في مدى أسبوع وإن لم يفعل قام تفتيش الري بإزالتها على نفقة المطعون ضده وتحت مسئوليته. فرفع المطعون ضده الدعوى على تفتيش ري زفتى ووزارة الأشغال ومفتش المساحة بالمنصورة ووزارة المالية ومديرية الدقهلية ووزارة الداخلية طلب في صحيفتها الحكم بصفة مستعجلة - وقبل الفصل في موضوع دعوى الملكية المرفوعة منه على الحكومة - بأمر المدعى عليهم بوقف تنفيذ أي إجراء من الإجراءات التي ذكرت في كتاب مفتش الري لمدير الدقهلية مع إبقاء الفصل في المصاريف. وفي جلسة المرافعة طلب الحكم بإبقاء الحالة على ما هي عليه إلى أن يفصل في دعوى الملكية.
وفي 29 من يونيه سنة 1943 قضت محكمة المنصورة بعدم اختصاص المحاكم الأهلية بنظر طلب وقف تنفيذ الأمر الإداري المبين بصحيفة الدعوى أو التقرير بإبقاء الحالة على ما هي عليه.
استأنف المطعون ضده هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر طالباً إلغاءه والقضاء باختصاص المحاكم الأهلية بنظر الدعوى وفي الموضوع أصلياً بوقف تنفيذ أي إجراء من الإجراءات التي وردت في كتاب مفتش ري زفتى إلى مدير الدقهلية المبلغ إلى وكيل المطعون ضده في 21 من يونيه سنة 1943 واحتياطياً تنبيه طرفي الخصومة إلى إبقاء الحالة على ما هي عليه وقت رفع دعوى تثبيت الملكية مع إلزام المستأنف عليهم بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وفي 15 من ديسمبر سنة 1943 قضت محكمة استئناف مصر بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف واختصاص المحاكم الأهلية بنظر الدعوى وإبقاء حالة العقار موضوع النزاع على ما هي عليه وقت رفع هذه الدعوى وألزمت المستأنف عليهم بالمصاريف عن الدرجتين وبمبلغ ألف قرش مقابل أتعاب المحاماة. وفي 20 من فبراير سنة 1944 قرر الطاعنون الطعن بطريق النقض إلخ إلخ.
المحكمة
ومن حيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه أنه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله. أولاً - لأنه خالف حكم المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم الذي يمنعها من وقف تنفيذ الأمر الإداري أو تأويل معناه، وقول الحكم المطعون فيه إن الأمر الإداري لا يتمتع بالحصانة التي تمنع القضاء من التعرض له بوقف أو تأويل إلا إذا كان سليماً من كل شائبة غير قابل للطعن بأي مطعن وصادراً من جهة مختصة بإصداره ومتوافرة فيه الأشكال والأوضاع القانونية المقررة وأن لا يمس ملكية الأفراد بغير مراعاة أحكام قانون نزع الملكية - هذا القول لا سند له من القانون، وقد نصت المادة 15 سالفة الذكر على أن مخالفة الأمر الإداري للقوانين واللوائح لا يترتب عليها غير اختصاص المحاكم بالحكم في التضمينات الناشئة عن تلك المخالفة ولم تقيد المادة المذكورة حرمان المحاكم من التعرض لوقف أو تأويل الأمر الإداري بأي قيد من القيود التي ذكرها الحكم المطعون فيه. ثانياً - لأن الأمر الإداري موضوع هذه الدعوى لم يصدر اعتداءً على ملك المطعون ضده بضمه إلى الملك العام بغير مراعاة لأحكام قانون نزع الملكية بل هو أمر إداري صدر لإزالة اعتداء المطعون ضده على الأملاك العامة. وليس للمحاكم في هذه الحالة عملاً بنص المادة 15 من لائحة ترتيبها أن تتعرض لهذا الأمر ولو نازع المطعون ضده في الملكية، لأن هذا النزاع، إن صح، لا يترتب عليه غير المطالبة بالتضمينات، وقول الحكم المطعون فيه إن للمحاكم حق تعطيل الأمر الإداري إلى أن تفصل المحاكم في أمر الملكية هو قلب للأوضاع إذ ينبني عليه ربط مصير تنفيذ الأمر الإداري بمنازعة الأفراد في الملكية مما لا يتفق مع حماية الأمر الإداري. ثالثاً - لأن الأمر القاضي بتكليف المطعون ضده إزالة مبانيه صدر عملاً بأحكام لائحة الترع والجسور الصادرة في 22 من فبراير سنة 1894 بعد أن تحرر للمطعون ضده محضر مخالفة لاعتدائه على جسر ترعة المنصورية بإقامة مبانيه عليه. فالأمر بالإزالة صدر إذاً في حدود اختصاص السلطة الإدارية وتنفيذاً لأحكام القانون، وبذلك يمتنع على المحاكم أن تقضي بوقف تنفيذه. رابعاً - لأن قول الحكم المطعون فيه إن محل تطبيق أحكام لائحة الترع والجسور هو عندما يكون الاعتداء على المنافع العامة واضحاً صارخاً وعندما تكون ملكية المنافع العامة غير متنازع فيها أو كان النزاع بشأنها غير جدي - هذا القول يخالف أحكام القانون ويترتب عليه إبطال العمل بلائحة الترع والجسور إذ يكفي لحرمان الهيئات الإدارية من استعمال سلطتها في محاكمة المعتدين على الأملاك العامة أن يثير الأفراد نزاعاً حول الملكية. وفي هذا تفويت للغرض الذي قصد إليه الشارع. خامساً - لأن الحكم المطعون فيه قضى بإلزام الطاعنين بالمصاريف عن الدرجتين مع أن المطعون ضده لم يطلب أمام المحكمة الابتدائية القضاء له بالمصاريف بل طلب إبقاء الفصل فيها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بياناً دقيقاً، وأبان الإجراءات التي اتخذها تفتيش ري زفتى في حق المطعون ضده من تحرير محضر مخالفة وتكليف بإزالة مبانيه وما اتخذه هذا الأخير من إجراءات قضائية ليحول دون قيام التفتيش بما هدد به من إزالة المباني بنفسه على نفقة المطعون ضده وتحت مسئوليته، ثم أورد حجج كل من الفريقين التي يؤيد بها وجهة نظره، وبعد ذلك تناول الحكم الكلام في نظرية الفصل بين السلطات ومنع السلطة القضائية من التعرض لأعمال السلطة الإدارية وما كان لهذه النظرية من تطبيقات في بعض البلاد الأجنبية وفي مصر، وأبان الاتجاه الحديث في القضاء المصري بالنسبة إلى قضاء التضمين وقضاء الإيقاف عند التعرض للفصل في المنازعات المتعلقة بالأوامر الإدارية ذاكراً أنه بالنسبة إلى قضاء الإيقاف أو الإبطال "فقد اتجه الكثير من الأحكام وسايرها بعض الكتاب إلى أنه، لكي يتمتع الأمر الإداري بالحصانة المانعة للقضاء من التعرض له بإيقاف أو تأويل، يجب أن يكون سليماً من كل شائبة غير قابل للطعن بأي مطعن بأن يكون صادراً من جهة مختصة بإصداره، وأن تراعي في إصداره الأشكال والأوضاع المقررة، وأن لا يخالف، من حيث موضوعه، نصاً من نصوص القوانين واللوائح المعمول بها، وأن يكون كل من الغاية والباعث عليه مشروعاً. وبعبارة أخرى أن تكون الإدارة في إصداره قد استعملت سلطتها فيما أعدت له. فإذا ما كان الأمر الإداري قد شابه عيب من العيوب، خصوصاً عيب عدم الاختصاص أو الشكل، فإنه يفقد صفة الأوامر الإدارية فلا يتمتع بالحماية القانونية المقررة لحمايتها ويجوز للمحاكم إلغاؤه أو وقف تنفيذه. وأنه يتفرع عن هذا أن المحاكم ليست ممنوعة ولا محرومة من التدخل لضمان حرية الأفراد وحق ملكيتهم إذ ثبت أن العمل الإداري خارج عن دائرة اختصاص الجهة التي أصدرته أو في غير الشكل والإجراءات القانونية. فمثل هذا العمل تتحلل طبيعته وتسقط عنه صفة الأمر الإداري ويعتبر اعتداء على حقوق الأفراد التي كلفها القانون". واسترسل الحكم في الكلام في قضاء الإلغاء والإيقاف فقال: "وحيث إن أصحاب الرأي المخالف يذهبون مع ذلك إلى حد إنكار سلطة القضاء في الرقابة على الأوامر الإدارية إطلاقاً، فهم وإن كانوا يشيرون بعدم المغالاة أو التزيد فيها لا يذهبون إلى حد إغفالها بل يرون قصرها على الأحوال التي ترتكب فيها الإدارة اعتداء صريحاً على الملكية أو الحرية الشخصية حيث يمكن أن يقال حقاً إن ما وقع منها هو غصب وتعد Voie de fait لا عمل إداري". وبعد هذه الإلمامة تعرض الحكم لموضوع الدعوى ليفصل فيه على ضوء تلك المبادئ التي سردها فأبان وقائعها ووجهة نظر المطعون ضده فيها وما يستند إليه من أدلة ومستندات. وخلص من ذلك كله إلى قوله: "إنه متى كان النزاع مطبوعاً بهذا الطابع (الطابع الجدي) فإن السلطة الوحيدة المختصة بالفصل فيما إذا كان موضوع النزاع ملكاً خاصاً للمستأنف أم أنه جزء من جسر ترعة المنصورية المعتبرة من المنافع العامة هي القضاء، وفي ظروف كهذه لا يجوز لسلطة الإدارة أن تسبق الحوادث فتستولي على قطعة أرض أو تعمل معاولها هدماً وتقويضاً في مبنى قد يثبت في آخر الأمر أنه من الملك الخاص الذي له حرمة حماها الدستور.... وحيث إن المحكمة ترى في ظروف كهذه، وإلى أن يثبت قضاءً أن القطعة المتنازع عليها من المنافع العمومية، أن لا اختصاص للجنة الإدارية المشكلة من المدير والباشمهندس والعمد الثلاثة طبقاً للأمر العالي الصادر في 22 من فبراير سنة 1894 وأن ليس من حق سلطات الري أن تعمد إلى الإزالة الفورية المنصوص عليها في المادة الثانية والثلاثين من هذا الأمر، إنما محل تطبيق هذه النصوص عندما يكون الاعتداء على المنافع العمومية واضحاً صارخاً وعندما تكون الملكية للمنافع العامة غير متنازع عليها أو كان النزاع بشأنها غير جدي". وانتهى الحكم المطعون فيه بعد ما تقدم إلى قوله "وحيث إنه لذلك تكون الإجراءات التي قامت بها الإدارة والتي يقصد منها إلى الاستيلاء على قطعة الأرض المتنازع عليها كجزء من المنافع العمومية وإزالة ما عليها من منشآت إنما هي إجراءات صادرة من سلطة غير مختصة بها ما دام القضاء لم يفصل بعد في الملكية فهي باطلة، ولا يمكن أن تعد من قبيل الأوامر الإدارية التي تسبغ عليها المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية تلك الحصانة التي تنهي القضاء عن أن يتناولها بتأويل أو إيقاف".
وحيث إنه يخلص مما سبق إيراده عن الحكم المطعون فيه أن المحكمة بنت قضاءها في خصوصية الدعوى على أن الأمر الإداري إذا صدر اعتداء على أموال الأفراد فلا تلحقه حصانة القانون، وأن السلطة القضائية هي وحدها المختصة بالفصل في المنازعات التي تقوم بين الحكومة والأفراد بشأن ملكية الأموال العامة.
وحيث إن هاتين القاعدتين اللتين بنت عليهما محكمة الموضوع حكمها المطعون فيه هما قاعدتان سليمتان تقرهما هذه المحكمة.
وحيث إن الشارع عندما وضع المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم عملاً بمبدأ الفصل بين السلطات لم يعرف الأوامر الإدارية، ولم يبين لها مميزات يهتدي بها في القول بتوافر الشروط اللازمة لها ولحصانتها وصيانتها من تعرض السلطة القضائية لها بتعطيل أو تأويل، فأصبح من وظيفة المحاكم، والحالة هذه، أن تعطي الإجراء الإداري وصفه القانوني على هدى حكمة التشريع ومبدأ فصل السلطات وحماية الأفراد وحقوقهم.
وحيث إنه (في خصوصية هذه الدعوى) من المتفق عليه فقهاً وقضاءً أنه مما يجب توافره لتحقق حصانة الأمر الإداري من التعطيل أو التأويل أن يكون قد صدر في الحدود المرسومة قانوناً للسلطة التي أصدرته، فإذا خرج عن تلك الحدود كان اعتداءً على سلطة أخرى أو عملاً تعسفياً لا تلحقه أية حصانة، وعندئذ يكون من حق السلطة القضائية أن تتدخل لحماية مصالح الأفراد مما قد يترتب عليه.
وحيث إن المحاكم هي السلطة الوحيدة التي تملك حق الفصل في المنازعات التي تقوم بين الأفراد والحكومة بشأن تبعية الأموال المتنازع عليها للمنافع العامة، فإذا ما تبينت تبعيتها لها أجرت عليها حكم القانون، وإن لم تكن كذلك أقرت ملكية الأفراد لها وأمرت بما يدفع عنها اعتداء السلطة الإدارية.
وحيث إن القوانين أو اللوائح حين أعطت السلطة الإدارية حق اتخاذ إجراءات عاجلة استثنائية لحماية الأملاك العامة لم تعطها حق الفصل في المنازعات المتعلقة بملكية تلك الأموال، فلا يصح أن تتخذ تلك الإجراءات إلا في شأن الأموال التي لا نزاع في صفتها العامة أو التي لا يصح أن يقوم نزاع جدي في صفتها بسبب تخصيصها الظاهر للمنفعة العامة.
وحيث إن القول بأن تدخل القضاء في المنازعات المتعلقة بملكية الأموال العامة يترتب عليه تعطيل الإجراءات الإدارية التي يجب اتخاذها لحماية تلك الأموال - هذا القول مردود بأن النزاع في الملكية في هذا الخصوص لا يكون إلا في أحوال نادرة حيث تكون الصفة العامة للمال غير ظاهرة، والمحاكم بطبيعة الحال لا تقيم وزناً لنزاع غير جدي، وبأنه لا يصح، رغبة في عدم تعطيل الأمر الإداري لمجرد كونه أمراً إدارياً، أن تقلب النظم والأوضاع الطبيعية فتعطي لجنة إدارية مؤلفة من المدير والباشمهندس وثلاثة من العمد السلطة التي تختص بها المحاكم دون غيرها. وفي هذا ما فيه من الخطر المحقق على حقوق الناس.
وحيث إنه متى اتضح للمحكمة من أوراق الدعوى وظروفها جدية منازعة الأفراد في صفة المال موضوع الدعوى، كان من اختصاصها أن تأمر بوقف تنفيذ الأمر الإداري الصادر بناءً على اعتبار المال من الأموال العامة ريثما يحسم ذلك النزاع نهائياً بالطرق القضائية.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد أصاب وجه الحق فيما قضى به من الأمر ببقاء الحالة على ما هي عليه حتى يفصل في دعوى الملكية بعد أن اتضحت للمحكمة جدية النزاع من أوراق الدعوى وظروفها.
وحيث إنه لما تقدم تكون مطاعن الطاعنين على الحكم المطعون فيه عدا الأخير منها غير مستندة إلى القانون.
وحيث إنه لا يبقى بعد ذلك إلا ما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه من أنه قضى بإلزامهم بالمصاريف في حين أن المطعون ضده قد طلب أمام المحكمة الابتدائية إبقاء الفصل في المصاريف حتى يفصل في دعوى الملكية.
وحيث إن المطعون ضده قد طلب في استئنافه أن يقضي له بإلزام الطاعنين بالمصاريف والأتعاب عن الدرجتين ولم يعترض الطاعنون على هذا الطلب فلا يكون لهم والحالة هذه وجه في الاعتراض على الحكم به أمام محكمة النقض.
(1) واقعة الدعوى أن تفتيش الري حرر محضر مخالفة ضد المطعون ضده لاعتدائه على جسر ترعة المنصورية بأن أقام مباني على جزء منه ثم أرسل مفتش الري إلى مديرية الدقهلية كتاباً يطلب فيه تنبيه المطعون ضده إلى إزالة تلك المباني في مدى أسبوع وإن لم يفعل قام تفتيش الري بإزالتها على نفقة المطعون ضده وتحت مسئوليته، فرفع المطعون ضده الدعوى على تفتيش الري ووزارة الأشغال وتفتيش المساحة ووزارة المالية ومديرية الدقهلية ووزارة الداخلية وطلب فيها الحكم بصفة مستعجلة وقبل الفصل في موضوع دعوى الملكية المرفوعة منه على الحكومة بإبقاء الحالة على ما هي عليه إلى أن يفصل في دعوى الملكية، وقضت محكمة الاستئناف باختصاص المحاكم الأهلية بنظر الدعوى وإبقاء حالة العقار موضوع النزاع على ما هي عليه وقت رفع الدعوى.