الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 6 مايو 2023

الطعن 25 لسنة 46 ق جلسة 31 / 5 / 1978 مكتب فني 29 ج 2 أحوال شخصية ق 267 ص 1379

جلسة 31 من مايو سنة 1978

برئاسة السيد المستشار محمد أسعد محمود نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين الدكتور إبراهيم صالح، صلاح نصار، محمود رمضان وإبراهيم فراج.

----------------

(267)
الطعن رقم 25 لسنة 46 ق "أحوال شخصية"

(1 - 3) أحوال شخصية "النسب". دعوى. إثبات.
(1) النسب. ثبوته بالفراش الصحيح. المقصود بالفراش الصحيح. الوعد والاستبعاد. لا ينعقد بها زواج.
(2) التناقض في دعوى النسب. مانع من سماع الدعوى ومن صحتها إلا إذا أمكن التوفيق بين الكلامين.
(3) الزواج الذي لا يحضره شهود. زواج فاسد. يثبت به النسب. شرط ذلك. أن يكون الزواج ثابتاً بالفراش أو بالإقرار أو بالبينة الشرعية.

---------------
1 - من الأصول المقررة في فقه الشريعة الإسلامية أن النسب يثبت "بالفراش الصحيح". وهو الزواج الصحيح وملك اليمين وما يلحق به وهو المخالطة بناء على عقد فاسد أو شبهة وأن الوعد والاستيعاد لا ينعقد بهما زواج باعتبار أن الزواج لا يصح تعليقه بالشرط ولا إضافته بالمستقبل.
2 - التناقض يمنع من سماع الدعوى ومن صحتها فيما لا يخفي سببه ما دام باقياً لم يرتفع، فإذا ارتفع بإمكان التوفيق بين الكلامين لم يمنع من سماع الدعوى وهو يتحقق متى كان الكلامان قد صدرا من شخص واحد في مجلس القاضي يستوي في ذلك أن يكون التناقض من المدعي أو منه ومن شهوده أو من المدعى عليه.
3 - المقرر في الفقه الحنفي أن الزواج الذي لا يحضره شهود هو زواج فاسد يترتب عليه آثار الزواج الصحيح ومنها النسب بالدخول الحقيقي، والقاعدة في إثبات النسب أنه إذا استند إلى زواج صحيح أو فاسد فيجب لثبوته أن يكون الزواج ثابتاً لا نزاع فيه سواء كان الإثبات بالفراش أو بالإقرار أو بالبينة الشرعية وهي على من ادعى.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليها أقامت الدعوى رقم 626 سنة 1973 "أحوال شخصية" أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية ضد الطاعن طالبة الحكم بإثبات نسب ابنتها..... إليه، وقالت بياناً لدعواها إنها كانت زوجة بصحيح العقد الشرعي ورزقت منه على فراش الزوجية بصغيرتها المذكورة في 21/ 9/ 1966 وإذ طلقها في 5/ 9/ 1966 وأنكر نسبة الصغيرة إليه فقد أقامت الدعوى. وبعد أن ناقشت المحكمة الطرفين حكمت بتاريخ 17/ 11/ 1974 برفض الدعوى. استأنفت المطعون عليها هذا الحكم بالاستئناف رقم 125 سنة 91 ق "أحوال شخصية" القاهرة طالبة إلغاءه والحكم بطلباتها. وبتاريخ 16/ 11/ 1975 حكمت محكمة الاستئناف بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المطعون عليها أن الصغيرة...... ابنتها من الطاعن، وأنها أتت بها على فراش زوجية صحيحة أثر زواج تم بينهما قبل عقد الزواج الرسمي الحاصل في 7/ 6/ 1966، وبعد أن استمعت لشهود الطرفين عادت وحكمت بتاريخ 2/ 5/ 1966 بإلغاء الحكم المستأنف وإثبات نسب الصغيرة..... لوالدها الطاعن. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأته جديراً بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين، ينعى الطاعن بالسبب الأول منهما على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، وفي بيان ذلك يقول أن المطعون عليها قررت أمام محكمة أول درجة أن الطاعن كان يتصل بها جنسياً على وعد منه بأنه سيتزوجها، وأن العلاقة بينهما استمرت إلى أن عقد عليها بتاريخ 7/ 6/ 1966 بعد ستة أشهر من حملها، بما يفيد أنه لم ينعقد بينهما زواج صحيح ولا فاسد قبل الزواج الموثق، وكانت العلاقة بينهما - بفرض وجودها - علاقة غير شرعية على وعد منه بزواجها، وهو ما لا ينعقد طبقاً للراجح في المذهب الحنفي الواجب التطبيق. هذا إلى أن ما قررته المطعون عليها يتناقض مع دعواها وما ذهب إليه شهودها من أنه كان هناك زواج بينهما وبين الطاعن قبل العقد الموثق، الأمر الذي يشكل تناقضاً في دعوى الزوجية لا يغتفر؛ وإذ أقام الحكم المطعون فيه قضاءه تأسيساً على أن ثمة زواج تم بينهما خفية واتخذ منها فراشاً يثبت به النسب فإنه يكون قد خالف القانون.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أنه وإذ كان من الأصول المقررة في فقه الشريعة الإسلامية أن النسب يثبت "بالفراش الصحيح" وهو الزواج الصحيح وملك اليمين - وما يلحق به وهو المخالطة بناء على عقد فاسد أو شبهة، ولئن كان الوعد والاستيعاد لا ينعقد به زواج باعتبار أن الزواج لا يصح تعليقه بالشرط ولا إضافته إلى المستقبل، ولئن كان التناقض يمنع من سماع الدعوى ومن صحتها فيما لا يخفي سببه ما دام باقياً لم يرتفع، فإذا ارتفع بإمكان التوفيق بن الكلامين لم يمنع من سماع الدعوى، وهو يتحقق متى كان الكلامان قد صدرا من شخص واحد في مجلس القاضي يستوي في ذلك أن يكون التناقض من المدعي أو منه ومن شهوده أو من المدعى عليه - لئن كان ذلك كله، إلا أنه لما كان يبين من الأوراق أن دعوى المطعون عليها بأنها زوجة للطاعن بالعقد الصحيح الشرعي وأنه دخل بها وعاشرها معاشرة الأزواج ثم عقد عليها رسمياً في 7/ 6/ 1966 وطلقها في 5/ 9/ 1966 ورزقت منه في 21/ 9/ 1966 بابنتها......، لا تتناقض مع ما قررته أمام محكمة أول درجة من أنه لما اتصل بها جنسياً كان متفقاً معها على الزواج وكان يقول لها "أن راح أكتب عليك عند المأذون"، لأن مقتضى حمل أحد الكلاميين على الآخر أن المطعون عليها تقول أن علاقتها بالطاعن هي علاقة زوجية، وأنه اتخذ منها فراشاً على أساس أنها زوجة له بوعد منه بتوثيق العقد بالطريق الرسمي مستقبلاً، بما يفيد أن زواجهما كان قائما وقت المعاشرة على وعد بتوثيقه صيانة للحقوق واحتراماً للروابط الأسرية، دون تعليقه على شرط ولا إضافة إلى المستقبل. ولا يتناقض ذلك أيضاً مع ما قرره شهود المطعون عليها من أن الطاعن عقد معها زواجاً تم بينهما خفية واتخذ منها فراشاً على أساس أنها زوجة له قبل عقد زواجها الرسمي. لما كان ما تقدم، وقد أمكن التوفيق بين أقوال المطعون عليها، وبينها وبين أقوال شهودها وحمل أحدهما على الآخر، فيتعين المصير إليه، ولا يكون ثمة تناقض يمنع من سماع الدعوى أو من صحتها، ويكون النعي على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون لإقامة قضائه على سند من أقوال المطعون عليها وشهودها رغم تناقضها غير سديد.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالسبب الثاني الفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقول أن الحكم استخلص إقرار الطاعن بأن الصغيرة ابنته من قيدها منسوبة إليه من وقت ميلادها في عام 1966، وبقائه في مسكنه المجاور لمسكن المطعون عليها بعد طلاقها ما يزيد على سبع سنوات، وعلمه يقيناً بنسب الصغيرة إليه وعدم اعتراضه على ذلك، في حين أن سكوته - على فرض علمه بولادة الصغيرة - لا يعتبر إقراراً بنسبها إليه خاصة أنه لم يكن في حاجة إلى نفي النسب بإجراء من جانبه بعد أن طلق المطعون عليها بائناً وانقطعت الزوجية بينهما، وهو ما يعيب الحكم بالفساد في الاستدلال.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أنه لما كان المقرر في الفقه الحنفي أن الزواج الذي لا يحضره شهود هو زواج فاسد يترتب عليه آثار الزواج الصحيح ومنها النسب بالدخول الحقيقي، وكانت القاعدة في إثبات النسب أنه إذا استند إلى زواج صحيح أو فاسد فيجب لثبوته أن يكون الزواج ثابتاً لا نزاع فيه سواء كان الإثبات بالفراش أو الإقرار أو بالبينة الشرعية وهي على من ادعى، لما كان ذلك، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه استند في قضائه بثبوت نسب الصغيرة للطاعن إلى ما استخلصه - بما لمحكمة الموضوع من سلطة في فهم الواقع في الدعوى والترجيح بين البيانات من - أقوال شهود المطعون عليها بقيام فراش صحيح بينها وبين الطاعن، وهي دعامة كافية لحمل قضائه، فإن النعي على ما استطرد إليه الحكم من قرائن على ثبوت النسب مستمدة من قيد الصغيرة في شهادة الميلاد باسم الطاعن بعد مولدها وسكوته عدة سنوات، واعتبار ذلك إقراراً منه ببنوتها، يكون - أياً كان وجه الرأي فيه - غير منتج.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.

الجمعة، 5 مايو 2023

الطعن رقم 11 لسنة 43 ق دستورية عليا " تنازع " جلسة 8 / 4 / 2023

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثامن من أبريل سنة 2023م، الموافق السابع عشر من رمضان سنة 1444 هـ.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ محمـد ناجي عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 11 لسنة 43 قضائية "تنازع"

المقامة من
الشركة المصرية الأمريكية للمقاولات
ضد
1- محافـظ البحــر الأحمــر
2- رئيس مجلس مدينة الغردقة

--------------

" الإجراءات "

بتاريخ الحادي عشر من أبريل سنة 2021، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم، بصفة مستعجلة: بوقف تنفيذ حكم محكمة القضـــاء الإداري بالبحـــر الأحمـــر الصـــادر بجلسة 5/ 1/ 2021، في الدعوى رقم 356 لسنة 1 قضائية البحر الأحمر، وفى الموضوع: بعدم الاعتداد بذلك الحكم، والاعتداد بحكم محكمة البحر الأحمر الابتدائية الصادر بجلسة 28/ 3/ 2017، في الدعوى رقم 105 لسنة 2016 مدني كلي حكومة، المؤيد بحكم محكمة استئناف قنا مأمورية البحر الأحمر الصادر بجلسة 19/ 12/ 2017، في الاستئناف رقم 327 لسنة 36 قضائية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الاعتداد بحكم محكمة القضاء الإداري بالبحر الأحمر الصادر في الدعوى رقم 356 لسنة 1 قضائية، دون حكم محكمة البحر الأحمر الابتدائية الصادر في الدعوى رقم 105 لسنة 2016 مدني كلي، المؤيد بحكم محكمة استئناف قنا مأمورية البحر الأحمر في الاستئناف رقم 327 لسنة 36 قضائية.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قدمت الشركة المدعية حافظة مستندات، وثلاث مذكرات صممت فيها على طلباتها، وقررت المحكمة إصدار الحكم في الدعوى بجلسة اليوم.
--------------

" المحكمة "

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل -على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- في أن الشركة المدعية أقامت أمام محكمة القضاء الإداري بقنا، الدعوى رقم 1870 لسنة 20 قضائية، التي صار قيدها أمام محكمة القضاء الإداري بالبحر الأحمر برقم 356 لسنة 1 قضائية، بطلب الحكم بوقف تنفيذ، ثم إلغاء، قرار محافظ البحر الأحمر رقم 362 لسنة 2012، بفسخ عقد البيع الابتدائي المحرر بتاريخ 24/ 12/ 1992، المتضمن بيع المدعى عليه الثاني للشركة المدعية قطعة الأرض الكائنة بمدينة الغردقة بتقسيم شمال الأحياء السياحي، البالغ مساحتها ثلاثة آلاف متر مربع، المبينة بالعقد. وبجلسة 15/ 1/ 2021، حكمت المحكمة برفض الدعوى، على سند من مخالفة الشركة المدعية لشروط العقد المار ذكره، بعدم تنفيذ التزامها بإنشاء المركز السياحي، وقعودها عن ذلك لمدة عشرين سنة سابقة على تاريخ صدور قرار الجهة الإدارية بفسخ ذلك العقد.
ومن جهة أخرى، أقام المدعى عليهما أمام محكمة البحر الأحمر الابتدائية، الدعوى رقم 105 لسنة 2016 مدني كلي حكومة، بطلب محو وشطب العقد المسجل رقم 346 لسنة 1993، شهر عقاري الأقصر، المؤرخ 6/ 9/ 1993، بمساحة خمسة عشر ألف متر مربع، المبينة بالأوراق، والتي تتضمن مساحة ثلاثة آلاف متر مربع، محل عقد البيع الابتدائي المحرر بتاريخ 24/ 12/ 1992، وتسليم الأرض محل النزاع بما عليها من منشآت. وذلك على سند من أن الشركة المدعية خالفت شروط التعاقد بعدم تنفيذ التزامها بإنشاء المركز السياحي، باعتبار أن ذلك هو الغرض من البيع، وقد نص في العقد المسجل على اعتبار عقد البيع الابتدائي المبرم بين المدعى عليه الثاني والشركة المدعية، بكل شروطه، جزءًا لا يتجزأ منه. وبجلسة 28/ 3/ 2017، حكمت تلك المحكمة برفض الدعوى، وأقامت حكمها على سند من أن تحرير العقد المسجل دون النص صراحة في صلبه على الشروط الاستثنائية الواردة في العقد الابتدائي دليل على تقايل طرفي التعاقد من الشروط المنصوص عليها في ذلك العقد. لم يرتض المدعى عليهما هذا القضاء، وطعنا عليه أمام محكمة استئناف قنا - مأمورية البحر الأحمر - بالاستئناف رقم 327 لسنة 36 قضائية، وبجلسة 19/ 12/ 2017، قضت المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف.
وإذ تراءى للشركة المدعية أن الحكمين السالفي البيان قد تعامدا على محل واحد، وتناقضا، ويتعذر تنفيذهما معًا، فأقامت دعواها المعروضة، على سند من أن العقد المسجل المحرر بتاريخ 6/ 9/ 1993، لم يتضمن أية شروط أو التزامات تتحملها الشركة سوى أداء الثمن، وإذ كان الثابت أنها أدته بالفعل، وكان هذا العقد قد خلا من أية شروط استثنائية، بما مفاده نسخ الشروط الاستثنائية الواردة بالعقد الابتدائي، ومنها إقامة مشروع سياحي في أجل محدد، الأمر الذي يكون معه العقد المسجل ذا طبيعة مدنية خالصة، يتجرد بها قرار محافظ البحر الأحمر بفسخ هذا العقد من طبيعة القرارات الإدارية ، وينعقد الاختصاص الولائي بالفصل في المنازعات الناشئة عنه إلى جهة القضاء العادي.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مناط قبول طلب الفصل في التناقض بين حكمين نهائيين، طبقًا للبند ثالثًا من المادة (25) من قانون المحكمة الدستورية العليا، الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن يكون النزاع بشأن حكمين نهائيين، صادرين من جهتين قضائيتين مختلفتين، تعامدا على محل واحد، وكانا حاسمين لموضوع الخصومة، ومتناقضين بحيث يتعذر تنفيذهما معًا، بما مفاده أن إعمال هذه المحكمة لولايتها في مجال التناقض المدعى به بين حكمين نهائيين يتعــذر تنفيذهمـا معًا، يقتضيهـا أن تتحقق أولاً مـن وحـدة موضوعهمـا، ثم تناقض قضائيهما بتهادمهما معًــا فيما فصلا فيه من جوانب الموضوع، فإذا قام الدليل لديها على وقوع هذا التناقض، كان عليها عندئذ أن تفصــل فيما إذا كان تنفيذهمــا معًا متعــذرًا، وهــو ما يعنــي أن بحثهــا في تعــذر تنفيــذ هذيــن الحكمين، يفترض تناقضهمــا، ولا يقوم هذا التناقض - بداهة - إن كان موضوعهما مختلفًا.
متى كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أن كلا الحكمين المدعى تناقضهما قد صدرا من جهتي قضاء مختلفتين؛ إذ صدر الحكم الأول من جهة القضاء الإداري - محكمة القضاء الإداري بالبحر الأحمر- في الدعوى رقم 356 لسنة 1 قضائية البحر الأحمر، على حين صدر الحكم الثاني من جهة القضاء العادي - محكمة البحر الأحمر الابتدائية - في الدعوى رقم 105 لسنة 2016، مدني كلي حكومة، المؤيد بحكم محكمة استئناف قنا مأمورية البحر الأحمر في الاستئناف رقم 327 لسنة 36 قضائية، وكان الحكم الأول قد قضى برفض دعوى إلغاء قرار جهة الإدارة بفسخ عقد البيع الابتدائي المحرر بين الشركة المدعية والمدعى عليه الثاني بتاريخ 24/ 12/ 1992، المتضمن بيع قطعة أرض مساحتها ثلاثة آلاف متر مربع، المبينة الحدود والمعالم ضمن مساحة خمسة عشر ألف متر مربع المبيعة بالعقد المسجل بتاريخ 6/ 9/ 1993، منتهيًا إلى صحة قرار الإدارة بفسخ العقد الأول. على حين قضى الحكم الآخر الصادر من جهة القضاء العادي برفض الدعوى المقامة من جهة الإدارة بطلب محو وشطب العقد المشهر برقم 346 لسنة 1993، شهر عقاري الأقصر، المؤرخ 6/ 9/ 1993، بما مؤداه بقاء عقد البيع المسجل صحيحًا، ولما كان كلا الحكمين قد أقاما قضائيهما على اعتبار أن مساحة الثلاثة آلاف متر مربع موضوع العقد الابتدائي داخلة في مساحة الخمسة عشر ألف متر مربع موضوع العقد المسجل، ومن ثم فإن كلا الحكمين يكونان قد تناقضا بشأن مساحة الثلاثة آلاف متر مربع موضوع الحكم الصادر من جهة القضاء الإداري، على نحو يتعذر معه تنفيذهما معًا، دون بقية المساحة المبيعة المبينة بالحكم الصادر من جهة القضاء العادي، وبذلك يتحدد نطاق دعوى التنازع المعروضة.
وحيث إن المسألة الأولية التي يطرحها الفصل في هذا التناقض هي تحديد الطبيعة القانونية للعقد محل الدعويين الصادر فيهما الحكمان موضوع التناقض المعروض. إذ كان ذلك، وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن العقود التي تكون الإدارة طرفًا فيها لا تعتبر جميعها من العقود الإدارية، ولا هي من العقود المدنية بالضرورة، وإنما مرد الأمر في تكييفهـا إلى مقوماتها، وبوجه خاص إلى ما إذا كانت شروطها تدل على انتهاجها وسائل القانون الخاص أو أسلوب القانون العام، ويتعين لاعتبار العقد من العقود الإدارية - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون أحد أطرافه شخصًا اعتباريًّا عامًّا، وأن يتعاقد بوصفه سلطة عامة، وأن يتصل العقد بنشاط مرفق عام بقصد تسييره أو تنظيمه، وأن يتسم بالطابع المميز للعقود الإدارية، وهو انتهاج أسلوب القانون العام فيما تتضمنه من شروط استثنائية غير مألوفة في روابط القانون الخاص.
متى كان ذلك، وكان العقد المسجل المشار إليه، قد نص على اعتبار عقد البيع الابتدائي المبرم بين الوحدة المحلية والشركة المدعية، بكل شروطه، جزءًا لا يتجزأ من هذا العقد. وكان العقد الابتدائي المحال إليه قد نص في تمهيده على أنه أبرم استنادًا إلى قرار محافظ البحر الأحمر رقم 33 الصادر في 17/ 5/ 1982، بين الشركة المدعية، والمدعى عليه الثاني، وهو أحد أشخاص القانون العام، بهدف إنشاء مرفق عام، هو مركز سياحي متكامل يمول ذاتيًّا، يخصص لأنشطة السباحة والغطس والصيد بقصد تشجيع السياحة الداخلية والخارجية، وأن ذاك البيع قد وقع بقصد تأسيس وإدارة هذا المرفق، تنفيذًا لهذا الغرض، ولم يُجِز هذا العقد للشركة المدعية استخدام الأرض الَمِبيعة في غير هذا الغرض. كما نص في البند ( تاسعًا) منه، على التزام الشركة المدعية بتنفيذ المشروع خلال الأجل المتفق عليه ( سنتان)، ونص البند العاشر على سلطة الجهة الإدارية المتعاقدة في مراقبة تنفيذ العقد وتوجيه الأعمال الخاصة بتنفيذه، وتعديل الشروط المتعلقة بسير العمل فيه، ونص البند الثالث عشر على حق المدعى عليهما في فسخ العقد بموجب إجراء إداري، لا محـل فيه لرضا الطـرف الثانـي، دون إنـذار أو إعذار. وحيث إن مؤدى ذلك جميعه، أن عقد البيع الابتدائي المؤرخ 24/ 12/ 1992، قد تضمن شروطًا استثنائية غير مألوفة، يخرج بها عن طبيعة العقود التي تبرم في دائرة القانون الخاص، مما مؤداه اندراج عقد البيع المار ذكره ضمن العقود الإدارية، ومن ثم تختص جهة القضاء الإداري ولائيًّا بالفصل في كافة المنازعات الناشئة عن تنفيذه، ولزامه الاعتداد بحكم محكمة القضاء الإداري بالبحر الأحمر الصادر بجلسة 5 / 1/ 2021، في الدعوى رقم 356 لسنة 1 قضائية، دون الحكم الصادر من محكمة البحر الأحمر الابتدائية بجلسة 28/ 3/ 2017، في الدعوى رقم 105 لسنة 2016 مدني كلي حكومة، المؤيد بحكم محكمة استئناف قنا مأمورية البحر الأحمر، الصادر بجلسة 19/ 12/ 2017، في الاستئناف رقم 327 لسنة 36 قضائية.
ولا ينال من ذلك، ما تمسكت به الشركة المدعية من أن الإحالة إلى شروط العقد الابتدائي في عجز العقد المسجل، قد أضيفت بعد تحرير العقد الأخير، إذ إن إثارة هذا الدفاع، إنما ينحل إلى طعن في صحة ذلك الشرط، مما يدخل تحقيقه والفصل فيه، في ولاية قضاء الموضوع، ولا يستنهض، بهذه المثابة، ولاية المحكمة الدستورية العليا، ولزامه الالتفات عن الدفاع المشار إليه.
وحيث إنه عن طلب وقف تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري السالف بيانه، فإنه يُعد فرعًا من أصل النزاع ، وإذ تهيأ النزاع المعروض للفصل في موضوعه، على نحو ما تقدم بيانه، فإن مباشرة رئيس المحكمة الدستورية العليا اختصاص البت في هذا الطلب طبقًا لنص الفقرة الثانية من المادة (32) من قانون هذه المحكمة، يكون قد صار غير ذي موضوع.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بالاعتداد بحكم محكمة القضاء الإداري بالبحر الأحمر الصادر بجلسة 5/ 1/ 2021، في الدعوى رقم 356 لسنة 1 قضائية، دون حكم محكمة البحر الأحمر الابتدائية الصادر بجلسة 28/ 3/ 2017، في الدعوى رقم 105 لسنة 2016، مدني كلي حكومة، المؤيد بحكم محكمة استئناف قنا مأمورية البحر الأحمر الصادر بجلسة 19/ 12/ 2017، في الاستئناف رقم 327 لسنة 36 قضائية

الطعن رقم 52 لسنة 24 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 8 / 4 / 2023

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثامن من أبريل سنة 2023م، الموافق السابع عشر من رمضان سنة 1444 هـ.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ محمـد ناجي عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 52 لسنة 24 قضائية دستورية

المقامة من
مؤسسة مصر للطيران (الشركة القابضة لمصر للطيران - حاليًّا)
ضد
1- رئيس مجلـــس الـوزراء
2- وزير المالية، بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الجمارك
3- رئيس مصلحة الجمـــارك

-----------------

" الإجراءات "
بتاريخ الحادي عشــر من فبرايــر سنة 2002، أودعــت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستورية المادتين (79 و118/ 4) من قانون الجمارك الصـادر بقـرار رئيس الجمهورية بالقانـون رقـــم 66 لسنة 1963.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعـوى على النحـو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها. وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
---------------

" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- في أن الشركة المدعية أقامت أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية الدعوى رقم 12269 لسنة 1998 مدني كلي، مخاصمة المدعى عليهما الثاني والثالث، طالبة الحكم ببراءة ذمتها من مبلغ 30520,99 جنيهًا، وكف مطالبتها بأية مبالغ مستقبلاً، تأسيسًا على أن مصلحة الجمارك طالبتها بالمبلغ المذكور، قيمة الضرائب الجمركية والغرامات المستحقة عن العجز في البضائع المودعة بالمستودع العام الذي تستغله خلال السنوات 1992، 1994، 1996، 1997، على سند من نص المادتين ( 79 و118/ 4) من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963. وبجلسة 8/ 12/ 2001، دفعت الشركة المدعية بعدم دستورية المادتين (79 و118) من قانون الجمارك السالف الذكر. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وصرحت بإقامة الدعوى الدستورية، فأقامت الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة (79) من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963 تنص على أنه تقدر الضرائب الجمركية على البضائع التي سبق تخزينها في المستودع العام على أساس وزنها وعددها عند التخزين وتكون الهيئة المستغلة للمستودع مسئولة عن الضرائب الجمركية وغيرها من الضرائب والرسوم المستحقة عن كل نقص أو ضياع أو تغيير في هذه البضائع فضلاً عن الغرامات التي تفرضها الجمارك ولا تستحق هـذه الضرائب والرسـوم إذا كان النقص أو الضياع أو التغيير نتيجة لأسباب طبيعية أو كان ناتجًا عن قوة قاهرة أو حادث جبري.
وينص البند رقم (4) من المادة (118) من القانون ذاته، قبل تعديلها بالقانون رقم 160 لسنة 2000، على أنه تفرض غرامة لا تقل عن عشر الضرائب الجمركية المعرضة للضياع ولا تزيد على مثلها في الأحوال الآتية:
(1) ...... . (2) ...... . (3) ...... .
(4) مخالفة نظم العبور والمستودعات والمناطق الحرة والسماح المؤقت والإفراج المؤقت والإعفاءات إذا كانت الضرائب الجمركية المعرضة للضياع تزيد على عشرة جنيهات.
وحيث إن الشركة المدعية تنعى على النصين المطعون فيهما مخالفتهما لنصوص المواد (65 و66 و67 و68) من الدستور الصادر عام 1971، والتي تقابل المواد (94 و95 و96 و97) من الدستور الصادر عام 2014، قولاً منها إن هذين النصين افترضا مسئولية الهيئة المستغلة للمستودع العام عن كل نقص في مقدار البضائع التي سبق تخزينها، أو عددها، ورصدا مقابل هذه المسئولية المفترضة غرامة مما يدخل في عداد العقوبات الجنائية، بالمخالفة لمبدأ شخصية العقوبة ويناقض أصل البراءة.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لسبق حسم المسألة الدستورية المثارة في الدعوى المعروضة، وذلك بموجب حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 2/ 8/ 1997، في الدعوى رقم 72 لسنة 18 قضائية دستورية، فمردود بأن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التي كانت مثارًا للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسمًا بقضائها، أما النصوص التي لم تكن مطروحة على المحكمة، ولم تفصل فيها فلا تمتد إليها تلك الحجية. متي كان ذلك، وكان الحكم السالف الذكر قد انصب على نصوص المواد (37 و38 و117 و119) من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963، وقُضي فيها بعدم دستورية تلك النصوص، وهو ما يفارق نص المادتين (79 و118) من القانون ذاته - موضوع الدعوى المعروضة - ومن ثم فإن حجية ذلك الحكم تظل مقصورة على نطاقه، دون أن تجاوزه إلى نصوص أخرى، ليبقى النصان المطعون فيهما خارجين عن نطاق حجية الحكم الصادر في الدعوى رقم 72 لسنة 18 قضائية دستورية، وقابلين للطرح على هذه المحكمة لتقول كلمتها في شأن دستوريتهما.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات المطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ما تقدم، وكانت طلبات الشركة المدعية أمام محكمة الموضوع - المختصة نوعيًّا بالدعاوى المدنية - تدور رحاها حول نفي مسئوليتها المدنية القائمة والمستقبلية عن النقص أو الضياع أو التغيير في البضائع التي سبق تخزينها في المستودع الذي تتولى استغلاله، وكانت المادة (118) من قانون الجمارك، قد وردت في باب المخالفات الجمركية، وحددت في بندها رقم (4) الأفعال المكونة للمسئولية الجنائية الناشئة عن مخالفة نظم المستودعات التي من شأنها تعريض الضرائب الجمركية للضياع، ومن ثم فإن الفصل في دستورية النص العقابي المشار إليه، لا يكون له انعكاس على الطلبات في الدعوى الموضوعية، مما مؤداه انتفاء مصلحة الشركة في الطعن على ذلك النص، وتغدو الدعوى في هذا الشق منها قمينة بعدم القبول، في حين أن الفصل في دستورية نص المادة (79) من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963، تتحقق به مصلحة شخصية مباشرة للشركة المدعية، ويكون له انعكاس أكيد على الطلبات في الدعوى الموضوعية، ويتحدد نطاق الدعوى المعروضة فيما نص عليه من عبارة وتكون الهيئة المستغلة للمستودع مسئولة عن الضرائب الجمركية وغيرها من الضرائب والرسوم المستحقة عن كل نقص أو ضياع أو تغيير في هذه البضائع دون غيرها من باقي أحكام هذا النص.
ولا ينال مما تقدم، أن القانون رقم 207 لسنة 2020 بإصدار قانون الجمارك، نص في المادة الخامسة منه على إلغاء قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963، وإلغاء كل نص يُخالف أو يتعارض مع أحكامه وأحكام القانون المرافق له، ذلك أن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن إلغاء النص التشريعي المطعون فيه، لا يحول دون النظر والفصل في الطعن بعدم دستوريته من قِبل من طبق عليهم ذلك النص خلال فترة نفاذه، وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة لهم. ذلك أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية، أنها تسري على الوقائع التي تتم في ظلها، أي خلال الفترة من تاريخ العمل بها حتى إلغائها، فإذا أُلغيت هذه القاعدة وحلت محلها قاعدة قانونية أخرى، فإن القاعدة الجديدة، تسري من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من القاعدتين القانونيتين، ومن ثم فإن المراكز القانونية التي نشأت وترتبت آثارها في ظل أي من القانونين - القديم أو الجديد - تخضع لحكمه. ولما كانت المبالغ المالية محل الدعـــوى الموضوعية، قد فُرضت عن وقائع حدثت في ظل العمل بقانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963، وقبل العمل بأحكام القانون رقم 207 لسنة 2020، ومن ثم يكون القانون الأول هو الواجب التطبيق على النزاع الموضوعي.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الرقابة التي تباشرها على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، ذلك أن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون هذا الدستور وحمايته من الخروج على أحكامه؛ لكون نصوصه تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهتها الشركة المدعية للنص التشريعي المطعون فيه - نص المادة (79) من قانون الجمارك المار ذكره، وفق النطاق المحدد سلفًا - تندرج تحت المناعي الموضوعية، التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي. وكان النص المطعون فيه قد ظل ساريًا ومعمولاً بأحكامه حتى تم إلغاؤه في عام 2020، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على دستورية ذلك النص، من خلال أحكام الدستور الصادر عام 2014، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
وحيث إن مـــن المقرر فــي قضـــاء المحكمـة الدستوريـة العليا أن الـملتزم بالضريبة هو الشخص الذي تتوافر فيه الواقعة التي أنشأتها، والتي يتمثل عنصراها في المال المحمل بعبئها، والمتخذ وعاء لها، ثم وجود علاقة بين هذا المال وشخص معين، ليكون اجتماعهما معًا مظهرًا للالتزام بالضريبة من خلال تحديد المشرع لعناصرها ومقوماتها وأوضاعها ولشروط استحقاقها.
وحيث إن المقرر قانونًا أن المسئولية المدنية لا يقوم الخطأ فيها على إرادة إتيان الفعل، والبصر بنتيجته أو توقعها، بل مناطها كل عمل غير مشروع يُلحق بالدولة، أو بأحد من الأغيار ضررًا، سواء ارتُكب هذا العمل عمدًا أم إهمالاً، ومن ثم كان التعويض الكامل جـزاءهـا. وكان مـن المقـرر أيضًا أن تقرير المسئولية المدنية للأشخاص الاعتبارية عما ينسب إليها من أعمال غير مشروعة يعتبر من الأصول العامة التي يقوم عليها النظام الاجتماعي والاقتصادي في مصر، وتعتبر بالتالي من المسائل المتعلقة بالنظام العام في معنى المادة (28) من القانون المدني.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان النص المطعون فيه - محددًا نطاقًا على ما سلف - قد فرض الضرائب الجمركية المستحقة على البضائع التي سبق تخزينها في المستودع العام على أساس وزنها وعددها عند التخزين، وحدد التعويض المقرر عن كل نقص أو ضياع أو تغيير في هذه البضائع، باستحقاق مقابل الضرائب الجمركية، وغيرها من الضرائب والرسوم المستحقة، فإن النص المار ذكره، يكون قد استوى على الضوابط الدستورية للمسئولية المدنية، إذ أوجب وقوع خطأ من العاملين التابعين للهيئة المستغلة للمستودع العـام، وأقـام قرينة قانونية بسيطة على تحققـه، صورتهـا كل نقص أو ضياع أو تغيير في البضائع التي سبق تخزينها فيه، وما يتآدى إليه ذلك من ضرر بالخزانة العامة، يمثل الفارق بين ما كان يتعين أداؤه من ضرائب جمركية عند تخزين البضائع، ومقـدار الضرائب الجمركيـة المقـررة على البضائع ذاتهـا المخزنـة عند نقصهـا، أو ضياعها، أو تغييرها، كما استلزم النص ذاته، وجود رابطة سببية مباشرة بين الخطأ والضرر المبينين سلفًا، فأجاز للمسئول عن المستودع العام نفي هذه الرابطة، إذا كان النقص أو الضياع أو التغيير في البضائع المودعة نتيجة لأسباب طبيعية أو كان ناتجًا عن قوة قاهرة أو حادث جبري، كما حدد النص المطعون فيه - إذا ما توافرت عناصر المسئولية المدنية - أسس التعويض الجابر لها، بمقـدار مـا نقص مـن الضرائب الجمركية وغيرهـا مـن الضرائب والرســـوم المستحقة، ومن ثم لا يكون النص المطعون فيه قد أقام مسئولية مدنية مفترضة، قبـل القائـم على استغلال المستودع العـام، عن نقص أو ضياع أو تغيير البضائع التي سبق إيداعها فيه، وإنما أقر هذه المسئولية تساندًا إلى الأصول الكلية في المسئولية المدنية، مرتكنًا إلى مصلحة مشروعة في الوفاء للخزانة العامة بما يجب أداؤه لها من ضرائب جمركية مستحقة على البضائع التي سبق تخزينها بالمستودع العام، قبل نقصها أو ضياعها أو تغييرها، وذلك في حدود السلطة التقديرية للمشرع في تنظيم الحق في استيداء الضرائب الجمركية، وبما لا مخالفة فيه لنصي المادتين (94 و97) من الدستور.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يتعارض مع الدستور من أوجه أخرى، فإن القضاء برفض الدعوى يغدو متعينًا.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت الشركة المدعية المصروفات

فتوى 850 في 21/ 11/ 1995 جلسة 1/ 11/ 1995 ملف رقم 86/ 4/ 1297 مكتب فني 50 ق 36 ص 100

(فتوى رقم 850 بتاريخ 21/ 11/ 1995 جلسة في 1/ 11/ 1995 ملف رقم 86/ 4/ 1297)
(36)
جلسة الأول من نوفمبر سنة 1995

ضابط الشرطة وأفرادها - عاملون بالبحر الأحمر - المقابل النقدي لاستمارات السفر المجانية.
المادة الأولى من لائحة بدل السفر ومصاريف الانتقال الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 41 لسنة 1958 - المادتان 26، 77 من قانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971. المادة 78 من ذات اللائحة السابقة معدلة بقرار رئيس الوزراء رقم 633 لسنة 1975 - المادة 78 مكرراً من ذات اللائحة المضافة بقرار رئيس الوزراء رقم 661 لسنة 1976 معدلة بقراريه رقمي 493 لسنة 1977 و877 لسنة 1979.
المشرع رخص للعاملين ومن بينهم أفراد هيئة الشرطة بمناطق معينة بقصد تشجيعهم على العمل فيها بالسفر هم وعائلاتهم ذهاباً وإياباً إلى الجهة التي يختارونها عدداً محدداً من المرات سنوياً بالمجان أو بربع أجرة - لهؤلاء العاملين حق الخيار بين الحصول على استمارات السفر المجانية أو صرف مقابل نقدي عن عدد مرات السفر - شرط ذلك: أن يكون هذا المقابل معادلاً لتكاليف سفر العامل وأسرته - أفراد هيئة الشرطة يتمتعون بميزة السفر المجانية أو نصف المجانية - نتيجة ذلك: يتعين مراعاة ذلك عند تحديد قيمة المقابل النقدي لاستمارات السفر المجانية - تطبيق.

-------------
استبان للجمعية العمومية للفتوى والتشريع أن المادة (1) من لائحة بدل السفر ومصاريف الانتقال الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 41 لسنة 1958 والتي تسري على ضباط وأفرد هيئة الشرطة عملاً بالمادتين 26 و77 من قانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971 تنص على أن "بدل السفر هو الراتب الذي يمنح للموظف مقابل النفقات الضرورية التي يتحملها بسبب تغيبه عن الجهة التي يوجد بها مقر عمله الرسمي في الأحوال الآتية: .... ويقصد بكلمة الموظف الواردة في هذه اللائحة (الموظف الدائم أو المؤقت أو الضابط المستخدم الخارج عن الهيئة أو العامل باليومية ومن في حكمهم كالصول والكونستابل وضباط الصف والعسكر ...) وتنص المادة 78 من هذه اللائحة المعدلة بقرار رئيس الوزراء رقم 633 لسنة 1975 على أنه "يرخص للعاملين بمحافظة مطروح والوادي الجديد والبحر الأحمر ومنطقة سيناء عدا البلاد الواقعة على الضفة الشرقية لقناة السويس وكذلك العاملون بوادي النطرون والواحات البحرية بالسفر هم وعائلاتهم - دون الخدم - ذهاباً وإياباً إلى الجهة التي يختارونها أربع مرات سنوياً بالمجان. ويرخص للموظفين بمحافظة قنا وأسوان بالسفر هم وعائلاتهم دون الخدم ثلاث مرات في كل سنة ميلادية اثنين بالمجان والثالثة بربع أجرة ..." في حين تنص المادة 78 مكرراً من ذات اللائحة والمضافة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 661 لسنة 1976 معدلة بقراريه رقمي 493 لسنة 1977 و877 لسنة 1979 على أن "يصرف للعامل الذي يرخص له بالسفر طبقاً لحكم المادة السابقة مقابل نقدي أو استمارات سفر مجانية وفقاً للقواعد والشروط الآتية: أولاً: إذا اختار العامل المقابل بدلاً من الترخيص له بالسفر وأسرته بالمجان أو بربع أجرة ... فيحدد المقابل على النحو التالي: (1) أن يكون هذا المقابل معادلاً لتكاليف سفر العامل وأسرته من الجهة التي يعمل بها إلى القاهرة. (2) أن يكون المقابل النقدي عن عدد مرات السفر المقررة وفقاً للأحكام الواردة بلائحة بدل السفر على أساس ثلاثة أفراد للأسرة كحد أقصى بما فيهم العامل. (3) أن يقسم المقابل النقدي السنوي على 12 (اثني عشر شهراً) يؤدى للعامل شهرياً مع المرتب. ثانياً: إذا اختار العامل السفر وفقاً لنظام الاستمارات المجانية أو بربع أجرة فتسري أحكام المادة 78 من هذه اللائحة".
واستعرضت الجمعية العمومية فتواها الصادرة بجلسة 4/ 5/ 1983 وما ارتأته وهي بصدد بيان هذه النصوص من أن المشرع "رخص للعاملين ومن بينهم أفراد هيئة الشرطة بمناطق معينة بقصد تشجيعهم على العمل فيها - بالسفر هم وعائلاتهم ذهاباً وإياباً إلى الجهة التي يختارونها عداداً محدداً من المرات سنوياً بالمجان أو بربع أجرة، وأعطى لهؤلاء العاملين حق الخيارين التصريح لهم باستمارات السفر المجانية أو بربع أجرة أو صرف مقابل نقدي عن عدد مرات السفر المقرر على أن يكون هذا المقابل معادلاً لتكاليف سفر العامل وأسرته من الجهة التي يعمل بها إلى القاهرة، ومن ثم فإن حساب المقابل النقدي المستحق للعامل يتحدد بتكاليف سفر أسرته من الجهة التي يعمل بها إلى القاهرة وفقاً للشروط والأوضاع المقررة في هذا الشأن" وأنزلت الجمعية العمومية هذه الأحكام على أفراد هيئة الشرطة مرتأية أنهم "يتمتعون بمزية السفر بنصف أجرة على خطوط السكك الحديدية ووسائل المواصلات العامة وأنه يتعين أن يراعى ذلك عند حساب المقابل النقدي المشار إليه بحيث يتحدد بنصف أجرة بالنسبة إلى من يتمتع بمزية السفر بنصف الأجرة وكامل الأجرة بالنسبة إلى الباقين من أفراد الأسرة الذين يتمتعون بهذه المزية ما لم يكن هناك إعفاء أكثر سخاء فيؤخذ في الاعتبار عند تقرير هذا المقابل" كما اطلعت الجمعية العمومية على الفتوى الصادرة من إدارة الفتوى لرئاسة الجمهورية والمحافظات رقم 1412 في 4/ 8/ 1990 والتي انتهت فيها إلى أحقية العاملين والأفراد بجهاز الشرطة بالبحر الأحمر في صرف المقابل النقدي كاملاً بحد أقصى ثلاثة أفراد استناداً إلى ما ورد لها من شركة النيل لأتوبيس الوجه القبلي من أنه لا يوجد بها تخفيض للضباط والأفراد العاملين بجهاز الشرطة.
وخلصت الجمعية العمومية مما تقدم جميعه إلى أنه ليس هناك تعارض بين ما انتهى إليه رأي الجمعية العمومية وما خلصت إليه إدارة الفتوى لرئاسة الجمهورية والمحافظات، إذ أن الجمعية العمومية خلصت إلى أن المقابل النقدي "لاستمارات السفر المجانية ...." يقدر بنصف أجرة بالنسبة لأفراد هيئة الشرطة بما يتمتعون به في تنقلاتهم العادية من ميزة السفر بنصف أجرة على خطوط السكك الحديدية ووسائل المواصلات العامة، ما لم يكن هناك إعفاء أكثر سخاء فيؤخذ في الاعتبار فإن إفتاءها ذاك لم يكن خاصاً بالعاملين بالبحر الأحمر، إنما كان يصدر عن فهم عام لدى الجمعية العمومية وهو أن المقابل النقدي يستحق بقدر ما من شأنه أن يتكبده المستفيد به من مصروفات السفر، والأصل أن يستحق المقابل عن كامل الأجرة المفروض أن يؤديها إن سافر على حسابه، فإن كان السفر على الحساب يكبده نصف أجرة فقط طبقاً لنظام يتبع بشأنه، كان المقابل المؤدى له يماثل نصف الأجرة التي كان يؤديها إن سافر على حساب نفسه ومؤدى هذا الفهم أنه إذا كان العاملون بالشرطة بالبحر الأحمر لا يتمتعون أصلاً بمزية السفر بنصف الأجرة في وسيلة المواصلات المعتادة لأمثالهم، إنما يؤدون أجرة كاملة إن سافروا على حساب أنفسهم، فقد وجب أن يقدر مقابل السفر المستحق لهم حسب شروطه اللائحية أي يقدر بكامل الأجرة التي كانوا يؤدونها لو سافروا على حساب أنفسهم، لأنه إذا لم يتحقق الاستثناء وهو التمتع بحق السفر بنص أجرة ارتد الحكم إلى أصله وهو استحقاق ما يقابل كامل الأجرة. وغنى عن البيان أن العبرة في ذلك بوسيلة المواصلات المناسبة إذا لم توجد خطوط للسكك الحديدية، وبشرط ألا توجد وسيلة مواصلات مناسبة أقل تكلفة. وفي هذه الحالة يصرفون ما يكون لهم من فروق جرى خصمها إذا قام موجبها وبمراعاة مدد التقادم المقررة قانوناً.

لذلك

انتهت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع إلى أن المقابل النقدي لاستمارات السفر المجانية التي تستحق لضباط الشرطة وأفرادها العاملين بالبحر الأحمر إنما تقدر بحسب الأجرة المستحقة وبشرط ألا تكون هناك وسيلة أخرى مناسبة أقل تكلفة.

الطعن 595 لسنة 44 ق جلسة 31 / 5 / 1978 مكتب فني 29 ج 2 ق 266 ص 1373

جلسة 31 من مايو سنة 1978

برئاسة السيد المستشار محمد أسعد محمود نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: الدكتور إبراهيم صالح، محمد الباجوري، محمود رمضان وإبراهيم فراج.

-------------

(266)
الطعن رقم 595 لسنة 44 القضائية

(1) إيجار "إيجار الأماكن". إثبات "عبء الإثبات".
التأجير من الباطن. ماهيته. وجوب أن يكون لقاء جعل. عبء إثباته على عاتق المؤجر طالب الإخلاء. عجز المؤجر عن إثبات دفع الزوج مقابلاً لزوجته المستأجرة المقيم معها. انتفاء التأجير من الباطن.
(2) إيجار. أحوال شخصية.
إقامة الزوج مع زوجته المستأجرة وانتفاعه بالسكنى معها تبعاً لحقها في شغل المسكن. اعتبار الحكم المطعون فيه أن ذلك من قبيل الإبرام أو الاستضافة ولا يتعارض مع قوانين الأحوال الشخصية. لا خطأ.
(3) إيجار "إيجار الأماكن". قانون.
وفاة المستأجر الأصلي في ظل القانون 121 لسنة 1947. عدم انطباق حكم المادة 21 ق 52 لسنة 1969 على واقعة النزاع.

----------------
1 - يقصد بالتأجير من الباطن المعنى المراد في الشريعة العامة بتأجير المستأجر حقه في الانتفاع بالعين المؤجرة إليه إلى آخر لقاء جعل يتفق عليه بينهما يستوي أن يكون التأجير من الباطن وارداً على العين المؤجرة كلها أو بعضها فإذا انعدم الدليل على وجود مثل هذا الاتفاق بين المستأجر الأصلي ومن أشركه معه أو أحله محله في الانتفاع بالعين المؤجرة أو قامت إثارة من شك في حصوله انتفى التأجير من الباطن، وإقامة الدليل تقع على عاتق الذي يدعيه. لما كان ذلك وكان الواقع في الدعوى أخذاً من مدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعن أقام دعواه بالإخلاء على سند من أنه عقب وفاة المستأجر الأصلي ظلت زوجته المطعون عليها الأولى - وولداه - المطعون عليهما الثاني والثالث مقيمين بالشقة ثم أجروا جزءاً منها إلى المطعون عليه الرابع، وكان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه أسس قضاءه برفض الدعوى على سند من أن المطعون عليه الأخير تزوج بالمطعون عليها الثالثة وأقام معها ومع ذويها بالشقة وهو ما لم يجادل فيه الطاعن، وأنه ليس هناك اتفاق قانوني على استغلال حق الإجارة أو على تقاضي مقابل عنها، فإن ذلك كاف لنفي واقعة التأجير من الباطن ولعجز الطاعن عن إقامة الدليل عليها.
2 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه يشترط للانتفاع بالامتداد القانوني بعد وفاة المستأجر في ظل العمل بأحكام القانون رقم 121 لسنة 1947 أن يكون المستفيدون من هذا الامتداد سواء من الورثة أو غيرهم مقيمين عادة مع المستأجر الأصلي عند وفاته، وإذ كان الطاعن لا يماري في إقامة المطعون عليها الثالثة مع والدها بشقة النزاع عند وفاته واستمرارها في البقاء بها بعدها وكان لعقد الإيجار طابع عائلي وجماعي لا ينشد منه المنتفع بالعين - سواء كان مستأجراً أو مستفيداً مما شرعته القوانين الاستثنائية استهدافاً لحماية شاغلي الأماكن المؤجرة ولحل أزمة الإسكان المستفحلة - مجرد السكن بمفرده بل ليعيش مع أفراد أسرته ولمن يقع عليهم عبء إيوائهم قانونياً أو أدبياً، فإن إقامة المطعون عليه الرابع مع زوجته المطعون عليها الثالثة وانتفاعه بالسكنى في جزء من شقة النزاع هو انتفاع متفرع عن حق زوجته وتابع لها في استمرارها في شغلها طالما بقيت هي فيه، ومن ثم فإن تكييف الحكم المطعون فيه لإقامة المطعون عليه الرابع بأنه إيواء أو استضافة ليس فيه ما يعاب، ولا محل للتذرع بأن الزوج وليس الزوجة هو الذي يفرض عليه الشريعة تهيئة مسكن الزوجية، لأن هذا الجدل فضلاً عن خروجه عن نطاق الدعوى الماثلة المتصل سببها بالتأجير من الباطن، فإن إقامة الزوج في منزل أسرة زوجته لا يتنافى البتة - حسبما قرر الحكم - مع أحكام قوانين الأحوال الشخصية.
3 - إذ كان البين من الأوراق أن واقعتي وفاة المستأجر الأصلي ثم زواج ابنته المطعون عليها الثالثة صادفتا محلهما في غضون سنتي 1961، 1964 أي في ظل سريان أحكام القانون 121 لسنة 1947 الذي لم يكن يتضمن نصاً مماثلاً للمادة 21 من القانون رقم 52 لسنة 1969، وكان الحكم الذي تقضي به هذه المادة ليس له من أثر رجعي فلا يسري على واقعة النزاع.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى 2454 لسنة 1971 مدني أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية ضد المطعون عليهم بطلب الحكم بإخلائهم من العين المؤجرة وتسليمها إليه خالية. وقال بياناً لها أنه بموجب عقد مؤرخ 1/ 9/ 1943 استأجر منه مورث المطعون عليهم الثلاثة الأول "زوج الأولى ووالد الثاني والثالثة" شقة بالمنزل المملوك له الكائن بشارع...... وأقام بها حتى توفى في سنة 1961، ثم تبقى بها زوجته وولداه - المطعون عليهم الثلاثة الأول - ، وإذ خالفوا شروط العقد وأجروها إلى المطعون عليه الرابع رغم حظر التأجير من الباطن، فقد أقام الدعوى، أجابت المطعون عليها الثالثة بأنها لم تؤجر شقة النزاع من الباطن وأنها تزوجت المطعون عليه الرابع الذي أقام معها منذ زواجهما في 15/ 11/ 1964. وبتاريخ 23/ 3/ 1972 حكمت المحكمة برفض الدعوى استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 414 سنة 28 ق الإسكندرية طالباً القضاء له بطلباته، وبتاريخ 16/ 3/ 1974 حكمت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب، ينعى الطاعن بالسببين الأول والثاني منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقول أن الحكم أقام قضاءه على سند من أن المطعون عليه الرابع - وهو زوج المطعون عليها الثالثة - يقيم بلا أجر، وأن إقامته بالعين هي بمثابة إيواء أو استضافة من جانب زوجته المطعون عليها الثالثة بصفتها مستأجرة أصلية بعد وفاة أبيها، فلا يعد مستأجراً من الباطن، في حين أن مفاد المادة 23 من القانون رقم 52 لسنة 1969 أن التأجير من الباطن أو التنازل عن الإيجار لا يشترط فيه المقابل وقد يكون عن العين كلها أو جزء منها، وأن المقصود بالإيواء والاستضافة هو الإقامة المؤقتة لأسباب عارضة وأن الشريعة الإسلامية توجب على الزوج أن يهيئ مسكن الزوجية لا أن تهيئة الزوجة له. هذا إلى أن الفقرة جـ من المادة 23 سالفة الذكر تبرر طلب الإخلاء إذا استعمل المستأجر المكان المؤجر أو سمح باستعماله بطريقة تخالف عقد الإيجار أو تضر بالمؤجر؛ وإثقال الأعباء على العين تبعاً لازدياد الأشخاص المقيمين بها من شأنه أن يضر بالمالك مما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال.
وحيث إن النعي مردود؛ ذلك أن النص في المادة الثانية من القانون رقم 121 لسنة 1947 - المنطبقة على واقعة الدعوى والمقابلة للمادة 23 من القانون رقم 52 لسنة 1969 - على أنه "لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان المؤجر ولو عند انتهاء المدة المتفق عليها إلا لأحد الأسباب الآتية: ( أ )..... (ب) إذا كان المستأجر قد أجر من الباطن المكان المؤجر بغير إذن كتابي صريح من المالك في تاريخ التأجير....." يدل على أنه لا يجوز للمؤجر إخراج المستأجر بعد انقضاء مدة العقد الأصلية ما دام قائماً بالتزاماته؛ إلا لأحد الأسباب التي حددتها المادة ومن بينها أن يؤجر المستأجر المكان المؤجر من باطنه بدون تصريح من المؤجر. ولما كان يقصد بالتأجير من الباطن في هذا الصدد المعنى المراد في الشريعة العامة بتأجير المستأجر حقه في الانتفاع بالعين المؤجرة إليه إلى آخر لقاء جعل يتفق عليه بينهما، يستوي أن يكون التأجير من الباطن وارداً على العين المؤجرة كلها أو بعضها، فإذا انعدام الدليل على وجود مثل هذا الاتفاق بين المستأجر الأصلي ومن أشركه معه أو أحله محله في الانتفاع بالعين المؤجرة؛ أو قامت أثارة من شك في حصوله انتفى التأجير من الباطن؛ وإقامة الدليل تقع على عاتق المؤجر الذي يدعيه. لما كان ذلك وكان الواقع في الدعوى أخذاً من مدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعن أقام دعواه بالإخلاء على سند من أنه عقب وفاة المستأجر الأصلي ظلت زوجته المطعون عليها الأولى - وولداه - المطعون عليهما الثاني والثالث - مقيمين بالشقة؛ ثم أجروا جزءاً منها إلى المطعون عليه الرابع، وكان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه أسس قضاءه برفض الدعوى على سند من أن المطعون عليه الأخير تزوج بالمطعون عليها الثالثة وأقام معها ومع ذويها بالشقة وهو ما لا يجادل فيه الطاعن، وأنه ليس هناك اتفاق قانوني على استغلال حق الإيجارة أو على تقاضي مقابل عنها، فإن ذلك كاف لنفي واقعة التأجير من الباطن ولعجز الطاعن عن إقامة الدليل عليها. لما كان ما تقدم وكان المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه يشترط للانتفاع بالامتداد القانوني بعد وفاة المستأجر في ظل العمل بأحكام القانون رقم 121 لسنة 1947 أن يكون المستفيدون من هذا الامتداد سواء من الورثة أو غيرهم مقيمين عادة مع المستأجر الأصلي عند وفاته، وكان الطاعن لا يعارض في إقامة المطعون عليها الثالثة مع والدها بشقة النزاع عند وفاته واستمرارها في البقاء بها بعدها، وكان لعقد الإيجار طابع عائلي وجماعي لا ينشد منه المنتفع بالعين - سواء كان مستأجراً أو مستقيماً مما شرعته القوانين الاستثنائية استهدافاً لحماية شاغلي الأماكن المؤجرة ولحل أزمة الإسكان المستفحلة - مجرد السكنى بمفرده بل ليعيش مع أفراد أسرته ولمن يقع عليهم عبء إيوائهم قانونياً أو أدبياً، فإن إقامة المطعون عليه الرابع مع زوجته المطعون عليها الثالثة وانتفاعه بالسكنى في جزء من شقة النزاع هو انتفاع متفرع عن حق زوجته وتابع لها في استمرارها في شقتها طالما بقيت هي فيها؛ ومن ثم فإن تكييف الحكم المطعون فيه لإقامة المطعون عليه الرابع بأنه إيواء أو استضافة ليس فيه ما يعاب. ولا محل للتذرع بأن الزوج - وليس الزوجة - هو الذي تفرض عليه الشريعة تهيئته مسكن الزوجية لأن هذا الجدل فضلاً عن خروجه عن متعلق الدعوى الماثلة المتصل سببها بالتأجير من الباطن، فإن إقامة الزوج في منزل أسرة زوجته لا يتنافى البتة - حسبما قرر الحكم - مع أحكام قوانين الأحوال الشخصية. لما كان ما سلف وكان الثابت من الأوراق أن الطاعن أقام دعواه على أساس مخالفة شروط العقد وتأجير العين من الباطن إلى المطعون عليه الرابع بدون إذن كتابي صريح منه وكان ما أشار إليه الطاعن عبراً في مذكرته الشارحة أمام محكمة الموضوع من أن المطعون عليه الرابع استمرأ الإقامة المجانية مع أهل زوجته وأنه يدخر مرتبه دون دفع الضرائب ويستهلك المياه والمباني؛ لا يفيد التمسك على وجه صريح جازم بأن إيواء المطعون عليه الرابع يعتبر إساءة استعمال العين المؤجرة إلى الحد الذي يخول طلب الإخلاء وفق الفقرة جـ من المادة الثانية آنفة الذكر؛ وهو أمر يخالطه واقع لا يجوز له التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض؛ ويكون النعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم أقام قضاءه على سند من أن المادة 21 من القانون رقم 52 لسنة 1969 صريحة في استمرار عقد الإيجار بالنسبة لأولاد المستأجر المتوفى دون اشتراط إقامة مدة معينة بالنسبة لهم، وأن شرط الإقامة مدة معينة مطلوب بالنسبة لأقارب الدرجة الثالثة، والمطعون عليه الرابع ليس من أولاد المستأجر الأصلي ولا من أقاربه فلا يشترط بالنسبة له الإقامة مع المستأجر الأصلي قبل وفاته، في حين أن المادة 37 من القانون المدني تنص على أن أقارب أحد الزوجين يعتبرون في نفس القرابة والدرجة بالنسبة إلى الزوج الآخر والمطعون عليه الرابع زوج المطعون عليها الثالثة ابنة المستأجر الأصل فيعتبر بهذه المثابة قريباً من الدرجة الأولى - بالنسبة للمستأجر الأصلي، وكان يتعين إقامته معه قبل وفاته - مما يعيب الحكم بمخالفة القانون.
وحيث إن النعي غير منتج، ذلك أنه لما كان البين من الأوراق أن واقعتي وفاة المستأجر الأصلي ثم زواج ابنته المطعون عليها الثالثة صادفتا محلهما في غضون سنتي 1961، 1964 أي في ظل سريان أحكام القانون 121 لسنة 1947 الذي لم يكن يتضمن نصاً مماثلاً للمادة 21 من القانون رقم 52 لسنة 1969، وكان الحكم الذي تقضي به هذه المادة ليس له من أثر رجعي فلا يسري على واقعة النزاع. لما كان ذلك وكان المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه إذا بني الحكم على دعامتين كل منهما مستقلة عن الأخرى، وكان يصح بناء الحكم على إحداها وحدها، فإن النعي عليه في الدعامة الأخرى يكون غير منتج، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه برفض دعوى الطاعن على سند من أن المطعون عليه الرابع لا يعتبر مستأجراً من الباطن، وأن إقامته بالعين المؤجرة بطريق التبعية لزوجته المطعون عليها الثالثة، وكان هذا كاف لحمل قضائه، فإن النعي يكون غير منتج.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.

الطعن 28 لسنة 14 ق جلسة 28 / 12 / 1944 مج عمر المدنية ج 4 ق 179 ص 504

جلسة 28 ديسمبر سنة 1944

برياسة حضرة محمد زكي علي بك وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد كامل مرسي بك ونجيب مرقس بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك المستشارين.

------------------

(179)
القضية رقم 28 سنة 14 القضائية

اختصاص. أمر إداري. منافع عامة. أموال عامة. نزاع على ملكيتها.

أ - أمر إداري. التعريف به. لم يرد به نص. من وظيفة المحاكم أن تعطيه وصفه القانوني لإمكان معرفة ما إذا كان يستأهل الحصانة المقررة للأوامر الإدارية.
ب - الحصانة المقررة للأمر الإداري. مناطها. كونه صدر في الحدود المرسومة للسلطة التي أصدرته. المحاكم هي السلطة الوحيدة المختصة بالفصل في المنازعات التي تقع بين الأفراد والحكومة بشأن تبعية الأموال للمنافع العامة. الإجراءات العاجلة الاستثنائية المخولة للسلطة الإدارية لحماية الأملاك العامة. لا يصح اتخاذها بالنسبة للأموال التي لا نزاع في كونها عامة أو التي لا يقوم نزاع جدي في صفتها بسبب تخصيصها الظاهر للمنفعة العامة. تبين المحكمة من ظروف الدعوى جدية النزاع في صفة المال موضوع الدعوى. من حقها أن تأمر بوقف تنفيذ الأمر الإداري حتى يفصل قضائياً في ذلك.
(المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية)

----------------
1 - إن الشارع عندما وضع المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية عملاً بمبدأ الفصل بين السلطات لم يعرف الأوامر الإدارية، ولم يبين لها مميزات يهتدي بها في القول بتوافر الشروط اللازمة لها ولحصانتها وصيانتها من تعرض السلطة القضائية لها بتعطيل أو تأويل. وإذن فإن من وظيفة المحاكم أن تعطي الإجراء الإداري وصفه القانوني على هدي حكمة التشريع ومبدأ فصل السلطات وحماية الأفراد وحقوقهم.
2 - إنه من المتفق عليه فقهاً وقضاءً أنه مما يجب توافره لتحقق حصانة الأمر الإداري من التعطيل أو التأويل أن يكون قد صدر في الحدود المرسومة قانوناً للسلطة التي أصدرته، فإذا خرج عن تلك الحدود كان اعتداءً على سلطة أخرى أو عملاً تعسفياً لا تلحقه الحصانة. وعندئذ يكون من حق السلطة القضائية أن تتدخل لحماية مصالح الأفراد مما قد يترتب عليه.
وإذ كانت المحاكم هي السلطة الوحيدة التي تملك حق الفصل في المنازعات التي تقوم بين الأفراد والحكومة بشأن تبعية الأموال المتنازع عليها للمنافع العامة حتى إذا ما تبينت تبعيتها لها أجرت عليها حكم القانون وإلا أقرت ملكية الأفراد لها وأمرت بما يدفع عنها اعتداء السلطة الإدارية، وإذ كانت القوانين واللوائح حين أعطت السلطة الإدارية حق اتخاذ إجراءات عاجلة استثنائية لحماية الأملاك العامة لم تعطها حق الفصل في المنازعات المتعلقة بملكية تلك الأموال مما مفاده أنه لا يصح اتخاذ تلك الإجراءات إلا في شأن الأموال التي لا نزاع في صفتها العامة أو التي لا يمكن أن يقوم نزاع جدي في صفتها بسبب تخصيصها الظاهر للمنفعة العامة، إذ كان هذا وذاك فإنه متى اتضح للمحكمة من أوراق الدعوى وظروفها جدية منازعة الأفراد في صفة المال موضوع الدعوى فيكون من اختصاصها أن تأمر بوقف تنفيذ الأمر الإداري الصادر بناءً على اعتبار المال من الأموال العامة ريثما ينحسم ذلك النزاع نهائياً بالطرق القضائية (1).


الوقائع

تتلخص وقائع هذا الطعن في أن تفتيش ري زفتى حرر في 15 من يونيه سنة 1943 محضر مخالفة ضد المطعون ضده لاعتدائه على جسر ترعة المنصورية بأن أقام مباني على جزء منه. وفي 21 من يونيه سنة 1943 أرسل مفتش ري زفتى إلى مديرية الدقهلية كتاباً يطلب فيه تنبيه المطعون ضده إلى إزالة تلك المباني في مدى أسبوع وإن لم يفعل قام تفتيش الري بإزالتها على نفقة المطعون ضده وتحت مسئوليته. فرفع المطعون ضده الدعوى على تفتيش ري زفتى ووزارة الأشغال ومفتش المساحة بالمنصورة ووزارة المالية ومديرية الدقهلية ووزارة الداخلية طلب في صحيفتها الحكم بصفة مستعجلة - وقبل الفصل في موضوع دعوى الملكية المرفوعة منه على الحكومة - بأمر المدعى عليهم بوقف تنفيذ أي إجراء من الإجراءات التي ذكرت في كتاب مفتش الري لمدير الدقهلية مع إبقاء الفصل في المصاريف. وفي جلسة المرافعة طلب الحكم بإبقاء الحالة على ما هي عليه إلى أن يفصل في دعوى الملكية.
وفي 29 من يونيه سنة 1943 قضت محكمة المنصورة بعدم اختصاص المحاكم الأهلية بنظر طلب وقف تنفيذ الأمر الإداري المبين بصحيفة الدعوى أو التقرير بإبقاء الحالة على ما هي عليه.
استأنف المطعون ضده هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر طالباً إلغاءه والقضاء باختصاص المحاكم الأهلية بنظر الدعوى وفي الموضوع أصلياً بوقف تنفيذ أي إجراء من الإجراءات التي وردت في كتاب مفتش ري زفتى إلى مدير الدقهلية المبلغ إلى وكيل المطعون ضده في 21 من يونيه سنة 1943 واحتياطياً تنبيه طرفي الخصومة إلى إبقاء الحالة على ما هي عليه وقت رفع دعوى تثبيت الملكية مع إلزام المستأنف عليهم بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وفي 15 من ديسمبر سنة 1943 قضت محكمة استئناف مصر بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف واختصاص المحاكم الأهلية بنظر الدعوى وإبقاء حالة العقار موضوع النزاع على ما هي عليه وقت رفع هذه الدعوى وألزمت المستأنف عليهم بالمصاريف عن الدرجتين وبمبلغ ألف قرش مقابل أتعاب المحاماة. وفي 20 من فبراير سنة 1944 قرر الطاعنون الطعن بطريق النقض إلخ إلخ.


المحكمة

ومن حيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه أنه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله. أولاً - لأنه خالف حكم المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم الذي يمنعها من وقف تنفيذ الأمر الإداري أو تأويل معناه، وقول الحكم المطعون فيه إن الأمر الإداري لا يتمتع بالحصانة التي تمنع القضاء من التعرض له بوقف أو تأويل إلا إذا كان سليماً من كل شائبة غير قابل للطعن بأي مطعن وصادراً من جهة مختصة بإصداره ومتوافرة فيه الأشكال والأوضاع القانونية المقررة وأن لا يمس ملكية الأفراد بغير مراعاة أحكام قانون نزع الملكية - هذا القول لا سند له من القانون، وقد نصت المادة 15 سالفة الذكر على أن مخالفة الأمر الإداري للقوانين واللوائح لا يترتب عليها غير اختصاص المحاكم بالحكم في التضمينات الناشئة عن تلك المخالفة ولم تقيد المادة المذكورة حرمان المحاكم من التعرض لوقف أو تأويل الأمر الإداري بأي قيد من القيود التي ذكرها الحكم المطعون فيه. ثانياً - لأن الأمر الإداري موضوع هذه الدعوى لم يصدر اعتداءً على ملك المطعون ضده بضمه إلى الملك العام بغير مراعاة لأحكام قانون نزع الملكية بل هو أمر إداري صدر لإزالة اعتداء المطعون ضده على الأملاك العامة. وليس للمحاكم في هذه الحالة عملاً بنص المادة 15 من لائحة ترتيبها أن تتعرض لهذا الأمر ولو نازع المطعون ضده في الملكية، لأن هذا النزاع، إن صح، لا يترتب عليه غير المطالبة بالتضمينات، وقول الحكم المطعون فيه إن للمحاكم حق تعطيل الأمر الإداري إلى أن تفصل المحاكم في أمر الملكية هو قلب للأوضاع إذ ينبني عليه ربط مصير تنفيذ الأمر الإداري بمنازعة الأفراد في الملكية مما لا يتفق مع حماية الأمر الإداري. ثالثاً - لأن الأمر القاضي بتكليف المطعون ضده إزالة مبانيه صدر عملاً بأحكام لائحة الترع والجسور الصادرة في 22 من فبراير سنة 1894 بعد أن تحرر للمطعون ضده محضر مخالفة لاعتدائه على جسر ترعة المنصورية بإقامة مبانيه عليه. فالأمر بالإزالة صدر إذاً في حدود اختصاص السلطة الإدارية وتنفيذاً لأحكام القانون، وبذلك يمتنع على المحاكم أن تقضي بوقف تنفيذه. رابعاً - لأن قول الحكم المطعون فيه إن محل تطبيق أحكام لائحة الترع والجسور هو عندما يكون الاعتداء على المنافع العامة واضحاً صارخاً وعندما تكون ملكية المنافع العامة غير متنازع فيها أو كان النزاع بشأنها غير جدي - هذا القول يخالف أحكام القانون ويترتب عليه إبطال العمل بلائحة الترع والجسور إذ يكفي لحرمان الهيئات الإدارية من استعمال سلطتها في محاكمة المعتدين على الأملاك العامة أن يثير الأفراد نزاعاً حول الملكية. وفي هذا تفويت للغرض الذي قصد إليه الشارع. خامساً - لأن الحكم المطعون فيه قضى بإلزام الطاعنين بالمصاريف عن الدرجتين مع أن المطعون ضده لم يطلب أمام المحكمة الابتدائية القضاء له بالمصاريف بل طلب إبقاء الفصل فيها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بياناً دقيقاً، وأبان الإجراءات التي اتخذها تفتيش ري زفتى في حق المطعون ضده من تحرير محضر مخالفة وتكليف بإزالة مبانيه وما اتخذه هذا الأخير من إجراءات قضائية ليحول دون قيام التفتيش بما هدد به من إزالة المباني بنفسه على نفقة المطعون ضده وتحت مسئوليته، ثم أورد حجج كل من الفريقين التي يؤيد بها وجهة نظره، وبعد ذلك تناول الحكم الكلام في نظرية الفصل بين السلطات ومنع السلطة القضائية من التعرض لأعمال السلطة الإدارية وما كان لهذه النظرية من تطبيقات في بعض البلاد الأجنبية وفي مصر، وأبان الاتجاه الحديث في القضاء المصري بالنسبة إلى قضاء التضمين وقضاء الإيقاف عند التعرض للفصل في المنازعات المتعلقة بالأوامر الإدارية ذاكراً أنه بالنسبة إلى قضاء الإيقاف أو الإبطال "فقد اتجه الكثير من الأحكام وسايرها بعض الكتاب إلى أنه، لكي يتمتع الأمر الإداري بالحصانة المانعة للقضاء من التعرض له بإيقاف أو تأويل، يجب أن يكون سليماً من كل شائبة غير قابل للطعن بأي مطعن بأن يكون صادراً من جهة مختصة بإصداره، وأن تراعي في إصداره الأشكال والأوضاع المقررة، وأن لا يخالف، من حيث موضوعه، نصاً من نصوص القوانين واللوائح المعمول بها، وأن يكون كل من الغاية والباعث عليه مشروعاً. وبعبارة أخرى أن تكون الإدارة في إصداره قد استعملت سلطتها فيما أعدت له. فإذا ما كان الأمر الإداري قد شابه عيب من العيوب، خصوصاً عيب عدم الاختصاص أو الشكل، فإنه يفقد صفة الأوامر الإدارية فلا يتمتع بالحماية القانونية المقررة لحمايتها ويجوز للمحاكم إلغاؤه أو وقف تنفيذه. وأنه يتفرع عن هذا أن المحاكم ليست ممنوعة ولا محرومة من التدخل لضمان حرية الأفراد وحق ملكيتهم إذ ثبت أن العمل الإداري خارج عن دائرة اختصاص الجهة التي أصدرته أو في غير الشكل والإجراءات القانونية. فمثل هذا العمل تتحلل طبيعته وتسقط عنه صفة الأمر الإداري ويعتبر اعتداء على حقوق الأفراد التي كلفها القانون". واسترسل الحكم في الكلام في قضاء الإلغاء والإيقاف فقال: "وحيث إن أصحاب الرأي المخالف يذهبون مع ذلك إلى حد إنكار سلطة القضاء في الرقابة على الأوامر الإدارية إطلاقاً، فهم وإن كانوا يشيرون بعدم المغالاة أو التزيد فيها لا يذهبون إلى حد إغفالها بل يرون قصرها على الأحوال التي ترتكب فيها الإدارة اعتداء صريحاً على الملكية أو الحرية الشخصية حيث يمكن أن يقال حقاً إن ما وقع منها هو غصب وتعد Voie de fait لا عمل إداري". وبعد هذه الإلمامة تعرض الحكم لموضوع الدعوى ليفصل فيه على ضوء تلك المبادئ التي سردها فأبان وقائعها ووجهة نظر المطعون ضده فيها وما يستند إليه من أدلة ومستندات. وخلص من ذلك كله إلى قوله: "إنه متى كان النزاع مطبوعاً بهذا الطابع (الطابع الجدي) فإن السلطة الوحيدة المختصة بالفصل فيما إذا كان موضوع النزاع ملكاً خاصاً للمستأنف أم أنه جزء من جسر ترعة المنصورية المعتبرة من المنافع العامة هي القضاء، وفي ظروف كهذه لا يجوز لسلطة الإدارة أن تسبق الحوادث فتستولي على قطعة أرض أو تعمل معاولها هدماً وتقويضاً في مبنى قد يثبت في آخر الأمر أنه من الملك الخاص الذي له حرمة حماها الدستور.... وحيث إن المحكمة ترى في ظروف كهذه، وإلى أن يثبت قضاءً أن القطعة المتنازع عليها من المنافع العمومية، أن لا اختصاص للجنة الإدارية المشكلة من المدير والباشمهندس والعمد الثلاثة طبقاً للأمر العالي الصادر في 22 من فبراير سنة 1894 وأن ليس من حق سلطات الري أن تعمد إلى الإزالة الفورية المنصوص عليها في المادة الثانية والثلاثين من هذا الأمر، إنما محل تطبيق هذه النصوص عندما يكون الاعتداء على المنافع العمومية واضحاً صارخاً وعندما تكون الملكية للمنافع العامة غير متنازع عليها أو كان النزاع بشأنها غير جدي". وانتهى الحكم المطعون فيه بعد ما تقدم إلى قوله "وحيث إنه لذلك تكون الإجراءات التي قامت بها الإدارة والتي يقصد منها إلى الاستيلاء على قطعة الأرض المتنازع عليها كجزء من المنافع العمومية وإزالة ما عليها من منشآت إنما هي إجراءات صادرة من سلطة غير مختصة بها ما دام القضاء لم يفصل بعد في الملكية فهي باطلة، ولا يمكن أن تعد من قبيل الأوامر الإدارية التي تسبغ عليها المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية تلك الحصانة التي تنهي القضاء عن أن يتناولها بتأويل أو إيقاف".
وحيث إنه يخلص مما سبق إيراده عن الحكم المطعون فيه أن المحكمة بنت قضاءها في خصوصية الدعوى على أن الأمر الإداري إذا صدر اعتداء على أموال الأفراد فلا تلحقه حصانة القانون، وأن السلطة القضائية هي وحدها المختصة بالفصل في المنازعات التي تقوم بين الحكومة والأفراد بشأن ملكية الأموال العامة.
وحيث إن هاتين القاعدتين اللتين بنت عليهما محكمة الموضوع حكمها المطعون فيه هما قاعدتان سليمتان تقرهما هذه المحكمة.
وحيث إن الشارع عندما وضع المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم عملاً بمبدأ الفصل بين السلطات لم يعرف الأوامر الإدارية، ولم يبين لها مميزات يهتدي بها في القول بتوافر الشروط اللازمة لها ولحصانتها وصيانتها من تعرض السلطة القضائية لها بتعطيل أو تأويل، فأصبح من وظيفة المحاكم، والحالة هذه، أن تعطي الإجراء الإداري وصفه القانوني على هدى حكمة التشريع ومبدأ فصل السلطات وحماية الأفراد وحقوقهم.
وحيث إنه (في خصوصية هذه الدعوى) من المتفق عليه فقهاً وقضاءً أنه مما يجب توافره لتحقق حصانة الأمر الإداري من التعطيل أو التأويل أن يكون قد صدر في الحدود المرسومة قانوناً للسلطة التي أصدرته، فإذا خرج عن تلك الحدود كان اعتداءً على سلطة أخرى أو عملاً تعسفياً لا تلحقه أية حصانة، وعندئذ يكون من حق السلطة القضائية أن تتدخل لحماية مصالح الأفراد مما قد يترتب عليه.
وحيث إن المحاكم هي السلطة الوحيدة التي تملك حق الفصل في المنازعات التي تقوم بين الأفراد والحكومة بشأن تبعية الأموال المتنازع عليها للمنافع العامة، فإذا ما تبينت تبعيتها لها أجرت عليها حكم القانون، وإن لم تكن كذلك أقرت ملكية الأفراد لها وأمرت بما يدفع عنها اعتداء السلطة الإدارية.
وحيث إن القوانين أو اللوائح حين أعطت السلطة الإدارية حق اتخاذ إجراءات عاجلة استثنائية لحماية الأملاك العامة لم تعطها حق الفصل في المنازعات المتعلقة بملكية تلك الأموال، فلا يصح أن تتخذ تلك الإجراءات إلا في شأن الأموال التي لا نزاع في صفتها العامة أو التي لا يصح أن يقوم نزاع جدي في صفتها بسبب تخصيصها الظاهر للمنفعة العامة.
وحيث إن القول بأن تدخل القضاء في المنازعات المتعلقة بملكية الأموال العامة يترتب عليه تعطيل الإجراءات الإدارية التي يجب اتخاذها لحماية تلك الأموال - هذا القول مردود بأن النزاع في الملكية في هذا الخصوص لا يكون إلا في أحوال نادرة حيث تكون الصفة العامة للمال غير ظاهرة، والمحاكم بطبيعة الحال لا تقيم وزناً لنزاع غير جدي، وبأنه لا يصح، رغبة في عدم تعطيل الأمر الإداري لمجرد كونه أمراً إدارياً، أن تقلب النظم والأوضاع الطبيعية فتعطي لجنة إدارية مؤلفة من المدير والباشمهندس وثلاثة من العمد السلطة التي تختص بها المحاكم دون غيرها. وفي هذا ما فيه من الخطر المحقق على حقوق الناس.
وحيث إنه متى اتضح للمحكمة من أوراق الدعوى وظروفها جدية منازعة الأفراد في صفة المال موضوع الدعوى، كان من اختصاصها أن تأمر بوقف تنفيذ الأمر الإداري الصادر بناءً على اعتبار المال من الأموال العامة ريثما يحسم ذلك النزاع نهائياً بالطرق القضائية.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد أصاب وجه الحق فيما قضى به من الأمر ببقاء الحالة على ما هي عليه حتى يفصل في دعوى الملكية بعد أن اتضحت للمحكمة جدية النزاع من أوراق الدعوى وظروفها.
وحيث إنه لما تقدم تكون مطاعن الطاعنين على الحكم المطعون فيه عدا الأخير منها غير مستندة إلى القانون.
وحيث إنه لا يبقى بعد ذلك إلا ما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه من أنه قضى بإلزامهم بالمصاريف في حين أن المطعون ضده قد طلب أمام المحكمة الابتدائية إبقاء الفصل في المصاريف حتى يفصل في دعوى الملكية.
وحيث إن المطعون ضده قد طلب في استئنافه أن يقضي له بإلزام الطاعنين بالمصاريف والأتعاب عن الدرجتين ولم يعترض الطاعنون على هذا الطلب فلا يكون لهم والحالة هذه وجه في الاعتراض على الحكم به أمام محكمة النقض.


(1) واقعة الدعوى أن تفتيش الري حرر محضر مخالفة ضد المطعون ضده لاعتدائه على جسر ترعة المنصورية بأن أقام مباني على جزء منه ثم أرسل مفتش الري إلى مديرية الدقهلية كتاباً يطلب فيه تنبيه المطعون ضده إلى إزالة تلك المباني في مدى أسبوع وإن لم يفعل قام تفتيش الري بإزالتها على نفقة المطعون ضده وتحت مسئوليته، فرفع المطعون ضده الدعوى على تفتيش الري ووزارة الأشغال وتفتيش المساحة ووزارة المالية ومديرية الدقهلية ووزارة الداخلية وطلب فيها الحكم بصفة مستعجلة وقبل الفصل في موضوع دعوى الملكية المرفوعة منه على الحكومة بإبقاء الحالة على ما هي عليه إلى أن يفصل في دعوى الملكية، وقضت محكمة الاستئناف باختصاص المحاكم الأهلية بنظر الدعوى وإبقاء حالة العقار موضوع النزاع على ما هي عليه وقت رفع الدعوى.

فتوى 842 في 15/ 11/ 1995 جلسة 1/ 11/ 1995 ملف رقم 7/ 1/ 93 مكتب فني 50 ق 35 ص 99

(فتوى رقم 842 بتاريخ 15/ 11/ 1995 جلسة 1/ 11/ 1995 ملف رقم 7/ 1/ 93)
(35)
جلسة الأول من نوفمبر سنة 1995

الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع - طلب رأي - دعاوى قضائية - عدم ملائمة إبداء الرأي.
إذا كان كلاً من صندوق أراضي الاستصلاح والشركة المصرية لإنتاج اللحوم والألبان قد لجأ إلى القضاء بإقامة الدعاوى المشار إليها بغية إنصافه والحكم لصالحه ضد الطرف الآخر وإذا كان موضوع تلك الدعاوى هو عين موضوع طلب الرأي المعروض على الجمعية - نتيجة ذلك: يغدو من غير الملائم التصدي بإبداء الرأي في شأنه - تطبيق.

-------------
استبان للجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع أن كلاً من صندوق أراضي الاستصلاح والشركة المصرية لإنتاج اللحوم والألبان، الذين يثور بينهما الخلف في الرأي في شأن الموضوع الماثل، لجأ إلى القضاء بإقامة الدعاوى المشار إليها، بغية إنصافه والحكم لصالحه ضد الطرف الآخر، وإذ كان موضوع تلك الدعاوى، هو عين موضوع طلب الرأي المطروح على الجمعية، فمن ثم يغدو من غير الملائم التصدي بإبداء الرأي في شأنه، حسبما جرت عليه الجمعية العمومية في هذا الصدد.

لذلك

انتهت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع إلى عدم ملائمة إبداء الرأي في الموضوع الماثل.

الطعن 491 لسنة 44 ق جلسة 31 / 5 / 1978 مكتب فني 29 ج 2 ق 265 ص 1367

جلسة 31 من مايو سنة 1978

برئاسة السيد المستشار محمد أسعد محمود نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: الدكتور إبراهيم صالح، محمد الباجوري، صلاح نصار وإبراهيم فراج.

---------------

(265)
الطعن رقم 491 لسنة 44 القضائية

(1) إثبات "الإقرار". نقض "السبب الجديد".
الإقرار القضائي. ماهيته. لمحكمة الموضوع تحصيل توافر أركانه. النعي بأن الخصم أقر إقراراً قضائياً أمام محكمة الموضوع. عدم جواز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
(2) دعوى.
تقديم مستندات في فترة حجز الدعوى للحكم. شرطه. لا يكفي إعلان الخصم بالحافظة ولو تضمنت فحوى المستند.

--------------
1 - الإقرار وفقاً لنص المادة 103 من قانون الإثبات هو اعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعي بها وذلك أثناء سير الدعوى، وتحصيل توافر الأركان اللازمة لاعتبار الإقرار الصادر من أحد الخصوم إقراراً قضائياً ملزماً له - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من الأمور التي يخالطها واقع مما يترك أمر تقديره لمحكمة الموضوع، وإن كان الثابت أن الطاعنة لم تتمسك أمامها بهذا الدفاع، فإنه لا يقبل منها التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض.
2 - شرط تقديم مستندات في فترة حجز الدعوى للحكم هو أن تكون المحكمة قد صرحت بتقديها واطلع الخصوم عليها، وليس يكفي في ذلك إعلان الحافظة ولو تضمنت فحوى المستند ما دام لم يثبت اطلاع الخصم عليه بذاته.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليها أقامت الدعوى رقم 29 لسنة 1972 مدني أمام محكمة الجيزة الابتدائية ضد الطاعنة وأخرتين بطلب الحكم بإخلائهن من الشقة المبينة بالصحيفة وتسليمها لها خالية، وقالت شرحاً لها أنه بموجب عقد مؤرخ 29/ 9/ 1962 استأجرت منها والدتهن شقة بالمنزل رقم....... بالدقي بالقاهرة؛ وإذ كانت المستأجرة عند وفاتها منفردة؛ بعد أن تزوجت بناتها وأقمن بعيداً عن العين المؤجرة؛ وانتهت بذلك العلاقة الإيجارية؛ ولجأت الطاعنة وأختاها رغم ذلك إلى تأجير العين مفروشة دون الحصول على إذن كتابي منها بذلك؛ فقد أقامت الدعوى. وبتاريخ 29/ 4/ 1972 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبيت المطعون عليها أن المتوفاة كانت تقيم بمفردها بشقة النزاع إلى أن توفيت في 1/ 11/ 1970 دون بناتها المتزوجات - الطاعنة وشقيقتاها - والمقيمات مع أزواجهن بعيداً عن شقة النزاع وأنهن قد أجرتاها مفروشة لآخرين؛ وبعد سماع شهود الطرفين عادت وحكمت بتاريخ 15/ 3/ 1973 برفض الدعوى. استأنفت المطعون عليها هذا الحكم بالاستئناف رقم 3199 لسنة 90 ق القاهرة طالبة القضاء لها بطلباتها وبتاريخ 25/ 4/ 1974 حكمت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وبإخلاء الطاعنة وأختيها من شقة النزاع. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأته جديراً بالنظر؛ وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على خمسة أسباب، تنعى الطاعنة بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك تقول أن الحكم أقام قضاءه على سند من ثبوت عدم إقامتها مع والدتها بشقة النزاع وقت وفاتها، في حين أن المطعون عليها سلمت في صحيفة الاستئناف المرفوع منها بأن الطاعنة بعد أن تزوجت عادت للإقامة مع والدتها بشقة النزاع قبل وفاتها على سبيل الاستضافة، وهو إقرار قضائي يلزمها بمجرد صدوره ولا يجوز لها العدول عنه أو تغيير فحواه، وكان يتعين على الحكم أن يأخذها بدلالته مما يعيبه بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن النعي غير مقبول، ذلك أنه لما كان الإقرار وفقاً لنص المادة 102 من قانون الإثبات هو اعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بها وذلك أثناء سير الدعوى، وكان تحصيل توافر الأركان اللازمة لاعتبار الإقرار الصادر من أحد الخصوم إقراراً قضائياً ملزماً له - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من الأمور التي يخالطها واقع مما يترك أمر تقديره لمحكمة الموضوع، وكان الثابت من الطاعنة لم تتمسك أمامها بهذا الدفاع، فإنه لا يقبل منها التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض ويكون النعي على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بباقي الأسباب على الحكم المطعون فيه، الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك تقول أن الحكم أقام قضاءه على سند من أنها لم تكن تقيم بالعين المؤجرة مع والدتها وقت وفاتها أخذاً بأقوال شاهدي المطعون عليهما وأن العلاقة الإيجارية انتهت بهذه الوفاة، حالة أنه وإن تضمنت صحيفة الدعوى واقعة وفاة والدة الطاعنة إلا أن المطعون عليها لم تتخذ منها سبباً للإخلاء، بل أسست دعواها على واقعة التأجير مفروشاً للغير دون أذن الأمر الذي يجعل الحكم قد بني على سبب مغاير لذلك الذي أسست عليه الدعوى. بالإضافة إلى أن الحكم أخذ بمدلول أقوال شاهدي المطعون عليها بعد أن وصفها بالغموض مستنداً إلى وضوح إفادتها عدم إقامة الطاعنة بشقة النزاع مع والدتها وقت الوفاة، خلافاً لما تفيده، من توافر هذه الإقامة، ودون أن يورد مضمون شهادتهما ووجه الوضوح الذي أزال ما بها من غموض أو يفند شهادة شاهدي الطاعنة والأدلة المؤيدة التي ركن إليها الحكم الابتدائي في قضائه برفض الدعوى. هذا إلى أن محكمة الاستئناف استبعدت ما قدمته الطاعنة من مستندات في فترة حجز الدعوى للحكم بحجة عدم التصريح بتقديمها وعدم اطلاع خصومها عليها بينما سبق تقديمها أمام محكمة أول درجة واطلع الخصوم عليها، ورغم استبعادها لها فقد ناقشت بعضها وأعرضت عن البعض الآخر، وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أنه لما كان سبب الدعوى هو الواقعة التي يستمد منها المدعي الحق في الطلب، وهو ما لا تملك المحكمة تغييره، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن المطعون عليها أقامت دعواها بالإخلاء على سببين أحدهما انتهاء العلاقة الإيجارية بوفاة المستأجرة - والدة الطاعنة - وعدم إقامة أي من بناتها معها وقتذاك تبعاً لإقامتهن مع أزواجهن، والثاني قيامهن بتأجير العين المؤجرة مفروشة لآخرين دون أذن كتابي، فإن الحكم المطعون فيه إذ استند في قضائه إلى ثبوت قيام أول السببين يكون قد التزم نطاق الدعوى ولم يغير من سببها أو يضيف إليها جديداً لم تكن مؤسسة عليه، لما كان ذلك وكان لمحكمة الموضوع سلطة تقدير أقوال الشهود والقرائن واستخلاص ما تقتنع به منها متى كان استخلاصها سائغاً ولا مخالفة فيه للثابت بالأوراق، وكان للمحكمة الاستئنافية أن تستخلص من أقوال الشهود ما تطمئن إليه ولو كان مخالفاً لما استخلصته محكمة الدرجة الأولى، دون أن تلزم في هذه الحالة ببيان الأسباب الداعية أو بالرد استقلالاً على أسباب الحكم الابتدائي الذي ألغته ما دام حكمها محمولاً على أسباب سائغة تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها، وكان حكم محكمة أول درجة حصل أقوال شاهدي المطعون عليها على أن المدعية - المطعون عليها - أشهدت "... كلاً من.... و... فشهد الأول ويسكن بالسيدة زينب أن عين النزاع تقع بشارع...... رقم 6 بالدور الثاني بعد الأرض وأن والدة المدعى عليها الأولى - الطاعنة - كانت تشغل العين وأنها توفيت سنة 1970 وأن ابنتها... - المدعى عليها الأولى - كانت تقيم معها منذ ست سنوات ومعها زوجها ولا يعرف لمن يسدد الإيجار ولكن الذي تسدده المدعى عليها الأولى وأجاب على سؤال من محامي المستأنفة - المطعون عليها - بأن... المدعى عليها الأولى تزوج منذ ست سنوات وتركت العين وأنها تقيم مع زوجها بشارع....... رقم 10 وتقيم معه بصفة دائمة وأضاف بأنه لا يعرف المدعى عليها الأولى شخصياً، وبسؤال الشاهد عما إذا كان تم تأجير شقة النزاع للغير أجاب بأن الشقة المواجهة بيع فرشها، وأجاب على سؤال من محامي المدعى عليهم عما إذا كانت عين النزاع قد تم بيعها وتأجيرها أجاب بالنفي وأن المدعى عليهم أحياناً يحضروا إليها، وشهد الثاني وهو مكوجي مقيم بإمبابة بأن المستأجر الأصلية..... كانت تقيم ومعها ابنتها..... بصفة دائمة منذ سبع أو ثماني سنوات وأن المستأجر الأصلية توفيت منذ حوالي سنتين، وبسؤال الشاهد عما إذا كانت المدعى عليها الأولى تقيم مع والدتها وزوجها عندما تزوجت قرر أنها تقيم بشارع......... ولا يعرف ما إذا كان تم تأجير الشقة من الباطن من عدمه ولا يعرف من يسدد الإيجار أو ما إذا كانت المالكة وافقت على التأجير من عدمه وأضاف الشاهد بأنه لا يرى المدعى عليها الأولى بالعين واستطرد أنه كان يكوي للمدعى عليها الأولى قبل زواجها ووالدتها وبعد الزواج كان يكوي لوالدتها ثم قرر بأن شقة النزاع تقع على اليمين بالنسبة للصاعد على السلم..."، فإن هذه الأقوال تحتمل إفادة ما خلص إليه الحكم المطعون فيه من أن المطعون عليها لم تكن تقيم بشقة النزاع مع والداتها وقت وفاتها وإنما كانت تقيم مع زوجها في مكان آخر ولا على الحكم إذا ما أخذ بمدلول هاتين الشهادتين ورجحهما على شهادة شاهدي الطاعنة لأن تقدير أقوال الشهود واستخلاص الواقع منها مما يستقل به قاضي الموضوع الذي له أن يأخذ بمعنى للشهادة تحتمله عباراتها دون معنى آخر ولو كان محتملاً، كما لا تثريب عليه إذا لم يورد جميع أقوال الشهود إذ حسبه أن يشير إلى مضمونها وفقاً لفصيلاتها الواردة بالحكم الابتدائي بما ينبئ عن مراجعتها، ومن ثم فإن ما تثيره الطاعنة في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل لا يقبل أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم وكان شرط تقديم مستندات في فترة حجز الدعوى للحكم هو أن تكون المحكمة قد صرحت بتقديمها واطلع الخصوم عليها، وليس يكفي في ذلك إعلان الحافظة ولو تضمنت فحوى المستند ما دام لم يثبت اطلاع الخصم عليه بذاته، وكان البين من الأوراق أن المحكمة لم تصرح للخصوم بتقديم مستندات في فترة حجز الدعوى للحكم، كما أن الطاعنة اكتفت بإعلان المطعون عليها بوجه الحافظة دون أن تدلل على ثبوت اطلاعها على المستندات ذاتها، فإن استبعاد الحكم لهذه المستندات ليس فيه، ما يعاب، لا يغير من ذلك استناد الحكم المطعون فيه لبعضها من واقع سبق إثبات فحواها بحكم محكمة أول درجة طالما لم تنع الطاعنة على مضمون هذه المستندات بمخالفة الثابت بالأوراق، ولا يرتب ذلك إخلالاً بحق الدفاع. لما كان ما سلف وكانت محكمة الموضوع غير ملزمة بتتبع الخصوم في مختلف مناحي أقوالهم وحججهم والرد استقلالاً على كل منهما فإن النعي على الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع يكون على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.