جلسة 29 من نوفمبر سنة 1954
برياسة السيد الأستاذ
أحمد محمد حسن رئيس المحكمة، وحضور السادة: عبد العزيز محمد، وسليمان ثابت وكيلي
المحكمة، وإبراهيم خليل، ومحمد نجيب أحمد، ومصطفى فاضل، وعبد العزيز سليمان، وأحمد
العروسي، ومصطفى حسن، وحسن داود، ومحمود إبراهيم إسماعيل، ومحمود عياد، وأنيس
غالى، ومصطفى كامل، ومحمد أمين زكي، ومحمد فؤاد جابر المستشارين.
-------------------
(2)
الطلب رقم 5 سنة 24
القضائية "تنازع الاختصاص"
)أ) تنازع الاختصاص. مجالس ملية.
انضمام الزوجة المارونية
إلى طائفة الروم الكاثوليك التي ينتمى إليها زوجها. عقد زواجهما في كنيسة الروم
الكاثوليك وعماد أولادهما حسب طقوس هذه الكنيسة. ثبوت الاختصاص في المنازعات
المتعلقة بهذا الزواج إلى المجلس الملي لطائفة الروم الكاثوليك.
(ب) تنازع الاختصاص.
الإقرار بالانضمام إلى
إحدى الطوائف الدينية. ارتباطه بالولاية على النفس. القول بأنه يلزم لصحته بلوغ سن
الرشد اللازم لصحة التصرفات المالية. في غير محله. يكفى بلوغ السن التي تزول فيها
على الولاية على النفس.
(ج) تنازع الاختصاص.
مجالس ملية.
المجلس الملي لطائفة
الروم الكاثوليك. اختصاصه بمسائل الأحوال الشخصية لهذه الطائفة. الأساس الذي يرتكز
عليه هذا الاختصاص. القانون رقم 8 لسنة 1915.
---------------
1 - متى كانت الزوجة وهى
مارونية أصلا قد انضمت قبل زواجها إلى طائفة الروم الكاثوليك التي ينتمى إليها
زوجها وعقد زواجهما في كنيسة الروم الكاثوليك التي انتمت إليها وتم عماد أولادهما
حسب طقوس هذه الكنيسة، فإن المجلس الملي لطائفة الروم الكاثوليك يكون هو المختص
بنظر المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية بين هذين الزوجين ولا يؤثر على هذا
الاختصاص استصدار الزوجة شهادة من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تفيد انتمائها إلى
هذه الطائفة متى كانت قد ظلت حتى بعد نشوب الخلاف بينها وبين زوجها تعتبر نفسها من
طائفة الكاثوليك والتجأت فعلا إلى مجلس ملى الأقباط الكاثوليك ورفعت دعوها أمامه
بطلب الحضانة والنفقة، وكانت الشهادة المذكورة تناقص الثابت بالأوراق من انتمائها
إلى طائفة زوجها ولا يبين منها متى وكيف انتمت إلى طائفة الأقباط الأرثوذكس وهل
كان هذا الانتماء سابقا على زواجها أم لاحقا له.
2 - الإقرار بالانضمام إلى
إحدى الطوائف الدينية مرتبط بالولاية على النفس دون المال فلا يشترط لصحته أن يكون
المقر قد بلغ الحادية والعشرين ميلادية وهى سن الرشد القانوني اللازم لصحة
التصرفات المالية بل يكفى بلوغ سن الخامسة عشر التي تزول فيها الولاية على النفس.
وإذن فمتى كانت الزوجة عند إقرارها بالانضمام إلى طائفة الروم الكاثوليك قد جاوزت
سن الخامسة عشر فزالت عنها الولاية على النفس وأصبحت تملك مباشرة زواجها بنفسها،
فإنه يكون في غير محله الطعن على هذا الإقرار بالبطلان لعدم بلوغها سن الحادية
والعشرين ميلادية وقت صدوره منها.
3 - مهما يكن الرأي في الفرمانات
التركية الصادرة في شأن اختصاص مجالس الطوائف الملية وسريانها بذاتها في مصر أو
حاجتها إلى تشريع خاص يصدر بنفاذها وكذلك ما إذا كانت تلك المجالس تختص بالفصل في مسائل
الأحوال الشخصية الخاصة برعايا الطوائف من أبناء الملة الواحدة على سبيل التحكيم
أو سبيل القضاء الملزم مهما يكن الرأي فإنه لا نزاع في أن طائفة الروم الكاثوليك هي
من الطوائف التي كان معترفا لمجلسها الملي بولاية الفصل في المنازعات الخاصة
بالأحوال الشخصية التي تقوم بين أبناء هذه الطائفة، ولما كان القانون رقم 8 لسنة
1915 قد نص في مادته الأولى على استمرار السلطات القضائية الاستثنائية المعترف بها
حتى الآن في الديار المصرية إلى حين الإقرار على أمر آخر بالتمتع بما كان لها من
حقوق عند زوال السيادة العثمانية، وكان مقتضى ذلك أن السلطات القضائية المذكورة هي
والهيئات التي تمارس تلك السلطات أعمالها يكون مخولا لها بصفة مؤقتة جميع
الاختصاصات والحقوق التي كانت تستمدها لغاية الآن من المعاهدات والفرمانات
والبراءات العثمانية، فإن المجلس الملي لطائفة الروم الكاثوليك أصبح يستمد ولايته
في مسائل الأحوال الشخصية من القانون رقم 8 لسنة 1915 فلا محل للجدل في أصل
مشروعية ولايته التي كان يباشرها قبل صدور القانون المذكور.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق
وسماع مرافعة المحامين عن الطرفين والنيابة العامة وبعد المداولة.
من حيث إن حاصل الطلب كما
يبين من أوراقه والمستندات المقدمة فيه أنه في 23 من أغسطس سنة 1946 تزوج الطالب
بالمدعى عليها الأولى في كاتدرائية الروم الكاثوليك بالقاهرة وكانت الزوجة مارونية
أصلا وقبل زواجها أى في 19 من أغسطس سنه 1946 وقعت محضرا أعلنت فيه انضمامها إلى
طائفة الروم الكاثوليك، وأنها تخضع لقانون الأحوال الشخصية وللمحاكم الكنسية
الخاصة لطائفة الروم الكاثوليك، وقد أثمر هذا الزواج طفلين نجيب ونهاد عمدا في كنيسة
الروم الكاثوليك الأول في 23 من يوليو سنة 1949 والثانية في 29 من سبتمبر سنة 1951
- وينتهى الطالب إلى أن زوجته تنكرت له - وأقامت عليه دعوى لدى مجلس ملى فرعى
الأقباط الكاثوليك بالقاهرة - تطلب فيها القضاء لها بإلزامه بأن يدفع لها نفقة
شهرية مقدارها اثنا عشر جنيها مع ضم وتسليم الطفلين نجيب ونهاد إليها ويقول الطالب
إنه قد حدد لنظر تلك الدعوى جلسة 29 من مايو سنة 1953 فأرسل في 9 من مايو سنة 1953
خطابا مسجلا إلى رئيس المجلس معترضا على رفع الدعوى أمام المجلس الملي المذكور
لأنه لا اختصاص له وطلب شطب الدعوى وتكليف المدعى عليها بالالتجاء إلى الجهة
المختصة والتي تم الزواج على يديها - وفى 4 من يونيه سنة 1953 أقام الطالب دعوى ضد
زوجته أمام المحكمة الكنسية طلب فيها الفراق الدائم وحرمان الزوجة من النفقة وضم
الأولاد إليه - وبجلسة 4 من يوليه سنة 1953 دفعت الزوجة الدعوى بعدم الاختصاص
لأنها غيرت مذهبها وانتمت إلى طائفة الأقباط الأرثوذكس وقالت إنها رفعت دعوى أمام
محكمة الوايلي الشرعية بطلب النفقة من زوجها وقد وصل إلى رئيس المحكمة الكنيسة
كتاب من مطرانية الجيزة للأقباط الأرثوذكس تاريخه 2 يوليه سنة 1953 يفيد أن المدعى
عليها الأولى تقدمت إلى سيادة مطران الجيزة بطلب الانضمام إلى الكنيسة القبطية
الأرثوذكس بتاريخ أول مايو سنة 1953. وفي 15 منه تقرر قبولها واعتبرت تابعة
للطائفة القبطية الأرثوذكسية، وفى 26 من أغسطس سنة 1953 قضت المحكمة الكنسية
الابتدائية باختصاصها بالنظر والفصل في الدعوى وبالفراق الدائم بين الطالب وزوجته
لأنها خانت عهد الزوجية وأخلت بوجباتها مع بقاء رابطة الزوجية وبضم الأولاد إلى
الزوج وحرمان الزوجة من النفقة - وفى 27 من أغسطس سنة 1953 رفع الطالب دعوى أمام
المجلس الملي الابتدائي وقضى المجلس غيابيا في 4 من سبتمبر سنة 1953 بضم الولدين
إلى والدهما واعتبار الزوجة ناشزا وإسقاط حقها في النفقة - فعارضت المدعى عليها في
الحكم المذكور فرفضت معارضتها في 12 من فبراير سنة 1954 - فرفعت استئنافا عن هذا
الحكم فأيده المجلس الملي الاستئنافي في 21 من أبريل سنة 1954 وفي أثناء هذا
النزاع لجأت المدعى عليها إلى محكمة الوايلي الشرعية ورفعت على الطالب الدعويين رقمي
809 و810 سنة 1953 طلبت في الأولى الحكم عليه بأن يسلمها ولديها منه نجيب ونهاد
لتقوم بحضانتهما - وفى الثانية منهما الحكم عليه بأن يدفع لها مبلغ اثنى عشر جنيها
نفقة لها - وقد دفع الطالب الدعويين بدفعين - الأول - عدم اختصاص المحكمة بنظر
الدعوى لأن الطرفين من طائفة الروم الكاثوليك ولهما مجلس ملى مختص بنظر قضاياهما
الشخصية - والثاني - الدفع بعدم الاختصاص لأن الطرفين أجنبيان وأن الجهة المختصة
هى المحاكم - فرفضت المحكمة الدفعين وقضت في الدعويين بطلبات المدعى عليها. فاستأنف
الطالب الحكمين لدى محكمة القاهرة الابتدائية الشرعية فأيدتهما لأسبابهما وذلك في 20
من ديسمبر سنة 1953.
ومن حيث إن الطالب قدم
الطلب الحالي في 27 من أبريل سنة 1954 لرئيس محكمة النقض طالبا - أولا - وبصفة
مستعجلة مؤقتة إيقاف تنفيذ الحكمين الصادرين من محكمة الوائلي الشرعية بتاريخي 28
من أكتوبر سنة 1953 في القضية رقم 809 سنة 1953 والقضية رقم 810 سنة 1953 والقاضي
- أولهما بضم الولدين نجيب ونهاد إليها والقاضي - ثانيهما - بتقرير نفقة قدرها 12
ج إليها بأنواعها من 19/ 5/ 1953 والمؤيدين استئنافيا من محكمة مصر الشرعية بتاريخي
20/ 12/ 1953 وذلك حتى يقضى من محكمة النقض موضوعا في انعدام ولاية المحكمة
الشرعية في الفصل في هذا النزاع - وثانيا - عرض الموضوع على الجمعية العمومية
لمحكمة النقض لتقضى المحكمة بانعدام أثر الحكمين المذكورين وإيقاف تنفيذهما نهائيا
لانعدام ولاية المحكمة الشرعية فيما قضت فيه بالحكمين سالفى الذكر مع إلزام
المطعون عليها بالمصاريف، وفى 11 من مايو سنة 1954 صدر الأمر بوقف تنفيذ الحكمين
الشرعيين وذلك مؤقتا حتى يفصل من الجمعية العمومية لمحكمة النقض في موضوع الطلب.
ومن حيث إن أساس طلب
الطاعن يتحصل في أن الحكم الصادر من المجلس الملي بضم الولدين إلى والدهما
(الطالب) ليتولى حضانتهما واعتبار السيدة إيفون إلياس توما الناصري (المدعى عليها)
ناشزا وسقوط حقها من النفقة - هو حكم صدر من المجلس الملي في حدود ولايته وذلك -
لأن الثابت أن زواج المدعى عليها قد انعقد تحت سلطان القوانين التي تدين بها طائفة
الروم الكاثوليك والتي يتبعها الطرفان المتنازعات. وذلك بإقرارها القضائي الكتابي
الذي وقعت عليه بمحض رضاها وكامل حريتها في 19من أغسطس سنة 1946 قبل زواجها
بالطالب - ذلك الإقرار الذي قبلت فيه اختصاص مجلس الطائفة في الحكم في كافة المنازعات
المتعلقة بالأحوال الشخصية ثم استمرت في احترامها لقوانين تلك الكنيسة وعمدت
ولديها بها وقد صدق قسم الرأي بمجلس الدولة على الحكم لحيازته الشكل القانوني، مما
ينتفي معه كل اختصاص للمحكمة الشرعية في نظر ما طرح عليها من نزاع.
ومن حيث إن المدعى عليها
طلبت رفض طلب وقف تنفيذ الحكمين الصادرين من المحكمة الشرعية لصدورهما منها في حدود
ولايتها وفيما قضيا به من أن الحكم الصادر من المجلس الملي لا يصح الاعتداد به
لصدوره منه في غير حدود ولايته - وذلك استنادا إلى أن المجلس الملي للروم
الكاثوليك لم يكن مختصا بنظر ما طرحه عليه الطالب من نزاع لانعدام ولايته القضائية
تأسيسا على أن التشريعات المصرية جاءت أحكامها قاصرة على تنظيم المجالس الملية
للأقباط الأرثوذكس وطائفة الإنجيليين والأرمن الكاثوليك دون سواها - أما المجالس
الملية الأخرى التي لم يصدر تشريع مصري خاص بها فلا ولاية لها في الفصل فيما ينشأ
من نزاع بين أفراد الطوائف التابعين لها ولا يرد على ذلك بأن القانون رقم 8 لسنة
1915 قد خوّل هذه المجالس اختصاصا قضائيا ذلك أن الفرمانات الصادرة من الدولة
العلية لا تعتبر نافذة في مصر إلا إذا صدر قانون يقضى بنفاذها. كما أن الخط الهمايوني
الصادر في فبراير سنة 1856 لم يخوّل هذه المجالس اختصاصا فضائيا مانعا من اختصاص
أية محكمة أخرى بل كل ما خوله إياها إنما هو الاختصاص على سبيل التحكيم فقط يضاف
إلى ذلك أن طرفي الخصومة مختلفا الملة - إذ المدعى عليها كانت من طائفة المارونيين
الكاثوليك والطالب رومي كاثوليكي. أما ما يذهب إليه الطالب من أن المدعى عليها
انضمت إلى طائفته بموجب الإقرار الموقع عليه منها فهي إنما وقعته وقت قصرها - ولما
كان هذا الإقرار من أعمال التصرف فانه يشترط لصحته أن يكون المقر عاقلا بالغا
مختارا غير محجور عليه - ومن ثم لا يكون له أثر ملزم وتبعا تكون الولاية فيما ينشأ
بين الزوجين من نزاع للمحاكم الشرعية دون سواها لاختلاف ملتهما - أما ما يأخذه
الطالب على المدعى عليها من كونها غيرت مذهبها من رومية كاثوليكية إلى قبطية
أرثوذكسية - وأن هذا التغبير قد تم بطريق التحايل - فهو ادعاء لا يغير من جوهر
الأمر شيئا لأن المدعى عليها تخالف الطالب في مذهبه والطائفة التي ينتمى إليها منذ
الزواج ومع ذلك فإنها كانت قد غيرت مذهبها وانضمت إلى طائفة الأقباط الأرثوذكس قبل
اتخاذ أية خطوة قضائية سواء من جانبها أو من جانب الطالب مما ينقض معه مظنة
التحايل.
ومن حيث إن الطالب - أضاف
في مذكرته المقدمة إلى هذه المحكمة أساسا أخر لدعواه يقول إنه كان كافيا وحده
للحيلولة دون ولاية المحاكم الشرعية بالنظر والفصل في دعوى المدعى عليها، ذلك أنه
تمسك أمام المحكمة الشرعية بأنه أجنبي الجنسية, "لبناني" - تمسك بهذا
الدفاع لدى المحكمة الشرعية وقدم إليها أدلته عليه - إلا أنها رفضته تأسيسا على أن
الأجانب الذين تنعزل ولايتها عن النظر في منازعات أحوالهم الشخصية هم أولئك
الأجانب أصحاب الامتيازات والمنتمون إلى الدولة الموقعة على معاهدة منترو أما من
عداهم من الأجانب فيخضعون في أحوالهم الشخصية لاختصاصها. مع أن هذا الذي قررته
وأقامت عليه قضاءها برفض الدفع بعدم الاختصاص وباختصاصها بنظر الدعوى - مخالف
لصريح نص الفقرة الثانية من المادة 12 من القانون رقم 147 لسنة 1949 بإصدار قانون
نظام القضاء والتي تنص على أن المحاكم تختص بالنسبة إلى غير المصريين بالفصل في المنازعات
والمسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية.
ومن حيث إن النيابة
العامة أبدت رأيها، بأنه على فرض أن الجنسية الأجنبية غير متوافر دليلها وأن
الطالب والمدعى عليها مصريان، فانهما ينتميان إلى طائفة واحدة ومن ملة واحدة وأن
ما لجأت إليه المدعى عليها من تغيير لطائفتها إنما قصد به الهرب من الأحكام الخاصة
بطائفتها وانتهت إلى طلب وقف تنفيذ الحكمين الشرعيين.
ومن حيث إنه يبين مما
تقدم أن الأساس الأول الذي يقيم عليه الطالب طلبه بأنه غير مصري، ومن ثم تكون
المحاكم هي المختصة وحدها بنظر ما نشأ بينه وبين المدعى عليها من نزاع حول الحضانة
والنفقة، باعتبار أنهما من مواد الأحوال الشخصية عملا بنص الفقرة الثانية من
المادة 12 من القانون رقم 147 لسنة 1949 هذا الأساس عار عن الدليل، إذ لم يقدم
الطالب لهذه المحكمة دليلا رسميا على انتمائه إلى دولة أجنبية وكل ما قدمه شهادة من
القنصلية اللبنانية غير مصدق عليها من وزارة الخارجية. وهى وحدها لا تكفى لإثبات
الجنسية الأجنبية المدعاة.
ومن حيث إنه بالنسبة
للأساس الثاني الذي أقام عليه الطالب دعواه، من أنه والمدعى عليها متحدان ملة ومن
ثم يخضعان في خصوص أحوالهما الشخصية إلى مجلس ملى الروم الكاثوليك، فإنه يبين مما
سبق إيراده أنه بتاريخ 19 من أغسطس سنة 1946 أقرت المدعى عليها وقد كانت مارونية,
"أنها ارتضت بملء اختيارها أن تتبع مذهب زوجها الرومي الكاثوليكي في شئون
الأحوال الشخصية وفى محاكم تلك الطائفة" بغية التوافق التام بينهما، وفى 24
من أغسطس سنة 1946 انعقد زواجهما في كنيسة الروم الكاثوليك كما أن ولديهما نجيب
ونهاد عمدا في تلك الكنيسة وفى 5 من مايو سنة 1953 تقدمت المدعى عليها إلى المجلس الملي
الفرعي "للأقباط الكاثوليك" بطلب الحكم لها بالنفقة وبحضانة الولدين وفى
9 من مايو سنة 1953 حرر الطالب خطابا مسجلا لذلك المجلس أوضح فيه وزوجته لا
ينتميان إلى طائفة الأقباط الكاثوليك ويطلب شطب الدعوى. ثم في 15 من مايو سنة 1953
حصلت المدعى عليها على شهادة من مطران كرسي الجيزة والقليوبية وقويسنا ورد فيها
"أن المطران يشهد بأن السيدة إيفون إلياس كريمة إلياس عبده الناصري المقيمة
بشارع القبيسي رقم 100 بالظاهر زوجه البير نجيب عواد هي قبطية أرثوذكسية وخاضعة
للكنيسة القبطية الأرثوذكسية ولقوانين مجالسها الملية.
وحيث إنه يخلص مما تقدم
أن المدعى عليها كانت قد انضمت قبل زواجها إلى الطائفة التي ينتمى إليها زوجها
الطالب وعقد زواجهما في كنيسة الروم الكاثوليك التي انتمت إليها. وهى طائفة زوجها
وتم عماد أولادهما حسب طقوس هذه الكنيسة. واستمر الحال كذلك إلى أن شجر بينها وبين
زوجها النزاع فلجأت إلى مجلس ملى الأقباط الكاثوليك في 5 من مايو سنة 1953 فاعترض
الطالب على اختصاصه وبعدئذ استصدرت من مطران كرسي الجيزة والقليوبية ومركز قويسنا
شهادة في 15 من مايو سنة 1953 بأنها قبطية أرثوذكسية وخاضعة للكنيسة القبطية
الأرثوذكسية ولقوانين مجالسها الملية، وهى شهادة لا يعتد بها لتناقضها مع الثابت
بالأوراق من انتمائها إلى طائفة المدعى -على ما سبق بيانه، ولأنه لا يبين من هذه
الشهادة متى وكيف انتمت المدعى عليها إلى طائفة الأقباط الأرثوذكس، وهل كان هذا الانتماء
سابقا على زواجها أم لاحقا له، في حين أنها لغاية يوم 5 من مايو سنة 1953 كانت
تتمسك باختصاص مجلس ملى فرعى الأقباط الكاثوليك وقد لجأت إليه فعلا برفع دعواها
أمامه بطلب الحضانة والنفقة بما يستفاد منه أنها لغاية هذا التاريخ كانت تعتبر
نفسها من طائفة الكاثوليك، أما ما تذهب إليه المدعى عليها من أن الإقرار الصادر
منها في 19 من أغسطس سنة 1946 بالانضمام إلى طائفة زوجها غير ملزم لها لصدوره منها
وهي قاصر إذ كان سنها إذ ذاك سبعة عشر عاما وكسور هذا الذي تذهب إليه مردود بأن
بلوغ سن الرشد القانوني، وهو إحدى وعشرون سنة ميلادية هو مناط صحة التصرفات
المالية، والإقرار بالانضمام إلى إحدى الطوائف ليس من بينها - إذ هو مرتبط
بالولاية على النفس دون المال.
ومن حيث إنه لما كانت
المدعى عليها كانت قد بلغت أكثر من خمسة عشر عاما وهى السن التي تزول فيها الولاية
على النفس - وتصبح ولا ولاية لأحد على نفسها وتملك مباشرة عقد زواجها بنفسها - إذ
هو خالص حقها - وقد زوجت نفسها فعلا - لما كان ذلك - فإن إقرارها بالانضمام إلى
طائفة الروم الكاثوليك التي ينتمى إليها الطالب يكون صحيحا منتجا لكافة آثاره
القانونية.
ومن حيث إن ما ذهبت إليه
المدعى عليها من أن المجلس الملي للروم الكاثوليك غير مختص بالفصل فيما قام بينهما
وبين الطالب من نزاع تأسيسا على أنه لم يصدر بشأنه تشريع خاص وأن القانون رقم 8
لسنة 1915 لم يخول هذا المجلس اختصاصا قضائيا وأن الفرمانات الصادرة من الدولة
العلية لا تعتبر نافذة في مصر إلا إذا صدر قانون يقضي بنفاذها. هذا الدفاع مردود
بما جرى به قضاء هذه المحكمة من أنه مهما يكن الرأي في الفرمانات التركية الصادرة
في شأن اختصاص مجلس الطوائف الملية وسريانها بذاتها في مصر أو حاجتها إلى تشريع
خاص يصدر بنفاذها وكذلك ما إذا كانت تلك المجالس تختص بالفصل في مسائل الأحوال
الشخصية برعايا الطوائف من أبناء الملة الواحدة على سبيل التحكيم أو على سبيل
القضاء الملزم مهما يكن الرأي فانه لا نزاع في أن طائفة الروم الكاثوليك هي من
الطوائف التي كان معترفا لمجلسها الملي بولاية الفصل في المنازعات الخاصة بالأحوال
الشخصية ومنها (مسائل النفقات بين الزوجين والحضانة التي تقوم بين أبناء الطائفة)
ولما كان القانون رقم 8 لسنة 1915 قد نص في المادة الأولى منه على أن السلطات
القضائية الاستثنائية المعترف بها حتى الآن في الديار المصرية تستمر إلى حين الإقرار
على أمر آخر على التمتع بما كان لها من الحقوق عند زوال السيادة العثمانية، وعلى
ذلك فان السلطات القضائية المذكورة هي والهيئات التي تمارس تلك السلطات أعمالها
يكون مخولا لها بصفة مؤقتة جميع الاختصاصات والحقوق التي كانت تستمدها لغاية الآن
من المعاهدات والفرمانات والبراءات العثمانية ومن مقتضى ذلك أن المجلس الملي
لطائفة الروم الكاثوليك أصبح يستمد ولايته من القانون رقم 8 لسنة 1915 فلا محل
للجدل في أصل مشروعية ولايته التي كان يباشرها قبل صدور هذا القانون.
ومن حيث إنه يخلص مما
تقدم - أن المجلس الملي الاستئنافي لطائفة الروم الكاثوليك - إذ قضى في 21 من
أبريل سنة 1954 بضم الولدين إلى والدهما (الطالب) ليتولى حضانتهما واعتبار المدعى
عليها ناشزا وبسقوط حقها من النفقة قد قضى في حدود ولايته - وأن الحكمين الصادرين
من محكمة القاهرة الابتدائية الشرعية في 20 من ديسمبر سنة 1953 بتأييد الحكمين
الصادرين من محكمة الوائلي الشرعية في 28 من أكتوبر سنة 1953 القاضي أولهما بفرض
اثنى عشر جنيها شهريا للمدعى عليها على الطالب لنفقتها بأنواعها من 19 من مايو سنة
1953 والثاني بإلزامه بأن يسلمها ولديها منه نجيب ونهاد لتقوم بحضانتهما - قد صدرا
منها في نزاع لا ولاية لها بالفصل فيه - ولما كان هذان الحكمان الصادران من
المحكمة الشرعية مناقضين للحكم السابق الصادر من المجلس الملي للروم الكاثوليك -
فإنه يتعين وقف تنفيذ الحكمين الشرعيين.