الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 29 أكتوبر 2019

الطعن 26135 لسنة 84 ق جلسة 22 / 1 / 2015 مكتب فني 66 ق 19 ص 170

 جلسة 22 من يناير سنة 2015

برئاسة السيد القاضي / حسام عبـد الرحيم رئيس محكمة النقض وعضوية السادة القضاة / علي فرجـاني ، محمد رضا حسين ، محمد عبد الوهاب وأحمد الوكيل نواب رئيس المحكمة .
----------

(19)

الطعن رقم 26135 لسنة 84 القضائية


قتل خطأ . إصابة خطأ . مسئولية جنائية . مسئولية تقصيرية . مسئولية مفترضة . حكم " تسبيبه . تسبيب معيب " . نقض " أسباب الطعن . ما يقبل منها " .
الخطأ المشترك . لا يَجُب مسئولية أي من المشاركين فيه .
خطأ الغير . لا يرفع مسئولية غيره الواقع خطأ في جانبه . قد يخففها . حد ذلك ؟
عدم استيثاق القائمين على مأمورية ترحيل المساجين من تحميل سيارة الترحيلات المسئولين عن تأمينها بأعداد لا تفوق طاقتها وتوفير التهوية الكافية أو بذل العناية للحفاظ على سلامتهم . خطأ جسيم بما تفرضه عليهم أصول وظيفتهم وطبيعة مهمتهم .
قضاء الحكم بتبرئة ضباط الشرطة المسئولين عنها من تهمتي قتلهم وإصابتهم خطأ لدفع مسئوليتهم لانشغالهم بسلامة الطريق وتأمينه . قصور وفساد . يوجب نقضه والإعادة . علة ذلك ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لما كان البيِّن من الحكم المطعون فيه أنه أسس براءة المطعون ضدهم من تهمتي القتل والإصابة الخطأ على قوله : ( .... وكان الثابت للمحكمة من مطالعة الأوراق وقيد ووصف النيابة أن صور الخطأ التي نسبتها للمتهمين قد تمثلت في : 1- قيامهم بتحميل صندوق سيارة الترحيلات فوق طاقته التي أعد لاستيعابها . 2- ترك المرحلين لفترة طويلة داخل الصندوق دون أن يقوموا بفتحه لهم . 3- تركهم داخل الصندوق دون إمدادهم بالمياه والهواء اللازم للإبقاء على حياتهم نظراً لطول الغلق ولتعطيل الشفاطات ، فإن المحكمة ستبدأ حديثها بتناول الصورتين الثانية والثالثة بداية ثم ترتد لتناول الصورة الأولي بالتمحيص والبحث . فإنه وعن الصورة الثانية : فقد ثبت للمحكمة من أقوال المجني عليهم فضلاً عن أقوال المتهمين والشهود أنه قد تم فتح الباب لهم عدة مرات لمناولتهم المياه ولتمكينهم من قضاء حاجتهم ثم يعاد غلق الصندوق عليهم مرة أخرى ، ولا ترى المحكمة في ذلك ما يشكل خطأ يمكن نسبته للمتهمين وذلك لاتفاقه مع ما تقضى به التعليمات من وجوب أخذ منتهى الحيطة والحذر مع المتهمين المرحلين وعدم التهاون في ذلك ؛ لما فيه خطر محدق يهدد أفراد المأمورية وجنود السجن ذاته والمنشأة التي يتواجدون داخل أسوارها ، كما أن طول فترة الاحتجاز لا يسأل عنه المتهمون ؛ إذ إن مرجعه لأسباب تبعد كل البعد عنهم تمثلت في استثنائية تلك المأمورية من حيث عدد المرحلين الضخم والذي بلغ سبعمائة وثمانية وخمسين سجينًا والذين صدرت التعليمات بتسليمهم للسجن في وقت واحد مع ما تستغرقه كل سيارة من وقت تسليم المرحلين المتواجدين بها ، وهو الأمر الذي يكون مرجعه لإدارة السجن ولتعليمات وزارة الداخلية التي خلت من منح المتهمين سلطة التعامل بشكل استثنائي يسمح لهم بفتح الصندوق والسماح للمرحلين بالتواجد خارجه عند طول فترة الانتظار ، إلَّا أن الثابت للمحكمة أن المتهم الأول لم يدخر جهداً في حدود ما سمحت به تلك الظروف الاستثنائية من أن يقوم بفتح باب حجز السيارة عدة مرات لكي يمنح المجني عليهم المياه ويمكنهم من قضاء حاجتهم وأنه كان جادًا في ذلك وقد تبدت جديته في أمره بكسر قفل الباب عند اكتشاف فقد مفتاحه حتى يدخل المياه للمجني عليهم ثم أمره بإعادة غلق الصندوق بواسطة قيد حديدي من ذلك الذي كان بأيدي بعض المرحلين ، ومن ثم فقد انتفت تلك الصورة من صور الخطأ في حق المتهمين . وأمَّا عن الصورة الثالثة : والخاصة بواقعة تعطيل الشفاطات الخاصة بالسيارة والتي أخذتها النيابة العامة على المتهمين كإحدى صور الخطأ المنسوبة إليهم والتي أسهمت - من وجهة نظرها - في حدوث الوفاة والإصابة ، فإن المحكمة قد تشككت في سلامتها لحد بعيد وذلك أخذاً مما ثبت من مناقشة الخبير الهندسي الذي قام بمعاينة السيارة بديوان القسم بعد فترة وجيزة من وقوع الحادث والتي أسفرت عن أن الشفاطات تعمل بكفاءة ، وعند مواجهته بما أسفرت عنه معاينة النيابة التي أجريت للسيارة يوم الواقعة والتي أثبت بها أن الشفاطات لا تعمل ، عزى في إجابته ذلك إلى أمرين : أولهما : أن تكون يد الإصلاح قد امتدت إليهما بعد الحادث سعيًا لطمس معالم الجريمة ، والثاني أن يكون من أجرى المعاينة لم يكن على دراية بالطريقة الفنية السليمة التي تعمل بها وتدار فأثبت ملحوظته تلك نتيجة لذلك على الرغم من صلاحيتها للتشغيل ، والمحكمة عند استعراضها لهذين الأمرين بغية ترجيح أحدهما على الآخر ، ثبت لها من أقوال سائق السيارة أنه ليس هو سائقها الأصلي وأنه لا يعلم عن تلك السيارة شيئا سوي كيفية التعامل مع المقود ودواسة القود والفرامل ومعدل السرعات ( الفتيس ) وأنه يجهل وظائف باقي الأجهزة والأزرار التي بلوحة التحكم بالسيارة وأيها يكون مسئولاً عن تشغيل الشفاطات ، وكان الخبير الهندسي قد أوضح في أقواله أنه لكي تعمل تلك الشفاطات لابد أن يدار مفتاح التشغيل جزئيًا دون إدارة للمحرك ذاته حتى يتم توصيل دائرة الكهرباء الخاصة بالسيارة ثم يتم الضغط على زر تشغيل الشفاطات الموجود أمام السائق ، وهو ما يكشف عن ضرورة أن يكون السائق عالمًا بتلك المراحل وترتيبها حتى تعمل الشفاطات ، إلَّا أنه وقد ثبت من أقوال السائق أنه لم يكن هو السائق الأصلي لتلك السيارة وأن أحدًا لم يخبره عن كيفية تشغيل الشفاطات وأنه كان يقوم بإطفاء محرك السيارة بالكامل عند توقفه بها داخل أسوار السجن انتظارًا لحلول دوره في تسليم من معه من المرحلين ولا يقوم بتشغيله إلَّا بقدر ما يلزم لتحريك السيارة لتحل محل السيارة التي تسبقها عند تقدم الطابور للأمام كلما أنهت إحدى السيارات المتقدمة تسليم مرحليها ثم يقوم بإعادة إطفاء السيارة إطفاءً كاملاً ، فإن ذلك يكشف عن أن المتسبب في عدم عمل الشفاطات هو جهل ذلك السائق بكيفية تشغيلها ، وأن ذلك لم يكن ناشئاً عن عطب بها حال استعمال تلك السيارة لترحيل المجني عليهم ، وهو ما يضفي على أقوال المتهم .... بظلال الصدق عندما قرر أن الشفاطات كانت تعمل بكفاءة حال تحرك السيارة من ديوان القسم وحتى وصولها لفناء السجن وأنه قد تمكن من التأكد من ذلك بحكم جلوسه بجوار السائق في تلك السيارة وسماعه صوتها وهي تعمل ، الأمر الذي ترى معه انتفاء الخطأ كلية في هذا الشق في جانب المتهمين وأنه لا يد لهم فيه ، وأن مرد ذلك هو عدم انتباه السائق لحقيقة فنية كان يتعين عليه مراعاتها عند التوقف بالسيارة من عدم فصل دائرة الكهرباء بواسطة مفتاح التشغيل على نحو يؤدي لتوقف الشفاطات عن العمل لفقدانها مصدر التيار وليس لعطبها وعدم صلاحيتها ، وهو ما اتفق مع ما قرره المتهم الأول لدى استجوابه أمام المحكمة بهيئتها الاستئنافية الحالية ، وكان الالتزام بإحاطة السائق علمًا بكيفية التعامل مع تلك السيارة يقع على من اختاره لأداء ذلك العمل على الرغم من كونه غير مختص به أصلاً وليس على المتهمين الماثلين الذين كانت أذهانهم مشغولة بالاهتمام بجوانب أخرى تتعلق بسلامة الطريق وتأمينه حتى يصلوا بالمرحلين للوجهة المنشودة دون حدوث اشتباك أو مقاومة وما إلى ذلك من الظروف التي كانت تحيط بالواقعة في ذلك التوقيت والمعلومة للكافة والتي لم تكن لتسمح لهم بتوقع أن سائق السيارة يجهل كيفيـــــة إدارة الشفاطات الخاصة بها والصالحة للعمل أصلاً مما لم يثر شكهم حيالها وحيال مسألة تشغيلها من عدمه ، كما أن السائق كان لا بد أن يلفت نظر أحدهم لجهله بوظائف السيارة التي كلف بقيادتها حتى ينشأ في حقهم الالتزام بإحاطته علمًا بكيفية التعامل مع أجهزتها على النحو السليم ، أما وإن ذلك لم يحدث منه فليس عليهم في السكوت عن ذلك من سبيل ، وهي جميعًا الأمور التي تضافرت مع بعضها البعض لكي يقر في وجدان المحكمة معها أن الشفاطات لم تكن تعمل نتيجة لسلوك سائق السيارة جاهلاً غير مدرك للقواعد الصحيحة للتشغيل وليس عن عطب ألم بها وحال بينها وبين أن تعمل ، ومن ثم فإن ما نسب للمتهمين من خطأ في هذا الشق يكون غير سديد . وأما عن الصورة الأولي : والتي نسبتها النيابة العامة للمتهمين فإن المحكمة تشاطرها الرأي فيها وتتفق معها تمام الاتفاق ، في أن الخطأ قد ثبت في حق المتهمين في هذا الجانب إذ الثابت أنهم قد قاموا بتحميل السيارة عددًا من المرحلين يفوق ما أعد له صندوق الحجز بها ، إلَّا أنه ولما كان من المقرر وفق ما سلف أنه لا يكفي للإدانة في جرائم القتل والإصابة الخطأ إثبات حصول الخطأ فقط وإثبات وقوع الضرر فقط بل ينبغي أيضًا إثبات علاقة السببية بين هذا الخطأ وذلك الضرر كعلاقة السبب بالمسبب وإثبات أنه لولا هذا الخطأ لما وقع الضرر ، وأن خطأ الغير إذا ما كان يكفي بذاته لإحداث النتيجة فإنه يقطع علاقة السببية بين خطأ الجاني وبين تلك النتيجة ، وكان الثابت للمحكمة من مطالعة الأوراق وما قرره نائب كبير الأطباء الشرعيين لدى مناقشته واستجوابه أمام المحكمة بهيئتها الاستئنافية أن واقعة قتل المجني عليهم وإصابة الباقين كانت محققة الحدوث حتى وإن لم يرتكب المتهمون أي خطأ من الأخطاء المنسوبة إليهم ، فلقد كانت الوفاة والإصابة ستحدث حتى في ظل تحميل صندوق السيارة للعدد المتناسب مع مساحته من المرحلين ، وكانت ستحدث أيضًا حتى وإن وقعت تلك الواقعة في الصباح الباكر قبل اشتداد وارتفاع درجة حرارة الطقس ودون أن يتم احتجاز المرحلين المجني عليهم لوقت طويل ، كما أنها كانت حتمًا ستقع نتيجة لإطلاق الغاز حتى ولو كانت شفاطات السيارة تعمل بكفاءة ، وأنها في جميع الأحوال كانت ستقـع في حيز زمني ضيق جدًا لا يتجاوز حــد الدقائق العشر ، وهي الفــــترة التي لم تكن لتسمح لأحــــــد من المتهمين بالتدخل ليحدث فارقًا كان من الممكن أن يؤدي إلى اختلاف النتيجة التي آل إليها الموقف ، وكانت أقوال نائب كبير الأطباء الشرعيين هي الأقوال التي ترتاح إليها المحكمة ، وتأخذ وتعول عليها دون سواها من أقوال باقي من سئلوا بالتحقيقات نظرًا للحقائق الفنية التي استند إليها والتي لا تقبل الشك أو الجدل والمتمثلة في عدم العثور على غازي أول وثاني أكسيد الكربون بعينات دماء المجني عليهم المتوفين اللذين كان لابد من العثور عليهما إذا ما كان أحد المجني مغشيًا فقط قبل واقعة إطلاق الغاز تحت تأثير الإعياء الشديد مما يقطع بنفي حدوثه ، كما أن العثور على غاز الـ c . s المسيل للدموع بجميع عينات الدماء التي خضعت للتحليل يقطع بأن جميع من ماتوا كانوا على قيد الحياة وقت إطلاق الغاز عليهم ، كما أن المحكمة تثق في تلك الأقوال نظرًا لخبرته التي تفوق خبرة من سئلوا بالتحقيقات واتفاقها مع ما أدلوا به بشأن المسائل التي لا خلاف عليها فنيًا من حيث إن الغاز الذي أدى للوفاة قد أطلق من قنبلة غاز وليس من عبوات الرادع الشخصي وأن الفترة الزمنية اللازمة لحدوث الوفاة في ظل تلك الظروف كانت ضيقة جدًا ومن جماع ما سبق تخلص المحكمة إلى أنه وإن كان هناك خطأ قد ثبت في حق المتهمين تمثل في قيامهم بتحميل صندوق حجز سيارة الترحيلات فوق طاقته التي أعد لاستيعابها ، إلَّا أن علاقة السببية - مباشرة أو غير مباشرة - قد انقطعت ما بينه وبين النتيجة التي تحققت نظرًا لاستغراق خطأ مطلق الغاز له والذي أطلق الغاز على مجموعة من السجناء المحتجزين داخل صندوق ضيق محكم الإغلاق مخالفاً بذلك ما تمليه عليه التعليمات ، وأن المجني عليهم لولا واقعة إطلاق الغاز عليهم وعلى الرغم من سوء الظروف التي تسبب المتهمون في وضعهم تحت وطأتها ، لم يكن واحد منهم وحتى لحظة إطلاق الغاز عليه قد وافته المنية أو حتى قد فقد وعيه نتيجة شدة الإعياء الناشئ عن سوء التهوية وطول فترة الاحتجاز وحرارة الطقس وزيادة العدد ، وأنه لو لم تحدث الواقعة التي أدت لإطلاق الغاز على المجني عليهم والذين كانوا قاب قوسين أو أدنى من مغادرة السيارة لتسكينهم داخل السجن لكانوا رغم كل تلك الظروف قد غادروا السيارة جميعًا أحياء وفى وعيهم الكامل ، وهو أمر فني بحت كشفت عنه مناقشة الخبير الذي اطمأنت إليه المحكمة ، ومن ثم فإن المحكمة ترى أنه لم يعد بالواقعة ما يمكن نسبته للمتهمين الماثلين من سلوك مؤثم قانوناً يمكن مؤاخذتهم عليه جنائيًا ممـــا ترى معه والحال كذلك القضاء ببراءتهم من التهمتين المنسوبتين إليهم عملاً بنص المادة 304/1 من قانون الإجراءات الجنائية ، مع إحالة الأوراق للنيابة العامة لاستكمال التحقيقات نحو تحديد شخص مطلق الغاز المتسبب في موت المجني عليه وإصابة الباقين .... ) وما ذكره الحكم من ذلك سواء في نفيه الخطأ عن المطعون ضدهم في الصورتين الثانية والثالثة أو بالقول بانقطاع رابطة السببية في الصورة الأولى خطأ في القانون ؛ ذلك بأنه ما دام أن المطعون ضدهم وهم ضباط شرطة ومسئولون عن مأمورية ترحيل المساجين إلى سجن .... ومن واجبهم تأمينهم والحفاظ على سلامتهم وسلامة أرواحهم فلم يراعوا تلك الواجبات وقاموا بتحميل سيارة الترحيلات بأعداد تزيد عن المقرر لها قانوناً وتركهم داخل صندوق الترحيلات لفترات طويلة في ظل ظروف تفوق طاقة الإنسان من سوء تهوية وارتفاع درجة الحرارة ، وأنه بفرض عمل الشفاطات في ظل وجود هذا العدد من المساجين داخل صندوق سيارة الترحيلات لن يكون لها أي تأثير في عملية التهوية ، بالإضافة إلى كل هذا فقد قام مجهول من بينهم بإطلاق قنبلة الغاز المسيل للدموع عليهم ، فقد أخطـأوا سواء كانوا قد وقعوا في هذا الخطأ وحدهم أو اشترك معهم آخرون كسائق سيارة الترحيلات أو المجهول وبالتالي فقد وجبت مساءلتهم في جميع الأحوال ؛ لأن الخطأ المشترك لا يجب مسئولية أي من المشاركين فيه ، وإذ يصح في القانون وقوع خطأين من شخصين أو خطأ مشترك ، وكان خطأ الغير - بفرض ثبوته - لا يرفع مسئولية غيره الذي يقع خطأ في جانبه وإنما قد يخففها إلَّا إذا تبين من ظروف الحادث أن خطأ الغير كان العامل الأول في إحداث الضرر الذي أصاب المضرور ، وأنه بلغ من الجسامة بحيث يستغرق خطأ غيره ، وكان عدم استيثاق القائمين على مأمورية ترحيل المساجين من عدم تحميل سيارة الترحيلات المسئولين عن تأمينها بأعداد من المرحلين تفوق طاقتها مع عدم توفير التهوية الكافية لهم أو ما يطلب منهم في مقام بذل العناية للحفاظ على سلامتهم وسلامة أرواحهم ، وبالتالي فإن التقاعس عن تحري ما سلف والتحرز فيه لهو خطأ جسيم بما تفرضه عليهم أصول وظيفتهم وطبيعة المهمة القائمين عليها ، عليهم أن يتحملوا وزره ، وهي مسئولية لا يدفعها قالة الحكم بانشغال المطعون ضدهم بالاهتمام بجوانب أخرى تتعلق بسلامة الطرق وتأمينه ، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بالقصور في التسبيب وبالفساد في الاستدلال ، بما تستوجب نقضه والإعادة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائـع
اتهمت النيابة العامة المطعون ضدهم بوصف أنهم :
(1) تسببوا وآخر مجهول من رجال الشرطة خطأ في موت المجني عليه/ .... وستة وثلاثين مجني عليهم آخرين المبينة أسماؤهم بالتحقيقات وبالكشف المرفق وكان ذلك ناشئًا عن إهمالهم ورعونتهم وعدم احترازهم وعدم مراعاتهم للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة وإخلالهم إخلالاً جسيمًا بما تفرضه عليهم أصول وظيفتهم ، ذلك بنقلهم المجني عليهم وثمانية آخرين والبالغ عددهم الإجمالي خمسة وأربعين شخصًا داخل صندوق الحجز الحديدي لسيارة الترحيلات قسم شرطة .... واستبقوهم مكدسين به حال كونه لا يتسع سوى لأربعة وعشرين شخصًا فقط دون مراعاة لآدميتهم لمدة جاوزت ست ساعات منذ السابعة والثلاثين دقيقة من صباح يوم .... وحتى الواحدة والثلاثين دقيقة دون تهوية كافية لهذا العدد في ظل طقس حار ثم أطلق عليهم هذا المجهول غازاً مسيلاً للدموع داخل ذلك الصندوق الحديدي فأصابهم اختناق تنفسي من جراء الغاز المطلق والظروف المحيطة المساعدة على زيادة تأثير الغاز في حيز ذلك الصندوق ، ونكلوا عن مساعدتهم بامتناعهم عن فتح باب الصندوق لهم وإخراجهم منه بعد إطلاق الغاز مدة تزيد عن عشر دقائق مما أودى بحياتهم وذلك على النحو المبين بالتحقيقات وتقرير الصفة التشريحية المرفقة .
(2) تسببوا وآخر مجهول من رجال الشرطة خطأ في إيذاء المجني عليه/ .... وسبعة آخرين المبينة أسماؤهم بالتحقيقات وكان ذلك ناشئًا عن إهمالهم ورعونتهم وعدم احترازهم وعدم مراعاتهم للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة وإخلالهم إخلالاً جسيمًا بما تفرضه عليهم أصول وظيفتهم ، ذلك بنقلهم المجني عليهم وسبعة وثلاثين آخرين والبالغ عددهم الإجمالي خمسة وأربعين شخصًا داخل صندوق الحجز الحديدي لسيارة الترحيلات قسم شرطة .... واستبقوهم مكدسين به حال كونه لا يتسع سوى لأربعة وعشرين شخصًا فقط دون مراعاة لآدميتهم لمدة جاوزت ست ساعات منذ السابعة والثلاثين دقيقة من صباح يوم .... وحتى الواحدة والثلاثين دقيقة دون تهوية كافية لهذا العدد في ظل طقس حار ثم أطلق عليهم هذا المجهول غاز مسيل للدموع داخل ذلك الصندوق الحديدي فأصابهم اختناق تنفسي من جراء الغاز المطلق والظروف المحيطة المساعدة على زيادة تأثير الغاز في حيز ذلك الصندوق ، ونكلوا عن مساعدتهم بامتناعهم عن فتح باب الصندوق لهم وإخراجهم منه بعد إطلاق الغاز مدة تزيد عن عشــــر دقائــق مما أحدث بهم الإصابات المبينة بالتقرير الطبي المرفق وأقوال طبيب السجن بالتحقيقات وذلك على النحو المبين بالتحقيقات .
    وطلبت عقابهم بالمادتين 238 ، 244 من قانون العقوبات ، والمادة الثالثة من قانون هيئة الشرطة ، ومبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 ، والمادة 45/2 من القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء الصادرة عام 1955 ، والمادة 1027/1 من الاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية الصادرة عن الأمم المتحدة والمصدق عليها بتاريخ 14/1/1928 ، والمادة الخامسة من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب المصدق عليه بتاريخ 20/3/1984 ، والقانون رقم 396 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون واللوائح المنظمة .
وأحالتهم إلى محكمة جنح .... الجزئية لمعاقبتهم طبقًا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
وادعى المجني عليهم وورثة المتوفين مدنياً قبل المتهمين ووزير الداخلية بإلزامهم أن يؤدوا لهم مبلغ .... على سبيل التعويض المؤقت .
ومحكمة جنح مركز .... الجزئية قضت حضوريًا عملاً بمواد الاتهام . بمعاقبة المتهم الأول/ .... بالحبس لمدة عشر سنوات مع الشغل والنفاذ المؤقت ، وعلى المتهمين الثاني/ .... ، والثالث/ .... ، والرابع/ .... بالحبس لمدة سنة وأمرت بإيقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ صيرورة الحكم نهائيًا وذلك عن التهمتين للارتباط والمصروفات وإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة بلا مصروفات .
استأنف المتهمون ، ومحكمة بنها الابتدائية .... - بهيئة استئنافية - قضت حضوريًا أولاً : بقبول تدخل وزير الداخلية بصفته مسئولاً عن الحقوق المدنية تدخلاً انضماميًا في الدعوى الجنائية . ثانيًا : بقبول الاستئنافين شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهمين من التهمتين المنسوبتين إليهم . ثالثًا : بإحالة الأوراق للنيابة العامة لاستكمال التحقيقات نحو تحديد شخص مطلق الغاز المتسبب في موت المجني عليهم وإصابة الباقين والتصرف في الأوراق على ضوء ما يسفر عنه تلك التحقيقات .
فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
        من حيث إن النيابة العامة تنعي على الحكم المطعون فيه إنه إذ قضى ببراءة المطعون ضدهم من جريمتي القتل والإصابة الخطأ المسندتين إليهم قد أخطأ في تطبيق القانون ، وشابه القصور في التسبيب ، فضلاً عن الفساد في الاستدلال ، ومخالفة الثابت بالأوراق ؛ ذلك بأن الحكم انتهى في قضائه إلى انتفاء ركن الخطأ في جانب المطعون ضدهم تأسيساً على الثابت من أقوال المجني عليهم والمتهمين والشهود أنه قد تم فتح باب سيارة الترحيلات للمجني عليهم عدة مرات لمناولتهم المياه ولتمكينهم من قضاء حاجتهم ، ثم يعاد غلق الصندوق عليهم مرة أخرى ، ولا ترى المحكمة في ذلك ما يشكل خطأ يمكن نسبته للمتهمين ولاتفاقه مع التعليمات ، ولا يُسأل المتهمون عن طول فترة الاحتجاز وإنما المسئول عن ذلك إدارة السجن وثابت للمحكمة أن المتهم الأول لم يدخر جهداً من أن يقوم بفتح باب حجز السيارة عدة مرات وأنه كان جادًا في ذلك ، أما بخصوص واقعة تعطل الشفاطات الخاصة بالسيارة فكان ذلك نتيجة لسلوك سائق السيارة جاهلاً غير مدرك للقواعد الصحيحة للتشغيل وليس عن عطب ألم بها وحال بينها وبين أن تعمل ، أما بالنسبة لتحميل صندوق سيارة الترحيلات بعدد من المرحلين يفوق ما أعد له صندوق الحجز بها ، فإنه وإن كان قد ثبت في حق المتهمين الخطأ في هذا الشق إلَّا أن علاقة السببية – مباشرة أو غير مباشرة – قد انقطعت ما بينه وبين النتيجة التي تحققت نظراً لاستغراق خطأ مطلق الغار مخالفاً بذلك ما تمليه عليه التعليمات ، وأن المجني عليهم لولا واقعة إطلاق الغاز عليهم وعلى الرغم من سوء الظروف التي تسبب المتهمون في وضعهم تحت وطأتها ، لم يكن واحد منهم وحتى لحظة إطلاق الغاز عليه قد وافته المنية أو حتى قد فقد وعيه نتيجة شدة الإعياء الناشئ عن سوء التهوية أو طول فترة الاحتجاز وحرارة الطقس وزيادة العدد وأنه لو لم تحدث الواقعة التي أدت لإطلاق الغاز على المجني عليهم لكانوا قد غادروا السيارة أحياء وفى وعيهم الكامل ، مما كان يحتم على المطعون ضدهم أن يتدخلوا لحماية المجني عليهم من إطلاق الغاز المسيل للدموع عليهم رغم أن مهمتهم بل واجبهم تأمينهم والحفاظ على سلامتهم وأرواحهم وهو ما يعتبر خطأ جسيمًا في جانبهم يوجب مسئوليتهم ولا ينفيها كثرة أعباء عملهم كقوة لتأمين المرحلين أو خطأ وقع من قائد سيارة الترحيلات ، وما ذكره الحكم في خصوص المجهول مطلق الغاز على المجني عليهم ينفيه ما هو ثابت بالأوراق من أنه أحد ضباط الشرطة أو القوة المرافقــــة التي كانت تحت إمرة المطعون ضدهم ، وقد خلا الحكم من سبب إطلاق هذا الغاز على المجني عليهم ، هذا إلى أن الحكم إذ قال بانتفاء رابطة السببية بين فعل المطعون ضدهم وبين وفاة المجني عليهم استناداً إلى ما جاء بأقوال نائب كبير الأطباء الشرعيين من أن إطلاق الغاز وحده كافٍ في إحداث الوفاة حتى ولو كانت الشفاطات تعمل بكفاءة أو تحميل صندوق السيارة بالعدد المناسب أو كانت في الصباح الباكر قبل ارتفاع درجة الحرارة أو دون احتجاز المرحلين المجني عليهم لوقت طويل ، على حين الثابت بالأوراق والتقارير الطبية المرفقة أن هذه الظروف سالفة الذكر مع إطلاق الغاز قد عجل بإحداث وفاتهم وهو ما يكفي لتوافر رابطة السببية بين الفعل والنتيجة ، مما كان يتعين على المحكمة تمحيص الدعوى وإجراء التحقيق اللازم بخصوص مطلق الغاز المسيل للدموع للوقوف على حقيقته وعلاقته بالمطعون ضدهم إلَّا أنها أخفقت في ذلك وأحالت الأوراق للنيابة العامة للتحقيق حال عدم جواز ذلك ، كل ذلك يعيب الحكم بما يستوجب نقضه .
    وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه أسس براءة المطعون ضدهم من تهمتي القتل والإصابة الخطأ على قوله : ( .... وكان الثابت للمحكمة من مطالعة الأوراق وقيد ووصف النيابة أن صور الخطأ التي نسبتها للمتهمين قد تمثلت في : 1- قيامهم بتحميل صندوق سيارة الترحيلات فوق طاقته التي أعد لاستيعابها . 2- ترك المرحلين لفترة طويلة داخل الصندوق دون أن يقوموا بفتحه لهم . 3- تركهم داخل الصندوق دون إمدادهم بالمياه والهواء اللازم للإبقاء على حياتهم نظراً لطول الغلق ولتعطيل الشفاطات ، فإن المحكمة ستبدأ حديثها بتناول الصورتين الثانية والثالثة بداية ثم ترتد لتناول الصورة الأولي بالتمحيص والبحث . فإنه وعن الصورة الثانية : فقد ثبت للمحكمة من أقوال المجني عليهم فضلاً عن أقوال المتهمين والشهود أنه قد تم فتح الباب لهم عدة مرات لمناولتهم المياه ولتمكينهم من قضاء حاجتهم ثم يعاد غلق الصندوق عليهم مرة أخرى ، ولا ترى المحكمة في ذلك ما يشكل خطأ يمكن نسبته للمتهمين وذلك لاتفاقه مع ما تقضى به التعليمات من وجوب أخذ منتهى الحيطة والحذر مع المتهين المرحلين وعدم التهاون في ذلك ؛ لما فيه خطر محدق يهدد أفراد المأمورية وجنود السجن ذاته والمنشأة التي يتواجدون داخل أسوارها ، كما أن طول فترة الاحتجاز لا يسأل عنه المتهمون ؛ إذ إن مرجعه لأسباب تبعد كل البعد عنهم تمثلت في استثنائية تلك المأمورية من حيث عدد المرحلين الضخم والذي بلغ سبعمائة وثمانيـــة وخمسين سجينًا والذيـــن صدرت التعليمات بتسليمهم للسجن في وقت واحد مع ما تستغرقه كل سيارة من وقت تسليم المرحلين المتواجدين بها ، وهو الأمر الذي يكون مرجعه لإدارة السجن ولتعليمات وزارة الداخلية التي خلت من منح المتهمين سلطة التعامل بشكل استثنائي يسمح لهم بفتح الصندوق والسماح للمرحلين بالتواجد خارجه عند طول فترة الانتظار ، إلَّا أن الثابت للمحكمة أن المتهم الأول لم يدخر جهداً في حدود ما سمحت به تلك الظروف الاستثنائية من أن يقوم بفتح باب حجز السيارة عدة مرات لكي يمنح المجني عليهم المياه ويمكنهم من قضاء حاجتهم وأنه كان جادًا في ذلك وقد تبدت جديته في أمره بكسر قفل الباب عند اكتشاف فقد مفتاحه حتى يدخل المياه للمجني عليهم ثم أمره بإعادة غلق الصندوق بواسطة قيد حديدي من ذلك الذي كان بأيدي بعض المرحلين ، ومن ثم فقد انتفت تلك الصورة من صور الخطأ في حق المتهمين . وأما عن الصورة الثالثة : والخاصة بواقعة تعطيل الشفاطات الخاصة بالسيارة والتي أخذتها النيابة العامة على المتهمين كإحدى صور الخطأ المنسوبة إليهم والتي أسهمت - من وجهة نظرها - في حدوث الوفاة والإصابة ، فإن المحكمة قد تشككت في سلامتها لحد بعيد وذلك أخذاً مما ثبت من مناقشة الخبير الهندسي الذي قام بمعاينة السيارة بديوان القسم بعد فترة وجيزة من وقوع الحادث والتي أسفرت عن أن الشفاطات تعمل بكفاءة ، وعند مواجهته بما أسفرت عنه معاينة النيابة التي أجريت للسيارة يوم الواقعة والتي أثبت بها أن الشفاطات لا تعمل ، عزى في إجابته ذلك إلى أمرين : أولهما : أن تكون يد الاصلاح قد امتدت إليهما بعد الحادث سعيًا لطمس معالم الجريمة ، والثاني أن يكون من أجرى المعاينة لم يكن على دراية بالطريقة الفنية السليمة التي تعمل بها وتدار فأثبت ملحوظته تلك نتيجة لذلك على الرغم من صلاحيتها للتشغيل ، والمحكمة عند استعراضها لهذين الأمرين بغية ترجيح أحدهما على الآخر ، ثبت لها من أقوال سائق السيارة أنه ليس هو سائقها الأصلي وأنه لا يعلم عن تلك السيارة شيئا سوي كيفية التعامل مع المقود ودواسة القود والفرامل ومعدل السرعات ( الفتيس ) وأنه يجهل وظائف باقي الأجهزة والأزرار التي بلوحة التحكم بالسيارة وأيها يكون مسئولاً عن تشغيل الشفاطات ، وكان الخبير الهندسي قد أوضح في أقواله أنه لكي تعمل تلك الشفاطات لابد أن يدار مفتاح التشغيل جزئيًا دون إدارة للمحرك ذاته حتى يتم توصيل دائرة الكهرباء الخاصة بالسيارة ثم يتم الضغط على زر تشغيل الشفاطات الموجود أمام السائق ، وهو ما يكشف عن ضرورة أن يكون السائق عالمًا بتلك المراحل وترتيبها حتى تعمل الشفاطـــــــات ، إلَّا أنه وقد ثبت من أقوال السائق أنه لم يكن هو السائق الأصلي لتلك السيارة وأن أحدًا لم يخبره عن كيفية تشغيل الشفاطات وأنه كان يقوم بإطفاء محرك السيارة بالكامل عند توقفه بها داخل أسوار السجن انتظارًا لحلول دوره في تسليم من معه من المرحلين ولا يقوم بتشغيله إلَّا بقدر ما يلزم لتحريك السيارة لتحل محل السيارة التي تسبقها عند تقدم الطابور للأمام كلما أنهت إحدى السيارات المتقدمة تسليم مرحليها ثم يقوم بإعادة إطفاء السيارة إطفاءً كاملاً ، فإن ذلك يكشف عن أن المتسبب في عدم عمل الشفاطات هو جهل ذلك السائق بكيفية تشغيلها ، وأن ذلك لم يكن ناشئاً عن عطب بها حال استعمال تلك السيارة لترحيل المجني عليهم ، وهو ما يضفي على أقوال المتهم .... بظلال الصدق عندما قرر أن الشفاطات كانت تعمل بكفاءة حال تحرك السيارة من ديوان القسم وحتى وصولها لفناء السجن وأنه قد تمكن من التأكد من ذلك بحكم جلوسه بجوار السائق في تلك السيارة وسماعه صوتها وهي تعمل ، الأمر الذي ترى معه انتفاء الخطأ كلية في هذا الشق في جانب المتهمين وأنه لا يد لهم فيه ، وأن مرد ذلك هو عدم انتباه السائق لحقيقة فنية كان يتعين عليه مراعاتها عند التوقف بالسيارة من عدم فصل دائرة الكهرباء بواسطة مفتاح التشغيل على نحو يؤدي لتوقف الشفاطات عن العمل لفقدانها مصدر التيار وليس لعطبها وعدم صلاحيتها ، وهو ما اتفق مع ما قرره المتهم الأول لدى استجوابه أمام المحكمة بهيئتها الاستئنافية الحالية ، وكان الالتزام بإحاطة السائق علمًا بكيفية التعامل مع تلك السيارة يقع على من اختاره لأداء ذلك العمل على الرغم من كونه غير مختص به أصلاً وليس على المتهمين الماثلين الذين كانت أذهانهم مشغولة بالاهتمام بجوانب أخرى تتعلق بسلامة الطريق وتأمينه حتى يصلوا بالمرحلين للوجهة المنشودة دون حدوث اشتباك أو مقاومة وما إلى ذلك من الظروف التي كانت تحيط بالواقعة في ذلك التوقيت والمعلومة للكافة والتي لم تكن لتسمح لهم بتوقع أن سائق السيارة يجهل كيفية إدارة الشفاطات الخاصة بها والصالحة للعمل أصلاً مما لم يثر شكهم حيالها وحيال مسألة تشغيلها من عدمه ، كما أن السائق كان لا بد أن يلفت نظر أحدهم لجهله بوظائف السيارة التي كلف بقيادتها حتى ينشأ في حقهم الالتزام بإحاطته علمًا بكيفية التعامل مع أجهزتها على النحو السليم ، أما وإن ذلك لم يحدث منه فليس عليهم في السكوت عن ذلك من سبيل ، وهي جميعًا الأمور التي تضافرت مع بعضها البعض لكي يقر في وجدان المحكمة معها أن الشفاطات لم تكن تعمل نتيجة لسلوك سائق السيارة جاهلاً غير مدرك للقواعد الصحيحة للتشغيل وليس عن عطب ألم بها وحال بينها وبين أن تعمل ، ومن ثم فإن مـــــا نسب للمتهمين من خطأ في هذا الشق يكون غير سديد . وأما عن الصورة الأولي : والتي نسبتها النيابة العامة للمتهمين فإن المحكمة تشاطرها الرأي فيها وتتفق معها تمام الاتفاق ، في أن الخطأ قد ثبت في حق المتهمين في هذا الجانب إذ الثابت أنهم قد قاموا بتحميل السيارة عددًا من المرحلين يفوق ما أعد له صندوق الحجز بها ، إلَّا أنه ولما كان من المقرر وفق ما سلف أنه لا يكفي للإدانة في جرائم القتل والإصابة الخطأ إثبات حصول الخطأ فقط وإثبات وقوع الضرر فقط بل ينبغي أيضًا إثبات علاقة السببية بين هذا الخطأ وذلك الضرر كعلاقة السبب بالمسبب وإثبات أنه لولا هذا الخطأ لما وقع الضرر ، وأن خطأ الغير إذا ما كان يكفي بذاته لإحداث النتيجة فإنه يقطع علاقة السببية بين خطأ الجاني وبين تلك النتيجة ، وكان الثابت للمحكمة من مطالعة الأوراق وما قرره نائب كبير الأطباء الشرعيين لدى مناقشته واستجوابه أمام المحكمة بهيئتها الاستئنافية أن واقعة قتل المجني عليهم وإصابة الباقين كانت محققة الحدوث حتى وإن لم يرتكب المتهمون أي خطأ من الأخطاء المنسوبة إليهم ، فلقد كانت الوفاة والإصابة ستحدث حتى في ظل تحميل صندوق السيارة للعدد المتناسب مع مساحته من المرحلين ، وكانت ستحدث أيضًا حتى وإن وقعت تلك الواقعة في الصباح الباكر قبل اشتداد وارتفاع درجة حرارة الطقس ودون أن يتم احتجاز المرحلين المجني عليهم لوقت طويل ، كما أنها كانت حتمًا ستقع نتيجة لإطلاق الغاز حتى ولو كانت شفاطات السيارة تعمل بكفاءة ، وأنها في جميع الأحوال كانت ستقع في حيز زمني ضيق جدًا لا يتجاوز حد الدقائق العشر ، وهي الفترة التي لم تكن لتسمح لأحد من المتهمين بالتدخل ليحدث فارقًا كان من الممكن أن يؤدي إلى اختلاف النتيجة التي آل إليها الموقف ، وكانت أقوال نائب كبير الأطباء الشرعيين هي الأقوال التي ترتاح إليها المحكمة ، وتأخذ وتعول عليها دون سواها من أقوال باقي من سئلوا بالتحقيقات نظرًا للحقائق الفنية التي استند إليها والتي لا تقبل الشك أو الجدل والمتمثلة في عدم العثور على غازي أول وثاني أكسيد الكربون بعينات دماء المجني عليهم المتوفين اللذين كان لابد من العثور عليهما إذا ما كان أحد المجني مغشيًا فقط قبل واقعة إطلاق الغاز تحت تأثير الإعياء الشديد مما يقطع بنفي حدوثه ، كما أن العثور على غاز الـ c . s المسيل للدموع بجميع عينات الدماء التي خضعت للتحليل يقطع بأن جميع من ماتوا كانوا على قيد الحياة وقت إطلاق الغاز عليهم ، كما أن المحكمة تثق في تلك الأقوال نظرًا لخبرته التي تفوق خبرة من سئلوا بالتحقيقات واتفاقها مع ما أدلوا به بشأن المسائل التي لا خلاف عليها فنيًا من حيث إن الغاز الذي أدى للوفاة قد أطلق من قنبلة غاز وليس من عبوات الرادع الشخصي وأن الفترة الزمنية اللازمة لحدوث الوفاة في ظل تلك الظروف كانت ضيقة جدًا ومن جماع ما سبق تخلص المحكمة إلى أنه وإن كان هناك خطأ قد ثبت في حق المتهمين تمثل في قيامهم بتحميل صندوق حجز سيارة الترحيلات فوق طاقته التي أعد لاستيعابها ، إلَّا أن علاقة السببية - مباشرة أو غير مباشرة - قد انقطعت ما بينه وبين النتيجة التي تحققت نظرًا لاستغراق خطأ مطلق الغاز له والذي أطلق الغاز على مجموعة من السجناء المحتجزين داخل صندوق ضيق محكم الإغلاق مخالفاً بذلك ما تمليه عليه التعليمات ، وأن المجني عليهم لولا واقعة إطلاق الغاز عليهم وعلى الرغم من سوء الظروف التي تسبب المتهمون في وضعهم تحت وطأتها ، لم يكن واحد منهم وحتى لحظة إطلاق الغاز عليه قد وافته المنية أو حتى قد فقد وعيه نتيجة شدة الإعياء الناشئ عن سوء التهوية وطول فترة الاحتجاز وحرارة الطقس وزيادة العدد ، وأنه لو لم تحدث الواقعة التي أدت لإطلاق الغاز على المجني عليهم والذين كانوا قاب قوسين أو أدنى من مغادرة السيارة لتسكينهم داخل السجن لكانوا رغم كل تلك الظروف قد غادرو السيارة جميعًا أحياء وفى وعيهم الكامل ، وهو أمر فني بحت كشفت عنه مناقشة الخبير الذي اطمأنت إليه المحكمة ، ومن ثم فإن المحكمة ترى أنه لم يعد بالواقعة ما يمكن نسبته للمتهمين الماثلين من سلوك مؤثم قانوناً يمكن مؤاخذتهم عليه جنائيًا مما ترى معه والحال كذلك القضاء ببراءتهم من التهمتين المنسوبين إليهم عملاً بنص المادة 304/1 من قانون الإجراءات الجنائية ، مع إحالة الأوراق للنيابة العامة لاستكمال التحقيقات نحو تحديد شخص مطلق الغاز المتسبب في موت المجني عليه وإصابة الباقين .... ) ، وما ذكره الحكم من ذلك سواء في نفيه الخطأ عن المطعون ضدهم في الصورتين الثانية والثالثة أو بالقول بانقطاع رابطة السببية في الصورة الأولى خطأ في القانون ؛ ذلك بأنه ما دام أن المطعون ضدهم وهم ضباط شرطة ومسئولون عن مأمورية ترحيل المساجين إلى سجن .... ومن واجبهم تأمينهم والحفاظ على سلامتهم وسلامة أرواحهم فلم يراعوا تلك الواجبات وقاموا بتحميل سيارة الترحيلات بأعداد تزيد عن المقرر لها قانوناً وتركهم داخل صندوق الترحيلات لفترات طويلة في ظل ظروف تفوق طاقة الإنسان من سوء تهوية وارتفاع درجة الحرارة ، وأنه بفرض عمل الشفاطات في ظل وجود هذا العدد من المساجين داخل صندوق سيارة الترحيلات لن يكون لها أي تأثير في عملية التهوية ، بالإضافة إلى كل هذا فقد قام مجهول من بينهم بإطلاق قنبلة الغاز المسيل للدموع عليهم ، فقد أخطـأوا سواء كانوا قد وقعوا في هذا الخطأ وحدهم أو اشترك معهم آخرون كسائق سيارة الترحيلات أو المجهول وبالتالي فقد وجبت مساءلتهم في جميع الأحوال ؛ لأن الخطأ المشترك لا يجب مسئولية أي من المشاركين فيه ، وإذ يصح في القانــــون وقوع خطأين من شخصين أو خطأ مشترك ، وكان خطأ الغير - بفرض ثبوته - لا يرفع مسئولية غيره الذي يقع خطأ في جانبه وإنما قد يخففها إلَّا إذا تبين من ظروف الحادث أن خطأ الغير كان العامل الأول في إحداث الضرر الذي أصاب المضرور ، وأنه بلغ من الجسامة بحيث يستغرق خطأ غيره ، وكان عدم استيثاق القائمين على مأمورية ترحيل المساجين من عدم تحميل سيارة الترحيلات المسئولين عن تأمينها بأعداد من المرحلين تفوق طاقتها مع عدم توفير التهوية الكافية لهم أو ما يطلب منهم في مقام بذل العناية للحفاظ على سلامتهم وسلامة أرواحهم ، وبالتالي فإن التقاعس عن تحرى ما سلف والتحرز فيه لهو خطأ جسيم بما تفرضه عليهم أصول وظيفتهم وطبيعة المهمة القائمين عليها ، عليهم أن يتحملوا وزره ، وهي مسئولية لا يدفعها قالة الحكم بانشغال المطعون ضدهم بالاهتمام بجوانب أخرى تتعلق بسلامة الطرق وتأمينه ، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بالقصور في التسبيب وبالفساد في الاستدلال ، بما تستوجب نقضه والإعادة .
ــــــــــــــــــــــــــــــ

الطعن 29199 لسنة 54 ق جلسة 1 / 3 / 2014 إدارية عليا مكتب فني 59 ج 1 توحيد المبادئ ق 4 ص 59

جلسة 1 من مارس سنة 2014
برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ فريد نزيه حكيم تناغو رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ يحيى أحمد راغب دكروري, ومحمد عبد العظيم محمود سليمان, وفايز شكري حنين, ود.عبد الفتاح صبري أبو الليل, ومحمد عبد الحميد عبد اللطيف إبراهيم, ود. عبد الله إبراهيم فرج ناصف, ولبيب حليم لبيب, ومحمود محمد صبحي العطار, وحسن كمال محمد أبو زيد شلال, وأحمد عبد الحميد حسن عبود. نواب رئيس مجلس الدولة
----------------
(4)
الطعن 29199 لسنة 54 ق "توحيد مبادئ"
- 1  دستور
المحكمة الدستورية العليا - آثار الأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية - الأصل أنه لا يجوز تطبيق النص المقضي بعدم دستوريته من اليوم التالي لنشر الحكم، ليس في المستقبل فحسب، بل بالنسبة إلى الوقائع والعلاقات السابقة على صدور الحكم بعدم دستورية النص - إذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقا بنص جنائي فإن جميع الأحكام التي صدرت بالإدانة استنادا إلى ذلك النص تعد كأن لم تكن، ولو كانت أحكاما باتة - يستثنى من هذا الأثر الرجعي للحكم الحقوق والمراكز التي تكون قد استقرت عند صدوره بحكم حاز قوة الأمر المقضي، أو بانقضاء مدة التقادم - استحدث المشرع أمرين كلاهما يعد كذلك استثناء من هذا الأثر الرجعي: (أولهما) أنه ترك للمحكمة أن تحدد في حكمها تاريخا آخر لبدء إعمال أثر حكمها، و(الثاني) حدده قصرا في النصوص الضريبية، فلم يجعل للأحكام المتعلقة بعدم دستورية نص ضريبي إلا أثرا مباشرا في جميع الأحوال.
- المادة رقم (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا، الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، معدلة بموجب القرار بقانون رقم 168 لسنة 1998.

- 2  تأميم
أثر حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية القرار بقانون رقم (134) لسنة 1964 بتعويض أصحاب أسهم ورؤوس أموال الشركات والمنشآت التي آلت ملكيتها إلى الدولة على وفق أحكام القوانين أرقام (117) و(118) و(119) لسنة 1991 والقوانين التالية لها تعويضا إجماليا - إعمالا لقاعدة الأثر الرجعي لأحكام المحكمة الدستورية العليا، فإن من شأن هذا الحكم النظر في أمر الحقوق محل النزاع لبيان ما إذا كان قد انقضى ميعاد التقادم في شأنها من عدمه، وذلك بإعمال أحكام المادتين (374) و(381) من القانون المدني.
- المادتان رقما (374) و(381) من القانون المدني.
- حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 1 لسنة 1ق. دستورية بجلسة 2/3/1985 بعدم دستورية القرار بقانون رقم 134 لسنة 1964 بتعويض أصحاب أسهم ورؤوس أموال الشركات والمنشآت التي آلت ملكيتها إلى الدولة على وفق أحكام القوانين أرقام 117 و 118 و 119 لسنة 1961 والقوانين التالية لها تعويضا إجماليا.

- 3  مجلس الدولة
الاختصاص القضائي - نطاق تطبيق قواعد القانون المدني - قواعد القانون المدني وضعت أصلا لتحكم روابط القانون الخاص - للقضاء الإداري أن يطبق من تلك القواعد ما يتلاءم مع روابط القانون العام، إلا إذا وجد النص التشريعي الخاص لمسألة معينة، فعندئذ يجب التزام النص(1).
- 4  تقادم
أساس فكرة التقادم المسقط في مجال روابط القانون العام (2) - وضعت قواعد القانون المدني أصلا لتحكم روابط القانون الخاص - للقضاء الإداري أن يطبق من تلك القواعد ما يتلاءم مع روابط القانون العام، إلا إذا وجد النص التشريعي الخاص بمسألة معينة فيجب التزامه - قوانين مجلس الدولة المتعاقبة خلت من تحديد مواعيد معينة لرفع الدعاوى في المنازعات الإدارية التي يختص بنظرها إلا ما تعلق منها بطلبات الإلغاء - بالنسبة لغير تلك الطلبات يجوز لذي الشأن رفع الدعوى متى كان الحق المطالب به لم يسقط بالتقادم طبقا لقواعد القانون المدني - فكرة التقادم المسقط لا تتعارض في طبيعتها ومفهومها مع روابط القانون العام - إذا كان للتقادم المسقط في مجال المطالبة بالحقوق في نطاق روابط القانون الخاص حكمته التشريعية المتعلقة باستقرار الحقوق، فإن حكمته في مجال روابط القانون العام تجد تبريرها في استقرار الأوضاع الإدارية والمراكز القانونية لعمال المرافق العامة استقرارا تمليه المصلحة العامة وحسن سير المرفق.
- 5  تقادم
التقادم المسقط - الأصل العام في التقادم المسقط هو انقضاء خمس عشرة سنة، تبدأ من اليوم الذي يصبح فيه الدين مستحق الأداء - لا يتحول التقادم من هذا الأصل إلى غيره إلا في الحالات التي يحدد فيها القانون مدة أخرى، وفي هذه الحالة يجب تفسير النصوص تفسيرا ضيقا لا يسري إلا على الحالات التي تضمنتها.
- 6  مجلس الدولة
دائرة توحيد المبادئ- اختصاص هذه الدائرة ينحصر في ترجيح أحد الاتجاهات التي اعتنقتها دوائر المحكمة الإدارية العليا عند مخالفة بعضها بعضا؛ حسما لهذا الخلاف، أو العدول عن مبدأ أو مبادئ قانونية قررتها أحكام سابقة لدوائر المحكمة- إذا انتهت هذه الدائرة إلى مخالفة الاتجاهات التي اعتنقتها دوائر المحكمة الإدارية العليا للتطبيق السليم للقانون أو لما استقرت عليه أحكام المحكمة الدستورية العليا، فإنها لا ترى ترجيح أي منها، وتمارس ولايتها في العدول عن كل منها، وإرساء مبدأ جديد.
- المادة رقم (54 مكررا) من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972.

- 7  تقادم
تحديد تاريخ بدء سريان ميعاد التقادم عند إعمال حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بعدم دستورية نص قانوني - يبدأ حساب مدة التقادم المسقط للحق (وهي خمس عشرة سنة) من تاريخ نشوء الحق المطالب به، وتنقطع هذه المدة باللجوء إلى القضاء - كلا اتجاهي المحكمة الإدارية العليا سواء الذي عول على تاريخ اكتمال تنظيم الإجراءات الخاصة بإقامة دعوى الدستورية بصدور قانون الإجراءات أمام المحكمة العليا في 27/8/1970، أو ذاك الذي عول على تاريخ نشر الحكم الصادر بعدم الدستورية، يتعارض مع أحكام المحكمة الدستورية العليا التي تواترت على استثناء المراكز التي استقرت بحكم حاز حجية الأمر المقضي أو بانقضاء مدة التقادم من الأثر الرجعي للحكم الصادر بعدم دستورية نص قانوني - اللجوء إلى القاضي الطبيعي من الحقوق التي كفلتها الدساتير المصرية المتعاقبة، فإذا نشط أحد الأفراد ولجأ إلى القضاء واستصدر حكما بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة فلا ينبغي المساواة بينه وبين من آثر عدم اللجوء إلى القضاء تاركا حقه للسقوط بمضي المدة.
-----------
الوقائع
بتاريخ 15/6/2008 أودع وكيل الطاعنين قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية (الدائرة الأولى) بجلسة 8/5/2008 في الدعوى رقم 5013 لسنة 61 ق، الذي قضى بسقوط الحق في المطالبة بالتقادم الطويل وإلزام المدعين المصروفات. وطلب الطاعن في ختام تقرير الطعن – وللأسباب المبينة تفصيلا في تقرير الطعن – القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا (أصليا) بإلزام المطعون ضده بصفته أن يؤدي إليهم مبلغ تعويض يعادل قيمة الأرض الحالية على أساس عشرين ألف جنيه للمتر المربع والفوائد القانونية من تاريخ إقامة الدعوى الأصلية في 11/5/1999 وحتى تمام السداد.
و(احتياطيا) بندب مكتب خبراء وزارة العدل ليندب بدوره لجنة من خبرائه المختصين تكون مهمتها تحديد قيمة العقار الحالية.
وقد جرى إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضده بصفته على النحو الثابت بالأوراق، وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بتأييد قضاء المحكمة الإدارية العليا في الطعنين رقمي 6377 و6817 لسنة 53 ق. عليا بجلسة 26/6/2010، القاضي بحساب مدة التقادم اعتبارا من تاريخ نشر الحكم بعدم دستورية نص القانون الذي كان حائلا دون الاستجابة لطلب صاحب الشأن في التعويض.
ونظر الموضوع أمام دائرة فحص الطعون بجلسة 17/10/2011 وما تلاها من جلسات على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 18/6/2012 قررت دائرة فحص الطعون إحالته إلى محکمة الموضوع لنظره بجلسة 13/10/2012، حيث تدوول الطعن أمام المحكمة على النحو الثابت بمحاضر جلساتها، وبجلسة 23/3/2013 أحالته إلى دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا لترجيح أي من الاتجاهين المذكورين برول الجلسة.
وقد عينت لنظر الطعن أمام دائرة توحيد المبادئ جلسة 4/5/2013، حيث جرى تداوله على النحو المبين بمحاضر الجلسات، حيث أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا رجحت فيه حساب مدة التقادم اعتبارا من تاريخ نشر الحكم بعدم الدستورية، وبجلسة 7/12/2011 قررت الدائرة إصدار الحكم فيه بجلسة اليوم، حيث صدر الحكم وأودعت مسودته مشتملة على أسبابه عند النطق به.

---------------
المحكمة
بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانونا.
وحيث إن عناصر المنازعة تخلص – على وفق ما هو ثابت بالأوراق – في أنه بتاريخ 11/5/1999 أقيمت الدعوى رقم 5013 لسنة 61 ق بإيداع صحيفتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية (الدائرة الأولى)، وطلب المدعون فيها الحكم بقبول الدعوى شكلا، وبإلزام وزير المالية (بصفته) أن يؤدي لهم مبلغا مقداره ثلاثة وسبعون مليونا وست مئة ألف جنيه، تعويضا لهم عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت بهم ومورثهم من قرار تأميم مشروع مضارب أرز ...... بالإسكندرية، وكذا الفوائد القانونية عن هذا المبلغ، وما يترتب على ذلك من آثار.
وذكروا شرحا للدعوى أن مورثيهم كانوا يمتلكون مشروع مضارب أرز .....، وقد تم تأميمه بالقرار بقانون رقم 42 لسنة 1962، وأن مورثيهم لم يتقدموا لصرف التعويض في ذلك الوقت؛ لأن القانون رقم 134 لسنة 1964 كان يقضي بأن يكون تعويض أصحاب الشركات المؤممة لا يتجاوز خمسة عشر ألف جنيه، وأضافوا أنهم فوجئوا بقيام الشركة القابضة للمضارب والمطاحن بالإعلان عن بيع بالمزاد العلني لأرض المضرب المذكور بما يفيد تخليها عن الانتفاع بالمضرب، ومن ثم يحق لهم استرداده، وأضافوا أن قرار التأميم كان مانعا قانونيا يحول دون المطالبة باسترداد العقار، كما أن المحكمة الدستورية العليا قد قضت بجلسة 2/3/1985 بعدم دستورية القانون رقم 134 لسنة 1964 الذي كان يعتبر مانعا قانونيا يحول بينهم وبين المطالبة بحقوقهم، ومن ثم فإن حقهم مازال قائما، كما أن من حقهم المطالبة بالتعويض في حالة استحالة استرداد العقار، ويشمل هذا التعويض ثمن العقار وما عليه من منشآت ومعدات وأدوات، بالإضافة إلى التعويض الأدبي عن المعاناة التي لاقوها هم ومورثوهم جراء حرمانهم من ملكيتهم الخاصة.
وبجلسة 8/5/2008 قضت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية في الدعوى المبينة سالفا بسقوط الحق في المطالبة بالتقادم الطويل، وألزمت المدعين المصروفات.
وشيدت قضاءها على أن الثابت من الأوراق أن إجراءات التأميم كانت خلال عامي 1962 و1963، في حين أن المدعين أقاموا دعواهم بطلب التعويض عن المضرب المذكور عام 1999، أي بعد انقضاء ما يقارب 36 سنة، الأمر الذي يتعين معه القضاء بسقوط حقهم في المطالبة بالتعويض بالتقادم الطويل.
ولا يغير من ذلك حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 2/3/1985 الذي قضى بعدم دستورية القانون رقم 134 لسنة 1964 فيما تضمنه من تقرير حد أقصى مقداره خمسة عشر ألف جنيه لتعويض أصحاب المشروعات المؤممة، وما استند إليه المدعون من أن حقهم في التعويض نشأ اعتبارا من تاريخ صدور ذلك الحكم؛ بحسبان أن القانون المذكور لا ينطبق على الحالة المعروضة بالنظر إلى ما انتهت إليه لجنة التقييم من أن خصوم المصنع كانت تزيد على أصوله في تاريخ التأميم، فضلا عن أن قضاء المحكمة الإدارية العليا قد استقر على أن ميعاد التقادم في مثل هذه الحالة يبدأ من تاريخ اكتمال تنظيم الإجراءات أمام المحكمة المختصة بالفصل في دستورية القانون، وهو في الحالة المعروضة 27/8/1970 (تاريخ صدور القانون رقم 66 لسنة 1970 بشأن الإجراءات أمام المحكمة العليا) باعتبار أنه بصدور هذا القانون أصبح القضاء الدستوري متاحا، ولم يعد ثمة مانع يحول دون رفع الدعوى بعدم الدستورية.
وإذ لم يرتض الطاعنون هذا القضاء أقاموا الطعن الماثل ناعين على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله والفساد في الاستدلال؛ ذلك لأن ديون المضرب التي كانت قائمة وقت التأميم قد قام مورثهم بسدادها وقت التأميم، وبالتالي كان يتعين أخذ ذلك في الاعتبار عند تقييم المضرب، كما أن الحكم المطعون فيه خالف المبادئ الدستورية المستقرة التي تعتبر أحكام المحكمة الدستورية العليا في حكم التشريع وتسري في مواجهة الجميع من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية، وقد استقرت كذلك الأحكام على دوام حق الملكية وعدم زواله عند التراخي في استعماله.
وطلب الطاعنون في ختام صحيفة الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا (أصليا) بإلزام المطعون ضده أن يؤدي لهم مبلغ التعويض المعادل لقيمة الأرض على أساس عشرين ألف جنيه للمتر المربع الواحد، مع الفوائد القانونية من تاريخ إقامة الدعوى الأصلية في 11/5/1999 حتى تمام السداد. و(احتياطيا) بندب مكتب خبراء وزارة العدل ليندب بدوره لجنة من خبرائه المختصين تكون مهمتها تحديد قيمة العقار الحالية.
ومن حيث إن المسألة المطروحة على هذه الدائرة تدور حول تحديد تاريخ بدء سريان ميعاد التقادم عند إعمال حكم المحكمة الدستورية الصادر بعدم دستورية نص قانوني، وما إذا كان يبدأ من تاريخ اكتمال تنظيم الإجراءات الخاصة بإقامة دعوى الدستورية بصدور القانون رقم 81 لسنة 1969 بإنشاء المحكمة العليا وقانون الإجراءات الخاص بها رقم 66 لسنة 1970، أم يبدأ من تاريخ نشر الحكم الصادر بعدم دستورية النص في الجريدة الرسمية، حيث صدر عن المحكمة الإدارية العليا بعض الأحكام التي تُعول على تاريخ اكتمال الإجراءات الخاصة بإقامة دعوى الدستورية (بصدور قانون الإجراءات الخاصة بالمحكمة العليا في 27/8/1970) عند حساب مدة التقادم.
(حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 7950 لسنة 45 ق. عليا جلسة 25/6/2005)
في حين أن المحكمة ذاتها عادت وعولت على تاريخ نشر الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية النص في الجريدة الرسمية عند حساب مدة التقادم.
(حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعنين رقمي 6377 و6817 لسنة 53 ق. عليا جلسة 26/6/2010)
ومن حيث إن المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، والمعدل بالقانون رقم 168 لسنة 1998 تنص على أن: "أحكام المحكمة في الدعاوى الدستورية وقراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة ... ويترتب على الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم ما لم يحدد الحكم لذلك تاريخا آخر.
على أن الحكم بعدم دستورية نص ضريبي لا يكون له في جميع الأحوال إلا أثر مباشر، وذلك دون إخلال باستفادة المدعي من الحكم الصادر بعدم دستورية هذا النص. فإذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقا بنص جنائي تعتبر الأحكام التي صدرت بالإدانة استنادا إلى ذلك النص كأن لم تكن، ويقوم رئيس هيئة المفوضين بتبليغ النائب العام بالحكم فور النطق به لإجراء مقتضاه".
ومن حيث إن مفاد ما تقدم - وعلى ما قضت به المحكمة الدستورية العليا – أنه لما كان النص في المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا قبل تعديلها بالقانون رقم 168 لسنة 1998 على عدم جواز تطبيق النص المقضي بعدم دستوريته من اليوم التالي لنشر الحكم بعدم الدستورية هو خطاب تشريعي موجه لجميع سلطات الدولة وللجميع للعمل بمقتضاه، وكان قاضي الموضوع هو من بين المخاطبين بهذا النص التشريعي، فإنه يكون متعينا عليه عملا به ألا ينزل حكم القانون المقضي بعدم دستوريته على المنازعات المطروحة عليه، وذلك يؤكد قصد المشرع في تقرير الأثر الرجعي للحكم بعدم الدستورية، ويؤيد انسحابه على ما سبقه من علاقات وأوضاع نشأت في ظل القانون الذي قضى بعدم دستوريته.
وقد أعملت المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا هذه الرجعية على إطلاقها بالنسبة للنصوص الجنائية إلى حد إسقاط حجية الأمر المقضي به لتعلقها بالإدانة في أمور تمس الحرية الشخصية، أما في المسائل الأخرى (غير الجنائية) فيسري عليها كذلك الأثر الرجعي للحكم بعدم الدستورية ما لم يكن للعلاقات والأوضاع السابقة أساس قانوني آخر ترتكن إليه وتحد من إطلاق الرجعية عليها، وهو ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لقانون المحكمة الدستورية العليا في تعليقها على نص المادة 49 منه، حيث ورد بها أن القانون تناول أثر الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة فنص على عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم، وهو نص ورد في بعض القوانين المقارنة واستقر الفقه والقضاء على أن مؤداه هو عدم تطبيق النص ليس في المستقبل فحسب، وإنما بالنسبة إلى الوقائع والعلاقات السابقة على صدور الحكم بعدم دستورية النص، على أن يستثنى من هذا الأثر الرجعي الحقوق والمراكز التي تكون قد استقرت عند صدوره بحكم حاز قوة الأمر المقضي أو بانقضاء مدة التقادم، أما إذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقا بنص جنائي فإن جميع الأحكام التي صدرت بالإدانة استنادا إلى ذلك النص تعتبر كأن لم تكن، ولو كانت أحكاما باتة.
ثم رأى المشرع أن يتدخل بتعديل نص الفقرة الثالثة من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 49 لسنة 1979، بما يكفل - حسبما جاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا التعديل - تخويل المحكمة سلطة تقرير أثر رجعي لحكمها على ضوء الظروف التي تتصل ببعض الدعاوى الدستورية التي تنظرها، وتخويلها تقرير أثر مباشر للحكم إذا كان متعلقا بعدم دستورية نص ضريبي، فصدر بذلك القانون رقم 169 لسنة 1998.
ومؤدى ذلك أن المشرع أكد - من ناحية - المفهوم الصحيح لأثر الحكم بعدم الدستورية والذي سبق أن استقر عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا، وهو الأثر الرجعي بالمفهوم السابق إيضاحه، و- من ناحية أخرى - استحدث أمرين كلاهما يعتبر استثناء من الأصل، وهو الأثر الرجعي حيث ترك للمحكمة أن تحدد في حكمها تاريخا آخر لبدء إعمال أثر حكمها، والثاني حدده قصرا في النصوص الضريبية فلم يجعل لها إلا أثرا مباشرا في جميع الأحوال.
(حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 78 لسنة 25 ق. دستورية الصادر بجلسة 13/1/2008، وحكمها في القضية رقم 37 لسنة 9 ق. دستورية بجلسة 19/5/1990، وحكمها في القضية رقم 48 لسنة 3 ق دستورية بجلسة 11/6/1983، وحكمها في القضية رقم 16 لسنة 3 ق. دستورية بجلسة 5/6/1982).
ومن حيث إن البين من قضاء المحكمة الدستورية العليا الذي تواتر على أن قضاءها بعدم دستورية النص لا ينصرف إلى المستقبل فحسب وإنما ينصرف إلى الوقائع والعلاقات السابقة على صدور الحكم بعدم الدستورية، على أن يستثنى من هذا الأثر الرجعي الحقوق والمراكز التي استقرت عند صدوره بحكم حاز قوة الأمر المقضي أو بانقضاء مدة التقادم، وإعمالا لإلزامية أحكام المحكمة الدستورية العليا للجميع – بمن فيهم القضاة – يتعين على المحاكم باختلاف درجاتها الالتزام بهذا القضاء، بما مؤداه ضرورة استثناء الحقوق والمراكز القانونية التي استقرت بأحكام حازت قوة الشيء المقضي أو بانقضاء مدة التقادم عند صدور حكم المحكمة الدستورية العليا، وذلك من الأثر الرجعي لهذا الحكم.
- وحيث إن المحكمة الدستورية العليا أصدرت حكمها في القضية رقم 1 لسنة 1 ق. دستورية بجلسة 2/3/1985 بعدم دستورية القرار بقانون رقم 134 لسنة 1964 بتعويض أصحاب أسهم ورؤوس أموال الشركات والمنشآت التي آلت ملكيتها إلى الدولة وفقا لأحكام القوانين أرقام 117 و118 و119 لسنة 1991 والقوانين التالية لها تعويضا إجماليا، فإنه إعمالا لما استقر عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا من سريان أحكامها بأثر رجعي فيما عدا الحقوق والمراكز التي تكون قد استقرت بحكم قضائي حاز قوة الشيء المقضي أو بانقضاء مدة التقادم، فإن من شأن الحكم بعدم دستورية القرار بقانون رقم 134 لسنة 1964 النظر في أمر الحقوق محل النزاع لبيان ما إذا كان قد انقضى ميعاد التقادم في شأنها من عدمه إعمالا للأثر الرجعي للحكم، وذلك بإعمال أحكام المادة 374 من القانون المدني ونصها: "يتقادم الالتزام بانقضاء خمس عشرة سنة فيما عدا الحالات التي ورد عنها نص خاص في القانون، وفيما عدا الاستثناءات التالية ...".
- وكذلك بإعمال حكم المادة 381 من هذا القانون التي تنص على أنه: "لا يبدأ سريان التقادم فيما لم يرد فيه نص خاص إلا من اليوم الذي يصبح فيه الدين مستحق الأداء ..."؛ ذلك أن قواعد القانون المدني وضعت أصلا لتحكم روابط القانون الخاص، وللقضاء الإداري أن يطبق من تلك القواعد ما يتلاءم مع روابط القانون العام، إلا إذا وجد النص التشريعي الخاص لمسألة معنية فعندئذ يجب التزام النص.
وقد خلت قوانين مجلس الدولة المتعاقبة - وآخرها القانون رقم 47 لسنة 1972 - من تحديد مواعيد معينة لرفع الدعاوى في المنازعات الإدارية التي يختص بنظرها هيئة قضاء إداري إلا ما تعلق منها بطلبات الإلغاء، ومؤدى ذلك أنه بالنسبة لغير تلك الطلبات يجوز لذي الشأن رفع الدعوى متى كان الحق المطالب به لم يسقط بالتقادم طبقا لقواعد القانون المدني، وأساس ذلك أن فكرة التقادم المسقط الذي هو طريق لانقضاء الديون التي لم تنقض بأي طريق آخر لا تتعارض في طبيعتها ومفهومها مع روابط القانون العام، وإذا كان للتقادم المسقط للمطالبة بالحقوق في نطاق روابط القانون الخاص حكمته التشريعية المتعلقة باستقرار الحقوق، فإن حكمته في مجال روابط القانون العام تجد تبريرها في استقرار الأوضاع الإدارية والمراكز القانونية لعمال المرافق العامة استقرارا تمليه المصلحة العامة وحسن سير المرافق. (حكم دائرة توحيد المبادئ - الطعنان رقما 567 لسنة 29 ق. عليا و55 لسنة 12 ق. عليا جلسة 15من ديسمبر سنة 1985).
ومؤدى ذلك أن الأصل العام في التقادم المسقط هو انقضاء خمس عشرة سنة، تبدأ من اليوم الذي يصبح فيه الدين مستحق الأداء، ولا يتحول التقادم من هذا الأصل إلى غيره إلا في الحالات التي يحدد فيها القانون مدة أخرى. وفي هذه الحالة يجب تفسيرها تفسيرا ضيقا لا يسري إلا على الحالات التي تضمنتها.
وحيث إن كلا الاتجاهين للمحكمة الإدارية العليا سواء هذا الذي عول على تاريخ اكتمال تنظيم الإجراءات الخاصة بإقامة دعوى الدستورية بصدور قانون الإجراءات أمام المحكمة العليا في 27/8/1970، أو ذلك الذي عول على تاريخ نشر الحكم الصادر بعدم الدستورية، يتعارض مع أحكام المحكمة الدستورية العليا التي تواترت على استثناء المراكز التي استقرت بحكم حاز حجية الأمر المقضي أو بانقضاء مدة التقادم من الأثر الرجعي للحكم الصادر بعدم دستورية نص قانوني، كما يتعارض مع ما ورد بالمذكرة الإيضاحية لقانون المحكمة الدستورية العليا من إعمال الأحكام الصادرة بعدم الدستورية بأثر رجعي، وألا يستثنى من هذه الرجعية إلا الحقوق والمراكز التي تكون قد استقرت عند صدور الحكم بانقضاء مدة التقادم على ما سلف بيانه، ويؤكد ذلك أن اللجوء إلى القاضي الطبيعي من الحقوق التي كفلتها الدساتير المصرية المتعاقبة، فإن نشط أحد الأفراد ولجأ إلى القضاء واستصدر حكما بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة فلا ينبغي المساواة بينه وبين من آثر عدم اللجوء إلى القضاء تاركا حقه للسقوط بمضي المدة.
ومن حيث إن اختصاص هذه الدائرة طبقا للمادة (54 مكررا) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 ينحصر في إما ترجيح أحد الاتجاهات التي اعتنقتها دوائر المحكمة الإدارية العليا عند مخالفة بعضها بعضا حسما لهذا الخلاف، أو العدول عن مبدأ أو مبادئ قانونية قررتها أحكام سابقة لدوائر المحكمة، وإذ انتهت هذه الدائرة – على وفق ما سبق بيانه – إلى مخالفة كل من الاتجاهين اللذين اعتنقتهما دوائر المحكمة الإدارية العليا للتطبيق السليم لقانون المحكمة الدستورية العليا ولما استقرت عليه أحكام هذه المحكمة، فإن هذه الدائرة لا ترى ترجيح أي من الاتجاهين السابقين، وتمارس ولايتها في العدول عن كل من الاتجاهين وإرساء مبدأ جديد، وهو حساب مدة التقادم المسقط للحق (وهي خمس عشرة سنة) من تاريخ نشوء الحق المطالب به، وتنقطع هذه المدة باللجوء إلى القضاء.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
(أولا) أن الأثر الرجعي للحكم الصادر بعدم دستورية نص قانوني يستثنى منه الحقوق والمراكز التي تكون قد استقرت عند صدوره بانقضاء مدة التقادم.
(ثانيا) أن مدة التقادم المسقط يبدأ حسابها من تاريخ نشوء الحق المدعى به.
(ثالثا) إعادة الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة الإدارية العليا للفصل في موضوعها في ضوء ما تقدم.