برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ جمال طه إسماعيل ندا رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة.
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ أحمد عبد العزيز إبراهيم أبو العزم ود. هاني أحمد الدرديري ود. عبد الفتاح صبري أبو الليل ومحمد عبد الحميد عبد اللطيف إبراهيم وبخيت محمد محمد إسماعيل وسالم عبد الهادي محروس جمعة ولبيب حليم لبيب ومحمود محمد صبحي العطار وحسن كمال محمد أبو زيد شلال وأحمد عبد الحميد حسن عبود. نواب رئيس مجلس الدولة
-------------------
1 - موظف.
تأديب- التحقيق- تصرف النيابة الإدارية فيما تجريه من تحقيقات- إذا تولت النيابة الإدارية التحقيق فإنها تملك إما إحالة العامل إلى المحاكمة التأديبية، أو إلى النيابة العامة إذا أسفر التحقيق عن جريمة جنائية، أو إحالة الأوراق إلى الجهة الرئاسية المختصة لعقاب الموظف المخطئ بإحدى العقوبات التي يجوز توقيعها؛ اختصارا للإجراءات، ومنعا لتراكم العمل بالمحاكم التأديبية.
2 - موظف.
تأديب- التحقيق في المخالفات المالية- تصرف الجهات الرئاسية فيه- اختص المشرع الجرائم ذات الطابع المالي بأحكام متميزة، فلم يجعل قرارات الجهة الرئاسية بالتصرف في التحقيق في هذه الجرائم نهائية- نظم المشرع نوعا من التعقيب عليها لرئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، فأوجب على الجهات الإدارية إخطار الجهاز بجميع القرارات الصادرة عنها في شأن المخالفات المالية التي وقعت فيها، وأعطى رئيس الجهاز حق طلب تقديم العامل إلى المحاكمة التأديبية خلال ثلاثين يوما من تاريخ ورود الأوراق كاملة إليه، وأوجب على النيابة الإدارية إقامة الدعوى التأديبية خلال مدة الثلاثين يوما التالية- اعتبر المشرع العامل محالا للمحاكمة التأديبية من تاريخ طلب رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات من النيابة الإدارية إقامة الدعوى التأديبية ضده، ورتب على هذه الإحالة عدم جواز قبول استقالة الموظف المحال إلى المحاكمة التأديبية وعدم جواز ترقيته.
3 - موظف.
تأديب- طبيعة الميعاد المقرر لرئيس الجهاز المركزي للمحاسبات للاعتراض على الجزاء الإداري وطلب إحالة العامل الذي ارتكب مخالفة مالية إلى المحاكمة التأديبية- هذا الميعاد ميعاد سقوط، فيسقط حق الجهاز المركزي للمحاسبات في الاعتراض على قرار الجزاء بفواته- هذا الميعاد مقرر لمصلحة الموظف، فلو ترك دون وضع حد أقصى له لظل موقف الموظف معلقا تحت سطوة الاعتراض إلى أجل غير مسمى.
4 - موظف.
تأديب- طبيعة الميعاد الذي يجب في خلاله على هيئة النيابة الإدارية إقامة الدعوى التأديبية بناء على طلب رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات- هذا الميعاد ميعاد سقوط- يجب على المحكمة التأديبية أن تقضي به من تلقاء نفسها- هذا الميعاد مقرر لمصلحة الموظف، حتى لا يظل سيف الاتهام مسلطا على متهم الأصل فيه البراءة، وحتى يستقر وضعه الوظيفي، ومقرر أيضا لمصلحة النيابة الإدارية؛ حتى لا تضيع معالم المخالفة وتختفي أدلتها.
------------------
الوقائع
في يوم الثلاثاء الموافق 14/4/2009 أودعت هيئة النيابة الإدارية قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن في الحكم الصادر عن المحكمة التأديبية للتعليم بجلسة 23/2/2009 في الدعوى رقم 60 لسنة 50ق، القاضي بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون.
وطلب الطاعن (رئيس هيئة النيابة الإدارية) – للأسباب التي أوردها بتقرير طعنه – الحكم بقبول الطعن شكلا، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، وبمعاقبة المطعون ضده بالعقوبة المناسبة.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإعادة الدعوى التأديبية إلى المحكمة التأديبية للتعليم للفصل فيها بهيئة مغايرة.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون على النحو الثابت بالمحاضر، حيث قررت بجلستها المنعقدة بتاريخ 26/2/2014 إحالته إلى الدائرة المنصوص عليها في المادة 54 مكررا من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972؛ لوجود تعارض بين أحكام المحكمة الإدارية العليا في شأن الميعاد المحدد لمباشرة النيابة الإدارية للدعوى التأديبية بناء على طلب رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، فهناك أحكام قضت بأن ميعاد إقامة الدعوى التأديبية ميعاد تنظيمي، وأحكام أخرى قضت بأنه ميعاد سقوط.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني ارتأت فيه تأييد الاتجاه الوارد في أحكام المحكمة الإدارية العليا بأن ميعاد تحريك الدعوى التأديبية ميعاد تنظيمي وليس ميعاد سقوط.
وتحددت لنظر الطعن أمام هذه الدائرة جلسة 7/6/2014، وتدوول نظره بالجلسات على الوجه المبين بالمحاضر، وبجلسة 7/2/2015 قررت المحكمة حجز الطعن لإصدار الحكم فيه بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
----------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة قانونا. من حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص – حسبما يبين من الأوراق – في أنه بتاريخ 28/1/2008 أودعت هيئة النيابة الإدارية قلم كتاب المحكمة التأديبية للتعليم ملف القضية رقم 246 لسنة 2007 تعليم ثالث، وتقريرا باتهام ... المدرس بمدرسة ...... التجريبية التابعة لإدارة السلام التعليمية بأنه خلال عامي 2005/2006 بوصفه السابق لم يؤد العمل المنوط به بأمانة وسلك مسلكا لا يتفق والاحترام الواجب للوظيفة وخالف القواعد المنظمة للإجازات بأن:
1– اشترك مع مجهول في اصطناع إخطارات إجازات مرضية وعددها 12 إخطارا غير صحيحة ومخالفة للحقيقة، بأن قدمها إلى جهة عمله مما ترتب عليه حصوله على إجازات مرضية لمدة 248 يوما وصرف أجره كاملا عن فترات الإجازات المذكورة دون وجه حق.
2– انقطع عن العمل خلال الفترات المشار إليها دون إتباع القواعد المنظمة للإجازات.
3- استولى على أموال الجهة الإدارية بحصوله على أجره كاملا عن أيام انقطاعه عن العمل الفترات السابق ذكرها، رغم عدم استحقاقه لها.
وارتأت النيابة الإدارية أن المتهم المذكور ارتكب المخالفات المالية والإدارية المنصوص عليها في المواد 62 و76/1/3 و78/1 من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 وطلبت محاكمته تأديبيا.
وبجلسة 23/9/2009 قضت المحكمة المذكورة بعدم قبول الدعوى، وأقامت قضاءها على أن الثابت من الأوراق أن النيابة الإدارية أجرت تحقيقا في المخالفات المنسوبة إلى الطاعن في القضية رقم 246 لسنة 2007، وانتهت فيها إلى طلب مجازاته إداريا مع أخذه بالشدة، واستنادا إلى ذلك أصدرت الجهة الإدارية قرارا بمجازاته بخصم خمسة عشر يوما من راتبه، وأخطرت به في 26/11/2007 رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، فطلب في 16/12/2007 تقديم الموظف المذكور إلى المحاكمة التأديبية، ومن ثم كان يتعين على النيابة الإدارية إقامة هذه الدعوى خلال مدة الثلاثين يوما المنصوص عليها قانونا، أما وقد أقامتها في 28/1/2008 فإنها تكون قد أقامتها بعد الميعاد المقرر قانونا.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وتأويله؛ لكون الميعاد المنصوص عليه في الفقرة الثالثة من المادة الخامسة من قانون الجهاز المركزي للمحاسبات الصادر بالقانون رقم 144 لسنة 1988 ميعادا تنظيميا، وليس ميعاد سقوط.
ومن حيث إن المسألة المعروضة على هذه الدائرة تدور حول طبيعة الميعاد الذي يجب في خلاله على هيئة النيابة الإدارية إقامة الدعوى التأديبية بناء على طلب رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، وما إذا كان هذا الميعاد ميعادا تنظيميا أو ميعاد سقوط، حيث ذهب الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية العليا بجلسة 2/6/2001 في الطعن رقم 560 لسنة 41ق إلى أن الميعاد المخول لرئيس الجهاز المركزي للمحاسبات أن يعترض خلاله على قرارات الجزاء الصادرة عن الجهة الإدارية في شأن المخالفات المالية هو ميعاد سقوط، وأن الأمر يختلف بالنسبة للميعاد المحدد للنيابة الإدارية لتقيم خلاله الدعوى التأديبية فإنه ميعاد تنظيمي، وأن العلة في جعل الميعاد الأول ميعاد سقوط حيث يسقط حق الجهاز المركزي للمحاسبات في الاعتراض على قرار الجزاء بفواته ترجع إلى أنه مقرر لمصلحة الموظف، فالجهاز إما أن يعلن موافقته على قرار الجزاء، أو يعترض عليه صراحة، أو أن يقعد عن الإفصاح عن موقفه منه، فلو ترك الأمر كذلك دون وضع حد أقصى للميعاد لظل موقف الموظف معلقا تحت سطوة الاعتراض إلى أجل غير مسمى، في حين أن الأمر مختلف فيما يتعلق بميعاد إقامة الدعوى التأديبية بمعرفة النيابة الإدارية بعد اعتراض الجهاز المركزي للمحاسبات، فإن قرار الجزاء بمجرد صدور هذا الاعتراض في ميعاده القانوني بات ملغيا وزالت كل آثاره واستقر وضع الموظف فأصبح غير معاقب على المخالفة المنسوب إليه اقترافها، وتبدأ إجراءات إحالته إلى المحاكمة التأديبية، وأنه من باب استنهاض النيابة الإدارية في اتخاذ هذه الإجراءات فقد أشار إليها المشرع أن تباشر هذا الإجراء خلال ثلاثين يوما دون أن يرتب على فوات ذلك الميعاد أي سقوط.
وعلى عكس ذلك ذهبت الدائرة الرابعة عليا في حكمها الصادر بجلسة 6/12/2014 في الطعن رقم 25649 لسنة 55ق، حيث قضت بأن الميعاد المحدد للنيابة الإدارية لتقيم خلاله الدعوى التأديبية بناء على طلب رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات هو ميعاد سقوط؛ حتى لا يظل موقف الموظف معلقا تحت سطوة النيابة الإدارية إلى أجل غير مسمى.– ومن حيث إن المادة الثالثة من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية تنص على أنه: "مع عدم الإخلال بحق الجهة الإدارية في الرقابة وفحص الشكاوى والتحقيق تختص النيابة الإدارية بالنسبة إلى الموظفين الداخلين في الهيئة والخارجين عنها والعمال بما يأتي: ... 3- إجراء التحقيق في المخالفات الإدارية والمالية التي يكشف عنها إجراء الرقابة، وفيما يحال إليها من الجهات الإدارية المختصة وفيما تتلقاه من شكاوى الأفراد والهيئات التي يثبت الفحص جديتها".
وتنص المادة الرابعة على أن: "تتولى النيابة الإدارية مباشرة الدعوى التأديبية أمام المحاكم التأديبية بالنسبة إلى الموظفين المعينين على وظائف دائمة".
وتنص المادة 12 على أنه: "إذا رأت النيابة الإدارية حفظ الأوراق أو أن المخالفة لا تستوجب توقيع جزاء أشد من الجزاءات التي تملك الجهة الإدارية توقيعها أحالت الأوراق إليها ... وعلى الجهة الإدارية خلال خمسة عشر يوما من تاريخ إبلاغها بنتيجة التحقيق أن تصدر قرارا بالحفظ أو بتوقيع الجزاء".
وتنص المادة 13 على أن: "يخطر رئيس ديوان المحاسبة بالقرارات الصادرة من الجهة الإدارية في شأن المخالفات المالية ...، ولرئيس الديوان خلال خمسة عشر يوما من تاريخ إخطاره بالقرار أن يطلب تقديم الموظف إلى المحاكمة التأديبية، وعلى النيابة الإدارية في هذه الحالة مباشرة الدعوى التأديبية خلال الخمسة عشر يوما التالية".
وتنص المادة 18 على أن: "تختص بمحاكمة الموظفين المعينين على وظائف دائمة عن المخالفات المالية والإدارية محاكم تأديبية ...".
وتنص المادة 23 على أن: "ترفع الدعوى التأديبية من النيابة الإدارية بإيداع أوراق التحقيق وقرار الإحالة بسكرتارية المحكمة المختصة".
وتنص المادة 31 على الجزاءات التي يجوز للمحاكم توقيعها على العاملين.
وتنص المادة الأولى من قانون الجهاز المركزي للمحاسبات رقم 144 لسنة 1988 على أن: "الجهاز المركزي للمحاسبات هيئة مستقلة ذات شخصية اعتبارية عامة ...، تهدف أساسا إلى تحقيق الرقابة على أموال الدولة وعلى أموال الأشخاص العامة الأخرى ...".
وتنص المادة الثانية على أن: "يمارس الجهاز أنواع الرقابة الآتية:
1– الرقابة المالية بشقيها المحاسبي والقانوني.
2– الرقابة على الأداء ومتابعة تنفيذ الخطة.
3– الرقابة القانونية على القرارات الصادرة في شأن المخالفات المالية".
وتنص المادة الخامسة على أن: "يباشر الجهاز اختصاصاته في الرقابة المنصوص عليها في المادة الثانية من هذا القانون على الوجه الآتي:
أولا: ... ثانيا: ....
ثالثا: في مجال الرقابة القانونية على القرارات الصادرة في شأن المخالفات المالية:
يختص الجهاز بفحص ومراجعة القرارات الصادرة من الجهات الخاضعة لرقابته في شأن المخالفات المالية التي تقع لها، وذلك للتأكد من أن الإجراءات المناسبة قد اتخذت بالنسبة لتلك المخالفات، وأن المسئولية عنها قد حددت، وتمت محاسبة المسئولين عن ارتكابها، ويتعين موافاة الجهاز بالقرارات المشار إليها خلال ثلاثين يوما من تاريخ صدورها، مصحوبة بكافة أوراق الموضوع، ولرئيس الجهاز ما يأتي:
1– أن يطلب خلال ثلاثين يوما من تاريخ ورود الأوراق كاملة للجهاز - إذا رأى وجها لذلك - تقديم العامل إلى المحاكمة التأديبية، وعلى الجهة المختصة بالإحالة إلى المحاكمة التأديبية في هذه الحالة مباشرة الدعوى التأديبية خلال الثلاثين يوما التالية. ...". وتنص المادة 76 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 على أن: "الوظائف العامة تكليف للقائمين بها، هدفها خدمة المواطنين تحقيقا للمصلحة العامة ...، ويجب على العامل مراعاة أحكام هذا القانون وتنفيذها ...".
وتنص المادة 77 على أنه: "يحظر على العامل:
1– مخالفة القواعد والأحكام المالية المنصوص عليها في القوانين واللوائح المعمول بها.
2- مخالفة الأحكام الخاصة بضبط الرقابة على تنفيذ الموازنة العامة. ...".
وتنص المادة 78 على أن: "كل عامل يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته أو يظهر بمظهر من شأنه الإخلال بكرامة الوظيفة يعاقب تأديبياً".
وتنص المادة 87 على أنه: "لا تجوز ترقية عامل محال إلى المحاكمة التأديبية ... ويعتبر العامل محالا للمحاكمة التأديبية من تاريخ طلب الجهة الإدارية أو الجهاز المركزي للمحاسبات من النيابة الإدارية إقامة الدعوى التأديبية".
وتنص المادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 18 لسنة 2015 بإصدار قانون الخدمة المدنية على أن: "يعمل بأحكام القانون المرافق في شأن الخدمة المدنية ...".
وتنص المادة الثانية منه على أن: "يلغى قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، كما يلغى كل حكم يخالف أحكام القانون المرافق".
وتنص المادة 54 من قانون الخدمة المدنية على أنه: "يتعين على الموظف الالتزام بأحكام هذا القانون ولائحته التنفيذية وغيرهما من القوانين واللوائح والقرارات والتعليمات المنفذة لها ...".
وتنص المادة 55 على أن: "كل موظف يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته أو يظهر بمظهر من شأنه الإخلال بكرامة الوظيفة يجازى تأديبيا ...".
وتنص المادة 63 على أنه: "لا يجوز ترقية الموظف المحال إلى المحاكمة التأديبية أو الجنائية أو الموقوف عن العمل مدة الإحالة أو الوقف، وفي هذه الحالة تحجز وظيفة للموظف. وإذا برئ الموظف المحال أو قُضي بحكم نهائي بمعاقبته بالإنذار أو الخصم من الأجر لمدة لا تزيد على عشرة أيام وجب ترقيته اعتبارا من التاريخ الذي كانت ستتم فيه الترقية لو لم يحل إلى المحاكمة، ويمنح أجر الوظيفة المرقى إليها من هذا التاريخ، وفي جميع الأحوال لا يجوز تأخير ترقية الموظف لمدة تزيد على سنتين". وتنص المادة 67 على أن: "للموظف الذي جاوز سن الخمسين أن يطلب إحالته للمعاش المبكر، ما لم يكن قد اتخذت ضده إجراءات تأديبية ...".
ومفاد ما تقدم أن النيابة الإدارية إذا تولت التحقيق فإنها تملك إما إحالة العامل إلى المحاكمة التأديبية أو إلى النيابة العامة إذا أسفر التحقيق عن جريمة جنائية، أو إحالة الأوراق إلى الجهة الرئاسية المختصة لعقاب الموظف المخطئ بإحدى العقوبات التي يجوز توقيعها، والحكمة من ذلك هي اختصار الإجراءات، ومنع تراكم العمل بالمحاكم التأديبية.
وقد اختص المشرع الجرائم ذات الطابع المالي بأحكام متميزة، فلم يجعل قرارات الجهة الرئاسية بالتصرف في التحقيق في هذه الجرائم نهائية، وإنما نظم نوعا من التعقيب عليها لرئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، فأوجب في القانون رقم 144 لسنة 1988 على الجهات الإدارية إخطار الجهاز المركزي للمحاسبات بجميع القرارات الصادرة عنها في شأن المخالفات المالية التي وقعت فيها، وأعطى رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات حق طلب تقديم العامل إلى المحاكمة التأديبية خلال ثلاثين يوما من تاريخ ورود الأوراق كاملة إليه، وأوجب على النيابة الإدارية باعتبارها السلطة المختصة بالإحالة إلى المحاكمة التأديبية إقامة الدعوى التأديبية خلال مدة الثلاثين يوما التالية، واعتبر المشرع العامل محالا للمحاكمة التأديبية من تاريخ طلب رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات من النيابة الإدارية إقامة الدعوى التأديبية ضده، ورتب على هذه الإحالة عدم جواز قبول استقالة الموظف المحال إلى المحاكمة التأديبية وعدم جواز ترقيته.
وحيث إن الحكمة التي تغياها المشرع من جعل الميعاد المقرر لرئيس الجهاز المركزي للمحاسبات هو ميعاد سقوط، يسقط حق الجهاز المركزي للمحاسبات في الاعتراض على قرار الجزاء بفواته، يرجع إلى أن هذا الميعاد مقرر لمصلحة الموظف، وبالتالي فالجهاز إما أن يعلن موافقته على قرار الجزاء أو يعترض عليه أو يقعد عن الإفصاح عن موقفه منه، فإذا ترك الأمر كذلك دون وضع حد أقصى للميعاد ظل موقف الموظف معلقا تحت سطوة الاعتراض إلى أجل غير مسمى، وهي الحكمة نفسها التي أوجب بسببها المشرع على النيابة الإدارية إقامة الدعوى التأديبية على العامل خلال الثلاثين يوما التالية، وهو ميعاد مقرر أيضا لمصلحة الموظف، حتى لا يظل سيف الاتهام مسلطا على متهم الأصل فيه البراءة، وحتى لا يجمد وضعه الوظيفي فلا تقبل استقالته ويحرم من ترقياته، وهو ميعاد مقرر أيضا لمصلحة النيابة الإدارية، فإن تجاوزت هذه المدة فقد يترتب على هذا التجاوز ضياع معالم المخالفة واختفاء أدلتها، ومن ثم فإن اعتبار هذا الميعاد ميعاد سقوط يؤدي بطبيعة الحال إلى استقرار الوضع الوظيفي للعاملين، عكس الحال لو ظلوا مهددين أزمانا طويلة بشبح الاتهام، مما ينعكس أثره في مصلحة العمل وحسن سيره، فضلا عن أن مرور الثلاثين يوما دون إقامة الدعوى التأديبية ينم عن إهمال وتصرف غير معقول من النيابة الإدارية، لذلك فإنه يتعين اعتبار هذا الميعاد ميعاد سقوط، ويجب على المحكمة التأديبية أن تقضي به من تلقاء نفسها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بأن الميعاد المحدد لمباشرة النيابة الإدارية للدعوى التأديبية المنصوص عليه في المادة الخامسة من قانون الجهاز المركزي للمحاسبات رقم 144 لسنة 1988 هو ميعاد سقوط، وأمرت بإعادة الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة للفصل فيه.